شرح إنجيل يوحنا |
بنيامين بنكرتن
الأصحاح الثاني 1 وَفِي
الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي
قَانَا الْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ
يَسُوعَ هُنَاكَ. 2 وَدُعِيَ
أَيْضًا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى
الْعُرْسِ. 3 وَلَمَّا فَرَغَتِ
الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ:«لَيْسَ
لَهُمْ خَمْرٌ». 4 قَالَ لَهَا
يَسُوعُ:«مَا لِي وَلَكِ يَا
امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي
بَعْدُ». 5 قَالَتْ أُمُّهُ
لِلْخُدَّامِ:«مَهْمَا قَالَ لَكُمْ
فَافْعَلُوهُ». 6 وَكَانَتْ
سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ
مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ
تَطْهِيرِ الْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ
وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. 7
قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«امْلأُوا
الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلأُوهَا إِلَى
فَوْقُ. 8 ثُمَّ قَالَ لَهُمُ:«اسْتَقُوا
الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ
الْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. 9 فَلَمَّا
ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ
الْمُتَحَوِّلَ خَمْرًا، وَلَمْ
يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ،
لكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا
قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا،
دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ
الْعَرِيسَ 10 وَقَالَ لَهُ:«كُلُّ
إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ
الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى
سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا
أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ
الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ!». 11 هذِهِ
بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ
فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ
مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ. (عدد
1-11). لليوم
الثالث اعتبار عظيم في كلمة الله؛
لأنهُ يدلُّ على وقت قيامة المسيح حين
انتقل من حالة الاتضاع إلى حالة
الارتفاع وصار على هيئة جديدة فيها
يستطيع أن يمنح بركاتهِ بطرق فعالة
سواء كانت لجميع الكنيسة، وضمها إليهِ
كرأسها أو لجمع إسرائيل من شتاتهم
وبركتهم في أرضهم. فيقولون عند توبتهم.
«هلمَّ نرجع إلى الرب لأنهُ هو افترس
فيشفينا. ضرب فيجبرنا. يحيينا بعد
يومين. في اليوم الثالث يُقيمنا فنحيا
أمامهُ. لنعرف فلنتتبع لنعرف الرب.
خروجهُ يقين كالفجر. يأتي إلينا كالمطر.
كمطر متأخر يسقي الأرض» (هوشع 1:6-3).
فينتظرونهُ في ضيقهم متيقنين أن
خروجهُ لتتميم مواعيدهِ هو كالفجر
الذي لا ينسى طلوعهُ مهما كان الظلام
قد اشتدَّ. وأما اليوم الثالث المذكور
في (عدد 1) فمعدود مع اليومين المُشار
إليهما في (أصحاح 35:1، 43)، وقد رأينا
أنهما عبارة: أولاً، عن وقت شهادة
يوحنا المعمدان للمسيح. وثانيًا، عن
وقت شهادة المسيح لنفسهِ، وهو
بالحقيقة وقت النعمة. فيكون اليوم
الثالث عبارة عن وقت الملكوت حين يحضر
يسوع ليُبارك إسرائيل بأفخر البركات
وهو على حالة القيامة والمجد. كان
يوحنا المعمدان قد شهد لهم بحضور يهوه
الرب إلههم في وسطهم، فلو تابوا
وقبلوهُ لاستطاع أن يُحوِّل ماءهم
خمرًا، يعني يُغيِّر بركاتهم القليلة
الدون الموجودة إلى أفخر البركات،
ولكنهم لم يتوبوا، ولم يكن لملك صهيون
قبول في المدينة المختارة. فلما ابتدأ
بخدمتهِ لم يقدر أن يذهب إلى أورشليم،
بل أراد في الغد أن يخرج إلى الجليل
راجع (أصحاح 43:1)، وهي محلّ أذلّ الغنم
وموضع خدمة المسيح كمرفوض ومُحتقر من
إسرائيل. فلا تزال الحالة هكذا إلى
أنهُ يحضر ثانيةً. وكانت أُمُّ يسوع
هناك، لا شك بأن ذلك العُرس حدث
حرفيًّا في الوقت المذكور وحضرت أم
يسوع، ولكن العُرس يُشير معنويًا إلى
بركة إسرائيل، وأُمّ يسوع إلى الأُمة
الإسرائيلية التي وُلد منها المسيح
بحسب الجسد، قابل هذا مع (رومية 4:9، 5؛
رؤيا 1:12-6). ودُعي أيضًا يسوع وتلاميذهُ
إلى العُرس، فلهُ جماعة خصوصية قبل
الوقت المُعيَّن لفرح إسرائيل. ولما
فرغت الخمر قالت أُمُّ يسوع لهُ: ليس
لهم خمر. فالخمر تُشير إلى الفرح،
فعبثًا يجتهد إسرائيل أن يجدوا فرحًا
حقيقيًّا دائمًا تحت نظامهم الناموسي
قبل أن يُعلن لهم يسوع بالنعمة بحسب
العهد الجديد. انظر كم تجتهد الحبيبة
في نشيد الأنشاد لكي تجد فرحًا وراحةً
قبل حضور الحبيب، مع أنها تشتاق إليهِ
وتنتظرهُ غاية الانتظار. تجري فيها
اختبارات متنوعة، ولكنها تبقى مُضطربة
إلى أنها تُلاقي حبيبها المُنتظر
وتقترن معهُ في (أصحاح 5:8) حيث قيل: مَنْ
هذه الطالعة من البرية مُستندة على
حبيبها. عرفت أُمُّ يسوع أن الخمر
الموجودة قد فرغت وظنت أن يسوع لا بد أن
يهتمَّ باحتياجهم، ولكنها غلطت إذ
تداخلت قبل الوقت وفي ما لا يعنيها. قال
لها يسوع: ما لي ولكِ يا امرأة، لم تأتِ
ساعتي بعد. لا نقدر أن نسبق الرب وهو
مُتمم خدمتهُ بحسب مقاصد الله لإعلان
مجدهِ. كان الأوفق لأُمهِ لو تركت
الأمر لهُ تمامً مُتيقنةً أنهُ لا بد
أن ينتبه لحقيقة الحالة ويجري ما يلزم
في أنسب وقت، كما تقول الحبيبة:
أُحلفكنَّ يا بنات أورشليم بالظباءِ
وبآيائل الحقول ألاََّ تيقظن وتُنبهن
الحبيب حتى يشاء (نشيد الأنشاد 7:2). قالت
أُمهُ للخدام: مهما قال لكم فافعلوهُ.
فرجعت في الحال إلى مقام الإيمان
والخضوع التام لإرادة الرب الذي عندهُ
القدرة أن يُبارك شعبهُ كيفما ووقتما
شاء، فليس للخدام أن يعملوا شيئًا
بحكمتهم، بل إنما ينتظرون كلمة الرب.
وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك
حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو
ثلاثة. المَطْرّ: يُعادل نحو واحد عشرة
أقة. فوُضعت تلك الأجران لأجل التطهير
طقسيًّا حسب عادة اليهود، ولم يكن يخطر
ببال أحد منهم أن يسوع قادر بكلمة أن
يبطل ذلك الطقس الخارجي ويبدلهُ بأعظم
البركات. ونرى هنا صورة تامة لحالتهم
ما داموا تحت النظام الأول إذ بقوا
ممارسين الطقوس مع أن فرحهم قلَّ وفرغ.
قال لهم يسوع: املأوا الأجران ماءً،
فملأُوها إلى فوق، ثم قال لهم: استقوا
الآن وقدّموا إلى رئيس المتكأ فقدّموا.
لاحظ أن الخدام بإجراءِهم كلمة المسيح
حصلوا على معرفة ما جرى أكثر من
الآخرين المُزمعين أن يشتركوا في
البركة؛ لأن خدمتهم قرَّبتهم إلى ذات
مصدر البركة. وهذا المبدأ يصدق علينا
باعتبار خدمتنا لهُ بموجب كلمتهِ قبل
إظهارهِ مجدهُ لإسرائيل. وإن كان أحد
يخدمني يكرمهُ الآب. (أصحاح 26:12). لا شك
بأننا نتمتع ببركاتنا الخاصة، ولكننا
نعلم أن الرب مُستعدٌّ ليفتقد إسرائيل
أيضًا ويُحوّل ماءَهم خمرًا. ويكون في
ذلك اليوم أن الجبال تقطر عصيرًا
والتلال تفيض لبنًا وجميع ينابيع
يهوذا تفيض ماءً ومن بيت الرب يخرج
ينبوع ويسقي وادي السنط (يوئيل 18:3).
فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المُتحوْل
خمرًا الخ، فالرئيس المُناظر على
العُرس ذاق الخمر وميَّز جودتها،
ولكنهُ من جهلهِ نسبها إلى مصدر بشري.
كان عريس إسرائيل الحقيقي قد حضر
وباركهم ببركة أفضل مما كان عندهم قبل،
ولكنهُ بقي مجهولاً وغير معروف عند بعض
الحاضرين، وبالحقيقة هذه الآية إنما
عُرفت بوقتها عند الخدام والتلاميذ
بموجب ما ورد عنها في هذا الأصحاح. وأما
قول الرئيس: كل إنسان إنما يضع الخمر
الجيدة أولاً ومتى سكروا فحينئذٍ
الدون. فإنما يُشير إلى العادة الدارجة
بين الناس، فلا ينتج منهُ أن السكر
جائز ولا يقول: أن أولئك الضيوف سكروا.
ثم قولهُ: أما أنت فقد أبقيت الخمر
الجيدة إلى الآن. يُظهر أنهُ تحقق جودة
الخمر، مع أنهُ لم يعرف بعد أنها صنعة
يدي يسوع، ولكنهُ يتضمن أيضًا مبدأً
جميلاً لمُعاملات الله مع إسرائيل،
إذا بقى أفضل بركاتهم لهم إلى وقت
الملكوت؛ لأنهُ سيُباركهم تحت المسيح
كما قال يعقوب حين ابنهُ يوسف الذي كان
رمزًا إلى المسيح باعتبار رفضهِ ثم
ارتفاعهِ وإعلان مجدهِ لأخوته الذين
أهانوهُ قبلاً: من إله أبيك الذي يعينك
ومن القادر على كل شيء الذي يُباركك،
تأتي بركات من فوق وبركات الغمر الرابض
تحت، بركات الثديين والرحم، بركات
أبيك فاقت على بركات أبويَّ، إلى منية
الآكام الدهرية تكون على رأس يوسف وعلى
قمَّة نذير أخوتهِ (تكوين 25:49، 26). هذه بداءة
الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل
وأظهر مجدهُ فآمن بهِ تلاميذهُ، فأعلن
مجدهُ في وسط إسرائيل كمصدر بركاتهم
كما أضاء لهم كالنور الحقيقي أيضًا،
ولكن الظلمة لم تدرك النور وكذلك مجد
يسوع الظاهر في وسطهم لم يُدرَك إلاَّ
عند تلاميذهِ فقط لتقوية إيمانهم. لاحظ
أن يوحنا يستعمل العبارة: فآمن بهِ
تلاميذهُ. بمعنى أنهم تقوُّوا في
الإيمان. 12
وَبَعْدَ
هذَا انْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ،
هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ
وَتَلاَمِيذُهُ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ
أَيَّامًا لَيْسَتْ كَثِيرَةً 13
وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا،
فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ،
14 وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ
كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَرًا وَغَنَمًا
وَحَمَامًا، وَالصَّيَارِفَ جُلُوسًا.
15 فَصَنَعَ سَوْطًا مِنْ حِبَال
وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ
الْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ،
وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ
وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. 16 وَقَالَ
لِبَاعَةِ الْحَمَامِ:«ارْفَعُوا
هذِهِ مِنْ ههُنَا! لاَ تَجْعَلُوا
بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!». 17
فَتَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ
مَكْتُوبٌ:«غَيْرَةُ بَيْتِكَ
أَكَلَتْنِي».
(عدد 12-17).
انتقل الرب من الناصرة إلى كفرناحوم في بداءة خدمتهِ بعد رفضهِ من أهل وطنهِ، انظر (لوقا 16:4-37)، ولكن عند نزولهم إلى هناك لم يقيموا كثيرًا في ذلك الوقت، إذ كان الفصح قريبًا. فصعد يسوع إلى أورشليم، هذا أول فصح جرى بعد بداءة خدمتهِ الجهارية. ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرًا وغنمًا وحمامًا…الخ. فنرى هنا سوء حالة إسرائيل وأن المسيح لا يقدر أن يباركهم إن لم يجرِ الدينونة أولاً ويُطهر بيت الله الذي كانوا قد دنَّسوهُ من طمعهم وعدم اعتبارهم لهُ كبيت الله. كانت الجليل محل البركة كما قد رأينا في الفصل السابق، وأما أورشليم فموضع الدينونة. نراهُ في هذا الإنجيل مرفوضًا من أول دخولهِ إلى العالم، كما قيل: إلى خاصتهِ جاء وخاصتهُ لم تقبلهُ. فلذلك يقول فيما بعد: للدينونة قد جئت إلى هذا العالم. فبعد تحويلهِ الماء إلى خمر للدلالة على قدرتهِ أن يُبارك إسرائيل انتقل إلى أورشليم ليبتدئ بالقضاء من بيت الله، انظر (بطرس الأولى 17:4)؛ لأن الدينونة في العالم تُجرى دائمًا باعتبار المدينة المُختارة والبيت المبني فيها لمركز العبادة. فكان قادرًا عند مجيئهِ الأول أن يعطي إسرائيل عُرسهم، لو انتبهوا لحقيقة شخصهِ وعرفوهُ كالعريس حسب (إشعياء أصحاح 54)، ولكنهم استمرُّوا في جهالتهم كما رأينا رئيس المتكأ فما بقي لهم سوى الدينونة. وتدنيس بيت الله برهن عمق فساد قلوبهم وسبب عماهم الذي منعهم عن تمييز المجد الذي أظهرهُ لهم، وأعمالهُ الرمزية المذكورة هنا تُشير إلى ما هو مزمع أن يجريهُ متى جاء ثانيةً بقوة ومجد على هيئة توقظهم رغمًا عنهم. لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة. قابل هذا مع تطهيرهِ الهيكل ثانيةً في آخر خدمتهِ، راجع (مَتَّى 12:21، 13) والشرح عليهِ. فتذكر تلاميذهُ أنهُ مكتوب: «غيرة بيتك أكلتني». هذا مقتبس من (مزمور 9:69)، وإذا راجعنا المزمور كلهُ نجد فيهِ إشارات كثيرة إلى حضور المسيح في وسط إسرائيل وإهانتهم إياهُ، ثم في آخرهِ يطلب دينونة الله الصارمة العادلة عليهم. وذلك يُطابق موضوعنا في هذا الأصحاح. فالوحي يُراعي هنا آلامهُ من يد البشر، فالجواب لها: هو إجراء قضاء الله على الذين رفضوا النعمة وأهانوا ذات مصدرها، وأما في (المزمور 22؛ إشعياء أصحاح 53) فيُنظر إلى آلامهِ من يد الله كفارةً عن المذنبين، فلا جواب لذلك سوى إعلان نعمة الله المُتفاضلة؛ لأنهُ إن كان الله يؤلم ابنهُ الحبيب نيابةً عنا يُحب أن يُخلصنا من الدينونة ويسقينا كأس الفرح الأبدي. كان إسرائيل قد تغافلوا عن طهارة بيت إلههم ومن طمعهم ملأُوهُ تجارةً ، وأما الابن الوحيد الشاهد الآمين فلم يستطع أن يطيق ذلك فأخذ سلطانهُ وأجرى القضاء. لا تُذكر هنا نتيجة عملهِ في الآخرين، ولكن تلاميذهُ استفادوا منهُ؛ لأن أعينهم أخذت تنفتح أكثر فأكثر وميزوا أنهُ عمل ذلك طبقًا لِما كُتب عنهُ. نعم أولئك انتبهوا قليلاً إذ رأوا أنهُ عمل كمَنْ لهُ سلطان كما سنرى وسألوهُ سؤالاً، ولكنهُ ليس مذكورًا، هل اقتنعوا من جوابهِ، أو اغتاظوا من عملهِ؟ لأن المقصد هنا إظهار سلطان المسيح كابن على بيت أبيهِ وأن تلاميذهُ تقدموا في معرفتهِ، مَنْ هو؟. 18
فَأَجَابَ
الْيَهُودُ وَقَالوُا لَهُ:«أَيَّةَ
آيَةٍ تُرِينَا حَتَّى تَفْعَلَ هذَا؟»
19 أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ
لَهُمْ:«انْقُضُوا هذَا الْهَيْكَلَ،
وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ». 20
فَقَالَ الْيَهُودُ:«فِي سِتٍّ
وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هذَا
الْهَيْكَلُ، أَفَأَنْتَ فِي
ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ؟» 21 وَأَمَّا
هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ
جَسَدِهِ. 22 فَلَمَّا قَامَ مِنَ
الأَمْوَاتِ، تَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ
أَنَّهُ قَالَ هذَا، فَآمَنُوا
بِالْكِتَابِ وَالْكَلاَمِ الَّذِي
قَالَهُ يَسُوعُ.
(عدد 18-22).
بعد تطهيرهِ الهيكل ثانيةً اغتاظ الرؤساء وسألوهُ عن سلطانهِ، فأجابهم عن ذلك مُشيرًا إلى خدمة يوحنا المعمدان (مَتَّى 23:21-27). وأما هنا فيضع جسدهُ بدل الهيكل الذي تدنَّس وأُبطل للإيمان، ولكن اليهود لم يقدروا أن يفهموا كلامهُ، ولا عرفوا هيكلاً أمجد مما كان موجودًا عندهم كثمر أتعابهم وموضوع افتخارهم. فقال اليهود: في ست وأربعين سنةً بُنيَ هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمهُ. قد قيل: أن هيرودس الكبير الذي كان ملك اليهودية وقت ولادة المسيح أراد أن يرضي اليهود ويُظْهِرْ عظمتهُ. فلذلك
ابتدأ في السنة الثامنة عشرة في مُلكهِ
يُجدد الهيكل ويُزينهُ حتى صار أخيرًا
بيتًا جميلاً جدًّا. كان أصلهُ من رجوع
سبي بابل ولكنهُ كان صغيرًا وحقيرًا.
فمعنى كلامهم للرب أن العمل بتجديد
الهيكل ابتدأ قبل ذلك بنحو المدة
الطويلة المذكورة وتكلَّف أتعابًا
ودراهم كثيرة فمَنْ هو يسوع حتى يُقيمهُ
في ثلاثة أيام إذا نُقض. وأما هو فكان
يقول عن هيكل جسدهِ. هذا تفسير البشير.
وأما الرب فلم يُفسر كلامهُ لليهود بل
تركهم لأفكارهم. كما ترك رئيس المُتكأ
المذكور آنفًا. أكثر أعمال الرب
وأقوالهِ المدرجة في هذا الإنجيل جرت في
أُورشليم خلافًا للبشيرين الآخرين
الذين يعطوننا خدمتهُ في نواحي الجليل
ونادرًا يذكرون شيئًا مما جرى في
أُورشليم قبل حضورهِ إليها قبل موتهِ
بقليل فنراهُ في هذا الإنجيل أكثر
الأوقات يتحدث مع الرؤساء وهم
يُجادلونهُ من جهة حقيقة شخصهِ.
فاستمرُّوا يُقاومونهُ في موضوع
لاهوتهِ. فلما قام من
الأموات تذكَّر تلاميذهُ أنهُ قال هذا
فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قالهُ
يسوع فذات التلاميذ لم يفهموا كلامهُ
بوقتهِ فلا عجب من جهالة اليهود ولكن
الجميع حفظوهُ في بالهم واليهود ذكروهُ
ضدَّهُ وقت المُحاكمة ليثبتوا بهِ أنهُ
مُجدّف وأما التلاميذ فتذكروهُ بعد
قيامتهِ وتحققوا معناهُ تقويةً
لإيمانهم. يجب أن نُلاحظ جيدًا أن قيامة
يسوع المسيح من الأموات هي البرهان
القاطع لإيماننا على أنهُ ابن الله وأن
لهُ سلطانًا أن يتصرف في بيتهِ كما يليق
بمجدهِ. انظر (رومية 4:1). كان لهُ سلطان
كالكلمة الأزلي والخالق الذي كوّن
العالم ولكن العالم وإسرائيل لم
يعرفوهُ ولا قبلوهُ بهذهِ الصفة كما ورد
في (إصحاح 10:1، 11) ثم يوحنا المعمدان بعد
إظهارهِ إياهُ لإسرائيل كربّهم وإلههم
ارتفع بالإيمان وأقرَّ بأنهُ حمل الله
الذي يرفع خطية العالم. فكان هذا كموضوع
جديد يعلو عن أفكار الجميع مع إننا نعلم
أنهُ كان في مشورة الله منذ الأزل وسبقت
رموز وإشارات كثيرة إليهِ في التوراة.
ولكن الوحي يدرج هنا من أعمال المسيح
وأقوالهِ ما يعلن حقيقة شخصهِ شيئًا
فشيئًا. ومن الآن فصاعدًا يتكلم الرب
كثيرًا عن موتهِ وأنهُ مزمع أن يمتلك
سلطانهُ وحقوقهُ على هيئة أخرى يعني
هيئتهِ كمُقام من الأموات لأنهُ بموتهِ
وقيامتهِ انتصر على العدو واسترجع
الميراث الذي فقدهُ آدم نعم واكتسب لنا
ولإسرائيل أيضًا أكثر جدًّا مما فُوّض
لآدم في الأول. غير أنهُ كان ينبغي أن
هيكل جسدهِ يُنقض ويُقام أيضًا لكي
يستلم كل سلطان في السماء والأرض بطريق
جديدة ليس كالخالق بل كالفادي فليس
للموت مدخل في هذا الملكوت المؤسس على
موتهِ وقيامتهِ. لذلك رَّفعهُ الله
أيضًا وأعطاهُ اسمًا فوق كل اسم الخ (فيلبي
9:2-11). فأمجادهُ المُستقبلة وتيجانهُ
الكثيرة تسند إلى صليبهِ فإنهُ سلَّم
جسدهُ أولاً إلى الموت تمجيدًا لله ثم
عاد أخذهُ في القيامة فبناء على ذلك لهُ
حق أن يتصرف في بيت أبيهِ كمَنْ لهُ
سلطان. 23
وَلَمَّا كَانَ فِي
أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ،
آمَنَ كَثِيرُونَ بِاسْمِهِ، إِذْ
رَأَوْا الآيَاتِ الَّتِي صَنَعَ. 24 لكِنَّ
يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى
نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ
الْجَمِيعَ. 25 وَلأَنَّهُ لَمْ
يَكُنْ مُحْتَاجًا أَنْ يَشْهَدَ
أَحَدٌ عَنِ الإِنْسَانِ، لأَنَّهُ
عَلِمَ مَا كَانَ فِي الإِنْسَانِ. (عدد 23-25). الكلام في هذا الفصل مُقترن مع الإصحاح الثالث ويعلن لنا حالة الإنسان واحتياجهُ إلى الولادة من فوق فقيل أن كثيرين آمنوا باسمهِ إذ رأوا الآيات التي صنع فإنهم اقتنعوا عقليًا بأنهُ المسيح ولكن الاقتناع من هذا الشكل لا ينفع أحدًا لأنهُ لا يقرنهُ مع المسيح ولا يُقرّبهُ إلى الله. كما يُقال هنا. لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسهِ لأنهُ كان يعرف الجميع. لم يقدر أن يعلن ذاتهُ لهم لأنهُ عرف أن إيمانهم ليس علاقة حيَّة بينهُ وبينهم إذ لم يشعروا بعد باحتياجهم إليهِ كحمل الله العتيد أن يموت كذبيحة ويقوم أيضًا. لأنهُ لم يكن مُحتاجًا أن يشهد أحدٌ عن الإنسان لأنهُ علم ما كان في الإنسان. فعرف أولئك المُشار إليهم ولكنهُ علم الجميع أيضًا بعلمهِ المُطلق الإلهي فإن الإنسان الساقط ظلمة محضة وإذا ظهر لهُ النور الحقيقي يتبرهن أنهُ عداوة محضة لله أيضًا. فلم ينتظر الرب أن يجد شيئًا صالحًا في الإنسان. كانت الأدلَّة والبراهين والشهادات كافية لإقناع الناس وقد اقتنع البعض بحسب ما عندهم وفيهم ولكنهُ لم يُغيّر طبيعتهم وإرادتهم ونعلم أن ذلك يصير وقد صار أوقاتًا كثيرة بحيث أن كثيرين يقتنعون عقليًّا بأن يسوع هو ابن الله ومُخلِّص العالم بدون أن يُولدوا ثانيةً فلذلك يعثرون في وقت التجربة ويتركون ما كان عندهم خوفًا من البشر. وربما يتحولون إلى أشد المضطهدين لهذا الاسم. فما أحزن شهادة يسوع عن الإنسان ولكن تاريخ حياتهِ في العالم وموتهِ ويُبرهن أنها شهادة حق. فكان فيهِ هذا العلم المُطلق بحالتنا من بداءة خدمتهِ ولكنهُ لم يبرّد محبتهُ لنا بحيث أن مصدرها هو في ذاتهِ فتتقوى على قدر شقاوة الذين جاء ليفتديهم خلاف محبتنا البشرية التي بها نحب الذين يُحبوننا وننفر من الذين يُظهرون لنا البُغض بدل المحبة. فما أعجب معرفة يسوع بالناس في هذا العالم. الأنبياء وأصحاب الوحي في وقتٍ ما لم يعلموا سوى ما أُعلن لهم وأما يسوع فعلم ما كان في الإنسان مُطلقًا لأنهُ الله والنور الحقيقي فكان الإنسان الساقط ظلمة ولكنهُ كشفهُ. الظلمة أيضًا لا تظلم لديك والليل مثل النهار يُضيء. كالظلمة هكذا النور (مزمور 12:139). لاحظ أن الروح القدس في هذا الإنجيل يعلن المسيح كالله من أولهِ إلى آخرهِ. فمن الجهة الواحدة يعرف الله ويقدر أن يعلنهُ لنا ومن الأخرى يعرف الإنسان ويأتيهِ بالنور والحياة. |
10 | 9 | 8 | 7 | 6 | 5 | 4 | 3 | 2 | 1 | المقدمة |
21 | 20 | 19 | 18 | 17 | 16 | 15 | 14 | 13 | 12 | 11 |