يســــــــ يهوه ـــــــــوع العهد القديم |
قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ».
الباب الثاني أقانيم الله الواحد الفصل الأول صيغة الجمع في بعض أسماء الله إن الكتاب المقدس الذي أعلن أن الله واحد أعلن في ذات الوقت أن هذا الإله الواحد هو، مع وحدانيته، أكثر من واحد. لأن الكتاب من أوله إلى آخره يكلمنا عن ثلاثة على اعتبار أن كلا منهم هو هذا الإله الواحد، إذ أطلق على كل منهم أسماء الله العبرانية السالفة الذكر، ووصفه بصفات الله، وعزا إليه أعمال الله. فهو إذ يتكلم عن كل واحد من هؤلاء الثلاثة، يتكلم عنه باعتباره أنه هو ذات الإله الواحد الذي لا إله سواه. وهؤلاء الثلاثة سماهم « الآب والابن والروح القدس » هذا هو سر أسرار الله وكتابه، السر الذي ليس في وسعنا شرحه، بل، ولله الحمد، ليس مطلوباً منّا ذلك وإنما كل المطلوب منّا كخلائق عاقلة مسئولة هو أن نصدق الله ونؤمن به فيما أعلن به ذاته لنا أي أنه تعالى واحد بينما هو ثلاثة، وثلاثة بينما هو واحد. ولما لم يكن في الكتاب لهؤلاء الثلاثة غير أسماء الجلالة المختلفة العبرانية في التوراة واليونانية في الإنجيل، وغير الاسم الآب والابن والروح القدس الدال على التسمية الخاصة بكل منهم بمفرده والدال على نسبته الشخصية في اللاهوت الواحد للاثنين الآخرين، لما لم يكن في الكتاب غير هذه الأسماء اسم واحد مشترك لتعريفهم، اصطلح المسيحيون من قديم الزمان لمجرد التفاهم مع بعضهم ومع غيرهم على أن يطلقوا عليهم اسم”أقانيم“ الذي مفرده ”أقنوم“ وهي كلمة سريانية معناها شخص مميز عن آخر ولكنه متحد به. ولكن ليس لكلمة أقانيم هذه مقابل في اللغة العربية يؤدى معناها الصحيح. لأن كلمة ”أشخاص“ أو ”شخصيات“ التي تقابلها في العربية تدل على ذوات منفصلة. لأن الأشخاص البشريين وإن كانوا واحداً في النوع إلا أنهم ليسوا واحداً في الذات أو الجوهر إذ لكل منهم ذاته المنفصلة وليس فقط المميزة. بينما ليس الأمر كذلك بالنسبة للأقانيم الإلهية لأنهم وإن كانوا متميزين لكنهم ليسوا منفصلين. فكل منهم، وإن تميز عن الآخرين إلا أنه ذات الإله الواحد وليس إلهاً آخر. والثلاثة معاً هم ذات هذا الإله الواحد ولا يمكن رفض هذا الإيمان بدون رفض التوراة والإنجيل الذين أعلنا متفقين على أن الآب هو الله وأن الابن هو الله وأن الروح القدس هو الله، في حين أعلنا أنه لا إله إلا واحد. وفي ذات الوقت لم يتكلما قط عن شخص آخر غير هؤلاء الثلاثة بأنه الله، إذ لم يلقبا أحداً آخر غيرهم بألقاب الله الخاصة التي هي ”أهيه ويهوه وياه“، أو يصفاه بأوصاف الله أو يعزوا إليه القيام بأعمال الله. وتوجد أسماء إلهية مشتركة بين الثلاثة مما يدل على أنهم الله الواحد كاسم الجلالة « إيلوهيم » المترجم « الله » واسم الجلالة « يهوه » المترجم « الرب » ولكن مما يدل على تميزهم عن بعضهم في الأقنومية والنسبة إلى بعضهم نجد واحداً اسمه « الآب » وآخر اسمه – بطبيعة الحال..« الابن » أي ”ابن الآب“، وثالث اسمه – بما لا يدعو إلى الغرابة –« روح الآب » و« روح الابن » وهو بطبيعة الحال « الروح القدس » أيضاً لأنه « روح الله ». وتوجد أيضاً أفعال إلهية مشتركة بين الثلاثة مما يدل على أنهم الله الواحد كالخلق والعناية والفداء والقضاء والمُلك ولكن مما يدل على تميزهم عن بعضهم في الأقنومية والنسبة إلى بعضهم نجد أن لكل واحد منهم عمله الخاص، أو قل ناحية تخصه في العمل الواحد، فنجد الآب مثلاً أنه الماسح والمرسل والباذل ونجد الابن أنه الممسوح أو المسيح والمرسل والمبذول، ونجد الروح القدس أنه المسحة وقوة تنفيذ الإرسالية والبذل وجعلهما ذا قوة نفاذة في النفوس. وتميز كل منهم باسم خاص وعمل خاص يدل على تميزهم في الأقنومية رغم وحدتهم في اللاهوت، لا الوحدة النوعية بل الوحدة الذاتية الجوهرية باعتبارهم الله الواحد. وتميزهم في الأقنومية لا يقوم فقط بتمييز كل منهم عن الآخرين باسمه الخاص وعمله الخاص بل وبأنه قد استعمل في الكتاب لكل منهم بمفرده ضمائر الشخص العاقل فيعلنه متكلماً بضمير « أنا » ومخاطباً بضمير « أنت » ومتكلماً عنه بضمير « هو » وهذا يدل أيضاً على أنهم ليسوا ثلاثة أسماء أو ثلاثة صفات أو ثلاثة مظاهر لأقنوم واحد، لأن الأسماء أو الصفات أو المظاهر لا تخاطب بعضها بعضاً عن نفسها أو عن بعضها أو عن غيرها. فالآب والابن والروح القدس، إذن، ثلاثة أقانيم متميزين عن بعضهم لكنهم متحدون ببعضهم، أو ثلاثة أقانيم للإله الواحد الذي لا ثاني له ولا شبيه ولا شريك. ومن أول ما يدل في التوراة على أن الله الواحد هو أكثر من أقنوم واحد أنه كما استعملت التوراة من الأول صيغة المفرد في بعض أسماء الله للدلالة على وحدانيته تعالى في الذات استعملت له أيضاً في البعض الآخر ومن الأول صيغة الجمع للدلالة على أقانيمه. وذلك مثل الاسم الجمع « إيلوهيم » الذي أطلق على الله من أول آية في التوراة وهي « في البدء خلق الله (إيلوهيم) السماوات والأرض » (تكوين 1:1) وأيضاً مثل الاسم الجمع « أدوناي » في قول إبراهيم لله « أيها السيد. أدوناي » (تكوين 2:15) وأيضاً مثل الاسم الجمع « شداى » في قوله تعالى « أنا الله القدير(إيل شداى) » (تكوين 1:17). ومثل هذه الأسماء الجمع في التوراة يعد بالآلاف. ولكن صيغة الجمع فيها ليست بالمرة للدلالة على وجود أكثر من إله واحد، حاشا! لأنه ليس إله إلا واحد، وإنما للدلالة على أن الله الواحد هو أكثر من أقنوم واحد. وليس في اللغة البشرية غير صيغة الجمع يمكن استعمالها للتدليل على أن الله الواحد هو أكثر من أقنوم واحد رغم أنها تبدو وكأنها تنفى أنه إله واحد. ولكن ما الحيلة وليس في لغاتنا البشرية ما يفي بالغرض الإلهي، ليس فيها كلمة جمع مفرد ومفرد جمع تدل على المعنيين المختلفين واجتماعهما معاً في كائن واحد هو الله؟ ولكن هكذا هو فقر لغاتنا في تعريف الله. لذلك عولج هذا الفقر باستعمال الصيغتين، صيغة المفرد للدلالة على وحدانية الله في الذات والجوهر. وصيغة الجمع للدلالة على أقانيمه تعالى وتميزهم عن بعضهم حال كونهم الله الواحد، حتى يثبت الأمران ولا ينفى أحدهما الآخر الفصل الثاني الصيغتان والإعلان الصريح من أشهر آيات التوراة التي استعملت فيها الصيغتان في أسماء الله للدلالة على أنه سبحانه وتعالى جمع مفرد ومفرد جمع قول موسى النبي « اسمع يا إسرائيل: الرب » وهي في العبراني « يهوه » الاسم المفرد. « إلهنا » وهي في الأصل العبراني « إيلوهيم » الاسم الجمع. « رب (يهوه) واحد » (تثنية 4:6). ومن أشهر آيات الإنجيل التي استعملت فيها أيضاً الصيغتان، والتي تعتبر أنها الإعلان الصريح عن الأقانيم هي قول ربنا يسوع المسيح لرسله عن الذين يؤمنون به بكرازتهم « عمدوهم باسم » والاسم واحد مفرد للدلالة على وحدانية صاحبه. « الآب والابن والروح القدس » (متى 19:28) وهم جمع للدلالة على أن الله الواحد هو أكثر من أقنوم واحد. فلم يقل، بأسماء كأنهم ثلاثة آلهة. ولم يقل، باسم الله كأنه لا أقانيم، بل قال « باسم الآب والابن والروح القدس » أي باسم الله الواحد المثلث الأقانيم أو باسم الأقانيم الثلاثة الذين هم الله الواحد. ومثل ذلك أيضاً قوله « والله نفسه أبونا وربنا يسوع المسيح » - وهنا أقنومان، ولكنه بعد ذلك يقول « يهدى طريقنا » (تسالونيكي الأولى 11:3) ولم يقل يهديان، لأنهما واحد. أيضاً « وربنا نفسه* يسوع المسيح والله أبونا » ]*ولنلاحظ هنا استعمال كلمة « نفسه » للابن كما للآب مما يدل على المساواة في الأقنومية والمقام الإلهي والوحدانية في جوهر اللاهوت. ومن ثم كان من الطبيعي أن تستعمل أيضاً للروح القدس في قول الرسول مثلاً « الروح نفسه يشهد لأرواحنا الخ » (رومية 16:8)، أمّا البشر أو الملائكة فعند الكلام عنهم لا يستعمل لهم هذا التنبير على عظمة الشخصية. فلا يقال مثلاً ميخائيل نفسه أو داود نفسه أو بطرس نفسه[ وبعد ذلك يقول « يعزى قلوبكم » (تسالونيكي الثانية 16:2) ولم يقل، يعزيان، لأنهما واحد. لذلك أيضاً لا يجد الرسول مانعاً من تقديم ذكر الابن على الآب لأنهما واحد في المقام واللاهوت. وأيضاً « صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه » وهنا الاثنان، ولكنه بعد ذلك يقول « فسيملك إلى أبد الآبدين » (رؤيا 15:11) ولم يقل، فسيملكان، لأنهما واحد. وأيضاً « ولم أر فيها » أي في أورشليم السماوية « هيكلاً، لأن الرب الله القادر على كل شيء، هو والخروف » وهنا نجد الاثنين. ولكنه يقول بعد ذلك أنهما « هيكلها » (رؤيا 22:21) ولا يقول هيكلاها، لأنهما واحد. وأيضاً « وسيكونون كهنة لله والمسيح » وهنا نجد الاثنين ولكنه يقول بعد ذلك « وسيملكون معه ألف سنة » (رؤيا 6:20) ولا يقول معهما لأنهما واحد. وأيضاً « وعرش الله والخروف يكون فيها » (رؤيا 3:22) وهنا نجد الاثنين، ولكنه يقول بعد ذلك « وعبيده يخدمونه » ولا يقول وعبيدهما يخدمونهما لأنهما واحد.وكوحدة الابن هذه مع الآب، مع تميزه عنه، هكذا هي وحدته أيضاً مع الروح القدس، مع تميزه عنه لذلك بعدما يقول مثلاً « هذا يقوله ابن الله » (رؤيا 18:2) يختم بالقول « ومن له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس » (رؤيا 29:2). وكوحدة الابن مع الروح مع تميزه عنه هكذا هي وحدة الآب مع الروح مع تميزه عنه. لذلك بينما يقول الرسل في الإنجيل للآب « أيها السيد، أنت هو الإله…القائل بفم داود فتاك الخ… » (أعمال 24:4-27) نجد داود نفسه يقول في التوراة « روح الرب تكلم بي وكلمته على لساني » (صموئيل الثاني 2:23) وكوحدة الآب والابن مع بعضهما كالله الواحد مع تميزهما عن بعضهما كأقنومين واضحين، وكوحدة كل منهما مع الروح القدس كالله الواحد مع تميز كل منهما عنه كأقنومين واضحين هكذا هي وحدة الروح القدس مع كل من الآب والابن مع تميزه عنه. فتعلن وحدته مع الآب كالله الواحد في تسميته « روح أبيكم » (متى 20:10) في حين يعلن تميزه عنه كأقنوم بالقول في نفس العبارة « هو الذي يتكلم فيكم ». وتعلن وحدته أيضاً مع الابن كالله الواحد بتسميته « روح الابن » في القول « أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم » (غلاطية 6:4) في حين يعلن تميزه عنه كأقنوم بقول الرسول عنه في نفس العبارة « صارخاً (هو): يا أبا الآب ». وعليه فيلاحظ في الكتاب أنه متى استخدمت صيغة المفرد في أسماء الله (وأشهرها الأسماء « أهيه » وشبيهه « يهوه » الذي مختصره « ياه »، هذه الأسماء المفردة والتي ليس لها جمع والتي لم تستخدم لغير الله)، نعم، صيغة المفرد هذه في أسماء الله والدالة على الوحدانية متى استخدمت لأي أقنوم من الأقانيم الثلاثة بمفرده سواء أكان هو الآب أو الابن أو الروح القدس كان ذلك للدلالة على أنه الله الواحد باعتباره أحد أقانيمه، كما استخدمت للآب في القول « تآمر الرؤساء معاً على الرب (يهوه) وعلى مسيحه » (مزمور 2:2)، وكما استخدمت للابن في القول « وأمّا للابن » حسب الحاشية، فيقول « أمّا أنت يارب (يهوه) فإلى الدهر جالس…من قدم أسست الأرض، والسماوات هي عمل يديك » (قابل عبرانيين 8:1و10 مع مزمور 12:102و25)، وكما استخدمت للروح القدس كما في قول موسى لرجال عصره من الإسرائيليين « كنتم تقاومون الرب (يهوه) » (تثنية 7:9) وقول استفانوس لأبنائهم « أنتم دائماً تقاومون الروح القدس. كما كان آباؤكم كذلك أنتم! » (أعمال 51:7) ومتى استخدمت هذه الكلمة لأقنومين معاً كان ذلك للدلالة على أن الأقنومين هما الله الواحد كما في القول « روح الرب (يهوه) أراحهم » (إشعياء 14:63) ومادام روح الرب هو المذكور فيكون المقصود بالرب الذي الروح روحه هو الآب والابن ولاسيما أن الآب مشار إليه في الفصل في القول « إحسانات الرب (يهوه) أذكر » (إشعياء 7:63) والابن المشار إليه في القول « وملاك حضرته خلصهم » (إشعياء 9:63). ومتى استخدمت هذه الكلمة للأقانيم الثلاثة كان ذلك أيضاً للدلالة على أن الأقانيم الثلاثة هم الله الواحد كما في القول « الرب (يهوه) إلهنا (إيلوهيم) رب (يهوه) واحد » (تثنية 4:6). وكذلك أيضاً صيغة الجمع في أسماء الله « إيلوهيم وأدوناي وشداي » الصيغة الدالة على الأقانيم، هذه الصيغة متى استخدمت لله فإنما للدلالة على أنه الواحد المثلث الأقانيم كما في القول « في البدء خلق الله (إيلوهيم) السماوات والأرض » (تكوين 1:1) وكذلك متى استخدمت لأقنومين فإنما للدلالة على أنهما الله الواحد باعتبارهما أقنومين من أقانيم الله الواحد المثلث الأقانيم كما في القول « روح الله (إيلوهيم) يرف على وجه المياه » (تكوين 2:1) ومادام المذكور هو روح الله فيكون المقصود بالله (إيلوهيم) الذي الروح روحه هو الآب والابن. وكذلك متى استخدمت لأقنوم واحد من الثلاثة كان للدلالة على أنه الله الواحد باعتباره أحد أقانيم الله الواحد المثلث الأقانيم كما استخدمت للابن في القول « وأمّا للابن » حسب الحاشية، فيقول « كرسيك يا ألله (إيلوهيم) إلى دهر الدهور » (قابل عبرانيين 8:1 مع مزمور 6:45) وكما استخدمت للآب في قول النبي للابن كابن الإنسان عن الآب « من أجل ذلك مسحك الله إلهك (إيلوهيم إيلوهيمك) » (قابل عبرانيين 8:1و9 مع مزمور 6:45و7) وكما استخدمت للروح القدس في قول الرسول بطرس عنه لحنانيا « لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس؟…أنت لم تكذب على الناس بل على الله » (أعمال 3:5و4) وهي ترجمة الكلمة العبرانية إيلوهيم. وعليه كان لمقصود في اسم الجلالة « الرب » في توراتنا العربية سواء كان هو في التوراة العبرانية « يهوه » أو غيره، وفي اسم الجلالة « الله » أو « الإله » في توراتنا العربية سواء كان هو في التوراة العبرانية « إيلوهيم » أو غيره، كان المقصود إمّا أي واحد من الآب والابن والروح القدس وإمّا اثنين منهم وإمّا الثلاثة معاً وهذا يفهم من سياق الكلام كما سنرى. ولا محل للظن بأن اسم الجلالة « إيلوهيم » أي الله بصيغة الجمع والذي ترجمته الحرفية ”الآلهة“ هو لغة مستمدة من الوثنيين « لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس » (بطرس الثانية 21:1). ولأن الله رفض بإصرار أن يستعمل شعبه له أي اسم يستمدونه له من الديانة الوثنية، فرفض مثلاً أن تدعوه أمة إسرائيل باسم « بعلي » أي زوجي أو سيدي لمجرد تشابهه مع اسم وثن يُدعى « البعل » وجمعه « البعليم » وطلب أن تدعوه « رجلي » ولا تدعوه « بعلي » حتى لا يأتي اسم الوثن على فمها ولو كانت تقصد به الله. فيقول تعالى « أنك تدعينني: رَجُلي » أي أمرئي تكوين 23:2 « ولا تدعينني بَعدُ بعلي. وأنزع أسماء البعليم من فمها، فلا تُذكَر أيضاً بأسمائها » (هوشع 16:2و17). وعليه فاسم الجلالة « إيلوهيم » أي الله بصيغة الجمع ليس مستمداً بالمرة من الوثنية بل موحي به من الله مباشرة والعكس هو الأصح أي أن الديانة الوثنية هي التي استمدت من الديانة الإلهية هذه التسمية لإطلاقها على آلهتها كما استمدت غير ذلك أيضاً من الديانة الإلهية كالذبائح التي أولها الذبيحة التي ألبس الله جلدها لآدم وحواء (تكوين 21:3) وثانيها الذبيحة التي قدمها هابيل (تكوين 4:4) ثم الذبيحة التي قدمها نوح (تكوين 20:8) الذي من بعده بدأت الوثنية. وهذا أمر بديهي لأن الديانة الإلهية هي الأصل والأقدم. على أن الله قد احتاط من الأول لسوء فهم صيغة الجمع في أسماء الجلالة « إيلوهيم وأدوناي وشداي ». فلئلا يجعلون لها دلالة وجود أكثر من إله واحد استعمل إلى جانبها صيغة المفرد في أسماء الجلالة « يهوه وأهيه وياه » وعليه لمّا استعمل تعالى اسم الجمع « إيلوهيم » من أول أصحاح في الكتاب للدلالة على أنه تعالى أقانيم بادر لاستعمال اسم المفرد « يهوه » بالإضافة إلى الاسم الجمع « إيلوهيم » من ثاني أصحاح في الكتاب للدلالة على أنه تعالى واحد وإن كان أقانيم. ومن ثم نجد في الأصحاحين الثاني والثالث من سفر التكوين الاسمين « يهوه إيلوهيم » والمترجمين « الرب الإله » إلى جانب بعضهما 20مرة. ومدلولهما واضح وهو الله الواحد المثلث الأقانيم. وهذا لكي لا يكون من الأول عذر للوثنيين معددي الآلهة، ولا في الآخر لمنكري الأقانيم ولا سيما بعد إيضاح أمرهم باكتمال إعلان الله في تجسد الابن، والإلهام بالإنجيل لرسل وأنبياء العهد الجديد. الفصل الثالث صيغة الجمع في الضمائر المشيرة لله والإعلان الصريح ولم يعلن الكتاب أقانيم الله باستعماله صيغة الجمع في بعض أسماء الله فقط بل وباستعمالها أيضاً في الضمائر المشيرة إليه. فقيل « وقال الله (إيلوهيم): نعمل » بصيغة الجمع « الإنسان على صورتنا كشبهنا » (تكوين 26:1) بصيغة الجمع، أمّا المدعون بأنهم شهود يهوه فيحاولون أن يوهموا القارىء أن الاسم « إيلوهيم » في حالة استعماله لله لم يستخدم له إلا ضمائر الفرد (كتابهم المسمى الحق يحرركم ص 31 س 4-6). وها أنت أيها المسيحي الحقيقي قد رأيت بنفسك، أن الاسم « إيلوهيم » وهو مستعمل لله قد استخدم له ضمائر جمع وأفعال جمع لتأكيد الدلالة على الأقانيم إلى جانب ما استعملته له من صيغة المفرد في الضمائر والأفعال للدلالة على الوحدانية. ومن أشهر الآيات التي استخدمت التوراة فيها ضمير المفرد للإشارة إلى وحدانية الله بالإضافة إلى ضمير الجمع للإشارة إلى أقانيمه هي قوله تعالى « مَن أُرسل؟ » بضمير المفرد « ومن يذهب من أجلنا؟ » (إشعياء 8:6) بضمير الجمع. أمّا من جهة استعمال ضمير الجمع في الإنجيل للدلالة على الأقانيم فيقول الرب يسوع لنيقوديموس « الحق الحق أقول لك: إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا » (يوحنا 11:3) وهذا إعلان إلهي صريح على أقانيم الله وعلى أن الابن المتكلم واحد منهم. لأنه باستعماله وهو فرد صيغة الجمع هذه كان مشيراً إلى نفسه وإلى أبيه وإلى روحه باعتبارهم الله الواحد الشاهد لنفسه ولحقه شهادة شاهد عيان. وإن قيل أن المسيح في استعماله لضمير الجمع هذا كان مشيراً إلى نفسه وإلى تلاميذه موحداً نفسه معهم في الشهادة قلنا، هذا مردود عليه بقوله بعد ذلك « إن كنت قد قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات؟ وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء*، ابن الإنسان الذي هو في السماء » (يوحنا 12:3و13) [*صعد إليها أخنوخ بجسده متغيراً ولكنه لم ينزل منها ليخبرنا بما فيها وصعد إليها إيليا بجسده متغيراً ولكنه لم ينزل منها إلا ليتلاقى مع سيده المتجسد على جبل التجلي ويتكلم معه لا معنا عن خروجه الذي كان مزمعاً أن يتممه في أورشليم. وصعد إليها بولس. وهو لا يعلم أكان في الجسد أم خارج الجسد ولكنه نزل منها عالماً أن ما سمعه وما رآه لا يسوغ النطق به. وكل القديسين الراقدين صعدوا إليها بأرواحهم. لا بأجسادهم. ولم ينزل منهم أحد ليخبرنا بما فيها. ولو أن صموئيل نزل حاملاً معه قضاء الله على شاول. وهذا ليس أخباراً عن السماء. ونزل موسى أيضاً ولكن لا يكلمنا عن السماء بل يتكلم مع سيده عن خروجه في أورشليم. أمّا الابن المتجسد فوإن كان بالتجسد قد نزل من السماء إلا أنه بلاهوته غير المنظور كان يملأ الأرض والسماء ويخبرنا عما في السماء وهو على الأرض بالجسد] ومفهوم طبعاً أن التلاميذ لم يصعدوا إلى السماء ولا رأوا ما فيها ولا نزلوا منها ليشهدوا عنها شهادة شاهد عيان مثله. فهم إذن، ليسوا من وحد المسيح معهم في الشهادة بل الآب والروح القدس، الأمر الذي يؤيده قوله بعد ذلك لليهود « في ناموسكم مكتوب أن شهادة رجلين حق: أنا هو الشاهد لنفسي، ويشهد لي الآب الذي أرسلني » (يوحنا 17:8و18) مضافاً إليه قوله لتلاميذه « ومتى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق، فهو يشهد لي » (يوحنا 26:15) وهذا يدل دلالة واضحة كل الوضوح على أنه في قوله بضمير الجمع « إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا، ولستم تقبلون شهادتنا » (يوحنا 11:3) كان يقصد نفسه مع الآب والروح القدس. ولو لم يكن هو الله والروح القدس هو الله كما أن الآب هو الله لما أمكن أن يجمع ويوحد نفسه والروح القدس مع الآب على هذا النحو. لأنه كيف يجوز للمخلوق أن يجمع ويوحد نفسه مع الخالق بهذه الصورة؟ إذن، فالثلاثة هم الله الواحد بأقانيمه الثلاثة. ومن أشهر الآيات التي استخدم الإنجيل فيها ضمير المفرد للإشارة إلى وحدانية الله بالإضافة إلى ضمير الجمع للإشارة إلى أقانيمه هو قول الرب يسوع « الذي يحبني يحبه أبي، وأنا أحبه، وأظهر له ذاتي » وكل هذا بضمير المفرد « …وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً » (يوحنا 21:14و23) وهذا بضمير الجمع. ومساواة الآب والابن لبعضهما في الأقنومية واضحة في هذه العبارة من قيام كل منهما بذات العمل الذي يقوم به الآخر. ولاهوت كل منهما واضح في أن العمل الذي يقوم به كل منهما عمل إلهي. ووحدتهما معاً كالله الواحد واضحة في قيامهما بذات العمل الإلهي الواحد. ولا محل للظن بأن استعمال الكتاب، توراة وإنجيلاً، لضمير الجمع في الإشارة إلى الله كان للتعظيم وإلا لما جاز بالمرة استعمال صيغة المفرد في كلامه عن نفسه. هذا فضلاً عن أن استعمال صيغة الجمع للتعظيم تجوز في كلام المتكلم وللمخاطب ولكنها لا تجوز في الكلام عن الغائب لا في الأسماء ولا في الضمائر. فيقال مثلاً « فلمّا سمع هيرودس الملك اضطرب » (متى 3:2) ولا يقال لمّا سمع الهرادسة اضطربوا بجمع اسمه وفعله للتعظيم. أمّا الله، جل شأنه، فاستعملت له صيغة الجمع اسماً وفعلاً في حالة الغائب نفسها. فقيل في التوراة « هناك ظهر له (إيلوهيم) » (تكوين 7:35) وفي الأصل العبراني الفعل « ظهر » والاسم « الله » هما في صيغة الجمع. ومثل هذا في التوراة كثير جداً. وفي الإنجيل أيضاً جاء عن الله في حالة الغائب بغير صيغة المفرد قول الرسول يوحنا « مَن يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعاًً » (يوحنا الثانية 9) وقول الرب يسوع نفسه لليهود عن نفسه وعن أبيه « في ناموسكم مكتوب إن شهادة رجلين حق: أنا هو الشاهد لنفسي، ويشهد لي الآب الذي أرسلني » (يوحنا 17:8و18) يضاف إلى ما سبق أن ذلك الأسلوب الأجوف من الكلام، أسلوب استعمال صيغة الجمع للتعظيم في كلام المتكلم أو مخاطبته ولو كان ملكاً، لم يكن معروفاً ولا جارياً في تلك الأزمنة الغابرة. فقد جاء في التوراة مثلاً أن فرعون ملك مصر قال ليوسف « إني كنت في حلمي » (تكوين 17:41) ولم يقل، إنَّا كنَّا في حلمنا. وجاء في الإنجيل أن الملك أغريباس قال لبولس « بقليل تقنعني أن أصير مسيحياً » (أعمال 27:26و28) ولم يقل مشيراً إلى نفسه، بقليل تقنعنا أن نصير مسيحيين. وينفى نفياً باتاً الفكرة القائلة بأن استعمال الكتاب لضمير الجمع في الإشارة إلى الله كان لأجل التعظيم ويثبت أنه إنما كان لإعلان الأقانيم قوله تعالى عن الإنسان بعد سقوطه « هوذا الإنسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر » (تكوين 22:3) ومهما كانت اللغة التي يمكن للإنسان أن يستعملها لتعظيم نفسه فإنها لن تبلغ إلى الحد الذي فيه يستطيع أن يقول عن نفسه « كواحد منّا » لأنه في ذاته ليس أكثر من واحد. أمّا الله الواحد في لاهوته فلأنه أكثر من واحد في أقانيمه يجوز له وحده دون سواه أن يستعمل لنفسه هذا الأسلوب من الكلام. فهو أسلوبه الخاص الذي تفرد به تعالى لتفرده بكونه أكثر من أقنوم واحد مع أنه الله الواحد. ولذلك تأتى تلك العبارة في التوراة، بل وفي صفحاتها الأولى. ولنلاحظ أيضاً أنه تعالى لم يقل، صار الإنسان مثلنا بضمير الجمع كما سبق وقال في خلق الإنسان « نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا » بل قال « كواحد منّا » تمييزاً للأقانيم وللكلام عنهم واحداً واحداً في تميز كل منهم عن الآخر في شخصيته. وهذا تدرج منه تعالى في الإعلان عن ذاته ففي ص1:1 لما استعمل في الإشارة عن نفسه اسم الجمع « إيلوهيم » دل مبدئياً على أنه تعالى أكثر من أقنوم واحد. وبإشارته بعد ذلك إلى نفسه في ع 26 من نفس الأصحاح بضمير الجمع في قوله تعالى « نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا » دل ثانياً على أن أقانيمه واحد في الصورة والشبه باعتبارهم الله الواحد. أخيراً في قوله عن نفسه في ص 22:3 « هوذا الإنسان قد صار كواحد منّا » قد دل في النهاية على ما لأقانيمه من تميز عن بعضهم الواحد عن الآخر رغم وحدانيتهم في اللاهوت وفي الصورة الإلهية أزلياً كالله الواحد. ولا محل للظن أيضاً بأن الله في قوله تعالى عن الإنسان في خلقه « نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا » (تكوين 26:1) كان مخاطباً الملائكة جامعاً وموحداً إياهم معه في عمل الإنسان، وفي الصورة والشبه الإلهيين الأزليين: أولاً – لأنه ليس من شأن الملائكة ولا من قدرتهم كخلائق أن يشتركوا مع الله في عمل الإنسان في حين أن هذا الخلق المستحيل على الملائكة هو ما قام به الآب والابن والروح القدس كما قيل عن الآب أنه « خالق الجميع بيسوع المسيح » (أفسس 9:3) وعن الابن أن « الكل به وله قد خلق » (كولوسي 16:1) وعن الروح القدس « روح الله صنعني ونسمة (أي روح) القدير أحيتني » (أيوب 4:33) وهذا هو سر ضمير الجمع في قوله تعالى « نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ». ثانياً – لأن الملائكة لم يكونوا أزلياً واحداً مع الله في الصورة والشبه لأنهم مخلوقون ولهم بداءة. ثالثاً _ إنه ولو أن الملائكة مخلوقون أرواحاً على صورة الله كروح فعنه، رغم ذلك، حاشا لله أن ينزل نفسه إلى مستواهم فيجمع ويوحد نفسه معهم وهم الخلائق المحدودون أو أن يرفعهم إلى مستواه، وهو الخالق الغير المحدود، جامعاً وموحداً إياهم مع ذاته العليا بقوله « على صورتنا كشبهنا ». كما أنه تعالى في قوله عن الإنسان بعد سقوطه « هوذا الإنسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر » (تكوين 22:3) لم يكن موجهاً الخطاب أيضاً إلى الملائكة. لأن المتكلم يشير إلى المخاطبين كمساوين له في معرفة الخير والشر ذاتياً وبالتبعية إلهياً وأزلياً في حين أن الملائكة لم يكونوا أزليين لا في ذواتهم ولا في معرفتهم لأنهم مخلوقون. وبالتبعية لم يكونوا مساوين أو معادلين لله في معرفة الخير والشر. فالملائكة إذن، ليسوا هم المخاطبين في القول « نعمل الإنسان على صورتنا » أو « هوذا الإنسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر »: أولاً – لأن الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يتكلم مع الملائكة باعتباره واحداً منهم. ثانياً – لأنهم لم يشتركوا مع الله في عمل الإنسان. ثالثاً – لأنه ليست لهم ذاتياً وأزلياً صورة الله. رابعاً – لأنهم ليسوا في قياس الله في المعرفة. إذن، كان المتكلم بالضرورة هو أحد أقانيم الله الذي يمكن لأي واحد منهم أن يقول للباقين « نعمل الإنسان على صورتنا » أو « هوذا الإنسان قد صار كواحد منّا عارفاً الخير والشر » وهذا لمساواتهم ومعادلتهم جميعاً لبعضهم في الأقنومية ووحدتهم معاً في اللاهوت والصورة الإلهية الأزلية والقدرة والمعرفة. وليس بغريب أن يكلم الأقانيم بعضهم بعضاً وسيلاقينا الكثير من هذه الأحاديث الإلهية في الفصول الكتابية التي سنمر بها، وهذه أحاديث بين الأقانيم معلنة في الزمان، وتدل طبعاً على أن هناك أحاديث سرية لا دخل لنا بها كما يقول موسى النبي « السرائر للرب إلهنا، والمعلنات لنا ولبنينا إلى الأبد » (تثنية 29:29) وعن هذه الأحاديث السرية الأزلية يقول أليفاز التيماني لأيوب في التوراة « هل تنصت في مجلس الله؟ » (أيوب 8:15). ويقول بطرس لليهود عن المسيح في الإنجيل « هذا أخذتموه مسلماً بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق » (أعمال 23:2) وقال الرسل للآب عن صلب اليهود للمسيح « ليفعلوا كل ما سبقت فعينت يدك ومشورتك أن يكون » (أعمال 28:4) وقال الابن « الآب يحب الابن ويريه جميع ما هو يعمله » (يوحنا 20:5) ويقول لتلاميذه « إني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي » (يوحنا 15:15) ويقول عن الروح القدس أنه « لا يتكلم من نفسه » أي بالانفصال أو الاستقلال عن الآب والابن « بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم » (يوحنا 13:16-15). ويقول الرسول بولس كالموحي إليه بالروح القدس بهذه المشورة « إني لم أؤخر أن أخبركم بكل مشورة الله » (أعمال 27:20). فكأن الله سبحانه وتعالى مجلس شورى إن جاز التعبير وهذا لا يمكن أن يكون إلا إذا كان الله أقانيم. |
المقدمة ، افتتاحية هامة، الباب الأول، الباب الثاني، الباب الثالث، 3-2 ، 3-3 ، 3-4 ، 3-5 ، 3-6 ، 3-7 ، 3-8 ، 3-9 ، 3-10، 3-11 ، 3-12 ، 3-13 ، 3-14 ، 3-15 ، 3-16 ، 3-17 ، 3-18، الباب الرابع ، الباب الخامس ، الخاتمة.
جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.