لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تفسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح السابع

1 وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الأُمُورِ الَّتِي كَتَبْتُمْ لِي عَنْهَا: فَحَسَنٌ لِلرَّجُلِ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَةً. 2 وَلكِنْ لِسَبَبِ الزِّنَا، لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا. 3 لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ. 4 لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ. (عدد 1-4).

 يتضح أنهم سبقوا وسألوهُ بعض سؤالات ومنها عن مناسبة الزواج للمسيحيين. فيُجيب أن الامتناع عن الزواج حسن ولكنهُ لا يوضح هنا بأي وجه يكون ذلك حسنًا بل يبادر إلى وضع قانون مطلق على المسيحيين بالزواج لكي يمكنهم أن يمتنعوا عن الزنا. يجب أن تكون لكل واحد امرأتهُ الخاصة وأن يكون لكل واحدة رجلها وإلا فيكون باب واسع للفساد، ثم متى اقترن رجل مع امرأة يصير عليهما واجبات متبادلة من جهة عيشتهما معًا بالحق خصوصًا في إشباع تلك الشهوات الطبيعية التي خلقها الله فينا وحلل استعمالها على طريقة صوابية. فلا يجوز للواحد أن يفعل نحو الآخر كأن جسدهُ لم يزل خاصتهُ هو فإن الله قد أعطى جسد الرجل لامرأتهِ وكذلك جسد المرأة لرجلها. هذا معنى التسلط المذكور هنا.  

5 لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ، إِلَى حِينٍ، لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضًا مَعًا لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ. (عدد 5).

 لفظة الصوم ليست موجودة في أقدم النسخ وأصححها. لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين معناهُ إن كان أحد المتزوجين يمتنع عن الآخر في شأن اجتماعهما كرجل وامرأة فيُحسب ذلك كأنهُ سلبهُ حقهُ الواجب فلا يجوز ذلك إلا بالاتفاق والرضى بينهما، ولا يكون الامتناع إلا وقتيًا فقط. فيفرض الرسول هنا أن للواحد رياضة أو تمرين روحي خصوصي ينزع عنهُ في وقتهِ الأميال الطبيعية ويقتضي الفراغ عن أشياء كهذه لكي بمارس الصلاة ففي حالة كهذه يجوز لهُ بخاطر الآخر أن يُترك إلى حين ما يجب عليهِ للآخر من هذا القبيل ثم يجتمعان معًا أيضًا حذرًا من تجربة الشيطان بحيث انه إذا طال الوقت لابد أن الشيطان يتمكن من تحريك الطبيعة في الواحد وربما يحملهُ إلى ارتكاب الزنا. لسبب عدم نزاهتكم أي لعدم قدرة الواحد أن يحتمل بعد، نرى في هذا الفصل القداسة المتصف بها الزواج بحسب ترتيب الله. الويل لمَنْ يتكلم سوءًا عنهُ كأنهُ نوع من النجاسة فإن ذلك من تعاليم الشياطين(تيموثاوس الأولى 3:4). والقداسة لا تقوم بالامتناع عن الزواج بل بتتميم جميع واجباتنا الناشئة من نسبنا المتبادلة بعضنا لبعض إن كنا متزوجين.  

6 وَلكِنْ أَقُولُ هذَا عَلَى سَبِيلِ الإِذْنِ لاَ عَلَى سَبِيلِ الأَمْرِ. 7 لأَنِّي أُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ النَّاسِ كَمَا أَنَا. لكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ مَوْهِبَتُهُ الْخَاصَّةُ مِنَ اللهِ. الْوَاحِدُ هكَذَا وَالآخَرُ هكَذَا. (عدد 6-7).

 يُشير هنا إلى قولهِ: ولكن لسبب الزنا ليكن لكل واحد امرأتهِ الخ في العدد 2. فإنهُ لو قال هذا على سبيل الأمر لما كان حق للإنسان المسيحي أن يعيش إلا متزوجًا، ولكن معناهُ ليس هكذا فإنهُ إذنَ لهم بالزواج أي أباحه وسوغهُ وصادق عليهِ كترتيب الله وأشار إليهم أن الزواج مما يحفظهم من الزنا. فلنحترز من الظن أن الزواج محرم في ذاتهِ وإنما مأذون لنا بسبب غلاظة قلوبنا كما أذنَ موسى بتكثير النساء لرجل واحد في الأيام القديمة فإن ذلك ليس من مقصد الرسول هنا مطلقًا. كأن يشاء أن جميع المؤمنين يعيشون مثلهُ بدون الزواج ولكنهُ عرفَ جيدًا أن ليست للجميع القدرة على ذلك وسيظهر لنا فيما بعد بأي وجه فضل حالة عدم الزواج على الزواج للمسيحيين.  

8 وَلكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ، إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا. 9 وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَضْبُطُوا أَنْفُسَهُمْ، فَلْيَتَزَوَّجُوا. لأَنَّ التَّزَوُّجَ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّقِ. (عدد 8، 9).

 فالمسيحي الذي ليست له القدرة على ضبط طبيعتهِ حتى يعيش هادئًا خارجًا عن رباط الزواج فالأصلح له أن يتزوج. لم يزل الرسول يتكلم على سبيل النصيحة الروحية. 

10 وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ، فَأُوصِيهِمْ، لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ، أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا، 11 وَإِنْ فَارَقَتْهُ، فَلْتَلْبَثْ غَيْرَ مُتَزَوِّجَةٍ، أَوْ لِتُصَالِحْ رَجُلَهَا. وَلاَ يَتْرُكِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ. (عدد111).

 هذا للمسيحيين المتزوجين ويظهر أن الزواج متى انعقد يقتضي أن الزوجين يعيشان معًا ولا يجوز للواحد أن يفارق الآخر هذا من أوامر الرب ولا محل هنا للنصائح أو من غيرهِ. وأما (العدد 11) فيُشير على سبيل الافتراض إلى ما يمكن أن يكون قد حصل بينهم قبل أن وصلت هذه الرسالة إليهم، ومعناهُ إن كانت امرأة قد فارقت رجلها قبل أن عرفتم حكم الرب في مسألة كهذه فلا يجوز لها أن تتزوج بل الأفضل أن تُصالح رجلها، ولكن من الآن فصاعدًا الافتراق ممنوع حتمًا.

12 وَأَمَّا الْبَاقُونَ، فَأَقُولُ لَهُمْ أَنَا، لاَ الرَّبُّ: إِنْ كَانَ أَخٌ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُ مُؤْمِنَةٍ، وَهِيَ تَرْتَضِي أَنْ تَسْكُنَ مَعَهُ، فَلاَ يَتْرُكْهَا. 13 وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا رَجُلٌ غَيْرُ مُؤْمِنٍ، وَهُوَ يَرْتَضِي أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا، فَلاَ تَتْرُكْهُ. 14 لأَنَّ الرَّجُلَ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ مُقَدَّسٌ فِي الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ الْمُؤْمِنَةِ مُقَدَّسَةٌ فِي الرَّجُلِ. وَإِلاَّ فَأَوْلاَدُكُمْ نَجِسُونَ، وَأَمَّا الآنَ فَهُمْ مُقَدَّسُونَ. (عدد 12-14).

اتفق في الأول أوقاتًا كثيرة أن أحد المتزوجين صار مسيحيًا والأخر بقى يهوديًا أو وثنيًا فوضع الرسول قانونًا للذين على حالة كهذهِ. إن الزواج المسيحي لا يترك الآخر بسبب اختلاف بينهما منم هذا القبيل، وهذا خلاف شريعة موسى التي لم تسمح للرجل الإسرائيلي مثلاً أن يسكن مع امرأة وثنية انظر (عزرا 3:10) لأنه يتنجس منها فالتزم أن يطلقها مع أولادها لكي يكون طاهرًا، وأما نعمة الإنجيل فلا تحتسب للنجاسة الطقسية فإنها تعتبر الزوج غير المؤمن ضمن دائرة الامتيازات المسيحية أن ارتضى بذلك وأولادهُ أيضًا، وهذا معنى التقديس المذكور هنا. فإن الرجل الوثني مثلاً الذي قبل أن امرأتهُ تكون مسيحية وتسكن معهُ كامرأته في بيتهِ أظهر انهُ ليس رافضًا اسم المسيح كل الرفض ومن ثم كان في الموضع الذي أضاء فيهِ النور لا بل كأنهُ قبل جانبًا منهُ فالمحتمل أن الرب يعطيهِ أكثر، ولكن كيفما كانت النتيجة فإقامتهُ برضاهُ في دائرة النور المسيحي تحسب بركة لهُ وكذلك لأولاده أيضًا.    

15 وَلكِنْ إِنْ فَارَقَ غَيْرُ الْمُؤْمِنِ، فَلْيُفَارِقْ. لَيْسَ الأَخُ أَوِ الأُخْتُ مُسْتَعْبَدًا فِي مِثْلِ هذِهِ الأَحْوَالِ، وَلكِنَّ اللهَ قَدْ دَعَانَا فِي السَّلاَمِ. 16 لأَنَّهُ كَيْفَ تَعْلَمِينَ أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، هَلْ تُخَلِّصِينَ الرَّجُلَ؟ أَوْ كَيْفَ تَعْلَمُ أَيُّهَا الرَّجُلُ، هَلْ تُخَلِّصُ الْمَرْأَةَ؟ (عدد 116).

 هذا مقترن مع كلامهِ السابق ومقصدهُ أن يريح أفكار الذين وقعوا في تجارب من هذا القبيل بحيث إن كان الزواج غير المؤمن لا يريد أن يكون مرتبطًا بعد مع الآخر فهو بإرادتهِ يرفع نير الزواج عن عنق الآخر. ليس الأخ أو الأخت مستعبدًا في مثل هذه الأحوال، يعني أنهُ ليس مطلوبًا أن يحسب نفسهُ بعد منتسبًا للزوج غير المؤمن الذي قد فارقهُ في نسبة الزواج. فلنلاحظ جيدًا أن الرسول لا يقول أن المُفارقة وحدها تفسخ عقد الزواج أمام الله؛ لأن الرب نفسهُ صرَّح أن لا شيء يفعل ذلك إلاَّ علة الزنا فقط. ثمَّ يذكرهم أن الله دعانا في السلام يعني من جهة حياتنا اليومية خصوصًا في مثل هذه الأحوال فلذلك لم يكن من الأمور اللائقة بهم كأبناء السلام أن يطلبوا حدوث أشياء مكدّرة كهذه. ثمَّ يأخذ يشجع الذين وجدوا أنفسهم في ظروفٍ كهذه بالنظر إلى عمل نعمة الله العظيمة بحيث أنهُ يمكن أن المؤمنة تكون واسطة خلاص رجلها فإذًا عليها بالصبر والصلاة وتتميم واجباتها بغاية الوداعة على أمل أن الله يفرح قلبها بخلاص رجلها. قابل ما ورد في (بطرس الأولى 1:3، 2). والرجل كذلك أيضًا.

يجب أن نلاحظ:

أولاً- أن الرسول بكلامهِ عن الزواج المُختلط إنما يشير إلى الذين لم يكونوا مسيحيين ثمَّ آمن أحد الزوجين ولا يفرض أن حالة كهذه تصير معنا بإرادتنا يعني أن الرجل المؤمن مثلاً يطلب عروسًا يهودية أو وثنية فإن ذلك لا يجوز.

ثانيًا- ليس لكلامهِ مدخل في اختلاف المذهب الموجود بين النصارى الآن لأنهُ يطلق علينا باعتبار اعترافنا العام بيسوع المسيح. لا شك أنهُ ينبغي لنا أن نستعمل حكمة في أمر الزواج؛ لأنهُ عظيم الأهمية بالنظر إلى راحتنا، ولكن إذا أتفق أن الزوجين مختلفا المذهب فلا تحسب ذلك كأن أحدهما غير مسيحي. لأن جميع الذين اعتمدوا باسم المسيح هم تحت قانون الزواج المسيحي.

ثالثًا-إن كانت المُفارقة لا تفسخ عقد الزواج في الأحوال التي أشار إليها الرسول فكم بالحري لا تفسخهُ بيننا نحن النصارى. 

17 غَيْرَ أَنَّهُ كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ، كَمَا دَعَا الرَّبُّ كُلَّ وَاحِدٍ، هكَذَا لِيَسْلُكْ. وَهكَذَا أَنَا آمُرُ فِي جَمِيعِ الْكَنَائِسِ. 18 دُعِيَ أَحَدٌ وَهُوَ مَخْتُونٌ، فَلاَ يَصِرْ أَغْلَفَ. دُعِيَ أَحَدٌ فِي الْغُرْلَةِ، فَلاَ يَخْتَتِنْ. 19 لَيْسَ الْخِتَانُ شَيْئًا، وَلَيْسَتِ الْغُرْلَةُ شَيْئًا، بَلْ حِفْظُ وَصَايَا اللهِ. 20 اَلدَّعْوَةُ الَّتِي دُعِيَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ فَلْيَلْبَثْ فِيهَا. 21 دُعِيتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ فَلاَ يَهُمَّكَ. بَلْ وَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصِيرَ حُرًّا فَاسْتَعْمِلْهَا بِالْحَرِيِّ. 22 لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ. كَذلِكَ أَيْضًا الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ. 23 قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ. 24 مَا دُعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلْيَلْبَثْ فِي ذلِكَ مَعَ اللهِ. (عدد 17-24).

ما أجمل كلام الرسول في أول هذا الفصل عن الأحوال المختلفة التي وجدتنا فيها نعمة الله. كنا أمواتًا في الخطايا والذنوب وحالة الختان والغرلة لا تقدّم ولا تؤخر في شأن خلاصنا وقبولنا عند الله. قد دعانا الرب بنعمتهِ العظيمة فعلينا أن نسلك في النعمة حافظين وصايا الله. ثمَّ بقولهِ الدعوة التي دعي فيها كل واحد فليلبث فيها يشير إلى أشغالنا أو مصالحنا الزمنية فالقانون لنا أن نلبث فيها منتظرين بركة الرب على تعب أيدينا. الله أمر الإنسان الساقط قائلاً بعرق وجهك تأكل خبزًا ولا يشاء أن يعفينا عن حكمهِ الأصلي هذا. وبالحقيقة التعب بركة لنا بحيث أنهُ يلهينا عن شرور كثيرة. وكثيرًا ما يستعملهُ الرب ليذلل قلوبنا بهِ (مزمور 12:107). ولا يوجد شرط علينا من جهة نوع الشغل الذي نشتغل فيهِ إلاَّ أنهُ لا يكون مما هو محرم في ذاتهِ. لأنهُ أن وجدتنا نعمة الله في شغل كهذا ينبغي أن نتركهُ لكي نحافظ على ضمير صالح لله. كما يقول الرسول في (العدد 24). وأما من جهة العبيد فحالتهم كانت أصعب بحيث أن كثيرين منهم كانوا لا سيما وثنيين غير أن الرسول يعزيهم هنا كما في مواضع أخرى من رسائلهِ. فالعبد المؤمن عتيق المسيح وإن كان مستعبدًا لسيد قاسٍ وثني غير أنهُ إذا أمكنهُ بعناية الله أن يصير حرًّا يجب أن يقبل الحرَّية بحيث أنها أوفق لهُ، ولكن إن كان حرًّا أو عبدًا فهو للرب.

 25 وَأَمَّا الْعَذَارَى، فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ، وَلكِنَّنِي أُعْطِي رَأْيًا كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا. 26 فَأَظُنُّ أَنَّ هذَا حَسَنٌ لِسَبَبِ الضِّيقِ الْحَاضِرِ، أَنَّهُ حَسَنٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَكُونَ هكَذَا: 27 أَنْتَ مُرْتَبِطٌ بِامْرَأَةٍ، فَلاَ تَطْلُبِ الانْفِصَالَ. أَنْتَ مُنْفَصِلٌ عَنِ امْرَأَةٍ، فَلاَ تَطْلُبِ امْرَأَةً. 28 لكِنَّكَ وَإِنْ تَزَوَّجْتَ لَمْ تُخْطِئْ. وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْعَذْرَاءُ لَمْ تُخْطِئْ. وَلكِنَّ مِثْلَ هؤُلاَءِ يَكُونُ لَهُمْ ضِيقٌ فِي الْجَسَدِ. وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُشْفِقُ عَلَيْكُمْ.  (عدد 25-28).

 سبق الرسول فأجاب سؤالاتهم عن الزواج وبعض واجباتهِ ونصحهم أيضًا باعتبار بعض الأحوال الخصوصية في ما يتعلق بالزواج المختلط وأما هنا فيتكلم عن موضوع مناسبة الزواج أو عدمها على وجه الإطلاق. ويقول صريحًا أن ليس لهُ أمر من الرب في شأن هذا الموضوع وإنما يعطي حكمهُ كإنسان مسيحي أمين في خدمتهِ بواسطة رحمة الرب عليهِ. ليلاحظ القارئ أنهُ يستعمل لفظة العذارى هنا عبارة عن جميع الذين لم يتزوجوا بعد سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا فأنهُ يتكلم عن مسألة الزواج مطلقًا بالنظر إلى مناسبتهِ أو عدمها لكل من الجهتين وبالحقيقة أنهُ لا ينعقد إلاَّ من فريقين ومن ثمَّ إذا صار البحث في مناسبتهِ ينبغي أن نتكلم عن الذكر والأنثى. لاحظ أيضًا: أنهُ يبني نصائحهُ على الضيق الحاضر. لا شك عندي أنهُ يشير خصوصًا إلى أحوال المؤمنين الأولين بحيث أنهم كانوا معرضين للاضطهادات القاسية من الوثنيين واليهود. فإن كان المؤمن مرتبطًا بعائلة فلا يهتمَّ بذلك؛ لأن الرب قادر أن يحفظهُ هو وإياها أيضًا. وأما المؤمن غير المرتبط فحسنٌ لهُ أن لا يطلب امرأةً. غير أنهُ إنما يتكلم عن المُناسبة فقط وليس لمسألة الخطية مدخل هنا؛ لأن المؤمنين من الذكور والإناث إذا تزوجوا لم يخطئوا مع أنهم يتضايقون أكثر من الآخرين في الأمور الجسدية أي في أمر المعاش. وكان قصد الرسول بنصيحتهِ هذه أن يصونهم من الضيقات الزائدة. الوحي لا يفرض أبدًا مرور زمان طويل قبل مجيء الرب، ولا يفرض أن المؤمنين يفوزون براحة وسلطان في العالم. لا يُخفى أن النصارى قد حصلوا على راحة في ممالك كثيرة ويندر عليهم الآن الاضطهاد من أجل اسم المسيح. فماذا نقول عن العمل بحسب نصيحة الرسول في أحوال كهذه. فأُجيب أنهُ قد سبق وأشار إلى الكورنثيين أن الزواج حسن لهم حتى في ظروفهم وقتئذٍ فكم بالحري يكون أصل لنا وإن كنا في حالة الخلوّ من الاضطهاد. فيليق بنا دائمًا أن نشكر الله لأجل جميع مراحمهِ لنا ونطلب أن نستعملها لمجدهِ.      

29 فَأَقُولُ هذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ، لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ لَهُمْ نِسَاءٌ كَأَنْ لَيْسَ لَهُمْ، 30 وَالَّذِينَ يَبْكُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَبْكُونَ، وَالَّذِينَ يَفْرَحُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَفْرَحُونَ، وَالَّذِينَ يَشْتَرُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ، 31 وَالَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ هذَا الْعَالَمَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَهُ. لأَنَّ هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُولُ. (عدد 29-31).

 من زمان صعود المسيح إلى السماء الوقت مقصَّر لأنهُ على استعداد أن يدين الأحياء والأموات. فإذًا لا يليق بقديسيهِ أن يعلقوا قلوبهم على شيء. يجب أن نهتمُّ بتقلُّبات الدهر واختلاف الأحوال كالبكاء والفرح وامتلاك قليل أو كثير من أموال هذا العالم؛ لأن كل شيء فيهِ زائل. وهذا مما يعزينا في زمان ضيق خصوصي إن كنا أيضًا عارفين ومتمتعين بنصيبنا السماوي الدائم. وأما المسيحي العالمي فليس لهُ تعزية إن ضاقت معهُ أحوال الحياة فأنهُ ينوح على فقدان كل ما لذَّ لقلبهِ الغبي. وأما الضيقات فمن الوسائط لتنقية قلوبنا ورفعها إلى ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. فحينئذٍ يسهل علينا أن نعيش مكتفين ومرتضين بأي حالة تعينت لنا من قبل إلهنا وأبينا. التمرمرات والتذمرات لا تليق بنا كأولادهِ. نحن ذاهبون إلى المجد ونفرح بقصر وقت إقامتنا هنا في هذا المشهد الذي رُفض منهُ سيدنا العزيز. فلا يزال هو معنا في الطريق وبعد قليل نكون معهُ حيث هو وفي الظروف المناسبة لهُ ولنا أيضًا والتي لا تزول. 

32 فَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا بِلاَ هَمٍّ. غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ يَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ، 33 وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُ فَيَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ يُرْضِي امْرَأَتَهُ. 34 إِنَّ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالْعَذْرَاءِ فَرْقًا: غَيْرُ الْمُتَزَوِّجَةِ تَهْتَمُّ فِي مَا لِلرَّبِّ لِتَكُونَ مُقَدَّسَةً جَسَدًا وَرُوحًا. وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجَةُ فَتَهْتَمُّ فِي مَا لِلْعَالَمِ كَيْفَ تُرْضِي رَجُلَهَا. (عدد 32-34).

يجب أن نتذكر أن الرسول متكلم بعد على سبيل النصيحة إذ لم يكن لهُ أمر من الرب من جهة هذا الموضوع ، ونرى كم يحترز من أقل كلمة تُشين الزواج. يقول لهم هنا: أنهُ إنما يريد حفظهم من الهمَّ ثم يوضح الفرق بين حالة الزيجة، والعزوبة أو العذراوية من حيث الاهتمام بأمور الحياة؛ لأنهُ من واجبات المتزوج أن يهتم في ما للعالم أي في أمر المعاش كيف يُرضي امرأتهُ؟ وهذا يصدق على الجهتين، ثم قولهُ عن غير المتزوج: أنهُ يهتم في ما للرب. يُظهر ما يمكن لهُ أن يفعل إن كانت لهُ موهبة من الله بحسب ما ورد في العدد 7، وقد أوضح لهم أن الزواج أصلح للأكثرين بسبب عدم قدرتهم على ضبط طبيعتهم، وقولهُ عن غير المتزوجة: أنها تهتم في ما للرب لتكون مقدسة جسدًا وروحًا. فمعنى مقدسة مُفرزة إذ لا يكون لآخر تسلُّط على جسدها كما سبق وقال في العدد 4.

35 هذَا أَقُولُهُ لِخَيْرِكُمْ، لَيْسَ لِكَيْ أُلْقِيَ عَلَيْكُمْ وَهَقًا، بَلْ لأَجْلِ اللِّيَاقَةِ وَالْمُثَابَرَةِ لِلرَّبِّ مِنْ دُونِ ارْتِبَاكٍ. 36 وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِدُونِ لِيَاقَةٍ نَحْوَ عَذْرَائِهِ إِذَا تَجَاوَزَتِ الْوَقْتَ، وَهكَذَا لَزِمَ أَنْ يَصِيرَ، فَلْيَفْعَلْ مَا يُرِيدُ. إِنَّهُ لاَ يُخْطِئُ. فَلْيَتَزَوَّجَا. 37 وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ رَاسِخًا فِي قَلْبِهِ، وَلَيْسَ لَهُ اضْطِرَارٌ، بَلْ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى إِرَادَتِهِ، وَقَدْ عَزَمَ عَلَى هذَا فِي قَلْبِهِ أَنْ يَحْفَظَ عَذْرَاءَهُ، فَحَسَنًا يَفْعَلُ. 38 إِذًا، مَنْ زَوَّجَ فَحَسَنًا يَفْعَلُ، وَمَنْ لاَ يُزَوِّجُ يَفْعَلُ أَحْسَنَ. (عدد 35-38).

يعود يقول لهم: أن قصدهُ الوحيد بهذه النصائح الروحية إنما هو حفظهم من هموم الحياة والارتباكات المتعلقة بحالة الزواج. ثم كلامهُ في (العدد 36-38) هو عن حالة الرجل المؤمن الشخصية ولفظة عذرائهُ تعني عذراويتهُ لأن اللفظة الأصلية تطلق على كل من اللفظتين عذراء وعذراوية بحسب اقتضاء قرائن الكلام، والجملة إذا تجاوزت الوقت يجب ترجمتها إذا تجاوز الوقت يعني إذا كان الإنسان قد أدرك البلوغ وأيضًا تترجم فليتزوجا على صيغة الجمع حسب اليوناني فليتزوجوا. فإن الكلام كلهُ يُشير إلى حالة الإنسان الشخصية ومعناهُ إن كان أحد كامل السن جديرًا بالزيجة يظن انهُ يعمل بدون لياقةٍ نحو عذراويتهِ أي أنهُ ليس قادرًا أن يتسلط على إرادتهِ حتى يعيش هادئًا في العزوبة ويحفظ عذراويتهُ فحسنًا يفعل وهذا ملخص نصائحهُ المار ذكرها. والنتيجة إذًا من زوَّج أو بالأحرى تزوج بامرأة يفعل حسنًا ومن لا يتزوج بامرأةٍ يفعل أحسن يعني بالنظر إلى الخلو من هموم الحياة كما تقدم.  

39 الْمَرْأَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ مَا دَامَ رَجُلُهَا حَيًّا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا، فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ، فِي الرَّبِّ فَقَطْ. 40 وَلكِنَّهَا أَكْثَرُ غِبْطَةً إِنْ لَبِثَتْ هكَذَا، بِحَسَبِ رَأْيِي. وَأَظُنُّ أَنِّي أَنَا أَيْضًا عِنْدِي رُوحُ اللهِ. (عدد 39، 40).

 كان في العدد أشار إلى حالة الأرامل ثم أتى بكلام عمومي لغير المتزوجين يصدق مبدأهُ على الأرامل أيضًا وأما هنا فيذكر صريحًا الأرملة المسيحية أنها على حرية تامة أن تتزوج أيضًا برجل مؤمن إن أرادت مع أن الرسول يفضل لها البقاء على حالتها كأرملة بحيث أنها تكون أكثر غبطة أي مرتاحة، وخالية من هموم الحياة أكثر. هذا كلهُ على سبيل المشورة وعلى افتراض أن للمؤمن قدرة روحية أن يقبلها وإن لم يقدر أن يقبلها فلا يُخطئ. قابل مع ما ورد في (تيموثاوس 11:5-14) في شأن تزوُّج الأرامل الحدثات حيث يقول بالوحي أنهُ يريد ذلك لسبب ضعف طبيعتهنَّ. قد رأينا في تعليمات الرسول في هذا الأصحاحأنهُ يحافظ على قداسة الزواج غاية المحافظة كترتيب الله للإنسان. الخالق الحنون يهتم بخير خليقتهِ فكل ما رتبهُ للإنسان قبل السقوط لا يزال يحافظ عليهِ الآن وقلما وُجد مؤمن يقدر أن يعيش غير متزوج ولا يعرض نفسهُ لتجربةٍ، وأيضًا إذا قدر على ذلك فليس لهُ فضل على غيرهِ بتة فإن الرسول لا يذكر حفظ العذراوية كأنهُ من الأعمال الفاضلة التي لها جزاء في السماء، وعدا ذلك لا يترك موضعًا للنذر بالامتناع عن الزواج لأنهُ يفرض أن جميع المؤمنين على حرية تامة أن يتزوجوا في أي وقتٍ شعروا باحتياجهم إليهِ. فإذًا كل من ربط نفسهُ أو غيرهُ بنذرٍ من هذا القبيل يخالف مشورة الرسول الذي يحتفظ من كل الجهات لئلا يُلقي فخًّا في طريق المؤمنين. ثم قولهُ الأخير وأظن أني أنا أيضًا عندي روح الله. فيعني بهِ أن روح الله أرشدهُ في تقديم هذه النصائح للمؤمنين ولكن ليس على سبيل الوحي لأنهُ قد كرَّر مرة بعد أخرى أن ليس لهُ أمر من الرب في شأن هذا الموضوع، ولكن للروح القدس عملاً روحيًا فينا بهِ يعطينا حكمةً وتمييزًا في بعض الأشياء المناسبة لسلوكنا، وكلما كنا روحيين وأمناء نقدر أن ننصح الآخرين في ما يَؤول لراحتهم وخيرهم. فهذا مما يتعلق باختباراتنا الروحية ونرى الرسول يميز بين هذا وبين الوحي. كانوا قد سألوهُ عن بعض أشياء ولم يكن لهُ أمر من الرب فيها فإنما أجابهم بما استنسبهُ كإنسان روحي، ويقول لهم صريحًا أن جوابهُ لم يكن أمرًا موحى بهِ من قِبل الرب ومن ثمَّ كان يجوز لهم أن يقبلوهُ أولاً كما استحسنوا، وأما كل ما لم يستثنهِ هكذا من أقوالهِ فكان واجبًا عليهم أن يقبلوهُ كأوامر الرب الموحى بها انظر (أصحاح37:14) فبالتبعية يدَّعي الوحي الكامل لكتاباتهِ وينبغي أن نقبلها كصادرة راسًا من الرب. كان الرسول بولس وبعض الآخرين وقتئذٍ آنية مختارة للوحي وليس لنا الآن إناء من هذا القبيل، ونرى أنهُ كان لهم جانب كبير من خدمتهم ليس بموجب الوحي بحصر معنى هذه اللفظة إذ كانوا يخدمون بمساعدة الروح القدس الاعتيادية كما نخدم نحن أيضًا، وقيمة هذه الخدمة تكون دائمًا بحسب أمانتنا للرب، وسلوكنا معهُ، وهذا مما يعظم شأن الوحي ويُظهر الفرق العظيم بينهُ وبين اختباراتنا الروحية ولو كانت كاختبارات بولس الرسول نفسهِ.

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة