لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تفسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس

بنيامين بنكرتن

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الأصحاح الرابع

1 هكَذَا فَلْيَحْسِبْنَا الإِنْسَانُ كَخُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ، 2 ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِينًا. 3 وَأَمَّا أَنَا فَأَقَلُّ شَيْءٍ عِنْدِي أَنْ يُحْكَمَ فِيَّ مِنْكُمْ، أَوْ مِنْ يَوْمِ بَشَرٍ. بَلْ لَسْتُ أَحْكُمُ فِي نَفْسِي أَيْضًا. 4 فَإِنِّي لَسْتُ أَشْعُرُ بِشَيْءٍ فِي ذَاتِي. لكِنَّنِي لَسْتُ بِذلِكَ مُبَرَّرًا. وَلكِنَّ الَّذِي يَحْكُمُ فِيَّ هُوَ الرَّبُّ. 5 إِذًا لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، حَتَّى يَأْتِيَ الرَّبُّ الَّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظَّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ. (عدد 1-5). سرائر الله كناية عن جميع الحقائق الإنجيلية التي أعلنها بواسطة المسيح والتي يستخدم البعض لنشرها وتعليمها للآخرين. انظر (مَتَّى 42:24-51؛ أصحاح7:2، 8). فليست هي غامضة أو مُبهمة، لأنها قد أُعلنت لنا في كلمة الله التي في أيدينا وأي مَنْ حضر إلينا من خُدام المسيح يجب أن نمتحن تعليمهُ بالكتاب الموجود عندنا. راجع رسائل بولس لتيموثاوس وتيطس في شأن وجوب أمانة في الذين قد وكلهم الله على خدمة كلمتهِ، فإنهم خُدام ووكلاء ليسوا أربابًا وأسيادًا، بل يقومون بخدمتهم بالنظر إلى تقديم حسابهم للرب عندما يأتي. فالويل لهم إذا تكبروا واختلسوا مقام سيدهم والويل للمؤمنين إذا عظموهم وافتخروا بهم. كان الكورنثيون قد عملوا ذلك وأخذوا يجزمون في شأنهم كأن الواحد منهم أفضل من الآخر. قال لهم الرسول: أن حكمهم من جهة خدمتهِ هو من الأشياء الزهيدة عندهُ، فإنهُ كان ينتظر حكم الرب. من يوم بشر. أي من حكم البشر مطلقًا. هذا يومهم الذي فيهِ يفتخرون ويحكمون ولكن أحكامهم قليلة الاعتبار، الرسول نفسهُ لم يجزم في خدمتهِ ومع أنهُ لم يشعر بالتقصير فيها لم يحسب ذاتهُ مبرَّرًا أمام الرب أي أن الرب مزمع أن يحسبهُ كامل الأمانة كخادم. كان يجتهد أن يُحافظ على ضمير صالح في سلوكهِ وخدمتهِ ولكن ديانة هو السيد المسيح نفسهُ المزمع أن يحاسب بولس وسائر الخدام عند مجيئهِ. إذًا لا تحكموا في شيءٍ قبل الوقت. يعني في درجات أمانة خدام المسيح، لأن الرب لا ينظر إلى مقدار الخدمة وظاهرها فقط، بل إلى مقاصد قلوبنا ونياتها أيضًا. ربما تظاهرنا بغيرة شديدة وطفنا بحرًا وبرًّا لاكتساب الدخلاء وأما الرب الفاحص القلوب فلا ينظر فينا إلاَّ الغايات المذمومة، فإذًا لا يستطيع أن يمدحنا يوم المحاسبة. وربما كانت فينا مواهب صحيحة كما كان في الكورنثيين وأسأنا ممارستها إلى هذا المقدار حتى الرب يرفض خدمتنا برمتها. وربما كانت خدمة صغيرة جدًّا تظهر حينئذٍ عظيمة جدًا لكونها قد عُملت بالمحبة وبنيةٍ مخلصة. وحينئذٍ يكون المدح لكل واحد من الله. أي أن الله سيمدح كل مَنْ استحق المدح.

6 فَهذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ حَوَّلْتُهُ تَشْبِيهًا إِلَى نَفْسِي وَإِلَى أَبُلُّوسَ مِنْ أَجْلِكُمْ، لِكَيْ تَتَعَلَّمُوا فِينَا:«أَنْ لاَ تَفْتَكِرُوا فَوْقَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ»، كَيْ لاَ يَنْتَفِخَ أَحَدٌ لأَجْلِ الْوَاحِدِ عَلَى الآخَرِ. 7 لأَنَّهُ مَنْ يُمَيِّزُكَ؟ وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذْهُ؟ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ، فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟ (عدد 6، 7). فإنما استعمل اسمهُ واسم أبلوس تشبيهًا لكي يوضح لهم حقيقة الخدمة ومنزلة الخدام ومسئوليتهم، لأنهم كانوا جميعًا قد بادروا إلى خدمة الكلمة واتخذوا مقام خدام بخفَّةٍ كأن التبشير والتعليم من الأمور الهينة. سبق قولهُ: أنكم في كل شيءٍ استغنيتم فيهِ في كل كلمة وكل علم (أصحاح5:1) فيذكرهم هنا أن هذه المواهب الحسنة هي عطية الله الذي أعطاهم إياها ليس لكي تكون علَّة للافتخار، بل واسطة للبنيان. يجب أن نلاحظ أنهُ لم يمنعهم عن ممارسة مواهبهم، بل إنما وبخهم على سوء تصرُّفهم فيها. لو كان لهم قسيس معيَّن حسب العادة الدارجة الآن وتدبير أمورهم مفوَّض ليدهِ لكان من الأمور الواجبة أن الرسول يوبخهم على تداخلهم في ما لا يعينهم ثم يأمرهم بالصمت والإصغاء إلى قسيسهم. فيتضح جليًّا أنهُ لم يكن ترتيب كهذا لا لجماعة الكورنثيين ولا لغيرهم في تلك الأيام.

8 إِنَّكُمْ قَدْ شَبِعْتُمْ! قَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ! مَلَكْتُمْ بِدُونِنَا! وَلَيْتَكُمْ مَلَكْتُمْ لِنَمْلِكَ نَحْنُ أَيْضًا مَعَكُمْ! 9 فَإِنِّي أَرَى أَنَّ اللهَ أَبْرَزَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ آخِرِينَ، كَأَنَّنَا مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِالْمَوْتِ. لأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَرًا لِلْعَالَمِ، لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ. 10 نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي الْمَسِيحِ! نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَقْوِيَاءُ! أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلاَ كَرَامَةٍ! 11 إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ، 12 وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. 13 يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ الْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الآنَ. (عدد 8-13). كانوا قد نسوا مقامهم كمسيحيين وأتباع للمسيح المرفوض من هذا العالم. كان لجانب كبير منهم مقدار من غنى هذا العالم فأكلوا وشبعوا وتصرَّفوا كأنهم ملوك وكأن وقت الملك قد حضر وهم من المحفوظين لنتمتع بالبركات على الأرض. ثم يقول: وليتكم ملكتم لنملك نحن أيضًا معكم. يعني ليت الرب كان قد أتى وابتدأ الملكوت. حقيقةً لأننا نحن رسلهُ كنا حينئذٍ قد حصلنا على الراحة من أتعابنا وملكنا أيضًا معكم. ولكن ذلك الوقت السعيد ما أتى بعد فلذلك يُحسب عيبًا لأتباع الرب أن يعيشوا بالراحة والرفاهية الآن ما دام الرب مرفوضًا ورسلهُ المختارون في الإهانة. ثم يصف لهم ولنا أيضًا عيشة رُّسل المسيح التي عاشوها في هذا العالم بحيث أنهم اتصفوا بصفات سيدهم. معلوم أن كثيرين قد زعموا أنهم خلفاء الرُّسل ولكن هيهات أن يعيشوا كما عاش أولئك. ليس لنا رُّسل ولا خلفاء رسوليون وكل من ادَّعى بذلك ليس إلاَّ كذابًا (رؤيا 2:2) ولكن مع ذلك الخدمة الإنجيلية الحقيقية تتصف بهذه الصفات في كل حين، لأن الرب قد وضع قانونًا مطلقًا يكفي التلميذان يكون كمُعلمهِ. وهذا لنا جميعًا كوننا تلاميذهُ وأتباعهُ. ثم من جهة خدمتنا فكلما تقدمنا فيها حسب أصولها نقتفي بآثار سيدنا ورُّسلهِ الذين امتازوا في خدمتهم عن جميع الآخرين. لاحظ أن الرسول هنا يشير إلى جميع الرُّسل بالنظر إلى حياتهم اليومية وظروفها وأنهم لم يحصلوا على الراحة والنفوذ العالمي ولم ينتظروا ذلك إلى أن يأتي المسيح. ونرى يوحنا الرسول الذي عاش زمانًا طويلاً بعد وفاة رفقائهِ منفيًّا من أجل كلمة الله ومن أجل شهادة يسوع المسيح قبل موته بقليلٍ. خدام المسيح لم يحصلوا على النفوذ العالمي حتى بعدما فسدت الكنيسة وصارت تزني مع الملوك والحكام. وأن كنا نحن نرغب الراحة قبل إتيان السيد ينبغي أن نخون السيد ونرتضي بحالة الكنيسة الآن المتصفة بالزناة.

14 لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهذَا، بَلْ كَأَوْلاَدِي الأَحِبَّاءِ أُنْذِرُكُمْ. 15 لأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَكُمْ رَبَوَاتٌ مِنَ الْمُرْشِدِينَ فِي الْمَسِيحِ، لكِنْ لَيْسَ آبَاءٌ كَثِيرُونَ. لأَنِّي أَنَا وَلَدْتُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ بِالإِنْجِيلِ. 16 فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي. 17 لِذلِكَ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسَ، الَّذِي هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ وَالأَمِينُ فِي الرَّبِّ، الَّذِي يُذَكِّرُكُمْ بِطُرُقِي فِي الْمَسِيحِ كَمَا أُعَلِّمُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ. (عدد 14-17). كانت لبولس محبة قلبية شديدة لهؤلاء الكورنثيين فاجتهد في إرجاعهم إلى حالة الصحو والتعقل. لم يشأ أن يؤلمهم بكلامهِ غير أن الضرورة أحوجتهُ إلى أن يوبخهم بصرامةٍ وفي الفصل السابق تكلم بنوع من التهكم عليهم بالنظر إلى تصرُّفاتهم العالمية وأما هنا فيُخاطبهم كأولادهِ الذين ولدهم بالإنجيل. ومهما كثر بينهم المعلمون والمرشدون فإنما كانوا يبنون على أتعاب بولس ولم تكن لهم نسبة للكورنثيين كنسبتهِ هو لهم، ولكنهُ لا يُظهر غيرة نفسانية كأن ليس لهم حقٌّ أن يحبوا أحدًا غيرهُ مع أنهُ يطلب إليهم أن يتمثلوا بهِ كالذي بلغهم الإنجيل وتصرف بينهم بالمحبة والوداعة ونكران الذات كما يليق بالإنجيل فأرسل إليهم تيموثاوس لكي يُذكرهم بسيرتهِ بين القديسين في القديسين في كل مكان، فإنها كانت من شأنها أن تنفي الافتخار بالبشر والانتفاخ الردي الظاهر فيهم. هذه الخدمة المطلوبة من تيموثاوس لهم ولم يأمرهُ أن يبشر ويُعلم كما أمرهُ بأن يفعل في أفسس، لأن الكورنثيين كانوا محتاجين إلى مشاهدة سيرة وديعة أكثر من سماع الكلام. كفاهم من الكلام ولو من أصحاب مواهب. ولا شك عندي أننا في أوقات كثيرة نقدر أن نُفيد القديسين بواسطة تصرُّفاتنا بينهم في التواضع ولو ما نطقنا بكلمة واحدة أكثر مما لو أكثرنا الكلام.

18 فَانْتَفَخَ قَوْمٌ كَأَنِّي لَسْتُ آتِيًا إِلَيْكُمْ. 19 وَلكِنِّي سَآتِي إِلَيْكُمْ سَرِيعًا إِنْ شَاءَ الرَّبُّ، فَسَأَعْرِفُ لَيْسَ كَلاَمَ الَّذِينَ انْتَفَخُوا بَلْ قُوَّتَهُمْ. 20 لأَنَّ مَلَكُوتَ اللهِ لَيْسَ بِكَلاَمٍ، بَلْ بِقُوَّةٍ. 21 مَاذَا تُرِيدُونَ؟ أَبِعَصًا آتِي إِلَيْكُمْ أَمْ بِالْمَحَبَّةِ وَرُوحِ الْوَدَاعَةِ؟ (عدد 18-21). العصا كناية عن السلطان الخصوصي المفوَّض لبولس كما لغيرهِ من الرُّسل وكان الرب أيضًا يرافقهُ بقوةٍ لتثبيت سلطانهِ. ولكنهُ لم يشأ أن يستعمل السلطان بل فضَّل أن يسل بينهم كأخ ويعطيهم الطعام المناسب لحالتهم ويكون قدوة صالحة لهم في كل أمور الحياة حتى في الشغل الضروري المحكوم بهِ على الإنسان لكي يمارسهُ ويأكل الخبز بعرق جبينهِ. يتضح أن البعض تكبروا على بولس وقت غيابهِ وربما ظنوا أنهم أقدر منهم في الخدمة وأنهم يقودون الكنيسة بطريق أحسن من طريق بولس وأنهُ لا يتجاسر أن يحضر بينهم لكي يقاومهم أو ينكت على أعمالهم. فألزموهُ أن يذكر سلطانهُ كرسول المسيح ويهددهم بأنهُ يأتي إليهم بعصا. غير أنهُ لا يُريد ذلك، لا يوجد أحدٌ من خدام الكلمة الآن يقدر أن يتكلم بكلام كهذا للقديسين الآن لأنهُ لا يوجد عصا رسولي في يد أحد الآن ولو تجاسرنا على كلام كهذا نوجد كذابين عند الامتحان. بحيث أنهُ لو تمرد علينا القديسون وقاومونا لا نقدر أن نحرمهم حرمًا صحيحًا يُصادق عليهِ الرب بقوتهِ. ولكن الشكر لاسمهِ المبارك لم يزل عندنا طريق أفضل من ذلك أي طريق المحبة وروح الوداعة ويمكننا بنعمتهِ أن نتمثل بالرسول في ذلك.

8 7 6 5 4 3 2 1 المُقدمة
16 15 14 13 12 11 10 9

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة