لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

 تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الثاني

1 لِذلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا! 2 وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ دَيْنُونَةَ اللهِ هِيَ حَسَبُ الْحَقِّ عَلَى الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ. 3 أَفَتَظُنُّ هذَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ الَّذِي تَدِينُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ، وَأَنْتَ تَفْعَلُهَا، أَنَّكَ تَنْجُو مِنْ دَيْنُونَةِ اللهِ؟ (عدد 1-3). فكان الرسول في آخر الأصحاح الأول قد أشار إلى معرفة الناس بدينونة الله ضد فاعلي الشر وأما في هذا الأصحاح فيشرع يتكلم عن الذين فيهم هذه المعرفة بنوع خصوصي نظير الفلاسفة بين الوثنيين (عدد 1-16). ثم اليهود (عدد 17- … إلخ) ويستذنبهم لأنهم لا يستعملون معرفتهم إلاَّ لمُداينة الآخرين فبالحقيقة هذا أعظم برهان على رداءة الإنسان بحيث مُداومتهُ على نفس الشر الذي يعرف أنهُ مخالف لشريعة الله حاكمًا على الآخرين المرتكبين ذلك تظهر أنهُ مغلوب تمامًا ومسوق من شر قلبهِ وبحكمهِ على الآخرين يكون قد حكم على نفسهِ أيضًا. فالمعرفة لا تُخلص أصحابها من دينونة الله العادلة بل تزيدها لأن وجه الرب ضد فاعلي الشر وإن عشنا في ما نحن نحكم عليهِ في الآخرين نكون قد ختمنا على دينونتنا. كقولهِ: لأنك في ما تدين غيرك تحكم على نفسك لأنك أنت الذي يفعلون هكذا يستهينون بلطف الله وطول أناتهِ بحيث أنهُ تعالى قد أنعم عليهم بالنور ونية ضمائرهم نوعًا لكي يُميزوا بين الحق والبُطل ولم يأتوا بثمرٍ في سيرتهم إلاَّ التنكيت على الآخرين ومُداينتهم ولا ينفعهم ذلك أمام الله الذي يطلب الحق في الباطن ولا يمكن أن يرتضي بالكلمات الجميلة والتفلسفات ما لم تخرج من قلب تائب مُنكسر.

فبالحقيقة الفلسفة إن كانت وثنية أو مسيحية لا تعرف الله ولا يمكنها أن تتصوَّر محبتهُ ولذلك تنسى دينونتهُ سريعًا وهي أيضًا مكتفية بذاتها وغرضها الأعظم هو الإنسان لا الله فلذلك الفيلسوف يهمل لطف الله وطول أناتهِ لا بل يحتقرهما ومع انهُ يدَّعي بالحكمة ويتكلَّم كثيرًا عن الله وأعمالهِ وعن الإنسان وواجباتهِ لا يتوب بل يصرف قواهُ بلا ثمر ويموت في دائرة حماقتهِ كقول الرسول: 4 أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ 5 وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ. (عدد 4، 5) فدينونة الله لم تظهر بعد لأنهُ تعالى إلى الآن يُعامل العالم بموجب نعمتهِ لكنهُ قد عيَّن يومًا فيهِ يدين المسكونة وقد أعلن ذلك في العهد الجديد وعلى ذلك قول الرسول: مَنْ خالف ناموس موسى فعلى شاهدين أو ثلاثة شهود يموت بدون رأفة فكم عقابًا أشر تظنون أنهُ يحسب مستحقًّا مَنْ داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قُدِّس بهِ دنسًا وازدرى بروح النعمة (عبرانيين 28:10، 29) فالإنجيل أعلن نعمة الله العظيمة ولكن مع ذلك لا بد من إتيان دينونة عادلة حين يُجازي الله جميع الناس حسب أعمالهم كقولهِ هنا: 6 الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. 7 أَمَّا الَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَطْلُبُونَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ َالْبَقَاءَ، فَبِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. 8 وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحَزُّبِ، وَلاَ يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ لِلإِثْمِ، فَسَخَطٌ وَغَضَبٌ، 9 شِدَّةٌ وَضِيقٌ، عَلَى كُلِّ نَفْسِ إِنْسَانٍ يَفْعَلُ الشَّرَّ: الْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ الْيُونَانِيِّ. 10 وَمَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلاَمٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْعَلُ الصَّلاَحَ: الْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ الْيُونَانِيِّ. 11 لأَنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ مُحَابَاةٌ. (عدد 6-11) فيوضح الرسول في هذه العبارة الشديدة الأهمية المبادئ المُطلقة غير المتغيرة المُتعلقة بإجراء القضاء الإلهي لأن ليس عند الله محاباة والزمان والمكان والجنسية لا تجعل فرقًا عندهُ لأنهُ يقضي بالحق والعدل ولا يعطي المجد والكرامة والحياة الأبدية ‘أي التمتع بالحياة الأبدية في المجد’ إلاَّ لمَنْ طاوع للحق أي آمن بهِ وسلك بموجبهِ. قال بطرس الرسول: بالحق أنا أجد أن الله لا يقبل الوجوه بل في كل أُمة الذي يتقيهِ ويصنع البر مقبول عندهُ (أعمال الرسل 34:10، 35). غير إننا نعلم من شهادات أخر من الكتاب أن الأعمال الصالحة لا تصير في الإنسان إلاَّ من ثمر نعمتهِ تعالى العاملة فيهِ. فلا يوجد إذ ذاك اختلاف بين كلام الرسول في هذه العبارة وكلامهِ المتضمن في نفس هذه الرسالة (أصحاح 16:1، 17؛ أصحاح 21:3 … إلخ). لأنهُ كلمة الله إذا قُبلت بالإيمان فلا بد أن تأتي بثمر كثير أو قليل في المؤمن انظر مثل الزارع (مَتَّى 8:13). إذا سأل أحد معترضًا أي ثمر ظهر في ذلك اللص الذي تاب وخلص وهو على آخر نسمة من حياتهِ، نقول: أنهُ ظهرت منهُ أثمار جيدة وجميلة جدًّا إذ آمن واعترف بالمسيح وهو مرفوض ومُهان من الجميع حتى تلاميذه كانوا قد تركوهُ وواحد منهم أنكرهُ وكان العالم يستهزئون بهِ وأما ذلك اللص الذي كان قد صرف حياتهُ بالبُطل فانتبه بنعمة الله واعترف بأنهُ هو قد عوقب بالعدل وبأن المسيح لم يفعل شيئًا في محلهِ ثم طلب أن يكون معهُ في ملكوتهِ مع أنهُ كان في وقتهِ مطرودًا من ملكوتهِ الأرضي ولم يكن قد حصل على مجده السماوي فبإيمانهِ هذا أظهر علنًا أنهُ من الذين يُطاوعون الحق ويطلبون المجد السماوي.

إنهُ لأمرٌ مؤكد أن المؤمنين لن يدخلوا في الدينونة (يوحنا 14:5؛ رومية 1:8) نعم إنهم سيظهرون أمام كرسي المسيح لكي يعطوا حسابًا كل واحد عن نفسهِ (رومية 9:14؛ كورنثوس الثانية 10:5) ولكنهم يكونون في ذلك الوقت في المجد لابسين أجسادًا على شبه صورة جسد مجد ربهم ولا شك أن المسيح يحاسبهم بالحق وإذ ذاك لا يُخالف المبادئ المُطلقة المتضمنة في الكلام الذي نحن في صددهِ فإن هذه هي المبادئ التي يتعلق عليها القضاء الإلهي الأبدي سواء كان في مكافأة المؤمنين أو عقاب غير المؤمنين وأما من جهة الحياة الأبدية فهي هبة الله المعطاة لنا الآن بالإيمان (رومية 23:6) وليست هي من المكافيات أصالة على أن تمتعنا بها فيما بعد في حالة المجد بدون عائق أو كدر يعتبر جزاء ولكن ذلك نظير جميع المكافيات الإلهية الأخرى إنما يكون من نعمة الله المجانية فإن جميع الذين يدخلون المجد يكونون قد تبرروا وخلصوا بدم المسيح كما يظهر ذلك من هذه الرسالة نفسها ولكنهم الآن سالكون في الطريق الذي يؤدي إلى المجد لأن المسيح هو الطريق سيصلون إلى المجد بدون شك (مَتَّى 13:7، 14؛ يوحنا 29:5) فلذلك كلام الرسول هنا كأنك قلت عن طريق ما هذا هو الطريق المؤدي إلى دمشق مثلاً وإن الذين يتتبعونهُ يصلون إلى هناك بدون أن تقول: كيف عرفوا الطريق؟ أو مَنْ ساعدهم ليستمروا سالكين فيهِ إلى النهاية؟

12 لأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ النَّامُوسِ فَبِدُونِ النَّامُوسِ يَهْلِكُ. وَكُلُّ مَنْ أَخْطَأَ فِي النَّامُوسِ فَبِالنَّامُوسِ يُدَانُ. (عدد 12). يقسم الرسول جميع الناس إلى قسمين فالقسم الواحد يشتمل على الذين كان الله قد أعطاهم ناموسهُ وهم اليهود وأما القسم الآخر فيشتمل على الأُمم ويقول:

 أولاً- عن اليهود 13 لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ. (عدد 13)، أن وجود الناموس بين أيديهم وافتخارهم بهِ واحتقارهم من ليس عنده هذه الامتيازات لا يفيدهم سوى زيادة الدينونة ما لم يأتوا بثمر لأن الناموس يُصرح بلعنة على كل مَنْ لا يعمل حسب كل ما هو مكتوب فيهِ وحاشا إن قضاء الله يُناقض أقوالهُ.

ثانيًا- عن الأُمم  14 لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ، مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ، فَهؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ. (عدد 14)، إنهُ يمكن للإنسان الأُممي أن يعمل بعض أعمال مطابقة للناموس بموجب نور الطبيعة وإذ ذاك فهو ناموس أو دليل لنفسهِ. مثلاً كان يمكن فإنسان وثني أن يدرك أن السرقة حرام ويمتنع عنها أو وجوب تقديم الكرامة لوالديه فيكرمهما وإذا عمل هكذا يكون ضميرهُ وأفكارهُ تتحرك على حسب هذا المبدأ وتُريحهُ إذا مارس الحلال وتشتكي عليهِ إذا عمل الحرام فيكون إذ ذاك عمل الناموس مكتوبًا في قلبهِ كقول الرسول: 15 الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوبًا فِي قُلُوبِهِمْ، شَاهِدًا أَيْضًا ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً. (عدد 15). فيجب أن نلاحظ جيدًا أن الرسول لا يقول: أن الناموس نفسهُ مكتوب في قلب الأُممي السالك حسب نور الطبيعة بل عمل الناموس. لأن لفظة. مكتوبًا حال من عمل. وقد أخطأ البعض باقتباسهم هذه الآية أما بسوء المفهومية أو سهوًّا كأن الرسول قد قال: أن الناموس نفسهُ مكتوب في قلوب الأُمم وقد بنوا عليها تعليمًا وسيعًا غير صحيح ولكن لا يُخفى الفرق العظيم بين التأويلين لأنهُ إن كان الناموس مكتوبًا في قلوب الأُمم يكون ذلك من أعزّ البركات المختصة بالعهد الجديد التي تمت فينا بواسطة الولادة الثانية انظر (عبرانيين 10:8-12) والتي سوف تتم في بني إسرائيل فيما بعد (إرميا 31:31-34) وذلك خلاف الواقع. وأما إن كان عمل الناموس أي شيء من مطلوباته هو المكتوب في قلب الإنسان الأُممي المنتبه إلى نور الطبيعة فهذا مما يصير أحيانًا بين الذين لم يبلغهم نور الوحي كما لا يخفى.

16 فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ. (عدد 16). فهذا العدد مقترن مع (عدد 12) والكلام الداخل بينهما كجملة معترضة يصح أن يوضع بين قوسين وقد تقدم شرحهُ.

17 هُوَذَا أَنْتَ تُسَمَّى يَهُودِيًّا، وَتَتَّكِلُ عَلَى النَّامُوسِ، وَتَفْتَخِرُ بِاللهِ، 18 وَتَعْرِفُ مَشِيئَتَهُ، وَتُمَيِّزُ الأُمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، مُتَعَلِّمًا مِنَ النَّامُوسِ. 19 وَتَثِقُ أَنَّكَ قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ، وَنُورٌ لِلَّذِينَ فِي الظُّلْمَةِ، 20 وَمُهَذِّبٌ لِلأَغْبِيَاءِ، وَمُعَلِّمٌ لِلأَطْفَالِ، وَلَكَ صُورَةُ الْعِلْمِ وَالْحَقِّ فِي النَّامُوسِ. 21 فَأَنْتَ إِذًا الَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ، أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟ الَّذِي تَكْرِزُ: أَنْ لاَ يُسْرَقَ، أَتَسْرِقُ؟ 22 الَّذِي تَقُولُ: أَنْ لاَ يُزْنَى، أَتَزْنِي؟ الَّذِي تَسْتَكْرِهُ الأَوْثَانَ، أَتَسْرِقُ الْهَيَاكِلَ؟ 23 الَّذِي تَفْتَخِرُ بِالنَّامُوسِ، أَبِتَعَدِّي النَّامُوسِ تُهِينُ اللهَ؟ (عدد17-23). فبهذا الكلام يوبخ الرسول اليهودي الذي لم يستفد من الامتيازات التي امتاز بها إلاَّ الافتخار بنفسهِ واحتقار الآخرين وأنهُ من معلوم أن جميع اليهود كانوا واثقين بأنفسهم أنهم أبرار محتقرين الآخرين لأنهم عوض أن يأتوا بالثمر اللائق بامتيازاتهم افتخروا كأنهم أخذوها لكونهم أفضل من بقية الأُمم واستعملوها سترًا لشرورهم كان الناموس قد قال: أن يحبوا قريبهم مثل أنفسهم ولكنهم ظلموا بعضهم البعض خصوصًا الأغنياء فإنهم سحقوا الفقراء. انظر شهادة يوحنا المعمدان (مَتَّى أصحاح 3) وأيضًا شهادة يعقوب في رسالتهِ (أصحاح 2، 3، 4، 5) حيث يوجد ما يدل على سوء تصرفاتهم مع بعضهم ومع أن الله كان قد سلَّط عليهم الأجانب تأديبًا لهم لم يتوبوا ولم ينتبهوا إلى الحالة التي كانوا قد وصلوا إليها بل استمروا على ما كانوا عليهِ من الافتخار الباطل بسبب امتيازاتهم القديمة وامتلاكهم شريعة الله مع أنهم جلبوا إهانة على اسم الله بواسطة سوء عملهم وكان الأنبياء القدماء قد شهدوا عليهم بهذا الخصوص كقول الرسول: 24 لأَنَّ اسْمَ اللهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ. (عدد 24). فأشار بذلك إلى أقوال الأنبياء خصوصًا (إشعياء 5:52؛ حزقيال 20:36-23).

25 فَإِنَّ الْخِتَانَ يَنْفَعُ إِنْ عَمِلْتَ بِالنَّامُوسِ. وَلكِنْ إِنْ كُنْتَ مُتَعَدِّيًا النَّامُوسَ، فَقَدْ صَارَ خِتَانُكَ غُرْلَةً! 26 إِذًا إِنْ كَانَ الأَغْرَلُ يَحْفَظُ أَحْكَامَ النَّامُوسِ، أَفَمَا تُحْسَبُ غُرْلَتُهُ خِتَانًا؟ (عدد 25، 26). إن الختان عبارة عن جميع امتيازاتهم التي ميزهم الله بها عن بقية الأُمم وفحوى كلامه أن الإنسان الأُممي الذي لم يحصل على تلك الامتيازات إذا سلك سلوكًا مستقيمًا يُعتبر عند الله أفضل من اليهودي الذي لم يستعمل بركات الله إلاَّ للافتخار وسترًا لشرورهِ لأن الله يسرُّ بالحق في الباطن ولا يكتفي بالاسم والادعاء الباطل فإن الختان النافع عندهُ ليس ممارسة الطقوس والفرائض الخارجية بل انفصال القلب عن الإثم والعيشة التقوية لنظر الله في الخفاء كما في الظاهر أيضًا فاليهودي المُتصرف هكذا يفوز بالمدح من الله ولا يحتاج أن يمدح نفسهُ.

27 وَتَكُونُ الْغُرْلَةُ الَّتِي مِنَ الطَّبِيعَةِ، وَهِيَ تُكَمِّلُ النَّامُوسَ، تَدِينُكَ أَنْتَ الَّذِي فِي الْكِتَابِ وَالْخِتَانِ تَتَعَدَّى النَّامُوسَ؟ 28 لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيًّا، وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَانًا، 29 بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ، وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ، الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ. (عدد 27-29). إن الرسول بهذا الكلام إنما يتحاجُّ مع اليهود حسب مبادئهم الخاصة وليس مقصدهُ أن يوضح لنا طريق الخلاص ولا كيف نقدر أن نحصل على النجاة من قوة الخطية لأن لا شيء من ذلك يأتينا من الناموس كما سيبان مما يأتي. فإن الناموس لا يفيدنا سوى معرفة الخطية. لا شك لو سلك الأُمم حسب نور الطبيعة لكانوا أفضل من اليهود الذين كان لهم الناموس وخالفوهُ، والحاصل أن الأُمم لم يتصرفوا حسب النور الموجود عندهم كما تقدم (في أصحاح 1) وكذلك اليهود خالفوا نور الوحي الموجود عندهم لذلك أصبح الجميع مجرمين أمام الله. قد اتضح:

أولاً- قضاء الله العادل على الخطية وأن فاعل الإثم لا ينجو من ذلك وإنهُ إن كان الآن حسب الظاهر امتزاجٌ بين الحق والبُطل وبين الحلال والحرام لا يدوم ذلك إلى الأبد لأن الله مزمع أن يظهر في يوم العقاب الفرق بين فاعل الخير وفاعل الإثم.

ثانيًا- أن لطف الله وطول أناتهِ ظاهران الآن نحو العالم فإنهُ فتح بابًا للخلاص ويدعو الجميع للتوبة ولكنهُ لا يتأنى عليهم إلى الأبد. إن كان مَنْ يستمرُّ على عمل الإثم يخدع نفسهُ مجتهدًا أن ينسى دينونة الله التي لا بد منها ويحتقر لطفهُ وطول أناتهِ ولكن يوم العقاب سيكشف لهُ غلطة ويُغطيهِ بالخزي الأبدي. لأن الرب يعلم طريق الأبرار أما طريق الأشرار فتهللك (مزمور 6:1).

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة