لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تفسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح السادس عشر

1 وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْجَمْعِ لأَجْلِ الْقِدِّيسِينَ، فَكَمَا أَوْصَيْتُ كَنَائِسَ غَلاَطِيَّةَ هكَذَا افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضًا. 2 فِي كُلِّ أَوَّلِ أُسْبُوعٍ، لِيَضَعْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عِنْدَهُ، خَازِنًا مَا تَيَسَّرَ، حَتَّى إِذَا جِئْتُ لاَ يَكُونُ جَمْعٌ حِينَئِذٍ. 3 وَمَتَى حَضَرْتُ، فَالَّذِينَ تَسْتَحْسِنُونَهُمْ أُرْسِلُهُمْ بِرَسَائِلَ لِيَحْمِلُوا إِحْسَانَكُمْ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 4 وَإِنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ أَنْ أَذْهَبَ أَنَا أَيْضًا، فَسَيَذْهَبُونَ مَعِي. (عدد 1-4).

قد أنهى الرسول تعليمهُ الخصوصي في هذه الرسالة فما بقى عليهِ إلاَّ أن يختمها ببعض إرشادات محلية شخصية والسلامات الحُبيَّة بحسب عادتهِ. كان من بداءة خدمتهِ بين الأُمم قد قبل على نفسهِ أن يذكر القديسين الفقراء في أورشليم واليهودية انظر (غلاطية 10:2). فكان من مدة قريبة قد رتب لكنائس غلاطية أن تجمع مساعدة مالية لأجل إخوتهم الفقراء المذكورين، وهنا يوصي الكورنثيين: أن يفعلوا هكذا أيضًا ووضع لهم قانونًا بسيطًا لذلك إذا أمرهم أن يُقدموا كل واحد كما تيسر لهُ في كل أول أسبوع حين اجتماعهم للعبادة. كان قصدهُ أن يزورهم، ولكنهُ لم يشأن أنهم يكونون منهمكين بهذا العمل حين حضورهِ ونرى أنهُ اعتنى غاية الاعتناء، لكي لا يظهر أنهُ يتعاطى هذه الخدمة لمنفعتهِ الشخصية إذ قال لهم: أنهم عند  حضورهِ ينتخبون بعض أشخاص يتكلفون بنقل إحسانهم إلى أورشليم وهو يُصادق عليهم برسائل وإن اتفق بعناية الله أنهُ يصعد إلى أورشليم، فهؤلاء يذهبون معهُ. فلم يكن من مقصدهِ أن يمسَّ شيئًا من مال الإحسان؛ لأن ذلك لا يليق بخدام الكلمة.

أولاً- لكونهِ يُقدم فرصة للافتراء عليهم.

وثانيًا- لا يجوز مزج الإحسان مع الخدمة الروحية انظر (أعمال الرسل 3:6، 4). جمع الدراهم وتوزيعهُ مما يتعلق بوظيفة الشمامسة، فيجب على جميع المستخدمين بالكلمة أن يتجنبوهُ، لأنهُ يربكهم بأمور لا تخصهم ويعرضهم للظنون الردية من الذين يُقدمون المال ومن الذين يقصدون أن ينتفعوا بهِ أيضًا. معلوم أن كل مسألة مالية تهيج أشرَّ الإحساسات النفسانية. فالخادم العاقل يحترز منها كل الاحتراز.

5 وَسَأَجِيءُ إِلَيْكُمْ مَتَى اجْتَزْتُ بِمَكِدُونِيَّةَ، لأَنِّي أَجْتَازُ بِمَكِدُونِيَّةَ. 6 وَرُبَّمَا أَمْكُثُ عِنْدَكُمْ أَوْ أُشَتِّي أَيْضًا لِكَيْ تُشَيِّعُونِي إِلَى حَيْثُمَا أَذْهَبُ. 7 لأَنِّي لَسْتُ أُرِيدُ الآنَ أَنْ أَرَاكُمْ فِي الْعُبُورِ، لأَنِّي أَرْجُو أَنْ أَمْكُثَ عِنْدَكُمْ زَمَانًا إِنْ أَذِنَ الرَّبُّ. 8 وَلكِنَّنِي أَمْكُثُ فِي أَفَسُسَ إِلَى يَوْمِ الْخَمْسِينَ، 9 لأَنَّهُ قَدِ انْفَتَحَ لِي بَابٌ عَظِيمٌ فَعَّالٌ، وَيُوجَدُ مُعَانِدُونَ كَثِيرُونَ. (عدد 5-9).

