لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

سِفْر زَكَرِيَّا

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب الأخ رشاد فكري

 الأصحاح الثالث

 ينقسم هذا الأصحاح إلى ثلاثة أقسام هي:

1- حالة الشعب بعد عمل النعمة فيهم (ع 1-5)

2- إعداد الشعب لقبول غصن الرب (ع 6-9)

3- ملكوت الرب العتيد (ع 10)

***

أولاً: حالة الشعب بعد عمل النعمة فيهم (ع 1 - 5)

يهوشع رئيس الكهنة، رمز البقية التقية العتيدة أن تكون من الشعب القديم بعد اختطاف الكنيسة وقد تطهرت من خطاياها بدم المسيح وعادت إلى مقام القُرب من الله. ففي هذه الرؤيا نرى الأساس الذي عليه سوف يرجع الرب ويختار أورشليم إذ كيف يرحمها ويباركها وهي في حالة الشر والدنس، إنه لا يمكن أن يباركهم إلا بعد أن يرجعوا إليه بالتوبة والنوح، ومتى سيكون ذلك؟ عندما يرونه. وهنا يشبهون توما في إنجيل يوحنا أصحاح 20 الذي لم يؤمن إلا بعد أن رأى آثار جروح الرب. فبعد اختطاف الكنيسة سوف يتطهر هذا الشعب في نار الضيق وسوف يَقْبَل من يد الرب ضعفين عن كل خطاياه وبعد ذلك سيظهر الرب وحينئذ يُذلِّلُون أنفسهم أمامه. ونرى هنا أن الرحمة التي سيرحمهم الله بها هي على أساس العدل، فالنعمة تملك الآن ولكن بالبر، ولا بد أن يكون الله باراً ويبرر. وهذا ما نراه غي هذه الرؤيا الخاصة بيهوشع الكاهن العظيم.

     v        الرُؤْيَا الرابعة: يهوشع قائماً أمام ملاك الرب

«وأراني يهوشع الكاهن العظيم[*] قائماً قدام ملاك الرب، والشيطان قائم عن يمينه ليقاومه» (ع 1).

في هذه الرُؤيَا الرابعة التي رآها النبي نرى عدة شخصيات:

1- ملاك الرب. 2- يهوشع رئيس الكهنة. 3- الواقفون قدام ملاك الرب. 4- الشيطان.

1-  ملاك الرب:  وهو في الواقع الرب نفسه، كما سبقت الإشارة، لأن الرب في ذلك التدبير كان يظهر في صورة ملاك «ها أنا مُرسِل ملاكاً أمام وجهك ليحفظك في الطريق، وليجيء بك إلى المكان الذي أعددته. احترز منه واسمع لصوته ولا تتمرَّد عليه» (خر 20:23).

2-  يهوشع رئيس الكهنة: يُخبرنا سفر عزرا أنه من بين الذين رجعوا من السبي مع زربابل ومعه 4289 كاهناً (عز 36:2-39) لكنهم من الناحية الروحية كانوا في حالة يُرْثَى لها. ويُعطينا ملاخي وصفاً عن حالتهم الرديئة (انظر ملا 8:2،9).

3-     الواقفون قدامه: وهم الكهنة رفقاء يهوشع.

4-  الشيطان: و«شيطان» كلمة عبرية بصيغة اسم الفاعل مشتقة من الفعل "شطن" ومعناها خاصم أو قاوم، وهو خصم ومُقاوِم لله ويلقب الشيطان بألقاب أخرى نذكر منها ما يأتي:

(ا) إبليس (مت 1:4). وهي كلمة يونانية مُعرَّبَة من أصلها اليوناني "ذبابليس" ومعناها المُجرِّب وتتضمن أيضاً معنى المُشتكِي (رؤ 9:12-12).

(ب) التنين العظيم  (رؤ 3:12). واستخدم التنين كرمز له لشدة قوته وبطشه.

(ج) الحية القديمة  (رؤ 9:12). واستخدمت الحية رمزاً إليه نسبة إلى مكره وخداعه.

(د) رئيس سلطان الهواء (أف 2:2). ويشير هذا اللقب إلى تأثير الشيطان الأدبي الفاسد في النفس.

(هـ) رئيس هذا العالم  (يو 30:14). وهو لقب يشير إلى عمل الشيطان في السلطات الكائنة على الأرض. وقد أصبح كذلك بعد أن فقد الإنسان الأول عن طريق السقوط مركز السيادة على العالم الذي وضعه فيه الرب وأصبح العالم كله موضوعاً في الشرير (الشيطان).

(و) الروح الذي يعمل الآن في أبناء المعصية (أف 2:2). ويشير إلى عمله الخفي في نفوس الأشرار.

(ز) سلطان الظلمة (كو 13:1). أي أن دائرة سيادته هي الظلمة.

(ح) إله هذا الدهر (2كو 4:4). الذي لا يعمي أذهان كل الناس، بل غير المؤمنين أي برضائهم في عدم إيمانهم.

(ط) له سلطان الموت (عب 14:2). أي الذي كان في يده الحجة؛ بأن أجرة الخطية موت، لكن الرب قد أبطل حجته هذه عندما مات على الصليب محتملاً أجرة الخطية.

«فقال الرب للشيطان: لينتهرك الرب يا شيطان! لينتهرك الرب الذي اختار أورشليم! أفليس هذا شعلة منتشلة من النار؟» (ع 2). 

نرى هنا أن الله الابن في مركز الشفيع للمختارين، فقال للشيطان: «لينتهرك الرب» وقد استعمل لقب «الرب» هنا للآب وللابن لأن كلا منهما هو الله بذاته كما نرى في مزمور 110 «قال الرب لربي اجلس عن يميني ..» (انظر مت 41:22-46؛ أع 34:2،35؛ عب 13:1).

وأساس هذا الانتهار مُبيَّن فيما يلي:

1- عمل الكفارة الدائم القيمة أمام الله. وهو أساس خلاص المؤمنين في التدبير الحاضر كما أنه أساس إتمام أغراض نعمة الله نحو شعبه القديم.

2- الاختيار.  وهذا واضح من القول: «الذي اختار أورشليم» كما يذكر الاختيار أيضاً في رسالة رومية «لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ..» (رو 29:8) لكن مع هذا الفارق أن في رسالة رومية يتكلم الروح القدس عن اختيار المؤمنين قبل تأسيس العالم في مقاصد الله الأزلية وهو اختيارهم كأفراد (انظر أف 4:1؛ 1بط 2:1) أما اختيار الشعب القديم فمنذ تأسيس العالم كما هو مذكور في سفر الرؤيا «فسيجسد له (أي للوحش) جميع الساكنين على الأرض الذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم» (رؤ 18:13- انظر أيضاً رؤ 8:17). والكلام هنا عن البقية من الشعب القديم بعد اختطاف الكنيسة في زمن الوحش والنبي الكذَّاب، وكما هو مذكور في سفر زكريا ثلاث مرات:

                     -        «والرب يُعَزِّي صهيون بعد، ويختار بعد أورشليم» (زك 17:1).

                     -        «والرب يرث يهوذا نصيبه في الأرض المقدسة ويختار أورشليم بعد» (زك 12:2).

                     -        «لينتهرك الرب الذي اختار أورشليم!» (زك 2:3).

3- «شُعلة مُنتشلة من النار». أي نار الضيقة العظيمة التي سيجتاز فيها ذلك الشعب لكن الرب سينتشلهم[†] منها فالرب يُعَزِّي أورشليم ويُطيِّب قلبها لأن جهادها قد كمل وإثمها قد عُفي عنه لأنها قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها (إش 1:40،2).

وفي نفس هذا السفر نقرأ أنه بما أنها قبلت من يد الرب ضعفين سيُرُّد لها ضعفين كذلك «ارجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء. اليوم أيضاً أصرح أني أرد عليك ضعفين» (زك 12:9).

«وكان يهوشع لابساً ثياباً قذرة وواقفاً قدام الملاك» (ع 3).

 كيف يكون كاهنا عظيماً ولابساً ثياباً قذرة؟ وهو الذي يرى في سفر الخروج أصحاح 28 أن له ثياب المجد والبهاء؟ وللإجابة على ذلك يجب أن نعلم أن يهوشع يُرَى هنا كمُمِّثل لحالة الأمة، فالثياب القذرة تُشير إلى خطايا الأمة لا خطاياه هو شخصياً. وبهذه المناسبة نُشير إلى رئيس الكهنة في ثلاثة أنواع من الثياب:

(1)  ثياب كتان في يوم الكفارة العظيم (لا 16). حيث نرى ربنا يسوع الذي لم يعرف خطية القُدُّوس الذي لم يعمل خطية، ولم يكن فيه خطية لكنه قدَّم نفسه ذبيحة لله بلا عيب. وبعد إتمام عمل الفداء فوق الصليب دخل بدم نفسه إلى الأقداس السماوية.

(2)  ثياب المجد والبهاء.  وكان يلبسها وهو في القدس وهي تُشير إلى المسيح كمُمثّلنا أمام الله وحاملنا كالحجارة الكريمة على صدره وكتفيه حيث لنا كمال قبوله أمام الله، والله يرانا كما يراه تماماً كاملين وقديسين وبلا لوم.

   (3)  الثياب القذرة المذكورة هنا ونرى فيها بكل خشوع واحترام الرب يسوع المسيح كمُمَثِّلنا فوق الصليب يوم أن قال: «يا الله أنت عرفت حماقتي، وذنوبي عنك لم تخف .. غطَّى الخجل وجهي .. أنت عرفت عاري وخزيي وخجلي .. العار قد كسر قلبي فمرضت ..» (مز 5:69،7،19،20).

وماذا نرى في يوم الكفارة العظيم؟  «ويأخذ التيسين ويوقفهما أمام الرب لدى باب خيمة الاجتماع. ويلقي هارون على التيسين قرعتين: قرعة للرب وقرعة لعزازيل» (لا 7:16-10). ولنلاحظ هنا نقطة هامة جداً أن تيس عزازيل كان يُرْسَل إلى البرية عندما يخرج هارون من الأقداس رمزاً لخروج الرب من الأقداس مستقبلاً وظهوره بالمجد ويومئذ فقط سوف يعترفون بخطاياهم كما نقرأ في زكريا 12، 13 بعد أن يكونوا قد تطهروا بمرورهم في الضيقة العظيمة، وفي توبتهم تهيأوا للترحيب بمسيّاهم.

ويا له من يوم عصيب ذلك اليوم الذي فيه يتذكرون كإخوة يوسف ما فعلوه بأخيهم فيضعون نفوسهم في التراب تذللاً، والبركة ستعقب ذلك إذ يضعون أيديهم على ذبيحة الخطية ويُقرِّون بكل آثامهم وتعدياتهم فيتمتعون بالعهد الجديد «لن أذكر خطاياهم وتعدياتهم في ما بعد» (عب 17:10 مع إر 34:31) وسيردِّدُون بتعجب كلمات إشعياء «ونحن حسبناه مصاباً ومضروباً من الله ومذلولاً. وهو مجروح لأجل معاصينا، ومسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا. مِلنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا» (إش 4:53-6).

«فأجاب وكلِّم الواقفين قدامه قائلاً: انزعوا عنه الثياب القذرة. وقال له: انظر. قد أذهبت عنك إثمك، وأُلبسك ثياباً مزخرفة» (ع 4)

الواقفون قدام يهوشع هم من الكهنة رفقائه، فقال لهم ملاك الرب انزعوا عنه الثياب القذرة، ثم قال ليهوشع انظر لقد أذهبت عنك إثمك وأُلبسك ثياباً مزخرفة. وما أشبه ذلك بالكلام الذي نجده في إشعياء 6 حين قال إشعياء أمام الرب القدوس الجالس على الكرسي العالي والمرتفع: «ويلٌ لي! إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين»، ولا نجد هناك شيطاناً مشتكياً لكن نجد العلاج «فطار إليَّ واحد من السرافيم»، والعلاج هو في النار المتقدة على المذبح أي في الدينونة التي وقعت على الرب يسوع حيث كفّر عن الخطية. وما أجمل الكلام الذي قاله الآب في مثل الابن الضال: «أخرجوا الحلة الأولى وألبسوه» (لو 22:15). ويهوشع هنا يمثل المختارين من الشعب القديم الذين يُقال عنهم: «ثم نظرت وإذا خروف واقف على جبل صهيون، ومعه مئة وأربعة وأربعون ألفاً .. هؤلاء هم الذين اشتروا من بين الناس باكورة لله وللخروف. وفي أفواههم لم يوجد غش، لأنهم بلا عيب قدام عرش الله» (رؤ 1:14-5). وهذا الكلام ذكره الرسول بطرس عن ربنا يسوع المسيح إذ قال: «هذا رفَّعَه الله بيمنه رئيساً ومُخلِّصاً، ليعطي إسرائيل التوبة وغفران الخطايا» (أع 31:5). أي أن التوبة المستقبلة أساسها الرب يسوع الذي رفعه الله وأقامه مخلصاً. وهنا نجد شيئاً سلبياً وهو خلع الثياب القذرة، وشيئاً إيجابياً وهو ليس المسيح كالبر.

ولنلاحظ كلمة «انظر» أي أن الذي التجأ إلى المسيح بالإيمان يتأكد من غفران خطاياه وحصوله على الحياة «كتبت هذا إليكم، أنتم المؤمنين باسم ابن الله، لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية» (1يو 13:5). وهذا اليقين هو أساس السلام. أما الثياب المزخرفة فنجد الكلام عنها في سفر إشعياء «فرحاً أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البر، مثل عريس يتزين بعمامة، ومثل عروس تتزين بحُليها» (إش 10:61).

«فقلت: ليضعوا على رأسه عمامة طاهرة. فوضعوا على رأسه العمامة الطاهرة، وألبسوه ثياباً وملاك الرب واقف» (ع 5).

كلمة «فقلت» تعود على زكريا كمَنْ يسير في اتجاه فكر الرب. إن التعبير الذي نلمسه في ضمير المتكلم جدير بالاعتبار فلا نقرأ: فقال، بل «فقلت» «أنا». لقد استمع النبي بأذنه إلى الكلمة الإلهية التي قيلت ليهوشع «وألبسك ثياباً مزخرفة»، وإذ دخل في الوعد نراه يطلب إتمام الوعد فوراً. وهنا نجد دخول النفس في أفكار الله وتحويلها إلى صلاة (انظر 2صم 25:7-29؛ دا 9).

وفي كلمة «طاهرة» بالنسبة للعمامة إشارة إلى ثياب رئيس الكهنة الكتانية «وتصنع العمامة من بوص ..» (خر 39:28) وكونها من بوص تشير بوجه خاص إلى الطهارة، أما ورئيس الكهنة يلبسها فإنها بالأحرى تشير إلى طهارة المسيح الكاملة، وفي هذا دليل على إدراك العمل الذي عُمِلَ مع يهوشع فإن إثمه قد أُذْهِب عنه، وثيابه القذرة قد انتزعت منه، وبذلك قد ذهب كل ما كان يجعله غير لائق بحضور الرب. أما وفد أُلبس ثياباً طاهرة فقد تزَّين بالمؤهل الموجود قدام الله في مركز القبول التام والرضى الإلهي. وبما أن العمامة تشير إلى الوظيفة الكهنوتية فمعنى ذلك أنه قد تأهل لأن يقوم بمهام وظيفته. وفي ذلك نجد أمرين هامين:

الأمر الأول: أن هذا الشعب سيقف بالبر أمام الرب وبذلك يستطيع أن يقترب إليه اقتراباً دائماً، وبهذه الصورة ترد النعمة على اتهامات المُقَاوِم أو المُشْتَكِي.

الأمر الثاني: أن الشعب بهذه الثياب قد تأهل بالبر في حضرة الله كمملكة كهنة وينطبق عليه القول: «كهنتك يلبسون البر، وأتقياؤك يهتفون» (مز 9:132).

ثانياً: إعداد الشعب لقبول غُصْن الرب (ع 6-9)

«فأشهد ملاك الرب على يهوشع قائلاً: هكذا قال رب الجنود: إن سلكت في طرقي، وإن حفظت شعائري، فأنت أيضاً تدين بيتي، وتُحافظ أيضاً على دياري، وأعطيك مسالك بين هؤلاء الواقفين» (ع 6، 7).

أي أن ملاك الرب أقام عليه من الحاضرين شهوداً على ما قاله، كما يقول الرسول بولس لتيموثاوس: «أناشدك أمام الله والرب يسوع والملائكة المختارين، أن تحفظ هذا بدون غرض، ولا تعمل شيئاً بمحاباةٍ» (1تي 21:5).

أولاً: واجب السلوك الحسن: «إن سلكت في طرقي». ويشترط الرب هذا الشرط لأن لكل امتياز مسئولية فيجب على الذين تطهروا بدم المسيح وصاروا كهنة لله أن يسلكوا في القداسة العملية التي بدونها لن يرى أحد الرب. وهذا ما يقوله الرسول بولس للمؤمنين في كورنثوس: «كونوا عَجيناً جديداً» هذا هو السلوك أو المسئولية «كما أنتم فطير» هذا هو المقام، أي كما أم مقامنا في المسيح فطير يجب أن يكون السلوك العملي عَجيناً جديداً أي خالياً من الخمير (1كو 7:5).

ثانياً: المُكافأة على ذلك. وتتناول ناحيتين هما:

(أ‌)     «فأنت أيضاً تَدين بيتي، وتُحافظ أيضاً على دياري». والرب يُذكِّر الكهنة الراجعين من السبي بعهده معهم: «كان عهدي معه (أي مع الكاهن اللاوي) للحياة والسلام، وأعطيته إياهما للتقوى. فاتقاني، ومن اسمي ارتاع هو. شريعة الحق كانت في فِيه، وإثم لم يوجد في شفتيه. سلك معي في السلام والاستقامة، وأرجع كثيرين عن الإثم. لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة، ومن فمه يطلبون الشريعة، لأنه رسول رب الجنود» (ملا 5:2-7). وإتِّباع هذا العهد كان يجعل ليهوشع حق الحُكم في بيت الرب والمحافظة على دياره. ونعلم من كلمة الله أن هاتين المُهمتين كانتا من مُتعلقات وظيفتي الكاهن والقاضي كما كان كل من عالي وصموئيل كاهناً لله وقاضياً للشعب (1صم 9:1،14؛ 18:4؛ 15: 7-17). وقال الرب للشعب: «واذهب إلى الكهنة اللاويين وإلى القاضي الذي يكون في تلك الأيام، واسأل فيُخبرونك بأمر القضاء» (تث 9:17).

على أنه ما كان لواحد من أولئك أن يُجري هذين الأمرين بحق وجدارة ما لم يكن هو أولاً سالكاً بالطاعة للكلمة. وفي هذا المعنى يقول الرسول بولس لتيموثاوس: «لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك ..» (1تي 16:4).

(ب‌)    «وأعطيك مسالك بين هؤلاء الواقفين». هذه هي المكافأة الثانية ومعناها أن تكون له مكانة مرموقة قدام الله وبين رفقائه الكهنة وهذا امتياز رئيس الكهنة في اقترابه إلى الله بدخوله إلى الأقداس.

«فاسمع يا يهوشع الكاهن العظيم أنت ومرافقوك الجالسون أمامك، لأنهم رجال آية، لأني هأنذا آتي بعبدي الغُصْن» (ع 8).

في عدد 3 نرى يهوشع وهو لابس الثياب القذرة مُمَثِّلاً للشعب وهو في حالة خطاياه.

وفي عددي 4و5 نرى يهوشع مُمَثِّلاً للبقية التقية وقد تطَّهرت من خطاياها وأصبحت في مركز القبول أمام الله.

وفي عدد 8 نرى يهوشع في صفته كمركز للمسيح في وقت مُلكِه يوم يرتبط بشعبه الأرضي كمملكة كهنة بدليل اختيار هارون وعائلته فقط ليكهنوا قدام الرب، وكل مَنْ حاول أن يقتحم ليمارس هذه الوظيفة من غير عائلة هارون كان الموت نصيبه. أما في المُلك الألفي عندما يملك الرب عليهم كملكي صادق فسوف يتمتعون بهذا الامتياز كمملكة كهنة. ورفقاء يهوشع هم الكهنة. وكما أن هارون وبنيه يُمثِّلُون الكنيسة كالعائلة الكهنوتية بارتباطهم بالمسيح، كذلك يهوشع ورفاقه هنا هم في هذه المناسبة ظل للمسيح في وسط رفقائه «أحببت البر وأبغضت الإثم، من أجل هذا مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك» (مز 7:45؛ عب 9:1). وهكذا سيكون هذا الشعب مستقبلاً بعد أن يتطَّهر من الخطية ويرتبط بالمسيح «جنسٌ مختارٌ، كهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب اقتناء». وعلى هذه الحالة سيكونون رجال آية أي موضوع تعجب. وإن كان هذا مع البقية مستقبلاً، فكم يكون بالأحرى مع الكنيسة عندما يُسْتَعْلَن المسيح في مجده ومعه المؤمنون السماويون، وهم يُستَعْلَنُون في نفس مجد المسيح سيكونون موضوع العجب كما يذكر الرسول بولس «متى جاء ليتمجد في قديسيه ويُتَعَجَّب منه في جميع المؤمنين» (2تس 10:1). هكذا الحال مع شعبه الأرضي في ملكوته، فالعالم سيكون مُتَعَجِّباً عندما يرى هذا الشعب الذي كان يوماً مُحتقراً وقد احتل مكانة مرموقة في ارتباطه مع ملك الملوك ورب الأرباب كما يذكر إشعياء «وكل الذين أهانوك يسجدون لدى باطن قدميك .. عوضاً عن كونك مهجورة ومُبْغَضَة بلا عابر بك، أجعلك فخراً أبدياً فرح دور فدور .. الرب يكون لك نوراً أبدياً وإلهك زينتك .. لأن الرب يكون لك نوراً أبدياً، وتكمل أيام نوحك .. الصغير يصير ألفاً والحقير أمة قوية ..» (إش 14:60-22).

ÿ  «لأني هأنذا آتي بعبدي الغُصْن». أي أن الأساس الإلهي لتنفيذ هذا جميعه هو مجيء الشخص المسمى «الغُصْن» وهو ربنا يسوع المسيح الذي فيه وبواسطته ضمان كل بركة للكنيسة الآن أو لشعبه الأرضي مستقبلاً ولكل الأمم في مُلكه العتيد.

وقد ورد ذكر الرب يسوع كالغُصْن سبع مرات في العهد القديم وهي:

(1) إشعياء (2:4)  (2) إشعياء (1:11-5) (3) إشعياء 1:53،2)

(4) إرميا 5:23)   (5) إرميا 15:33)     (6) زكريا 8:3)

(7) زكريا 12:6).

ومن هذه الشواهد السبعة يمكننا أن نستخلص صفات الرب يسوع المسيح الرئيسية الأربع كما هي مُعلنة في الأناجيل الأربعة:

الملك-العبد-ابن الإنسان-ابن الله

 1- ففي إشعياء 1:11؛ إرميا 5:23؛ 15:33 نرى المسيح كالملك وهذا موضوع إنجيل متى.

 2- وفي زكريا 8:3 نرى المسيح كالعبد موضوع إنجيل مرقس.

2-   وفي إشعياء 1:53،2؛ زك 12:6 نرى المسيح كابن الإنسان موضوع إنجيل لوقا. 

3-   وفي إشعياء 2:4 نرى المسيح في مجده الذاتي كابن الله وهو موضوع إنجيل يوحنا.

والسبب في أن الأنبياء شبُّهوا ربنا يسوع المسيح بالغُصْن لأنه سيطلع من جذع يسى. فالغُصْن هو فرع من الجذع والجذع هو يسى الذي منه بيت داود بحسب الجسد كما قيل: «إنجيل الله، الذي سبق فوعد به بأنبيائه في الكتب المقدسة، عن ابنه. الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعيَّن (أو تبرهن أنه) ابن الله بقوة من جهة روح القداسة، بالقيامة من الأموات» (رو 2:1-4). ونقرأ في سفر الرؤيا أن المسيح -تبارك اسمه- هو أصل وذرية داود (رؤ 16:22). فهو بلاهوته أصل داود وخالقه والذي يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: «قال الرب لربي» (مز 1:110؛ مر 36:12،37)، وهو بناسوته ذُرية داود الذي فيه ستتم كل المواعيد والذي سيملك على الأرض ولا يكون لمُلكه نهاية (لو 32:1،33). وهكذا بينما هو رب داود صار ابن داود (مت 42:22-45).

«فهوذا الحجر الذي وضعته قدام يهوشع على حجر واحدٍ سبع أعين. هأنذا ناقش نقشه، يقول رب الجنود، وأُزيل إثم تلك الأرض في يوم واحد» (ع 9).

الحجر الذي وُضع قدام يهوشع هو حجر الأساس للهيكل الذي يرمز للمسيح كالحجر العتيد أن يكون هو الأساس الوحيد في صهيون لخلاص الذين يؤمنون «هأنذا أسس في صهيون حجراً، حجر امتحان، حجر زاوية كريماً، أساساً مُؤسَّساً: مَنْ آمن لا يهرب» (إش 16:28). يتكلم إشعياء هنا عن السوط الجارف الذي هو ملك الشمال أو الأشوري الذي خوفاً منه سيعقد الشعب عهداً مع الموت الذي هو "الوحش الروماني". على أن الأكاذيب لا تصلح ملجأ، فالرب نفسه هو الذي سيقضي على كل الجيوش سواء الغربية أو الشرقية، لكنه سيحفظ تلك البقية التقية الواثقة في عمانوئيل. وفي ذلك الوقت «الرجل الغصن اسمه. ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب. وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسيه، ويكون كاهناً على كرسيه» (زك 12:6). وهو الرب أصل وذرية داود. ولنلاحظ أن الكلام هنا يدور حول الهيكل العتيد الذي يبنيه الرب نفسه.

والمسيح كحجر الأساس هنا يتعلق به ثلاثة أمور رئيسية:

ÿ  «على حجر واحدٍ سبع أعين». وهذا الحجر الواحد هو المسيح، وحيث أن الحجر سيوضع في صهيون فالمسيح هنا هو الأساس الذي تقوم عليه حكومة الله في الأرض. وعلى هذا الحجر سيكون سبع أعين لأن من هناك يُرى حضور الله الكلي العلم مُعْلَناً في حكومة المسيح البارة العادلة على أمم الأرض من صهيون كمركز للحكم. وهذا يوافق ما جاء في سفر الرؤيا «ورأيت فإذا في وسط العرش .. خروف قائم كأنه مذبوح، له سبعة قرون وسبع أعين، هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض» (رؤ 5:5،6). ونحن نعلم أن العدد 7 رمز الكمال، فهو كمال إلهي مطلق، وكمال القوة لأن القرون رمز القوة، وكمال الحكمة والبصيرة المُشار إليها بالأعين، وله الروح القدس في كمال أعماله. ومن ثم سيكون المسيح في مُلكه مُلِّماً بكل بواطن الأمور وحاكماً بمقتضى كماله وكمال علمه، ولذلك يوصف كمَنْ له سبعة أرواح الله في ذاته وفي حُكمه بأوصاف مذكورة في إشعياء 11 على نسق تركيب المنارة الذهبية أي الساق الرئيسية وثلاث شعب زوجية إذ يقول إشعياء: «ويحل عليه روح الرب (هذه هي الساق المركزية)، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب» (إش 2:11). وهذه هي الثلاث الشُعب الزوجية.

ÿ  «هأنذا ناقش نقشه، يقول رب الجنود». هذا هو الأمر الثاني الخاص بالمسيح كحجر الأساس. ومعناه أن المسيح في مُلكه العتيد كالأساس الإلهي الوحيد لحكومة الله على الأرض سيكون حاملاً طابع أفكار الله رب الجنود التي لا تقاوم «فأجابني الرب وقال: اكتب الرُؤْيا وانقشها على الألواح لكي يركض قارئها» (حب 2:2،3) وكون رب الجنود هو الذي نقش نقشه معناه أن الأيام لا تمحوه وأنه معروف للملأ إشارة إلى مُلك المسيح الأبدي كما هو مكتوب «يقيم إله السماوات مملكة لا تنقرض أبداً، وملكها لا يُترَك لشعب آخر» (دا 44:2).

ÿ  «وأُزيل إثم تلك الأرض في يوم واحد». وتلك هي نتيجة عمل المسيح الكامل الفاعلية فإنه بفضل موته وقيامته قد صار هو حجر الأساس. وحينما تثبت حكومة المسيح في صهيون سيكون شعبه قد نظروا إلى ذاك الذي طعنوه (زك 14:12). وبالتوبة والإيمان سيكونون قد وضعوا تحت قيمة ذبيحة المسيح الكفارية فيُزيل الرب بالبر إثم تلك الأرض في يوم واحد. فهذا العدد ينظر مقدماً إلى الوقت الذي فيه سوف تتطَّهر الأمة من خطاياها وبذلك يمكن أن يسكن الرب مرة أخرى في وسط شعبه. وهذا سيتم عندما «يجمع (الله) كل شيء في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض» (أف 10:1). فإن الرب سيغفر خطايا شعبه وينسى لهم كل ماضيهم «رضيت يا رب على أرضك .. غفرت إثم شعبك. سترت كل خطيتهم» (مز 1:85).

وكما يقول إرميا: «في تلك الأيام وفي ذلك الزمان، يقول الرب، يطلب إثم إسرائيل فلا يكون، وخطية يهوذا فلا توجد، لأني أغفر لمن أُبقيه» (إر 20:50). وعلى هذا الأساس يباركهم الرب ويبارك معهم كل الشعوب ويملك عليهم جميعاً.

ثالثاً: ملكوت الرب العتيد (ع 10)

«في ذلك اليوم، يقول رب الجنود، ينادي كل إنسان قريبه تحت الكرمة وتحت التينة» (ع 10).

عبارة «في ذلك اليوم» مرتبطة بعبارة «في يوم واحد» المذكورة في العدد التاسع في يوم توبتهم ورجوعهم سيتمتع الشعب بهذه البركات المذكورة في هذا العدد. وهذا العدد يرمز إليه عصر سليمان حيث قيل: «وسكن يهوذا وإسرائيل آمنين، كل واحد تحت كرمته وتحت تينته» (1مل 25:4). ويُقال أيضاً عن هذه الفترة في نبوة ميخا: «بل يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته. ولا يكون من يرعب، لأن فم رب الجنود تكلَّم» (مي 4:4).


[*] «الكاهن العظيم» تعني رئيس الكهنة، لأن الكاهن العظيم هو الرب يسوع المسيح فقط. وقد جاءت هكذا high priset  - أما الكاهن العظيم التي جاءت عن الرب يسوع جاءت هكذا great priest (عب 21:10). كما أن كلمة الكاهن العظيم في يشوع 6:20 تعني رئيس الكهنة.

[†] ويجب أن ندرك أن الذي انتشلها من النار ليس أنها قبلت من يد الرب ضعفين وإن كان هذا صحيحاً في مقاصد الله التأديبية لكن العمل الكفاري الذي عُمل لأجلها هو الذي انتشلها من النار.

افتتاحية * مقدمة ضرورية *

*  السابع

*  السادس

*  الخامس

 *  الرابع

*  الثالث

 *  الثاني

*  الأول

*  الرابع عشر

*  الثالث عشر

*  الثاني عشر

*  الحادي عشر

*  العاشر

*  التاسع

*  الثامن

 آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة Baytallah.com

 

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.