تفسير إنجيل لوقا |
بنيامين بنكرتن
الأصحاح السابع عشر 1 وَقَالَ لِتَلاَمِيذِهِ:«لاَ
يُمْكِنُ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ
الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِلَّذِي
تَأْتِي بِوَاسِطَتِهِ! 2 خَيْرٌ
لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ
رَحىً وَطُرِحَ فِي الْبَحْرِ، مِنْ
أَنْ يُعْثِرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ
الصِّغَارِ. 3 اِحْتَرِزُوا
لأَنْفُسِكُمْ. وَإِنْ أَخْطَأَ
إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ
تَابَ فَاغْفِرْ لَهُ. 4 وَإِنْ
أَخْطَأَ إِلَيْكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ فِي
الْيَوْمِ، وَرَجَعَ إِلَيْكَ سَبْعَ
مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ قَائِلاً: أَنَا
تَائِبٌ، فَاغْفِرْ لَهُ». 5 فَقَالَ
الرُّسُلُ لِلرَّبِّ:«زِدْ إِيمَانَنَا!».
6 فَقَالَ الرَّبُّ:«لَوْ كَانَ
لَكُمْ إِيمَانٌ مِثْلُ حَبَّةِ
خَرْدَل، لَكُنْتُمْ تَقُولُونَ
لِهذِهِ الْجُمَّيْزَةِ: انْقَلِعِي
وَانْغَرِسِي فِي الْبَحْرِ
فَتُطِيعُكُمْ. (عدد 1-6). يجب
أن نذكر دائمًا أن الله مُجرٍ عملاً في
هذا العالم وأن للمسيح تلاميذ فيهِ يعني
الذين اعترفوا بهِ وانتسبوا إليهِ
كربّهم ومُعلِّمهم ونرى أنهُ ليس يتركهم
ليعملوا كل واحد بحسب أهواء نفسهِ فإنهُ
قد أكثر لهم إرشادات لسلوكهم وأوجب عليهم
السهر والصحو ونُكران الذات في كل حين.
فعاد في هذا الفصل يُنذرهم من جهة
تصرُّفاتهم وقال: لا يمكن إلاَّ أن تأتي
العثرات. فالعثرة عبارة عن كل شيء يُلهي
قلوبنا ويمنعنا عن إتباع المسيح المرفوض
من العالم بحسب المبادئ السماوية التي
وضعها لسلوكنا. فالاضطهادات تأتينا من
الخارج وأما العثرات فمن الداخل. فربما
يكون عمل الله جاريًا في أصغر واحد كولد
صغير مثلاً فيجب علينا جميعًا أن نحترز
لئلا نلقي عثرةً في طريق عملهِ بحيث أنهُ
دائمًا يفعل في الناس لكي يُريهم شكل هذا
العالم ويُرغبهم في الحصول على المجد
السماوي فإذًا إذا حدنا عن طريق الصليب
وشاكلنا هذا الدهر الشرير وضعنا تجربة
أمام المُنتبهين وإذا امتلئوا بنا
يتركون المسيح. فإن المسيحي العالمي عثرة
للآخرين ولكن الويل لهُ. وعدا ذلك نظام
هذا العالم كُلَّهُ ليس إلاَّ عثرة في
طريق الذين يأخذون صليبهم بقصد أن يتبعوا
السيد. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد،
وشهوة العيون، وتعظُّم المعيشة ليس من
الآب بل من العالم (يوحنا الأولى 16:2). يعني
مصدرها من العالم وإذا غلبتنا تحملنا إلى
العالم مصدرها. ونرى أن الأشياء الزهيدة
تقدر أن تفعل ذلك معنا كاللبس وأثاث
البيوت وتمليق الناس والمدح منهم حتى إذا
مدحونا لأجل تقوانا الظاهرة لهم فهذه
كلها تنفخ الجسد الفاسد فينا وتفصلنا عن
التمتع بشركة الآب. وربما المدح من
اخوتنا يصير أكبر عثرة لنفوسنا إذ ننتفخ
سريعًا ونجزم في أفكارنا بأنَّنا أتقى من
الآخرين أو أوفر منهم غيرةً في الخدمة
وحينئذ نغضُ النظر عن حكم الرب الذي يحكم
فينا بالحق ويُري عبدهُ الأعظم أنهُ
حقيقةً أصغر جميع القديسين (أفسس 8:3).
فالويل لنا إذا أعثرنا أحد اخوتنا بالمدح
الصادر من الجسد فينا لينفخ الجسد فيهِ.
وقولهُ: خيرٌ لهُ لو طُوّق عُنُقُهُ بحجر
رحى وطُرح في البحر الخ. يعني أنهُ أحسن
لنا أن نموت أشرَّ ميتةٍ من جهة أجسادنا
من أن نكون عثرة لأصغر المؤمنين. الرب لا
يقول ماذا يصير لنا إذا أعثرنا الآخرين؟
ونحن تلاميذُ بالحق مع أنَّنا نعلم من
مواضع أخرى أن الله يؤدبنا تأديبات
مُناسبة لتنقيتنا من كل زلاتنا ونرى هنا
حكمهُ الصارم من جهة إلقاء العثرات فإنهُ
يغيظهُ جدًّا. كيف لا؟ والمسيح يُحب
صغارهُ ويفعل دائمًا ليفطمهم عن العالم
ويُعلق قلوبهم بهِ وهو في العلاء. فإذا
أعثرنا اخوتنا بإنصبابنا في جمع المال
مثلاً فلا بد أنهُ يُحوّل المال تأديبًا
لنا حتى نكون عبرةً للآخرين ومثالاً
مُحزنًا لصدق القول: لا تضلُّوا. الله لا
يُشمخ عليهِ. فإن الذي يزرعهُ الإنسان
إياهُ يحصد أيضًا. (غلاطية 7:6). ثم إذا
أفسدنا أحد اخوتنا بالمدح الجسدي
لتقواهُ وغيرتهِ ربما يتركهُ الرب
لنفسهِ حتى يصير أشدَّ عذاب لنا. لأن
الجسد الفاسد فينا جميعًا مثل وحش ردي لا
نأمن منهُ إلاَّ ما دام مربوطًا ولكن إذا
فككناهُ يسطو علينا. ربما قصدنا أن نصنع
معرفًا معهُ بحلّهِ ولكنهُ لا يُميز بين
صديقٍ وعدوٍ بحيث أن طبعهُ الغريزي
يحملهُ إلى افتراس كل مَنْ يُلاقيهِ.
وهكذا الطبع البشري سواء كان في بولس
الرسول أو في أحدٍ منا فإن حُلَّتْ
قيودهُ يُبادر إلى عملهِ 7 «وَمَنْ مِنْكُمْ لَهُ
عَبْدٌ يَحْرُثُ أَوْ يَرْعَى، يَقُولُ
لَهُ إِذَا دَخَلَ مِنَ الْحَقْلِ:
تَقَدَّمْ سَرِيعًا وَاتَّكِئْ. 8 بَلْ
أَلاَ يَقُولُ لَهُ: أَعْدِدْ مَا
أَتَعَشَّى بِهِ، وَتَمَنْطَقْ
وَاخْدِمْنِي حَتَّى آكُلَ وَأَشْرَبَ،
وَبَعْدَ ذلِكَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ
أَنْتَ؟ 9 فَهَلْ لِذلِكَ
الْعَبْدِ فَضْلٌ لأَنَّهُ فَعَلَ مَا
أُمِرَ بِهِ؟ لاَ أَظُنُّ. 10 كَذلِكَ
أَنْتُمْ أَيْضًا، مَتَى فَعَلْتُمْ
كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا:
إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ،
لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ
يَجِبُ عَلَيْنَا». (عدد 7-10). سبق
تعليمهُ لتلاميذهِ من جهة معاشرتهم
بعضهم البعض وخدمة الإيمان فيخاطبهم في
هذا الفصل كعبيد لهُ مدة غيابهِ ويعلمهم
أن ليس لهم فضل إن أظهروا الطاعة الكاملة
والأمانة التامة لأنهُ من واجبات العبد
أن يخدم سيدهُ ولا يليق بالسيد أن يخدمهُ.
فلا نزال في مقام عبيد تحت مسئولية
الطاعة سواء كنا نعاشر أخوتنا بالقداسة
والمحبة أو نمارس الإيمان النشيط في
تتميم خدمة الله في العالم ولا يجوز لنا
أن ندعي أقل فضل لأنفسنا؛ لأن فضل القوة
من الله لا منا والعبد المشترى بدراهم هو
كل ما عندهُ للذي اشتراهُ.
كذلك أنتم أيضًا متى فعلتم كل ما أُمرتم
بهِ فقولوا أننا عبيد بطالون. لأننا إنما
عملنا ما كان يجب علينا. هذا هو الحكم
الصحيح من جهة خدمتنا ما دمنا في منزلة
عبيد مدة غياب السيد. معلوم أن الرب نفسهُ
سيمدحنا فيما بعد قائلاً نعما أيها العبد
الصالح والأمين ولكن الروح القدس لا
يعلمنا أن نقول ذلك عن أنفسنا الآن. لاحظ
أن هذا الإقرار من فم عبيد قد عملوا كل ما
أُمروا بهِ. فإن كنا لا نطيع سيدنا فنحن
كعبيد عصاة أشرار نستحق القصاص ولكن على
الافتراض بأننا امناء لا نقدر أن ندعي
بفضل بل إنما نقرُّ بأننا عملنا واجباتنا
كعبد يحرث في الحقول نهارًا ويحضر إلى
البيت مساءً ويخدم سيدهُ هناك، وكذلك نحن
نخدم سيدنا في بيتهِ أو في الخارج بأي نوع
من الخدمة قد تعين لنا ولا نرى انهُ ممنون
لنا بشيء لأننا تحت التزام المحبة لهُ
ولا نقدر أن نفيهُ بخدمتنا القاصرة ولو
كانت أمنية ووافرة لأن نعمتهُ هي مصدر
الكل. 11
وَفِي ذَهَابِهِ إِلَى
أُورُشَلِيمَ اجْتَازَ فِي وَسْطِ
السَّامِرَةِ وَالْجَلِيلِ. 12 وَفِيمَا
هُوَ دَاخِلٌ إِلَى قَرْيَةٍ
اسْتَقْبَلَهُ عَشَرَةُ رِجَال بُرْصٍ،
فَوَقَفُوا مِنْ بَعِيدٍ 13 وَرَفَعوُا
صَوْتًا قَائِلِينَ:«يَا يَسُوعُ، يَا
مُعَلِّمُ، ارْحَمْنَا!». 14 فَنَظَرَ
وَقَالَ لَهُمُ:«اذْهَبُوا وَأَرُوا
أَنْفُسَكُمْ لِلْكَهَنَةِ». وَفِيمَا
هُمْ مُنْطَلِقُونَ طَهَرُوا. 15 فَوَاحِدٌ
مِنْهُمْ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ شُفِيَ،
رَجَعَ يُمَجِّدُ اللهَ بِصَوْتٍ
عَظِيمٍ، 16 وَخَرَّ عَلَى
وَجْهِهِ عِنْدَ رِجْلَيْهِ شَاكِرًا
لَهُ، وَكَانَ سَامِرِيًّا. 17 فَأجَابَ
يَسُوعُ وَقَالَ:«أَلَيْسَ الْعَشَرَةُ
قَدْ طَهَرُوا؟ فَأَيْنَ التِّسْعَةُ؟ 18
أَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْجِعُ
لِيُعْطِيَ مَجْدًا ِللهِ غَيْرُ هذَا
الْغَرِيبِ الْجِنْسِ؟» 19 ثُمَّ
قَالَ لَهُ:«قُمْ وَامْضِ، إِيمَانُكَ
خَلَّصَكَ».
(عدد 11-19). البشير
لا يقرن هذه الحادثة بوقت محدد بل إنما
يذكرها مما جرى مدة ذهاب الرب الأخير إلى
أورشليم فاستقبلهُ في إحدى القرى عشرة
رجال برص فوقفوا من بعيدٍ. قد حكم عليهم
بموجب الشريعة أن يكونوا خارج المحلة ولا
يقربوا شخصًا طاهرًا، والأبرص الذي فيهِ
الضربة تكون ثيابه مشقوقة ورأسهُ يكون
مكشوفًا ويغطي شاربيهِ وينادي نجس نجس.
كل الأيام التي تكون الضربة فيهِ يكون
نجسًا انهُ نجس يُقيم وحدهُ خارج المحلة
يكون مقامهُ (لاويين 45:13، 46) لا يُخفى أن
البرص عبارة عن الخطية. ورفعوا صوتًا
قائلين: يا يسوع يا مُعَلم ارحمنا كانت
الشريعة قد أبعدتهم عن معاشرة الناس وعن
مسكن الله ولكنهم تجاسروا بالإيمان أن
يقتربوا إلى يسوع إلى هذا المقدار حتى
ينادوهُ بأن يرحمهم. فنظر وقال لهم:
اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة لكي يحكموا
بذلك فقبلوا كلامهُ وق\فيما هم منطلقون
طهروا صدقوا قول الرب أولاً ثم اختبروا
صدقهُ اختبارًا حقيقيًا وهذا من طريق
الإيمان دائمًا لأننا نستند على كلمة
الله ثم نرى انهُ يُتممها لنا فعلاً
فواحد منهم لما رأى انهُ شُفي رجع يمجد
الله بصوت عظيم وخرَّ على وجههِ عند
رجليهِ شاكرًا لهُ وكان سامريًّا. فهذا
مَّيز أن شافيهُ ليس إلا الله ظاهرًا في
الجسد فرجع إليهِ إذ لم يشعر باحتياجهِ
إلى الكهنة البشريين مع أن النظام القديم
كان قائمًا بعد ولا يشاء الرب ان يخالفهُ
ولكننا نرى أن الذين كان فيهم إيمان
بشخصهِ أخذوا يتركونهُ شيئًا فشيئًا
لأنهم التزموا بأن يختاروا بين يسوع وبين
أرباب النظام القديم الرافضيهِ. غير انهُ
لم يخرجهم منهُ جبرًا بل ترك كل واحد
لإيمانهِ. فلما ميزوا مَنْ هو التصقوا
بهِ كَربَّهم ومركزهم اجتمعوا إليهِ ولم
يرفضهم فإنهُ كان من الأمور الجائزة لهُ
باعتبار مجد شخصهِ أن يجمع أُناسًا حولهُ.
فأجاب يسوع وقال: أليس العشرة طهروا فأين
التسعة؟ ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدًا
لله غير هذا الغريب الجنس. ثم قال لهُ: قم
وامضِ إيمانك خلَّصك. كان في التسعة
إيمان بقوة يسوع لشفائهم فلما حصلوا على
مرغوبهم استمروا في طريقهم إلى الكهنة
وبقوا يهودًا. لم يروا شيئًا آخر في ذات
المسيح ليجتذب قلوبهم إليهِ. وأما الغريب
الجنس فلم يكن مرتبطا بالنظام
الإسرائيلي كالآخرين فرجع حالاً لله
الذي أعلن ذاتهُ لإيمانهِ في يسوع وسجد
لهُ نعم ومجد الله بصوت عظيم قدام
الآخرين. لم يكن الرب قد أوصاهُ أن يفعل
ذلك ولكنهُ كان العمل الأليق بهِ فشعر
الرب بحالة الآخرين بحيث لم يكن فيهم
التمييز فإن إله إسرائيل اجتاز في وسطهم
بالنعمة ورحمهم حين صرخوا إليهِ ولكنهم
لم يعرفوهُ. لاحظ أن قصد الوحي بذكرهِ هذه
الحادثة هو إعلان نعمة الله التي بلغت
أولئك الرجال المحكوم عليهم بالشريعة أن
يبعدوا عن محلة الله كما أنها فتشت على
الخروف الضال والدراهم المفقود وقبلت
الابن الشاطر حين رجع من الكورة البعيدة.
فلا يقصد الوحي بشفاء البُرص أن يبرهن
حضور الله فقط بل إظهار نعمتهِ لأبعد
الناس أيضًا، ونرى أيضًا أن البرص جعل
الرجال الإسرائيليين متساويين مع
السامري كما أن الخطية أيضًا قد جعلت
اليهود والأمم سوية فصاروا جميعًا
محتاجين إلى النعمة التي تخلصهم مجانًا
ونأتي بهم إلى المسيح، وأما السامري فنال
أكثر من الشفاء بحسب المبدأ الجميل مَنْ
لهُ يُعطى ويزداد لأن المسيح أطلقهُ
بحرية خلاص الله وهذا أفضل من شفاء الجسد.
20
وَلَمَّا سَأَلَهُ
الْفَرِّيسِيُّونَ:«مَتَى يَأْتِي
مَلَكُوتُ اللهِ؟» أَجَابَهُمْ وَقَالَ:«لاَ
يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ
بِمُرَاقَبَةٍ، 21 وَلاَ
يَقُولُونَ: هُوَذَا ههُنَا، أَوْ:
هُوَذَا هُنَاكَ! لأَنْ هَا مَلَكُوتُ
اللهِ دَاخِلَكُمْ». (عدد 20، 21). كانت
أفكارهم في إقامة الملكوت بالقوة أنها
تظهر ببعض علامات لبركة إسرائيل ولقهر
الأمم ووضعهم تحت باطن أقدامهم. فأجابهم
وقال: لا يأتي ملكوت الله بمراقبة يعني
بعلامات يمكنهم أن يُراقبوها عيانًا
ويتحققوا بها إتيان الملكوت، ولا يقولون
هوذا ههنا أو هوذا هناك لأن ها ملكوت الله
داخلكم يعني انهُ في وسطهم ليس المعنى
انهُ داخل قلوب أولئك الفريسيين. كان
الملكوت حاضرًا في وسطهم بذات المسيح
ولعماهم لم يقدروا أن يميزوهُ شاء الله
وعرضهُ عليهم على هذه الهيئة لامتحان
إيمانهم. فبينما هم منتظرون علامات في
السماء والأرض حضر الملك في وسطهم فعثروا
فيهِ كحجر صدمة. كقول سمعان الشيخ: ها أن
هذا وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل
ولعلامة تقاوم وقد رأينا بأي مقدار من
البغض قاومهُ أولئك الفريسون لا شك أن
الملكوت سيأتي بعد بعلامات عند إقامتهِ
فعلاً كما سنرى في الفصل القادم ولكن
الرب جاوبهم بحسب الحق الواجب عليهم أن
ينتبهوا إليهِ وقتئذ كجوابهِ للذي قال:
طوبى لمَن يأكل خبزًا في ملكوت الله (إصحاح
14) 22 وَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ:«سَتَأْتِي
أَيَّامٌ فِيهَا تَشْتَهُونَ أَنْ
تَرَوْا يَوْمًا وَاحِدًا مِنْ أَيَّامِ
ابْنِ الإِنْسَانِ وَلاَ تَرَوْنَ. 23 وَيَقُولُونَ
لَكُمْ:هُوَذَا ههُنَا! أَوْ: هُوَذَا
هُنَاكَ! لاَ تَذْهَبُوا وَلاَ
تَتْبَعُوا، 24 لأَنَّهُ كَمَا
أَنَّ الْبَرْقَ الَّذِي يَبْرُقُ مِنْ
نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ يُضِيءُ
إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ،
كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا ابْنُ
الإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ. 25 وَلكِنْ
يَنْبَغِي أَوَّلاً أَنْ يَتَأَلَّمَ
كَثِيرًا وَيُرْفَضَ مِنْ هذَا الْجِيلِ.
(عدد 22-25). سبق
وأعطى تنبيهًا لضمائر الفريسيين، وأما
هنا فيخاطب تلاميذهُ باعتبار غيابهِ
ورجوعهِ ثانية من السماء. فبعد ارتفاعهِ
عنهم يشتهون أن يروا يومًا واحدًا من
أيام حضورهِ معهم ولا يمكنهم ذلك، وحينئذ
تكون الفرصة مناسبة لظهور المُسحاء
الكذبة بينهم للغش، والضلال، وظهورهم
يوافق عدم إيمان الفريسيين نعم الأمة
الغير المؤمنة أيضًا حيث يُقال: هوذا
ههنا وهوذا هناك، ولكن ينبغي لتلاميذ
المسيح أن ينتظروهُ من السماء لا في
البرية ولا المخادع؛ لأنهُ سيأتي من
السماء كالبرق بلمعان مجدهِ. غير أنهُ
يتألم كثيرًا ويُرفَض من الجنس
الإسرائيلي أولاً لا يقدر أن يأتي من
السماء ثانية على هيئة المذكورة هنا إن
لم يرتفع إلى السماء قبل ونراهُ هنا في
طريقهِ إلى أورشليم حيث يكمل خرجهُ
ويرتفع. 26 وَكَمَا كَانَ فِي
أَيَّامِ نُوحٍ كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا
فِي أَيَّامِ ابْنِ الإِنْسَانِ: 27 كَانُوا
يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ،
وَيُزَوِّجُونَ وَيَتَزَوَّجُونَ،
إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ دَخَلَ
نُوحٌ الْفُلْكَ، وَجَاءَ الطُّوفَانُ
وَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ. 28 كَذلِكَ
أَيْضًا كَمَا كَانَ فِي أَيَّامِ لُوطٍ:
كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ،
وَيَشْتَرُونَ وَيَبِيعُونَ،
وَيَغْرِسُونَ وَيَبْنُونَ. 29 وَلكِنَّ
الْيَوْمَ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ لُوطٌ
مِنْ سَدُومَ، أَمْطَرَ نَارًا
وَكِبْرِيتًا مِنَ السَّمَاءِ
فَأَهْلَكَ الْجَمِيعَ. 30 هكَذَا
يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ
يُظْهَرُ ابْنُ الإِنْسَانِ. (عدد 26-30). لاحظ
انهُ لا يُشير إلى الحوادث المتعلقة
بخراب أورشليم وتشتيت اليهود إلى أقاصي
الأرض بل إلى حالة العالم ساعة مجيئهِ
ثانيةً فإنهُ سيجد الناس مرتبكين بأمور
الحياة كما كانوا في أيام نوح لا شك بأنهم
يكونون متورطين في شرورهم أيضًا ولكن
الرب إنما يُشير إلى إلهاءهم بالأشياء
الجائزة كما سبق وذكر في مثل العشاء
العظيم العوائق التي تمنع الناس عن قبول
دعوة الله وقت النعمة. كانت دينونة
العالم بالطوفان وخراب سدوم وعمورة
رمزًا أو مثالاً لدينونة المسكونة وقت
ظهور المسيح. 31 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ
مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ
وَأَمْتِعَتُهُ فِي الْبَيْتِ فَلاَ
يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا، وَالَّذِي فِي
الْحَقْلِ كَذلِكَ لاَ يَرْجعْ إِلَى
الْوَرَاءِ. 32 اُذْكُرُوا
امْرَأَةَ لُوطٍ! 33 مَنْ طَلَبَ
أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا،
وَمَنْ أَهْلَكَهَا يُحْيِيهَا. 34 أَقُولُ
لَكُمْ: إِنَّهُفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ
يَكُونُ اثْنَانِ عَلَى فِرَاشٍ
وَاحِدٍ، فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ
وَيُتْرَكُ الآخَرُ. 35 تَكُونُ
اثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعًا،
فَتُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ
الأُخْرَى. 36 يَكُونُ اثْنَانِ فِي
الْحَقْلِ، فَيُؤْخَذُ
الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ». 37 فَأَجَابوا
وَقَالُوا لَهُ:«أَيْنَ يَارَبُّ؟»
فَقَالَ لَهُمْ: «حَيْثُ تَكُونُ
الْجُثَّةُ هُنَاكَ تَجْتَمِعُ
النُّسُورُ». (31-37). يُشير خصوصًا إلى حالة اليهود في أرضهم في وقت الضربات المُتنبأ عنها في مواضع كثيرة ويقول لهم: أن يهربوا سريعًا تاركين أمتعتهم وحقولهم بغاية العجل لكي ينجوا بحياتهم. قابل هذا مع (مَتَّى 15:24-28) وترى أن هذا الهرب يصير وقت إقامة رجسة الخراب في المكان المقدس. فيكون بعض اليهود حينئذ تلاميذ للمسيح وينتبهون إلى إنذارا ته المتضمنة في نبواتهِ فيهربون من أورشليم ونواحها لكي يخلصوا من الضربات العنيفة العتيدة أن تحلَّ عليها. فقصد الله أن يحفظهم ليرثوا الأرض بسلام فيما بعد كما حفظ نوح، ولوط. لا توجد هنا إشارة إلى اختطاف الكنيسة قبل بداءة الضربات فإن ذلك إنما عُرف بموجب إعلانات خصوصية بعد ارتفاع المسيح انظر (تسالونيكي الأولى 13:4-18؛ تسالونيكي الثانية 1:212) وأما بعد إعلانهِ صريحًا فنستطيع أن نميز عدة إشارات إليهِ في مواضع شتى. فبالحقيقة رجاؤنا نحن هو بأننا نُنقل إلى السماء قبل دينونة العالم كما سار اخنوخ مع الله ونُقل قبل الطوفان، ولكن هذا ليس موضوع الرب هنا اذكروا امرأة لوط. هذا تنبيه لليهود ولنا نحن أيضًا. معلوم أن الإنسان يقع في حيرة وقت تراكم الأخطار وسيجان الشعوب ويتردد بأفكارهِ حيث يستصعب أن يهاجر وطنهُ ويترك بيتهُ، ومالهُ حتى يتأكد تمامًا انهُ لم يبق لهُ أمل يحفظ شيء، وتراهُ أوقاتًا كثيرة يتوانى ويخسر حياتهُ فيكون اليهود الأتقياء بحالة كهذه والرب يلحُّ عليهم بالهرب على وجه السرعة فإن حفظ الحياة أفضل من المال، وأما نحن فلا نزال في تجربة أن نتمسك بهذا العالم مدة غياب السيد ونتغافل عن سرعة مجيئهِ ولا نستعد للاختطاف فإذ ذاك يُفاجئنا يوم الرب بلا شك. بقى قلب امرأة لوط في سدوم فلم يكن اقتضاء لنقلها جسدًا من موضع الدينونة فجعلها الرب عبرةَّ للآخرين إذ حولها إلى عمود ملح لا ينفع لشيء إلا كختم أو علامة لدلالة الناس وقت هربهم من دينونة الله. وهكذا حالة النصارى الذين تعلقت قلوبهم بهذا العالم خصوصًا مَنْ كانت فيهم معرفة مجيء الرب وسكب الضربات ومع ذلك لا يلتصقون بالمسيح بل يحسبون العالم شيئًا يهلكها ومَنْ أهلكها يُحييها. راجع (إصحاح 24:9) حيث الرب يخصص هذا صريحًا لتلاميذهِ في كل حين. أقول لكم: انهُ في تلك الليلة يكون اثنان على فراش واحد فيؤخذ الواحد ويترك الآخر الخ. يُشير بهذا إلى دقة الدينونة وتمييز الديَّان بحيث انهُ يقدر أن يميز بين اثنين وان يكونا على فراش واحد إلى خلاف ذلك من نسب الحياة التي تجمع الناس معًا ويأخذ الواحد بدينونتهِ ويترك الآخر أي يحفظهُ للملكوت على الأرض. فلما استغرب التلاميذ من دينونة مدققة كهذه قالوا لهُ: أين يارب؟ فقال لهم: حيث تكون الجثة هناك تجتمع النسور. فأورشليم الأثيمة القاتلة أنبياء الله هي الجثة والنسور عبارة عن دينونة الله التي لابد أن تجدها منتنة بآثامها وتجتمع عليها كنسور من كل الجهات. لا شك بأن الاختطاف يفصل بين الناس أيضًا لأن المسيح لا يأخذ إلا خاصتهُ غير أن ترتيب إجراءهِ يكون بعكس عملهِ مع الأحياء فيما بعد بحيث أن الذي يؤخذ يختطف للقاء الرب يترك يكون للدينونة. |