شرح إنجيل يوحنا |
بنيامين بنكرتن
الأصحاح الحادي عشر يجب أن نلاحظ أن هذا الإصحاح والإصحاح
الذي يليهِ هما فصل واحد يعلن فيهِ عمل
المسيح مع إسرائيل بعد رفضهم إياهُ
وتركهِ هو إياهم زمانًا في عدم إيمانهم
وظلامهم أي في حالة الموت الروحي
المستولي عليهم كخلافهم من بني آدم.فقد
تأخرت بركتهم ولكن مع ذلك لا بد أن تتم
لأن الله قاصد أن يُباركهم بالمسيح
القادر أن يجيبهم ويقيمهم من الأموات.
وهذا معنى كلام الرسول. أنهُ أقامهُ من
الأموات غير عتيد أن يعود أيضًا إلى فساد
فهكذا يقول: إني سأعطيكم أقداس داود
الصادقة (أعمال 34:13). فيجب أن تقرأ الجملة
الأخيرة. مراحم داود الصادقة. فالمراحم
الموعود بها لداود لأجل إسرائيل إنما تتم
في المسيح وهو مقام من الأموات بحيث أنهُ
يقدر أن يردَّ لهم المُلك والجلال بموجب
نعمتهِ الفعالة وقوة قيامتهِ. فمتى
انتبهوا وتابوا وعرفوا حالتهم كجثَّة
ميتة يقوم هو لمعونتهم وينقذهم من
أعداءهم ويسكنهم في أرضهم كأحياء من
الأموات. تحيا أمواتك تقوم الجثث.
استيقظوا ترنموا يا سكان التراب. لأن
طلَّك طلٌّ أعشاب والأرض تسقط الأخيلة. (إشعياء
19:26؛ انظر أيضًا حزقيال 1:37-14؛ دانيال 2:12؛
رومية 15:11). 1 وَكَانَ
إِنْسَانٌ مَرِيضًا وَهُوَ لِعَازَرُ،
مِنْ بَيْتِ عَنْيَا مِنْ قَرْيَةِ
مَرْيَمَ وَمَرْثَا أُخْتِهَا. 2 وَكَانَتْ
مَرْيَمُ، الَّتِي كَانَ لِعَازَرُ
أَخُوهَا مَرِيضًا، هِيَ الَّتِي
دَهَنَتِ الرَّبَّ بِطِيبٍ، وَمَسَحَتْ
رِجْلَيْهِ بِشَعْرِهَا. 3 فَأَرْسَلَتِ
الأُخْتَانِ إِلَيْهِ قَائِلَتَيْنِ: «يَاسَيِّدُ،
هُوَذَا الَّذِي تُحِبُّهُ مَرِيضٌ». (عدد 1-3). قد رأينا في آخر (إصحاح 10) أن الرب تنحى عن
أورشليم واليهودية إلى حين ونرى هنا أنهُ
لا يريد أن يرجع إلى هناك إلى أنهُ يصير
لهُ داع يوجب ذلك. فكان لعازر من العائلة
أو بالحري من الأُمة المحبوبة لأنهُ هو
مع أختيهِ عبارة عن البقية الإسرائيلية
الذين سوف تكون علاقة بينهم وبين المسيح.
وقيل هنا تاريخيًّا عن مريم: أنا هي التي
دهنت الرب بطيبٍ الخ. مع أن عملها هذا تم
بعد هذا كما سنرى، ومقصد البشير بذكرهِ
إياهُ هنا أن يظهر علاقة المحبة بين هذه
العائلة وبين الرب. فأرسلت الأختان إليهِ
قائلتين يا سيد هوذا الذي تحبهُ مريض.
فكان فكرهما أنهُ لا بد أن يحضر إليهم وهو
في الحياة بعد ويشفيهِ. 4 فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ،
قَالَ:«هذَا الْمَرَضُ لَيْسَ
لِلْمَوْتِ، بَلْ لأَجْلِ مَجْدِ اللهِ،
لِيَتَمَجَّدَ ابْنُ اللهِ بِهِ». 5 وَكَانَ
يَسُوعُ يُحِبُّ مَرْثَا وَأُخْتَهَا
وَلِعَازَرَ. 6 فَلَمَّا سَمِعَ
أَنَّهُ مَرِيضٌ مَكَثَ حِينَئِذٍ فِي
الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ
يَوْمَيْنِ. 7 ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ
قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:«لِنَذْهَبْ
إِلَى الْيَهُودِيَّةِ أَيْضًا». 8 قَالَ
لَهُ التَّلاَمِيذُ:«يَا مُعَلِّمُ،
الآنَ كَانَ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ
أَنْ يَرْجُمُوكَ، وَتَذْهَبُ أَيْضًا
إِلَى هُنَاكَ». 9 أَجَابَ يَسُوعُ:«أَلَيْسَتْ
سَاعَاتُ النَّهَارِ اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ؟ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي
فِي النَّهَارِ لاَ يَعْثُرُ لأَنَّهُ
يَنْظُرُ نُورَ هذَا الْعَالَمِ، 10 وَلكِنْ
إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَمْشِي فِي
اللَّيْلِ يَعْثُرُ، لأَنَّ النُّورَ
لَيْسَ فِيهِ». 11 قَالَ هذَا
وَبَعْدَ ذلِكَ قَالَ لَهُمْ:«لِعَازَرُ
حَبِيبُنَا قَدْ نَامَ. لكِنِّي
أَذْهَبُ لأُوقِظَهُ». 12 فَقَالَ
تَلاَمِيذُهُ: «يَاسَيِّدُ، إِنْ كَانَ
