شرح إنجيل يوحنا |
بنيامين بنكرتن
الأصحاح الثامن 1 أَمَّا يَسُوعُ فَمَضَى إِلَى جَبَلِ
الزَّيْتُونِ. 2 ثُمَّ
حَضَرَ أَيْضًا إِلَى الْهَيْكَلِ فِي
الصُّبْحِ، وَجَاءَ إِلَيْهِ جَمِيعُ
الشَّعْبِ فَجَلَسَ يُعَلِّمُهُمْ. 3 وَقَدَّمَإِلَيْهِ
الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ
امْرَأَةً أُمْسِكَتْ فِي زِنًا.
وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسْطِ 4
قَالُوا لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، هذِهِ
الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي
فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، 5 وَمُوسَى
فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ
مِثْلَ هذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا
تَقُولُ أَنْتَ؟» 6 قَالُوا هذَا
لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ
مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى
أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ
بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ. 7 وَلَمَّا
اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ
وَقَالَ لَهُمْ:«مَنْ كَانَ مِنْكُمْ
بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا
أَوَّلاً بِحَجَرٍ!» 8 ثُمَّ
انْحَنَى أَيْضًا إِلَى أَسْفَلُ
وَكَانَ يَكْتُبُ عَلَى الأَرْضِ. 9 وَأَمَّا
هُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا وَكَانَتْ
ضَمَائِرُهُمْ تُبَكِّتُهُمْ، خَرَجُوا
وَاحِدًا فَوَاحِدًا، مُبْتَدِئِينَ
مِنَ الشُّيُوخِ إِلَى الآخِرِينَ.
وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ
وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسْطِ.
10 فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ
وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى
الْمَرْأَةِ، قَالَ لَهَا:«يَاامْرَأَةُ،
أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ
عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» 11 فَقَالَتْ:
«لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ
لَهَا يَسُوعُ:«وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ.
اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا». (عدد 1-11). لما تفرق اخصام المسيح كل واحد إلى بيتهِ
مضى هو إلى جبل الزيتون خارج المدينة
التي رؤساؤها كانوا كذئاب خاطفة ثم رجع
إلى الهيكل اليوم التالي صباحًا فجلس
يُعلم فخطر ببال الكتبة الماهرين
بالشريعة والفريسيين المتعصبين بالدين
أنهم يستطيعون أن يخجلوا المسيح قدام
جميع الشعب فقدموا إليهِ امرأة أُمسكت في
زنا وأقاموها في الوسط. ثم خاطبوه
كَمُعلَّم متظاهرين بأنهم يكرمونهُ
وأخبروهُ جهارًا بدعوى تلك المرأة
المشكو عليها. فلا يوجد ريب بأنها مذنبة.
ولكن يا ترى ماذا يجب أن يفعلوا بها؟ كان
موسى قد أوصاهم في الناموس: أن مثل هذه
ترجم (انظر لاويين 10:20؛ تثنية 22:22). ثمَّ
قالوا للمسيح: فماذا تقول أنت؟ فعملوا
ذلك بالرياء والمكر لأنهم من زمان طويل
لم يرجموا زانية وظنوا أن الرب لا يقدر أن
يتخلَّص من هذه الشبكة، لأنهُ إن قال لهم
اتركوها فهو مُخالف لناموس موسى فيكون
أمرهُ واضحًا للجميع. ونرى فيهم معظم
رداءة قلب الإنسان بحيث أنهُ يستعمل
شريعة الله العادلة المقدسة لكي ينقض بها
النعمة المجانية التي نحتاج إليها
جميعنا. وأما يسوع فانحنى إلى أسفل، وكان
يكتب بإصبعهِ على الأرض. كان كامل الحكمة
وعرف كيف يتصرف مع أولئك المكارين الذين
رفضوا النعمة، ولم يزالوا يخالفون
الناموس. لسنا نعلم ماذا كان الرب يكتب
على الأرض؟ ولكننا نعلم أنهُ كان قادرًا
لو شاء أن يكتب أسماءهم وقائمة خطاياهم
مقابلها. فاستمرُّوا يسألونهُ وربما
افتكروا، أنهُ مرتبك في مسألتهم، ولا
يقدر أن يجاوبهم خوفًا من النتيجة. فتأنى
عليهم إلى أنهم أظهروا أنفسهم تمامًا
قدام الجميع، ثمَّ انتصب وقال لهم: من
منكم بلا خطية فليرمِها أولاً بحجر.
فمعناهُ أن حكم الناموس على مثل هذه
المرأة هو صادق، ولا اعتراض عليهِ غير
أنهُ يقتضي وجود من يجريهِ. نحن جميعًا
خطاة، وإذا أخذنا الناموس لكي نحكم بهِ
على الآخرين فيحكم علينا نحن قبل الكل.
فأنهُ مثل سيف حادّ بلا مقبض فكل خاطئ
يمسكهُ إنما يجرح نفسهُ. ثمَّ انحنى
أيضًا إلى أسفل، وكان يكتبّ على الأرض.
كان هادئًا غاية الهدوء لأن كلامهُ كان
مثل النور الذي يخرق الظلام الدامس. وأما
هم فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكتهم
خرجوا واحدًا فواحدًا مبتدئين من الشيوخ
إلى الآخرين. فأخذوا يتذكرون كل واحد
بخطاياهُ، لأن كلام الرب مسَّ ضمائرهم
القاسية رغمًا عنهم، ولكنهم عملوا مثل
آدم بعد سقوطهِ حين سمع صوت الله وخاف
وابتعد عن حضورهِ. فلم يريدوا أن يأتوا
إلى النور لئلا توبخ أعمالهم (راجع إصحاح
20:3). لو ابتدأت فيهم التوبة لخرُّوا أمام
الرب معترفين بخطاياهم طالبين منهُ نفس
الرحمة التي كانت تلك الزانية تحتاج
إليها لأن من عثر في نقطة واحدة من
الناموس قد صار مجرمًا في الكل. فشعروا
بخطاياهم، ولكنهم خافوا على صيتهم قدام
الناس فابتعدوا عن النور خوفًا من أنهُ
يكشف شرورهم، ويجلب عليهم إهانة من الناس.
كانت خطايا جميعهم كثيرة، ولو أراد الرب
أن يشهرهم لكان قادرًا على ذلك بكل
سهولةٍ. وأما الشيوخ فخافوا أكثر فأسرعوا
إلى الخروج وسبقوا الآخرين. فهذه حالة
الإنسان إذا ظهرت لهُ خطاياهُ أمام الله
والنعمة ليست عاملة فيهِ لتأتي بهِ إلى
التوبة لأنهُ يهرب من النور مفصلاً صيتهُ
الكاذب مع الناس على الاقتراب إلى الله
والاعتراف بخطاياهُ
لخلاص نفسهِ. ولا يُخفى أن الصيت الحسن في
الديانة هو أعظم فخ لصاحبهِ، ويمنعهُ عن
الخضوع لنعمة الله. كما قال الرب مرةً عن
أولئك الرؤساء: أيُّها القادة العميان،
الذين يصفُّون عن البعوضة ويبلعون الجمل.
ويل لكم، أيُّها الكتبة والفريسيون
المراؤون، لأنكم تنقون خارج الكأس
والصفحة، وهما من داخل مملوآن اختطافًا
ودعارة (مَتَّى 24:23، 25). لا شك بأن المرأة
التي اشتكوا عليها كانت مذنبة، ولكن لو
انتبهوا لحالتهم لرأوا أنفسهم أذنب منها
أضعافًا. وبقى يسوع وحدهُ والمرأة واقفة
في الوسط. ولكننا نعلم أن الناموس صالح،
إن كان أحد يستعملهُ ناموسيًّا (تيموثاوس
الأولى 8:1). فعرف الرب أن يستعمل الناموس
ناموسيًّا فبكَّت بهِ ضمائر اخصامهِ
وسدَّ أفواهم. لا يقدر الإنسان أن يقف
أمام الله على مبدأ الناموس. كما قال داود
النبيّ: ولا تدخل في المحاكمة مع عبدك
فأنهُ لن يتبرَّر قدامك حيٌّ (مزمور 2:143).
فخرج أولئك المراؤون معتنين بصيتهم
الحسن، ولكن محكوم عليهم في ضمائرهم من
نفس الشريعة فبقيت واقفة في الوسط أمام
الرب. فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحدًا سوى
المرأة قال لها: يا امرأة ، أين هم أولئك
المشتكون عليكِ. أما دانكِ أحدٌ، فقالت:
لا أحد يا سيد، فقال لها يسوع: ولا أنا
أدينك، أذهبي ولا تخطئي أيضًا. قابل هذا
مع ما قالهُ سابقًا. لأنهُ لم يرسل الله
ابنهُ إلى العالم ليدين العالم بل ليخلص
بهِ العالم (إصحاح 17:3). فلم يحضر المسيح في
الأول لكي يجري الدينونة فأبى هنا أن
يدين تلك المرأة الخاطئة من بعد هبوط
دعوى المُشتكين عليها. ثمَّ صرفها قائلاً:
أذهبي، ولا تخطئي أيضًا. فلا يذكر هل آمنت
بهِ أم لا؟ ولا
هل نالت مغفرة خطاياها أم لا؟ لأن ذلك ليس
من مقصد الوحي بما أدرجهُ هنا بحيث أنهُ
يرينا إياهُ كالنور الذي أضاء في الظلام
المُبكت منهُ، ولم يدركهُ. 12 ثُمَّ
كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلاً:«أَنَا
هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ
يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي
الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ
الْحَيَاةِ». 13 فَقَالَ لَهُ
الْفَرِّيسِيُّونَ: «أَنْتَ تَشْهَدُ
لِنَفْسِكَ. شَهَادَتُكَ لَيْسَتْ
حَقًّا». 14 أَجَابَ يَسُوعُ
وَقَالَ لَهُمْ:«وَإِنْ كُنْتُ أَشْهَدُ
لِنَفْسِي فَشَهَادَتِي حَق، لأَنِّي
أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى
أَيْنَ أَذْهَبُ. وَأَمَّا أَنْتُمْ
فَلاَ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ آتِي
وَلاَ إِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ. 15 أَنْتُمْ
حَسَبَ الْجَسَدِ تَدِينُونَ، أَمَّا
أَنَا فَلَسْتُ أَدِينُ أَحَدًا. 16 وَإِنْ
كُنْتُ أَنَا أَدِينُ فَدَيْنُونَتِي
حَق، لأَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ
أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. 17
وَأَيْضًا فِي نَامُوسِكُمْ
مَكْتُوبٌ أَنَّ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ
حَق: 18 أَنَا هُوَ الشَّاهِدُ
لِنَفْسِي، وَيَشْهَدُ لِي الآبُ
الَّذِي أَرْسَلَنِي». 19 فَقَالُوا
لَهُ:«أَيْنَ هُوَ أَبُوكَ؟» أَجَابَ
يَسُوعُ: «لَسْتُمْ تَعْرِفُونَنِي
أَنَا وَلاَ أَبِي. لَوْ عَرَفْتُمُونِي
لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا».
(عدد 12-19). سبق وتبرهن أنهُ نور العالم بفعلهِ في
ضمائر الذين أتوا إليهِ بالرياء لكي
يجربوهُ ثمَّ ابتعدوا عنهُ خوفًا من
إظهار أعمالهم لأنهم أحبوا الظلمة
وأبغضوا النور. من يتبعني فلا يمشي في
الظلمة بل يكون لهُ نور الحياة. فنور
الحياة، هو المسيح ذاتهُ الذي يُحيينا ويُنيرنا. فنأتي إليهِ ونمتلكهُ ثمَّ نمشي
وراءهُ في نورهِ. فعاد الفريسيون
واعترضوا عليهِ بأنهُ يشهد لنفسهِ،
ومعناهم أنهُ رجل كاذب ليس عندهُ ما يثبت
أنهُ مرسل من الله. أجاب يسوع وقال لهم:
وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حقّ كشخص
إلهي كامل العلم أن يشهد لنفسهِ، لأنهُ
لم يحضر إلى العالم كغيرهِ من البشر بدون
معرفة، ولم يكن مستقبلهُ مجهولاً عندهُ
كما هو الحال معنا إذ علم من أين أتى وإلى
أين يذهب. فشهد عن نفسهِ أنهُ نور العالم،
وكان جوابهُ السابق قد فعل كالنور في
أظلم القلوب فإذًا شهادتهُ حقٌّ لأنها
كانت مصحوبة بالقوة وليست صورة فارغة
ككلام من يدَّعي بإرسالية من الله بحسب
الكذب المستولي على قلوب البشر. سبق وقال:
إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقًّا (إصحاح
31:5)، ولكن معناهُ بحسب قرائن الكلام أنهُ
إن كان يشهد لنفسهِ كواحد وحدهُ
بالانفصال عن الآب الذي أرسلهُ
فبالضرورة يكون كنبي كذاب فأن شهادتهُ
الذاتية لا تثبت شيئًا. فلم يكن كذلك بل
عمل وتكلم طوعًا لأبيهِ وفي الشركة
التامة معهُ. وأما أنتم فلا تعلمون من أين
آتي ولا إلى أين أذهب. هذا من جهة عدم
معرفتهم بحقيقة شخصهِ كالذي أتى من الله
فأنهم لم يقدروا أن يعرفوا ذلك، أن لم
يؤمنوا بهِ. سبق وقال لهم: في (إصحاح 28:7)،
أنهم عرفوهُ وعرفوا من أين هو، ولكنهُ
عني بذلك ولادتهُ بين الناس وظروفها فلا
يوجد أقل مناقضة بين الموضعين. أنتم حسب
الجسد تدينون أما أنا فلستُ أدين أحدًا.
فكانوا عديمي النعمة وعميانًا أيضًا
فبدل أن يميزوا أن الناموس حكم عليهم
جميعًا وسدَّ أفواهم قدام الله (انظر
رومية 19:3) أرادوا أن يستعملوهُ لأجل
دينونة الآخرين كما قد رأينا في هذا
الإصحاح، وأما المسيح فكان حاضرًا بينهم
بالنعمة كما قال للمرأة، ولا أنا أدينكِ.
غير أنهُ كان لهُ حقّ أن يدين في ذلك
الوقت أو في أي وقت كان لو شاء ذلك وإذا
كان يدين تكون دينونتهُ حقًّا، لأنهُ عمل
كل شيء بالاتفاق مع الآب وطاعةً لهُ (راجع
إصحاح 22:5-30). ثمَّ دلَّهم على شريعة موسى
التي طلبت شاهدين لأجل تثبيت دعوى فبموجب
ذلك كانت شهادة المسيح لنفسهِ بالكلام
والعمل، وشهادة الآب لهُ كافية لتثبيت
إرساليتهِ، وإذا لم يصدقوها فلا يكون لهم
عذر. فقالوا لهُ: أين هو أبوك؟ فتكلموا
هذا بالغيظ غير طالبين الإفادة. أجاب
يسوع: لستم تعرفونني أنا ولا أبي. لو
عرفتموني لعرفتم أبي أيضًا. فأجابهم: حسب
حماقتهم وتركهم في الجهالة والظلمة التي
أحبُّوها. 20 هذَا
الْكَلاَمُ قَالَهُ يَسُوعُ فِي
الْخِزَانَةِ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي
الْهَيْكَلِ. وَلَمْ يُمْسِكْهُ أَحَدٌ،
لأَنَّ سَاعَتَهُ لَمْ تَكُنْ قَدْ
جَاءَتْ بَعْدُ. 21 قَالَ
لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا:«أَنَا أَمْضِي
وَسَتَطْلُبُونَنِي، وَتَمُوتُونَ فِي
خَطِيَّتِكُمْ. حَيْثُ أَمْضِي أَنَا
لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا»
22 فَقَالَ الْيَهُودُ:«أَلَعَلَّهُ
يَقْتُلُ نَفْسَهُ حَتَّى يَقُولُ:
حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ
أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا؟». 23 فَقَالَ
لَهُمْ:«أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ، أَمَّا
أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هذَا
الْعَالَمِ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ
هذَا الْعَالَمِ. 24 فَقُلْتُ
لَكُمْ: إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي
خَطَايَاكُمْ، لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ
تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ
تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ». 25 فَقَالُوا
لَهُ: «مَنْ أَنْتَ؟» فَقَالَ لَهُمْ
يَسُوعُ:«أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا
أُكَلِّمُكُمْ أَيْضًا بِهِ. 26 إِنَّ
لِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةً أَتَكَلَّمُ
وَأَحْكُمُ بِهَا مِنْ نَحْوِكُمْ،
لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَق.
وَأَنَا مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، فَهذَا
أَقُولُهُ لِلْعَالَمِ». 27 وَلَمْ
يَفْهَمُوا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ
لَهُمْ عَنِ الآبِ. 28 فَقَالَ
لَهُمْ يَسُوعُ:«مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ
الإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ
أَنِّي أَنَا هُوَ، وَلَسْتُ أَفْعَلُ
شَيْئًا مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ
بِهذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي. 29 وَالَّذِي
أَرْسَلَنِي هُوَ مَعِي، وَلَمْ
يَتْرُكْنِي الآبُ وَحْدِي، لأَنِّي فِي
كُلِّ حِينٍ أَفْعَلُ مَا يُرْضِيهِ». (عدد
20-29). فاستمرَّ يعلِّم جهارًا في الهيكل ولم
يستطع أعداؤهُ أن يمسكوهُ ليس لقلة بغضهم
لهُ أو لعدم اجتهادهم في ذلك بل لعناية
الله التي منعتهم وحفظت يسوع وهو مُتمم
خدمتهُ حسب إرادة الآب. فقال لهم يسوع أيضًا: أنهُ مزمع أن
يفارقهم ويمضي إلى حيث لا يقدرون أن
يجدوهُ فأنهم يطلبونهُ بعد فقدانهم
إياهُ كمسيح حيّ في وسطهم، ولكنهم يموتون
في خطيتهم يعني في خطية رفضهم إياهُ. قابل
هذا الكلام الوارد عن لسان النبي.
أفعالهم لا تدعهم يرجعون إلى إلههم لأن
روح الزنى في باطنهم وهم لا يعرفون الرب.
وقد أُذلَّت عظمة إسرائيل في وجههِ.
فيتعثر إسرائيل وأفرايم في أثمهما
ويتعثر يهوذا أيضًا معهما. يذهبون بغنمهم
وبقرهم ليطلبوا الرب ولا يجدونهُ. قد
تنحى عنهم، قد غدروا بالرب، لأنهم ولدوا
أولادًا أجنبيين. الآن يأكلهم شهرٌ مع
أنصبتهم (هوشع 4:5-7). فمتى تنحى عنهم
لإهانتهم إياهُ في وجههِ يطلبونهُ في
ضيقهم ولا يجدونهُ وقولهُ: الآن يأكلهم
شهرٌ مع أنصبتهم. يعني أن وقتًا قصيرًا
يبيدهم مع أصنامهم. فعادوا أهانوا سائلين
أهو مزمع أن يقتل نفسهُ. فأجابهم: وأوضح
حالتهم والفرق العظيم بينهُ وبينهم بحيث
أنهُ من فوق وليس من هذا العالم، وأما هم
فمن أسفل من العالم المُظلم الرافض النور
الذي أشرق لهُ. فلذلك يموتون في خطاياهم.
سبق وذكر خطيتهم الخصوصية برفضهم إياهُ،
وأما هنا فيذكر خطاياهم لأن الله وقت
معاقبتهم يحاسبهم على جميع خطاياهم.
لأنهم لم يؤمنوا بأنهُ هو يعني المُرسل
إليهم من قِبل الله. فقالوا لهُ: من أنت؟ فقال لهم يسوع: أنا من
البدء ما أكلمكم أيضًا بهِ. نرى في هذا
الإنجيل أن اليهود في أورشليم دائمًا
يصادرون المسيح في المسألة من هو؟ أي من
جهة حقيقة شخصهِ. فتكلموا معهُ بغاية
الوقاحة وألزموهُ بأن يصرح بلاهوتهِ
ويوبخهم على سوء تصرفاتهم ويكشف حالتهم
الردية. وأما معنى جوابهِ هنا فهو: أنا في
الأصل ما أكلمكم أيضًا بهِ (انظر حاشية
الإنجيل المشوهد). يعني أنهُ من جهة حقيقة
شخصهِ مثل: الكلام الذي نطق بهِ فأن
كلامهُ أعلنهُ تمامًا ومثلهُ مثل كلامهِ.
لأنهُ كان بذاتهِ الكلمة الأزلي متجسدًا
وأعلن نفسهُ كالنور بما صدر من فمهِ. أن لي أشياء كثيرة أتكلم وأحكم بها من
نحوكم. يعني أن أمرهم سواء كانوا كأفراد
أو أمة هو مفوَّض تمامًا ليد المسيح، وهو
يتصرف معهم بالكلام والعمل كما يوافق
حالتهم وتم ذلك من يوم الخمسين فصاعدًا
كما نعلم وإلى الآن لم تنتهِ معاملاتهُ
معهم لأن الغضب قد أدركهم إلى النهاية (تسالونيكي
6:2) لأنهُ يعاقبهم وينقيهم ويذللهم ويأتي
بهم أخيرًا إلى التوبة ويعمل في ذلك كلهِ
بالحق وبحسب مشيئة الآب كقولهِ. لكن الذي
أرسلني هو حقٌّ. وأنا ما سمعتهُ منهُ فهذا
أقولهُ للعالم. يعني الذي أرسلهُ هو
المُرسل الحقيقي، وأما المسيح فكمُرسل
فإنما يتكلم ويعمل في أي وقت كان بحسب
مشيئتهِ. فلم يقدر اليهود بإهانتهم إياها
أن يجعلوهُ ينطق بكلمة غير مناسبة أو
يعمل عملاً ليس في محلّهِ. كنا نظن أنهُ
يغضب ويفنيهم بلحيظةٍ ولكنهُ استمرَّ
يحتملهم بصبر وتوسَّل إلى الآب لأجلهم
على الصليب. ولم يفهموا أنهُ كان يقول لهم
عن الآب، وا أسفاه على أولئك اليهود
المفتخرين بمعرفتهم ف،هم لم يقدروا أن
يفهموا هذا الكلام الواضح. فقال لهم يسوع: متى رفعتم ابن الإنسان
فحينئذٍ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل
شيئًا من نفسي بل أتكلم بهذا كما علَّمني
أبي. سبق وقال لنيقوديموس أنهُ ينبغي أن
يُرفع ابن الإنسان، وأما هنا فيقول
صريحًا لليهود أنهم هم الذين يفعلون بهِ
ثمَّ بعد ذلك يفهمون من هو؟ وكيف كان يكمل
مشيئة أبيهِ بحياتهِ التي صرفها في وسطهم.
فأبتدأ بعضهم يفهمون ذلك يوم الخمسين
لأنهم اقتنعوا من كلام بطرس الرسول بأنهم
رفضوا وقتلوا مسيحهم ونُخسوا في قلوبهم
وسألوا ماذا يصنعون. فدلَّهم على التوبة
والإيمان بهِ وهو مرتفع إلى يمين الله.
وأما الأمة الإسرائيلية المُتمردة إلى
الآن ، فمتى انتبهوا في المستقبل
فيترحبون بهِ كآتٍ إليهم من السماء بحسب (المزمور
118). والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب
وحدي لأني في كل حين أفعل ما يريضيهِ.
فهذا إقرار المسيح بحضور الآب معهُ
وسرورهِ بهِ مهما عثر بهِ الناس وأهانوهُ.
30
وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ
بِهذَا آمَنَ بِهِ كَثِيرُونَ. 31 فَقَالَ
يَسُوعُ لِلْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا
بِهِ:«إِنَّكُمْ إِنْ ثَبَتُّمْ فِي
كَلاَمِي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ
تَلاَمِيذِي، 32 وَتَعْرِفُونَ
الْحَقَّ، وَالْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ». 33
أَجَابُوهُ:«إِنَّنَا ذُرِّيَّةُ
إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ نُسْتَعْبَدْ
لأَحَدٍ قَطُّ! كَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ:
إِنَّكُمْ تَصِيرُونَ أَحْرَارًا؟» 34
أَجَابَهُمْ يَسُوعُ:«الْحَقَّ
الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ
مَنْ يَعْمَلُ الْخَطِيَّةَ هُوَ عَبْدٌ
لِلْخَطِيَّةِ. 35 وَالْعَبْدُ لاَ
يَبْقَى فِي الْبَيْتِ إِلَى الأَبَدِ،
أَمَّا الابْنُ فَيَبْقَى إِلَى
الأَبَدِ. 36 فَإِنْ حَرَّرَكُمْ
الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ
أَحْرَارًا. 37 أَنَا عَالِمٌ
أَنَّكُمْ ذُرِّيَّةُ إِبْرَاهِيمَ.
لكِنَّكُمْ تَطْلُبُونَ أَنْ
تَقْتُلُونِي لأَنَّ كَلاَمِي لاَ
مَوْضِعَ لَهُ فِيكُمْ. (عدد 30-37). فالمشار إليهم كانوا من يهود أورشليم
فاقتنعوا عقلًّا بأن يسوع هو مسيحهم كما
حصل أيضًا مع كثيرين خلافهم فعرفهم ودلهم
على ما يجب عليهم إذا أرادوا أن يكونوا
تلاميذهُ بالحقيقة لأنهُ ينبغي أن
التلميذ يثبت في تعليم معلمهِ، ولا يظهر
أنهُ خاضع اليوم ويتزعزع غدًا. ولكن
المشار إليهم لم يكونوا تلاميذ بالحق
فأنهم حالاً اغتاظوا من كلامهِ كما سنرى.
وتعرفون الحق والحق يحرركم. أجابوهُ أننا
ذريَّة إبراهيم ولم نُستعبد لأحد قط كيف
تقول أنت أنكم تصيرون أحرارًا. فكانوا
مستعدين أن يقبلوا تعليم المسيح كمعلم
بشرط أنهُ يلاطفهم ويداهنهم كذريَّة
إبراهيم ولا يكدرهم من جهة خطاياهم،
ولكنهُ كان النور الحقيقي، ولم يقدر أن
يتفق مع الظلمة. فلما كلمهم عن وجوب
ثبوتهم في كلامهِ لكي يعرفوا الحق
ويتحرروا بهِ اغتاظوا وأنكروا أنهم
مستعبدين من الجهتين أعني للخطية وللأمم
أيضًا ومع ذلك قالوا. ولم نستعبد لأحدٍ قط.
أجابهم يسوع: الحقَّ الحقَّ أقول لكم: أن
كل من يعمل الخطية هو عبد للخطية. هذه من
الحقائق الواضحة فأن المشار إليهم كانوا
من جنس آدم يقطع النظر الآن عن نسبتهم
لإبراهيم فلا شك بأن الجميع يعملون
الخطية لأن هذه حالتهم ووصفهم منذ السقوط.
فإن كنا نخدم الخطية فهي سائدة علينا
ونحن لها كعبيد. والعبد لا يبقى في البيت
إلى الأبد. فكان الله قد دعى إسرائيل
عبيدًا لهُ، ولكنهم خانوهُ واستمرَّوا
مستعبدين للإثم وأما حكم العبد الخائن أنهُ
لا بدَّ أن يطرد من البيت. وكان هذا الحكم
عينهُ قد صدر على إسرائيل. «ما لحبيبتي في
بيتي، قد عملت فظائع كثيرة» (إرميا 15:11). فلم
يمكن لله أن يبقيهم إلى الأبد في بيتهِ
الموضع المعيَّن لعبادتهِ أو بالاختصار
لا بدَّ أنهُ ينزع عنهم امتيازاتهم التي
طالما افتخروا بها ولم يعملوا بموجبها.
أما الابن فيبقى إلى الأبد. يعني أن
المسيح هو ابن الله صاحب البيت (انظر
عبرانيين 6:3) فلهُ حقَّ أن يتصرف في البيت
ويبقى فيهِ. فإن حرَّركم الابن فبالحقيقة
تكونون أحرارًا. فالابن يقدر أن يحرّرنا
من عبودية الخطية ويدخلنا إلى البيت الذي
هو يسود عليهِ فحينئذٍ نكون بالحقيقة
أحرارًا فأنهُ يُصيّرنا بنين معهُ (راجع
إصحاح 12:1، 13؛ وانظر أيضًا غلاطية 1:5-9) هذه
هي الحريَّة الصحيحة ونسبتهم لإبراهيم
لا تنفعهم سوى الافتخار الباطل لاحظ أن
الحق يحرّرنا في (عدد 32)، والابن يحررنا
في (عدد 36)؛ لأنهُ هو العامل بواسطة الحق.
أنا عالم أنكم ذرية إبراهيم. لكنكم
تطلبون أن تقتلوني لأن كلامي لا موضع لهُ
فيكم. فلم ينكر أنهم ذرية إبراهيم بحسب
الجسد، ولكن كلام الابن لم يكن قد انغرس
فيهم جميعًا وطلبوا قتلهُ حتى الذين
تأثروا عقلًّا ووقتيًّا من كلامهِ عادوا
اغتاظوا منهُ وفضَّلوا افتخارهم الباطل
وامتيازاتهم الفارغة علة الحريَّة التي
عرضها عليهم ابن الله.
38 أَنَا
أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ
أَبِي، وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا
رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ». 39 أَجَابُوا
وَقَالُوا لَهُ:«أَبُونَا هُوَ
إِبْرَاهِيمُ». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«لَوْ
كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ،
لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ
إِبْرَاهِيمَ! 40 وَلكِنَّكُمُ
الآنَ تَطْلُبُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي،
وَأَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ
بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ.
هذَا لَمْ يَعْمَلْهُ إِبْرَاهِيمُ. 41
أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ
أَبِيكُمْ». فَقَالُوا لَهُ:«إِنَّنَا
لَمْ نُولَدْ مِنْ زِنًا. لَنَا أَبٌ
وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ».
42 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«لَوْ
كَانَ اللهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ
تُحِبُّونَنِي، لأَنِّي خَرَجْتُ مِنْ
قِبَلِ اللهِ وَأَتَيْتُ. لأَنِّي لَمْ
آتِ مِنْ نَفْسِي، بَلْ ذَاكَ
أَرْسَلَنِي. (عدد 38-42). كان الابن يتكلم بما رأى عند الآب (راجع
إصحاح 18:1؛ 32:3؛ 19:5) وأما أولئك اليهود
فكانوا يعملون ما رأوا وسمعوا من أبيهم
يعني إبليس. فاغتاظوا أيضًا من هذا
الكلام وصرحوا أن أباهم هو إبراهيم. وأما
إبراهيم فدُعي أبًا المؤمنين لأنهُ أتصف
بإيمانهِ وطاعتهِ لله (انظر رومية 17:4-22).
فأجابهم الرب: أن ليست لهم نسبة حقيقية
لإبراهيم لأنهم لو كانوا منتسبين إليهِ
حقيقةً لكانوا يتمثلون بقدوتهِ، ولكن
هيهات الفرق بينهم وبينهُ لأنهم حنقوا
على المسيح لأنهُ كلَّمهم بالحق من الله،
وأما إبراهيم فكان يقبل الحق كما أُعلن
لهُ وسلك بموجبهِ. ثمَّ قال لهم أيضًا
أنهم إنما يعملون أعمال أبيهم يعني إبليس.
فقالوا لهُ: أننا لم نُولد من زنىّ. لنا
أبٌ واحد وهو الله. فمعناهم أنهم ليسوا من
الأمم لأنهم كانوا يوحّدون الله وينسبون
أنفسهم لهُ لا للأصنام. فحسبوا أن لهم
فضلاً عظيمًا لمجرد امتناعهم عن عبادة
الأوثان وأن عاشوا في معصية قلوبهم.
فأجابهم الرب: أنهُ لا يمكن أن يكون الله
أباهم لأنهُ لو
كان هو أباهم لظهرت منهم محبة للذي
أرسلهُ الله إليهم. لأن من يحب المُرسل
يحب رسولهُ أيضًا. 43
لِمَاذَا لاَ تَفْهَمُونَ
كَلاَمِي؟ لأَنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ
أَنْ تَسْمَعُوا قَوْلِي. 44 أَنْتُمْ
مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ
أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا.
ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ
الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي
الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق.
مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ
فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ،
لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ.
45 وَأَمَّا أَنَا فَلأَنِّي
أَقُولُ الْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ
بِي. 46 مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي
عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ
الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِي؟ 47 اَلَّذِي مِنَ
اللهِ يَسْمَعُ كَلاَمَ اللهِ. لِذلِكَ
أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَسْمَعُونَ،
لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ اللهِ».
(عدد 43-47). فالكلام هو الألفاظ المركَّبة للتعبير عن
أفكار المتكلم بتفصيل، وأما القول هنا:
فعبارة عن الموضوع المتكلَّم عنهُ. فلم
يقدروا أن يفهموا كلامهُ لأنهم لم يفهموا
موضوعهُ. مثلاً كان موضوعهُ السابق
الحريَّة. لأنهُ من الأمور المعلومة أن
المولود عبدًا لا يقدر أن يدرك ما هي
الحريَّة إلى أنهُ يكون قد تحرّر
واختبرها. وهكذا في أمور الله ينبغي أن
نختبرها اختبارًا قبل أن نستطيع أن نفهم
الكلام المعبّر عنها. نيقوديموس مثلاً لم
يقدر أن يفهم كلام الرب عن الولادة من فوق
لأنهُ لم يكن قد حصل عليها اختبارًا.
وكذلك أيضًا من لم يتبرَّر بعد لا يقدر أن
يفهم الكلام عن التبرير. لا شك بأن الروح
القدس يستعمل كلام الله واسطة لتجديدنا
وتبريرنا إلى خلاف ذلك من الأعمال
الإلهية التي تجرى فينا، وأما من جهة
الإدراك أو المعرفة فلا نفهم معنى الكلام
قبل أن يتم العمل فينا بالفعل. أنتم من أبٍ هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون
أن تعملوا. فعاد أوضح لهم تمامًا كلامهُ
السابق عن كونهم من إبليس، فكان يمكن لهم
أن يفهموا ذلك نوعًا لأنهم كانوا مختبرين
حقيقتهُ. لاحظ قولهُ تريدون؛ لأن هذا وصف
الإنسان الساقط. نعم هو مستعبد لعدو أقوى
منهُ ولا يقدر أن يحرّر نفسهُ من
عبوديتهِ القاسية، ولكن ذلك ليس الكل
فإنهُ لا يريد حرية الله بحيث أن العمل
بشهواتهِ ألذُّ لهُ من تركها. ونرى أن
إبليس انتصر على الإنسان من الأول بواسطة
شهواتهِ إذ حملهُ على أن يشتهي المنهي
عنهُ ولا يزال يسود على البشر بهذه
الواسطة عينها. قال بطرس الرسول للمؤمنين.
هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة
(بطرس الثانية 4:1). ذاك كان قتالاً للناس
من البدء ولم يثبت في الحق لأنهُ ليس فيهِ
الحق. هذا مختصر تاريخ إبليس لأنهُ من بدء
تاريخ البشر أعدمهم الحياة كما ورد في (تكوين
إصحاح 3) إذ أبعدهم عن الله مصدر الحياة
واستعبدهم لنفسهِ بواسطة شهواتهم
المنحرفة. وأما هو فمن الخلائق الساقطة
فإنهُ لم يثبت في الحق بل سقط منهُ
وحالتهُ الآن موصوفة بهذه الجملة
المختصرة. لأنهُ ليس فيهِ الحق. مَتَى
تكلَّم بالكذب فإنما يتكلم مما لهُ كذاب
وأبو الكذاب. فأول ما أتى إلى حواء في
الجنة أغواها بأكاذيبهِ وانتصر عليها
فصارت هي ونسلها منتسبين إليهِ كمصدر
شرورهم. انظر وصف قلب الإنسان (مَتَّى 19:15؛
رومية 13:3، 14). لاحظ أن إبليس يتكلم أي لا
يوسوس فقط بل يستعمل كلامًا أيضًا فإنهُ
يستخدم أنبياء ومعلمين كذبة. وأما أنا فلاني أقول لكم: الحق لستم
تؤمنون بي. أكاذيب إبليس مقبولة عند
البشر وأما الحق في المسيح فيعسر عليهم
قبولهُ لأنهُ لا يوافق قلوبهم الفاسدة.
مَنْ منكم يُبكتني على خطية. تنازل أن
يحتج لهم لأنهُ أراد أن كلامهُ يُنبههم.
لم يقدر أحد أن يُبكتهُ على خطية لأنهُ
كان قدوس الله. حتى البُسطاء ميَّزوا أن
كلامهُ خلاف المعتاد أن يُسمع في هذا
العالم ولم يقدر أشدُّ أعداءهِ أن
يستذنبهُ على شيء. فإن كنت أقول الحق
فلماذا لستم تؤمنون بي؟ فكان خاليًا من
الخطية بذاتهِ ولم يصدر من فمهِ إلاَّ
الحق فقط، فلماذا لم يؤمنوا بهِ؟ فيتكلم
معهم هكذا على سبيل الاحتجاج لكي يردَّهم
إن أمكن الأمر عن طريق العناد التي كانوا
متهورين فيها. ولكن إنذارات الله
واحتجاجاتهُ تطرق مسامع الأشرار عبثًا
لأنهم لا يريدون أن يسمعوا. زاغ الأشرار
من البطن متكلمين كذبًا. «لهم
حُمَةٌ مِثْلُ: حُمَةِ الحَيَّةِ، مِثْلُ
الصِّلِّ الأَصَمِّ يَسُدُّ أُذُنَهُ
الذي لا يَسْتَمِعُ إلى صوت اُلْحُوَاةِ
اُلرَّاقِينَ رُقَى حَكِيمٍ» (مزمور
3:58-5). فكان كلام الرب في محلهِ حين وصف
أولئك اليهود كأولاد إبليس الحيَّة
القديمة ومثلهم مثلنا جميعًا إن كان الله
لا يفعل فينا بنعمتهِ ويلدنا من فوق
ويُصيرنا أولادهُ. فحينئذٍ نسمع صوت
كلمتهِ ونطيعهُ كما يقول الرب في آخر هذا
الفصل. الذي من الله يسمع كلام الله لذلك
أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الله.
فالسماع لكلام الله مما يُبرهن أننا
مولودون منهُ.
48
فَأَجَاب الْيَهُودُ
وَقَالُوا لَهُ:«أَلَسْنَا نَقُولُ
حَسَنًا: إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ
شَيْطَانٌ؟» 49 أَجَابَ يَسُوعُ:«أَنَا
لَيْسَ بِي شَيْطَانٌ، لكِنِّي أُكْرِمُ
أَبِي وَأَنْتُمْ تُهِينُونَنِي. 50 أَنَا
لَسْتُ أَطْلُبُ مَجْدِي. يُوجَدُ مَنْ
يَطْلُبُ وَيَدِينُ. 51 اَلْحَقَّ
الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ كَانَ
أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَرَى
الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ». 52 فَقَالَ
لَهُ الْيَهُودُ:الآنَ عَلِمْنَا أَنَّ
بِكَ شَيْطَانًا. قَدْ مَاتَ
إِبْرَاهِيمُ وَالأَنْبِيَاءُ،
وَأَنْتَ تَقُولُ:إِنْ كَانَ أَحَدٌ
يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَذُوقَ
الْمَوْتَ إِلَى الأَبَدِ. 53 أَلَعَلَّكَ
أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ
الَّذِي مَاتَ؟ وَالأَنْبِيَاءُ
مَاتُوا. مَنْ تَجْعَلُ نَفْسَكَ؟» 54 أَجَابَ
يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتُ أُمَجِّدُ نَفْسِي
فَلَيْسَ مَجْدِي شَيْئًا. أَبِي هُوَ
الَّذِي يُمَجِّدُنِي، الَّذِي
تَقُولُونَ أَنْتُمْ إِنَّهُ
إِلهُكُمْ، 55 وَلَسْتُمْ
تَعْرِفُونَهُ. وَأَمَّا أَنَا
فَأَعْرِفُهُ. وَإِنْ قُلْتُ إِنِّي
لَسْتُ أَعْرِفُهُ أَكُونُ مِثْلَكُمْ
كَاذِبًا، لكِنِّي أَعْرِفُهُ
وَأَحْفَظُ قَوْلَهُ. (عدد 48-55). كلما تنازل المسيح وتكلم معهم بالحق
ازدادوا وقاحةً. فقبلوهُ سامريًّا
ونسبوهُ للشيطان مع أنهُ كان يكرم أباهُ
ويتمم إرساليتهُ بأمانةٍ غير طالب مجدهُ
الذاتي بين البشر. كانت فيهِ قوة ليفنيهم
بلحيظةٍ لو شاء ذلك ولكنهُ احتمل إهانتهم
تاركًا أمرهُ للذي أرسلهُ والذي سيطلب
ويدين الذين أهانوا ابنهُ في وقت
المطالبة والدينونة. انظر المزمور
الثاني وكلام بطرس الرسول عنهُ الذي إذ
شُتم لم يشتم عوضًا وإذ تألم لم يكن يُهدد
بل كان يُسلّم لمَنْ يقضي بعدلٍ (بطرس
الأولى 23:2) ونعلم أنهُ يجري الدينونة عن
يد الذي أهانهُ الأشرار (أعمال الرسل 31:17).
الحق أقول لكم: إن كان أحد يحفظ كلامي فلن
يرى الموت إلى الأبد. فيرجع هنا إلى بعض
المواضع التي تكلم عنها سابقًا (راجع
إصحاح 24:5) لأن الحياة مقترنة مع كلامهِ
وأما الموت فعاقبهُ خطية البشر
واستمرارهم على عدم إيمانهم بالذي
أرسلهُ الله. ولكنهُ قد أُبطل للمؤمنين،
فعاد اليهود وحنقوا بسبب هذا الكلام
وكرَّروا إهانتهم الماضية ذاكرين
إبراهيم والأنبياء فإن كان الموت قد ساد
عليهم مع جميع فضائلهم، فمَنْ هو المسيح
حتى يستطيع أن يُبطل الموت عن الذين
يقبلون كلامهُ ويحفظونهُ؟ ولكنهُ كان
بالحقيقة إله إبراهيم والأنبياء ومقصدهُ
هنا أن يصرح بذلك. معلوم أنهم حسبوهُ
إنسانًا ممجّدًا نفسهُ بكلام كهذا بدون
أساس. فأجابهم: أنهُ إن كان يمجد نفسهُ
فليس مجدهُ شيئًا. ولكنهُ لم يكن يفعل ذلك.
أبي هو الذي يمجدني الذي تقولون أنتم
إنهُ إلهكم ولستم تعرفونهُ. فكان لهُ مجد
كالابن الوحيد مع الآب حتى في أيام
تواضعهِ في أعين الذين آمنوا وأبصروا (راجع
إصحاح 14:1) ثم بعد موتهِ مجدهُ الآب ولا
يزال يطلب مجدهُ. ونرى هنا جهالة اليهود
روحيًّا فإنهم زعموا بأنهم عرفوا الله مع
أنهم لم يعرفوهُ ولا قبلوا الذي أرسلهُ
إليهم. 56 أَبُوكُمْ
إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى
يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ». 57 فَقَالَ
لَهُ الْيَهُودُ:«لَيْسَ لَكَ خَمْسُونَ
سَنَةً بَعْدُ، أَفَرَأَيْتَ
إِبْرَاهِيمَ؟» 58 قَالَ لَهُمْ
يَسُوعُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ
لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ
إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ». 59 فَرَفَعُوا
حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَمَّا
يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ
الْهَيْكَلِ مُجْتَازًا فِي وَسْطِهِمْ
وَمَضَى هكَذَا.
(عدد 56-59). فاتضح الاختلاف العظيم بين اليهود وبين
إبراهيم الذي كان أباهم حسب الجسد بحيث
أنهم احتقروا ذلك الذي كان إبراهيم يشتاق
إلى رؤيتهِ. لم يكن عندهُ سوى بعض مواعيد
ورموز تدلُّ عليهِ كالعتيد أن يأتي ومع
ذلك وضع قلبهُ وإيمانهُ عليه وأما هم
فرفضوه بغاية الإهانة مع أنهُ حضر في
وسطهم بالشهادات الكافية لتثبيت
إرساليتهِ من الله. هو تهلّل بأن يرى
يومهُ. يعني اشتاق إلى ذلك كموضوع مرغوب
مفرح. ولم يخب انتظارهُ فإنهُ رأى وفرح،
قابل هذا مع اشتياق أنبياء وملوك إلى
مشاهدة الأشياء المتعلقة بحضور المسيح (لوقا
24:10) غير أنهُ لا يُقال عنهم أنهم نظروها (انظر
أيضًا عبرانيين 13:11-16؛ بطرس الأولى 10:1-12).
فيظهر أن إبراهيم فهم هذا الموضوع أكثر
من غيرهِ من جميع المؤمنين السالفين.
فقال لهُ اليهود: ليس لك خمسون سنةً بعد.
أَ فرأيت إبراهيم؟ فحرفوا كلامهُ
وأخذوهُ على عكس ما نطق بهِ تمامًا لأنهُ
لم يقل إنهُ هو رأى إبراهيم بل أن إبراهيم
رآهُ. يعني سبق فرآهُ بواسطة إيمانهِ
القوي. قال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم:
قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن. أو قبل أو
وُجد إبراهيم أنا كائنٌ. فالعبارة: أنا
كائنٌ تُشير إليهِ كالذي ليس لهُ بداءة
وجود وكيهوه إله إسرائيل الذي أعلن نفسهُ
لموسى (انظر إصحاح 1:1، 2؛ خروج 14:3؛ إشعياء
13:43؛ كولوسي 17:1؛ رؤيا 8:1) مع الشهادات
الأخرى التي تطابقها وترى أن الرب يصرّح
فيها جليًّا أنهُ الله الكائن من الأزل
إلى الأبد. فهذا جوابهُ الأخير
لاستهزائهم بهِ كأنهُ قال أنهُ رأى
إبراهيم. نعم أنهُ كان قد رآهُ لأنهُ كان
خالقهُ وإلههُ كما كان موضوع إيمانهِ
وانتظارهِ أيضًا. فرفعوا حجارة ليرجموهُ.
ففهموا كلامهُ الآن مع أنهم لم يقبلوهُ
بل حاولوا أن يُعاملوهُ كمُجدف بحسب
شريعة موسى. أما يسوع فاختفى وخرج من
الهيكل مجتازًا في وسطهم ومضى هكذا.
فانتهت خدمتهُ لهم في الهيكل بحسب مشيئة
الله واختفى أو توارى عن نظرهم. يعني ليس
على سبيل المعجزة بل إنما تنحىَّ عن
مقاومتهِ واختفى حالاً بين الجموع كما
قيل هنا: مجتازًا في وسطهم ومضى هكذا. لم
يكن خائفًا من حجارتهم لأن ساعتهُ لم تكن
قد أتت بعد لأجل تعليمهِ إلى أيديهم
الأثيمة بمُقتضى مشورة الله التي حضر
ليكملها. فهم الذين رفضوهُ وقطعوا الحديث
فبادر إلى الخدمة المعينة لهُ في موضع
آخر كما سنرى في الإصحاح القادم. |
10 | 9 | 8 | 7 | 6 | 5 | 4 | 3 | 2 | 1 | المقدمة |
21 | 20 | 19 | 18 | 17 | 16 | 15 | 14 | 13 | 12 | 11 |