لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تفسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الثاني عشر

1 وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَوَاهِبِ الرُّوحِيَّةِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، فَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا. 2 أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَمًا مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ، كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ. (عدد1-2).

لفظة المواهب ليست موجودة في الأصل. وقولهُ الصحيح: وأما من جهة الروحيات أي الظهورات الروحية أو كل ما ظهر فيهم من القوة الروحية، وكلامهُ عام غذ يُشير ليس إلى ما صدر من الروح القدس فقط بل إلى ما يمكن أن يكون من روح شرير أيضًا. فيُخاطب هنا الجانب الأكبر منهم الذين كانوا وثنيين قبل إيمانهم، وكانوا مُساقين في عبادتهم القديمة بقوة شيطانية. ثم يعد إيمانهم بيسوع المسيح حلَّ عليهم الروح القدس وأظهر بهم بعض الأوقات قوة إلهية بطرق متنوعة، ولا يُخفى أنهم أنشغفوا، وانشغلوا بذلك ولم يخطر على بالهم انهُ يمكن للأرواح الشريرة أن تدخل في وسطهم وتتقلد بعض أعمال روح الله. ويتضح من الكتاب المقدس أن لها قوة عظيمة خصوصًا في المؤمنين إذا انفتح الباب لتدخل بينهم، نرى أن لها قوة على العناصر الطبيعية مثلاً كما ورد في سفر أيوب (الأصحاح الأول) ولها قوة خصوصية في أجساد البعض إذ تمتلكها وتستولي عليها، ولها قوة عظيمة في الغش والخداع، ولها أيضًا قوة على تحريك الناس وحملهم على التكلم في الأمور الدينية كما عملت في الأنبياء الكذبة بين اليهود، وبين عبدة الأصنام أيضًا. فلم تبطل قوتها ولا انقطعت بعد لأنها لا تزال تفعل بأنواع مختلفة إذا صارت لها الفرصة المناسبة والرب نفسهُ عَلمنا أن نصلي قائلين: ونجنا من الشرير. ويجب أن نميز أعمالها الدينية ولو ظهرت بهيئة القوة، والحكمة في التكلم.

3 لِذلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ يَقُولُ: «يَسُوعُ أَنَاثِيمَا». وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ:«يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. (عدد3). هذا هو القانون لامتحان من ظهرت قوة فيهِ؛ لأنهُ إذا امتلأ أحد قوة ظهرت بصنع آيات أو التكلم بلسان أو بكلام مؤثر خارق يفعل في السامعين فوق ما يمكن مصحوبًا بقوة فوق البشر فلا يجوز أن نجزم حالاً بأن القوة العاملة فيهِ هي من الله. يجب أن نلاحظ جيدًا أن القانون هذا هو لامتحان الذين تظهر فيهم قوة، وفي وقت ظهورها أيضًا؛ لأنهُ لا يمكن لمن امتلأ من روح الله أن يقول: يسوع أناثيما أي ملعون. يعني أن مثل هذا لا يقدر أن يلعن اسم يسوع أو يجدف عليهِ، وأما من امتلأ من روح شرير فلا يقدر في وقتهِ أن يقول: يسوع رب يعني لا يقدر أن يخاطبهُ كربهِ ويقرَّ بسيادتهِ عليهِ، لأن الأرواح الشريرة لا تستطيع أن تخضع لهُ كسيدها، ولا تحمل الناس على ذلك. هذا من جهة عملها في الناس على سبيل القوة الروحية كصنع آيات مثلاً أو التكلم بألسنة أو خطابات دينية، ولا يعني هنا سكنها في أجساد بعض الناس، ولا عملها في أفكار البعض على سبيل الخداع الاعتيادي الذي لا نزال جميعنا معرضين لهُ إذ نمزج الحق، والكذب وكثيرًا ما نفسر أقوال الله تفاسير غير صحيحة إلى خلاف ذلك مما يظهر يد الكذاب المحتال عاملة في أفكارنا مع أننا مسيحيين بالحق، ولسنا قاصدين أن نخدع لا يكون المتكلم أو الكاتب ممتلئًا من قوة تحملهُ كل الحِمل لأنهُ يبقى صاحيًا يستعمل عقلهُ كالعادة فقط. يتمكن إبليس من أن يمسَّ أفكارهُ، ويجربهُ بالتجارب الاعتيادية كالثقة الذاتية، والعجب بنفسهِ، والتصلف في رأيهِ ومع ذلك يُصلي ويخاطب المسيح كربهِ. فلا نقدر أن نمتحن مثل هذا بالقانون الموضوع هنا. فعلينا فقط أن نفعل بهِ كما يجب علينا دائمًا، ونقابل تعليمهُ مع كلمة الله، ونقبل الصحيح ونرفض الكاذب. فإن هذا من واجباتنا الدائمة عندما نسمع كلام البشر. كانت أنواع قوة قد ظهرت في الكورنثيين ومن حيث أنهم أنشغفوا افتخروا بها أهملوا امتحان الذين امتلئوا منها، وربما كان البعض محمولين من القوة الشيطانية والآخرون لم يدروا ولا ميزوا. فظهور القوة وحدهُ لا يكفي. معلوم أننا نفرح بظهور نوع من القوة بيننا ونودُّ أن نقبلها حالاً كأنها من الله، وننسى أنهُ يمكن للأرواح الشريرة أن تدخل بيننا، وتتقلد جانبًا من أعمال روح الله. وظهورات كهذه تُحدث في أيامنا كما حدثت في زمان الرسل ولا شك بأنها تزداد بعد. عند حدوث انتباهات روحية في كل وقت لابد من بعض ظهورات قوة فوق العادة حتى يرتاب أُناس أتقياء يعض الأوقات ويخافون لئلا تكون من العدو، وأما قانون الامتحان فبسيط ماذا يقول من ظهرت فيهِ عن يسوع المسيح أهو ربهُ وسيده؟ فغن كان يقر بذلك فلا نخاف؛ لأن الروح العامل فيهِ هو روح الله الذي يفعل دائمًا ليمجد اسم المسيح. غير أننا لا نقبل كلام أحدٍ الآن كأنهُ بالوحي وأن ظهرت فيهِ قوة روحية فوق العادة. أقول أيضًا: أن القوة غير الاعتيادية التي تظهر غالبًا في أول انتباه روحي في بلدٍ ما تزول بعد قليل؛ لأن الرب إنما يمتحنها لأجل تنبيه الناس وتأكيدهم بحضور الروح القدس العامل بطريق كهذه، وبعد ذلك يبطل أن يفعل هكذا لكي يتركنا نجد البنيان الروحي بهدوء بالوسائط المعتادة. ليس أن الروح قد غاب عنا أو أنهُ لا يعود يفعل فينا؛ لأنهُ حاضر دائمًا ولا يكف عن العمل خصوصًا إن كنا لا نحزنهُ، وعملهُ الهادئ لاعتيادي هو أنفع لنا من عملهِ في وقتٍ ما فوق العادة. نتعجب بعض الأوقات من زولان الحركات الروحية من هذا النوع، ونحزن ونخاف أن السبب منا وربما نكون قد أحزناهُ فامتنع عن إظهار قوتهِ، ولكنهُ لا يستمر يفعل هكذا وغن كنا نبقى في السلوك الواجب علينا؛ لأن الرب يعرف ضعفنا وميلنا الشديد مثل ما كان الكورنثيين إلى أن نلتهي بالشيء الظاهر بل نفتخر أيضًا كأننا أفضل من غيرنا ومن ثم تكرَّم علينا الرب بما ميزنا عنهم وبرهن للعالم أنهُ معنا. نعم في كل حين حسب وعدهِ الحلو، ولكنهُ لا يدعنا ننسى انهُ مع غيرنا أيضًا على قدر ما يعترفون بهِ، وينادون بكلمتهِ. لأن هذه هى الجوهرة الثمينة عندهُ.

مَوَاهِبَ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرُّوحَ وَاحِدٌ. 5 وَأَنْوَاعُ خِدَمٍ مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ الرَّبَّ وَاحِدٌ. 6 وَأَنْوَاعُ أَعْمَال مَوْجُودَةٌ، وَلكِنَّ اللهَ وَاحِدٌ، الَّذِي يَعْمَلُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ. (عدد4-6). لفظة المواهب في الأصل اليوناني. الأرواح الشريرة التي يمكن أن تظهر بين القديسين وتخدعهم، وتحملهم لبعض أعمال روحية هي كثيرة، وأما الروح القدس المُعطي لنا من الله فهو واحدٍ. يجب أن نلاحظ أن قصد الرسول الأعظم هنا هو إيضاح وحدانية العمل الإلهي في كل ما يتعلق بإبلاغ بركات الله إلى نفوس الناس؛ لأن للثالوث الأقدس عملاً مشتركًا في ذلك، والألفاظ مواهب، وخِدَمٍ، وأعمال تُشير كلها إلى شيء واحدٍ أي تخصيص نعمة الله لنفوسنا بواسطة العمل الإلهي الفعال. فيقال لهُ: مواهب باعتبار وظيفة الروح القدس الذي يقسم لكل واحد مقدارًا من هذه القوة، ويقال لهُ: خدم باعتبار سلطان يسوع المسيح بحيث أن كل من أخذ شيئًا لإفادة الآخرين يكون تحت المسئولية للرب يسوع أن يستعملهُ كخدمة لهُ. قابل هذا مع ما ورد في (مَتى 42:24-51؛ 14:25-30) وشهادات أخرى كثيرة جدًا على ممارستنا كل نوع من خدمتنا المسيحية تحت المسئولية للرب الذي سوف يحاسبنا عليها، ويقال لهُ أيضًا: أعمال باعتبار الله الذي هو مصدرهُ الأصلي. لأن الله هو الذي أحبَّ العالم، وأرسل ابنهُ الوحيد، ووضع عليهِ أثم جميعنا ثم بعد تكميل عمل الفداء أقامهُ من الأموات، وأجلسهُ عن يمينهِ. والبشارة الإنجيلية هي منتسبة لله ويقال لها بشارة الله أو إنجيل الله. فإذًا يوجد اتفاق تام بين الأقانيم الثلاثة في إجراء عمل النعمة في العالم، وتخصيصهُ لنا بكل نوع من الوسائط. فالرسول يذكر هذه الحقيقة لإصلاح سوء حالة الكورنثيين، لأن الله سبحانهُ وتعالى قد أعلن نفسهُ مثلث الأقانيم الآب، والابن، والروح القدس فبالتبعية عن كنا نخضع لهُ وهو عامل فينا نخدم بعضنا بعضًا في المحبة ولا يظهر انشقاق بيننا.

7 وَلكِنَّهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ يُعْطَى إِظْهَارُ الرُّوحِ لِلْمَنْفَعَةِ. (عدد 7). لكل واحد يعني لكل من المؤمنين أو لكل من استخدمهُ الرب لخدمتهِ على نوع ما وبالحقيقة القولان صحيحان كما يتضح من كلام الرسول الآتي فإنهُ يتكلم:

أولاً: عن أعضاء جسد المسيح جميعها باعتبار اقترانها معًا واحتياجها بعضها إلى بعض وخدمتها المتبادلة.

ثانيًا: عن بعض أنواع خدمة خصوصية لا تظهر إلا في بعض أفراد. وقولهُ: إظهار الروح يعني عملهُ بطريق من طرقهِ غذ يستخدم واحدًا لإفادة غيرهِ، وأما قصد الرسول الخصوصي هنا فيظهر بقولهِ: للمنفعة. فإن الله يُعطي إظهار الروح أو عملهُ لكل واحد من المؤمنين مطلقًا أو لخدامهِ خصوصًا لمنفعة الآخرين. كان الكورنثيين قد استعملوا مواهبهم للافتخار، وتعظيم الذات فيذكرهم الرسول أن إظهار الروح إنما يُعطي للمنفعة ليس للأغراض الشخصية .

8 فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ، وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ، 9 وَلآخَرَ إِيمَانٌ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ، وَلآخَرَ مَوَاهِبُ شِفَاءٍ بِالرُّوحِ الْوَاحِدِ. 10 وَلآخَرَ عَمَلُ قُوَّاتٍ، وَلآخَرَ نُبُوَّةٌ، وَلآخَرَ تَمْيِيزُ الأَرْوَاحِ، وَلآخَرَ أَنْوَاعُ أَلْسِنَةٍ، وَلآخَرَ تَرْجَمَةُ أَلْسِنَةٍ. 11 وَلكِنَّ هذِهِ كُلَّهَا يَعْمَلُهَا الرُّوحُ الْوَاحِدُ بِعَيْنِهِ، قَاسِمًا لِكُلِّ وَاحِدٍ بِمُفْرَدِهِ، كَمَا يَشَاءُ. (عدد8-11).

 ليس من مقصد الرسول هنا أن نوضح موضوع المواهب الروحية بالتفصيل ولا يذكرها كلها هنا ولا يدرجها بحسب الترتيب الذي يدرجها عليهِ في آخر الأصحاح فإنهُ إنما يُشير إليها كمعلومة، ومفهومة جيدًا عندهم، وممارسة أيَضًا، وبالحقيقة أننا لا نستطيع أن ن\درك موهبة ما من المواهب الروحية إلا عند ممارستها بيننا، واستفادتنا منها. ومن أجل ذلك لا يصف الوحي هذه المواهب هنا ولا في محلات أُخرى غير انهُ دائمًا يفرض أنها تختلف بعضها عن بعض، وأننا نقدر أن ندرك ماهيتها إذا وُجدت بيننا ، وأما قولهُ: كلام حكمةٍ فهو عام ويطلق على جملة المواهب. والحكمة هي الحكمة المُعطاة للبعض من قِبل الله لإرشاد الآخرين فمن ثمَّ يقال لها كلام حكمة من حيث من فاز بها في وقتٍ ما يقدر أن يعبر عنها لغيرهِ لإفادتهم. فالحكمة هي عبارة عن النور الإلهي في كل ما يتعلق بالمسائل التي فيها تحتاج إلى مساعدة من يستطيع أن ينصحنا، ويرشدنا بحكمة فوق حكمتنا أي بحكمة من قِبل الله. كانت حكمة من هذا النوع، وفي يوسف فاستطاع أن يُشير إلى مللك مصر بأن يعمل ما يناسب الظروف وكان دانيال كذلك وغيرهما من الذين قد وردَ ذكرهم في التوراة، ونرى في المذكورين أي يوسف ودانيال أن حكمتهما كانت فضلاً عن موهبة النبوة التي كانت لهما، والجانب الأكبر من أقوال سليمان الحكيم هو من هذا النوع أيضًا، وأما الكنيسة فكان ينبغي أنها تكون متصفة على وجه الإجمال بالحكمة كما كان يوسف، ودانيال في زمانهما ومع أنها سقطت لا يزال الله يعطي للبعض حكمة خصوصية دون غيرهم لإفادة أخوتهم. ثم بقولهِ: كلام علم يذكر على وجه عمومي ما هو الأساس ليس لموهبة واحدة بل الأكثر من ذلك فإنهُ يُشير إلى فهم كلمة الله والتعبير عنهُ لإفادة الآخرين. وأما الألفاظ الأخرى الواردة في هذا الفصل فلا حاجة أن أشرح عليها هنا. فقط يجب أن أقول أن تمييز الأرواح هي القدرة الخصوصية التي أُعطيت للبعض، وبها استطاعوا أن يميزوا الأرواح الشريرة وأعمالها المتنوعة، وغن كانت ساكنة في أجساد الناس يخرجونها أيضًا باسم المسيح. قد ظنَّ البعض أن تمييز الأرواح هنا هو قدرتنا أن نميز أحوال الآخرين روحيًا وعلى زعمهم هذا الأرواح هنا هي أرواح البشر، ولكن هذا غلط وكل من زعم أنهُ يقدر أن يعرف ويميز حقيقة كل شخص يحضر إليهِ لا يلبث أن ينغشَّ غشًا عظيمًا؛ لن الله لم يعطِ لأحد موهبة كهذهِ. أقول بالاختصار: أن  الأهمية العظمى هي:-

أولاً: للقول الروح الواحد. الذي يكررهُ الرسول عدة مرار.

ثانيًا: لقولهِ عن شخصية الروح القدس في (العدد 11) انهُ يقسم لكل واحد بمفردهِ كما يشاء. فيتضح جليًا من هذا كما من عبارات أخرى كثيرة في الكتاب المقدس أن الروح القدس ليس هو تأثير فقط أو نفوذًا يعمل مؤقتًا في البعض بل هو أقنوم من أقانيم الثالوث الأقدس لهُ عمل حقيقي ولهُ مشيئة إذ يفعل في كل واحد من المؤمنين أو من ذوي المواهب بحسب ما يقصد ويشاء لأجل تمجيد اسم يسوع المسيح يجب أن نلاحظ جيدًا أن الرسول يذكر حضور الروح القدس، وعملهُ بين المؤمنين كأن ذلك من الحقائق الابتدائية المعروفة عند الجميع.

12 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا. 13 لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ، يَهُودًا كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ، عَبِيدًا أَمْ أَحْرَارًا، وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحًا وَاحِدًا. (عدد 12، 13).

في أول هذا  الفصل الرسول يستعمل الجسد تشبيهًا لوحدة المؤمنين بحيث أنهُ مؤلف من أعضاء كثيرة، ولكن لها حياة واحدة وهي منتظمة ومقترنة معًا، وهذه حقيقة وليس شيئًا وجوبيًا. وبقولهِ كذلك المسيح أيضًا يعني أن هذا التشبيهِ يصدق المسيح باعتبار جسدهِ الروحي أي الكنيسة. المسيح بعد ارتفاعهِ أخذ الروح القدس، وسكبهُ على المؤمنين بهِ وصبرهم نظامًا جديدًا روحيًا، وقرنهم معهُ وبعضهم مع بعض اقترانًا حقيقيًا، ولكن الرسول لا يتكلم هنا عن رياسة المسيح بل عن حقيقة جسدهِ المؤلف من المؤمنين. لأننا جميعنا بروح أحد أيضًا اعتمدنا إلى جسد واحد. صارت معمودية الروح القدس يوم الخمسين بموجب وعد المسيح انظر (أعمال الرسل 5:1، 1:2-4) كان الروح القدس قد عمل في العالم بين الناس قبل ذلك، ولكنهُ لم يحضر حضورًا شخصيًا لكي يمكث هنا إلا بعد تكميل عمل الفداء وتمجيد المسيح انظر (يوحنا 39:7؛ 16:14، 17، 26؛ 26:15؛ 7:16-14) ويقال لحلولهِ على المؤمنين معمودية باعتبار إفرازهِ إياهم، وتخصيصهم للمسيح وإبدائهِ نظامًا أو ترتيبًا جديدًا. لاحظ أن معمودية الروح لا تكرر؛ لأنهُ حلَّ ولا يزال يمكث في الكنيسة. فمن ذلك الوقت جميع الذين يؤمنون بالمسيح يقبلون الروح القدس، وبهِ ينضمون إلى المسيح كرأسهم في السماء، وبعضهم إلى بعض على الأرض، ولا يوجد إلا جسد واحد أمام الله. وبقولهِ: وجميعنا سقينا روحًا واحدًا. يُشير إلى قبولنا الروح القدس كل واحد بمفردهِ. وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلاً: إن عطش أحد فليقبل إلىَّ ويشرب (يوحنا 37:7)نعطش كل واحد لنفسهِ وننال عطية الروح القدس من المسيح المُمجد فيروي ظمأنا ثم نجد أننا قد اتحدنا مع المؤمنين الآخرين الذين أخذوا هذا الروح عينهُ. معلوم أنهُ أيضًا فينا قوة لخدمة الآخرين كقول المسيح: مَنْ آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنهِ أنهار ماء حي (يوحنا 37:7) ولكن ذلك ليس موضوع الرسول في كلامهِ هنا؛ لأنهُ إنما يُصرح بوحدتنا لكوننا قد سقينا روحًا واحدًا.

14 فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ. 15 إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ:«لأَنِّي لَسْتُ يَدًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ». أَفَلَمْ تَكُنْ لِذلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟ 16 وَإِنْ قَالَتِ الأُذُنُ:«لأِنِّي لَسْتُ عَيْنًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ». أَفَلَمْ تَكُنْ لِذلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟ 17 لَوْ كَانَ كُلُّ الْجَسَدِ عَيْنًا، فَأَيْنَ السَّمْعُ؟ لَوْ كَانَ الْكُلُّ سَمْعًا، فَأَيْنَ الشَّمُّ؟ 18 وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ. 19 وَلكِنْ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا عُضْوًا وَاحِدًا، أَيْنَ الْجَسَدُ؟ 20 فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. 21 لاَ تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَن تَقُولَ لِلْيَدِ:«لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ!». أَوِ الرَّأْسُ أَيْضًا لِلرِّجْلَيْنِ:«لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمَا!». 22 بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ. 23 وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ. 24 وَأَمَّا الْجَمِيلَةُ فِينَا فَلَيْسَ لَهَا احْتِيَاجٌ. لكِنَّ اللهَ مَزَجَ الْجَسَدَ، مُعْطِيًا النَّاقِصَ كَرَامَةً أَفْضَلَ، 25 لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. 26 فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ. 27 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا. (14-27). التشبيهات الواردة هنا بسيطة وسهلة الفهم إن كنا نلاحظ:

أولاً- أن الرسول لا يعني بها أن في جسد المسيح الروحي بعض أشخاص بمنزلة رِجل، أو يد، أو عين إلى خلافها من أعضاء الجسد الطبيعي؛ لأنهُ إنما يستعمل هذه تشبيهًا ليُظهر للكورنثيين ولنا أيضًا الغباوة الظاهرة في المُحاسدات والانشقاقات بين المؤمنين، لأن ذلك مما يُخالف الطبيعة نفسها. وفضلاً عن ذلك لا نقدر أن نستغني بعضنا عن بعض كما أنهُ لا يمكن للأُذن مثلاً أن تحسد العين وتفرز نفسها من الجسد. ولو فرضنا أنها قالت: أنا لست من الجسد فلا يكون ذلك إلاَّ قولاً فقط، فإنها تبقى رغمًا عن حسدها وكبريائها في مقامها المُعيَّن لها من الله في الجسد. وكذلك نحن إذا عملنا مثل الكورنثيين لا نقدر أن نفرز أنفسنا عن جسد المسيح، بل إنما نُظهر العُجب بالذات والتصلُّف ومع ذلك نبقى أعضاء في جسد المسيح. نعم نستطيع بلا شك أن نهين الرب ونُسبب الهدم والتشويش ولكننا لا نقدر أن ننفصل عن ذلك النظام الحيّ المركَّب الذي أبداهُ الروح القدس.       

ثانيًا- نسبتنا بعضنا لبعض هي متبادلة وتحوجنا بعضنا إلى بعض ولكل عضوٍ وظيفة أو خدمة لخير الأعضاء الأخرى؛ لأن الله مزج الجسد أو رتبهُ على هذا المبدأ عينهِ. ومن ثَم يجب أن نقبل بسرور مشيئتهُ في هذا كما في سائر ترتيباتهِ لخيرنا.

ثالثًا- شاء الله أن يجعل هذه الأشياء تناسب بعضها بعضًا بغاية الحكمة، وإن كنا روحيين نُميز ذلك ونرتضي ونفرح بهِ. يوجد في أجسادنا مثلاً بعض أعضاء قبيحة، أي لا يليق بها أن تظهر وهي بالحقيقة جميع الأعضاء عدا الوجه واليدين، ولكن من الأول رتب اللبس لها كما نرى حالاً بعد سقوط آدم وكأنهُ بذلك وضع عليها كرامةً. الأعضاء الجميلة أو الشريفة كالوجه واليدين لا تحتاج إلى اللبس؛ لأنهُ يليق بها أن تظهر للجميع. ومع ذلك ليس لها فضل على غيرها؛ لأن الله أعطى الناقص كرامةً أفضل، فإن كان مستورًا عن نظر البشر فليس هكذا عند الله الذي ربما أخفاهُ عن نظر الآخرين لكونهِ مُكرمًا وثمينًا عندهُ. أرجو أن القارئ لا يُتعب أفكارهُ في هذه التشبيهات كأن فيها معاني عميقة لا تُفهم إلاَّ بعد الفحص المُدقق، لأن تفسيرها بسيط جدًّا. يوجد بعض المواهب الروحية جميلة وشريفة كالتكلُّم بألسنة وترجمتها وفصاحة الكلام أيضًا في المواعظ الاعتيادية وذهب الكورنثيين إلى ذلك وافتخروا بأنفسهم بسببهِ كما نعلم. وهذه المواهب هي مقابلة الأعضاء الشريفة في تشبيهات الرسول، فلتكن هكذا، فلا مانع إن كانت ظاهرة وتجلب التفات العالم؛ لأن الرب قصد بموهبة الألسنة مثلاً، أن يعطي آية لغير المؤمنين، لكي يُنبههم بها. ولكن خطأ الكورنثيين كان انشغافهم بذلك كأنهُ الكل أو كأن عطايا الله الأخرى ليست بشيء بالنسبة إلى ذلك. وأما الأعضاء التي تظهر أنها ضعيفة أو قبيحة فهي تقابل المواهب التي لا تظهر للعالم أو للمؤمنين الجسديين أنها شيءٌ عظيم كموهبة التعليم مثلاً، لأن مَنْ فيهِ هذه الموهبة يكون هادئًا ولا يُعلي صوتهُ ويتأنى على المؤمنين المحتاجين إلى خدمتهِ، لكي تكون لهُ فرصة أن يعطيهم ما يناسب حالتهم من وقت إلى آخر. بولس نفسهُ كان يسقيهم لبنًا وهو عندهم راجع (أصحاح1:3، 2) ولم تظهر خدمتهُ هذه شيئًا عظيمًا بحيث أنها نظير خدم الأُم الحنونة لأولادها الصغار وخدمة الرعاة هكذا أيضًا في أكثر الأوقات، فإنها لا تنظر إلاَّ من الذين يستفيدون منها فقط وبالحقيقة الجانب الأكبر من خدمتنا المسيحية لأجل بنياننا المتبادل هو في الخفاء ونقوم بهِ كأعضاء جسد المسيح المستورة والله يضع على خدمة كهذه كرامة أفضل؛ لأنهُ يبني الجسد أكثر مما يجلب التفات الجميع إلى الخادم نفسهِ وندرك ذلك على قدر ما نتقدم وننمو روحيًّا.

رابعًا- الله هو العامل في تركيب جسد المسيح وبنيانهِ ويعمل دائمًا، لكي لا يكون انشقاق. كيف لا وهو قاصد مجد المسيح في كل أعضائهِ؟ فيريد أننا نهتمُّ بخير إخوتنا ليس بما يؤول لافتخارنا؛ لأن كل ما يؤلمهم أو يجرحهم ويعثرهم يضرُّنا نحن أيضًا وكرامة الواحد هي للجميع. الرسول لا يقول: إن كان عضو واحد يتألم يجب أن الجميع يتألمون معهُ. لا شك بأن ذلك من الواجب ولكنهُ يتكلم عن الحقيقة أن ما يؤلم واحدًا يؤلم الجميع أيضًا. فيجب أن نفتكر في هذا؛ لأننا مقترنون مع القديسين الآخرين في العالم اقترانًا روحيًّا حتى إذا نجحوا روحيًّا نجاحهم ينفعنا وإن لم نرهم ولا عرفناهم. وإذا ضعفوا فضعفهم يفعل فينا أيضًا، لذلك نُصلي لأجل جميع القديسين طالبين نموهم وبنيانهم لأننا جميعًا جسد المسيح وأعضاؤهُ أفرادًا.

28 فَوَضَعَ اللهُ أُنَاسًا فِي الْكَنِيسَةِ: أَوَّلاً رُسُلاً، ثَانِيًا أَنْبِيَاءَ، ثَالِثًا مُعَلِّمِينَ، ثُمَّ قُوَّاتٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ، أَعْوَانًا، تَدَابِيرَ، وَأَنْوَاعَ أَلْسِنَةٍ. 29 أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ رُسُلٌ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَنْبِيَاءُ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ مُعَلِّمُونَ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ أَصْحَابُ قُوَّاتٍ؟ 30 أَلَعَلَّ لِلْجَمِيعِ مَوَاهِبَ شِفَاءٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ؟ أَلَعَلَّ الْجَمِيعَ يُتَرْجِمُونَ؟ 31 وَلكِنْ جِدُّوا لِلْمَوَاهِبِ الْحُسْنَى. وَأَيْضًا أُرِيكُمْ طَرِيقًا أَفْضَلَ. (عدد 28-31). قد بلغ الرسول إلى ذكر المواهب الخصوصية. قد أطال الكلام على نسبتنا بعضنا لبعض كأعضاء جسد المسيح، ومن ثَم لنا جميعنا خدمة ضرورية ولا يقدر أحد أن يقول: أنهُ مستقلٌّ عن الآخرين وليس لهُ احتياج إليهم. ولكن الله قد أجزل عطاياهُ لأجل بنياننا، فلا يجوز لنا أن نحتقر شيئًا منها. فالوحي قد ألهم الرسول بأن يدرج المواهب هنا بالنظر إلى أهميتها عند الله ونفعها للقديسين فيذكرها بترتيب إذ يضع الرُّسل أولاً والتكلُّم بألسنة آخر الكل، ولكنهُ لا يصفها وصفًا مفصلاً؛ لأنهُ يفرض أننا نفهمها على قدر ما اختبرنا فوائدها. فأي مؤمن لا يعرف المقام الخصوصي الذي تعيَّن لرسل المسيح؛ لأن الرب استخدمهم لنشر التعليم المسيحي في العالم ولتأسيس الكنيسة.

إني لا أقدر أن أشرح شرحًا طويلاً على المواهب؛ لأني قد تكلمت كثيرًا عن البعض منها في محلات أخرى وليس ذلك فقط، بل أقول أيضًا: أن الرسول إنما يُشير إلى المواهب هنا، لكي يضعها في محلها الواجب في نظر المؤمنين الكورنثيين، وليس لكي يُعلِّمنا ما هي؟ كانوا قد احتقروهُ مع أنهُ كان رسولاً والمقام الأول هو للرسل، والمقام الثاني للأنبياء. أي أنبياء العهد الجديد، والثالث للمعلِّمين، ثم قوات. يعني الذين استخدمهم الرب لصنع الآيات بحسب إرادتهِ على أنهُ لا يذكر أشخاصًا متصفين بذلك؛ لأن هذه القوة لم تحلَّ دائمًا في شخص واحد حتى يصحُّ أن يُلقب صانع آيات فساعة ظهرت في رسول وأخرى في مؤمن ليست لهُ موهبة من المواهب انظر (مرقس 38:9؛ لوقا 49:9). حيث توجد إشارة إلى واحد كان يُخرج شياطين باسم المسيح وهو ليس من أتباعهِ والرب في جوابهِ يفرض واحدًا يصنع آية باسمهِ مع أنهُ ليس إلاَّ مؤمنًا مؤقتًا. وبعد ذلك مواهب شفاء أعوانًا تدابير وأنواع ألسنة. هذه مذكورة في مقام واحد باعتبار نفعها. وهنا أيضًا الرسول إنما يذكر الصفات لا الموصوفين، فإنهُ محتمل أن الرب استعمل شخصًا مرة واحدة لشفاء مريض ولا عاد يستعملهُ هكذا مرة أخرى، وفضلاً عن ذلك لو فرضنا واحدًا استطاع أن يشفي مئة عليل أو ألف فلم يُلقب شافيًا، كأنهُ مُتصف بقوة الشفاء. ولا يخفى أن هذه القوة ظهرت في كثيرين منهم الرُّسل أيضًا وربما ظهرت في بعض مؤمنات أيضًا. وكانت شهادة حسنة لجودة يسوع المسيح خصوصًا للذين لم يكونوا قد انضموا إليهِ بعد. أعوانًا، أي أنواع مساعدة روحية بموجب موهبة خصوصية، احتياجات نفوس القديسين هي كثيرة والرب يُقوي البعض لمساعدتهم بحسب الحاجة ويمكن للمؤمنات أن يشتركن في الخدمة من هذا النوع انظر (أعمال الرُّسل 26:18؛ فيلبي 3:4). وأما المقصد بهذه اللفظة فهو المعونة في الأمور الروحية وليس سدَّ الاحتياجات الجسدية؛ لأن هذا من واجباتنا جميعً بحسب طاقتنا ولا نقوم بهِ بموجب موهبة خصوصية. تدابير، أي إرشادات، اللفظة الأصلية هنا لم ترد في محل آخر من العهد الجديد وهي منتسبة إلى رُبَّان سفينة، بحيث أنهُ يديرها من وقت إلى آخر لاقتضاء الحال. فالوحي لم يستعمل لفظة من الألفاظ التي تدلُّ على سلطان. الرب وضع سلطانًا في الكنيسة وألبس البعض بهِ كالرُّسل مثلاً، ولكن هذا ليس معنى تدابير هنا؛ لأن الرسول يُشير إلى أنواع قدرة روحية أن تُعطى للبعض لإرشاد الآخرين. معلوم أنها كانت في الرُّسل والرعاة ولكنها لم تكن محصورة فيهم، بل ظهرت في غيرهم أيضًا.

ألعلَّ الجميع رسل … الخ؟ يتضح من هذه السؤالات أن المواهب المذكورة هنا هي خاصة بالبعض وليس عامة؛ لأن جوابها هو سلبي ويعني أن الرسولية ليست للجميع ولا موهبة النبوة هكذا ولا التعليم إلى خلافها مما ذُكر. ولكن جدُّوا للمواهب الحُسنى، أي ابتغوها، أو كونوا غيورين عليها. جميع المواهب حسنة؛ لأنها من عطايا الله لبنيان جسد المسيح على أن البعض منها أحسن من سواها باعتبار نفعها كما قد رأينا، فكان واجبًا عليهم أن يُغاروا على كل ما يبني نفوسهم لا على ما يمكنهم أن يستعملوهُ للافتخار. وسيأتي كلام كثير على هذا الموضوع في الأصحاح الرابع عشر. وأيضًا أُريكم طريقًا أفضل، أي طريق للبنيان أفضل من المواهب نفسها وهو طريق المحبة كما يصفهُ في الأصحاح القادم.

أخيرًا أقول أن الرسول قد ذكر المواهب بكمالها كما كانت في الأول لتأسيس الكنيسة ويجوز أن نسميها المواهب التأسيسية؛ لأن بعضها بطل وانقطع بعد زمان الرُّسل. قابل ذلك مع ما ورد في (أفسس 11:4) عن العطايا التي أعطاها المسيح من العلاء التي ستبقى ما دام لهُ جسد على الأرض يحتاج إلى البنيان.

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة