لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

 تفسير إنجيل لوقا

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الثالث والعشرون

1 فَقَامَ كُلُّ جُمْهُورِهِمْ وَجَاءُوا بِهِ إِلَى بِيلاَطُسَ، 2 وَابْتَدَأُوا يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ:«إِنَّنَا وَجَدْنَا هذَا يُفْسِدُ الأُمَّةَ، وَيَمْنَعُ أَنْ تُعْطَى جِزْيَةٌ لِقَيْصَرَ، قَائِلاً: إِنَّهُ هُوَ مَسِيحٌ مَلِكٌ». 3 فَسَأَلَهُ بِيلاَطُسُ قِائِلاً:«أَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟» فَأَجَابَهُ وَقَالَ:«أَنْتَ تَقُولُ». 4 فَقَالَ بِيلاَطُسُ لِرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْجُمُوعِ:«إِنِّي لاَ أَجِدُ عِلَّةً فِي هذَا الإِنْسَانِ». 5 فَكَانُوا يُشَدِّدُونَ قَائِلِينَ:«إِنَّهُ يُهَيِّجُ الشَّعْبَ وَهُوَ يُعَلِّمُ فِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ مُبْتَدِئًا مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى هُنَا». 6 فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ ذِكْرَ الْجَلِيلِ، سَأَلَ:«هَلِ الرَّجُلُ جَلِيلِيٌّ؟» 7 وَحِينَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ سَلْطَنَةِ هِيرُودُسَ، أَرْسَلَهُ إِلَى هِيرُودُسَ، إِذْ كَانَ هُوَ أَيْضًا تِلْكَ الأَيَّامَ فِي أُورُشَلِيمَ. (عدد 1-7).

لا يخفى أن اليهود كانوا تحت سيادة الدولة الرومانية التي تركتهم على الحريّة في ممارسة طقوس ديانتهم ولكنها لم تُسلم لهم الحكم في الدعاوي السياسية بحبس الرعية وإعدامهم الحياة. لذلك حكم مجمعهم لا ينفعهم بل إنما يُظهر بُغض قلوبهم ضد المسيح. ولكن رئيس هذا العالم كان هناك عاملاً واليهود والأُمم تحت سُلطانهِ. معلوم أن العالم المُرتَّب تحت رياسة إبليس يسدُّ احتياجات البشر من جهة السياسة والديانة يعني أنهُ نظام كامل بحسب مرغوب قلب الإنسان الساقط المُبتعد عن الله. وأما الديانة المقبولة عند الإنسان فهي أبعد عن الله دائمًا من السياسة يعني رؤساء الديانة يضطهدون الحق أكثر من أرباب السياسة وإذا حصل اضطهاد نرى غالبًا إن الذين يُهيجونهُ هم رؤساء الدين. ويستعملون طرق خبث وخداع يندر استعمالها من الحكام السياسيين ونرى مثال ذلك هنا بحيث غيَّروا الشكوى على المسيح لما قدَّموهُ إلى محكمة بيلاطس الوالي.

كانوا قد حكموا عليهِ أمام مجمعهم لأجل التجديف ولكنهم عرفوا أن الوالي الروماني لا يتداخل في مسائلهم الدينية فقالوا لهُ: إننا وجدنا هذا يُفسد الأُمة ويمنع أن تُعطى جزيةً لقيصر قائلاً: أنهُ هو مسيحٌ ملكٌ. فعملوا حسابهم بفطنةٍ إذ ظنوا أن الوالي لا بد أن يخاف إذا سمع بوجود رجل يهودي يدَّعي بأنهُ ملك. لم يكن أقل أساس لما نسبوهُ إليهِ من جهة قيصر لأنهُ لم يمنع أحدًا عن دفع الجزية لهُ بل بالعكس فإنهُ قال لهم صريحًا: أن يعطوا ما لقيصر لقيصر. وأما القول الثاني: بأنهُ هو مسيحٌ وملكٌ فكان فيهِ شيءٌ من الحق غير أنهم لم يوضحوهُ بل تركوهُ على نوع من الإبهام. لو قالوا صريحًا: المسيح ملك اليهود لفهم الوالي حالاً أنهُ إنما زعمٌ ديني لا مدخل لهُ في الدعاوي المُنوطة بهِ كحاكم. فسألهُ بيلاطس قائلاً: أنت ملك اليهود؟ فأجابهُ وقال: أنت تقول. نرى أن الوالي الوثني تصرَّف في فحص هذه الدعوى أحسن من رؤساء الكهنة فإنهُ سأل سؤالات باستقامة بقصد أن يقف على حقيقتها وأما أولئك فكانوا قد اعتمدوا على قتل الرب قبل وقوفهِ أمام مجمعهم ثم بذلوا كل جهدهم في تحريف القضاء وتعويج الحق. فوا أسفاه! على شعب الله إذا كان رؤساءهم أبعد عن الحق من الوثنيين. قد تحوَّل نورهم إلى ظُّلمة وأي ظلام. فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع: إني لا أجد علَّةً في هذا الإنسان. فلما فهم أن المسيح إنما يدَّعي أنهُ ملك اليهود ارتاحت أفكارهُ وشهد للمُشتكين عليهِ أنهُ لا يجد فيهِ علة توجب القضاء والقصاص كان الوالي ظالمًا ولكنهُ لم يُحب الظلم في الآخرين ولم يشأ أن يجري حكم زور على رجل بريء لأجل خاطر الرؤساء. فكانوا يُشدِّدون قائلين: أنهُ يُهيج الشعب وهو يُعلِّم في كل اليهودية مُبتدئًا من الجليل إلى هنا. لما هبطت شكواهم الأولى فتحوا عليهِ بابًا آخر زاعمين أنهُ مُعلِّم يُهيج الشعب بتعليمهِ فإذًا كان خوفهم من فقدان نفوذهم على الشعب لا من هيجان الشعب ضدّ قيصر ملكهم فانكشفت نيتهم. وعرف بيلاطس أنهم أسلموهُ حسدًا ولم يزل يجتهد أن يُخلِّصهُ منهم أو بالحري أن يُخلِّص نفسهُ من مسئولية الحكم في دعواهُ. فلما علم أنهُ من سلطنة هيرودس أرسلهُ إليهِ على أمل أنهُ يخلص من هذه المسألة المُكدرة ويُراعي خاطر هيرودس أيضًا.     

8 وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدًّا، لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيل أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَي آيَةً تُصْنَعُ مِنْهُ. 9 وَسَأَلَهُ بِكَلاَمٍ كَثِيرٍ فَلَمْ يُجِبْهُ بِشَيْءٍ. 10 وَوَقَفَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ يَشْتَكُونَ عَلَيْهِ بِاشْتِدَادٍ، 11 فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاسًا لاَمِعًا، وَرَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ. 12 فَصَارَ بِيلاَطُسُ وَهِيرُودُسُ صَدِيقَيْنِ مَعَ بَعْضِهِمَا فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّهُمَا كَانَا مِنْ قَبْلُ فِي عَدَاوَةٍ بَيْنَهُمَا. (عدد 8-12).

معلوم أن هيرودس المذكور هنا كان من أبناء هيرودس العظيم الذي كان ملك اليهود وقت ولادة المسيح ومات بعد ذلك بوقت وجيز وأما ابنهُ الثاني هذا فتعيَّن واليًا على مقاطعة الجليل وهو الذي أمر بقطع رأس يوحنا المعمدان. وكان أجنبي الجنس ويهودي الدين لأن أجدادهُ تهوَّدوا قبل ذلك بمدة جيلين أو ثلاثة أجيال فلذلك كان محسوبًا كإسرائيلي. ففرح لما رأى يسوع لأنهُ كان من زمان يزيد أن يراهُ ولكن لأغراض ذاتية فقط فأنه كان يحسبهُ مثل: ساحر يُسليهِ بصنع آية وأما انتظارهُ هذا فهبط لأن الله لا يجري آيات من شأن خاطر البشر ولو كانوا ملوكًا، وسألهُ بكلام كثير فلم يُجبهُ بشيء. قد رأينا أن الرب أجاب سؤالات بيلاطس ولكنهُ لم يشأ أن يردَّ على هيرودس الملك اليهودي الشرير المنافق ولا اعتبرهُ أقلَّ اعتبار لأنهُ كان قد رفض شهادة الله وقتل نبيَّهُ فكان من اليهود ومثلهم ظالمًا في السياسة ومرائيًا في الديانة. ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليهِ باشتداد. فأن كان بيلاطس الوثني ذاتهُ يتردَّد عن إجراء الحكم على رجل برئ، فلا يتردَّد أولئك الرؤساء عن تقديم شكواهم عليهِ. فلما نُقلتْ دعواهُ إلى هيرودس أسرعوا في أثرهِ كأنهم يخافون من أن يُفتح باب فتفلت فريستهم من يدهم. لم يكن فيهم أقل شفقة ولا حياء. فاحتقرهُ هيرودس مع عسكرهِ واستهزأ بهِ وألبسهُ لباسًا لامعًا وردَّهُ إلى بيلاطس. لا شك بأن سكوت الرَّبِّ أغاظهُ، ولكن مع ذلك لم يكن مفتكرًا أنهُ يخلصهُ لأنهُ أراد أن يقتلهُ لو أمكن في الجليل (راجع إصحاح 31:13). فالرَّبُّ الكامل الحكمة إنما تصرف معهُ كما يليق بحالتهِ وقدَّر له الفرصة ليظهر ما في باطنهِ. فبادر إلى إجراء كل نوع من الإهانة لهُ ثمَّ ردَّهُ إلى بيلاطس. فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما. فمهما كان البغض شديدًا بين الناس بعضهم للبعض يتفقون معًا في رفض المسيح ابن الله، لأنهُ لا يوجد عندهم شيءٌ آخر أشد من عداوتهم لهُ.

13 فَدَعَا بِيلاَطُسُ رُؤَسَاءَ الْكَهَنَةِ وَالْعُظَمَاءَ وَالشَّعْبَ، 14 وَقَالَ لَهُمْ:«قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذَا الإِنْسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وَهَا أَنَا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ وَلَمْ أَجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. 15 وَلاَ هِيرُودُسُ أَيْضًا، لأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْهِ. وَهَا لاَ شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. 16 فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ». 17 وَكَانَ مُضْطَرًّا أَنْ يُطْلِقَ لَهُمْ كُلَّ عِيدٍ وَاحِدًا، 18 فَصَرَخُوا بِجُمْلَتِهِمْ قَائِلِينَ:«خُذْ هذَا! وَأَطْلِقْ لَنَا بَارَابَاسَ!» 19 وَذَاكَ كَانَ قَدْ طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ حَدَثَتْ فِي الْمَدِينَةِ وَقَتْل. (عدد 13-19).

لا شك بأن لوالي الأممي أساء التصرف في دعوى الرَّبَّ لأنهُ كان ذا سلطان مطلق وكان من واجباتهِ أن يمارسهُ لأنصاف المظلوم وخلاص البريء ولكنهُ تردَّد عن تتميم وظيفتهِ بالحق مع أنهُ شهد مرة بعد أخرى لليهود أنهُ لا يجد علَّةً مما اشتكوا بهِ عليهِ حتى هيرودس ذاتهُ مع كل رداءتهِ لم يحكم شرعيًّا بأنهُ مذنب. فلا شك بأن بيلاطس أذنب، ولكن الوحي في هذا الإنجيل يُظهر أن اليهود كانوا أردأ من الأمم بحيث أنهم اجتهدوا في قتل المسيح بغاية البغض، وأما الأمم فلم يظهروا لا البغض، ولا المحبة بل إنما امتنعوا عن إجراء العدل مع أن السلطان السياسي في أيديهم، وتساهلوا مع اليهود وأذعنوا لهم، وأخيرًا اشتركوا معهم في قتل ابن الله. كان الوالي مضطرًّا أن يطلق لهم كل عيد واحدًا من محابيسهم. فالمرجح أن هذه العادة درجت إكرامًا لعيدهم فاستغنموا الفرصة، بأن يطلبوا إطلاق باراباس الذي كان لصًّا بل قاتلاً أيضًا (انظر أعمال الرسل 13:3-16). فاليهود برهنوا عظم شرّهم إذ فضَّلوا ذلك على المسيح.

20 فَنَادَاهُمْ أَيْضًا بِيلاَطُسُ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُطْلِقَ يَسُوعَ، 21 فَصَرَخُوا قَائِلِينَ:«اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!» 22 فَقَالَ لَهُمْ ثَالِثَةً:«فَأَيَّ شَرّ عَمِلَ هذَا؟ إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهِ عِلَّةً لِلْمَوْتِ، فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ». 23 فَكَانُوا يَلِجُّونَ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ طَالِبِينَ أَنْ يُصْلَبَ. فَقَوِيَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَأَصْوَاتُ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. 24 فَحَكَمَ بِيلاَطُسُ أَنْ تَكُونَ طِلْبَتُهُمْ. 25 فَأَطْلَقَ لَهُمُ الَّذِي طُرِحَ فِي السِّجْنِ لأَجْلِ فِتْنَةٍ وَقَتْل، الَّذِي طَلَبُوهُ، وَأَسْلَمَ يَسُوعَ لِمَشِيئَتِهِمْ. (عدد 20-25).

الحاكم الحائد عن الحق لأجل خاطر الناس يفقد الهيبة والسلطان ويستعبد تمامًا للذين كان يجب عليهِ أن يردعهم عن ظلمهم. فكلما تساهل بيلاطس مع اليهود طمعوا فيهِ أكثر فإنما برهن ضعفهُ كحاكم وقدَّم لهم الفرصة بأن يظهروا رداءتهم كإخصام يشتكون على البريء طالبين موتهُ مع أنهم عجزوا عن إثبات علة واحدة عليهِ. فشهد الوالي ثلاث مرات لبرارتهِ، وقال لهم مرتين أنه يؤدبهُ ويطلقهُ. فالمرجح أنهُ كان يظن أن ضربهُ يُلَينْ قلوب اليهود، وربما تتحرك فيهم الغيرة الجنسيَّة إذا رأوا واحدًا منهم تحت الضرب والإهانة ويقولون للوالي الأجنبي. كفى أطلقهُ لنا. ولكن قلبهم كان أصلب من الصوان. فصرخوا قائلين أصلبهُ، أصلبهُ. فاستمرُّوا على هذا الصراخ حتى قويت أصواتهم وأصوات رؤساء الكهنة فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم. فأطلق لهم المفتن القاتل وأسلم يسوع لمشيئتهم. نعلم من مواضع أخرى، أنهُ غسل يديهِ قدامهم دلالة على أنهُ ألقى المسئولية كلها عليهم، وأنهم من شدة حماقتهم قبلوها على أنفسهم قائلين دمهُ يكون علينا وعلى أولادنا، ولكنهم إنما زادوا أثمهم بدون أن يخفضوا أثم الوالي، لأن الوالي لا يقدر أن يستعفي عن وظيفتهِ ويسلم الحكم للرعيَّة. فقد تبرهن أثم اليهود والأمم في رفضهم المسيح وقتلهِ ولم يزالوا إلى الآن تحت هذه المسئولية.

26 وَلَمَّا مَضَوْا بِهِ أَمْسَكُوا سِمْعَانَ، رَجُلاً قَيْرَوَانِيًّا كَانَ آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَوَضَعُوا عَلَيْهِ الصَّلِيبَ لِيَحْمِلَهُ خَلْفَ يَسُوعَ. 27 وَتَبِعَهُ جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الشَّعْبِ، وَالنِّسَاءِ اللَّوَاتِي كُنَّ يَلْطِمْنَ أَيْضًا وَيَنُحْنَ عَلَيْهِ. 28 فَالْتَفَتَ إِلَيْهِنَّ يَسُوعُ وَقَالَ:«يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ، 29 لأَنَّهُ هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُونَ فِيهَا: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ وَالْبُطُونِ الَّتِي لَمْ تَلِدْ وَالثُّدِيِّ الَّتِي لَمْ تُرْضِعْ! 30 حِينَئِذٍ يَبْتَدِئُونَ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا! وَلِلآكَامِ: غَطِّينَا! 31 لأَنَّهُ إِنْ كَانُوا بِالْعُودِ الرَّطْبِ يَفْعَلُونَ هذَا، فَمَاذَا يَكُونُ بِالْيَابِسِ؟». 32 وَجَاءُوا أَيْضًا بِاثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مُذْنِبَيْنِ لِيُقْتَلاَ مَعَهُ. (عدد 26-32).

سبق الرَّبُّ وقال لهم: ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة. لأنهم كانوا محمولين من بغض قلوبهم وقوة العدو سويةً ونرى هنا أنها كانت ساعة مخيفة مشحونة من الظلم والعنف وسَخَّرُوا سمعان المذكور وألزموهُ بأن يساعد في تكميل عملهم الفظيع. يظهر أنهُ انضمَّ مع تلاميذ المسيح فيما بعد، ولكننا لا نعلم حالة أفكارهِ في ذلك اليوم المتصف بالفظائع إلاَّ أنهُ مذكور كرجل قيرواني يعني إسرائيلي استوطن في بلاد قيروان وربما كان قد حضر العيد وفي وقتهِ اتفق أنهُ كان مقبلاً من خارج المدينة فلم يكن لهُ علم بما جرى ولا اشتراك مع الذين هاجموا ضد المسيح. فحصلت لهُ خدمة كريمة إذ حمل صليب يسوع خلفهُ ثمَّ نعلَّم معناهُ فيما بعد. ضجَّت المدينة كلها وقام جمهور من الرجال والنساء فتأثرن مما شاهدن وأظهرن علامات الحزن ولكن من مفعول عواطفهنَّ الطبيعيَّة فقط من رؤية أحد أبناء جنسهم مظلومًا. فألتفت إليهنَّ يسوع وقال: يا بنات، أورشليم لا تبكين عليَّ بل أبكين على أنفسكن وعلى أولادكن. كان الرَّبَُّ هادئًا غاية الهدوء وقادرًا أن يفتكر في الآخرين. لا يجوز لنا أن نرثي لهُ وقت وقوع الظلم عليهِ كأنهُ ليس إلاَّ إنسانًا مظلومًا فقط، ونحن أفضل منهُ نوعًا، ونقدر أن نشفق عليهِ لأنهُ لا يطلب ذلك ولا يقبلهُ بحيث أنهُ على كل حال فادينا وإلهنا وصليبهُ يقتضي إيماننا بهِ لا رثاء نالهُ. أإن قدرنا أن نبكي فيجب أن نبكي على أنفسنا وعلى خطايانا التي اقتضت موت ابن الله لأجل خلاصنا من عواقبها المهولة لأنهُ لهُ المجد مستغنٍ عن الشفقة منا نحن الأشقياء الذين مات لأجلنا. غير أني أقول أن بنات أورشليم لم يكنَّ مشتركات في بغض الجمهور ورؤسائهم. حيث حاسياتهنَّ الطبيعية تلينت وجرت مجراها المعهود على أنهنَّ لم يعرفن لا صليب المسيح ولا الخراب الآتي عليهنَّ وعلى المدينة المحبوبة وأهلها. لأنهُ هوذا أيام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم ترضع. لا شك بأنهُ يشير إلى خراب أورشليم وتشتيت اليهود فحينئذٍ كثرة الأولاد إنما تزيد الضيق خلاف حالة إسرائيل لما كانوا في الراحة تحت بركة الله إذ كلما كثر الأولاد زاد سرورهم (انظر مزمور 128). فإذًا امتيازات إسرائيل القديمة عتيدة أن تسقط وكل مابقى من بركاتهم يؤول إلى ويلاتهم وا أسفاه! عليهم لأ، الدينونة المقبلة لا تقع على بيلاطس وهيرودس ورؤساء الكهنة فقط بل أيضًا على النساء اللواتي تبعنهُ ينُحن على شقاوتهِ وهنَّ لا يدرينَ بالشقاوة الآتية عليهن. فالضمير الطبيعي والحاسيَّات الطبيعية لا تكفي لنا أمام الله لخلاصنا لأننا نحتاج أن نشعر بشقاوة حالتنا كخطاة ونتوب ونرجع إلى الله بواسطة المسيح وننظر إلى صليبهِ ثمَّ نرفع ابصارنا ونراهُ الآن في مجد الله. حينئذٍ يبتدئون يقولون للجبال اسقطي علينا وللآكام غطّينا (قابل هذا مع رؤيا 16:6، 17). وأما اليهود فابتدأوا في ضيق كهذا من وقت خراب مدينتهم ثمَّ في وقت الضربات المستقبلة يشترك معهم الأمم فيهِ. لأنهُ أن كانوا بالعود الرطب يفعلون هذا فماذا يكون باليابس. لاحظ أن قولهُ يفعلون هنا بمعنى يُفعل بهِ. وقد رأينا هذا الاصطلاح عدة مرار في هذا الإنجيل. والعود الرطب عبارة عن المسيح نفسهِ كالشجرة الجيدة المثمرة أو الكرمة الحقيقية بالمقابلة مع أمة إسرائيل اليابسة والخالية من الثمر. فإن كان يُفعل هكذا بهِ فماذا يكون نصيب أولئك المرائين في وقت دينونتهم فأنهم لا يصلحون إلاَّ للحريق فقط. فيشير هنا إلى سياسة الله للناس في العالم لا إلى الكفارة لأنهُ واضح  أن لا مقابلة بينهُ وبينهم في تلك. ولكن إذا نظرنا إليهِ كرجل إسرائيلي عاش لمجد الله تمامًا، ولم يحصل إلاَّ على البغض والإهانة في أرض إسرائيل وأتفق عليهِ جميع الرؤساء والحكام فكيف تكون حالة الأمة المختارة متى كان الله قاصدًا تسليمها لأعدائها قصاصًا لها. كان المسيح كالشجرة الموصوفة في (مزمور 3:1). فالناس رفضوا العود الرطب وأما الله فيرفض اليابس. قابل هذا القول مع قول يوحنا. والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر. فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا، تُقطع وتُلقى في النار (إصحاح 9:3) فجاؤا أيضًا باثنين آخرين مذنبين ليُقتلا معهُ. ما أراد قلب الإنسان وإلى أي درجة أثم يبلغ إذا رفض نور شهادة الله وصار يحاربهُ سبحانهُ وتعالى. المرجح أن رؤساء إسرائيل هم الذين طلبوا قتل ذينك المذنبين مع المسيح ليزيدوا إهانتهُ لآن الوالي الروماني لم يكن يريد أن يصنع عملاً كهذا وقت حضور ربوات من اليهود في المدينة ليحفظوا عيدهم المُعتبر بفرحٍ فأنهُ امتنع عن تقديم أسباب مكدرة لهم خوفًا أنهم يتهيجون ضد الدولة الأجنبية السائدة عليهم. والرؤساء أنفسهم خافوا من الشعب لئلا يحدث شغب وتشاوروا معًا لقتل المسيح في وقت آخر غير وقت العيد ولكن لما وقع بين أيديهم بادروا إلى إهانتهِ وربما قصدوا أيضًا أن يوهموا عامة الشعب بأن أولئك الثلاثة من أعظم المذنبين فلذلك ينبغي قتلهم لأجل راحة العموم وسلامة الجميع، ولكن الله كان فوق تامراتهم الخبيثة وقصد أن يمجّد نعمتهُ بخلاص واحد من اللصَّين.

33 وَلَمَّا مَضَوْا بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُدْعَى «جُمْجُمَةَ» صَلَبُوهُ هُنَاكَ مَعَ الْمُذْنِبَيْنِ، وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. 34 فَقَالَ يَسُوعُ: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا. (عدد 33، 34).

ربما تسمى هذا الموضع جمجمة بحيث جرت العادة أن يُجرى إعدام الأشقياء هناك ونعلم أنهُ كان خارجًا عن المدينة. فقال يسوع: يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. كلما تواضع المسيح وأُهين لم يزل كامل الحكمة وتصرف كما يليق بمجد شخصهِ وأعلن المحبة لمُبغضيهِ. كان يجب أن العدل الإلهي يحمى على إسرائيل ويفنيهم بلحيظةٍ كما كان الأمر مع آبائهم لما صنعوا عجل الذهب في البرية (خروج 7:32-14) وإنما خلصوا من الفناء بغتةً بواسطة توسلات موسى لأجلهم ولكن المسيح صلى لأجلهم ومن لُطفهِ نسب عملهم إلى الجهالة فعفى الله عنهم إجابةً لصلاتهِ واحتملهم نحو أربعين سنة أكثر انظر (أعمال الرسل 17:3). وإذا اقتسموا ثيابهُ اقترعوا عليها. انظر (مزمور 17:22).  

35 وَكَانَ الشَّعْبُ وَاقِفِينَ يَنْظُرُونَ، وَالرُّؤَسَاءُ أَيْضًا مَعَهُمْ يَسْخَرُونَ بِهِ قَائِلِينَ:«خَلَّصَ آخَرِينَ، فَلْيُخَلِّصْ نَفْسَهُ إِنْ كَانَ هُوَ الْمَسِيحَ مُخْتَارَ اللهِ!». 36 وَالْجُنْدُ أَيْضًا اسْتَهْزَأُوا بِهِ وَهُمْ يَأْتُونَ وَيُقَدِّمُونَ لَهُ خَلاُ، 37 قَائِلِينَ:«إِنْ كُنْتَ أَنْتَ مَلِكَ الْيَهُودِ فَخَلِّصْ نَفْسَكَ!». 38 وَكَانَ عُنْوَانٌ مَكْتُوبٌ فَوْقَهُ بِأَحْرُفٍ يُونَانِيَّةٍ وَرُومَانِيَّةٍ وَعِبْرَانِيَّةٍ:«هذَا هُوَ مَلِكُ الْيَهُودِ». (عدد 35-38).

إني قُلت آنفًا أن الوحي في هذا الإنجيل يقتصر كثيرًا فيما يُدرج عن حوادث موت المسيح فلا حاجة إلاَّ إلى شرح مُقتصر على ما يُذكر مع أن الموضوع ذاتهُ عظيم الأهميَّة ولا شك بأننا نتأمل فيهِ إلى أبد الآبدين. فنرى هنا شدَّة عمى الشعب ورؤساءهم إذ تذكروا أعمال الرحمة التي سبق الرب وأجراها للمُتضايقين فإنهُ خلّصهم من شدائدهم المُتنوعة فقالوا: فليُخلِّص نفسهُ إن كان هو المسيح مُختار الله. كان فكرهم أن المسيح مَتَى جاء يمكث إلى الأبد فلما نظروا يسوع الناصري مُسمرًا على عود الصليب جزموا تمامًا أنهُ مُضل كما حكموا عليهِ لدى مجمعهم لأنهُ بحسب منتظرهم على الافتراض بأنهم أخطئوا في حكمهم لظهرت حقيقة الأمر إذ لا بد من أن الله يتداخل ويُخلِّص مُختارهُ. فلم يعلموا لزوم موتهِ كفارةً لخطاياهم. نرى أن العساكر الرومانيين استهزئوا بهِ أيضًا ولا عجب من جهالتهم لأنهم كانوا وثنيين وغُرباء ولم يعرفوا شيئًا عنهُ إلاَّ أنهُ قال عن نفسهِ: أنهُ ملك. غير أن الجميع أفرطوا في إهانة يسوع لأن العدو العظيم ساد على قلوبهم في تلك الساعة وحملهم أن يكملوا بقساوةٍ العمل الذي ابتدئوهُ بظُلم. نعلم أن بيلاطس كتب عنوانهُ لكي يغيظ اليهود بهِ لأنهم ألزموهُ بصلب ملكهم وهذا أعظم درجة من الإهانة لشعبٍ ما. ولكن إن كانوا قد أهانوا أنفسهم برفض ملكهم فينبغي أن خزيهم ينتشر في كل اللغات كما هو الحال إلى هذا اليوم. ولكن الحادثة العجيبة التي تم فيها خزيهم كأُمة كانت بالحقيقية غنى للعالم وسبب الخلاص الأبدي للمؤمنين. فالعنوان المكتوب فوق صليب المسيح أظهر الحكم على إسرائيل وأعلن نعمة الله الفائقة في وقت واحد لأن ملكهم المرفوض المُهان هو فادينا وإلهنا أيضًا. تنازل مرةً حتى صار منظرًا وتعييرًا للناس وسُمر على خشبه بين لصيَّن ولم يقدر أن يُخلِّص نفسهُ وإيانا أيضًا.   

39 وَكَانَ وَاحِدٌ مِنَ الْمُذْنِبَيْنِ الْمُعَلَّقَيْنِ يُجَدِّفُ عَلَيْهِ قَائِلاً:«إِنْ كُنْتَ أَنْتَ الْمَسِيحَ، فَخَلِّصْ نَفْسَكَ وَإِيَّانَا!» 40 فَأجَابَ الآخَرُ وَانْتَهَرَهَُ قَائِلاً:«أَوَلاَ أَنْتَ تَخَافُ اللهَ، إِذْ أَنْتَ تَحْتَ هذَا الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ؟ 41 أَمَّا نَحْنُ فَبِعَدْل، لأَنَّنَا نَنَالُ اسْتِحْقَاقَ مَا فَعَلْنَا، وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ». 42 ثُمَّ قَالَ لِيَسُوعَ:«اذْكُرْنِي يَارَبُّ مَتَى جِئْتَ فِي مَلَكُوتِكَ». 43 فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ». (عدد 39-43).

نعلم من (مرقس 32:15) أن الاثنين جدفا عليهِ في الأول ولكننا نرى هنا أن واحدًا منهما تاب ووبخ رفيقهُ بكلام مُناسب لأنهُ من الأمور النادرة أن إنسانًا مُذنبًا مشرفًا على الموت يصرف وقتهُ بالتجديف على واحد آخر على حالة تحت حكم الموت بعدلٍ. ولكن لما امتلك سلطان الظلمة قوتهُ العظمى على البشر أنساهم تمامًا خوف الله وحمل ذاك اللص الشقي أن يُجدف على يسوع. يوجد في كل قلب غير مُتجدد ميل طبيعي ضد المسيح فإذا تحرك فينا ننسى الموت وجهنم ونصرف وقتنا الوجيز بالكلام الباطل ضد شخص المسيح وعملهِ كما يفعل الكفرة من النصارى إلى هذا اليوم. الكفر موجود فينا من ساعة سقوط آدم لأن أصل سقوطهِ كان الكفر بكلمة الله وجحد جودهِ. ولا يخفى أن حضور ابن الله في العالم قدَّم فرصة للجميع أن يظهروا حالة قلوبهم نحو الله وقد رأيناهُ موضوعًا لسقوط وقيام كثيرين وعلامة تُقاوم ومنظر تواضعهِ وأعمال قوتهِ ورحمتهِ هيج شرور مُقاوميهِ وزادهم بُغضًا نحوهُ حتى أن اللص المصلوب معهُ احتقرهُ وجدَّف عليهِ. وهكذا قد ظهرت وانكشفت تمامًا حالة قلوبنا جميعًا إن كانت غير مُتغيرة بعد بعمل النعمة، فلا يظن الكاتب أو القارئ أنهُ أفضل من ذاك اللصّ الشقي أو أنهُ كان قد تصرف أحسن منهُ لو كان هو في مقامهِ في تلك الساعة لأن الكتاب يشهد علينا جميعًا قائلاً: أنهُ ليس بارٌ ولا واحد. ليس مَنْ يفهم. ليس مَنْ يطلب الله. الجميع زاغوا وفسدوا معًا ليس مَنْ يعمل صلاحًا ليس ولا واحد (رومية 10:3-12). وبالاختصار لا يوجد فرق. فنحن واللصّ المُجدّف من جنس واحد بالطبيعة أعداءٌ لله ولابنهِ ولا نزال نرفض نعمتهُ ونحتقرها إلى أنهُ يعمل فينا ليُنبهنا ويأتني بنا إلى التوبة كما عمل في اللص الثاني. فلننظر الآن إلى عمل النعمة فيهِ. قد رأينا رداءة رفيقهِ الذي صرف وقتهُ ووجد تسليتهُ بإهانة ربّ المجد مع أنهُ هو ذاتهُ كان في نزاع الموت ولكن الذي تاب لم يكن أفضل فإنهُ هو عمل ذلك في الأول. فإذًا لم يكن فرق بينهما. غير أن النعمة عملت فيهِ عملاً عظيمًا جدًّا إذ أعلنت لهُ مَنْ هو المسيح وأقنعتهُ أيضًا باحتياجهِ الشديد إليهِ. فبالحقيقة الراعي كان يُفتش على خروفهِ الضال والنور الإلهي بلغ ضميرهُ القاسي وأنار قلبهُ المُظلم. فأقرَّ بخطاياهُ كالابن الشاطر فإنهُ وبخ رفيقهُ وقال: أما نحن فبعدل لأننا ننال استحقاق ما فعلنا. فلم يستخفَّ برداءتهِ لأنهُ ابتدأ يُميز بين الخير والشرّ في نور حضور الله الذي يُرينا أنفسنا كما نحن ويُبكتنا على خطايانا. صار كارزًا للبرّ ولكن الاقتناع بسوء حالتنا والشهادة ضد شرور الآخرين ليسا كافيئين لخلاصنا لأننا نحتاج إلى معرفة المسيح حتى نقدر أن نثق بهِ ونشهد شهادة حسنة عنهُ. كما قال اللص التائب: وأما هذا فلم يفعل شيئًا ليس في محلهِ. لما كان الجميع يفترون على المسيح تبرَّع ذاك اللص التائب بشهادتهِ الحسنة وكذَّبهم جميعًا. كل مَنْ استنار بعمل الروح القدس يُميز حالاً مجد ذات المسيح ويشهد لهُ بغيرةٍ ويقين شديد. وبالحق هذا هو قانون إيماننا وقياسهُ أيضًا لأن كل مَنْ لا يُميز مجدهُ الذاتي وحقيقة شخصهِ كابن الله وابن الإنسان فليس لهُ إيمان فيهِ. لو اعترفنا بهِ كنبي ومُعلِّم إلى خلاف ذلك مما يتعلق بصفات بشرية فذلك لا يجعلنا مؤمنين حقيقيين. ينبغي أن نعرفهُ كرّبنا وإلهنا القادر أن يُخلِّصنا ويأخذنا معهُ إلى فردوس الله. ثم قال ليسوع: اذكرني يا ربَّ مَتَّى جئت في ملكوتك. فإذًا يسوع المتواضع المُعلَّق على خشبة العار ليس هو إلاَّ يهوه الرب إله إسرائيل وصاحب الملكوت المُنتظر أيضًا لإيمان ذاك اللص التائب. معلوم أن هذا اللص كان يهودي الجنس وأقرَّ بإيمانهِ بحسب أفكارهم المُسندة إلى النبوات فحالما تعلَّم حقيقة ذات المسيح فهم بنورها أكثر من جميع الرؤساء والمُعلِّمين الذين كانوا يفرحون بصلب ملكهم وربهم. فلنتمعن قليلاً في كلامهِ. لاحظ أنهُ لا يقول: اذكرني مَتَى دخلت السماء أو مَتَى دخلت ملكوتك بل مَتَى جئت في ملكوتك لأنهُ كان مُعتقدًا بأنهُ لا بد أن يجيء أيضًا مع أنهُ قد رُفض من الأرض بأعظم إهانةٍ. وهذا يوافق تمامًا كلام المسيح السابق عن رفضهِ وآلامهِ ثم مجيئهِ ثانيةً بالقوة والمجد. كان رفيقهُ مُفتكرًا في النجاة الحالية فقط وقال: إن كنت أنت المسيح فخلِّص نفسك وإيانا. وأما هذا فلم يطلب النجاة من الموت عقاب ذُنوبهِ لأنهُ صار يفهم فحوى النبوات القديمة عن المسيح أي الآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها (بطرس الأولى 11:1). فاشتهى أن يكون مع المسيح على حالة أخرى في ذلك الملكوت الذي لا يدخلهُ الموت. معلوم أن الإسرائيليين انتظروا قيامة أبرارهم قبل الملكوت لكي يتمتعوا بأمجادهِ. وكانوا مُصيبين بذلك كما نعلم من شهادات كلمة الله. لم يعلموا كيفية اشتراكنا مع المسيح في المُلك لأن هذه الحقيقة إنما أُعلنت بعد موتهِ وقيامتهِ. ونرى جسارة الإيمان الذي يحصل فينا من عمل الروح القدس مَتى أعلن لنا شخص المسيح وعظم نعمتهِ فإنهُ يُعلمنا أن نطلب منهُ أعظم الطلبات التي نعرفها مُتيقنين بأنهُ يُحبّ أن يُعطينا أكثر جدًّا مما نقدر أن نطلب أو نفتكر. فذاك الذي لم يستحقَّ إلاَّ جهنم النار تجاسر وطلب أن يكون مذكورًا في ملكوت المسيح مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب وجميع الأبرار الذين سبقوا ورقدوا على رجاء أن يكون لهم نصيب في الملكوت المجيد المُنتظر.

فقال لهُ يسوع: الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس. فأعطاهُ الرب أكثر مما طلب فإنهُ وعدهُ بأنهُ يكون معهُ في الفردوس ذلك اليوم بدون أن ينتظر مجيئهُ في الملكوت. لا شك بأنهُ سيملك مع المسيح وقت المُلك مع المؤمنين الآخرين ولكن الوعد بانطلاقهِ حالاً إلى الفردوس أفضل من الاشتراك في الملكوت لأنهُ جعلهُ في اليقين بأن خطاياهُ مغفورة لهُ وأنهُ في حالة تناسب السكنى مع الرب في السماء الثالثة. لفظة فردوس واردة في (كورنثوس الثانية 4:12؛ رؤيا 7:2). فيتضح أن هذا الموضع الذي انتقل إليهِ المسيح جسدًا بعد قيامتهِ وإن أرواح الأبرار هي أيضًا هناك بالراحة تنتظر الوقت المُعيَّن لقيامة أجسادهم. قال بولس الرسول عن الموت: أنهُ ربح لهُ وإن لهُ اشتهاء أن ينطلق ليكون مع المسيح وحسب ذلك أفضل جدًّا من البقاء هنا في الجسد انظر (فيلبي 21:1-24). وقال أيضًا أن الموت للمؤمنين هو التغرُّب عن الجسد والاستيطان مع الرب (كورنثوس الثانية 8:5) ونحن نثق ونُسرُّ بذلك إن شاء الرب أن يأخذنا إليهِ قبل مجيئهِ ومُلكهِ. فنرى أن اللصّ التائب وهو على آخر نسمة من حياتهِ نال هذا النصيب الجيد مجانًا كبولس الرسول وغيرهِ من المؤمنين. لأننا بالنعمة نخلُّص بالإيمان وذلك ليس منا فإنهُ عطية الله. قد قيل عن خلاص اللصّ إن الله شاء وخلَّص خاطئًا واحدًا على هذه الكيفيَّة لكي لا ينقطع رجاء أحدٍ بالخلاص ولكنهُ لم يخلُّص هكذا إلاَّ واحدًا فقط لكي لا يتجاسر أحدٌ. ولكن هذا القول إنما صدر من الجهالة لأن طريق الخلاص واحد للجميع وهو الإيمان بالمسيح ابن الله الذي مات لأجلنا وكفَّر عن خطايانا بسفك دمهِ. فمن ساعة إيماننا بهِ بحسب كلمة الله خلصنا وانتقلنا من الموت إلى الحياة ولا شيء من الدينونة علينا بعد ويجوز لنا أن نتيقن ذلك غاية اليقين. فلم يكن خلاص اللص استثنائيًا بل مثالاً جميلاً لخلاصنا جميعًا. قد ظن كثيرون أن الإيمان وحدهُ لا يؤهلنا لدخول السماء وزعموا بأن التقديس ضروري أيضًا وأنهُ إنما يتقدم تدريجيًا فينا فبموجب زعمهم يجب على المؤمنين أن يجتهدوا لكي يستعدُّوا للموت والانطلاق إلى السماء. ولكنهم قد جهلوا الحقيقة أن دم المسيح هو الذي قدَّسنا وطهرنا الله وجعلنا أهلاً لنكون معهُ من ساعة إيماننا مثل ذلك اللص تمامًا. وأما الاجتهاد والسهر والصحو والصلاة فهي لأجل سلوكنا هنا لمجد الله ولكنها لا تعدُّنا لفردوس الله. لو تعلَّق شيءٌ من ذلك على أعمالنا لخاب انتظارنا إلى الأبد. ينبغي ان نقبل الخلاص مجانًا كاللص لأنهُ لا يوجد فرق البتة بينهُ وبيننا.           

44 وَكَانَ نَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ، فَكَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ. 45 وَأَظْلَمَتِ الشَّمْسُ، وَانْشَقَّ حِجَابُ الْهَيْكَلِ مِنْ وَسْطِهِ. 46 وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ. 47 فَلَمَّا رَأَى قَائِدُ الْمِئَةِ مَا كَانَ، مَجَّدَ اللهَ قَائِلاً:«بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هذَا الإِنْسَانُ بَارًّا!» 48 وَكُلُّ الْجُمُوعِ الَّذِينَ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ لِهذَا الْمَنْظَرِ، لَمَّا أَبْصَرُوا مَا كَانَ، رَجَعُوا وَهُمْ يَقْرَعُونَ صُدُورَهُمْ. 49 وَكَانَ جَمِيعُ مَعَارِفِهِ، وَنِسَاءٌ كُنَّ قَدْ تَبِعْنَهُ مِنَ الْجَلِيلِ، وَاقِفِينَ مِنْ بَعِيدٍ يَنْظُرُونَ ذلِكَ. (عدد 44-49).

راجع (مَتَّى 45:27-50) والشرح عليهِ لأن الوحي هناك يذكر ما جرى وقت الظلام بتفصيل. وأما لوقا فلا يذكر إلاَّ بعض الحوادث الموافقة لمقصد الوحي بإنجيلهِ سبق وذكر توبة اللص وخلاصهُ بتفصيل لأن ذلك مثال للنعمة التي أوضحها بأقوال وأساليب متنوعة في إنجيلهِ مع أن مَتَّى لم يذكر ذلك. ولكنهُ يذكر صراخ المسيح الذي صَرخهُ على الصليب وتركهُ من الله وأما لوقا فلا يذكر ذلك. فالظلام غطى وجه الأرض كلها مدة ثلاث ساعات. كان يليق بالطبيعة نفسها أن تكسي ظلامًا وقت موت خالقها فإنهُ هو الذي قال في البدء: ليكن نورٌ فكان نور (تكوين 3:1) وأيضًا: أنا الرب وليس آخر. مُصوّر النور وخالق الظلمة (إشعياء 7:45). فكان ذلك شهادة لحدوث شيء خارق العدة وتوبيخًا أيضًا لإسرائيل الذين رفضوا المُشرق من العلاء الذي افتقدهم بالنعمة. اختاروا لصًّا وفضَّلوا سلطان الظلمة على رئيس الحياة والنور الحقيقي فكأن الشمس خجلت في نصف النهار وامتنعت عن إنارة ذلك المشهد المُمتلئ من الفظائع كما قال النبي: ابهتي أيتها السماوات من هذا واقشعري وتحيري جدًّا يقول الرب لأن شعبي عمل شرَّين. تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آبارًا آبارًا مُشققة لا تضبط ماء (إرميا 12:2، 13). وأظلمت الشمس وانشقَّ حجاب الهيكل من وسطهِ. لما بلغ شرُّ الشعب إلى درجتهِ القصوى أجرى الله عمل نعمتهِ الأعظم لأنهُ وضع إثمنا على ابن محبتهِ الذي ناب منابنا لدى عدلهِ الإلهي فبعد أن ضربهُ شق حجاب الهيكل من وسطهِ لأن طريق الأقداس أُعلن وما بقى داعٍ لوجود الحجاب الذي كان يفصل بين الله وبين المُقتربين إليهِ انظر (عبرانيين 8:9-14؛ 19:10-24). فلم يزل صليب المسيح حجر عثرة للعالم لأنهُ ظلام لهم ونور للمؤمنين لأن محبة الله الكاملة ظهرت لهم بواسطة كفارة المسيح التي رفعت خطاياهم وقرَّبتهم إلى الله الذي حضورهُ يفرح قلوبهم وهو أفضل لهم من الحياة. فالعمل الذي يأتي بنا إلى الله ويعلنهُ لنا بدون حجاب فاصل بينهُ وبيننا قد محا إلى الأبد خطايانا التي كانت تجعل قداسة حضورهِ أعظم عذاب لنا. فلنا الشركة معهُ الآن في المسيح مقدسين وبلا لوم في المحبة. كل من لا يرى الصليب نورًا لهُ يراهُ ظلامًا ويعثر فيهِ. ونادى يسوع بصوت عظيم وقال: يا أبتاه، في يديك استودع روحي ولما قال هذا أسلم الروح. كان لهُ سلطان أن يضع حياتهُ فنراهُ هنا يضعها لأنهُ صرخ بصوت عظيم وبرهن أن قوتهُ لم تزل فيهِ ولكنهُ أنهى حياتهُ كما ابتدأها خاضعًا لمشيئة أبيهِ وواثقًا فيهِ فأنهُ استودع روحهُ في يديهِ بغاية الثقة مقرًّا بالنسبة بينهما كأبٍ وابن، وفضلاً عن البنوة نرى الموت مغلوبًا بحيث أنهُ ليس إلاَّ الفرصة المناسبة لهُ ليسلّم روحهُ سالمة وسعيدة وواثقة وفرحانة في يدي أبيهِ وعنايتهِ. فيجب أن نلاحظ ذلك جيدًا ونتأمل فيهِ. يسوع كإنسان قبل الموت ولكنهُ أعلن حقيقة جديدة عظيمة وهي أنهُ بموتهِ غلب الموت بل أبطلهُ أيضًا لهُ وللمؤمنين بهِ أيضًا. إذًا لا يفخرنَّ أحد بالناس فأن كل شيء لكم. أبولس أم أبلوس أم صفا أم العالم أم الحياة أم الموت أم الأشياء الحاضرة أم المستقبلة كل شيء لكم. وأما أنتم فللمسيح والمسيح لله (كورنثوس الأولى 21:3-23). فيليق بنا أن نفتخر بالذي غلب الموت لأجلنا وضمَّنا معهُ في نسبة البنين لله وقرننا معهُ إلى الأبد. غير أني أقول أن الأربع البشائر لا تخبر بموت المسيح تعليميًّا ولا تعلن لنا نتائجهُ العظيمة فأن ذلك كلهُ قد أُعلن لنا صريحًا في الأسفار التي كُتبت بعد قيامتهِ وحلول الروح القدس يوم الخمسين. مع أن المسيح نفسهُ قال: صريحًا مرة بعد أخرى في حياتهِ أنهُ مزمع أن يموت فديةً على الصليب.

فلما رأى قائد المئة ما كان مجَّد الله قائلاً: بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًّا. لا يخفى أن هذا الإنسان كان وثنيًا بعيدًا عن امتيازات إسرائيل وكان يكمّل مأموريتهِ ولكن الله عمل في ضميرهِ واقتنع من مُشاهدتهِ علامات الطبيعة بأن يسوع بارٌّ. فالطبيعة نفسها شهدت بأن يسوع إلهها والوثني المسكين شهد بأنهُ بارٌّ وأما قلوب إسرائيل فبقيت أعمى من الطبيعة وأبعد عن معرفة إلههم من الوثنين. وهكذا حالتهم إلى هذا اليوم. وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لما أبصروا ما كان رجعوا وهم يقرعون صدورهم. المُرجح عندي أن لوقا يُميز بين الشعب والرؤساء وبين الجموع ويعني بالشعب الذين كانوا تحت نفوذ الرؤساء وتحرك البُغض فيهم وغالبًا كانوا من أهل أُورشليم واليهودية وكانوا ينوبون نوعًا عن الأُمة الإسرائيلية ويُشير بلفظة جموع إلى الذين حضروا ليتطلعوا على المنظر بدون علم خصوصي بحياة المسيح والأسباب التي حملت الرؤساء على طلب موتهِ. ولكن كيفما كانت هذه المسألة نرى أن بعض المُجتمعين تأثروا مما جرى ورجعوا إلى المدينة بعلامات الحيرة والحزن إذ ظنُّوا أن العمل الذي حصل ربما لم يكن في محلهِ. ولا توجد إشارة هنا إلى الرؤساء والذين كانوا تحت نفوذهم ولكننا نعلم من مواضع أخرى أنهم لم يخجلوا ولا سكتوا بعد موت المسيح فإنهم بيومهِ أخذوا يتشاورون معًا من جهة الوسائط التي ينبغي أن يتخذوها لكي لا يشيع الخبر بقيامتهِ بعد ثلاثة أيام لأنهم كانوا تحت يد سلطان الظلمة تمامًا ولم يخطر ببالهم ربما يوجدون مُحاربين الله. وكان جميع معارفهِ ونساءٌ كنَّ قد تبعنهُ من الجليل واقفين من بعيدٍ ينظرون ذلك. حقًّا ارتفاع المسيح فوق الصليب أعلن أفكار قلوب كثيرين حسب نبوة سمعان الشيخ. فنرى هنا الذين كانوا يُحبونهُ إذ وقفوا بعيدين بحيرة شديدة ولكن قلوبهم لم تشترك في شرور الذين سبَّبوا قتل ربّهم.

50 وَإِذَا رَجُلٌ اسْمُهُ يُوسُفُ، وَكَانَ مُشِيرًا وَرَجُلاً صَالِحًا بَارًّا . 51 هذَا لَمْ يَكُنْ مُوافِقًا لِرَأْيِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَهُوَ مِنَ الرَّامَةِ مَدِينَةٍ لِلْيَهُودِ. وَكَانَ هُوَ أَيْضًا يَنْتَظِرُ مَلَكُوتَ اللهِ. 52 هذَا تَقَدَّمَ إِلَى بِيلاَطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ، 53 وَأَنْزَلَهُ، وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ، وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ مَنْحُوتٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ وُضِعَ قَطُّ. 54 وَكَانَ يَوْمُ الاسْتِعْدَادِ وَالسَّبْتُ يَلُوحُ. 55 وَتَبِعَتْهُ نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ، وَنَظَرْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُ. 56 فَرَجَعْنَ وَأَعْدَدْنَ حَنُوطًا وَأَطْيَابًا. وَفِي السَّبْتِ اسْتَرَحْنَ حَسَبَ الْوَصِيَّةِ. (عدد 50-56).

 قد انتهى ظلم البشر على المسيح وهو حيٌّ وبعد ذلك الله القاضي العادل اتخذ الوسائط بعنايتهِ لدفن جسد قدوسهِ إذ أضرم غيرة يوسف المذكور والموصوف هنا ليُقدم شهادتهُ للمسيح ويُظهر إيمانهُ بهِ إذ دخل إلى الوالي وطلب جسد يسوع ثم دفنهُ في قبرهِ الخاص. ونرى هنا أنهُ كان عضوًا في مجلس شيوخ إسرائيل وبقى في وظيفتهِ إلى أنهم حكموا على المسيح ولكنهُ لم يوفقهم فيذلك ثم تقوَّى وجاهر بإيمانهِ وقت أعظم ضعف التلاميذ الذين تبعوا السيد في تجارب حياتهِ. وأما الحوادث التي أخافتهم وأوقعتهم في حيرةٍ فإنما نشَّطت إيمان يوسف وحملتهُ أن يُجاهد لأجل الرب. ولبعض النساء أيضًا ذكرٌ حسنٌ فإنهنَّ أكملنَ خدمتهنَّ للرب إن نظرنَ القبر الذي وُضع فيهِ جسدهُ الكريم ثم أعَدْنَ ما يلزم لتحنيطهِ مَتَى يكون السبت قد مضى. كان فيهنَّ إيمان بهِ ومحبة لهُ أيضًا ولكن الموت والقيامة كانا فوق أفكارهنَّ. كان سيدهنَّ قد دخل أبواب الموت بل غلبه أيضًا لكنهنَّ. كان بقينَ بحسب الأفكار اليهودية حاسبات أن الموت افترسهُ فريسةً والقبر أخفاهُ إلى الوقت المعيَّن لقيامة الأبرار ولم يفهمنَ بعد أن يسوع ذاتهُ هو القيامة والحياة.

قولهُ في (العدد 54): وكان يوم الاستعداد يلوح. يعني أن يوم صلب المسيح أي الجمعة كان مُعتبرًا عند اليهود كاستعداد لحفظ السبت القادم. وأما السبت هذا فكان عظيمًا عندهم وحفظوهُ على نوع خصوصي لاقترانهِ مع عيدهم. والسبت يلوح يعني يقترب. ومعلوم أنهُ ابتدأ من غروب الشمس يوم الجمعة.

12 11 10 9 8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
24 23 22 21 20 19 18 17 16 15 14 13

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة