لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

 تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الخامس عشر

1 فَيَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ، وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا. (عدد 1). يجمع الرسول ذاتهُ مع الأقوياء ويستنتج هذه النتيجة الجميلة الإيجابية مما سبق فأوضحهُ بخصوص الواجبات المُتبادلة. لا بد من وجود أقوياء وضعفاء في كنيسة الله في كل حين. والبرهان على أننا من الأقوياء، هو أننا نقدر أن نحتمل أضعاف إخوتنا الضعفاء ولا نُرضي أنفسنا. مهما كان واحدًا متقدمًا في المعرفة لا نحسبهُ من الأقوياء ما لم يُظهر علامات الوداعة والتواضع والرفق وطول أناة نحو إخوتهِ لا شك أننا نودُّ طبعًا أن نُحسب بين المُتقدمين ولكن الجائزة في هذا السباق الروحي ليست لمَنْ يمدح نفسهُ بل للذي يتمثل بقدوة السيد. 2 فَلْيُرْضِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَرِيبَهُ لِلْخَيْرِ، لأَجْلِ الْبُنْيَانِ. (عدد 2). ليس المعنى أننا نُرضي إخوتنا في الأمور الجسدية، بل يُرضي كل واحدٍ قريبهُ أي أخاهُ للخير، لأجل البُنيان لأنهُ من الأمور الممكنة أن إخوتك يطلبون منك أن ترضيهم في ما يوافق أفكارهم وما لا أساس لهُ في كلمة الله. فإذ ذاك لا تقدر أن ترضيهم لأنهُ للشرّ لا للخير. 3 لأَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا لَمْ يُرْضِ نَفْسَهُ، بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«تَعْيِيرَاتُ مُعَيِّرِيكَ وَقَعَتْ عَلَيَّ». (عدد 3). المسيح ذاتهُ لهُ المجد هو قدوتنا لنكران الذات والطاعة لله والمحبة للآخرين. كان هنا كإنسان يعيش بكل كلمة تخرج من فم الله ومع ذلك كثرت التعييرات عليهِ. ولا بد من ذلك لنا أيضًا إن سلكنا سلوك الطاعة والمحبة. لأننا سائرون في وسط الناس المتمردين على الله الذين لا يطيقون مُشاهدتنا حال كوننا عاملين أعمالنا الصالحة طاعة لإرادة الله. الأعمال الحسنة بذاتها لا تُهيج بُغضهم، لأنهم يُريدون أن ينتفعوا بها وإن عملناها لأجل غايات كالافتخار واكتساب أتباع لآرائنا الدينية لا يُعيّروننا ولكن إذا عملناها طاعةً للرب حقيقةً لا بد من التعييرات. علينا أن لا نعطيهم سببًا آخر للافتراء علينا سوى طاعتنا لله. ثم عندما ذكر الرسول قدوة المسيح والتعييرات التي احتملها من الناس خاصةً من رؤساء الذين تذكَّر أيضًا حالتنا نحن من جهة هذا الأمر بعينهِ وبادر إلى ذكر مصدر تعزيتنا. ». 4 لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ. (عدد 4). ما أشدُّ إلهنا شفقةً لنا! وما أوفر الوسائط التي رتبها لتعليمنا وتعزيتنا! لو لم يُخبرنا بصريح اللفظ ماذا ينبغي أن ننتظر من الناس حال كوننا سالكين في الطاعة والمحبة لكنا نسقط في حيرة لا تُحتمل بحيث إننا لم نكن نظن أن العالم لا سيما العالم الديني يُعيروننا بسبب سلوك وديع وحسن. طريقنا طريق المحبة والامتثال بذاك الذي لم يُرضِ نفسهُ في شيء ومع ذلك نال البُغض لأجل محبتهِ والإهانة لأجل لطفهِ. ويكفي التلميذ أن يكون كمُعلمهِ. الرجاء هنا رجاؤنا بأننا نخلص من الضيقات ونفوز بالراحة الكاملة عند مجيء الرب راجع (أصحاح 2:5-5).

5 وَلْيُعْطِكُمْ إِلهُ الصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ أَنْ تَهْتَمُّوا اهْتِمَامًا وَاحِدًا فِيمَا بَيْنَكُمْ، بِحَسَبِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ (عدد 5). يُقال لله هنا إله الصبر والتعزية، ما أعظم صبرهُ معنا جميعًا! وما أليق لقبهُ إله التعزية! أيضًا بالنظر إلى عطفهِ إذ يحتملنا كأبٍ حنون مع أننا كثيرًا ما نُظهر جهالة قلوبنا وغباوتها، نعم وينتهز فرصة من ضيقاتنا العديدة ليُعزينا ويؤكد لنا محبتهُ الفائقة غير المُنقطعة. يُطيل أناتهُ علينا حتى ونحن عديمو الصبر للآخرين. 6 لِكَيْ تُمَجِّدُوا اللهَ أَبَا رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَفَمٍ وَاحِدٍ. 7 لِذلِكَ اقْبَلُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا قَبِلَنَا، لِمَجْدِ اللهِ. (عدد 6، 7). ينهي الرسول بهذا الكلام خطابهُ العملي الذي ابتدأ بهِ (أصحاح 1:12) حيث أشار إلى رأفة الله لنا بالمسيح وكما أبداهُ كذلك أنهاهُ. قبلنا المسيح ليس نظرًا إلى استحقاقنا، بل إلى مجد الله. وعلينا نحن أيضًا أن نقبل بعضنا بعضًا على هذا القانون بعينهِ.

8 وَأَقُولُ: إِنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ قَدْ صَارَ خَادِمَ الْخِتَانِ، مِنْ أَجْلِ صِدْقِ اللهِ، حَتَّى يُثَبِّتَ مَوَاعِيدَ الآبَاءِ. 9 وَأَمَّا الأُمَمُ فَمَجَّدُوا اللهَ مِنْ أَجْلِ الرَّحْمَةِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«مِنْ أَجْلِ ذلِكَ سَأَحْمَدُكَ فِي الأُمَمِ وَأُرَتِّلُ لاسْمِكَ» 10 وَيَقُولُ أَيْضًا:«تَهَلَّلُوا أَيُّهَا الأُمَمُ مَعَ شَعْبِهِ» 11 وَأَيْضًا:«سَبِّحُوا الرَّبَّ يَا جَمِيعَ الأُمَمِ، وَامْدَحُوهُ يَا جَمِيعَ الشُّعُوبِ» 12 وَأَيْضًا يَقُولُ إِشَعْيَاءُ:«سَيَكُونُ أَصْلُ يَسَّى وَالْقَائِمُ لِيَسُودَ عَلَى الأُمَمِ، عَلَيْهِ سَيَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ». (عدد 8-12). يُشير بالاختصار هنا إلى مضمون هذه الرسالة، أي أن الله قد أظهر رحمتهُ لليهود والأُمم على السوية. كانت لأولئك المواعيد التي بموجبها حضر المسيح بينهم، وأما هؤلاء فكانوا غرباء عنها لا حق لهم فيها حسب الحقوق الأرضية، ولكن بلَّغهم الله بشارتهُ بموجب نعمتهِ المُطلقة السماوية. وكان الله قد لمَّح إلى ذلك في بعض النبوات القديمة كما يظهر من بعض الشهادات الواردة التي فحواها أن الله مزمع أن يفتقد الأُمم ويُفرحهم بفرح شعبهِ إسرائيل.

13 وَلْيَمْلأْكُمْ إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ. (عدد 13). أن الإيمان المسيحي يرفعنا فوق المسائل المُتعلقة بالجنسية والمُمايزة بين درجات المعرفة المُتفاوتة، نعم وفوق كل ما يُقدِّم أسبابًا للافتخار العالمي ويملأنا بما هو من السماء وما في السماء حيث لا يوجد إلاَّ كل ما هو طاهر ومُفرح. ما أحزن أحوال الذين دُعي اسم المسيح عليهم! حين يهتمُّون بما هو على الأرض ويتصرفون كالذين نصيبهم في هذه الدنيا الزائلة. كل مَنْ يعتبر الجنسية في كنيسة الله ويُحابي الوجوه لا يعرف الإيمان المسيحي حق المعرفة. فإنهُ يفتخر بالإفتراقات الناشئة عن الخطية ويتعظَّم في الأشياء المرفوضة عند الله والمًهينة لنعمتهِ. ماذا نحن أمام هذه النعمة العظيمة التي تنازلت ورفعتنا من المزبلة، لا بل خطفتنا كمشعلة من نار جهنم. هل يليق بنا أن نرفع وجوهنا كأننا شيء؟ حاشا وكلاَّ! بل كلما تقدمنا روحيًّا نتواضع أكثر مُتذكرين بأن أكبرنا أو أصغرنا حسب فكر الناس ليس إلاَّ دودًا مُتمردًا قد فاز بخلاص نفسهِ مجانًا بدم ابن الله. وإن طلبنا المُمايزة في كنيستهِ، يجب أن نطلبها بطريق التواضع المُتزايد واحتمال إخوتنا وخدمتهم وعوضًا عن أن نرغب المتكأ الأول نتسابق معًا في مَنْ منا يشغل الموضع الأخير. ولكن إن قصدناهُ لا نقدر أن نجلس فيهِ أبدًا، لأنهُ مشغول قبلاً لأن سيدنا نفسهُ لهُ المجد جالس فيهِ. مع أنهُ الآن في المجد الأعلى لم يترك هذا الموضع بين إخوتهِ إذ يخدمهم من لطفهِ ويغسل أرجلهم في الطريق ويحملهم إلى المجد الأبدي. نعم وبعد وصولنا إليهِ يتمنطق ويتقدم ويخدمنا أيضًا. حقًّا لهُ التقدُّم والفضل في كل شيء، ما أعظم الخجل الذي سيكون لكل مَنْ يرفع نفسهُ تحت اسم المسيح عند ظهورنا أمام كرسي مجد المسيح! لأن كل التمييزات الجسدية ستظهر صغيرة جدًّا وحقيرة في ذلك النور الساطع المُبين كل عمل كما هو. الذي يرفع نفسهُ تحت اسم المسيح هو أجهل الناس وأحمقهم وقد فقد البصر العالمي من جهة الأمور اللائقة ولم يحصل على البصر الروحي.

14 وَأَنَا نَفْسِي أَيْضًا مُتَيَقِّنٌ مِنْ جِهَتِكُمْ، يَاإِخْوَتِي، أَنَّكُمْ أَنْتُمْ مَشْحُونُونَ صَلاَحًا، وَمَمْلُوؤُونَ كُلَّ عِلْمٍ، قَادِرُونَ أَنْ يُنْذِرَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. (عدد 14). لم يكن الرسول قد زارهم وليس في كلامهِ ذكر لوجود قسيس أو مُبشر رسمي بينهم ومع ذلك كانوا قادرين أن يبنوا بعضهم بعضًا بغاية الحرية المُقدسة في المسيح. 15 وَلكِنْ بِأَكْثَرِ جَسَارَةٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ جُزْئِيًّا أَيُّهَا الإِخْوَةُ، كَمُذَكِّرٍ لَكُمْ، بِسَبَبِ النِّعْمَةِ الَّتِي وُهِبَتْ لِي مِنَ اللهِ، (عدد 15). راجع (أصحاح 8:1-16). 16 حَتَّى أَكُونَ خَادِمًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ الأُمَمِ، مُبَاشِرًا لإِنْجِيلِ اللهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولاً مُقَدَّسًا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. (عدد 16). كان يخدم بالإنجيل بين الأمم لكي يُقدّمهم لله كما قدَّم هارون الكاهن اللاويين قربانًا لله. انظر (عدد 11:8)، لذلك عبَّر عن خدمتهِ هذه كخدمة كاهن. قد ظنَّ البعض أن هذا الكلام مما يبرهن أن خادم الإنجيل هو كاهن ولكن ليس معناهُ هكذا بتةً. يوجد كهنوت مسيحي مذكور بصريح اللفظ (عبرانيين 19:10-22؛ بطرس الأولى 5:2-9؛ رؤيا 6:1). لكنهُ للمؤمنين جميعًا لا لبولس وحدهُ ولا لسائر خدام الكلمة مهما كانوا. قربان الأُمم، ليس قربانًا يقدَّم منهم، بل إياهم ذواتهم حال كونهم مقدَّمين مفرزين لله ومقدَّسين بالروح القدس. كان بولس يجتهد أن يجعلهم مُطيعين للإيمان راجع (أصحاح 5:1) لا يجوز امتزاج الكهنوت الذي لكل مؤمن مع خدمة الإنجيل. لا شك بأن الله يُعطي البعض مواهب روحية دون غيرهم، لأجل التبشير والتعليم وما شاكل ذلك وكان بولس أول واحد من أصحاب هذه المواهب لكن لا يعني ذلك شيئًا في الكهنوت. ومهما كانت مواهبهم ظاهرة ونافعة فليسوا هم أقرب إلى الله من أخوتهم. لأننا صلانا جميعًا قريبين لله ليس بواسطة شيء من الخدمة بل بدم المسيح.

17 فَلِي افْتِخَارٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ مِنْ جِهَةِ مَا ِللهِ. 18 لأَنِّي لاَ أَجْسُرُ أَنْ أَتَكَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا لَمْ يَفْعَلْهُ الْمَسِيحُ بِوَاسِطَتِي لأَجْلِ إِطَاعَةِ الأُمَمِ، بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، 19 بِقُوَّةِ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، بِقُوَّةِ رُوحِ اللهِ. حَتَّى إِنِّي مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمَا حَوْلَهَا إِلَى إِللِّيرِيكُونَ، قَدْ أَكْمَلْتُ التَّبْشِيرَ بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ. 20 وَلكِنْ كُنْتُ مُحْتَرِصًا أَنْ أُبَشِّرَ هكَذَا: لَيْسَ حَيْثُ سُمِّيَ الْمَسِيحُ، لِئَلاَّ أَبْنِيَ عَلَى أَسَاسٍ لآخَرَ. 21 بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «الَّذِينَ لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ سَيُبْصِرُونَ، وَالَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوا سَيَفْهَمُونَ». (عدد 17-21). يذكر هنا النجاح الذي صار لخدمتهِ ودائرة أتعابهِ إذ اجتهد في خدمتهِ بين الذين لم يكن خبر الإنجيل قد بلغهم وأظهر غيرة شديدة حميدة. إن كان أحد الآن مملوءًا غيرة كهذه فلهُ الفضل إن كان يتوجه نحو الوثنيين، وإن كنا نتعب بين النصارى يجب أن نخدم كل واحد حسب النعمة المعطاة لهُ من الرب. غير أنهُ ينبغي أن نتذكر بأننا نبني على أساس لآخر. لأن الذين نخدم بينهم كانوا نصارى قبل دخولنا في وسطهم. ربما كانوا جهلاء ولنا الفضل إن كنا نُعلمهم أكثر فقط لا ندَّعي بأننا وضعنا الأساس. لا نقدر أن ننصرّهم من جديد ولا نقدر أن نؤسس الكنيسة المسيحية، لأنها تأسست من زمان الرسل ومَنْ نحن حتى نُجدّد تأسيسها. إن نطقنا بكلام كهذا إنما نُظهر جهالتنا ما هي الكنيسة ونتعرّض لِما لا يُعنينا. لم تزل الكنيسة موجودة مع أنها في حالة سيئة، لا نقد أن نُنظمها ولا أن نُصلحها. على أنهُ يمكننا بنعمة الله أن نصلح أنفسنا ثم نسعى لبنيان إخوتنا على قدر ما يتيسر لنا من الله. وإن كنا قد خدمنا في موضعٍ ما وبارك الرب على أتعابنا لا يجوز أن نقول: هذا الموضع حقلنا الخاص، لأن النفوس للرب لا لنا. نعم إن ظهر في وسطنا تعليم فاسد يجب أن ندحضهُ على قدر الإمكان بكلمة الله ولكن ليس على مبدأ أن الحقل يتعلق بنا وحدنا فإذ ذاك ليس لغيرنا حق الدخول إليهِ.

22 لِذلِكَ كُنْتُ أُعَاقُ الْمِرَارَ الْكَثِيرَةَ عَنِ الْمَجِيءِ إِلَيْكُمْ. 23 وَأَمَّا الآنَ فَإِذْ لَيْسَ لِي مَكَانٌ بَعْدُ فِي هذِهِ الأَقَالِيمِ، وَلِي اشْتِيَاقٌ إِلَى الْمَجِيءِ إِلَيْكُمْ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ، 24 فَعِنْدَمَا أَذْهَبُ إِلَى اسْبَانِيَا آتِي إِلَيْكُمْ. لأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَرَاكُمْ فِي مُرُورِي وَتُشَيِّعُونِي إِلَى هُنَاكَ، إِنْ تَمَلاَّءْتُ أَوَّلاً مِنْكُمْ جُزْئِيًّا. 25 وَلكِنِ الآنَ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَخْدِمَ الْقِدِّيسِينَ، 26 لأَنَّ أَهْلَ مَكِدُونِيَّةَ وَأَخَائِيَةَ اسْتَحْسَنُوا أَنْ يَصْنَعُوا تَوْزِيعًا لِفُقَرَاءِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. 27 اسْتَحْسَنُوا ذلِكَ، وَإِنَّهُمْ لَهُمْ مَدْيُونُونَ! لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الأُمَمُ قَدِ اشْتَرَكُوا فِي رُوحِيَّاتِهِمْ، يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَخْدِمُوهُمْ فِي الْجَسَدِيَّاتِ أَيْضًا. 28 فَمَتَى أَكْمَلْتُ ذلِكَ، وَخَتَمْتُ لَهُمْ هذَا الثَّمَرَ، فَسَأَمْضِي مَارًّا بِكُمْ إِلَى اسْبَانِيَا. 29 وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي إِذَا جِئْتُ إِلَيْكُمْ، سَأَجِيءُ فِي مِلْءِ بَرَكَةِ إِنْجِيلِ الْمَسِيحِ. (عدد 22-29). كان قاصدًا الذهاب إلى أسبانيا ورجا أن يمرَّ برومية. كان قد أكمل خدمتهُ الخاصة في المواضع المذكورة وصار يشتاق إلى مُشاهدة هؤلاء القديسين، ثم بعد ذلك يتقدم غربًا إلى الأقاليم الخالية من معرفة إنجيل الله. يوجد مكان وزمان مناسبان لخدمة كل خادم حقيقي للرب الذي وحدهُ يقدر أن يرشد خدامهُ ويُعرّف كل واحد ما هي الخدمة المطلوبة منهُ والمكان المناسب لها. ينبغي أن نكون روحيين، لكي نقدر أن نعرف إرشادات الرب لأنهُ لا يرشدنا بطريق يغنينا عن ذلك. لا يقدر واحد مهما كان روحيًّا أن يرشد غيرهُ لأنهُ يكفيهِ أن يحصل على الإرشاد لنفسهِ. يمكننا أن نستفيد جميعنا من نصائح إخوتنا خاصة من صلواتهم لأجلنا.

قد اتضح عظم فاعلية الإنجيل في الذين آمنوا بين الأُمم إذ اشتاقوا حبًّا لإخوتهم من اليهود الذين انتشر الإنجيل منهم في الأول وحسبوا أنفسهم مديونين لهم وقدموا مساعدة لفقرائهم. وقد انعكس الأمر في أيامنا تمامًا، لأن المركز التي ينتشر منها الإنجيل تستمرُّ تقدم الدراهم والمساعدة الزمنية للذين تبلغهم الإنجيل أيضًا. والمظنون أنها ملزومة بذلك. ولكنهُ من العلامات المحزنة الدالة على ضعفنا الروحي وقلة فاعلية الإنجيل بواسطتنا. نصرف مبالغ من الدراهم لنكتسب دخيلاً واحدًا وأكثر من ذلك لنحفظهُ. فالأليق بأن نُخجل نحن ودخلاؤُّنا جميعًا. وعوضًا عن الافتخار نعترف للرب أننا في حالة أعظم الضعف روحيًّا. قد ولدنا أولادًا فها هم في صورتنا وشبهنا.

30 فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَبِمَحَبَّةِ الرُّوحِ، أَنْ تُجَاهِدُوا مَعِي فِي الصَّلَوَاتِ مِنْ أَجْلِي إِلَى اللهِ، 31 لِكَيْ أُنْقَذَ مِنَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ فِي الْيَهُودِيَّةِ، وَلِكَيْ تَكُونَ خِدْمَتِي لأَجْلِ أُورُشَلِيمَ مَقْبُولَةً عِنْدَ الْقِدِّيسِينَ، 32 حَتَّى أَجِيءَ إِلَيْكُمْ بِفَرَحٍ بِإِرَادَةِ اللهِ، وَأَسْتَرِيحَ مَعَكُمْ. 33 إِلهُ السَّلاَمِ مَعَكُمْ أَجْمَعِينَ. آمِينَ. (عدد 30-33). كان بولس ذاهبًا وقت كتابة هذه الرسالة إلى أورشليم لتأدية المساعدة لفقراء القديسين. كان ذلك خدمة تتعلق بشماس لا برسول، ولكنهُ أراد أن يُبرهن محبتهُ لأُمتهِ بكل الوسائط راجع (أصحاح 1:9، 2). ثم عندما كان صاعدًا أنذرهُ الروح مرة بعد أخرى أن لا يصعد إلى هناك لكنهُ صعد ووقع في أيدي غير المؤمنين اللذين كان خائفًا منهم لأنهُ لم يكن لهُ قبول في خدمتهِ في كنائس أورشليم واليهودية، لأنهم كانوا تحت مفاعيل الناموس ولم يستحسنوا التعليم الذي ينقذنا من الناموس والعالم ومن ذواتنا أيضًا. لا نعرف ماذا صار مع الدراهم التي تعب بولس في إيصالها للقديسين الفقراء. الأرجح أنهم قبضوها ولكنهم لم يقبلوا تعليم أخيهم المُحب الذي بعثها إليهم نعرف أن يعقوب والشيوخ نصحوهُ نصائح أوقعتهُ في نفس الفخ الذي كان خائفًا منهُ إذ قالوا لهُ يجب أن يظهر ذاتهُ يهوديًّا سالكًا قانونيًّا مثل الغيورين للناموس. فعمل كذلك ودخل الهيكل ذلك البيت الذي كان من زمان خاليًا من زينتهِ البهيجة ومتروكًا من الله. نظرهُ اليهود غير المؤمنين وهو في الهيكل مُطهرًا بموجب الطقوس الفارغة التي كان قد ألغاها بتعليمهِ بين الأُمم فحاولوا قتلهُ. ولكن الرب لم يترك عبدهُ العزيز بل وقف معهُ ونجاهُ. وأما يعقوب والشيوخ فلا نسمع عنهم أنهم مدُّوا أيديهم ليُساعدوهُ في المُصيبة التي كانوا قد ألقوهُ فيها.

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة