لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

جولة مع يسوع إلى السامرة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ: حليم حسب الله
 

 الفصل السابع عشر

المرأة السامرية والآبار التي شربت منها

"يروون من دسم بيتك (يا الله) ومن نهر نعمك تسقيهم. لأن عندك ينبوع الحياة" (مز36: 8)

إن البشر جميعهم يعانون من العطش الشديد، لذلك يشربون من آبار متعددة، ولسان حال كل واحد منهم لعلي أرتوي من بئري. ففيهم من شرب من بئر محبة المال على قدر ما استطاع، لكنه لم يرتو، بل صارت محبته للمال أصل لكل الشرور وطعن نفسه بأوجاع كثيرة (1تي6: 10). وآخر شرب من بئر العلم وازداد فيه لكن لم يرتو، بل اختبر القول "من يزيد علما يزيد حزنا" (جا1: 18)، "والدرس الكثير تعب للجسد" (جا12: 12). وآخر شرب من آبار الشهوة والنجاسة فاكتشف في النهاية أن زهرة شبابه قد ذبلت بدون شبع وهو لم يرتو، بل ضاعت قوته في بيت غريب (أم5: 9-11). وآخر شرب من آبار العصر، من التكنولوجيا العصرية ومن المسلسلات والأفلام والأغاني والإنترنت وغيرها من الأمور العصرية، لكنه اكتشف أن نفسه لم ترتو بعد. إذا أردنا أن نأخذ مثالا لنا من واقع الحياة، فلنقرأ عن سليمان الحكيم والآبار التي شرب منها في سفر الجامعة، وماذا كان تقريره في النهاية.

لقد قال الرب عن شعبه القديم "لأن شعبي عمل شرين. تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارا، آبارا مشققة لا تضبط ماء" (إر2: 13) وقال الرب يسوع للمرأة السامرية "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا" (يو4: 13).

لقد شربت المرأة السامرية من آبار كثيرة ولم ترتو من جميعها، لكنها في النهاية وجدت النبع الذي رواها. وإليك بعض الآبار التي شربت منها:-

1-  بئر التزمت والتعصب:-

لقد قالت المرأة للرب يسوع "كيف تتطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية. لأن اليهود لا يعاملون السامريين" (يو4: 9). يقول قائل: أن التعصب كان من اليهود ضد السامريين وهذا ما نستنتجه من قول المرأة. هذا حق، لكن لنعلم أن التعصب من طرف ينشئ رد فعل من الطرف الآخر فيتولد فيه التعصب أيضا. كما أن هذه المرأة لم تكن في زمن "أحبوا أعداءكم" (مت5: 44)، لكنها كانت في زمن "عين بعين وسن بسن" (مت5: 38). ولذلك من الطبيعي أن تظهر ما في قلبها تجاه اليهود، ولأنها ظنت أن الرب يسوع رجل يهودي، لذلك اندهشت وتعجبت من طلبه. فهو قد تخطى كل حدود العداوة، وكأنه بطلبه ماء ليشرب يطلب المصالحة. لذلك قالت له "كيف تتطلب مني وأنت يهودي". وحتى بعد الحوار الطويل، وبعد أن كشف لها ما في أعماقها، وبعد أن قالت له "أرى أنك نبي"، عادت تقول "آباؤنا سجدوا... وأنتم تقولون..." (يو4: 20). لازالت روح التعصب تسيطر على أفكارها. ولكي يحررها تماما من هذه الروح، أعلن لها عن الآب الطالب ساجدين حقيقيين، وأيضا أعلن لها عن ذاته باعتباره المسيا العجيب، فلم تعد تقول "آباؤنا... وأنتم"، لكنها قالت "إنسان قال لي كل ما فعلت أ لعل هذا هو المسيح" (يو4: 29). وبسبب شهادتها خرجت كل المدينة إليه، "فآمن به من تلك المدينة كثيرون...وسألوه أن يمكث عندهم. فمكث هناك يومين"، وبعدها لم يقولوا عنه "رجل يهودي" لكن شهد الكل قائلين "أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم" (يو4: 30و39-42). يا له من محب يتخطى كل أنواع التعصب والتحزب، ويرفع من داخل المرأة كل تعصب وعداء فيجعلها تتطلب منه قائلة "أعطيني من هذا الماء". ولقد أعطاها وروى نفسها وروحها فصارت لا سامرية بل مسيحية سماوية شاهدة له.

2-  بئر القداسة الوهمية:-

لقد قالت المرأة السامرية للرب يسوع "أنت يهودي (رجل) وأنا امرأة سامرية"، وبحسب العادات والتقاليد الاجتماعية ليس من اللياقة أن يتكلم رجل مع امرأة في مكان خلاء وليس من الحكمة والصواب أن يطلب رجل من امرأة، وكأنها في قولها السابق تعلن تمسكها بالتقاليد الموروثة وفاتها أن الذي يطلب منها يعلم ماضيها "كان لك خمسة أزواج"، وحاضرها "والذي لك الآن ليس هو زوجك"، وما يحدث في مستقبلها. يا له من أمر مدهش لم تعط أذنا صاغية ولم تلبي طلب القدوس تحت عنوان "كيف تطلب مني وأنت رجل... وأنا امرأة"، بينما كانت تعيش في النجاسة والفساد! يا له من ادعاء كاذب. كم من أناس يعيشون الخطية في أبشع صورها، لكنهم يظهرون أمام الآخرين في أروع وأقدس صورة. يخفون ما في باطنهم من شر وفساد تحت الادعاء الكاذب بالقداسة. مثلهم مثل المرأة الزانية التي بعد فعلها الخطية "أكلت ومسحت فمها وقالت ما عملت إثما" (أم30: 20). مثل هؤلاء يحتاجون إلى تعامل المسيح معهم كما تعامل مع المرأة السامرية.

3-  بئر التدين المزيف:-

مع أن هذه المرأة كانت تعيش في الخطية بأبشع صورها لكنها كانت متمسكة من الخارج بقشور التدين. قالت للرب يسوع "أ لعلك أعظم من أبينا يعقوب". فهي تعلم عظمة يعقوب أبو الأسباط. ومن جهة السجود قالت للرب يسوع أيضا "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل...". لقد كانت حياتها تدور حول محور "دنيا ودين". إن التدين كثيرا ما يعطل الأشخاص من الحصول على الخلاص لشعورهم أنهم لم يقصروا في فعل الواجب وما أوصى به الرب، وفاتهم أن العلاقة الصحيحة مع الله لابد أن تقوم بالولادة الجديدة، وهذا نراه في قول الرب يسوع لنيقوديموس المتدين ومعلم إسرائيل ورئيس اليهود "الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو3: 3). لقد تعامل الرب يسوع مع كثيرين من المتدينين مثل نيقوديموس وشاول الطرسوسي وليدية بياعة الأرجوان وكرنيليوس (يو3: 1-13، أع9: 1-22، 16: 11-15، 10: 1-44) فكان هؤلاء بركة عظيمة للآخرين.

4-  بئر الجهل:-

لقد كانت هذه المرأة تعيش في جهل عميق كما مر بنا في فصل سابق. فهي لا تعلم من هو يسوع الذي طلب منها ليشرب. ولقد احترم الرب إرادتها وأفكارها ولم يجرحها بكلمة واحدة، لكنه سار معها في طريقها حتى وصل في النهاية معها بالإعلان الصريح والصحيح عن شخصه، فقال لها "أنا الذي أكلمك هو" (يو4: 26). لقد جاء الرب يسوع من عند الآب لخلاص البشر وبذل نفسه على الصليب لأجلهم، وهو الآن يريد خلاص الجميع، فيذهب لأجل الضال حتى يجده (1تي2: 4و5، لو15: 4). لكن بسبب الجهل يحرم الكثيرون أنفسهم من نوال نعمة الخلاص. فجهل الطريق يحرم الإنسان من الوصول إلى الغرض. فرغم أن الرب يسوع قال "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يو14: 6) والروح القدس قال "وليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص" (أع4: 12)، لكن الناس يبحثون عن طرق كثيرة للوصول إلى الله وخابت آمالهم ولم يصلوا بعد. لقد قال الرب عن شعبه القديم "أما إسرائيل فلا يعرف. شعبي لا يفهم" (إش1: 3) وقال أيضا "قد هلك شعبي من عدم المعرفة" (هو4: 6). وقال للصدوقيين "تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله" (مت22: 29). ولا ننس أن الجهل نابع من القلب الفاسد وينجس الإنسان (مر7: 22و23).

5-  بئر المعرفة المغلوطة:-

لقد تكلمت المرأة مع الرب يسوع عن أمور كثيرة مثل: اليهود وتعصبهم، ويعقوب وعظمته، والأنبياء ومعرفتهم بالسرائر، وعن السجود، والمسيا ومجيئه. وفي حديثها معه كشفت ما لديها من معرفة مشوهة ومغلوطة. وإذ أدركت ذلك قالت له في نهاية الحديث "أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء" (يو4: 25)، وكأنها بعد هذا الحوار الطويل تريد أن تنتظر في عطشها وبؤسها وذل الخطية حتى يأتي المسيا، وفاتها أنها تقف أمامه. هذا هو الإنسان كلما اقترب الرب إليه أراد أن يبتعد أكثر تحت مسميات مختلفة من خلالها يريد الهروب من واقع الحياة. لكن الرب في محبته يظل يجاهد مع النفس حتى يصل بها إلى شخصه المبارك.

عندما ذهب إلى مريض بركة بيت حسدا قال له "أتريد أن تبرأ"، والمريض بدلا من أن يقول له نعم، قال"ليس لي إنسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء..."، رغم ذلك قال له الرب يسوع "قم احمل سريرك وامش" (يو5: 2-9). ادعاء المعرفة يقود الإنسان إلى العجلة في الكلام. وبقول الروح القدس "أ رأيت إنسانا عجولا في كلامه. الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به" (أم29: 20). المعرفة لوحدها لا تكفي، لقد جاء نيقوديموس للرب يسوع قائلا له "يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلما لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه" (يو3: 2)، ورغم هذه المعرفة التي لا غبار عليها لكن المسيح أعلن له عن احتياجه الشخصي، فقال له: "إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو3: 3).

6-  بئر الخطيئة والشهوات الرديئة:-

لقد عاشت المرأة السامرية باذلة كل جهد لتروي نفسها العطشى فانغمست في الرذائل والشرور، فبدلا من الزوج خمسة أزواج، وبدلا من العيشة الصحيحة انغمست في الممنوع "والذي لك الآن ليس هو زوجك". إنها حقيقة خالدة أن "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا". ليس هذا هو اختبار المرأة السامرية فقط، بل هو حال كل البشرية. على قدر ما يبعد الإنسان عن الرب خالقه ومانح الحياة له، بقدر ما يزداد فراغه وعطشه ولا ترتوي النفس إلا بالرجوع إلى الله.

7-  ينبوع المياه النقية الحية:-

لقد قال الرب يسوع للمرأة السامرية "لكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو4: 14). لقد شربت المرأة من عكار الخطية وفسادها ولم ترتو، لكن الرب المروي ذهب إليها بنفسه. وإن كان قد طلب منها ليشرب، لكن سرعان ما جعلها هي تطلب منه الماء الحي "يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي" (يو4: 15). إن الرب يعطي لكنه لابد أن يصل بالنفس إلى الشعور بالاحتياج، وهذا ما فعله مع هذه المرأة. كان من الممكن أن يعطي لها بمجرد أن التقى بها، لكنه كان لابد أن يصل بها لا إلى الشعور بالاحتياج فقط، بل وأيضا معرفة الحقيقة بأن العالم بكل شهواته لا يزيد عن مياه قذرة لا تروي. وإذ وصل بها إلى هذه القناعة قالت هي له "يا سيد أعطني هذا الماء"، عندئذ لم يتردد الرب في أن يعطيها ويرويها. لذلك لما رأت أنها قد ارتوت "تركت جرتها ومضت إلى مدينتها..."، لقد تركت البئر والجرة، والرجل الذي ليس لها. لقد تركت الكل، إنها لحظة التلاقي بالرب يسوع الذي قال "إن عطش أحد فليقبل إليَ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يو7: 37-31).

*********************

الفصل الأول

الفصل الثاني

الفصل الثالث

الفصل الرابع

الفصل الخامس

الفصل السادس

الفصل السابع

الفصل الثامن

الفصل التاسع

الفصل العاشر

الفصل الحادي عاشر

الفصل الثاني عشر

الفصل الثالث عشر

الفصل الرابع عشر

الفصل الخامس عشر

الفصل السادس عشر

الفصل السابع عشر

الفصل الثامن عشر

الفصل التاسع عشر

الفصل العشرون

الفصل الحادي العشرون

الفصل الثاني والعشرون

الفصل الثالث والعشرون

الفصل الرابع والعشرون

الفصل الخامس والعشرون

الفصل السادس والعشرون

الفصل السابع والعشرون

الفصل الثامن والعشرون

الكتاب كاملاً

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.