قَدْ نَامَ فَهُوَ يُشْفَى». 13 وَكَانَ
يَسُوعُ يَقُولُ عَنْ مَوْتِهِ، وَهُمْ
ظَنُّوا أَنَّهُ يَقُولُ عَنْ رُقَادِ
النَّوْمِ. 14 فَقَالَ لَهُمْ
يَسُوعُ حِينَئِذٍ عَلاَنِيَةً: «لِعَازَرُ
مَاتَ. 15 وَأَنَا أَفْرَحُ
لأَجْلِكُمْ إِنِّي لَمْ أَكُنْ
هُنَاكَ، لِتُؤْمِنُوا. وَلكِنْ
لِنَذْهَبْ إِلَيْهِ!». 16 فَقَالَ
تُومَا الَّذِي يُقَالُ لَهُ
التَّوْأَمُ لِلتَّلاَمِيذِ
رُفَقَائِهِ: «لِنَذْهَبْ نَحْنُ
أَيْضًا لِكَيْ نَمُوتَ مَعَهُ!». (عدد 4-16). إني ذكرت في المقدمة أن البشير يوحنا لا
يذكر إلاَّ ستًّا من آيات المسيح. وقد
رأينا أنهُ لا يذكر آية إلاَّ لقصد خصوصي
أي لأنها تظهر مجد الرب بطريق خصوصية
مثلاً أظهر مجدهُ لتلاميذهِ بتحويلهِ
الماء إلى خمر في (إصحاح 2) ولخادم الملك
بشفاء ابنهِ (إصحاح 53:4) ولإسرائيل
بإبراءهِ المُقعد في (إصحاح 5) وقدرتهُ
لتلاميذهِ إذ مشى على الماء (إصحاح 16:6-21؛
ثم في إصحاح 9) أظهر أعمال الله في الذي
وُلد أعمى وقد رأينا أنهُ عمل وتكلم في
ذاك حتى يظهر أن الآية المذكورة كانت مثل
رمز لما يقتضي أن يجري في إسرائيل والبشر
عمومًا بحيث أنهم مولودين عميانًا ولم
يمكن أن يبصروا إن لم يعرض ابن الله نفسهُ
عليهم كإنسان ويفعل فيهم الروح القدس
أيضًا بواسطة الكلمة لينيرهم ويأتي بهم
إليهِ كالنور ثم يسجدون لهُ كابن الله
شافيهم ومخلصهم. وأما حالة لعازر
فمميَّزة عما سبق ذكرهُ من آياتهِ بحيث
أنهُ لم يمرض فقط بل اشتدَّ مرضهُ أيضًا
وانتهى بالموت. ونرى أن الرب عمل وتكلم
حتى يظهر أن هذه الآية مع ظروفها
الخصوصيَّة تشير معنويًّا إلى عمل آخر
كان عتيدًا أن يجريهُ. فلما بلغهُ الخبر
بأن لعازر مريض قال: هذا المرض ليس للموت
بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله بهِ.
فالمجد عبارة عن إظهار بعض صفات الله.
فكان الله مزمعًا أن يظهر بعض صفاتهِ ليس
بشفاء المذكور من مرضهِ بل بإقامتهِ من
بعد أن مات وصار منتنًا بحسب ما نظرهُ
الناس. فمكث الرب يومين في موضعهِ بينما
يشتدُّ الضيق في بيت العائلة المحبوبة
المنتظر لهُ كما سيفعل مع إسرائيل في
ضيقتهم المستقبلة. ثم بعد ذلك قال
لتلاميذهِ: لنذهب إلى اليهودية أيضًا
فلما اعترضوا على ذلك خوفًا من اليهود
الذين رفضوهُ تمامًا وطلبوا قتلهُ
أجابهم: أن ساعات النهار معدودة لأن الله
قد عيَّن للإنسان أن يمشي في نور الشمس ما
دامت في السماء وهكذا كانت مشورة الآب
ومشيئتهُ النور الصافي المُضيء لخطوات
الابن التي خطاها في الخدمة المعيَّنة
لهُ فلم يكن كالذي يمشي في الليل ويعثر.
قال هذا وبعد ذلك قال لهم: لعازر حبيبنا
قد نام، لكني اذهب لأُوقظهُ. فالموت ليس
لأحبَّاء الرب سوى الرقاد بالنوم ونرى كم
كان الأمر صعبًا على التلاميذ أن يفهموا
هذه الحقيقة البسيطة التي تصدق علينا
وعلى إسرائيل كأُمة أيضًا لأنهم من جهة
الاختيار لم يزالوا أحباء من أجل الآباء (انظر
رومية 28:11) ولا يخفى أن الوقت قد طال عليهم
وهم نيامٌ ولكن سيأتي المسيح إلى
اليهودية أيضًا ليوقظهم. فبقيت أفكار
التلاميذ في أمر المرض والشفاء وطنُّوا
أن النوم علامة الصحة فإذًا لا مقتضى
لذهاب الرب إليهِ حتى يخاطر بحياتهِ.
فالتزم أن يقول لهم صريحًا: أنهُ قد مات.
ثم أضاف إلى ذلك قائلاً: وأنا أفرح لأجلكم
إني لم أكن هناك لتؤمنوا فلو كان حاضرًا
في البيت الإسرائيلي وقت مرض الحبيب لم
يقدر الموت أن يحدث في حضورهِ وكذلك لم
ينتهِ الأمر مع أُمة إسرائيل إلى أن رُفض
المسيح وتنحى عنهم فحينئذٍ انكشفت
حالتهم التعيسة وظهر تمامًا أنهم أموات
وليس أحد يقدر أن يعالجهم إلاَّ الذي
يستطيع أن يقيم الموتى ويحييهم. ولكن
لنذهب إليهِ، فالصعوبات مهما كانت لا
تقدر أن تمنعهُ عن تتميم خدمتهِ لإسرائيل.
