لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

جولة مع يسوع إلى السامرة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ: حليم حسب الله
 

الفصل التاسع

جلوس الرب يسوع على البئر

"الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجندب" (إش40: 22).

من المبادئ الرئيسية التي تساعدنا على فهم المقطع المذكور هو أن نلاحظ المكان الذي حدث فيه الحدث المعين. الحدث وصفات المكان يعطيا لنا المفتاح لفهم المعنى المقصود، فمثلا عندما أخرج الرب بني إسرائيل من مصر يمكننا أن نرى معنى رائع. فمصر تشير إلى المكان الذي أنقذنا الرب منه ألا وهو العالم الحاضر الشرير. ويوحنا المعمدان كرز في البرية وهذا يشير إلى حالة الخراب الذي كان يعيش فيها إسرائيل في ذلك الوقت. والرب يسوع لما أراد أن يعلم بشرائع الملكوت صعد على الجبل وعلم بهذه التعاليم، وهذه تشير إلى عرشه وسلطته التي منها تصدر كل لوائح شريعته. عندما أعطى الأمثال التي علم بها جلس على جانب البحر ( في هذه الشواهد الكتابية: إش17: 12و13، حز26: 3، دا7: 2، رؤ17: 1و5. يمكننا أنا ندرك المغزى للبحر). الأمثال الأربعة الأولى في (مت13) التي تكلم بها الرب يسوع للجموع الغفيرة ترينا دائرة الاعتراف المسيحي كدائرة متسعة. لكن المثلين الواردين بعد ذلك يهتمان بشعب الرب الذي امتلكه لذلك نقرأ "حينئذ صرف يسوع الجموع وجاء إلى البيت. فتقدم إليه تلاميذه" (مت13: 36).

عندما أراد الرب يسوع أن يعطي لنا صورة الخاطئ المسكين الذي أتى لخلاصه، شبهه بإنسان كان نازلا من أورشليم (مدينة السلام) إلى أريحا (مدينة اللعنة). وصوره أيضا بالابن الضال الذي ذهب إلى كورة بعيدة وابتعد عن أبيه وكان يشتهي أن يأكل من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله (لو15). في هذه الأماكن نرى وصف حالة الخاطئ التعيس.

من الكلام السابق يمكننا أن نرى أهمية معرفة الأماكن التي تم فيها اللقاء وبالتالي يمكننا فهم العدد السابق الذي فيه يعلن مقابلة المخلص بالمرأة السامرية الخاطئة. عند بئر "سوخار" حيث يقدم الرب يسوع للمرأة "عطية الله" التي كانت تحتاجها. ولكي يعرفها احتياج نفسها العميق جلس على البئر. فالبئر صورة لشخصه المبارك والمياه التي فيها تشير إلى الخلاص الذي نجده فيه. من الشواهد الكتابية الرائعة التي تشير إلى ذلك وارد في (إش12: 3) "فتستقون مياها بفرح من ينابيع الخلاص". الآبار في العهد القديم تعطينا ظلال عن المسيح وما نجده فيه وسنتحدث عن هذا في فصل قادم.

إنه لأمر مدهش إذ نرى الرب العظيم الجالس على كرة الأرض وسكانها كالجندب الذي ينشر السموات كسرادق ويبسطها كخيمة للسكن، يذهب إلى حيث توجد المرأة السامرية، ولقد سار مسافة طويلة ولوقت طويل حتى أنه "تعب فجلس هكذا على البئر" المكان الذي ستأتي إليه هذه المرأة لتستقي.

"جلس": لقد ذكر عن الرب يسوع أنه جلس مرارا، وفي كل مرة كان في جلسته يظهر شيئا معينا. فلقد جاء عنه:-

 · يقول إشعياء النبي "في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالسا على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل" (إش6: 1) وهذا السيد هو الرب يسوع كما هو واضح في إنجيل يوحنا (يو12: 41). وهنا نرى جلوس الرفعة والجلال ولتقبل العبادة ولإظهار القداسة المطلقة.

 · "ولما رأى الجموع صعد إلى الجبل. فلما جلس تقدم إليه تلاميذه. ففتح فاه وعلمهم..." (مت5: 1و2).وهنا نراه يجلس جلسته باعتباره السيد والمعلم.

 · "جلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقي الجمع نحاسا في الخزانة" (مر12: 41). لقد جلس يلاحظ العابدين، جلس يراقب ويقيس ويعطي النتائج.

 · جلس في بيت سمعان الفريسي ليظهر ما في قلبه من تعصب وفي ذات الوقت يغفر للمرأة الخاطئة. (لو7: 36).

 · وعلى بئر سوخار "فإذ كان يسوع قد تعب من السفر جلس هكذا على البئر" (يو4: 6). هنا نراه يجلس جلسة ليتعامل فيها معاملة فردية مع امرأة سامرية ساقطة في الخطية تحتاج إلى خلاصه. إنه جلس ليستريح فبعدما استراح في اليوم السابع من جميع أعماله (تك2: 2) نراه يعاود العمل مرة أخرى بعد سقوط الإنسان. لا يوجد أبشع من خطية الإنسان فهي تتعب الإنسان وتتعب الله.

 · جلس على جبل ليمتحن إيمان تلاميذه ولكي يقدم للجموع طعاما لإشباعهم (يو6: 3).

 · جلس في الهيكل ليعلم ولكي يظهر نعمته الفائقة في خلاص امرأة ساقطة أمسكت في زنا (يو8: 1).

 · جلس على جحش متمما ما كتب عنه بالأنبياء باعتباره ملك صهيون (يو12: 14).

 · جلس بعد أن غسل أرجل تلاميذه معلما إياهم من خلال ما فعله أروع الدروس (يو13: 12).

 · "وأما هذا فبعدما قدم عن الخطايا ذبيحة واحدة جلس إلى الأبد عن يمين الله" (عب10: 12). دلالة على كمال عمله المبارك (عب1: 3) وجلس شفيعا للمؤمنين (عب4: 14و16، 7: 25) وجلس منتظرا حتى توضع أعداءه موطئا لقدميه (مت22: 44).

لقد جلس الرب يسوع على البئر ومن جلسته هذه نرى العديد من الأسباب التي دعت لذلك مثل:-

1-  جلس ليستريح بعد تعب وجهاد ومشقة أسفار، إنها ليست استراحة ترفيهية وخاصة. مكتوب "ويل للمستريحين في صهيون والمطمئنين في جبل السامرة" (عا6: 1). لقد طلب الرب يسوع من تلاميذه أن يستريحوا، لكن هذا الطلب جاء بعد جولة خدمة شاقة فقال لهم "تعالوا أنتم منفردين إلى موضع خلاء واستريحوا قليلا" (مر6: 31).

2-  جلس ليجدد نشاطه لأن خدمة عظيمة كانت تنتظره. إنه سيقوم بخدمة فردية وهذه الخدمة ستكون مفتاحا لخدمة كبيرة وجليلة في مدينة السامرة. إنها جلسة وقتية لإعادة النشاط وليست للراحة الدائمة التي ستكون في المجد.

3-  جلس منتظرا إتمام خدمة لامرأة خاطئة تحتاج إلى خلاصه. إنها خدمة تطوعيه، خدمة المحبة المضحية. بينما هو جالس على البئر في هدوء، جاءت المرأة السامرية لتستقي ماء فنسي تعبه وبدأ في التعامل معها. لم تتوقع المرأة أنه يتكلم معها، لكنه لم يتكلم إليها فحسب بل حاول أن يرفع من معنوياتها فطلب منها قائلا "أعطني لأشرب". يا له من شخص عجيب وفريد، إنه الرب الذي كتب عنه "من مثل الرب إلهنا الساكن في الأعالي الناظر الأسافل في السموات وفي الأرض. المقيم المسكين من التراب والرافع البائس من المذبلة ليجلسه مع أشراف مع أشراف شعبه" (مز113: 5-8).

4-  جلس على البئر منتظرا نفسا هو يعلم أنها جائعة وعطشى وتعيش في فراغ قاتل، وهو يريد أن يرويها ويشبعها ويسدد كل احتياجها. لا توجد مصادر للإشباع والارتواء غير الرب يسوع ولا يصلح أن يكون بجواره شيء آخر، فهو الباب للتائهين والقوة للضعفاء والدواء للمرضى والخبز للجائعين والنور للضالين والراعي الصالح الذي يقود الخراف إلى بيته الأمين. إنه يقدم نفسه للمرأة السامرية العطشى باعتباره الماء الحي الذي ينعش ويشبع ويروي.

5-  جلس على البئر ليخدم خدمة فردية جاءت بنتائج مباركة. كان يجتمع حوله المئات والألوف لكن في هذه المرة يجلس مع امرأة ويتكلم معها عن أسمى الأمور. تكلم معها عن الارتواء الحقيقي والماء الحي والسجود الحقيقي وعن المسيا. لقد أظهر في جلسته هذه اهتمامه بالفرد كاهتمامه بالجماعة. وكم من أناس تقابلت معهم نعمة الله فرديا لكنهم هزوا العالم بأسره. لقد ربح أندراوس أخاه بطرس الذي وقف يوم الخمسين متكلما بكلمة الحياة فخلص ثلاثة آلاف نفس (يو1: 40و41، أع2: 37-41) وتقابل الرب يسوع مع شاول الطرسوسي واستخدمه بعد ذلك في بركة الكثيرين (أع9: 1-9و15و16).

أحيانا كثيرة وخاصة في الفرص الانتعاشية نرغب في الازدحام وكثرة الحاضرين، لكن في هذا المشهد نرى الرب يسوع يذهب ويتعب ويجلس لأجل امرأة سامرية ساقطة. يا لها من حكمة، فهو يعلم أنه بسبب شهادتها مدينة كاملة تأتي وراءه. إن الرب يسوع يسير في كل رحلة من رحلاته بخطة إلهية رائعة ولسان حاله "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت" (مز40: 8). ولما جاء تلاميذه بعد أن اشتروا طعاما قالوا له "يا معلم كل"، كان جوابه "أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم... طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو4: 31-34). لقد شبع قلبه وارتوى من خلال خلاص نفس غالية على قلبه.

لقد جاءت المرأة نازفة الدم قائلة في قلبها "إن مسست ولو ثيابه شفيت" (مر5: 28) ورغم الازدحام وكثرة الجمع لكن رتب الرب لها أن تلمس هدب ثوبه ونالت ما تريد. ولكي يوبخ الرب الجموع قال "من لمس ثيابي". فالجموع منشأ للزحام الذي يعوق وصول النفوس المحتاجة إليه، رغم ذلك نراه يسهل لها طريقة الوصول إليه. إن الرب يسوع لا يريد الازدحام قدر ما يريد نفوس تحتاج إليه.

*********************

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عاشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرون

الفصل الحادي العشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثالث والعشرون

الفصل الرابع والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السابع والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الكتاب كاملاً

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.