جولة مع يسوع إلى السامرة |
خادم الرب الأخ: حليم
حسب الله
الفصل الثاني والعشرون المرأة السامرية والسجود "اعبدوا الرب بفرح. ادخلوا إلى حضرته بترنم" (مز100: 2) بعد أن تحدث الرب يسوع مع المرأة السامرية عن حياتها وحالتها في الماضي "كان لك"، والحاضر "والذي لك الآن"، استطاعت أن تدرك من هو هذا الشخص الذي تقف أمامه. إنه شخص غير عادي، إنه كاشف الأسرار وعلام الغيوب، فتحدثت معه عن السجود وكيف وأين يمارس؟. وهنا نسأل لماذا سألت المرأة عن السجود؟ والإجابة كما نراها:- 1- ربما سألت لكي تهرب من واقع حياتها التي تعرف أنها مشينة. 2- وربما سألت لكي تهرب من الرب يسوع لئلا يكشف لها أكثر مما تكلم به من سرائر دقيقة لا يعلم بها أحد غيرها. 3- وربما سألت عن مكان السجود لأنها أرادت أن تقدم عن خطاياها ذبيحة. 4- وربما سألته كنبي يعرف الحقيقة فيخبرها عن أين تسجد السجود الحقيقي. 5- وربما سألته لأنه أثر في حياتها ورأت فيه الخلاص. على أية حال مهما كان السبب لكنها سألت قائلة "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه" (يو4: 20). والرب يسوع قد أجاب لها موضحا الفروق العجيبة بين أنواع السجود، فقال عن:- أولا: سجود السامريين: أنه مرتبط بالمكان "جبل جرزيم". وأنه سجود بلا معرفة، مبني على الجهل وعلى الخرافات "أنتم تسجدون لما لستم تعلمون". كما أنه سجود موروث من الآباء "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل". ثانيا: سجود اليهود: إنه مرتبط بالمكان "أورشليم حيث يوجد الهيكل". وأيضا سجود مصحوب بالمعرفة "نحن نسجد لما نعلم". يجب أن نلاحظ القول "نسجد لما نعلم" وليس "لمن نعلم" والفرق لغويا كبير جدا. "ما نعلم" تشير إلى غير العاقل بينما "من نعلم" تشير إلى العاقل. فإن الله كان مستورا تحت الأنظمة الكهنوتية والذبائح إلى أن مات المسيح على الصليب وشق الحجاب من فوق إلى أسفل وصار المؤمنون قريبين بدم المسيح (أف2: 13، عب10: 19-22). لذلك المؤمن يعرف من يعبد وليس ما يعبد. وأنه أيضا سجود مرتبط بالطقس وبالأنظمة. ثالثا: السجود الحقيقي: وهو غير مرتبط بالمكان ولا بالزمان "تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم". سجود يقدم للآب "تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب.." سجود بالروح والحق. والآن وبإيجاز يمكننا أن نتحدث عن: السجود الحقيقيلقد أصبح السجود الحقيقي من لحظة مجيء ربنا يسوع المسيح إلى العالم غير مرتبط بمكان ولا بالزمان. لقد قال الرب يسوع "وحيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي هناك أكون في وسطهم" (مت18: 20). ماذا كنا نفعل لو كان السجود في أورشليم؟ من منا يستطيع أن يتمتع بالسجود؟. لقد جاء الرب يسوع من السماء ودفع حساب خطايانا. لقد صار الذبيحة التي قدمت لأجلنا، فاستطاع بأن لا يريحنا فقط من أثقال خطايانا، بل وأراحنا أيضا من الذهاب إلى هنا وهناك. وأصبح لاثنين أو ثلاثة يجتمعون إلى اسمه حق التمتع بشخصه مقدمين السجود. يمنح الرب الخلاص أولا ثم يأتي بعد ذلك السجود عرفانا بالجميل والإحسان. فبعد أن طهر العشرة الرجال البرص رجع واحد منهم وهو غريب الجنس، كان سامريا، ليقدم للرب الشكر والسجود. لذلك قال الرب معاتبا "أليس العشرة فد طهروا. فأين التسعة. ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدا لله غير هذا الغريب الجنس". (لو17: 15-19). السجود الحقيقي يقدم من المولودين من الله لله، ويقدمونه باعتبارهم أولاد له وهو أبيهم، والآب طالب مثل هؤلاء الساجدين. الآب لا يطلب سجود حقيقي لكنه يطلب ساجدين حقيقيين ومن صفات سجودهم يجب أن يكون بالروح والحق. أولا: سجود بالروح: يقول الرسول بولس "لأننا نحن الختان الذين نعبد الله بالروح ونفتخر في المسيح يسوع ولا نتكل على الجسد" (في3: 3). هناك فارق بين :في المسيح"، "وبالمسيح". الأولى تعني مركزنا ومقامنا "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17). والثانية تعني انتسابنا للمسيح. وعبارة "لا نتكل على الجسد" تعني لسنا مثل الناس الذين يعبدون عبادات شكلية. مكتوب "أما الرب فهو الروح" (2كو3: 17)، ويقول الرب يسوع للمرأة السامرية "الله روح" (يو4: 24)، وهذا يبرهن على أن الرب يسوع هو الله. "وحيث روح الرب هناك حرية" (2كو3: 17) بمعنى أن الروح القدس يقود من يعبد، وبمعنى آخر أن الروح القدس يصلي فينا وهذا هو معنى الصلاة بالروح والسجود بالروح. فالروح القدس يقود العابدين في التسبيح والسجود والصلاة والخدمة وكل أجزاء العبادة (1كو14: 14و15). يقول الرسول بولس "أصلي بالروح وأصلي بالذهن أيضا" وهذا يعني أن الذهن يفهم ما يقوله. ويقول أيضا "...عبادتكم العقلية" أي العاقلة أو المفهومة (رو12: 2) ويقول أيضا "أرتل بالروح وأرتل بالذهن أيضا". وهنا نسأل: كيف نسجد بالروح؟: من لحظة الحصول على الخلاص والولادة الجديدة يختم المؤمن بالروح القدس (أف1: 13) وبعدها مطلوب منه أن يمتلئ بالروح (أف5: 18) وعندئذ عندما يصلي أو يسبح أو يخدم فكل شيء يكون بالروح. مع ملاحظة أن الروح يشفع فينا بأنات لا ينطق بها (رو8: 26). لقد أجاب الرب يسوع على المرأة السامرية بأن السجود لا في جبل جرزيم ولا في أورشليم، بل هو شخص يقدم حياته للرب يسوع، يقدم كل كيانه ونفسه لله "لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يو4: 23و24) والسجود الروحي يتبعه الاحترام لله حتى بالجسد المادي، فمثلا لا يجوز أن أسجد لله بالروح وأنا نائم، ما لم يكن الشخص مريض ولا يستطيع أن يجلس أو يقف. إن كان الله روح فهو لا يحد بالزمان أو بالمكان، وإن كان الله روح فالذبيحة التي تقدم له ينبغي أن لا تكون ذبيحة مادية، ينبغي أن نقدم له ذبيحة النفس الحية. فالتقدمات المادية والذبائح الحيوانية والتقاليد الحسية كلها تقصر عن إرضاء الله. إن التقدمات التي تسر قلب الله دون سواها هو ما يقدمه الروح القدس من قلب عملت فيه نعمة الله واغتسل بدم المسيح. فالعبادة الحقيقية هي العبادة تحت قيادة الروح القدس، وهي العبادة التي تصل بالإنسان إلى الشركة المباركة مع الله. إن العبادة الحقيقية تعتمد على لقاء روح الإنسان بالله. سجود بالروح: هذا تعبير يدل على تغيير طابع السجود، فلن يكون السجود بعد بطريقة بشرية أرضية يتمشى مع أفكار الإنسان الطبيعي على الأرض. في مكان محدد على الأرض، وذبائح من كل ما تنتجه الأرض. ولهذا السبب فإن الساجدين الحقيقيين ينبغي أن يقتربوا إلى الله بمعرفة كاملة عن من هو الله، وما هي طبيعته؟. "الله روح" وبالحياة الجديدة التي ننالها بالولادة من الله (يو3: 5-8) يمكن للساجد أن يقترب من الله بطريقة روحية. ثانيا: سجود بالحق: مكتوب "الرب قريب لكل الذين يدعونه. الذين يدعونه بالحق" (مز145: 18). الرب لا يخدع أبدا فهو يعرف من هو الذي يطلبه، وماذا يطلب منه، ولماذا يطلب؟. "الناموس بموسى أعطي أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو1: 17). فنحن نقترب إلى الله من خلال النعمة ونعبد بالحق ونتكلم بالروح لأن الله روح. لقد أعلن الرب يسوع لنا المفهوم الصحيح للسجود والساجدين الحقيقيين، الأمر الذي يجهله الكثيرون لا من الذين لم يختبروا خلاص المسيح فقط بل يجهله أيضا كثير من المؤمنين المخلصين. فالسجود ليس هو ذكاء الإنسان أو خلفية علمية أو دينية، لكنها مسألة نعمة من الله. إن كل عطايا الله لنا هي من دافع محبته الشديدة لنا ومن غنى نعمته. إنها نعمة في الخلاص وأيضا نعمة في فهم الحق لأن "...مخلصنا الله يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تي2: 4و5). لا يكتفي بالخطوة الأولى "يريد أن جميع الناس يخلصون"، بل ويتقدم للأمام في الثانية "وإلى معرفة الحق يقبلون". لقد قال الرب للمرأة "يا امرأة صدقيني إنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب...ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون..." (يو4: 21-23). لنلاحظ أن عبارة "تأتي ساعة" ذكرت مرتين في هذه العبارة، وكلمة "الآن" تعبر عن إعلان جديد لم يعلن من قبل، يعلن لأول مرة لامرأة خاطئة. لقد تكلمت المرأة عن الآباء وسجودهم "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل"، لكن ماذا ينفع سجود الآباء أولئك الأبناء؟. كم من أناس حتى الآن يفتخرون بالآباء ولكن ماذا عنهم؟للأسف هذه النغمة متوفرة في المسيحية، لكن الرب يسوع قال لها "يا امرأة" إنها كلمة احترام وتوقير، لقد قالها لأمه في عرس قانا الجليل "ما لي ولك يا امرأة" (يو2: 4) وهنا قالها للمرأة السامرية. إنها أدبيات سامية وراقية يجب أن نتعلمها من الرب يسوع. "تأتي ساعة" إنها ساعة النعمة في الوقت الحاضر. السجود اليهودي طبقا لما هو معلن، فهو سجود بالحق لكن ليس بالروح، فهو سجود طقسي جسدي. أما سجود السامريون لا بالروح ولا بالحق، لكن السجود الآن فهو بالروح والحق لذلك يقول عنهم الساجدون الحقيقيون. الآب طالب ساجدين وليس سجود، فهو لا يفرح بما نقوله وما نقدمه من ذبائح قدر ما يفرح بنا نحن الساجدين الذين نتقيه ونخافه في داخل وخارج اجتماعاتنا. إذا رجعنا إلى المزمور المئة والثالث نجد في العددين الأولين نوعين من مباركة الله. في العدد الأول نرى السجود لله لأجل ما هو في ذاته "باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني ليبارك اسمه القدوس" ثم يأتي الشكر "باركي يا نفسي الرب ولا تنسي كل حسناته" وفي الأعداد التالية يعدد الحسنات. النعمة التي تخلص الخطاة وتكسو العاري وتبرر الفاجر الأثيم والتي تعطي للأموات بالذنوب والخطايا حياة أبدية والتي تعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجانا هي ذاتها التي توجد الساجدين للآب. لقد تكلم الرب يسوع مع المرأة عن السجود الحقيقي. إنه تعليم جديد بالنسبة لها. إنه تكلم خلاف ما تعلمته وما يعلم به اليهود "لا في هذا الجبل ولا في أورشليم". تعلمت عن السجود المسيحي بالروح والحق. السجود بالروح بالمقارنة بالسجود الطقسي في العهد القديم، والسجود بالحق بالمقارنة بالسجود المزيف الذي في السامرة، فهم يسجدون لما لا يعلمون، فهم لا يعرفون الله ولا خلاصه ولا يعرفون المخلص. فأساس السجود هو "لأن الخلاص من اليهود" فهو يكلمها عن نفسه، فهو هذا الخلاص. لما دخلت أمه به إلى الهيكل وهو بعد طفل، أخذه سمعان الرجل البار على ذراعيه وبارك الله وقال "الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام. لأن عينيّ قد أبصرتا خلاصك..." (لو2: 29و30). وقال عنه المعمدان "ويبصر كل بشر خلاص الله" (لو3: 6). فهو الخلاص وفيه ومنه الخلاص. وكأنه يقول للمرأة أنا أمامك هو الخلاص والمخلص وبالتالي تعرفين السجود الحقيقي. لقد وردت كلمة "ينبغي" في الأصحاحين الثالث والرابع من إنجيل يوحنا أربع مرات كالآتي:- 1- "ينبغي أن تولدوا من فوق" (يو3: 7) وهذا يتم بعمل الروح القدس في النفس البشرية "المولود من الروح هو الروح" (يو3: 6). 2- "...هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان" (يو3: 14) وهذا يختص بأقنوم الابن بأنه لابد أن يرفع على الصليب لكي يعطي الخلاص والحياة الأبدية. 3- "وكان لابد له أن يجتاز السامرة" ليتعامل مع النفس ويرجعها إليه ويعمل بنعمته فيها. 4- "الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يو4: 24). وهذه تختص بالآب الذي يطلب ساجدين حقيقيين. مما سبق يتضح لنا الترتيب الرائع، فنرى الولادة الجديدة والخلاص المؤسس على موت الرب يسوع ثم السجود الحقيقي. فلا يمكن أن يكون سجود حقيقي إلا بعد أن يولد الإنسان من الله ولادة جديدة. كل ما يقدمه المولود من الله من سجود وعطايا وعبادة وتسبيح وكل ما يقدمه من خدمة روحية ومادية لله مقبول لأنه نابع من عمل الروح القدس في قلب مغتسل بالدم. في الأربع مرات التي ذكرت فيها كلمة "ينبغي" نرى الله في ثالوث أقانيمه وعمل كل أقنوم في الإنسان ولأجل الإنسان. فالولادة هي من الروح القدس، والفداء والتعامل مع النفس تممه الابن والآب طالب ساجدين حقيقيين. لقد أعلن الرب يسوع للمرأة السامرية طابع السجود والساجدين وكيفية السجود بالروح والحق. سجود بالحق أي بالتوافق مع ما أعلنه الله عن نفسه (أف1: 17) وأن المؤمن باعتباره ابن يقف أمام أبيه. فالمؤمنون الحقيقيون لا يعرفون الله باعتباره الرب يهوه فقط، بل باعتباره إلههم وأبيهم أيضا، ولذلك لهم روح التبني (غلا4: 6). لقد سأل بيلاطس الرب يسوع قائلا: "ما هو الحق"؟ إنه لم يعرف أن الشخص الواقف أمامه للمحاكمة هو الحق. إن الحق هو ما قد أعلنه الله عن ذاته، والابن هو الذي أعلن الله. نبذة مختصرة عن السجودالسجود ليس هو سماع عظة، أو خدمة تقدم للآخرين أو شهادة عن نعمة الله المخلصة وليس هو الكرازة بالإنجيل أو خدمة التعليم أو الصلاة. الفرق بين الخدمة والسجود: هو أن الخدمة هي ما يقدم إلينا من الآب بواسطة الابن في قوة الروح القدس مستخدما مؤمنين أعطاهم الله مواهب لهذا الغرض، ولكن السجود هو ما يقدم من المؤمن متجها إلى فوق، إلى الآب بقوة الروح القدس وبواسطة الابن. الفرق بين الصلاة والشكر والسجود: الصلاة هي انشغال النفس بما تحتاج، والشكر هو انشغال النفس بما أخذت من بركات، أما السجود هو انشغال النفس بالله نفسه. يمكن أن نصلي ونشكر ونسجد في وقت واحد، ولكن ليس هذا يعني أن الصلاة والشكر هما سجود. · قالوا عن السجود: 1- فيضان القلب الشاكر تحت تأثير نعمة إلهية وهو شيء تلقائي ينبع من الداخل ويفيض من قلب مملوء إحساسا بعظمة الله وإحسانه (مز45: 1). 2- سكيب النفس المستريحة في محضر الله، بمعنى أن الساجد مدرك ومستمتع بيقين قبوله الكامل أمام الله بيسوع المسيح. 3- انشغال القلب لا بحاجاته ولا حتى ببركاته ولكن بالله ذاته. 4- تفجر قلب قد عرف الآب كالمعطي والابن كالمخلص والروح القدس كالساكن الكريم. 5- هو التفاعل الداخلي للطبيعة الجديدة في علاقة سامية مع الله نتيجة التمتع بالفداء. إسرائيل لم يعبدوا الرب في مصر التي لم يوجد فيها إلا الأنين والصراخ والمذلة (خر2: 23و24). لم يعبدوا الرب إلا بعد أن عبروا بحر سوف "حينئذ رنم موسى وبنو إسرائيل هذه التسبيحة للرب وقالوا. أرنم للرب" (خر15: 1). لنلاحظ أن هذه ترنيمة المفديين. إن التعبير عن الفداء لم يرد في هذا السفر حتى نصل إلى هذا الأصحاح (خر15: 13). لا يمكن أن يقدم السجود إلا من المولودين من الله، فهؤلاء يمكنهم أن يقدموا سجودا لله، سجودا روحيا وعقليا بالابن وبقوة الروح القدس. وقد استخدم الرب يسوع عبارة "الماء الحي" لكي يصف الحياة التي يمنحها لكل من يؤمن به (يو4: 13) هذا الماء الحي يدخل إلى المؤمن بالولادة الجديدة (يو3: 5) وينبع به بالسجود (يو4: 14) ويفيض فيه في الخدمة (يو7: 37-39). كلمة سجود مترجمة من كلمة يونانية (بروسكنيو) لها عدة معاني منها: تقديم الاحترام، يجثو، يسقط على وجهه، يجثو لله، يسجد (مت2: 2و11، 4: 10) أول مرة ذكرت كلمة سجود في الكتاب المقدس وردت في سفر التكوين، قالها إبراهيم لغلاميه اللذين رافقاه مع اسحق ابنه إلى جبل المريا (تك22: 5). السجود ليس شيئا رخيصا حتى يقدم بلا تفكير أو بلا مبالاة، ودون إدراك بأنه يتضمن التضحية والبذل. فالسجود هو تقديم أغلى وأفضل ما نملك لله، ليس اسحق فقط بل وأكثر. لقد تحدث الرب يسوع مع المرأة السامرية عن السجود في نقاط محددة منها:- 1- مكان السجود: لقد قال لها "لا في هذا الجبل (المكان الذي كان يسجد فيه السامريون) ولا في أورشليم (المكان الذي يسجد فيه اليهود) تسجدون للآب". بمعنى آخر لم يعد السجود محددا بمكان معين على الأرض، مهما كان تاريخه عظيما، ومهما كانت مبانيه فخمة. فبالرغم من أن خيمة الاجتماع في البرية، وهيكل سليمان في أورشليم قد أقيما بموجب أمر إلهي، ونظام العبادة مرتب من الله، والموافقة من الله كانت بحلول السحابة، إلا أن الله قد استغنى عنهما لأنهما لم يكونا سوى أشباه وظلال للحقيقية لابن الله المتجسد (خر40: 34، 1مل8: 10و11، عب9: 22و28). فالله لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي (أع17: 42). "فبيته نحن" وهو يسكن في وسط اجتماعات قديسيه في أي مكان يجتمعون فيه باسم الرب يسوع (مت18: 20، عب3: 6). 2- هدف السجود: "الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب" (يو4: 22). عندما ظهر الرب يهوه لشعبه في العهد القديم بقداسته وجلاله ومجده وقدرته وعدالته في سيناء امتلأوا خوفا وخشية. وبينما هم وقوف من بعيد يرتعشون قالوا لموسى "تكلم أنت معنا فنسمع ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت...أما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله" (خر20: 19و21). وهنا نرى الله وهو يعطي الناموس الذي هو مطالب قداسته العادلة وكأنه على بعد ساكنا في الضباب ومنشأ خوف في قلوب بني إسرائيل. بمقارنة الكلام السابق بما قد أعلنه المسيح عن هدف السجود المسيحي، إنه الآب، وهو نفس الإله الذي ظهر في سيناء لشعبه القديم، لأنه الله غير المتغير، وهو لازال القدوس البار العادل كما كان دائما ولا يزال من الأزل وإلى الأبد. لكنه الآن معلن بواسطة ابنه الحبيب، وفي صورة مختلفة باعتباره الآب، وهي كلمة تدل على القرب والإعزاز والعاطفة والحنان وطول الأناة والاحتمال والعطاء والنعمة غير المحدودة. الخليقة تعلن قدرة الله الأزلية وحكمته (رو1: 20). والناموس يعلن عن قداسة الله وبره وعدله وحقه (خر20: 1-17). لكن الرب يسوع أظهر وأعلن لنا قلب الله، القلب الممتلئ بالمحبة التي لا تحد بحدود والتي اتجهت إلى الذين لم يكونوا مستحقين لها. يجب أن يتذكر كل مؤمن بأنه أعطي من أبيه السماوي أن يأتي ليقدم السجود. 3- علاقة الساجد: إن الساجدين الحقيقيين يسجدون للآب، فهؤلاء هم أولاد الله، ولدوا منه روحيا، وهم كهنة لله، ولهم الكهنوت المقدس لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح، وأيضا لهم الكهنوت الملوكي ليخبروا بفضائل من دعاهم من الظلمة إلى نوره العجيب (1بط2: 5و9). بعمل الروح القدس يولد الإنسان ولادة جديدة فيصير شريك الطبيعة الإلهية، ويصير واحد من عائلة الله، فلا غرابة إذ يمتلئ قلبه بالحمد والفرح (1يو3: 1، 2بط1: 4). لم يعد الأمر كما كان مع الشعب القديم مجرد عبادة وطنية لشعب أرضي، لكنه السجود الفردي لأولاد الله المولودون منه "بالإيمان بالمسيح يسوع" (غلا3: 22، يو1: 12). 4- صفة السجود: لابد أن يكون السجود بالروح والحق (يو4: 24) فهو سجود روحي وليس مادي مرئي كما كان في العهد القديم الذي قام على أساس تقديم الذبائح بواسطة كهنة بشر، لكن الآن سجود روحي بواسطة الروح القدس ورئيس الكهنة العظيم ربنا يسوع المسيح الذي "أكمل إلى الأبد المقدسين". الذي وإن كان قد مات لكنه قد قام وهو حي "بقوة حياة لا تزول"، ومن ثم له "كهنوت لا يزول" (عب7: 23-27). لقد انتهى كهنوت هرون بكل طقوسه وذبائحه عند الصليب، والحجاب المشقوق يعلن بشهادة واضحة عن ذلك. فالشيء الذي أبعد البشر عن محضر الله انتهى بذبيحة المسيح الذي "أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه" (عب9: 26). فلم يعد السجود شيئا يقدم باليد بل بالقلب وللقلب. "ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح". 5- وقت السجود: "ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب" (يو4: 23). كان سجود الشعب القديم محددا بمناسبات ومواسم وأعياد وأماكن، ويظهر يوم السبت بوضوح في مجد عبادتهم. لكن هنا يوضح الرب يسوع أن السجود لم يعد مرتبط بأيام وشهور وأوقات وسنين، لأن هذه الأمور ترتبط بعهد الناموس (غلا4: 10). والعهد الجديد لا يعطي يوما مقدسا أكثر من يوم آخر، ولم يعد السجود محددا بيوم في الأسبوع أو بوقت معين في يوم ما، فللمؤمن الحق أن يقدم السجود للآب في أي وقت وفي أي يوم. 6- القوة على السجود: "الذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يو4: 24). كل خاطئ يثق في المسيح بأنه مخلصه الوحيد ويقبل عمله الكفاري الذي تممه بموته على الصليب، يسكن فيه الروح القدس الذي يختمه إلى يوم الفداء (أف1: 13، 4: 30). والروح القدس يعطي المؤمن قدرة على تقديم السجود للآب وللابن سجودا قلبيا وعقليا بوقار وبإخلاص. ومن هنا نستطيع أن نقول أنه يوجد أمران ضروريان للسجود وهما كلمة الله التي في أيدينا وروح الله الذي في قلوبنا الذي ينبغي أن نمتلئ منه (أف5: 18). 7- أهمية السجود: "الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين" فأهمية السجود نجدها في رغبة الآب في طلب الساجدين الذين يسجدون له بالروح والحق. لقد كان اليهودي العابد يذهب إلى أورشليم طالبا يهوه، لكن الآن في زمن النعمة الآب يطلب الساجدين الحقيقيين. لذلك يجب أن نسجد له ولنتذكر دائما أن:- - الله نور: لذلك يجب أن نكون صادقين. (1يو1: 5) - الله محبة: لذلك يجب أن نكون أمناء. (1يو4: 8و16) - الله نار: لذلك يجب أن نكون على حذر. (عب12: 29) - الله روح: لذلك يجب أن نكون مخلصين. (يو4: 24) سؤال جائز: رب سائل يسأل هل نسجد للآب ولا نقدم السجود للابن؟ والجواب على هذا السؤال هو أنه يجب أن نسجد للآب وللابن أيضا بالروح القدس. أولا: ينبغي أن نسجد للآب بسبب: 1- ما هو: والعهد الجديد يعلن عن الآب في عدة صور:- - الآب القدوس (يو17: 16) فهو يحب البر ويكره الإثم (عب1: 9). - الآب البار (يو17: 25) ويعنى ببر الله كماله وتوافق صفاته. - أبو المجد (أف1: 17) والمجد هو السمو المعلن الذي أعلنه لنا الله في ابنه، ودونه لنا الروح القدس في الكتاب المقدس (2كو4: 6). - أبو الأنوار (يع1: 17) فالله نور (1يو1: 5، أف5: 13) لذلك كل شيء "مكشوف وعريان" لأنه "معروف عند الله كل أعماله منذ تأسيس العالم" (عب4: 13). - أبو الرأفة (2كو1: 3) وهو إله كل تعزية وهو يترأف على خائفيه (مز103: 13) فهو يعرف ضعف شعبه وما يخيفهم وحاجتهم دائما للنعمة المقوية والمشجعة. - أبو الكل (أف4: 6) وهذا لا يعني أبوة الله لكل البشر وأن كل الناس أولاده، لكن كل المؤمنين لهم "إله وأب واحد للكل الذي على الكل وبالكل وفي كلكم". - أبو ربنا يسوع المسيح (2كو1: 3، أف1: 3، 1بط1: 3) فهو ليس أبا للعائلة المفدية كلها فقط لكنه أيضا أبو ربنا يسوع المسيح المكتوب عنه "الابن الوحيد" أي الفريد الوحيد من نوعه. 2- ما عمله فهو: - قد أحبنا (يو3: 16) محبة أبدية (إر31: 3) ومعلنة (رو5: 8) وظاهرة (1يو4: 9) وممنوحة (1يو3: 1) ويؤمن بها (1يو4: 16) ومبادرة (1يو4: 9) ولا انفصال عنها (رو8: 38و39) - قد قدم أغلى ما عنده، ابنه الوحيد، العطية التي لا يعبر عنها (1يو4: 4و14). - قد اختارنا في المسيح (أف1: 3و4). - قد خلصنا بنعمته (كو1: 12و13). - قد باركنا بكل بركاته (أف1: 3). - قد جعلنا أولاده (يو1: 12، 2كو6: 18، كو1: 21، 1يو3: 1) وبالتالي ندعوه "أبا الآب" (رو8: 15). - أعطانا إمكانية السجود له (يو4: 23و24). ثانيا: ينبغي أن نسجد للابن (عب1: 6، رؤ5: 8و13، في2: 10) ينبغي لنا أن ندرك أن كل أقنوم في ذات الله له كل الألوهية ومساو للآخر في كل شيء. لذلك توجد أدلة كثيرة تؤكد السجود للابن منها: · الآب أصدر مرسوما يقول فيه "ولتسجد له كل ملائكة الله" · وفي حياته على الأرض كابن الإنسان قبل السجود من الناس: وهو بعد صبي صغير (مت2: 11)، وأثناء خدمته (مت8: 2، 9: 18، 14: 33، 15: 25، مر5: 6، يو9: 28) وعند قيامته (مت28: 9و17) وعند صعوده (لو24: 52) وهو الآن يقبل السجود في السماء (رؤ5: 9و10و12و13) وأعلن أنه سيقبل السجود في المستقبل (في2: 10). وتحدث عن كرامته المساوية لكرامة الآب (يو5: 23، قارن يو14: 10و11). ونسجد للابن بسبب: 1- ما هو: - إنه ابن الله وبهذا الصورة هو مساو للآب (يو1: 1، عب1: 8). - هو خالق كل الأشياء (كو1: 8و16، يو1: 3) - هو المعلن للآب (يو1: 18، 14: 11، عب1: 3). 2- بسبب ما عمله: - تجسده (1تي3: 16، إش9: 6). - قداسته وطاعته الكاملة (يو17: 4، مت3: 17، يو8: 29، عب5: 18). - ذبيحته الكفارية لأجلنا (عب2: 9). 3- بسبب ما يعمله الآن: - فهو يدافع ويشفع في شعبه (عب7: 25، 1يو2: 1) - رئيس الكهنة الذي يحضر سجودنا إلى الآب ( عب 8: 1- 3) - رأس الكنيسة التي هي جسده ( أف 1: 22و23، 4: 15و16 ) 4- بسبب ما سوف يفعله في المستقبل: فهو لابد أن يأتي لاختطاف المؤمنين ليكونوا معه كل حين ( أع 1: 10و11، يو14: 1-3، 1تس4: 13-18، 1كو15: 51-58). ********************* |
جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.