فلا بد أنهُ يأتي إليهم في الوقت
المعيَّن. فقال توما الذي يقال لهُ
التوأم للتلاميذ رفقاءهِ: لنذهب نحن
أيضًا لكي نموت معهُ. كان توما ضعيفًا في
الإيمان كما ظهر فيهِ بعد قيامة الرب
ولكن الوحي يذكر هنا محبة قلبهِ للرب إذ
كان يظن أن اليهود لا بد أن يقتلوا الرب
وتلاميذهُ سويةً فارتضى أن يموت معهُ
ولكنهُ تكلم بتواضع إذ جمع نفسهُ مع
رفقاءهِ ولم يتعظم عليهم كأنهُ أقوى منهم
كما فعل بطرس في وقت آخر. 17
فَلَمَّا أَتَى يَسُوعُ وَجَدَ
أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ أَرْبَعَةُ
أَيَّامٍ فِي الْقَبْرِ. 18 وَكَانَتْ
بَيْتُ عَنْيَا قَرِيبَةً مِنْ
أُورُشَلِيمَ نَحْوَ خَمْسَ عَشْرَةَ
غَلْوَةً. 19 وَكَانَ كَثِيرُونَ
مِنَ الْيَهُودِ قَدْ جَاءُوا إِلَى
مَرْثَا وَمَرْيَمَ لِيُعَزُّوهُمَا
عَنْ أَخِيهِمَا. 20 فَلَمَّا
سَمِعَتْ مَرْثَا أَنَّ يَسُوعَ آتٍ
لاَقَتْهُ، وَأَمَّا مَرْيَمُ
فَاسْتَمَرَّتْ جَالِسَةً فِي
الْبَيْتِ. 21 فَقَالَتْ مَرْثَا
لِيَسُوعَ:«يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ
ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي! 22 لكِنِّي
الآنَ أَيْضًا أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا
تَطْلُبُ مِنَ اللهِ يُعْطِيكَ اللهُ
إِيَّاهُ». 23 قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«سَيَقُومُ
أَخُوكِ». 24 قَالَتْ لَهُ مَرْثَا:«أَنَا
أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي
الْقِيَامَةِ، فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ».
(عدد 17-24). قد رأينا أن الرب قد أخر مجيئهُ عن قصد لكي
يكون عملهُ شهادة لمجد الله الحال فيهِ
كالابن. لاحظ أنهُ كان قد مضى على الميت
أربعة أيام ومن حيث أن بيت عنيا كانت
قريبة من أورشليم شاع الخبر بموت لعازر
بين الجميع ويظهر أن العائلة كانت معتبرة
إذ حضر كثيرون ليعزوا الأختين عن أخيهما.
فكان الله قد رتَّب كل شيء لكي يتمجد
بالآية نعم ويمجد ابنهُ بها أيضًا. فلما
سمعت مرثا أن يسوع آتٍ لاقتهُ. وأما مريم
فاستمرَّت جالسة في البيت. قابل هذا مع (لوقا
38:10-42) وترى صفات الأُختين وأن مرثا كانت
من الذين يحبون الرب لكنهم يكثرون الخدمة
لهُ ويُقلّلون الشركة معهُ فلذلك
يستعجلون للعمل غير قادرين أن يدركوا
أفكارهُ ويحصلوا على الإرشاد منهُ خلاف
مريم والذين مثلها إذ يجلسون عند قدمي
الرب ليسمعوا كلامهُ. ونرى هنا أن مرثا لم
تنتفع كثيرًا من خروجها عاجلاً بدون دعوة
للقاء الرب لأنها كانت ممتلئة من أفكارها
فإنها إنما افتكرت في شفاء أخيها وتأسفت
على عدم حضور الرب قبل مماتهِ. لكني الآن
أيضًا أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك
الله إياهُ. كانت أفكارها متشوّشة وحسب
ظاهر كلامها كانت منتظرة أن الرب يستطيع
أن يعمل شيئًا بعد وإن كانت الأحوال صعبة
ولكنهُ اتضح فيما بعد أنهُ لم يكن فيها
إيمان بهِ أنهُ يقدر أن يُقيم الموتى
فإذًا إقرارها بأن كل ما يطلب من الله
يعطيهِ إياهُ لا يناسب الحالة. قال لها
يسوع: سيقوم أخوكِ. فقدَّم لها فرصة لتظهر
إيمانها بهِ كقادر أن يزيل الموت ويردَّ
أخاها من القبر حالاً ولكنها لم تقدر على
إيمان كهذا. قالت لهُ مرثا: أنا أعلم أنهُ
سيقوم في القيامة في اليوم الأخير. فعند
الامتحان وُجد إيمانها ناقصًا لأن
الفريسيين أنفسهم اعتقدوا هذا الاعتقاد
عينهُ أن الأبرار يقومون في اليوم الأخير
من نظامهم القديم لكي يتمتعوا ببركات
الملكوت المنتظر وهذا اعتقاد اليهود إلى
الآن ولكن يسوع أتى لكي يعلن لنا شيئًا
أفضل من ذلك فإذا أنكرناهُ نبقى على
الإيمان اليهودي فنشبه مرثا تمامًا. 25
قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَنَا
هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ
آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، 26
وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ
بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ.
أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟» 27 قَالَتْ
لَهُ:«نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ
آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ
ابْنُ اللهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ». (عدد 25-27). فلقيامة المؤمنين صفة خصوصية بحيث أنهم
لا يُقامون بمجرد قوة الله فقط كما
اعتقدت مرثا بل بموجب اقترانهم مع المسيح
أيضًا ومشابهتهم لهُ لأنهُ اجتاز الموت
والقبر كسابق لهم وغلب الموت لأجلهم
ونشَّف مياههُ المهولة كما فعل تابوت
العهد حين نزل في الأردن قدام بني
إسرائيل حتى عبروا النهر على اليابسة.
فإنما تجرى قيامتهم بهِ وفيهِ. كما يقول
الرسول: فإنهُ إذ الموت بإنسانٍ، بإنسانٍ
أيضًا قيامة الأموات. لأنهُ كما في آدم
يموت الجميع. ولكن كل واحد في رُتبتهُ:
المسيح باكورةٌ، ثم الذين للمسيح في
مجيئهِ. (كورنثوس الأولى 21:15-23). أنا هو
القيامة والحياة. فيذكر القيامة أولاً ثم
الحياة باعتبار نسبتهِ إلينا فإنهُ مات
وقام وصار بالفعل حياتنا بعد قيامتهِ.
كان بذاتهِ الحياة والحياة الأبدية من
حين تجسدهِ نعم ومنذ الأزل أيضًا كما قد
رأينا في (إصحاح 1) وكان قادرًا أن يُحيي
روحيًّا راجع (إصحاح 5) ولكنهُ كان ينبغي
أن يموت ويقوم لكي يضمنا إليهِ نفسًا
وجسدًا في حالة القيامة التي هو عليها
الآن. مَنْ آمن بي ولو مات فسيحيا. هذا عن
قيامة المؤمنين الراقدين في ذلك الوقت أو
في أي وقت كان. فإن كان الموت منتصرًا
عليهم بحسب الظاهر فليست غلبتهُ للأبد
لأن المسيح لا بد أن يأخذ خاصتهُ حتى
يكونوا معهُ منتصرين مثلهُ على الموت
والقبر. وكل مَنْ كان حيًّا وآمن بي فلن
يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا؟ فهذا عن
إبطالهِ الموت للذين قد عرفوهُ كالقيامة
والحياة. فيصدق: أولاً- علينا جميعًا باعتبار إيماننا
بحيث إذا متنا بمشيئة الله لا نجد الموت
سوى الرقاد بالنوم (انظر كورنثوس الأولى
51:15؛ تسالونيكي الأولى 13:4-18) لأننا قد
انتقلنا من الموت إلى الحياة (راجع إصحاح
24:5). فقد انتصرنا عليهِ روحيًّا بالمسيح
يسوع ربنا الذي نزع شوكتهُ بموتهِ
وقيامتهِ. ثانيًا- على المؤمنين الأحياء حين يحضر
المسيح لكي يجري قوتهُ بإقامة الراقدين
فيهِ بحيث أنهم يتغيرون بهذه القوة نفسها
ولن يروا الموت إلى الأبد حرفيًّا وهذا
رجاؤنا الحقيقي كما يقول الرسول: فإننا
نحن الذين في الخيمة نئنُّ مثقلين، إذ
لسنا نريد أن نخلعها بل أن نلبس فوقها،
لكي يُبتلع المائت من الحياة.(كورنثوس
الثانية 4:5). فقد تبرهن المسيح لإيماننا
كالقيامة والحياة والقوة التي إقامتهُ
من الأموات والتي يمارسها نحو المؤمنين
هي نفسها حالة وعاملة فينا ولا تفارقنا
إلى أنها تقيمنا وتحضرنا معهُ. وإن كان
روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا
فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات
سيُحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحهِ
الساكن فيكم (رومية 11:8؛ انظر أيضًا أفسس
19:1، 20). كان هذا الموضوع يفوق إدراك مرثا
كما اتضح من جوابها إذ قالت: أن قد آمنت
أنك أنت المسيح ابن الله الآتي إلى
العالم. وأما هذا فإنما كان إيمان جميع
الذين انقادوا إلى المسيح كتلاميذ مدة
حياتهِ وبقوا يجهلون حقيقة الموت
والقيامة حتى بعد تتميمها ولم يصدقوها
حينئذٍ إلاَّ بالجهد. 28 وَلَمَّا
قَالَتْ هذَا مَضَتْ وَدَعَتْ مَرْيَمَ
أُخْتَهَا سِرًّا، قَائِلَةً:«الْمُعَلِّمُ
قَدْ حَضَرَ، وَهُوَ يَدْعُوكِ». 29 أَمَّا
تِلْكَ فَلَمَّا سَمِعَتْ قَامَتْ
سَرِيعًا وَجَاءَتْ إِلَيْهِ. 30 وَلَمْ
يَكُنْ يَسُوعُ قَدْ جَاءَ إِلَى
الْقَرْيَةِ، بَلْ كَانَ فِي الْمَكَانِ
الَّذِي لاَقَتْهُ فِيهِ مَرْثَا. 31 ثُمَّ
إِنَّ الْيَهُودَ الَّذِينَ كَانُوا
مَعَهَا فِي الْبَيْتِ يُعَزُّونَهَا،
لَمَّا رَأَوْا مَرْيَمَ قَامَتْ
عَاجِلاً وَخَرَجَتْ، تَبِعُوهَا
قَائِلِينَ: «إِنَّهَا تَذْهَبُ إِلَى
الْقَبْرِ لِتَبْكِيَ هُنَاكَ». 32 فَمَرْيَمُ
لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ
يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ
رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ:«يَا
سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ
يَمُتْ أَخِي!». 33 فَلَمَّا رَآهَا
يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ
الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ،
انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ، 34
وَقَالَ:«أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟»
قَالُوا لَهُ:«يَا سَيِّدُ، تَعَالَ
وَانْظُرْ». 35 بَكَى يَسُوعُ. 36 فَقَالَ
الْيَهُودُ:«انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ
يُحِبُّهُ!». 37 وَقَالَ بَعْضٌ
مِنْهُمْ:«أَلَمْ يَقْدِرْ هذَا الَّذِي
فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ
يَجْعَلَ هذَا أَيْضًا لاَ يَمُوتُ؟».
(عدد 28-37). يتضح أن مرثا لم تقدر أن تستريح في حضرة
الرب إذ كان كلامهُ يفوق إدراكها فشعرت
بأن أُختها مريم تقدر أن تفهمهُ أكثر
منها فمضت ودعتها سرًّا لكي لا تستلفت
أنظار الحاضرين إلى حقيقة إقبال يسوع إلى
القرية. فقالت لها: المُعلِّم قد حضر وهو
يدعوكِ. غير أن الوحي لا يذكر أن الرب
استدعاها ولكن مع ذلك أصابت مرثا بعملها
لأن أُختها كانت روحية وكانت تقدر أن
تقترب إلى الرب أكثر منها. قامت مريم
سريعًا وجاءت إليهِ حيث كان خارجًا عن
القرية. لم يكن قاصدًا بيت الأحياء بل قبر
الميت. وكان الله قاصدًا أن كثيرين من
اليهود يحضرون إلى القبر ويشاهدون الآية
أيضًا فاتفق بعنايتهِ أنهم تبعوا مريم إذ
ظنوا أنها تذهب إلى القبر لتبكي هناك
وبهذه الواسطة اجتمعوا أمام المسيح. وأما
مريم فتأثرت من رؤية الرب أكثر من مرثا
فإنها خرَّت عند رجليهِ ومع أنها قالت
نفس كلام مرثا مُتأسفةً على عدم حضور
الرب ليمنع الموت عن الدخول في منزلهم
نرى قلبها لينًا ودموعها تذرف. لم تقدر أن
تفهم قوة القيامة في وقتهِ أكثر من
أُختها ولكن قلبها ذاب إذ شعرت بمرارة
الموت في حضرة الذي لهُ الحياة. وبادرت أن
تخرَّ لديهِ وتشكو لهُ سبب أحزانها
الثقيلة. فاشترك اليهود أيضًا معها في
البكاء لأن قوة الموت ثقلت على قلوب
الجميع لأن منظر الموت يذللنا جميعًا
رغمًا عنا بحيث نعلم يقينًا أنهُ عدونا
وملك الأهوال. هؤلاء كانوا متأثرين من
قوة الموت وانتصارهِ على البشر وأما يسوع
فانزعج بالروح واضطرب من مشاهدتهِ إياهم
على هذه الحالة. فانزعج بروحهِ يعني تأثر
تأثرًا عميقًا من رثاءهِ لهم وشعورهِ
بسلطة الموت على الذين أتى لكي يفديهم.
وحصل ذلك بروحهِ قدام الله. واضطرب، يعني
تحرَّك أو ارتجف من شدَّة انزعاجهِ
والألفاظ تفيد نوعًا من الغيظ أيضًا من
حيث أنهُ كان ينظر إلى الموت كخصم لهُ وهو
متقدم لمواجهتهِ والانتصار عليهِ ليس
على سبيل الكفارة كما فعل على الصليب بل
كصاحب الحياة الإلهية القادر أن يغلب
الموت ويحلَّ رُبُطهُ القوية بكلمة. وقال:
أين وضعتموهُ؟ قالوا لهُ: يا سيد تعال
وانظر. حضور الموت يُلين حاسيات البشر
ويكسر قساوة قلوبهم إلى حين حتى الذين
كانوا يعادون بعضهم بعضًا يتركون
عداوتهم أمام عدوهم القوي المُستعدّ أن
يسطو عليهم جميعًا. بكى يسوع. كان إنسانًا
مثلنا في كل شيء ما عدا الخطية. فبكى
بكاءً حقيقيًّا لاشتراكهِ مع الحاضرين
في حاسيَّاتهم مع أنهُ يوجد فرق عظيم
بينهُ وبينهم بحيث أنهُ كان يحمل الموت
بروحهِ قدام الله كمشقة البشر والنير
الثقيل الذي لم يستطيعوا أن ينقذوا
أنفسهم منهُ. وأما هم فبكاؤهم إنما نتج من
شعورهم بالضعف وعجزهم عن عمل شيء آخر
خلاف ذلك. فإذا بكينا مع الباكين نشترك في
حاسيَّاتهم من كوننا جميعًا في حالة
واحدة وربما نحتاج إلى رثاءهم لنا غدًا
وأما يسوع فيتداخل في مشقات الإنسان
المائت وأحزانهِ حتى الموت أيضًا ولكن
كمن يقدر أن ينزعهُ مع الخطية التي هي
سببهُ. وليس أنهُ ينزع قوة الموت فقط بل
هو الحياة أيضًا ويمنحنا نحن المائتين
حياةً لنحيا مع الله ناظرين إلى الموت
كعدو مغلوب من وراءنا. وهذا هو مجد الله
ومجد ابنهِ أيضًا لأنهُ أكمل العمل
بواستطهِ. فقال اليهود: انظروا كيف كان
يُحبّهُ. وقال بعض منهم: ألم يقدر هذا
الذي فتح عيني الأعمى أن يجعل هذا لا يموت
أيضًا؟ فلم يقدروا أن يفهموا بكاء يسوع
إذ نظروا إليهِ كأحد البشر وكأنهُ يبكي
من الشعور بالضعف مثلهم. والبعض تذكر
الآية التي صنعها بالأعمى المذكور في (إصحاح
9) وظنوا أنهُ ربما يقدر أيضًا أن يشفي
لعازر لو حضر قبل كما سبقت وقالت مرثا
وأُختها وأما إقامتهُ من الموت فكان
أمرًا بعيدًا عن أفكار الجميع.
38 فَانْزَعَجَ
يَسُوعُ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ وَجَاءَ
إِلَى الْقَبْرِ، وَكَانَ مَغَارَةً
وَقَدْ وُضِعَ عَلَيْهِ حَجَرٌ. 39 قَالَ
يَسُوعُ:«ارْفَعُوا الْحَجَرَ!».
قَالَتْ لَهُ مَرْثَا، أُخْتُ الْمَيْتِ:«يَاسَيِّدُ،
قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ
أَيَّامٍ». 40 قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«أَلَمْ
أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ
مَجْدَ اللهِ؟». 41 فَرَفَعُوا
الْحَجَرَ حَيْثُ كَانَ الْمَيْتُ
مَوْضُوعًا، وَرَفَعَ يَسُوعُ
عَيْنَيْهِ إِلَى فَوْقُ، وَقَالَ:«أَيُّهَا
الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ
لِي، 42 وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ
فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلكِنْ
لأَجْلِ هذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ
قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ
أَرْسَلْتَنِي». 43 وَلَمَّا قَالَ
هذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ:«لِعَازَرُ،
هَلُمَّ خَارِجًا!» 44 فَخَرَجَ
الْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلاَهُ
مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ
مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ
يَسُوعُ:«حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ». (عدد 38-44). كان الموت قد أكمل عملهُ والبشر حسب
عادتهم أخفوا الميت عن نظرهم ووضعوا
حجرًا على باب القبر كحدٍ للأحياء يمنعهم
عن الاقتراب إلى منزل الموتى. قال يسوع:
ارفعوا الحجر. قالت لهُ مرثا أُخت الميت:
يا سيد قد أنتن لأن لهُ أربعة أيام.
فأظهرت عدم إيمانها الذي حملها أن تعترض
على الرب في عملهِ. قابل هذا مع (لوقا 4:10)
لو كانت معتادة أن تجلس كمريم عند قدمي
يسوع لتسمع كلامهُ لكانت بالقليل قد
انتظرتهُ فكأنها ما استفادت شيئًا مما
سمعت منهُ حين لاقتهُ خارج القرية. لاحظ
أن عدم الإيمان يشغلنا دائمًا بالأشياء
المنظورة والظروف الخارجية ولا يدعنا
نصغي لكلمة الرب. قال لها يسوع: ألم أقُل
لكِ إن آمنتِ ترين مجد الله؟ هذا ملَّخص
كلامهِ لها في (عدد 25) لأننا لا نقدر أن
نرى مجد الله فيهِ سواء كان بشخصهِ أو
عملهِ إن لم نؤمن بهِ. فإن الإيمان هو
البصيرة الروحية كما رأينا في (إصحاح 9)
وما دمنا بدون إيمان لا يكون يسوع إلاَّ
كطين موضوع على أعيننا فيزداد العمى.
فبعد رفع الحجر رفع يسوع عينيهِ إلى فوق. (انظر
مَتَّى 19:14) وشهادات أخرى على ثقة يسوع في
السماء خلاف آدم وبنيهِ الذين فقدوا
الثقة في السماء وجودتها نحوهم. فبينما
كان الجميع مهتمين بما على الأرض كان
يسوع مرتفعًا إلى السماء التي انحدر منها
واثقًا بأبيهِ كل الثقة. وقال : أيها الآب
أشكرك لأنك سمعت لي. فيشير بهذا إلى ما
سبق وجرى بينهُ وبين الآب من جهة هذه
الآية خصوصًا لما انزعج بالروح واضطرب
قدامهُ فتيقن أن الآب سمع لهُ فإنهُ كان
يطلب مجدهُ. وأنا علِّمتُ أنك في كل حين
تسمع لي. قال هذا عن ثقتهِ الدائمة في
الآب: ولكن لأجل هذا الجمع الواقف قلت
ليؤمنوا أنكَ أرسلتني. فنطق بهذه الصلاة
لأجل الحاضرين لكي يتحققوا أنهُ إنما
يجري هذه الآية بالشركة مع الله كأبيهِ
وليس كنبي فقط يستخدمهُ الله كآلة لإجراء
معجزات. ولما قال هذا صرخ بصوتٍ عظيمٍ لعازر هلم
خارجً. راجع (إصحاح 28:5) حيث رأينا أنهُ
تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في
القبور صوتهُ. وانظر قول الرسول: لأن الرب
نفسهُ بهتافٍ سوف ينزل من السماء
والأموات في المسيح سيقومون أولاً (تسالونيكي
الأولى 16:4) فعظم الصوت علامة سلطانهِ
وقدرتهِ. قابل هذا مع ما ورد عن إقامة
بطرس طابيثا (أعمال الرسل 4:9) إذ جثا على
ركبتيهِ وصلى ثم التفت إلى الجسد وقال: يا
طابيثا قومي. ولم يعمل كأن لهُ سلطانًا
وقدرة في نفسهِ. فخرج الميت ويداهُ
ورجلاهُ مربوطات بأقمطة ووجههُ ملفوف
بمنديل. يظهر أن روح لعازر رجعت إليهِ قبل
أن دعاهُ الرب أن يخرج ثم صوت الرب نقلهُ
جسدًا من داخل الغارة إلى الخارج لأن
يديهِ ورجليهِ كانت مربوطة حتى لم يقدر
أن يمشي. فقال يسوع: حلوهُ ودعوهُ يذهب.
سبق الرب وأمر الحاضرين بأن يرفعوا الحجر
عن باب القبر وهنا يأمرهم بأن يحلُّوا
ربط لعازر وقد استنتج البعض من ذلك أن
الرب قد أوجب علينا أن نصنع الأمور
الروحية كل ما يمكننا ثم ننتظر منهُ أن
يكمل ما بقى ولكنني لست أرى نتيجة كهذه في
محلها لأن الرب كان يجري آية خصوصية في
إقامة الميت ولم يكن يخاطب الحاضرين من
جهة واجباتهم الشخصيَّة ولم يكن لهم أقل
اشتراك معهُ في عملهِ فلا يحسب رفعهم
الحجر وحلُّهم الربُط إلاَّ من الظروف
الخارجيَّة التي لا أهمية لها بتةً غير
أننا نرى أن الرب إذا ابتدأ بعمل صالح
يكملهُ إذا خرج لعازر حيًّا من القبر ثم
أمر بحلهِ لكي يذهب شهادة للجميع على قوة
ابن الله. وهكذا يعمل معنا روحيًّا إذ
يُحيينا ثم يزيل الموانع التي تمنعنا عن
السلوك بالحرية لمجد الذي أحيانا. لاحظ
أيضًا أن قيامة لعازر ليست مثالاً
لقيامتنا بحيث أنهُ رجع إلى حياتهِ
الطبيعية ليعيش مدة بعد على الأرض ويموت
أيضًا وأما نحن فنُقام على هيئة أخرى
عديمي فساد لنكون إلى الأبد مع الرب في
حالتهِ كمُقام من الأموات. فقيامتهُ
تطابق قيامة إسرائيل كأُمة انظر كلام
النبي، ثم قال لي: يا ابن آدم هذه العظام
هي كل بين إسرائيل. هاهم يقولون يبست
عظامنا وهلك رجاؤنا، قد انقطعنا. لذلك
تنبأ وقل لهم هكذا قال السيد الرب: هأنذا
أفتح قبوركم يا شعبي وآتي بكم إلى أرض
إسرائيل. فتعلمون إني أنا الرب عند فتحي
قبوركم وإصعادي إياكم من قبوركم يا شعبي،
وأجعل روحي فيكم فتحيون وأجعلكم في أرضكم
فتعلمون إني أنا تكلَّمت وأفعل يقول الرب
(حزقيال 11:37-14). كانت للمسيح القوة لبركة
إسرائيل وهو حيٌّ وبكى على أورشليم
المتمردة كما بكى عند قبر لعازر لأنها لم
تعلم يوم افتقادها ثم بعد رفضهِ وموتهِ
قام في حالة التغيُّر عن حالتهِ كمسيح حي
في وسط إسرائيل فالآن يجمع الكنيسة
ويضمها إليهِ وهو مرفوض من العالم
ويباركها بكل بركة روحية في السماويات
لكي تملك معهُ وقت الملك حين يجمع
إسرائيل ويباركهم على الأرض وستثبت
بركتهم لأنها مؤسسة على موتهِ وقيامتهِ.
45
فَكَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ
الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مَرْيَمَ،
وَنَظَرُوا مَا فَعَلَ يَسُوعُ، آمَنُوا
بِهِ. 46 وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ
فَمَضَوْا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ
وَقَالُوا لَهُمْ عَمَّا فَعَلَ يَسُوعُ.
47 فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ
وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعًا
وَقَالُوا:«مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ
هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ
كَثِيرَةً. 48 إِنْ تَرَكْنَاهُ
هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ،
فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ
وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا
وَأُمَّتَنَا». (عدد 45-48). فتأثر كثيرون من الذين عاينوا هذه الآية
وآمنوا بهِ وأما البعض الآخر فمضوا
وأخبروا رؤساءهم بما جرى ونرى هنا أنهم
عملوا مجمعًا خصوصيًّا وتشاوروا رسميًّا
عما ينبغي أني يصنعوا مع يسوع وأقرُّوا
بأنهُ يعمل آيات كثيرة. ومن شدة عماهم لم
يخطر ببالهم أن يسألوا إن كان هو مسيحهم
أو لا؟ بل إنما فتشوا على طريق بها يخلصوا
من حضورهِ. لاحظ قولهم: إن تركناهُ هكذا
يؤمن الجميع بهِ فيأتي الرومانيون
ويأخذون موضعنا وأُمتنا. لا نعلم تمامًا
أفكارهم لأن الرومانيين كانوا مستولين
عليهم وكثيرًا ما اجتهد اليهود
المتعصبون أن يتخلصوا من سلطة الأجانب.
فالمحتمل أنهم لاحظوا أن تعليم المسيح
يقود الناس إلى الخضوع للحكام الموجودين
بعناية الله كما قال أعطوا ما لقيصر
لقيصر فإذًا إذا آمن بهِ الجميع يصيرون
من أبناء السلام ولا يعود يمكن للرؤساء
أن يهيجوهم ضد الرومانيين. فما أرادهم إذ
فضلَّوا الفتن والحروب على حضور ابن الله
والسلام الناتج من تعليمهِ. ونعلم أن
أمورهم جرت فيما بعد بحسب مرغوبهم وبدل
أن يتحرروا من أسيادهم الأجنبيين جلبوا
الخراب والدمار على أنفسهم وموضعهم إلى
هذا اليوم. 49
فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ
مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ
رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ
السَّنَةِ:«أَنْتُمْ لَسْتُمْ
تَعْرِفُونَ شَيْئًا، 50 وَلاَ
تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ
يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ
الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ
كُلُّهَا!». 51 وَلَمْ يَقُلْ هذَا
مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ
رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ
السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ
مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، 52
وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ،
بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ
الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ. (عدد 49-52). يتضح أن رئيس الكهنة اغتاظ من اختلاف
الرأي في المجمع ولامهم على عدم معرفتهم
ثم نطق بكلام مثل نبوة. ولا تفكرون أنهُ
خير لنا أن يموت إنسانٌ واحدٌ عن الشعب
ولا تهلك الأُمة كلها. فيظهر أنهُ كان
يساعد الذين جزموا بقتل يسوع ضد الذين
ارتأُوا رأيًا خلاف ذلك معناه أنهُ خير
لهم أن يُميتوا يسوع إن كان صالحًا أو
شريرًا ويخلصوا الأُمة كلها من يد
الرومانيين بهذه الواسطة ولكن كلامهُ
كان صادقًا بمعنى آخر لأن الله جعلهُ
يتكلم بما يعبر عن أفكارهِ ومقاصدهِ هو
رغمًا عن رداءة قلب المتكلم. انظر ما جرى
مع بلعام حين أراد أن يلعن إسرائيل (عدد
إصحاح 23). غير أن بلعام فهم معنى كلامهِ
أنهُ بركة لإسرائيل وليس لعنة كما طلب
الملك. خلاف قيافا الذي لم يفهم كلامهُ
إلاَّ بحسب أفكارهِ الردية. ولم يقل هذا
من نفسهِ بل إذ كان رئيسًا للكهنة في تلك
السنة تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن
الأُمة وليس عن الأُمة فقط بل ليجمع
أبناء الله المتفرقين إلى واحد. هذا
تفسير البشير يوحنا لما تكلم بهِ قيافا.
كان موت المسيح كفارة عن إسرائيل كأُمة
وجميع معاملات الله معهم كأُمة تجرى وقد
جرى باعتبار ذلك من وقت خلاصهم من مصر تحت
ستر دم الفصح إلى خلاصهم المستقبل من
أيدي أعداءهم وسكناهم آمنين في أرضهم.
وكانت كل الذبائح التي قُمت رسميًّا كيوم
الكفارة العظيمة السنوية مثلاً رمزًا
إلى موت الفادي لأجلهم كشعب مختار.
ولكنهُ مات أيضًا كفارة لأجل الجميع
باعتبار كونهم خطاة أمام الله سواء كانوا
يهودًا أو أُممًا ولا يخفى إننا ننظر
دائمًا إلى موتهِ بهذا المعنى لأنهُ
يوافق مقصد الله مدة انتشار الإنجيل
فبناء على ذلك المسيح بجمع أبناء الله
المتفرقين إلى واحد. راجع كلام الرب
المتضمن في (إصحاح 10) عن موتهِ لأجل
خرافهِ وجمعهِ إياها إليهِ كراعيها
وأيضًا (إصحاح 12:1) حيث رأينا أن جميع
الذين يقبلونهُ يصيرون أولاد الله. ففي
وقت رفض المسيح من إسرائيل وارتفاعهِ عن
يمين الله ينادي بالإنجيل والروح القدس
يرافقهُ بعملهِ ليحيي المختارين من كل
الأجناس والرب يجمعهم إلى واحد ولا
يتركهم متفرقين كما نرى في سفر الأعمال
والرسائل. 53 فَمِنْ
ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا
لِيَقْتُلُوهُ. 54 فَلَمْ يَكُنْ
يَسُوعُ أَيْضًا يَمْشِي بَيْنَ
الْيَهُودِ عَلاَنِيَةً، بَلْ مَضَى
مِنْ هُنَاكَ إِلَى الْكُورَةِ
الْقَرِيبَةِ مِنَ الْبَرِّيَّةِ،
إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا
أَفْرَايِمُ، وَمَكَثَ هُنَاكَ مَعَ
تَلاَمِيذِهِ.
55 وَكَانَ فِصْحُ
الْيَهُودِ قَرِيبًا. فَصَعِدَ
كَثِيرُونَ مِنَ الْكُوَرِ إِلَى
أُورُشَلِيمَ قَبْلَ الْفِصْحِ
لِيُطَهِّرُوا أَنْفُسَهُمْ. 56 فَكَانُوا
يَطْلُبُونَ يَسُوعَ وَيَقُولُونَ
فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمْ وَاقِفُونَ
فِي الْهَيْكَلِ:«مَاذَا تَظُنُّونَ؟
هَلْ هُوَ لاَ يَأْتِي إِلَى الْعِيدِ؟» 57
وَكَانَ أَيْضًا رُؤَسَاءُ
الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ قَدْ
أَصْدَرُوا أَمْرًا أَنَّهُ إِنْ عَرَفَ
أَحَدٌ أَيْنَ هُوَ فَلْيَدُلَّ
عَلَيْهِ، لِكَيْ يُمْسِكُوهُ. (عدد 53-57). كان قد تنحى عن أورشليم في آخر (إصحاح 10)
لسبب بُغضهم الشديد وإنما رجع إلى هناك
ليصنع الآية المذكورة في هذا الإصحاح
شهادة قاطعة لإرساليتهِ كابن الله
ولكنها زادت بُغض الرؤساء الذين أخذوا
يتشاورون كمجمع لقتلهِ فعاد إلى مكان
خارج عن اليهودية ومكث هناك مدة وجيزة
قبل الفصح المعيَّن لصعودهِ أخيرًا
ليموت في المدينة المتصفة بقتل أنبياء
الله ورجم المرسلين إليها. فاجتمع كثيرون
في أورشليم لأجل العيد كعادتهم. كانت
أفكارهم منتبهة وقلقة أيضًا من جهة
المسيح وتساءلوا فيما بينهم: هل انهُ لا
يأتي إلى العيد؟ لاحظ أنهم لا يذكرون
اسمهُ ويظهر أنهم خافوا من رؤساء الكهنة
والفريسيين وصرفوا وقتهم بالتطهيرات
الجسدية الباطلة والسؤالات الفارغة كما
يحصل دائمًا إذا كان العميان يقودون
العميان. |
10 | 9 | 8 | 7 | 6 | 5 | 4 | 3 | 2 | 1 | المقدمة |
21 | 20 | 19 | 18 | 17 | 16 | 15 | 14 | 13 | 12 | 11 |