كان في أفسس حين كتب هذه الرسالة وقصد أن يقوم من هناك ويزور أقاليم مكدونية التي هي إلى شمالي كورنثوس قبل أن يحضر إليهم. والمرجح أن وقت الكتابة كان فصل الربيع قبل يوم الخمسين وكان لهُ أمل أنهُ يكمل زيارتهُ لمكدونية قبل فصل الشتاء وربما يُشتي في كورنثوس. لم يزل واثقًا في محبتهم مع أن حالتهم كانت ردية والتزم أن يكتب لهم بنوع من الصرامة كما قد رأينا. كان قد انفتح لهُ باب عظيم فعال في أفسس وكثر المعاندون. الرب وحدهُ قادر أن يفتح بابًا لعبيدهِ إذ يفعل بالروح القدس ويُنبه أُناسًا ويميلهم لاستماع الكلمة. وحينئذٍ لا يلبث العدو أن يُهيج البعض للمقاومة. ولكن إن كان الرب يفتح ليس أحد يقدر أن يغلق لأن المفاتيح في يدهِ (رؤيا 7:3). غير أن الصبر والانتظار إليهِ والشجاعة الروحية لازمة لنا دائمًا في خدمتهِ. ولا بد أنهُ يمتحن إيماننا أوقاتًا كثيرة. إن شاء يستطيع أن يُنبه كثيرين أن يسمعوا على أنهُ لا يجوز أن ننتظر ذلك دائمًا؛ لأنهُ إن أراد أن يرشدنا إلى نفس واحدة مستعدة لسمع كلامهِ فهذا باب مفتوح ولا يخفى أننا نكون في تجربة إذا رأينا جماهير منتبهين ومبادرين ليسمعونا، لأننا نتمكن في الظن أن الحالة تدوم هكذا وعند زولانها نكتئب كأنهُ لا توجد بركة بعد. وفضلاً عن ذلك ربما ننتفخ ونعجب بذواتنا ظانين أن الرب لا يقدر أن يجري خدمتهُ في العالم إلاَّ بواسطتنا. ولا شك عندي أنهُ من الأمور الممكنة لنا أن نصير واسطة لعاقة عمل الرب من بعد ما يكون قد أنعم علينا كآلاتهِ المغبوطة فيهِ في الأول. الرب وحدهُ قادر أن يجري انتباهًا روحيًا وإن شاء أن يستخدمنا، يجب أن نحترز جدًّا لنفسنا لئلا نرتفع ونصير آلات في يد العدو نفسهِ. نرى
أن بولس نفسهُ كان في تجربة الارتفاع من فرط الإعلانات المعطاة لهُ، ومن ثَم الرب أعطاهُ شوكة في الجسد، لكي يحفظهُ بها في مقام الذل والتواضع. وقد رأينا في مطالعتنا هذه الرسالة أن عمل الرب العظيم في كورنثوس انحطَّ جدًّا من سوء التصرُّف من جهة المواهب الروحية فإذًا يمكن أن نعين عمل الرب ويمكن أيضًا أن نعيقهُ. والفخ الشيطاني الأقرب لنا جميعًا هو العُب بذواتنا بحيث أن الرب استخدمنا في عملهِ إذ ننسى الرب وننسب مجد عملهِ لنا وندَّعي المقام الأول بين قديسيهِ. ولا يخفى أن هذا مما يغيظهُ غيظًا شديدًا وإذا كنا نستمرُّ فيهِ يتركنا كنحاس يرنُّ وصنج يطنُّ ويكمل عملهُ بواسطة غيرنا؛ لأنهُ لا يعطي مجدهُ لنا.

10 ثُمَّ إِنْ أَتَى تِيمُوثَاوُسُ، فَانْظُرُوا أَنْ يَكُونَ عِنْدَكُمْ بِلاَ خَوْفٍ. لأَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الرَّبِّ كَمَا أَنَا أَيْضًا. 11 فَلاَ يَحْتَقِرْهُ أَحَدٌ، بَلْ شَيِّعُوهُ بِسَلاَمٍ لِيَأْتِيَ إِلَيَّ، لأَنِّي أَنْتَظِرُهُ مَعَ الإِخْوَةِ. 12 وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ أَبُلُّوسَ الأَخِ، فَطَلَبْتُ إِلَيْهِ كَثِيرًا أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكُمْ مَعَ الإِخْوَةِ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ الْبَتَّةَ أَنْ يَأْتِيَ الآنَ. وَلكِنَّهُ سَيَأْتِي مَتَى تَوَفَّقَ الْوَقْتُ. (عدد 10-12).

كان بولس قاصدًا أن يرسل تيموثاوس إلى كورنثوس، بل كان قد أطلقهُ، لكي يفتقدهم وينظر أحوالهم وهو يوصيهم من جهتهِ أن يقبلوهُ ويعتبروهُ، لكونهِ خادمًا أمينًا في عمل الرب. ونرى في تيموثاوس وفي بولس نفسهِ أنهُ كلما كان أحد أمينًا مصحوبًا بالروح القدس في خدمتهِ شعر بضعفهِ أكثر ولا يقدر أن يتظاهر بالقوة لبين القديسين، فمن ثَم الجهال يحتقرونهُ؛ لأنهم يحبون منظرًا حسنًا حسب الجسد. كان الرسول خائفًا أن الكورنثيين يتهيجون تيموثاوس حتى لا يقدر أن يكمل لهم خدمتهُ الخصوصية، فيأمرهم بتقديم الاعتبار الواجب لهُ. الروح القدس لا يعطينا الشجاعة البشرية لكي نواجه القديسين المتمردين بالسلطان البشري، بل يمنحنا القوة الروحية التي تظهر بالتأني والصبر والتواضع والمحبة خلاف أثمار الجسد تمامًا. كان أبلوس في نواحي أفسس والرسول طلب إليهِ كثيرًا أن يزور الكورنثيين على أمل أنهُ يستطيع أن يصلح أمورهم، ولكنهُ لم يشأ ذلك والمرجح أنهُ امتنع عن الحضور إليهم؛ لأن البعض افتخروا بهِ ومن غباوتهم نسبوا أنفسهم إليهِ بروح التحزُّب وهذا مما يُذلل العبد الأمين ويلزمهُ أن يبتعد عن الذين يريدون أن يكرموهُ بالكرامة الجسدية المذهبية. ونرى هنا أيضًا ألن المذكور كان حرًّا في خدمتهِ والرسل أنفسهم لم يتسلطوا على العبيد رفقائهم، لأن الرب نفسهُ هو السيد والمُرشد للجميع ويكفي لكل خادم أن يحصل على الإرشاد في الخدمة لنفسهِ بدون أن يتكلف بإرشاد الآخرين. وكل مَنْ لا يقدر أن يرتشد من الرب قلما ينفع في خدمتهِ إن جال تحت إرشاد غيرهِ. يوجد مكان وزمان مناسبان لكل من دعاهُ الرب ليخدم قديسيهِ، ولكنهُ ينبغي أن نكون روحيين لكي نميز ذلك ولا نُحاول الخدمة في غير محلها. لا شك أننا جميعًا نغلط في هذا كما في غيرهِ من واجباتنا، فمن ثَم ينبغي أن نتواضع ونطلب الاقتراب إلى الرب. إن اتخذنا علينا أن ندبر الخدام رفقاءنا نتعرض لِما لا يُعنينا فلا يلبث أن تلحقنا عواقب حماقتنا. ماذا نظن إن كان إنسان لهُ عدَّة عبيد وقام البعض منهم وأخذوا يترأسون على الآخرين.؟ ألاَّ نقول: أنهم عصوا على سيدهم واختلسوا من حقوقهِ. وفضلاً عن ذلك نجد بعد قليل أن مقام الرياسة منوط بمسئولية زائدة وأحمال ثقيلة، فإن الذين يقبلون الخضوع لنا ينظرون إلينا، لكي ندبرهم في الأمور الجسدية كالروحية أيضًا وتحدث بينهم تذمرات وتنكيتات غير منقطعة وبئس الحال. وأما روح الرياسة فقريبة منا لا سيما إذا صار لنا مقام شهير في عمل الرب فتحملنا أن ننشيء ترتيبات للقديسين وعندما نبتدئ نختبر بعض عواقبها المُرَّة نغضب ونختبط ونلقي اللوم على غيرنا ولا نعتبر أن اللوم علينا نحن.

13 اِسْهَرُوا. اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا. 14 لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ فِي مَحَبَّةٍ. (عدد 13، 14).

ما أحلى خطاب الرسول هذا! ويظهر بهِ أنهُ لا يزال واثقًا بهم في الرب. السهر من واجباتنا الدائمة، لأن لنا عدوًّا محتالاً لا ينعس ولا ينام وقد رأينا أنهُ يقدر أن يصطاد القديسين حتى بواسطة بركاتهم الروحية كالمواهب الكثيرة التي أُنعم بها على الكورنثيين؛ لأن عادة الإنسان من صباهُ أن يسيء التصرف في الخيرات المعطاة لهُ من الله. والإيمان هنا هو التعليم الصحيح المسيحي. كان العدو قد اجتهد أن يُزعزعهم عنهُ من أوجه مختلفة وكان من مقصد الرسول أن يُنبههم على الأخطار العظيمة المنوطة بهم ويصلح غلطاتهم ويثبتهم في الإيمان وسنرى في رسالتهِ الثانية أن الرب رافقهُ قوةً وكلل أتعابهُ بالنجاح. كونوا رجالاً. تقُّووا. أظهروا طفوليتهم روحيًا بافتخارهم الباطل بالبشر وسبق الرسول وشبههم بأطفال وأما هنا فيُخاطبهم بأن يتقدموا روحيًا ويُظهروا ما يُبرهن نموهم الروحي. نعم إننا لا نقدر أن نُنمي أنفسنا، ولكننا نستطيع بنعمة الله أن نستعمل وسائط النمو مستمدّين منهُ كل ما يلزمنا للحياة والتقوى. لتصر أموركم في محبة، يعود يشير إلى الطريق الأفضل الذي أوضحهُ لهم سابقً وإن كنا لا نسلك هذا الطريق لا يجوز أن ننتظر البنيان. الديانة المسيحية متصفة بالمحبة خلاف الطبيعة البشرية التي لا تحمل هذا الزهر النفيس الجميل. ولا بد من حدوث أمور كثيرة بيننا لامتحان محبتنا بعضنا لبعض. وإلاَّ فلم يكن ضروريًا أن الوحي يحثنا على مُداومة المحبة. يجب أن نتصف بالمحبة في كل أمورنا. معلوم أن قلوبنا ضيقة جدًّا ويعسر علينا أن نواظب على المحبة ونحتمل بعضنا بعضًا عند حدوث ما يغيظنا ويُكدرنا. على أنهُ من صفات المحبة أن تحتمل كل شيء وتصبر على كل شيء. ولا ترغب لنفسها إلاَّ المقام الأوطى لكي نخدم الجميع.

15 وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ: أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ بَيْتَ اسْتِفَانَاسَ أَنَّهُمْ بَاكُورَةُ أَخَائِيَةَ، وَقَدْ رَتَّبُوا أَنْفُسَهُمْ لِخِدْمَةِ الْقِدِّيسِينَ، 16 كَيْ تَخْضَعُوا أَنْتُمْ أَيْضًا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ، وَكُلِّ مَنْ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيَتْعَبُ. 17 ثُمَّ إِنِّي أَفْرَحُ بِمَجِيءِ اسْتِفَانَاسَ وَفُرْتُونَاتُوسَ وَأَخَائِيكُوسَ، لأَنَّ نُقْصَانَكُمْ، هؤُلاَءِ قَدْ جَبَرُوهُ، 18 إِذْ أَرَاحُوا رُوحِي وَرُوحَكُمْ. فَاعْرِفُوا مِثْلَ هؤُلاَءِ. (عدد 15-18).

المحتمل أن بيت استفانوس كانت عائلة كبيرة يهودية أصلاً وكان متصفين بالتقوى قبل إيمانهم بالمسيح، فآمنوا بهِ أوَّل ما بلغهم الإنجيل واشتهروا بصيت حسن ومحبة للقديسين، وكرسوا أنفسهم لخدمة إخوتهم بطرق متنوعة كإضافة الغرباء وتقديم النصائح الروحية وما شاكل ذلك. وربما الأشخاص الثلاثة المذكورون في (العدد 17) كانوا من هذه العائلة. فالرسول يذكر الكورنثيين بأن يعرفوا أعضاءها الأتقياء ويطلب إليهم أن يخضعوا لمثل هؤلاء وكل مَنْ يعمل معهم ويتعب. وقرائن كلامهِ تظهر أن الخدمة المذكورة كانت من نوع المناظرة لا المناداة بالإنجيل والتعليم، فإنهُ يأمرهم بالخضوع لا بالاستماع. وكان الخضوع واجبًا عليهم من معرفتهم الصفات الحميدة الموجودة في الذين حملتهم المحبة أن يخدموهم. وهذا مما يمكن أن يوجد في كل حين، غير أننا نحتاج إلى التمييز الروحي، لكي نميز أشخاصًا كهؤلاء ونعرف قيمتهم روحيًا، لأنهم لا يطلبون منا الخضوع لهم رسميًّا مع أنهُ من واجباتنا أن نخضع لهم. ربما يسأل القارئ: ماذا ينتج إن كنا لا نخضع لهم؟ فأقول: إننا نضرّ أنفسنا إذ نخسر فوائد كان الرب يقصد أن يمنحنا إياها بواسطتهم. وأما هم فإنما يحزنون علينا ولا يغضبون، لأنهم لم يكونوا طالبين الرياسة علينا بتةً. وهنا نرى قانونًا بسيطًا لامتحان أنفسنا إذا تبرعنا لخدمة إخوتنا ولم نرَ فيهم الخضوع. إن كنا نحزن عليهم ونترك الأمر للرب بالصلاة فكانت نيتنا جيدة مخلصة، ولكن إن تكدرنا وغضبنا وتكلمنا ضدهم فالواضح إننا كنا نرغب مقام الرياسة فمن ثَم تهيجت إحساساتنا النفسانية إذ حال الأمر دون مرامنا. ما أحلى تصرُّف صموئيل النبي حين! رفضهُ الشعب ومن حماقتهم طلبوا ملكًا مثل سائر الأُمم، فلم يتمسك برياستهِ ولا دافع عنها، بل ترك كل شيء للرب واستمرُّ يخدمهم بصلواتهِ. وأما قول الرسول عن الإخوة الثلاثة المذكورين: لأن نقصانكم هؤلاء قد جبروهُ إذ أراحوا روحي وروحكم. فمعناهُ أن الكورنثيين بسبب بُعدهم عنهُ نقصوا عن أراحتهِ بالشركة والمحبة فإذ ذاك هؤلاء بمجيئهم إليهِ جبروا نقصانهم هذا وعزُّوهُ بالنيابة عن إخوتهم ويثق فيهم أيضًا أنهم يتعزوا بتعزيتهِ؛ لأن المحبة تُولد الثقة. ويُحتمل أيضًا أن المذكورين ساعدوهُ من مالهم. قابل هذا مع (فيلبي 13:2) سبق وأمرهم في (العدد 16) أن يخضعوا لمثل هؤلاء وهنا يأمرهم بأن يعرفوهم، لأنهُ يجب علينا أن نعرف إخوتنا الروحيين القادرين على المناظرة علينا في سلوكنا، لكي نستطيع أن نخضع لهم روحيًّا كما ينبغي.

19 تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ كَنَائِسُ أَسِيَّا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ كَثِيرًا أَكِيلاَ وَبِرِيسْكِلاَّ مَعَ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِهِمَا. 20 يُسَلِّمُ عَلَيْكُمُ الإِخْوَةُ أَجْمَعُونَ. سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. (عدد 19، 20). الوحي يحب أن يذكر أكيلا وبريسكلاَّ التقيين؛ لأنهما اشتهرا بتكريسهما أنفسهما من القلب للرب ولخير قديسيهِ. كانا في أفسس مع الرسول وقت كتابتهِ هذه الرسالة. ولكنهما كانا سابقًا في كورنثوس، ومن ثَم كانت لهما تعلُّقات حبية مع الإخوة. هناك نرى أيضًا أن القديسين اجتمعوا في بيتهما، لأجل العبادة. لم تكن أبنية كنائسية حتى الجيل الرابع بعد أن صارت الكنيسة عالميًا تمامًا. شاء الرب أن الكنيسة تكون غريبة ونزيلة في هذا العالم وأن القديسين إنما يمرُّون فيهِ كسياح قاصدين أوطانهم السماوية. لا شك عندي أنهُ كان خيرًا لهم حين اجتمعوا في بيوتهم وطلبوا بنيانهم الروحي كما يليق بالذين ليس لهم مقام هنا ومن ثَم ينتظرون ارتحالهم كل يوم. إن كان عندنا شيءُ من المال فيدل ما نصرفهُ بأبنية فاخرة، الأحسن بأن نساعد الفقراء والذين يخدمون الرب بنشر الإنجيل وما شاكل ذلك من الأعمال الحسنة التي لها جزاءٌ من الرب عند مجيئهِ. إني لا أظن أنهُ بحسب المبالغ الوافرة المُنفقة كل سنة على الأبنية الدينية كأنها صُرفت لأجلهِ. لا نقدر أن نقول: أنهُ طالب مشروعات كهذه من أيدينا. الإخوة في أفسس مع بولس كلفوهُ بتبليغ سلامهم للكورنثيين، لأن رباطات المحبة المسيحية تجعلنا نشتاق إلى إخوتنا وإن كنا لا نعرفهم شخصيًّا. ثم يأمرهم أن يسلموا بعضهم على بعض بقبلة مقدسة. فالمرجح أنهُ كان قد حدث جانب من النفور بينهم فالتزم الوحي أن يذكر هذا الأمر صريحًا.

21 اَلسَّلاَمُ بِيَدِي أَنَا بُولُسَ. 22 إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! مَارَانْ أَثَا. 23 نِعْمَةُ الرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَكُمْ. 24 مَحَبَّتِي مَعَ جَمِيعِكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. آمِينَ. (عدد 21-24). معلوم أن الرسول غالبًا استخدم كاتبًا لكتابة رسائلهِ، ولكنهُ أمضاها وأدرج السلامات بيدهِ لزيادة التأكيد ومن ثَم نرى أنهُ جعل لها أهمية عظيمة لكونها موحىّ بها من الله. إن كان أحد لا يحب الرب يسوع المسيح فليكن أناثيما. فكتب لهم كقديسين واعتبرهم أمناء للرب على وجه الإجمال وبهذه الصفة يُسلم عليهم بالمحبة المسيحية، ولكن إن وُجد أحد ليس هكذا فلا يُسلم عليهِ كمسيحي، بل يقول: ليكن أناثيما أي ملعونًا من الله. معلوم أن بعض أشخاص يهود تعمدوا لغايات مختلفة وأظهروا فيما بعد أنهم لم يزالوا أعداء لابن الله وصار أناس منهم أكبر مقاومين للحق وآلات في يد إبليس لإفساد الإنجيل، فإذًا وجد مثل هؤلاء في كورنثوس فالرسول يطلب عليهم لعنة الله. قابل هذا مع (غلاطية 12:5). المحبة لا تُحملنا أن نتساهل مع أعداء ابن الله. ماران أثا، هذه الجملة في اللغة السريانية ومعناها الرب أتى أو الرب آتٍ. وبها يُذكرهم بقرب مجيء السيد. انظر (أصحاح7:1-9؛ فيلبي 5:4). وقد رأينا أن مسئوليتنا المسيحية مقترنة مع تلك الحادثة الخطيرة، أي ظهور الرب حين نقدم الحساب فبدل ما نصرف وقتنا بالخصومات والافتخار الباطل، ينبغي أن نصحو للبرَّ ونتعقل للصلوات. نعمة الرب يسوع المسيح معكم. قد ظنَّ البعض أن الدعاء من هذا القبيل من الأفعال الرسمية التي لا يحوز النطق بهِ إلاَّ للرسل أو لشخص متوظف وقد سموهُ البركة الرسولية، ولكن لا يوجد أساس مطلقًا لهذا الظن. محبتي مع جميعكم في المسيح يسوع. آمين، كانت محبتهُ معهم قبل ويُصرَّح أنها كانت معهم بعد يعني أنها هي هي بدون تغيُّر مع أنهُ كتب لهم بحزن وكآبة قلب.

لا نعرف بيد مَنْ أُرسلت هذه الرسالة. المحتمل أن الأشخاص الثلاثة المذكورين في (العدد 17) أخذوها معهم حين رجوعهم إلى كورنثوس.

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة