جولة مع يسوع إلى السامرة |
خادم الرب الأخ: حليم
حسب الله
الفصل الرابع والعشرون الطعام المشبع والحصاد أولا: الطعام المشبع لقد ذهب تلاميذ الرب يسوع إلى المدينة "ليبتاعوا طعاما" وعادوا إليه بعد إتمام هذه المهمة، ووجدوا سيدهم يتكلم مع امرأة سامرية، لقد تعجبوا من هذا، لكن لم يقل أحدا ماذا تتطلب أو لماذا تتكلم معها. وذلك لأنهم سمعوا المخلص يعلن عن ذاته للمرأة بالقول "أنا... هو" ع26. إن هيبة الرب وقعة عليهم والنعمة أيضا حققت الانتصار المجيد في خلاص هذه السامرية الشريرة. لقد انتقلت من الظلمة إلى نور الله العجيب، ونتيجة لذلك مضت لتخبر الآخرين بالأخبار السارة التي وصلت إلى قلبها. في هذا الوقت الذي فيه مضت لتخبر تركت الرب والتلاميذ لوحدهم. لقد عادوا إلى الرب في الوقت الذي فيه قد أنهى الرب الحديث مع المرأة، ورأوا التأثير الواضح على المرأة نتيجة حديثه معها. لقد رأوا شيئا مخالفا للعادات والتقاليد اليهودية بأن "اليهود لا يعاملون السامريين". لقد رأوا أن ابن الله قد أتى إلى العالم في محبة عجيبة، مملوءا نعمة وحقا، وأن هذه الأخبار السارة يجب أن تنقل إلى كل العالم. إن هذا الدرس كان صعبا على التلاميذ باعتبارهم يهود، لكن الرب في صبره غير المحدود غير مفاهيمهم تماما. لقد ترك التلاميذ سيدهم جالسا على البئر متعبا من الرحلة الطويلة وكان في جوع وعطش، ومضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعاما. وعندما رجعوا لم يجدوه منزعجا أو في إعياء، بل في غاية القوة والانتعاش. لقد وجد ما ينعشه من طعام هم لا يعرفوه. لقد وضعوا أمامه ما قد اشتروه ودعوه ليأكل "وفي أثناء ذلك سأله تلاميذه قائلين يا معلم كل. فقال لهم أنا لي طعاما لآكل لستم تعرفونه أنتم" (يو4: 31و32) لم يقصد الرب بهذه العبارة توبيخهم بل كان يريد تنويرهم أكثر. لقد كان كل تفكيرهم في الأمور المادية لكن الرب تكلم معهم عن الأشياء الروحية. لقد تكلم مع المرأة عن الماء الذي يروي، وتكلم مع التلاميذ عن الطعام المشبع، لكن لا المرأة فهمت ماذا يريد أن يقول ولا التلاميذ أيضا فكل كان محور تفكيره في الماديات وليس الروحيات. إن كلمة "طعام" استخدمها كتعبير تصويري للطعام الذي أشبع قلبه وأنعش روحه. إنه طعام "لم يعرفه" تلاميذه. لقد اكتشفوا أن الذي يعطي عطايا الله هو نفسه أيضا يأخذ، ففي منحه البركات للآخرين هو نفسه يبارك. إن السلام والفرح من ضمن المكافآت التي تأتي إلى من يعمل مشيئة الله. الخادم المطيع يمتلك "طعام ليأكل". إن هذا الشيء من ضمن أساسيات الخدمة التي يريد الرب أن يعلمها للتلاميذ. "فقال التلاميذ بعضهم لبعض أ لعل أحد أتاه بشيء ليأكل" ع33. إن قولهم هذا يؤكد عدم إدراكهم للأمور الروحية، وأن كل مشغولية عقولهم بالأمور المادية أكثر من أمور الله. لقد عرفوا القليل جدا عن علاقة المسيح بالآب، لذلك تحول كل تفكيرهم إلى السؤال من هو الذي أتى بالطعام إليه ليأكل؟. إن هذا الأمر يجهله الإنسان تماما إلى أن يتعلم من الله. لقد أعلن الرب لهم عن طعامه فقال لهم "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو4: 34). وهنا نسأل ماذا يعني الرب بهذا القول؟ وماذا يرمي القول "أعمل مشيئة الذي أرسلني" هو طعام له؟ وما هو عمل الآب؟ وكيف يكمل المسيح هذا العمل؟. إن الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب منا تفكير في قول الرب في العدد السابق بالارتباط بالأعداد التي قبلها. ربما وضع الرب كل هذه الأمور أمام تلاميذه ليعرفهم الأساس الصحيح للخدمة الصحيحة ومن ضمنها الطاعة الكاملة المطلقة لله في كل شيء. العبد لابد أن يعمل مشيئة سيده. لقد أعطى الرب يسوع نفسه مثالا ونموذجا رائعا. لم يقل الرب يسوع في العدد السابق "طعامي أن أعمل مشيئة الآب"، بل قال "أعمل مشيئة الذي أرسلني" وهذا التعبير يوضح لنا خدمته في روعة جمالها. وهنا نسأل ما هي "المشيئة" التي لأجلها أرسل ابن الله إلى العالم؟ إنها تحرير الذين استعبدهم إبليس من قبضة يده ونقلهم من الموت إلى الحياة. وهذا ما نراه معلنا في قول الرب يسوع "لأني قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني. وهذه مشيئة الآب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أتلف منه شيئا بل أقيمه في اليوم الأخير. لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو6: 38-40). هذه الأعداد تساعدنا لنعرف عمل الآب وإتمام عمله. إن مشيئة الآب هي في أن كل ما أعطي للابن لابد أن يحفظه، وعمله "لأن الله لم يجعلنا للغضب بل لاقتناء الخلاص بربنا يسوع المسيح" (1تس5: 9) وأيضا "...إن الله اختاركم من البدء للخلاص" (2تس2: 13) هذا يوضح لنا عمل الآب "عيننا واختارنا". أما الحفظ لهؤلاء المعينين المختارين هو عمل الابن، وفي حفظه لهم يتمم عمل الآب. إن عمل مشيئة الله فيه الجوع وفيه الشبع، فيه التعب وفيه الراحة، فيه الألم والمهانة وفيه المجد والرفعة. في إتمام مشيئة الله يتبدد التعب ويذهب الشعور بالجوع والعطش. عندما سمع التلاميذ من الرب يسوع "لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم" نظروا بعضهم لبعض متسائلين عن من أتى له بطعام، وهم قد تركوه وحده عند البئر، وعندما رجعوا رأوه مع تلك المرأة التي لا يفوح منها إلا رائحة الخطية والنجاسة. لكن تلك المرأة كانت هي سبب شبعه وارتواءه. لقد أكل وشرب وطاب قلبه لأن هذه المرأة تعرفت به وشربت وارتوت منه. لقد ذهب مرة إلى بيت سمعان الفريسي الذي دعاه لبيته ليأكل معه واتكأ هناك، لكن لم يذكر عنه أنه أكل من طعام سمعان الفريسي، لكنه أعطى فرصة لامرأة خاطئة تأتي إليه من ورائه باكية وتبل قدميه بالدموع وتمسحهما بشعر رأسها وتقبل قدميه وتدهنهما بالطيب. وقد شبع الرب وطابت نفسه. إن طعامه هو عمل مشيئة الذي أرسله ويتمم عمله. إن الرب يسوع هو الشخص الوحيد الذي لم يقم بعمل إرادته بل كان يتمم في حياته خطوة فخطوة مشيئة الآب (يو5: 36، 17: 4، 10: 18، 6: 38). الأعداد من(31-38) نقطة تحول في الحديث من استكمال قصة المرأة السامرية إلى الحديث مع التلاميذ. هذا كان في الوقت الذي تركت فيه المرأة البئر حتى مجيئها مع السامريين إلى الرب يسوع بسبب شهادتها له. إن رغبة الرب العظمى أن نتمثل بطاعته ونسير تابعين خطواته. لأن في عمل إرادة الله سعادتنا الكاملة وسلامنا الحقيقي وقوتنا وانتصارنا. ثانيا: الزارع والحاصدلقد قال الرب للتلاميذ "أما تقولون أنه يكون أربعة أشهر ثم يأتي الحصاد." هذه هي حسابات البشر الذين يعتقدون أنها لا يمكن أن تخطئ أو تتغير. فلا يمكن أن يكون الحصاد عندما نكون في منتصف الشتاء. وبالمثل ما أبعد الحصاد عندما نتعامل مع امرأة خاطئة لها صيتها الذائع في الشر والنجاسة في كل مدينتها. نحن نظن أن مشيئة الله تتحقق بسهولة ويسر عندما نتعامل مع الصالحين، ومع طبقة الكتبة والفريسيين ونتوقع الحصاد الوفير. لكننا نجد هنا أن نظرة السيد كانت مختلفة لذا قال لتلاميذه مؤكدا "ها أنا أقول لكم ارفعوا أعينكم وانظروا الحقول أنها قد ابيضت للحصاد" (يو4: 35). يتحدث الرب هنا عن الحصاد وليس عن الزرع، وفي (مت13) نرى الزارع وقد خرج ليزرع، ونفهم من الأصحاح أن الزارع هو ابن الإنسان بينما الحاصدون هم خدام الإنجيل الذين يقول الرب في شأنهم "الحصاد كثير ولكن الفعلة قليلون فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة لحصاده" (مت9: 37و38) لقد استطاع الرب أن يرى الحقول قد ابيضت للحصاد وأن يرى الحصاد الوفير في قلب تلك المرأة الخاطئة. يوجد أثمن من الحصاد الأرضي، العالم يجري وراء الثروات ولكن توجد أثمن من الثروات الأرضية ألا وهي النفوس الغالية على قلب الرب. يجب علينا أن نبذر البذر، وإن كنا لا نعرف كيف تنمو ولا ندري متى يأتي الحصاد لذا فإن "واحدا يزرع وآخر يحصد". إن الله في حكمته يريد أن يشركنا في الحصاد حتى وإن كنا لم نتعب في زرعه. "لكي يفرح الزارع والحاصد معا" (يو4: 36). إن الرب يريدنا أن نختبر دموع الزارع وفرح الحاصد أيضا. لكن ما هو فضل الغارس والزارع والحاصد؟ إن كل مجهوداتهم هي لا شيء أمام عمل النعمة. إن الله وحده هو الذي ينمي "إذا ليس الغارس شيئا ولا الساقي بل الله الذي ينمي" (1كو3: 7). لذلك ونحن في غمرة الفرح الذي يملؤنا في وقت الحصاد يجب أن نتذكر فضل الزارع. "آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم" (يو4: 38). والإشارة هنا تتجه إلى أنبياء العهد القديم ويوحنا المعمدان والرب نفسه والمرأة السامرية في ذهابها إلى مدينتها، أولئك جميعا فتحوا الطريق للتلاميذ ليحصدوا ما لم يتعبوا فيه. شخص واحد بذل العرق والدم لنجني نحن بركات هذا التعب المبارك. هنا ينتفي الافتخار نحن نجني الثمار ونفرح ونبتهج على حساب عمل الرب يسوع. إن الفلاح يلقي بحبات قليلة في حقله، ويرويها ساهرا ويتعب كثيرا لأجلها، حتى إذ حل وقت الحصاد يحق له أن يفرح ويبتهج، لأن موسم الحصاد هو موسم أفراح. وكما يقول صاحب المزمور "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج. الذاهب ذهابا بالبكاء حاملا مبذر الزرع مجيئا يجيء بالترنم حاملا حزمه" (مز126: 5و6). أما في القول "إن واحدا يزرع وآخر يحصد" (يو4: 37) فهو يشير إلى حقيقتين هما: 1- أن تلاميذ الرب يسوع سيحصدون حصادا لم يتعبوا في زرعه ولم يبذلوا مجهودا في بذر بذاره. الزارع هو الرب يسوع ووسيلة الزرع هو صليب المبارك وقوة نعمته وعمل روحه القدوس، والحقل هو العالم كله، أما الحصاد المتكاثر هو نفوس البشر. سيأتي الوقت الذي فيه يخرج تلاميذ الرب للحصاد، إلى أورشليم واليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض ليحصدوا الحصاد الذي لم يتعبوا في زرعه، الزرع الذي زرعه الرب بصليبه ورواه بدمه ولاحظه بقوة حياته. 2- لقد أشار في هذا القول إلى أنه سيأتي الوقت الذي فيه يقوم التلاميذ بدور الزارع، ليحصد غيرهم ما تعبوا فيه. فلقد زرع الرسل والمبشرين والخادمين للرب بذار الكلمة ورووها بدمائهم وبحياتهم، هؤلاء الذين انتهت حياتهم بالاستشهاد. هؤلاء دخلنا على تعبهم ونحصد ما لم نتعب فيه، هذا الشيء الذي يتطلب منا أن نغتنم الفرصة ونحصد لمجد الله ولنلاحظ بينما يقول الروح القدس أن "..رابح النفوس حكيم" (أم11: 30) يقول الله لرابح الفلوس "يا غبي" (لو12: 20). وبالتأمل في الأعداد 31-42 لنا دروسا مستفادة نذكر البعض منها:- 1- المطالب الأساسية للخدمة كما هي واضحة لنا من قصة المرأة السامرية كمثال، هي المقابلة الشخصية مع المسيح وامتلاء القلب به. 2- الروح في كل خدمة يواصل العمل بأمانة موزعا إياها علينا ليوجد لنا الشبع لا في النتائج لكن في معرفة مشيئة الله المعطاة لنا. 3- الإلحاح في الخدمة "الحقول قد ابيضت للحصاد". 4- لنا المشجعات من الله في الخدمة وهذا ما نراه في القول "نجمع ثمر للحياة الأبدية". 5- التبادل في الخدمة والتوافق فيها بين الخدام "واحد يزرع وآخر يحصد"، مشاركة مقدسة بين العاملين الذين يعملون في أنواع الخدم المتنوعة. 6- يوجد تحذير للذين يخدمون في الحصاد وهو أن لا يستكبروا بسبب النجاح بل يجب أن يتذكروا أنهم دخلوا على تعب غيرهم الذين خدموا قبلهم. 7- يجب أن يكون الهدف واضحا أمام العاملين في حقل الرب بأن تجتذب النفوس إلى محضر المسيح لا لأنفسهم. ********************* |
جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.