لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تفسير إنجيل متى

الإصحاح الثاني

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الإصحاح الثاني

زيارة المجوس (عدد 1-12)

«ولما وُلد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود، فأننا قد رأينا نجمه في المشرق وأتينا لنسجد له. فلما سمع هيرودس الملك اضطرب وجميع أورشليم معه، فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح. فقالوا له، في بيت لحم اليهودية. لأنه هكذا مكتوب بالنبي القائل وأنت يا بيت لحم، أرض يهوذا، لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مُدبر يرعى شعبي إسرائيل» (عدد 1-6).

المجوس، علماء أو حكماء، عكفوا على دراسة الفلك والطب وأسرار الطبيعة وتفسير الأحلام (دانيال 2:2). وقد أُطلق هذا الاسم على كل العلماء والفلاسفة في الشرق. وأتخذ الملوك منهم مشيرين وعَّين نبوخذ نصر ملك بابل دانيال كبيرًا للمجوس (دانيال 11:5).

ولا نعرف شيئًا عن هؤلاء المجوس المذكورين هنا، إلا أنهم أتوا من المشرق إلى أورشليم، لكي يسجدوا للمولود ملك اليهود. فأن جانبًا كبيرًا من المعرفة الحقيقية عن ولادة المسيا، ملك اليهود كان قد انتشرت بين الأمم منذ زمان طويل لاسيما من وقت سبي بابل وانتشار اليهود بتوراتهم ومجامعهم في كل الأرض.

كما لا نعرف من إي بلاد في المشرق أتى المجوس، ولا كم كان عددهم وقد شاء الوحي أن يسكت عن هذا الأمر، فمن الغباوة أن ندعي أننا قادرون على إيضاحه. ولكن الذي نعلمه هو أن المشرق يقع شرق الأرض المقدسة ( قابل إشعياء 6:2 حاشية ) وأن الله قد ألهمهم بالنجم بأن يحضروا لكي يعترفوا بالمسيح كملك اليهود، وبالنسبة أنه الشخص العظيم المُتَنَبَأْ عنه أنه يأتي ليملك، لا على اليهود فقط، بل وعلى جميع الأمم أيضًا (مزمور 72).

ولكن كيف كانت حالة اليهود وقت ولادة ملكهم الحقيقي؟ كانت عائلتهم الملكية قد انحطت كما رأينا في (إصحاح 1). وكان ملك أجنبي، أدومي الجنس، متسلطًا عليهم من قبل الرومان وكان رؤساء على ارتباط وثيق بالملك الكذاب المتعصب، وخاضعين لأمره. حصل اضطراب للملك ولأهل أورشليم جميعًا عندما بلغهم الخبر بولادة مسيحهم. فإن الله كان قد أجرى عمله بدون معرفتهم، ثم استخدم أُناسًا أجنبيين، لتبلغهم الخبر.

فجمع هيرودس كل رؤساء الكهنة وهم رئيس الكهنة المقام في ذلك الوقت، ومعه رؤساء الفرق الكهنوتية الأربع والعشرين (أخبار الأيام الأول 1:24-19؛ أخبار الأيام الثاني 8:23 قابل لوقا 8:1) وكتبة الشعب أيضًا. ومع أن الكهنة والكتبة قد عرفوا كتبهم حرفيًا إلا أنهم لم يعرفوا ذاك الذي شهدت عنه تلك الكتب. فأجابوا سؤال الملك حالاً عن الموضع الذي يُولد فيه المسيح، أما ذاك الذي وُلد فلم يعرفوه. دلّوا الآخرين عليه، دون أن يذهبوا هم إليه. وهكذا نكون نحن أيضًا إن كنا نُعِّلم الآخرين بكلمة الله ونحن غير سالكين فيها. «وأنت، يا بيت لحم أرض يهوذا الخ» بيت لحم مدينة صغيرة في الجنوب الغربي من أورشليم، على بعد ستة أميال، معناها «بيت الخبز» وُسميت مدينة داود (لو4:2) لأنها كانت وطنه الأصلي (صموئيل الأول 1:16،18)، وُسميت «بيت لحم اليهودية» و«بيت يهوذا» (قض7:17) تمييزًا لها عن مدينة أخرى بنفس الاسم في الجليل (يشوع 15:19) وُسميت كذلك «افراته» و«بيت لحم افراته» (تكوين 19:35؛ ميخا 2:5).

هذه النبوة واردة في (ميخا 2:5) وهى مُقتبسة لا بحروفها بل بمعناها وهو أن بيت لحم، مع أنها صغيرة بالنسبة إلى مدن يهوذا، ولكن يعظم شأنها، لأن منها يخرج المُدَبّرْ الذي يرعى شعب الله. ولو كان الكهنة والكتبة قد لاحظوا قرائن النبوة لرأوا أن الملك المولود ليس هو إ لا القديم الأيام «الذي مخارجه منذ القديم. منذ أيام الأزل» وأن إسرائيل مزمعون أن يضربوا قاضيهم هذا بقضيب على خده (ميخا1:5) ولكنهم اكتفوا من النبوة بما جاء فيها جوابًا على سؤال هيرودس، واستمروا في طريقهم يأكلون بيوت الأرامل، ولعلة يطيلون صلواتهم (إصحاح 23) وأما المجوس الأتقياء فذهبوا في طريقهم، وفازوا بمرغوبهم.

«حينئذ دعا هيرودس المجوس سرًا وتحقق منهم زمان النجم الذي ظهر. ثم أرسلهم إلى بيت لحم وقال، اذهبوا وافحصوا بالتدقيق عن الصبي، ومَتَّى وجدتموه فأخبروني لكي آتى أنا أيضًا وأسجد له. فلما سمعوا من الملك ذهبوا وإذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء ووقف حيث كان الصبي. فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًا، وأتوا إلى البيت ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له. ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبًا ولبانًا ومرًا، ثم إذ أُوحى إليهم في حُلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا في طريق أخرى إلى كورتهم» (عدد 7-12).

لم تكن أفكار الملك مُطَمْئِنَة، وإذ كان قاصدًا إهلاك الصبي، استدعى المجوس سرًا، وتحقق منهم مَتَّى ظهر لهم النجم، وبذلك عرف زمان ولادة المسيح، كما كان قد عرف من الكهنة والكتبة مكان ولادته، ويتبين من (عدد 16) أن النجم كان قد ظهر لهم قبل إتيانهم إلى أورشليم بنحو سنتين، لاشك أنه ظهر لهم وقت ولادة المسيح واستنتجوا بحسب معرفتهم أنه علامة لولادة ملك اليهود، ثم بعد أن صرفوا وقتًا في الاستعداد للسفر، وفى الرحلة نفسها، أتوا إلى أورشليم متوقعين أن يجدوا الملك المولود في قصر الملك. ثم بعد أن خرجوا من عند الملك إذا النجم الذي كانوا قد رأوه وهم في وطنهم ظهر لهم ثانية. لم يكن قد رافقهم إلى أورشليم، ولكنه تقدمهم منها لهدايتهم إلى البيت الذي كان الصبي فيه، فإن جميع العناصر تحت أمره ويقدر أن يستخدمها كما يشاء.

«ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهبًا ولبانًا ومرًا». الذهب واللبان والمر من الهدايا التي كانت تقدم عادة للملوك (ملوك الأول 2:10، إشعياء 6:60). وقد ظن البعض أن المجوس فهموا ما لتلك الهدايا من مدلولات روحية، ولكنى لست أرى أساسًا لهذا الظن لأن الكتاب يذكر بصريح اللفظ أنهم إنما استدلوا عليه فقط كملك اليهود. يحتمل أن الله عاد وأعطاهم نورًا أكثر فيما بعد بحسب مبدئه الإلهي الجميل أن كل من له يُعطى فيزداد (مَتَّى 29:25)، ولكن الكتاب سكت عن هذا الموضوع ومن ثم يجب أن نسكت نحن أيضًا.

ولكن بالرجوع إلى رموز الكتاب المقدس، يمكننا نحن أن نستدل على ما تضمنته تلك الهدايا من معان. ومدلولات نبوية فزيارة المجوس (الأمم) ترينا أن مُلك المسيح سيكون، ليس على اليهود فقط، بل على الأمم أيضًا. وهذا ما سيتم في المستقبل، في الملك الألفي. أما هداياهم (الذهب واللبان والمر) ففيها رمز جميل إلى المستقبل الذي فيه سَيُقَدْمُ ملوك الأمم هداياهم للرب وقت الملكوت (مزمور 10:72، إشعياء 6:60).

كما أن الذهب فيه الدلالة على مجده الإلهي ( قابل خروج 17:25 مع عبرانيين 5: 9). واللُبَانْ على كماله الإنساني (قابل لاويين 1:2 مع أفسس 2:5، كورنثوس الثانية 15:2). والمر على ألمه الكفاري (قابل مزمور 21:69، مَتَّى 33:27 مع يوحنا 28:19-30 ، 39).

ومن ناحية أخرى، يمكن القول أن في هذه التقدمات الثلاث، ما يشير إلى وظائفه الرسمية الثلاث: كالملك ( قابل دانيال 37:2، 38 مع نشيد الأنشاد 11:3، 11:5). والكاهن ( قابل لاويين 12:16، 13 مع عبرانيين 24:9، رؤيا 3:8، 4). والنبي (رؤيا 10:10، حزقيال 10:2، 14:3 قابل مزمور 3:64 مع أعمال 37:2، أمثال 10:14، لوقا 62:22). وبعد أن قدم المجوس هداياهم، انصرفوا إلى وطنهم في طريق أخرى. ولم يرجعوا إلى هيرودس حسب طلبه. وكان ذلك بوحي لهم من الله الذي قيل عنه «المُبْطِلَ أفكار المُحْتَالِينَ فلا تُجْرِي أيديهم قصدًا، الآخذ الحُكَمَاءَ بحيلتهم فَتَتَهَوَّرُ مشورة الماكرين» (أيوب 12:5، 13).

 

الهرب إلى مصر وقتل الصبيان في بيت لحم وتخومها

(عدد 13-18)

«وبعدما انصرفوا إذا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً. قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر وكن هناك حتى أقول لك. لأن هيرودس مُزْمِعٌ أن يطلب الصبي لِيُهْلِكَهُ. فقام وأخذ الصَّبِيَّ وأمه ليلاً وانصرف إلى مصر وكان هناك إلى وفاة هيرودس. لكي يَتِمَّ ما قِيلَ بالنبي القائل من مصر دَعَوْتُ ابني» (عدد 13-15).

عرف الرب أفكار ذلك الملك الماكر الظالم. وعمل على حفظ حياة ابنه. كان يعقوب قد نزل إلى مصر بأمر الله بسب الجوع الذي حصل في أرض كنعان (تكوين 1:46-4) وهكذا صار شعب الله في أرض غريبة. ثم دعاهم الله حاسبًا إياهم بكره بين الأمم (خروج 22:4، 23). وأما من جهة تاريخهم وحالتهم زمان ولادة المسيح فكانوا قد خانوا وسقطوا كما رأينا، فقصد الله أن يبدأ تاريخهم من جديد في المسيح، فصدق على المسيح قول الله «من مصر دعوت ابني» لأن هذا البكر الحقيقي الذي به يتمجد الله في كل الأرض (إشعياء 1:49-13).

كان إسرائيل كَرْمَةً أيضًا كقوله «كَرْمَةً من مصر نَقَلْتَ. طردت أُمَمًا وغرستها.. الخ» (مزمور 8:80-13) ولكن الكَرْمَة الإسرائيلية لم تأت بالثمر المطلوب فصار كل عابري الطريق يقطفونها ويفسدها الخنزير من الوعر ويرعاها وحش البرية كما كانت حالتها زمان المسيح، وإذ ذاك صار هو الكَرْمَة الحقيقية التي تأتى بثمر لله (انظر يوحنا 1:15 قابل أيضًا مزمور 14:80، 15) حيث ترى أن الابن المتجسد صار هو الكَرْمَة أو الغرس أمام إله الجنود الذي اطلع من السماء ونظر حالة الشعب ليتعهدهم.

وكان إسرائيل أيضًا عبد الله في الأول (إشعياء 21:44) وبعدما خانوا وسقطوا صار المسيح هو العبد الحقيقي الأمين ليتم مشيئة الله كما لا يُخفى (إشعياء 1:49-13) فأنه لا يتم ولا يثبت شئ من مقاصد الله إلا في المسيح (كورنثوس الثانية 20:1) لأن الإنسان الأول إنما هو خائن وعديم النفع على أي حال، وفى أي وضع.

ولنلاحظ قول الكتاب عن هروب المسيح إلى مصر ورجوعه أيضًا من هناك بموجب دعوة إلهية «لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل من مصر دعوت ابني» وردت هذه النبوة في (هوشع 2:11) ولفظة «لكي» تفيد أن مقصد النبوة الأصلي هو المسيح.

فكل مركز أُعطى لإسرائيل وفشلوا فيه سُلم في النهاية للمسيح فمجد الله فيه. «حينئذ لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جدًا. فأرسل وقتل جميع الصِبّيْاَنِ الذين في بيت لحم وفى كل تخومها من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس. حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل: صوت سُمع في الرَّامَةِ نَوْحٌ وبكاء وعويل كثير راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين» (عدد 18:16).

يتضح مما عمل هيرودس أن النجم ظهر للمجوس قبل ذلك بنحو سنتين لأنه قتل جميع الصِبّيْاَنِ من ابن سنتين فما دون بحسب الزمان الذي تحققه من المجوس. فإذا كان عمر المسيح نحو سنتين وقت هربه إلى مصر. ونفهم من ذلك أن الحوادث المذكورة في (لوقا إصحاح 2) صارت قبل الهروب لا بعده. إذ حضر يوسف ومريم إلى الهيكل بعد ولادة المسيح بأربعين يومًا (لاويين 1:12-5، لوقا 22:2-24). ولما أكملا كل شئ حسب ناموس الرب رجعا، لا إلى بيت لحم من حيث أتيا، بل إلى الناصرة (لوقا 39:2)، ولكنهما كانا مُعتادين، كيهوديين تقيين، أن يصعدا إلى أورشليم كل سنة (لوقا 41:2). ولا عجب من زيارتهما بيت لحم في هذه المناسبة كل سنة لأنها كانت مدينة داود أبيهما (لوقا 4:2، 5)، وكانت قريبة من أورشليم، فكانا هناك وقت زيارة المجوس الذين وجدوا الصَّبِيّ مع أمه في البيت الذي دلهم عليه النجم.

لا يُخفى أن بعض الملحدين قد اعترضوا على الحوادث المدونة من جهة ولادة المسيح زاعمين أن هناك تناقضًا بين مَتَّى ولوقا، إذ بدا لهم أن المسيح حسب ما ذُكر في مَتَّى هرب إلى مصر بعد ولادته وحسب ما ذُكر في لوقا أنه رجع إلى الناصرة. ولكن ليس لاعتراضهم أدنى أساس. لأن البشير مَتَّى لا يقول أنه هرب إلى مصر عقب ولادته، بل عقب زيارة المجوس. وقد رأينا أن هذه الزيارة صارت لما كان للمسيح نحو سنتين من العمر.

(عدد 17) «حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل، صوت سُمع في الرَّامَةِ… الخ».

هذه النبوة واردة في (إرميا 15:31) ولنلاحظ أن الوحي لا يقول هنا «لكي يتم» بل يقول «حينئذ تم»، ولاختلاف العبارتين أهمية كبرى. لأنه إذا قيل عن حادثة أنها صارت «لكي يتم ما قيل» فيكون المعنى أن هذه الحادثة هي المقصد الأصلي للنبوة المذكورة وأما إذا قيل «حينئذ تم» كما هو مذكور هنا فيكون المعنى أن الحادثة ليست هي المقصد الأصلي، بل هي عن جملة حوادث تصدق عليها النبوة. فالنبوة المقتبسة هنا صدقت أولاً على حالة إسرائيل وقت سبي بابل لما كانت الأرض قد أثكلت، وتكلم النبي عن ذلك الخراب العظيم مصورًا راحيل، امرأة يعقوب المحبوبة، والتي كانت مدفونة بالقرب من بيت لحم (تكوين 19:35) كأنها قد قامت من الأموات وسألت عن أولادها ولما لم تجدهم أبت التعزية لأنهم ليسوا بموجودين في أرضهم بل مشتتين بسبب ظلم أعدائهم، كذلك كانت حالتهم في زمان ولادة المسيح لأن الوارث الحقيقي نفسه كان هاربًا من وجه الظلم، والملك الكذاب يسطو كذئب خاطف على الذين بقوا في الأرض.

 

العودة إلى الناصرة (عدد 19–23)

«فلما مات هيرودس إذا ملاك الرب قد ظهر في حُلم ليوسف في مصر قائلاً، قم وخذ الصَّبِيَّ وأُمَّهُ واذهب إلى أرض إسرائيل. لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي. فقام وأخذ الصَّبِيَّ وأُمَّهُ وجاء إلى أرض إسرائيل. ولكن لما سمع أن أَرْخِيلاَوُسَ يملك على اليهودية عوضًا عن هيرودس أبيه خاف أن يذهب إلى هناك. وإذ أُوحى إليه في حُلْمٍ انصرف إلى نواحي الجليل. وأتى وسكن في مدينة يُقَالُ لها نَاصِرَةُ. لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بالأنبياء إنَّهُ سَيُدْعَى نَاصِرِيًا.

لا نعرف تمامًا تاريخ موت هيرودس. المحتمل أنه مات بعد مدة وجيزة من هرب المسيح إلى مصر، إذ كان المسيح لا يزال صَّبَّيًا، ومعنى ذلك أيضًا أن المسيح لم يمكث هناك زمانًا طويلاً.

«إذهب إلى أرض إسرائيل» لنلاحظ أن الملاك في كلامه مع يوسف سمى الأرض هذه التسمية ليُذكِّره أن الله لم يزل يحسب الأرض لهم مهما كانت حالتهم محزنة. ويظهر أن يوسف كان قاصدًا أن يرجع إلى اليهودية وربما إلى بيت لحم. ثم عدل عن قصده بوحي من الله «وانصرف إلى نواحي الجليل وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة» ونعرف من إنجيل لوقا أنه كان ساكنًا هناك قبل ولادة المسيح (لوقا 26:1، 27؛ 2–5) وصار ذلك «لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه سَيُدْعَى نَاصِرِيًا» مدينة الناصرة ليست مذكورة في التوراة. وفي الإنجيل استعمل اسمها للدلالة على الاحتقار حتى بالجهد صدّق نثنائيل إمكانية خروج شيء صالح منها (يوحنا 46:1). فأُخذ سيدنا إلى هناك حتى يتم ما قيل في نبوات الأنبياء أنه يكون محتقرًا (إشعياء 49:1-7؛ 4:50-6؛ 14:52؛ 53؛ ميخا1:5؛ زكريا 12:11؛ 10:12؛ 6:13).

فهو لم يسكن في بيت لحم مدينة داود، ولا في أورشليم مدينة الملك العظيم، بل في الناصرة المحتقرة. والخلاصة، أن ابن داود، ابن إبراهيم، يهوه المخلص وعمانوئيل، لما حضر في وسط شعبه المحبوب، لم يتجه إلى كرسي داود أبيه حسب الجسد، لأن الملك الأجنبي الكذاب المُغتصب كان جالسًا عليه بمساعدة الرومانيين، بل سكن متواريًا في مدينة من الجليل، بين أذل الغنم حسب نبوة زكريا (إصحاح 11). وكان الكهنة ورؤساء الشعب على ارتباط بهذا الملك وخاضعين له ولأسياده الرومانيين المتعظمين. وكان اليهود قد انحطوا هذا الانحطاط العظيم المهين بسبب خيانتهم لله. ومع أنهم أبغضوا الأمم وأنوا تحت نيرهم القاسي الموضوع عليهم، فإنهم من جهة لم يقدروا أن يتخلصوا منه ومن جهة أخرى لم يخضعوا له كقصاص عليهم من الله. تمنوا أن يتحرروا من يد الأمم دون أن يعترفوا بخطاياهم لله ويقبلوا الوارث الحقيقي لكرسي داود، القادر أن يخلصهم، لا من يد أعدائهم فقط، بل ومن خطاياهم أيضًا. ولكن على قدر ما انحطوا ازدادت كبرياؤهم ورياؤهم. وعلى قدر ما فقدوا امتيازاتهم القديمة افتخروا بها افتخارًا فارغًا جسديًا. وهكذا كانت حالتهم حين ظهر يوحنا المعمدان بينهم ليدعوهم إلى التوبة ويهيئ الطريق أمام وجه الرب يسوع، يهوه المخلص.

 أ  ب  1    2    3    4    5    6     7    8    9    10    11    12    13    14    15    16    17    18    19    20    21    22    23    24    25    26    27    28   ج  

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة