تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية |
الأصحاح الثامن إن موت يسوع المسيح هو
المحور العظيم الذي تدور عليهِ جميع
معاملات الله وطرقهِ مع البشر وهو أهمُّ
الحوادث التي جرت تحت الشمس سواء نظرنا
إليهِ كواسطة لإعلان برّ الله أو لكشف
شرور الإنسان فأنهُ أظهر أعظم لطف الله
نحو الإنسان الأثيم في نفس الوقت الذي
فيهِ كشف أفظع رداءة الإنسان نحو الله.
كان الله قد تأنى على البشر قبل، غير تارك
نفسهُ بلا شاهد إذ صنع معهم خيرًا بطرق
عديدة ثم أفرز لنفسهِ أمة واحدة وتكلف
كثيرًا في تربيتها حاسبًا إياها كرمهُ أو
تينتهُ الخاصة وطالما انتظر منها ثمرًا
يليق بتعبهِ ولم يجد. لأنهُ بكَّر وأرسل
عبيدهُ الأنبياء طالبين من نسل إبراهيم
أعمالاً موافقة لإرادتهِ فلم ينالوا سوى
الإهانة والقتل. أخيرًا أرسل إليهم ابنهُ
الوحيد قائلاً: لعلهم يهابون ابني. ولما
رأوهُ قالوا: هوذا الوارث هلَّم نقتلهُ
ويكون الميراث لنا. فعملوا ذلك بالاتفاق
مع الأمم ورؤسائهم. فالجنس البشري إذًا
بأسرهِ عداوة محضة لله ولا يستطيع أن
يخضع لهُ. ولما انكشف حالهم وعداوتهم على
هذا المنوال لم يبقَ أمل بتةً بالحصول
على ثمر جيد من الشجرة الردية الجنس. فحكم
الله عليها بعد النفع عند صلب المسيح
وشرع بعد قيامتهِ يأتي بجنس جديد. «إذًا
إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة،
الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار
جديدًا» (كورنثوس الثانية 17:5). لأنهُ إن
كانت عندك شجرة ردية كلما تعبت فيها لا
تحصل إلاَّ على ثمر ردي أكثر. فالأحسن أن
تقطعها. 1 إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ
الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ
هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ،
السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ
بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ. 2 لأَنَّ
نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي
الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي
مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ
وَالْمَوْتِ. (عدد
1، 2).
فيجب ترك الجملة: السالكين ليس حسب الجسد
بل حسب الروح، لأن لا أصل لها مطلقًا في
أقدم النسخ وأصحها، وأن أبقينا في هذا
الموضوع تغير معنى الرسول كل التغيُّر
لأنها تذكر السلوك حسب الروح كأنهُ مما
ينفي الدينونة وليس الأمر كذلك غير أن
للسلوك الحسن أهمية في موضعهِ الخاص كما
لا يخفى. فقولهُ: إذًا لاشيء من الدينونة
الآن على الذين هم في المسيح يسوع نتيجة
جميع تعاليمهِ السابق ذكرها من جهة رفع
الحكم عنا وتمكين نفوسنا أمام الله في
السلام. قد مرَّ قولهُ: فإذ قد تبرَّرنا
بالإيمان لنا سلام مع الله (أصحاح 1:5). وقد
رأينا هناك أن التبرير كامل معلوم أننا
لا نتأكدهُ حالاً كما يجب أو إذ تأكدناهُ
نوعًا لا نقدر أن نتمتع بهِ تمتُّعًا
كاملاً لأسباب أخصها: أولاً-
سوء التعليم المسيحي الدارج لأن أكثر
المعلمين يمزجون الأعمال الحسنة والتوبة
واحساساتنا وكل ما شاكلها مع برّ الله
المُعلن في الإنجيل بهذا المقدار حتى
بالكد يُميز السامعون بين أساس التبرير
الذي هو خارج عنهم وبين الاختبارات
المتنوعة الجارية في داخلهم فينتج من ذلك
الشك والقلق. ثانيًا- إن
كنا قد حصلنا على راحة الضمير من جهة
التبرير حال كوننا فاهمين كلمة الله فلا
يلبث أن يأتينا تعب القلب بسبب الضيقات
من الخارج وحركات الفساد من الداخل وإذ
ذاك نغضَّ النظر عن المسيح إلى مقدار ما
ونلتفت إلى ذواتنا مجتهدين بنية مُخلصة
في أن نأتي بالأثمار التي نعرف أنها تليق
بنا وما النتيجة سوى زيادة التعب وعدم
اليقين كما مرَّ في (أصحاح 7). ولا نقدر أن
نرتاح من هذا القبيل حتى نلتفت إلى يسوع
المسيح ربنا كونهُ جالسًا عن يمين الله
ليس برَّنا فقط بل حياتنا ورأسنا الجديد
أيضًا. وإذ ذاك ننتهي إلى حيث ابتدأنا
ولكن بعد اختبار مُرّ ومفيد لأننا ننجو
من ذواتنا وأي نجاة. وكنا نحصل عليها
حالاً بعد إيماننا ولا نُكابد كل ذلك
التعب لو عرفنا رداءة طبيعتنا وحكمنا
عليها بعدم النفع حسب كلمة الله ولكننا
لا نقدر أن نعرف ذلك إلاَّ بالاختبار.
فيصير علينا إلهنا إلى أن نتحقق تمامًا
إننا عديمو القدرة كما أننا عديمو البر
ونصبح آنية خزفية ضعيفة عند أنفسنا فيمكن
إذ ذاك أن تكمل قوة المسيح في ضعفنا. إن
كان لك ولد عزيز وهو واثق في قوتهِ أنهُ
قادر أن يعبر النهر سابحًا وأنت تعرف
جيدًا أنهُ ليس قادرًا فكيف نقنعهُ
بعجزهِ إلاَّ باختبارهِ ولو كان مُرًّا
ومذللاً لهُ غير أنك على كل حال لا تدعهُ
يغرق في المياه لأن عينك وقلبك عليهِ
وحالما يستغيث بك تسرع لخلاصهِ. فيعمل
معنا إلهنا كذلك، حتى نتعلم حقيقة القول:
أن كل جسد كعشب وكل مجد إنسان كزهر العشب.
العشب يبس وزهرهُ سقط، تذللت فخلَّصني،
ارجعي يا نفسي إلى راحتكِ لأن الرب قد
أحسن إليكِ لأنكَ أنقذت نفسي من الموت
وعيني من الدمعة ورجليَّ من الزلق أسلك
قدام الرب في أرض الأحياء (مزمور 6:116-9). فقولهُ: إذًا لا شيء من
الدينونة الآن. هو أوسع من ترك خطايانا
وقبول أشخاصنا عند التبرير لأننا لا نزال
نتعذب في ذواتنا عارفين الخير وقاصدين
القيام بهِ ولكن بلا ثمر إلى أن نتأكد
كوننا في المسيح يسوع رأسنا الجديد أمام
الله وهذا أكثر من التبرير، لأنهُ كما أن
لا دينونة مُطلقًا على المسيح كذلك نحن
أيضًا. وإن كان هو أمام الله مقبولاً
ومحبوبًا فنحن هكذا أيضًا لأننا فيهِ.
وأسماؤنا وإن كانت حقيرة مكتوبة ومنقوشة
على صدرهِ حال كونهِ رئيس كهنتنا فيحملها
دائمًا كزينة بهجة في نور الله البهي فلا
تقع أشعَّة ذلك النور الساطع على وجههِ
المجيد ما لم تقع أيضًا على أسمائنا
وتجعلها أشدَّ لمعانًا من اللآلئ. لأن ناموس روح الحياة في
المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية
والموت. هذه هي النجاة التي كان يطلبها في
(أصحاح 7) والقوة العاملة فيهِ هي قوة
الروح القدس الذي يُقال لهُ روح الحياة
في المسيح يسوع لكونهِ مصدر حياتنا لأن
الروح هو الذي يحيي وليس ذلك فقط بل قد
أتانا من المسيح (أعمال الرسل 33:2)
ليُعرّفنا إياهُ وهو عن يمين الله
كحياتنا ورأسنا ولا يكف عن العمل فينا
ليُنمي هذه الحياة الجديدة إلى أن تغلب
قوة الخطية والموت التي كانت تُعذّبنا
وتسبينا في الأول أي بعد تجديدنا. لأننا
كنا في الأول مثل رفقة حين تزاحم الولدان
في بطنها. فقالت: إن كان هكذا، لماذا أنا؟
فمضت لتسأل الرب، فقال لها: في بطنكِ
أمتان ومن أحشائكِ يفترق شعبان شعبٌ يقوى
على شعبٍ وكبير يستعبد لصغير (تكوين 22:25،
23) كانت الغلبة للكبير في الأول ولكن لما
تقوَّى الصغير تحوَّلت الغلبة لهُ غير أن
القوة للغلبة ليست منا بل من الروح القدس
العامل فينا. 3 لأَنَّهُ مَا كَانَ
النَّامُوسُ عَاجِزًا عَنْهُ، فِي مَا
كَانَ ضَعِيفًا بِالْجَسَدِ، فَاللهُ
إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ
جَسَدِ الْخَطِيَّةِ، وَلأَجْلِ
الْخَطِيَّةِ، دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي
الْجَسَدِ، 4 لِكَيْ يَتِمَّ
حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ
السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ
بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ. (عدد 3، 4). لأنهُ ما كان
الناموس عاجزًا عنهُ. أي أنهُ كان عاجزًا
عن إنقاذنا من ناموس الخطية والموت أي
قوَّتهما، ولكن ليس بسبب ضعفٍ فيهِ نفسهِ
بل بسبب الجسد أي طبيعتنا الساقطة فإنهُ
كلما ألحَّ علينا طالبًا ثمرًا لله لا
ينتج سوى موتٍ خلاف ما كنا ننتظر. وأما
النجاة التي لم نقدر أن نحصل عليها
بالناموس فقد أجراها الله بالنعمة حين
أرسل ابنتهُ في شبه جسد الخطية أي بهيئة
مثلنا في كل شيء عدا الخطية (عبرانيين 14:2؛
15:4) ودان الخطية في الجسد، لأنهُ كان لعمل
الفداء وجهان من جهة حكم الله فإنهُ: أولاً- وضع
خطايانا على المسيح وعاقبهُ حال كونهِ
نائبًا عنا كما تقدم في هذه الرسالة. ثانيًا-
حكم على الطبيعة البشرية بعدم النفع
مُطلقًا كشجرة لا يؤكل منها ثمرٌ إلى
الأبد فأشار الرسول إلى حكم الوجه الثاني
بقولهِ: ولأجل الخطية دان الخطية في
الجسد، ليُلاحظ القارئ الفرق بين معاملة
الله لخطايانا ومعاملتهِ للخطية أي
طبيعتنا فإنهُ وضع خطايانا على المسيح
ويغفرها لنا من أجل دمهِ وأما طبيعتنا
فلا مغفرة لها مُطلقًا لأنهُ قد حكم
عليها بأنها تُنزع من أمامهِ بالموت وإذ
ذاك لا نقدر أن نخلص من رداءتها إلى أن
نقبل حكم الله الذي أُجري في المسيح
ونقول: أني صُلبتُ مع المسيح ومتُّ. لكي
يتم حكم الناموس فينا. إن لفظة حكم
الناموس تعني مطلوب الناموس فعندما
نتحقق موتنا مع المسيح وكوننا متحدين
معهُ الآن بالروح القدس نثمر لله إذ لا
نعود نقدم لهُ شيئًا من ذواتنا يطلب
المحبة لله وللقريب ولم يحصّلها من بتةً.
وأما الآن فنحب ليس بموجب أمر رسمي من
الخارج فقط بل من عمل الروح القدس في
الداخل أيضًا. وأما ثمر الروح فهو: محبة،
فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان،
وداعة، تعفف ضد أمثال هذه ليس ناموس (غلاطية
22:5، 23). فلا شك بأن مطلوب الناموس يتم فينا
ذلك مع أننا قد متنا لهُ ولسنا بعد تحتهُ
ولكننا لا نُخالفهُ، حاشا وكلاَّ! بل
نُتمم مطاليبهُ وأكثر لأن محبتنا الآن
تصدر من حياة جديدة وتُقاس على قياس جديد
أعلى من الناموس الذي لم يطلب أن نحب
القريب إلاَّ كمحبتنا لأنفسنا ولكن قد
انتفت محبة الذات وليس لها مدخل الآن في
محبتنا المسيحية انظر (أفسس 1:5، 2؛ يوحنا
الأولى 16:3) لا شك أن كلامي هذا يظهر أنهُ
غريب في مسامع كثيرين ولكنهُ نفس تعليم
كلمة الله. معلوم أن الكنيسة قد تهوَّدت
حتى قبل وفاة الرسل فلذلك لا يستطيع
النصارى أن يدركوا حقيقة النعمة لأنهم
مُستعبدون لأوهام ومبادئ ناموسية لا أصل
لها في الإنجيل وإن سمعوا عن قانون أعلى
من الناموس يحسبون كلامًا كهذا من
الادعاء أو الكفر ومما يجب أن يستغرب
منهُ ليس إعلان نعمة الله السامية بل
ميلنا الشديد لنكون تحت الناموس مع أنهُ
لا يقدر أن يصير إنسانًا طالحًا صالحًا
ولا يزيد الصالح صلاحًا إذا انفطم ولد
مثلاً مهما ضجر مُشتاقًا إلى ثدي أُمهِ
يتعزَّى بعد قليل وينسى. وأما نحن مع إننا
لم نجد من ثدي الناموس إلاَّ اليبوسة لا
بل مرارة اللعنة والموت فلا نريد أن
نتركهُ وإن تركناهُ جبرًا نشتاق إليهِ
مثل الغلاطيين ونترك النعمة لنرجع إليهِ.
مع أنهُ لا يقدر أن ينفعنا لا من جهة
التبرير ولا من جهة التقديس فإنهُ عجز عن
إنقاذنا من قوة الخطية الساكنة فينا كما
أنهُ حكم باللعن علينا ولم يُبرَّرنا من
جهة خطايانا. ولا لوم عليهِ البتة، يقول
الرسول: أن الناموس عجز عن إنقاذنا ليس
بسبب ضعف ما فيهِ بل لعدم وجود قوة فينا.
وليس من خصوصياتهِ أن يحيي أو يُقّوي.
مهما كان المهندس أو البنَّاء ماهرًا لا
يقدر أن يصنع عملاً مُتقنًا من مواد
عاطلة، إن كان نقاش مثلاً كامل الحذاقة
وأعطيتهُ دلغانًا أو خشبًا عاطلاً وطلبت
منهُ أن ينقشهُ يُقصف بين يديهِ فيذهب
تعبهُ سدَى كذلك الناموس إذا عمل في
طبيعتنا لا يقدر أن يُحسنها بل إنما
تُقصف وتتلف؛
لأنها لا تصلح لشيء سوى الموت فقط. قولهُ: فينا نحن السالكين
ليس حسب الجسد بل حسب الروح في محلهِ هنا
ويفيد مبدأ سلوكنا وقوتهُ ويطلق علينا
جميعًا كمسيحيين ويجب علينا أن لا نسلك
إلاَّ هكذا من ساعة إيماننا وتبريرنا غير
أننا نقصر عنهُ كما لا يخفى وغاية
معاملات الله معنا هي أن يُعرّفنا مقامنا
ومبدأ السلوك الواجب ثم يُخوّلنا قوة على
ذلك من جهة مقامنا أمام الله لسنا في
الجسد بل في الروح وليس للمسيحي مقام سوى
ذلك ولكنهُ يمكن لنا أن نحسب أنفسنا
أحياء للعالم وإذ ذاك نقيس أنفسنا على
الناموس الذي هو قوة الخطية في المؤمن أو
في غير المؤمن. وإنما أقول لكم: اسلكوا في
الروح ولا تُكملوا شهوة الجسد. إن كنا
نعيش بالروح فلنسلك بحسب الروح (غلاطية
16:5، 25). 5 فَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ حَسَبَ
الْجَسَدِ فَبِمَا لِلْجَسَدِ
يَهْتَمُّونَ، وَلكِنَّ الَّذِينَ
حَسَبَ الرُّوحِ فَبِمَا لِلرُّوحِ.
(عدد 5).
لكل نوع من الحيوانات طبيعة خصوصية ولا
يهتم إلاَّ بكل ما يوافقهُ. كذلك بنو آدم
أيضًا. ويوجد بالحقيقة جنسان من البشر
وهما ذرية آدم وذرية المسيح. الذين هم حسب
الجسد هم أولاد آدم المتعلقون بهِ غير
مولودين ثانية فبالضرورة يهتمون بما
يوافقهم من الأشياء المنظورة. والذين هم
للمسيح بموجب الطبيعة الجديدة يهتمون
بالأمور الموهوبة لهم من الروح ويمتازون
بذلك عن الآخرين. فالمسيحي الذي لا يعيش
هكذا يُخالف مقامهُ ودعوتهُ وطبيعتهُ
ولا يُبرهن للآخرين جنسيتهُ؛ 6 لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ
هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ
الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ. 7 لأَنَّ
اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ
ِللهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا
لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ
يَسْتَطِيعُ. 8 فَالَّذِينَ هُمْ
فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ
يُرْضُوا اللهَ. 9 وَأَمَّا
أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ
فِي الرُّوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ
سَاكِنًا فِيكُمْ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ
أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ،
فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ. (عدد 6-9). اهتمام
الجسد. أي أفكارهُ وأميالهُ وعواطفهُ.
فإننا بموجب الطبيعة لا نميل إلاَّ إلى
كل ما هو بالحقيقة موت غير أننا لا نظنهُ
هكذا ولكن الإنسان طبعًا يعيش على الباطل
ويصرف قوتهُ بلا ثمر وليس ذلك سوى حال
البعد عن الله والعداوة لهُ أي الموت
الروحي ويعقبهُ الانفصال المؤبد عن الله
مصدر السعادة والغبطة الذي يُعبَّر عنهُ
بالموت الأبدي. وأما أفكارنا وأميالنا
وعواطفنا بموجب الإنسان الجديد فهي
المسيح وذلك يجد وراء لذاتهِ الخاصة هنا
وتتعلق شهواتهُ بالأشياء المخالفة لله
ولكلمتهِ. فكيف يكون لنا حياة وراحة من
جرى ذلك. وأما الروح فلا يعمل منفصلاً عن
محبة المسيح ومجدهِ وذلك حياة نفوسنا كما
أنهُ راحة قلوبنا. دعانا الله في السلام
وأما الأشرار فليس لهم سلام؛ لأن الطبيعة
الموروثة من آدم لا تتغير بل هي هي في
المؤمن إذ لا تخضع لإرادة الله لكونها
عداوة محضة لهُ دائمًا وأبدًا. فلا تنسَ
ذلك فإنها في غير المؤمن تسود سيادة
مُطلقة بلا قيد أو ضبط وفي المؤمن نفسهِ
تشتهي ضد الروح وتحملهُ إلى حيث لا يشاء
إلى أن يفوز بالغلبة عليها (غلاطية 17:5)
فإذًا لا يستطيع غير المتجددين أن يرضوا
الله مهما عملوا من الأعمال الحسنة
والدينية لأن مصدرها فاسد ومنتن
وغاياتها ليست المسيح. ما أفزع هذه
النتيجة من جهة حالة الإنسان. ليتهُ
يضعها في قلبهِ لأنها حكم ديان الأرض
كلها. لن يوجد ثمر لله على هذه الشجرة إلى
الأبد. لأنهُ يقتضي للثمر حياة جديدة ولا
تقتات هذه الحياة بالأمور المنظورة
المختصة بالجسد بل بكلمة الله تعلن لنا
ما لا يُرى. فالذين هم في الجسد في حالة
الهلاك لأنهم ضد الله غير خاضعين لهُ.
وهذه حالة آدم بالطبيعة. لا تتعجبوا لأني
قلت لكم: ينبغي أن تولدوا من
فوق. وأما أنتم فلستم في الجسد،
بل في الروح إن كان روح الله ساكنًا فيكم.
تقدم قولهُ عن المؤمنين أنهم في المسيح (عدد
1) ويقول عنهم هنا أنهم في الروح ويصدق
القولان علينا لأننا في المسيح فلذلك لا
شيء من الدينونة علينا وأما هنا فنحن في
الروح أي في الحالة الروحية المميزة بسكن
الروح وعملهِ فينا التي ينتج منها السلوك
الجديد وهذا خلاف ولادتنا بالروح., كنا في
الحالة المعبر عنها بالجسد وصرنا في حالة
أخرى. إننا لسنا في الجسد ولكن الجسد لم
يزل فينا ويجب أن نسهر ضدهُ مُستمدين من
الروح القوة لقهرهِ وإلاَّ يغلبنا
ويُعطل سلوكنا لأنهُ نظير عبد ردي في
بيتك لا يمكنك أن تطردهُ طردًا ولكنك
تقدر فرضًا أن تحبسهُ في غرفة وتقفل
الباب بمفتاح وإذ ذاك تقدر تمارس أشغالك
مرتاح البال ولكن إن غفلت وقتًا ما وتركت
الباب غير مُقفل لا يلبث أن يخرج ويعمل
عملهُ المعهود. أم لستم تعلمون أن جسدكم
هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم
من الله وإنكم لستم لأنفسكم لأنكم قد
أُشتريتم بثمن. فمجدوا الله في أجسادكم
وأرواحكم التي هي لله (كورنثوس الأولى 19:6،
20). ولكن إن كان أحد ليس لهُ روح
المسيح فلذلك ليس لهُ. فالجملة هذه
معترضة ومهمة المعنى لأنها تصرّح أن الذي
ليس لهُ روح المسيح لا يخصهُ ويُقال لهُ
روح المسيح نظرًا إلى كونهِ قد أُعطي من
المسيح للمؤمنين ليجعلهم يثمرون ويسلكون
كما سلك هو قدوة لهم. 10
وَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ
فِيكُمْ، فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ
الْخَطِيَّةِ، وَأَمَّا الرُّوحُ
فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ الْبِرِّ. (عدد
10).
قولهُ: إن كان المسيح فيكم. يشير إلى كون
المسيح حياتنا، وأما القول: نحن في
المسيح الوارد في مواضع كثيرة فيدلُّ على
المقام أو الطبيعة المنسوبة للمسيح وقد
جمع الرب القولين في مثل الكرمة الحقيقية
حيث يقول: اثبتوا فيَّ وأنا فيكم كما أن
الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاتهِ إن
لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضًا إن لم
تثبتوا فيَّ (يوحنا 4:14). فكون الغصن في
الكرمة يدلُّ على طبيعتهِ أو جنسيتهِ
فإنهُ معلوم أن الأغصان تتسمى بالشجرة
التي تتعلق بها. ثم إن قيل: أن الكرمة هي
في الغصن المعنى أن ماءها أو حياتها تسري
فيهِ لكي تُخوّلهُ قدرة على الإثمار.
فيجب أن نُميز جيدًا بين القولين لكي
نفهم كثيرًا من الكلام المتضمن في الكتاب
من جهة هذا الموضوع. فإن كان المسيح فينا
لا بد من ثمر قليل أو كثير يُبرهن كوننا
لهُ. وأما من جهة كوننا فيهِ أي من جنسهِ
فيمكن أن نتظاهر بذلك بينما لسنا سوى
أغصان يابسة مستعدّة للحريق لذلك إن قال
أحد إنهُ ثابت فيهِ ينبغي أن يُبرهن ذلك
بالسلوك الذي يؤكد أن المسيح ثابت فيهِ
أيضًا (يوحنا الأولى 6:2). فإن كان المسيح فيكم فالجسد
ميت بسبب الخطية. الجسد هو جسدنا الحقيقي
لكن بالنظر إلى كونهِ موضع الشهوات التي
تُحارب النفس فإن كان حيًّا بهذا المعنى
لا بد أن نهتم بما يلذُّ لهُ سائلين مثل
الأمم: ماذا نأكل؟ ماذا نشرب؟ ماذا نلبس؟
وذلك خطية للمؤمنين فيجب إذًا أن نلقي
همومنا على أبينا السماوي الذي يعتني بنا
اعتناء مُدققًا بهذا المقدار حتى أنهُ قد
أحصى شعور رؤوسنا ونتعلم أيضًا أن نقمع
جسدنا ونستعبدهُ (كورنثوس الأولى 27:9).
لأنهُ إن كان المسيح فينا حياتنا
بالحقيقة قد أُبطل الجسد عن كونهِ آلة
للشهوات وصار آلة للبرّ. وأما الروح
فحياة بسبب البرّ أي الروح القدس الساكن
والعامل فينا كما تقدم هو مصدر حياتنا
والذي يحفظها ويُنميها. بسبب البرّ أي
لأجل استقامة السلوك، لا شك أن أُناسًا
قد استعملوا هذه الحقائق سوء الاستعمال
إذ تقلدوها تقليدًا متفوهين بكل خفةٍ
أنهم في المسيح وهو فيهم بينما لم تظهر
منهم الأثمار التي من شأنها أن تؤكد أن
كلامهم صحيح بل بالعكس كل ما يُكذّبهُ.
ولكنهم لم يكونوا إلاَّ من المعترفين
بالمسيح شفاهًا خفاف القلب يُعاملون
الرب يسوع كأنهُ نظيرهم يتصرفون نحو نعمة
الله كأنها من الأمور الزهيدة ويودُّون
أن يجعلوا الله سبحانهُ وتعالى خادمًا
لشهواتهم العالمية. أني أقول للجميع: أن
الله كثير الرحمة قادر أن يُخلص من كل شر
ولكنهُ لا يشاء أن يُستخدم لشهوات الناس
وإراداتهم المنحرفة، حاشا وكلاَّ! فما
يحبهُ الله أكثر من سواهُ هو أن الخاطئ
المُثقل الضمير والمُتعب القلب يأتي
إليهِ ويخلص من خطاياهُ ولكن ليس لكي
يعيش فيها. لا شك كل مَنْ لم يقتنع بعد
بمرارة خطاياهُ وعواقبها يتمنى خلاصًا
يدعهُ يستمر عائشًا فيما يشتهيهِ قلبهُ.
ولا حاجة أن أُكرّر القول أن خلاصًا كهذا
ليس حسب كلمة الله.، لأنهُ قد اتضح لنا
مرة بعد أخرى في هذه الرسالة أنهُ جارٍ
عمل روحي في المؤمن الحقيقي. نعم يوجد
جهاد داخلهُ ويتذلل من مشاهدة الشرور
الفظيعة فيهِ ولكنهُ لا يتقاعد تاركًا
نفسهُ يحمل بهذه الأمواج لأنهُ إذا انغلب
منها يستغيث بالرب لينجو منها كما قد
رأينا خصوصًا في (أصحاح 7) الإنسان الذي
يقول عن نفسهِ أنهُ في المسيح ولا يعرف أن
المسيح فيهِ أيضًا ليس على حالٍ مرغوبة
لأنهُ إنما يستعمل المسيح كواسطة
لنجاتهِ من الدينونة الأبدية بينما يهمل
مسئوليتهُ الحالية. إن كنت يا أخي في
المسيح فالمسيح فيك أيضًا، وإن كان فيك
احترز لا تدع الشهوات تتسلط عليك ولو
اضطررت بأن تُجاهد في الصلوات والتضرعات
نهارًا وليلاً، إن كنت لا تقمع جسدك أي
هذا الجسد المولَّف من اللحم والدم
وتستعبدهُ فهو يستعبدك أنت وما النتيجة
سوى خطية ولكن إن كنت تحسبهُ ميتًا من جهة
مشتهياتهِ في هذا العالم لا يلبث الروح
القدس أن يأتيك بنجدة ويصير هو نفسهُ
ينبوع حياتك انظر (يوحنا 14:4؛ 38:7، 39). فلا
يظن أحد أن حالاً كهذه هي عبودية فإنها
ليست كذلك بل الحرية التي لنا في المسيح.
نعم إنها تكون أقسى نوع من العبودية لولا
وجود الروح القدس فينا عاملاً في حياة
جديدة ومصورًا قدام أعيننا المسيح في
الممجد غرضنا الخاص السامي فإننا إذ ذاك
كنا نشبه عبيدًا يُحاولون القيام
بواجباتهم غضبًا لا حبًّا واختياريًّا.
ولكننا لسنا على مبدأ العبودية إن كان
المسيح فينا بل في الحرية التامة على
مبدأ النعمة مسئولين لنُثمر لله لأننا لم
نُعتق من قوة الخطية والموت لنفعل حسب
مشيئة الجسد والأفكار، حاشا وكلاَّ!
فماذا نقدر أن نقول للأُناس المعترضين
علينا في هذه الأيام؟ لأنهم إن عرضنا على
الخطاة نعمة الله المطلقة لخلاصهم
مجانًا يقولون عنا: إننا فتحنا بابًا
للدعارة ثم إذا أوضحنا حالة المؤمن
ومقامهُ ودعوتهُ وسلوكهُ يقولون أن ذلك
من المستحيل، إن زمرنا لهم أو نحنا فعلى
حدٍّ سوى. ولكن رجاؤنا الوحيد أن الحكمة
السماوية تتبرَّر من جميع بنيها. الحاصل
أن روح الله قد أعلن المسيح حياة لنا ولا
يزال ساكنًا وعاملاً فينا لكي نُميت
أعضاءنا التي على الأرض ونثمر لله
منتصرين روحيًّا على كل ما كان يستعبدنا
قبلاً. 11
وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي
أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ
سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ
الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي
أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا
بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ. (عدد
11).
يسوع هو اسم سيدنا الشخصي والمسيح لقبٌ
من ألقابهِ الرسمية كما مرَّ (أصحاح 1). قد
أقام الروح ذلك الإنسان المسمى يسوع من
حالة الضعف والموت الطبيعي ولكنهُ
أقامهُ بالنظر إلى كونهِ المسيح رئيس
شعبهِ أيضًا لأنهُ لهُ المجد قام منتصرًا
على الموت نظرًا إلى ذاتهِ وإلى شعبهِ
أيضًا. نُقام نحن واحد لذاتهِ ولكنهُ قام
حال كونهِ ابن الله بذاتهِ ومختصًا بنا
أيضًا. وتكون إقامة أجسادنا نجاتنا
التامة النهائية من جميع المشقات التي
نئن بسببها. تقدم صُراخهُ المرُّ: ويحي
أنا الإنسان الشقي مَنْ ينقذني من جسد
هذا الموت (أصحاح 24:7). وفاز بالنجاة مما
كان يسبيهِ ويحملهُ إلى حيث لا يُريد إذ
بدَّل ذاتهُ الشقية بالمسيح يسوع
اختبارًا ولكن لم يزل عدوهُ ساكنًا فيهِ
فاقتضى الصحو والسهر ولكن بعد إقامة
أجسادنا في المجد نخلص إلى الأبد من هذا
الجهاد الداخلي ويبدل حينئذٍ الإيمان
بالعيان ونفوز بالراحة عوض التعب ولا
يكون لنا عدو لا داخل ولا خارج وذلك غاية
انتظارنا. لأن الروح القدس الساكن فينا
لا يكفُّ عن العمل إلى أن يُحضرنا بلا لوم
أمام الله في المحبة حيث نكون إلى الأبد
مع الذي نحبهُ. فما أعظم غبطتنا! وما أشد
رجاءنا تأكيدًا! 12
فَإِذًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ
نَحْنُ مَدْيُونُونَ لَيْسَ لِلْجَسَدِ
لِنَعِيشَ حَسَبَ الْجَسَدِ. 13 لأَنَّهُ
إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ
فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ
بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ
الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ. (عدد
12، 13).
فيبتدئ الرسول من هنا بفصل جديد ويستمرُّ
في إيضاحهِ إلى (عدد 30). قد رأينا في الفصل
الأول أي (عدد 1-11) روح الحياة في المسيح
يسوع عاملاً فينا إن أنقذنا من العبودية
ولا يزال عاملاً فينا إلى أن يقيم
أجسادنا الترابية. ولكننا بعد هذه
الأجساد المائتة والخطية فينا وعلى ذلك
قولهُ: نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب
الجسد. ليس للجسد شيء علينا لكي نُطاوع
شهواتهِ لأننا إن عشنا حسب الجسد، فما
النتيجة لعيشة كهذه سوى الموت! نعم أولاد
الله محفوظون للحياة الأبدية ولكن حفظهم
هكذا لا يغير النسبة الضرورية بين العيشة
الجسدية وعاقبتها التي هي الموت. إن قلنا:
الطريق هذا يودي إلى دمشق مثلاً وذلك إلى
أورشليم فالواضح إن الذي يسلك في طريق
دمشق يصل إلى هناك لا إلى أورشليم. علينا
بالتأمل في هذه الحقيقة يا إخوتي ولا نضع
الظلمة عوض النور والنور عوض الظلمة. لا
تضلوا، الله لا يُشمخ عليهِ فإن الذي
يزرعهُ الإنسان إياهُ يحصد. لا تحبوا
العالم ولا الأشياء التي في العالم إن
أحبَّ أحدٌ العالم فليست فيهِ محبة الله.
لأن كل ما في العالم شهوة الجسد، وشهوة
العيون، وتعظُّم المعيشة ليس من الآب، بل
من العالم والعالم يمضي وشهوتهُ وأما
الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد (يوحنا
15:2-17). إن الميراث محفوظ لنا ونحن محفوظون
لهُ أيضًا (بطرس الأولى 4:1، 5) ولكننا
محروسون بقوة الله بإيمان حال كوننا
قاطعين براري هذا العالم كسُياح قاصدين
موطننا الخاص ممتنعين عن الشهوات
العالمية التي تحارب النفس. لا شك إننا
ننعس ونعيى ونعثر ونسقط مرة بعد أخرى
ولكننا مع ذلك كلهِ لا نزال ساعين إلى
قدام لأن سقطاتنا لا تُبرهن إننا لسنا من
أولاد الله. لكن العيشة العالمية تُبرهن
إننا لسنا في الطريق المودي إلى الميراث
الأبدي. 14
لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ
يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ،
فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. (عدد 14).
فيقودهم
الروح إلى المجد لا إلى العالم لأنهُ
يفرزنا عن العالم ليأتي بنا إلى العريس
السماوي، وحاشا! أن يُدربنا في طرق
العالم كما إننا لم نرَ وكيل بيت إبراهيم
يأخذ رفقة خطيبة إسحاق ويتوجه بها إلى
جهة أخرى فإنهُ أخذها وانطلق حالاً إلى
جهة كنعان إلى إسحاق وبيت أبيهِ. أيها
الأولاد لا يضلكم أحد. مَنْ يفعل البرّ
فهو بارّ كما أن ذاك بارٌّ، مَنْ يفعل
الخطية فهو من إبليس لأن إبليس من البدء
يُخطئ. لأجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض
أعمال إبليس. كل مَنْ هو مولود من الله لا
يفعل الخطية لأن زرعهُ يلبث فيهِ ولا
يستطيع أن يخطئ لأنهُ مولود من الله. بهذا
أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس. كل مَنْ
لا يفعل البرّ فليس من الله وكذا مَنْ لا
يحب أخاهُ (يوحنا الأولى 7:3-10) فيوجد إذًا
أُناس من هذين الصفين ويقول الرسول: أن
الفرق بينهما ظاهر بحيث أن أولاد الله
يمارسون البرّ وأولاد إبليس الخطية
ويظهر من قولهِ: لا يضلكم أحد. وجود خطر من
هذا القبيل والأمر كذلك لأنهُ من دأب
المعلمين العالميين في كل وقت أن يصعبوا
الطريق على الأتقياء ويُسهلوهُ للآخرين
بحيث أنهُ إذا سمع تعليم صحيح عن حقيقة
نعمة الله ومقام المؤمن ودعوتهِ
يرفضونهُ زاعمين أنهُ يضادُّ القداسة
بينما يوسعون الطريق للعالميين مقدمين
لهم الأمل بالخلاص مع أنهم عائشون للعالم
محضًا. ولا يطيق المعلمون المُشار إليهم
سمع كلمة واحد عن سكنى الروح القدس فينا
وقيادتهِ إيانا وقد أفرغوا جهدهم في
التهكُّم على ذلك وعندهم كل مَنْ يقرُّ
بهِ قد أمسى في الضلال المُبين وصار
محمولاً على بحر تخيلاتهِ ووساوس العدو.
أقول: أنهُ من الأمور المُسلم بها
إمكانية وقوعنا في فخاخ إبليس بحيث أن
نأخذ وساوسة وأفكارنا وإحساساتنا ظانين
أنها من إرشادات الروح القدس؛
لأنهُ لا توجد حقيقة روحية إلاَّ يمكننا
أن نسيء استعمالها،
ولكن ذلك لا يبرهن سوى انحراف طبيعتنا
وضعفنا وما ينتج من ذلك ليس نكران
الحقيقة المذكورة التي نحن في صددها،
بل وجوب الصحو والسهر وأن كان واحد من
أولاد الله ينغشُّ من هذا القبيل الله
قادر أن يصلحهُ ويُعلّمهُ التواضع
بواسطة نفسهِ كما عمل مع بطرس والبرهان
على أنهُ قد رجع إلى الصواب أنهُ يسلك في
مخافة الرب أكثر من الأول غير واثق
بنفسهِ. ليس كل ما يخطر على بالنا
حتى ونحن في الصلاة هو من الروح؛
لأنه يوجد فينا ينبوع آخر ينبع كثيرًا من
الأفكار والمقاصد الجسدية وكثيرًا ما
تظهر أنها روحية وحق ومستقيمة ولا بد أن
ننغشَّ بها إن كنا لا نصير أمام الرب
ممتحنين إياها بكلمتهِ الصادقة التي ليس
لنا قانون غيرها نقدر أن نعتمد عليهِ كل
الاعتماد. نعم ينبغي لنا أوقاتًا كثيرة
أن نتصرف في أمور ليست مذكورة في الكتاب
بصريح اللفظ مثلاً إذا خطر على بالنا أن
نقوم من موضع ونذهب إلى آخر فكيف نقدر أن
نعرف أن ذلك حسب إرادة الرب أم لا! أقول:
لا نقدر أن نضع قانونًا مطلقًا لإرشادنا
في ظروف كهذه ولكن يوجد بعض ملاحظات
تفيدنا في هذا الأمر: أولاً- علينا
أن نحترز من الأفكار التي تأتينا فجأة
لتحملنا إلى العمل بالعجل لأنها غالبًا
تكون من الجسد أو من العدو نفسهِ. ثانيًا- علينا
أن نفحص فحصًا مُدققًا عن مقاصدنا في
مسألة ما، هل هي لمج المسيح أو شيء يُناسب
ميلنا فقط؟ ثالثًا-
نسأل: هل العمل المقصود إتمامهُ هو حسب
كلمة الله أم لا؟ لأن النية المُخلصة لا
تكفي وحدها كما لا يخفى عند كل مَنْ درس
الكتاب. فإنهُ يمكننا أن نبادر إلى أعمال
كثيرة تخالف كلمة الله كل المخالفة مع أن
نياتنا مخلصة مثل اضطهاد الأتقياء إلى
خلاف ذلك. رابعًا-
علينا أن نستشير إخوتنا الروحيين لأننا
لسنا في غنى عن مشورتهم كما يظهر من
عبارات كثيرة قد وردت في الكتاب. وعدا كل
ذلك علينا أن نُلاحظ حالنا روحيًّا. هل
نحن سالكون مع الله ولنا شركة معهُ في
أفكارنا وصلواتنا لأننا أوقاتًا كثيرة
في حالة الفتور والبعد عنهُ وإذ ذاك لا
يجب أن ننتظر منهُ إرشادًا من جهة إجراء
أعمال ولو كانت بذاتها وموافقة للكتاب
فإنهُ من أول واجباتنا إذا أصبحنا على
حالة كهذه أن نقترب إلى إلهنا ليردّ
نفوسنا ويجعلنا في حالة روحية مرضية
عندهُ قبل أن نُباشر عملاً آخر. أُعلمك
وأرشدك الطريق التي تسلكها، عيني عليك.
لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم بلجام
وزمام زينتهُ يكمُّ لئلا يدنو إليك (مزمور
8:32). نعم إن كنا في حالة العناد والابتعاد
يردعنا غصبًا بعنايتهِ مع أنهُ لا يريد
أن يرشد أولادهُ الأحباء هكذا بل يدعوهم
أن يدنوا إليهِ بحيث ينظرون عينهُ
ويقبلون الإرشاد منهُ بفهم روحي. من أجل
ذلك نحن أيضًا منذ يوم سمعنا لم نزل
مُصلين وطالبين لأجلكم أن تمتلئوا من
معرفة مشيئتهِ في كل حكمة وفهم روحي
لتسلكوا كما يحق للرب في كل رضى مثمرين في
كل عمل صالح ونامين في معرفة الله (كولوسي
9:1، 10). وإذ ذاك لا يرشدنا كفرس أو بغل لا
يقدر أن يدرك مشيئة صاحبهِ إلاَّ بحركات
اللجام بل كأولاد مُطيعين فاهمين أفكار
أبيهم حال كونهم سالكين معهُ في الطريق.
المسيحي العالمي إما ينكر الإرشاد
الإلهي أو يوُّد أن يحصل عليهِ بكيفية
تغنيهِ عن السلوك الروحي دائمًا مع الله،
ولكن ذلك من المستحيل يا إخوتي، لأن
إلهنا آخذٌ بأن يأتي ببنين لا عبيد إلى
المجد فمن الجهة الواحدة لا يتركهم
يتصرفون حسب أفكارهم ومن الجهة الأخرى لا
يقودهم قيادة تغنيهم عن أن يكونوا دائمًا
قريبين منهُ. لأن جميع الذين ينقادون
بروح الله فأولئك أبناء الله. فيذكر
الرسول الشيء الذي يمتازون بهِ بدون أن
يذكر أيضًا قصوراتهم. يليق بنا أن نعترف
لله والناس بأننا نغلط ونُقصر في أمر
الانقياد بالروح كما في إتمام سائر
واجباتنا المسيحية ومع ذلك لا يجوز لنا
أن نستخفَّ بقيادتهِ أو ننكرها، لأنها من
أول العلامات التي تُبرهن كوننا أبناء
الله حقيقة. فماذا نقول عن الذي يستخفُّ
بهذا الموضوع واضعًا عقولنا عوض عن روح
الله لإرشادنا، ويتهكم على الذين
يقرُّون بهذه الحقيقة ذاكرًا سقطاتهم
ليس بحزن مسيحي كما يجب، بل يضحك
مستنتجًا منها ليس ضعفهم، بل فساد
الحقيقة التي يقرُّون بها؟ نقول: أن مثل
هذا في حالة غير مرغوبة من جهة الحياة
الروحية، لأنهُ يُظهر: أولاً- أنهُ
لا يعرف شيئًا عن الاختبارات المسيحية
المتنوعة التي من شأنها أن تضعنا في
التراب وتُذللنا أمام الله دائمًا إذ
نتذكر سقطاتنا المُحزنة التي تجعلنا
نستحسُّ مع الآخرين ونرثي لهم وإن كنا
نحن الآن قائمين وهم ساقطون إذ عرفنا من
اختبارنا المُرّ إننا لا نقدر أن نقف
إلاَّ برحمة الرب. ثانيًا- يرفض
جهارًا حقيقة من الحقائق الإلهية
المُعلنة بصريح اللفظ في مواضع كثيرة
خصوصًا في هذه الآية التي نحن في صددها
التي تؤكد أن الانقياد بالروح من خصوصيات
أبناء الله. 15
إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ
الْعُبُودِيَّةِ أَيْضًا لِلْخَوْفِ،
بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي
الَّذِي بِهِ نَصْرُخُ:«يَا أَبَا الآبُ».
16 اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا
يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا
أَوْلاَدُ اللهِ. (عدد 15، 16).
روح العبودية. هو عمل الروح بموجب
الناموس بالمقابلة مع عملهِ فينا بحسب
النعمة وعلى ذلك شهادات كثيرة أخصّها (كورنثوس
الثانية 6:3-8؛ غلاطية 1:4-7؛ أفسس 18:2؛ يوحنا
الأولى 13:2). فقولهُ: الروح نفسهُ يشهد
لأرواحنا أننا أولاد الله. مما يُبرهن
شخصيتهُ وعملهُ الخصوصي الذي نشعر بهِ
ونُميزهُ عن أفكارنا وإحساساتنا مهما
كانت لأنهُ يعمل فينا ليُحقق لنا بنوتنا
ويربي العواطف الموافقة لمقامنا حتى
نصرخ لله: يا أبتاه بثقة قلبية. وإن كان
ذلك كذلك لا يجوز لنا أن نُصلي كأننا عبيد
ولا كصلوات المؤمنين القدماء قبل إعلان
المقام المسيحي قابل (غلاطية 1:4-7). لا
يُخفى أن كثيرين يُخاطبون الله بالصلاة
بألفاظ مأخوذة من المزامير وغيرها من
أسفار التوراة ومن النوادر أن يُسمَع
منهم كلام الثقة الذي يجب أن نستعملهُ في
صلواتنا الآن حسب العهد الجديد وربما
يغتاظون منا إذا قُلنا أن ذلك لا يوافق
مقامنا الآن وينسبون لنا الادعاء بأننا
أفضل من أولئك القديسين المشهود لتقواهم.
فأقول: ليست المسألة، هل نحن أفضل منهم أم
لا! بل هي هل إلهنا قد أعلن لنا أكثر مما
أعلن لهم ودعانا أن نتمتع بالثقة البنوية
أم لا؟ لا شك أن خلاص الخطاة في أي وقت كان
لا يصير إلاَّ من نعمة الله ثم مقامهم
وقرابتهم ومعرفتهم بعد ذلك متوفقة على
إرادة الله وعلى مقدار النور الذي أنعم
عليهم بهِ. وقد سبق فنظر لنا شيئًا أفضل
مما كان لهم من هذا القبيل. فعلينا إذًا
أن نستعملهُ بجراءة مُقدسة ولا ننكر
امتيازاتنا المسيحية معتذرين بكلام في
غير محلهِ قائلين: حاشا أن نظن أنفسنا
أفضل من الذين اقتصروا على الألفاظ
المُشار إليها في صلواتهم فشهادة الروح
لأرواحنا تؤكد كوننا أبناء الله وذلك ليس
في صلواتنا فقط، بل في معاملاتهِ
المتنوعة معنا أيضًا حتى إذا وبخنا
يُعاملنا كبنين. 17
فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا
فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ
اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ.
إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ
نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ. (عدد 17).
يتضمن قولهُ: إننا أولاد كوننا ورثة، لأن
الأولاد يرثون آباءهم. فنحن إذًا ورثة
الله أبينا ولكن الوريث العظيم هو البكر
يسوع المسيح الذي سنشترك معهُ في
الميراث، وعلى الميراث انظر (أفسس 1:1-23؛
بطرس الأولى 4:1). ولكن عندما نتحقق مقامنا
كبنين لا يلبث أن نُكابد آلامًا أيضًا
لأننا نرى أنفسنا في الغربة عن موطننا في
ظروف من شأنها أن تؤلمنا من كل الجهات
وتلاطمنا كأمواج البحر لا، بل مجرد كوننا
في العالم والسلوك بالانفصال عنهُ
والإقرار برجائنا الحي المبارك هي نفسها
تُهيج بغض العالم علينا، وإذ ذاك نتألم
مع المسيح لأن مقامنا هو نفس المقام الذي
كان لهُ حين كان في العالم وعلى ذلك قولهُ:
إن كان العالم يبغضكم فاعلموا أنهُ قد
أبغضني قبلكم لو كنتم من العالم لكان
العالم يحب خاصتهُ ولكن لأنكم لستم من
العالم، بل أنا اخترتكم من العالم لذلك
يبغضكم العالم (يوحنا 18:15، 19). فحضور الروح
القدس الموعود بهِ لجميع المؤمنين هو
الذي يُقيمنا مقام المسيح في هذا العالم
كما أنهُ أيضًا يُحقق لنا اتحادنا معهُ
في السماء الآن واشتراكنا معهُ في المجد
العتيد. فليعرف يقينًا كلٌّ منا أنهُ إن
كان لنا المسيح حقيقةً حياة نفوسنا ورجاء
قلوبنا فلنا شيء لا يُريدهُ العالم لا،
بل مجرد ذكرهِ يهيج علينا بغض الذين
نصيبهم هنا ويكفي التلميذ أن يكون
كمُعلمهِ. قد رفضهُ العالم ولا يزال
يرفضهُ. فهل يمكن لهُ أن يحبنا؟ كلا
البتة، نعم جانب كبير من العالم قد
انتسبوا للمسيح بالاسم فقط ولهم بعض
أوهام عنهُ كقادر أن يُنجيهم من القصاص
المستقبل ويظنون أنهُ بما لا يدعهم
ينزلون إلى جهنم النار بعد موتهم، ولكنهُ
أمر بعيد عن أفكارهم أن يمتلكوهُ كحياتهم
ونصيبهم في الوقت الحاضر لأن العالم
ألذُّ لهم من المسيح. تراهم مطمئنين ما
داموا حاسبين إياهُ بعيدًا عنهم فإن ذكر
اسمهِ لا يُكدرهم وإذ ذاك تكفيهم أوهامهم
وممارسة بعض الطقوس المنسوبة للمسيح
ظانين أن ذلك مما يرضيهِ وعلى الأقل لا
يُعاملهم كالذين لا يمارسونها، ولكن إذا
ظهر بينهم واحد حاملاً الصليب مُقرًّا حق
الإقرار بالمسيح كحياتهِ ورجائهِ
ونصيبهِ الوحيد يتهيجون بغضًا عليهِ
ويضطهدونهُ ويظهر من ذلك أنهم من العالم.
فعلينا يا إخوتي أن نحسب النفقة ونختار
بين محبة العالم ومحبة الله، لأنهما
ضدَّان. فمَنْ أراد أن يكون مُحبًّا
للعالم فقد صار عدوًّا لله (يعقوب 4:4). لا
يُخفى أن كثيرين في أيامنا يتعللون في
شأن هذا الموضوع بكلام فحواهُ أن أمور
العالم كالغنى والشرف والوظائف السياسية
ليست ردية بذاتها ولا بأس إن كنا نحصل
عليها ونستعملها لمجد الرب فقط. ومثلهم
مثل الذين أضلُّوا شعب الله قديمًا
قائلين: سلام سلام، وليس سلام واحدٌ منهم
يبني حائطًا وها هم يُملطونهُ بالطفال،
فقل للذين يُملطونهُ بالطفال: أنهُ يسقط.
يكون مطر جارف، وأنتنَّ يا حجارة البرد
تسقطنَ وريح عاصفة تُشققهُ… الخ (حزقيال
10:13-16). يحامي الإنسان عن الشيء الذي
يحبهُ، الذين يحبون العالم يخترعون
أقوالاً كثيرة ليُبرّروا أنفسهم بها،
ولكنها ليست سوى حائط مملط بالطفال لا
يثبت أمام دينونة الله، المُستعلي عند
الناس مكروه عند الله الذي هو في غنى عن
كل هذه الأشياء الزهيدة التي يحبها البشر
ويخسرون أنفسهم لكي يكتسبوا قليلاً منها.
الحاصل أن العالم قد فضَّلوا شهواتهم على
ابن الله فاختار الله ابنهُ نصيبًا لهُ
رافضًا العالم وشهواتهم، فإذًا كل مَنْ
يُريد المسيح عليهِ بحمل الصليب لأنهُ لا
بد أن العالم يبغضونهُ. لا صليب لا إكليل.
فإن الآلام الآن والأمجاد فيما بعد.
وربًّ قائل يقول: إن الأشياء العالمية
حسنة إن أُستعملت كما يجب. أُجيب: يا أخي
ليس المسألة، هل هي حسنة بذاتها أم لا، بل
هل هي حسنة ونافعة لقلبك أم لا؟ فعبثًا
يتعلل واحد بقولهِ: أنا عندي هذه الأشياء
لكني لا أعلق بها قلبي، لأن القلب ينبع
كنزهُ، حيث يكون كنزك يكون قلبك أيضًا.
ولا يمكن أن يكون لنا كنزان واحد في
السماء والآخر على الأرض كما أنهُ لا
يمكن أن نخدم سيدين راجع (مَتَّى 19:6-25). 18
فَإِنِّي أَحْسِبُ أَنَّ
آلاَمَ الزَّمَانِ الْحَاضِرِ لاَ
تُقَاسُ بِالْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ
يُسْتَعْلَنَ فِينَا. 19 لأَنَّ
انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ
اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ. (عدد
18، 19).
فهل لبولس وحدهُ هذا الحساب أم لنا كلنا؟
أو هل قضى عليهِ وحدهُ باحتمال آلام
الزمان الحاضر أم علينا جميعًا؟ لا شك أن
كلامهُ هذا يُطلق علينا جميعًا حال كوننا
حاملين الصليب في العالم بينما لسنا منهُ
وجميع الذين يُريدون أن يعيشوا بالتقوى
في المسيح يسوع يُضطهدون (تيموثاوس
الثانية 13:3). نتألم ليس من أيدي الناس
وألسنتهم فقط، بل من مجرد إقامتنا في
العالم أيضًا الذي ليس سوى أرض مُقفرة لا
ماء فيها للإنسان الجديد. أسأل القارئ أن يُراجع بعض
أصحاحات إنجيل يوحنا التي تفيد معاني
مقترنة مع هذا الموضوع الذي نحن في صددهِ.
انظر قول الرب للتلاميذ: لا تضطرب قلوبكم
(أصحاح 1:14). كانت قلوبهم مُضطربة بما سبق
فقال لهم: (أصحاح 13) فأخذ يُخاطبهم هنا
بكلام فحواهُ أنهُ لا يقدر أن يمكث معهم
بعد على الأرض ولكنهُ يجعلهم أهلاً
ليكونوا معهُ في السماء لأن قلوبهم كانت
ممتلئة من الأفكار اليهودية متعلقة
بالأرض وإذ ذاك اجتهد أن يرفعها معهُ وهو
منطلق إلى العُلَّى وإن كان لا يقدر أن
يكون معهم في مقام أرضي يعدّ لهم مكانًا
عند الآب الذي كان ذاهبًا إليهِ. كان قد
أعلن لهم اسم الآب وهو معهم لا، بل كان هو
ذاتهُ إعلان الآب ومن رآهُ رأى الآب
أيضًا. كان هو الحياة وأعطى حياة
للمؤمنين بهِ وكان راجعًا إلى الذي
أرسلهُ (عدد 1-3). غير أن الموت والقيامة
كانا في طريقهم وكان تلاميذهُ مزمعين أن
يتبعوهُ بهذا الطريق ولكن ليس الآن لأنهُ
ينبغي أن تابوت عهد الله يتقدمهم وحدهُ
في الأردن الممتلئ إلى جميع شطوطهِ ويبس
لهم لججهُ المُريعة. مجد ذاتهِ الذي لا
يستقصى هو أنهُ في الآب والآب فيهِ (عدد 10،
11) هو في الآب أي لهُ طبيعة واحدة معهُ.
والآب فيهِ. أي أنهُ كان يُظهر حياتهُ
الإلهية بكل ما عملهُ وتكلم بهِ لأن ذلك
أظهر مَنْ هو. عندما نؤمن بهِ ونعرفهُ وهو
منطلق إلى الآب نأتي بثمر في العمل
والصلاة أيضًا (عدد 12-14). معلوم أنهُ يوجد
درجات متفاوتة من الأثمار ثلاثون وستون
ومئة. ويُشير هنا إلى الدرجة القصوى من
الثمر أي مئة ضعف. فإن مجرد وجود الحياة
فينا بالإيمان بابن الله ينتج الاعتراف
بهِ قدام الناس وذلك أقلُّ ثمر يمكننا أن
نُظهرهُ ثم بعد ذلك نموُّنا في الأثمار
متوقف على إيماننا وطاعتنا. ثم معرفتنا الآب واتحادنا
مع المسيح وهو فوق يفصلنا عن العالم (عدد
15). وإذ ذاك نحتاج إلى تعزية فأعطاهم
وعدًا بأنهُ يرسل المعزي الآخر ليكون
معهم مكانهُ ومن خدمتهِ الحنونة أن يعلن
لهم أمورًا جديدة ويُفهمهم كل ما سبقوا
فسمعوهُ. أنا الكرمة الحقيقية وأبي
الكرَّام (أصحاح 1:15). نرى هنا التلاميذ في
مقامهِ في العالم بعد ذهابهِ عنهم. جميع
الذين يعترفون باسمهِ يُحسبون أغصانًا
لهُ ولكن لا يكون منهم ثمر إلاَّ
باشتراكهم في الطبيعة الإلهية والحياة (عدد
4). أنتم فيَّ. أي بالنظر إلى الطبيعة
والمقام. وأنا فيكم. أي بالنظر إلى أن
حياتهُ فيهم حال كونهم تحت المسئولية أن
يُظهروها بالثمر. وينبغي لأجل ذلك أن
كلامهُ يثبت فيهم أي يكون فيهم الإيمان
والطاعة. كان المسيح نفسهُ الكرمة
الحقيقية الآتية بثمر لله. قد كان
إسرائيل في الأول كرمة الله المُلتزمة
بأن تأتي بثمر ولم تأتِ إلاَّ بورق فقط
وإذ ذاك قام المسيح مقامهم فكان الكرمة
المثمرة ولا يزال كذلك على أن ليس المقصد
هنا إيضاح مقامهِ السماوي بل كونهِ مصدر
الحياة لأغصان مثمرة على الأرض لأن الثمر
في الأرض لا في السماء. ولكن على كل حال
يجب أن نحفظ وصاياهُ لكي نأتي بثمر. ثم يشير إلى موتهِ (عدد 13)
ليس بالنظر إلى كونهِ كفارة عن الخطايا،
بل برهانًا على محبتهِ إلى خاصتهِ وقدوةً
لهم في تصرُّفهم مع بعضهم. كانت محبتهُ قد
حملتهُ إلى أن يطلبهم ويجعلهم في مقامهِ في العالم (عدد 16) وإذ ذاك يرثون بغض
العالم شاهدين عليهِ بما ليسوا منهُ.
لأنهُ أبغضهُ هو بسبب بغضهِ غير المتغير
لله الآب (عدد 21-25) فإنهُ لو لم يحضر إلى
العالم وأعلن لهُ نعمة لا توصف لكان لهم
عذر ‘لا تُبرئهُ’ عن خطيتهم لأنهُ لو لم
يحضر بينهم كان يمكن أن يُقال: نعم
الإنسان ردي ولكن ليس إلى هذا المقدار
حتى أنهُ يرفض الله أن يأتي إلى العالم
ولكن عند رفض المسيح ظهرت حقيقة غير
منتظرة وهي أن الإنسان لا يقبل الله وإن
أتى بذات ابنهِ لذلك مقام التلاميذ مقام
سيدهم المرفوض لا غير. وليس لهم للقيام
بالشهادة إلاَّ بواسطة الروح القدس
الآتي من الآب (عدد 26، 27). ليُعرفهم الأمور
المختصة بهم. كان قد أخبرهم بالمقام الذي
يكون لهم في العالم لكي لا يعثروا وقت
مُفارقتهِ إياهم (أصحاح 1:16) لأن العالم لا
سيما العالم الديني لا يحتمل شهادتهم.
ولما كانوا مغلوبين من الحزن غير قادرين
أن يرفعوا أفكارهم إلى السماء لم يسألوهُ
أين يذهب (عدد 5، 6). وكان انطلاقهُ ضروريًا
لكي يأتيهم المعزي الآخر (عدد 7) ويكون
حضور ذلك برهانًا على إثم العالم بسبب
رفضهم المسيح إذ أظهروا بذلك عد إيمانهم
بهِ وبغضهم لله ويُبكتهم الروح على هذه
الخطية. نعم كانت فيهم خطايا أخرى كثيرة
ولكنهُ يوبخهم خصوصًا على عدم إيمانهم.
ويسأل عن البرّ أيضًا. ولكن البرّ ليس
موجودًا بعد هنا فإنهُ كان هنا بشخص
المسيح ورُفض ورجع إلى يمين الله ولا
يمكن أن نرى برًّا إلاَّ هناك وعندما
نراهُ بالإيمان نخلص بهِ ونقترن بالذي قد
رُفض من العالم. ويشهد أيضًا الروح عن
الدينونة العتيدة أن تجرى على العالم
الذي رئيسهُ قد دين لأنهُ كان قد أكمل
إثمهُ حين أهاج العالم وقادهم إلى قتل
ابن الله وإذ ذاك تأكدت دينونتهُ غير
أنهُ يمارس سلطانهُ إلى حين. وأما البشر
فاختاروا إبليس دون المسيح ولهم
دينونتهُ إن لم يتوبوا وينظروا إلى البرّ
عن يمين الله (عدد 8-11). كانت للرب أمور كثيرة لم
يستطع التلاميذ أن يحتملوها في ذلك الوقت
(عدد 12). ولكن الروح القدس بعد مجيئهِ
يرشدهم إلى جميع الحق لأن الحق كلهُ ظهر
بعد موت ربهم وقيامتهِ. لا يتكلم من نفسهِ
كأن لهُ موضوعًا جديدًا غير الذي عرفوهُ
بل يأخذ مما للمسيح ويُخبرهم بهِ، لأن
المسيح وحدهُ موضوع إيمانهم ومركز
أفكارهم. كانوا قد عرفوهُ في حالة
تواضعهِ ليس في حالة المجد فكانت إذ ذاك
معرفتهم جزئية ويكملها الروح. بعد قليل
لا تبصرونني ثم بعد قليل ترونني أيضًا
لأني ذاهب إلى الآب (عدد 13-16). فإنهُ كان
ذاهبًا إلى الآب بطريق الموت الذي مجرد
ذكرهِ ملأهم خوفًا وحزنًا. ما أعظم الفرق
بين أفكارهم في تلك الليلة المحزنة
وأفكارهم بعد حلول الروح القدس! وكان
السيد مزمعًا أن يراهم أيضًا في وقت
الفرح الدائم (عدد 23، 24), وتم كلامهُ هذا
بعد قيامتهِ حين ظهر لهم مُناديًا بسلام
وعاد يعتني بهم كراعٍ أمين. ودام فرحهم
لأنهُ كان على أساس راسخ. إذ كان الموت
والقبر اللذان يفسدان كل فرح عالمي قد
صاروا وراءهم إلى الأبد وليس لهم من الآن
فصاعدًا إلاَّ محبة الآب وشركة الروح في
الوقت الحاضر والرجاء بالمجد الأبدي
فيما بعد. كان الابن الوحيد للآب قد حضر
غريبًا وفقيرًا إلى العالم وقبلهُ أولئك
الخراف الضعفاء وأضافوهُ في قلوبهم من
أجل ذلك أحبَّهم الأب (عدد 23-28) فتعوضهم
تلك المحبة الأبوية عن فقدان محبة العالم
التي هي أمر زهيد في أحسن الأحوال. ظنوا
أنهم قد أدركوا كلامهُ (عدد 29-33) ولكن
الموت كان قدامهم ولا يقدر الإنسان أن
يجتاز في هذا الطريق لم يكونوا قد فهموا
إلاَّ قليلاً من كلامهِ ولكنهُ كان
مُعلمًا طويل الروح. ثم ختم كلامهُ معهم
موضحًا بالاختصار حالهم في العالم
قائلاً: قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيَّ
سلام. في العالم سيكون لكم ضيق. ولكن ثقوا
أنا قد غلبت العالم (عدد 33). كان قد غلب
العالم إذ كان لهُ غرض أعلى من الأغراض
العالمية، لأنهُ كان ينظر إلى الفرح
الموضوع قدامهُ وكذلك نغلبهُ نحن أيضًا. أني قد أشرت إلى مضمون هذه
الأصحاحات وأرجو من كل قارئ أن يُراجعها
إن كان من الذين يُريدون أن يعرفوا حقيقة
مقامنا مدة غياب الرب وقد اتضح من
مراجعتنا إياها بالاختصار أننا لسنا من
هذا العالم وأنهُ لا يليق أن ننتظر فيهِ
إلاَّ الآلام الآن ثم الأمجاد فيما بعد.
ولكن شكرًا لله هذه الآلام هي وقتية ولا
تستحق الذكر بالنسبة إلى المجد العتيد أن
يُستعلن فينا وهي بالحقيقة تعدُّنا
لاحتمال ثقل أبدي من المجد. 20
إِذْ أُخْضِعَتِ الْخَلِيقَةُ
لِلْبُطْلِ لَيْسَ طَوْعًا، بَلْ مِنْ
أَجْلِ الَّذِي أَخْضَعَهَا عَلَى
الرَّجَاءِ. 21 لأَنَّ
الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا
سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ
الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ
أَوْلاَدِ اللهِ. 22 فَإِنَّنَا
نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ
تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى
الآنَ. (عدد
20-22).
الخليقة هي جميع المخلوقات على الأرض ما
عدا البشر. البُطل عبارة عن التشويش الذي
صار من خطية آدم فإن الله أقام آدم رأسًا
لنظام هذه الأرض ومخلوقاتها إذ توقف
دوامها في نظامها الأصلي على ثبات رأسها
ولكنهُ سقط وصارت الأرض ملعونة بسببهِ
ولا تزال هكذا إلى أن يجيء المسيح آدم
الأخير لينزع عنها اللعنة ويُرجعها إلى
حالة البركة التي كانت عليها في الأول
حتى أشجار الوعر تترنم ترحبًا بهِ عند
مجيئهِ انظر (مزمور 11:96-13). إن الله أخضع
الخليقة لآدم ولكن على الرجاء بأنها
تُعتق من عبودية الفساد بواسطة المسيح.
حرية مجد 23
وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ
نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ
الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا
نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا،
مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ
أَجْسَادِنَا. (عدد
23). قولهُ:
وليس هكذا فقط. مما يُبرهن أن الخليقة
المذكورة سابقًا لا تتضمن البشر لأنهُ
يُميز بيننا وبين الخليقة. باكورة الروح
يهبر بهذا عن سكنى الروح وعملهِ فينا
كعربون الميراث لأن ذلك ليس سوى باكورة
للعمل الكامل العتيد أن يجري فينا عند
إقامة أجسادنا وإدخالها إلى المجد راجع (عدد
11؛ كورنثوس الثانية 22:1؛ 1:5-5؛ أفسس 13:1، 14؛
فيلبي 21:3) ويُقال لفداء أجسادنا التبني
نظرًا لكونها مادة ترابية لا تناسب المجد
ما لم يجرَ فيها عمل خصوصي يغيّرها
ويصيرها على شبه صورة جسد مجد المسيح.
وذلك هو الرجاء العظيم المبارك. 24 لأَنَّنَا
بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ
الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ
رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ
كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟ 25 وَلكِنْ
إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا
نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ
بِالصَّبْرِ. (عدد
24، 25)
أي نخلص في الضيقات بقوة الرجاء الموضوع
أمامنا. راجع (أصحاح 1:5-11). 26
وَكَذلِكَ الرُّوحُ أَيْضًا
يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا، لأَنَّنَا
لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي
لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلكِنَّ
الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا
بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. 27 وَلكِنَّ
الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ
مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ، لأَنَّهُ
بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي
الْقِدِّيسِينَ. (عدد
26، 27).
يمتاز وقت إقامتنا في هذا العالم بالضعف
والاحتياج اللذين كلما شعرنا بهما نصرخ
إلى الله بالصلاة انظر (لوقا 1:18-8) وشهادات
أخرى كثيرة من جهة الصلاة. ولكننا ضعفاء
بهذا المقدار حتى لا نعلم ماذا نطلب
فنحتاج إذًا إلى معونة الروح القدس الذي
لا يمتنع عن مساعدتنا إذ يجعلنا نشعر
بضعفنا ونعرف مقامنا في العالم ونسبتنا
إليهِ ثم يخلق فينا أشواقًا روحية حسب
مقاصد الله ويقوينا لننطق بها أمام عرش
النعمة بثقة تليق بأحوال البنين وورثة
المجد. نعم لا نقدر أوقاتًا كثيرة أن نعبر
عنا إلاَّ بأنَّات ولكن الله الفاحص
قلوبنا يعلم ما هو مقصد الروح بعملهِ
هكذا فينا فنقع موقع القبول عندهُ. معنى
يشفع فينا. يتمسك معنا ليعيننا انظر (يوحنا
14:15، 15) ليس أن الله نفسهُ ضدنا والروح
يعمل فينا ليرضيهُ لأنهُ لنا أبًا حنونًا
وقد أعطانا روحهُ ليمكث معنا معينًا لنا
في ضعفاتنا ومعزيًا في أحزاننا وضيقاتنا.
لاحظ الفرق العظيم بين أنَّات المؤمن
المذكورة هنا وأنَّاتهِ المذكورة (أصحاح
7) فإنهُ كان يئن هناك مثقلاً من ذاتهِ
وأما هنا فيئن من الاشتياق إلى المجد ومن
المشاركة في الاحساسات مع الخليقة
المستعبدة. يئن هنا في النعمة وهناك في
العبودية. 28
وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ
الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ
لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ،
الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ
قَصْدِهِ. (عدد 28).
تقدم قولهُ عن الضعف الذي نشعر بهِ في
الصلاة بحيث لا نعلم ماذا نطلب ولكنهُ
يذكر هنا شيئًا نعرفهُ معرفة مؤكدة وهو
أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين
يحبون الله لأنهم مدعوون حسب قصد الله
إلى ملكوتهِ ومجدهِ وإذ ذاك يحوّل كل
الأمور إلى خيرهم أي إلى ما يراهُ هو
خيرًا لهم. كل الأشياء. أي الظروف التي
نجد أنفسنا فيها وقتًا ما وكل ما يحدث
بعناية الله حتى ضعفاتنا أيضًا ولكن ليس
لخطايانا مدخل هنا غير أننا نعلم أنهُ من
امتيازات الله المطلقة أن يستخرج لشعبهِ
فوائد حتى من زلاتهم ولكن ذلك ليس المقصد
بكلامهِ هنا لأن الوحي لا يتكلم قط عن
زلات المؤمنين بهدوء كأنها من الأمور
الزهيدة. وإن كان أحد يتكلم عنها بخفةٍ
فقد نسى أو بالأحرى لم يعرف بعد أنها
مكروهة عند الله. 29
لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ
فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ
لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ
ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ
إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. (عدد 29).
سبق فعرفهم. أي سبق منذ الأزل فميزهم
بمعرفتهِ أو اختارهم انظر (أفسس 4:1) ليس
المعنى أنهُ سبق فنظرهم أفضل من الآخرين
وبناء على ذلك اختارهم، حاشا وكلاَّ!
لأننا قد رأينا في ما مضى من هذه الرسالة
نفسها ما هي حالة الجميع إذ لا يوجد فرق.سبق
المعرفة أو الاختيار هو بالنظر إلى
الأشخاص الذين خصَّصهم الله بعلمهِ
السابق، وأما التعيين فبالنظر إلى
المكان الذي اختارهم لهُ فإنهُ اختارنا
في المسيح وعيَّننا ليس لمقام عبيد ولا
لبركات أرضية بل لمقام البنين وللميراث
الذي يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل. لو شاء
إلهنا عبيدًا فها ربوات ربوات من
الملائكة الأطهار ممتلئون بين يديهِ
ولكنهُ تعالى اشتاق إلى بنين فشرع يأتي
ببنين كثيرين إلى المجد ولا يكفُّ عن
العمل إلى أن يُحضرهم أمامهُ على صورة
ابنهِ البكر الذي قد سبقنا ودخل المجد. 30
وَالَّذِينَ سَبَقَ
فَعَيَّنَهُمْ، فَهؤُلاَءِ دَعَاهُمْ
أَيْضًا. وَالَّذِينَ دَعَاهُمْ،
فَهؤُلاَءِ بَرَّرَهُمْ أَيْضًا.
وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ، فَهؤُلاَءِ
مَجَّدَهُمْ أَيْضًا.
(عدد 30).
كان اختيار الله وتعيينهُ في أفكارهِ منذ
الأزل وقد تقدم ذكر ذلك وأما هنا فيذكر
الرسول ما آخذ الله بإجرائهِ في الزمان
الحاضر إذ يدعو مختاريهِ دعوة فعالة
بكلمتهِ مصحوبة بالروح القدس ويبرّرهم
ثم يذكر تمجيدهم في الماضي كأنهُ قد صار.
ولا يذكر هنا شيئًا من جهة تقديسنا أو
سلوكنا، لأن قصد الوحي بهذا الكلام أن
يعبر عن عمل الله المؤكد الجاري خارجًا
عنا على حسب أفكارهِ الأزلية بقطع النظر
عن الاختبارات التي نختبرها عند
اشتراكنا فيهِ. لأن التقديس مهما كان
ضروريًا لأجل سلوكنا في هذا العالم ليس
مما يؤهلنا للمجد الأبدي. نعم قد تقدسنا
بدم المسيح وقتَ ما تبرَّرنا وإلاَّ فلم
نكن أهلاً لنكون قريبين من الله كما نحن
وهذا التقديس إذا ذُكر مع التبرير يذكر
قبلهُ انظر (كورنثوس الأولى 11:6). 31
فَمَاذَا نَقُولُ لِهذَا؟ إِنْ
كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟
(عدد 31).
إن لفظة: معنا. وقعت غلطًا في الترجمة
لأنها: لنا. حسب الأصل اليوناني. من هنا
إلى آخر الأصحاح يوضح الرسول عمل الله
لأجلنا، ويسأل بالنظر إلى ما سبق إيضاحهُ:
ماذا نقول لهذا؟ لأنهُ نعمة عظيمة أكيدة
لا يمكن للقلب البشري المعتاد على الشرور
أن يتصورها ولا يقدر أن يقبلها إلاَّ
بالإيمان الذي هو عمل الله فينا. لا شك أن
العالم وغير المؤمنين يتفوهون بأمور
كثيرة ضد نعمة وسيعة مطلقة الوصف كهذه
ولكننا نحن المؤمنين نفرح قائلين: إن كان
الله لنا ليس أحد يقدر أن يقوم ضدنا
ويصدنا عن المجد. وليس يقيننا هذا
مبنيًّا على شيء منا بل على ما قصدهُ الله
منذ الأزل وما يجريهِ لنا الآن رغمًا عن
جميع المضادين. 32
اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى
ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا
أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا
أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟
(عدد 32).
يتكلم هنا عن لسان المؤمنين إذ يذكر
البرهان الأعظم على أن الله لنا لا علينا
مُستدلاً منهُ أنهُ يعطينا كل ما يلزمنا
في الطريق. الرب راعيَّ فلا يعوزني شيء في
مراعٍ خضر يربضني، إلى مياه الراحة
يوردني، يردُّ نفسي يهديني إلى سبل البرّ
من أجل اسمهِ. أيضًا إذا سرت في وادي ظل
الموت لا أخاف شرًّا لأنك أنت معي. عصاك
وعكازك هما يعزيانني ترتب قدامي مائدة
تجاه مُضايقيَّ. مسحت بالدهن رأسي، كأسي
ريَّا. إنما خير ورحمة يتبعانني كل أيام
حياتي وأسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام (مزمور
23). من جهة العالم لنا ضيق ولكن راعينا
العظيم منعا وإلهنا لنا في كل الأحوال. 33
مَنْ سَيَشْتَكِي عَلَى
مُخْتَارِي اللهِ؟ اَللهُ هُوَ الَّذِي
يُبَرِّرُ. 34 مَنْ هُوَ الَّذِي
يَدِينُ؟ اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي
مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ
أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ
يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا
يَشْفَعُ فِينَا. (عدد
33، 34).
المُشتكي الأكبر هو الشيطان انظر (أيوب
6:1…إلخ؛ أصحاح 1:2-10؛ زكريا 1:3، 2؛ رؤيا 1-:12،
11) فإنهُ يتمسك بعدل الله ليوقع بهِ
القصاص علينا بسبب زلاتنا العديدة وكذلك
العالم أيضًا إذا تلقن منهُ يشتكي علينا
ولا جواب لنا لأن خطية واحدة تستحق
الدينونة المؤبدة ولكن لنا مَن يُجاوب
عنا وهو الذي برَّرنا، لأن الله نفسهُ
برَّرنا إكرامًا لدم ابنهِ الذي مات
لأجلنا. ليس لأنهُ مات فقط، فإنهُ قام
أيضًا وجلس عن يمين الله. وقد تقدم في هذا
الشرح كلام كافٍ عن ذلك. الذي أيضًا يشفع
فينا. شفاعة المسيح هي واحدة من وظائفهِ
التي يُمارسها لأجلنا ومعناها التوسل أو
بالأحرى تحصيل المعونة وعلينا أن نتأمل
فيها: أولاً-
ممارستهُ الوظيفة المكني عنها بشفاعتهِ
هي بالنظر إلى سقطاتنا وقصوراتنا
الشخصية وتشكيات الخصم علينا إذ يجذبنا
إلى الخطية بواسطة شهواتنا ثم يقدم
الشكوى علينا أمام عرش العدل. وقال الرب:
سمعان سمعان، هوذا الشيطان طلبكم لكي
يُغربلكم كالحنطة ولكني طلبت من أجلك لكي
لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبت أخوتك (لوقا
31:22، 32) كانت ثقتهُ بذاتهُ قد عرضتهُ
لتجربة الشيطان فسقط، ولكن سبق الرب وطلب
كل ما ينبغي لحفظ إيمانهِ من الفناء
ولردّ نفسهِ فيما بعد. وتم ذلك كما لا
يُخفى عند كل من طالع الإنجيل. فمن ثمَّ
يقدر أن يخلص إلى التمام الذين يتقدمون
بهِ إلى الله إذ هو حي في كل حين ليشفع
فيهم (عبرانيين 25:7). إلى التمام.أي إلى النهاية، لأن الرسول يخاطب
القديسين في هذه الرسالة نظرًا إلى كونهم
سائرين في البرية قاصدين المجد والراحة
وفيهم غرور الخطية الذي من شأنهِ أن
يسقطهم، ولكن رئيس كهنتهم قادر أن يحفظهم
إلى نهاية المسير إذ يستمدّ لهم المعونة
اللازمة. يا أولادي، أكتب إليكم هذا لكي
لا تخطئوا وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند
الآب يسوع المسيح البار (يوحنا الأولى 1:2)
غاية كلمة الله هي وقايتنا من الخطية،
ولكن إن أخطأ أحد أي من الأولاد يوجد الذي
يُدبّر دعواهُ ويردّ نفسهُ إلى سُبل
البرّ وهو يسوع المسيح البار. ثانيًا-
يجب أن نحترز من الفكر أن الله الآب ضدنا
ويصرف وجههُ عنا إذا سقطنا وإذ ذاك يتقدم
المسيح إليهِ مُتوسلاً أنهُ يعود يرضي
علينا، لأن الأمر ليس كذلك، غير أن هذا
الفكر قريب منا بسبب قلة ثقتنا في محبة
الآب، ولكنهُ مُخالف للكتاب الذي يشهد أن
الآب نفسهُ يحبنا (يوحنا 25:16) وقد اتضح في
هذه الرسالة نفسها أن
لله لنا لا علينا وأنهُ أ؛بنا وعمل ولا
يزال يعمل لأجلنا. لا يُخفى أن جماهير من
المسيحيين من عدم إيمانهم وجهالتهم
الكتب المُقدسة قد اتخذوا لأنفسهم وسطاء
وشُفعاء كثيرين مُتوهمين وهمًا كاذبًا
أن الخلائق أحنّ علينا من الخالق. ولكن
بعد رفضنا هذا الغلط المُبين المُهين
لمحبة إلهنا يجب أن لا نتغافل أو نفتخر
بمعرفتنا لأن أصلهُ باقٍ فينا مهما كانت
معرفتنا بحيث أننا نميل طبعًا إلى
الارتياب في محبة الله الكاملة غير
المُتغيرة وإذ ذاك نتصور شفاعة المسيح
خلاف ما هي ظانين أنهُ يحبنا أكثر من
الآب، وأنهُ إذا أغتاظ الآب علينا بسبب
زلاتنا العديدة يأخذ المسيح بلطف غيظهُ
ويستميلهُ إلينا. ثالثًا-
ممارسة هذه الوظيفة متوقفة على
احتياجنا إليها فأننا إذا سقطنا لا نذهب
إلى المسيح ونطلب منهُ الشفاعة، بل
يُبتدي هو من ذاتهِ
يستعمل الوسائط المُقتضية لإيقاظنا. لا
يُخفى أن الخطية تعمي النظر وتقسي القلب.
المؤمن الساقط لا يعود يستفيق إلى الأبد
لولا عمل المسيح المُعبَّر عنهُ
بالشفاعة. وليس المقصد أنهُ يستعمل كل ما
هو لازم لإرجاع نفوسنا ويجعلنا في حال
روحية بحيث أننا نتمتع بامتيازاتنا التي
لنا كمؤمنين. لما سقط داود مثلاً، أرسل
الرب ناثان النبي إليهِ لينبههُ وعمل
كذلك أيضًا عند سقوط بطرس الرسول، فأن
المسيح سبق فطلب لأجلهِ لكي لا يغرق في
لُجج اليأس والقنوط ويهلك كما صار مع
يهوذا الإسخريوطي، ثمَّ نظر إليهِ في
الوقت المُناسب لذلك وفكَّرهُ بما كان قد
فعلهُ، ثمَّ بعد قيامتهُ أكمل عملهُ إذ
ردَّ نفسهُ تمامًا بالأقوال والمعاملات
المُقتضية (انظر يوحنا 15:21-22).
نعم الله لنا لا علينا،
ولكنهُ لا يقدر أن يسلك معنا في حال سيئة
بتَّةً والمسيح يسوع ربنا والروح القدس
كذلك أيضًا، لأن الله المُثلث الأقانيم
قدوس ومع أنهُ قادر ومريد أن يخلّصنا من
خطايانا لا يقدر أن يساكنها مُصادقًا على
سيرتنا إن كانت غير لائقة بقداستهِ. حاشا
وكلا، لأنهُ لو عمل هكذا معنا لأعطي فرصة
للقول الكاذب لنفعل السيآت لتأتي
الخيرات. فالمسيح بموجب هذه الوظيفة يردّ
نفوسنا إذا سقطنا، إذ يستخدم إنذارات
أخوتنا وكلمة الله ومعاملاتنا عنايتهِ
حتى التأديبات أيضًا التي جميعها توقظنا
إن كانت مصحوبة بالروح القدس فننتبه
ونحكم على أنفسنا حسب
نور كلمة الله ونعود نتمتع بالشركة مع
الآب ومع ابنهِ يسوع المسيح ربنا. ويجري
ذلك كلهُ لكون الله الآب والابن والروح
القدس لنا لا علينا. فلنبارك اسمهُ
القدوس طالبين منهُ أن يحفظنا من الشرير.
لأن الله لم يدعنا للنجاسة، بل في
القداسة (تسالونيكي الأولى 7:4). فحضور
المسيح عن يمين الله مقبولاً ومحبوبًا
عند أبيهِ وأبينا وممارسة شفاعتهِ مما
يتكفل بحفظنا من الشرير ونجاتنا منهُ
أيضًا إذا وقعنا فريسةً لمخالبهِ. وإن
كان ذلك كذلك ألاَّ نطفر قائلين: 35 مَنْ
سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ
الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَِيْقٌ
أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ
أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ 36 كَمَا
هُوَ مَكْتُوبٌ:«إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ
نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ
حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». (عدد 35، 36).
فيظهر من هذا الكلام ما هو مقام المسيحي
في العالم إن كان يقبل صليب المسيح
قانونًا لسلوكهِ. ما أشدّ الضلال أن خامر
قلوبنا الفكر أنهُ يمكن لنا أن نعيش
للمسيح حقيقةً وتخلو من الاضطهاد. 37
وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ
جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا
بِالَّذِي أَحَبَّنَا. (عدد
37).
أي كلما أشتدت علينا هذه الضيقات نتقوى
في الإيمان حتى إن ذات الشيء الذي ظهر
أنهُ يضعفنا ويتلفنا يؤول إلى نمّونا
نعم، وإلى غلبتنا. فلا نخف إذًا أيُّها
الأخوة المحبوبون من الضيقات
والاضطهادات، لأنها إنما تنشطنا لإلهنا
وتسرع بنا إلى حيث نريد أن نكون. كأننا في
سفينة ربانها قادر أن يأمر الرياح
فتطيعهُ فساعةً يسكنها وساعة يدعها
تهبُّ وعلى كل حال يرتبها حتى يسرع
بسيفنتهِ إلى المينا المرغوب. 38
فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ
لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ، وَلاَ
مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ
قُوَّاتِ، وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً
وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً، 39 وَلاَ
عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ
أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا
عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي
الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. (عدد 38، 39).
هذا هو هتاف النصرة وترنيمة الفرح اللذين
لا مزيد عليما إلى أن يبتلع الموت نفسهُ
إلى الغلبة. قد جمع الرسول في هذا القول
النهائي جميع ما يمكن أن يضرّنا أو
يصدّنا عن طريقنا مُصرحًا أن محبة الله
تنصرنا على جميع المُضادين من أي نوع كان.
الموت كان ضدنا كالأردن المُمتلئ إلى
جميع شطوطهِ يفصل بيننا وبين كنعان ضدنا
التي كنا نودّ أن نكون فيها ولكننا قد
عبرناهُ روحيًّا تحت قيادة رئيسنا
الأميين الذي سبقنا ونشف مياههُ الهائلة
فصار الموت الآن لنا لا ضدنا فأنهُ يفصل
بيننا وبين العالم ولا حدّ مثلهُ. وإن كنا
خائفين من بقاءنا في الحياة نظرًا إلى
مشقاتها العديد فها المسيح حياتنا يتكفل
بسلامتنا. ولا نخاف من الملائكة والرؤساء
والقوات جنود الشرّ المُصطفين قدمنا،
لأن رئيسهم قد انغلب من رئيسنا المُقتدر
فما علينا إلاَّ أن نقاومهُ راسخين في
الإيمان محتذرين من مكائدهِ فيهرب منا.
والأمور الحاضرة مهما كانت مرَّة
والمُستقبلة مهما كنا خائفين منها فكلها
تحت أمر الذي أحبنا، والعلو: فقد ارتفع
المسيح إلى الأعالي، والعمق: فقد انحدر
إلى أسفل القبر نعم، ومات تحت القضاء
العادل وأي حالة تكون أعمق من ذلك
وبالأحمال كل شيء يدخل تحت معنى كلمة
خليقة لا يقدر أن يفصلنا عن محبة إلهنا
الذي قصد أن يأتي ببنين كثيرين إلى المجد
ولن يندم. فمن يقاومنا لا يقاومنا نحن
فقط، بل يقاوم قصد إلهنا ومحبتهُ. مياه
كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول
لا تغمرها (نشيد الأنشاد 7:8). |
8 | 7 | 6 | 5 | 4 | 3 | 2 | 1 | المُقدمة |
16 | 15 | 14 | 13 | 12 | 11 | 10 | 9 |