الأمان وإليقين والبهجة |
الأمان وإليقين والبهجة «الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد انتقل من الموت إلى الحياة» (يو5:42) «كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية» (1يو5:31) «أمامك شبع سرور. في يمينك نعم إلى الأبد» (مز61:11) إذا كنت في غير أمان فلماذا لا تؤمن فتخلص؟ وإذا كنت مؤمنا فلماذا لا تتيقن من خلاصك؟ وإذا كنت مخلصا ومتيقنا فلماذا لا تبتهج؟ أيها القارئ العزيز : أنت بكل يقين مسافر من هذه الحياة إلى الأبدية. ومن ذا الذي يدري قربك إلى النهاية في هذه اللحظة؟ لذلك أسألك بكل محبة : «في أي درجة أنت مسافر؟» لا توجد إلا ثلاث درجات. وها أنا أصفها لك لكي يمكنك أن تمتحن نفسك في حضرة ذاك الذي معه أمرك. I الدرجة الأولي: الذين قد خلصوا وهم يعرفون ذلك. II الدرجة الثانية: الذين ليسوا متيقنين من خلاصهم. لكنهم في قلق ورغبة في أن يخلصوا. III الدرجة الثالثة: الذين هم غير مخلصين, ولا ي بالون بأمر خلاصهم بالكلية. وهاأنا أكرر عليك هذا السؤال الهام في أية درجة أنت مسافر؟ آه يالحماقة بل يالجنون الذين لا يبالون بالأمور الأبدية. أربع ساعات أم الأبدية من عهد قريب جاء رجل هندي إلى إحدى محطات السكة الحديد راكضا بأسرع ما يمكن, ودخل إلى العربة في لحظة قيام القطار وهو لا يكاد يقدر أن يتنفس من شدة التعب. فقال له أحد المسافرين «حقا إنك ركضت حسنا ». فأجابه وهو يتنفس بكل مشقة «نعم; لكني قد ربحت أربع ساعات وهي مدة تستحق الركض». أما أنا فتأثرت كثيرا من كلامه هذا وأخذت أكرر لن في قوله «ربحت أربع ساعات». وقلت حقا إنه أجهد نفسه إجهادا عظيما لربح أربع ساعات. ولكن ماذا من جهة الأبدية؟ وكم من ألوف من ذوي البصيرة والرأي الصائب في هذا العالم, الذين يحسنون إجهاد فكرهم في تدبير أمور هذه الحياة, لكنهم في جهل تام من جهة الأبدية التي أمامهم. فإنه رغما عن محبة الله غير المحدودة نحو الخطاة الهالكين التي قد أظهرها في صليب الجلجثة, ورغما عن بغضته المعلنة ضد الخطية, ورغما عن التأكد من قصر حياة الإنسان هنا علي الأرض, ورغما عن أهوال الدينونة المريعة بعد الموت, ورغما عن الحسرة التي لا تطاق على مافات بعد الدخول إلى العذاب الأبدي في بحيرة النار, رغما عن هذه كلها نجد أن البشر مسرعون ركضا إلى تلك النهاية المرة جدا جدا, وهم غيرم بإلين البتة, كأن الله ليس بموجود, وكأنه لا موت ولا دينونة ولا سماء ولا جهنم. إن كانت هذه حالتك أيها القارئ العزيز, فليت الله يرحمك الآن ويتحنن عليك, وبينما أنت تقرأ هذه الأسطر يمنحك بصيرة لتري الحال الخطير الذي أنت فيه, وأنك واقف على حافة مزالق الويل الأبدي. يا صديقي العزيز.. إن صدقت ذلك أو لم تصدقه, فإن حالتك شقية جدا ; فأطلب إليك أن لا تتغاضى وتتعامى عن الأبدية. واعلم يقينا أن الذي يخدعك بالتأجيل والتسويف ليس هو لصا فقط بل هو قاتل أيضا . إني أتضرع إليك أيها القارئ العزيز أن لا تسير بعد في طريق التأجيل والتسويف لأنه : هوذا الآن يوم خلاص لست غير مبال لكنني ... ولكن ربما يقول أحد إني لست متهاونا بخلاص نفسي, ولكن حالتي يعبر عنها بكلمة أخرى وهي: عدم إليقين. فكأني من الصف الثاني الذي ذكرته أو المسافرين في الدرجة الثانية. فاسمع أيها القارئ العزيز : إن التهاون وعدم إليقين ناتجان من ينبوع واحد وهو عدم الإيمان. فالتهاون ناشئ من عدم الإيمان أو عدم التصديق بكون الإنسان خاطئا هالكا , وعدم إليقين ناشئ من عدم الإيمان أو عدم التصديق بالعلاج الإلهي الذي أعده الله للإنسان. لقد كتبت هذه النبذة لإفادة النفوس التي ترغب صادقة أمام الله في أن تكون متيقنة من خلاصها بالتمام وبدون أدني ريب. نعم إني أستطيع أن أفهم قلق نفسك العظيم, وإني متأكد أنه كلما ازداد اهتمامك بهذا الأمر الخطير تعاظم ظمؤك وتعبك, إلا إذا عرفت بكل يقين أنك نلت خلاصا حقيقيا أبديا لأنه «ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه». فلو فرضنا أن لأب محب ابنا وحيدا مسافرا في البحر, ووصل له خبر بأن السفينة التي هو فيها انكسرت بالقرب من بلاد بعيدة, فمن يقدر أن يصف قلق ذلك الأب واضطراب أفكاره قبل أن يتأكد من مصادر يوثق بها كل الثقة أن ابنه سالم؟ أو لو فرضنا أنك في بلاد غريبة, وأنت مسافر في ليل مظلم ماطر وليس لك خبرة بطرق تلك البلاد ووصلت إلى مفرق الطرق, ووقفت محتارا لا تدري أي الطريقين يوصلك إلى البلد المقصود. ثم مر بك شخص وسألته عن الطريق المقصود فأجابك : أظن أن هذا الطريق هو الطريق المطلوب, واعتقد أنك إذا سرت فيه ربما تصل إلى البلد المرغوب. فهل قوله «أظن» و «اؤمل» و «ربما» يزيح قلقك, وينزع انزعاج فكرك؟ لا ريب أن أقوالا كهذه لا تريحك البتة إذ الأمر الوحيد الذي يريحك هو المعرفة عن يقين وإلا فكل خطوة تخطوها تزيد انزعاجك وقلق نفسك. فهل تتعجب إذا أن أناسا لم يكونوا قادرين أن يتناولوا طعاما أو يناموا عندما كانت قلوبهم منزعجة من جهة نفوسهم وكأن خلاصهم الأبدي يتأرجح في قلوبهم؟ فاسمع أيها القارئ العزيز فإني أبتغي بمعونة الروح القدس أن أوضح لك بكل بساطة ثلاثة أشياء, وهاأنا أذكرها لك باللفظ المعبر به عنها في الكتاب المقدس وهي : طريق الخلاص (أعمال61:13) معرفة الخلاص (لوقا1:77) بهجة الخلاص (مزمور15:21) وسوف نري أنها وإن تكن مقترنة بعضها ببعض كل الاقتران لكنها متميزة ولكل منها أساس خاص, ولذلك قد يمكن لواحد أن يعرف طريق الخلاص بدون أن يكون له المعرفة الأكيدة بأنه هو خالص, كما قد يعرف واحد بأنه خالص بدون أن يكون له في كل الأوقات البهجة والسرور اللذان يجب أن يصدرا عن هذه المعرفة. ولنتكلم أولا بالاختصار عن : طريق الخلاص أرجو أن تفتح الكتاب المقدس, وتقرأ بإمعان العدد الثالث عشر من الأصحاح الثالث عشر من سفر الخروج. وهناك تري هذه الكلمات الصادرة من الله : «ولكن كل بكر حمار تفديه بشاة وإن لم تفده فتكسر عنقه. وكل بكر إنسان من أولادك تفديه». فلنرجع معا بأفكارنا مدة ثلاثة آلاف سنة ولنتصور منظرا كان يجري حينئذ; رجلين أحدهما كاهن لله والآخر من عامة الشعب يتحدثان حديثا له أهمية عظيمة عندهما. ولنفرض أننا بإذنهما وقفنا نصغي لما جري بينهما من الحديث الذي تدل حالتهما على عظم أهميته وكان موضوع الحديث جحشا صغيرا يرتعد بجانبهما. فقال الشخص العادي: قد حضرت لأسألك إذا كان بالرحمة يمكننا العفو هذه المرة, فإن هذا الجحش المسكين بكر أتاني, وأنا أعلم جيدا ما يقوله ناموس الله من جهته, لكني أرجو الرحمة له وأن يعفي عن حياته; لأني مسكين ويشق على جدا خسارة جحشي هذا. فأجابه الكاهن بدون تردد : إن ناموس الرب واضح ليس فيه غموض أو إبهام «كل بكر حمار تفديه بشاة. وإن لم تفده فتكسر عنقه»; فأين الشاة؟ - آه يا سيدي لو كان عندي شاة..! - إذهب إذا واشتر شاة وتعال إلي, وإلا في كسر عنق الجحش. فإنه لابد من موت الشاة, وإلا فالجحش يكسر عنقه لا محالة. فأجاب المسكين إذ ذاك : واحسرتاه! قد خابت آمإلى لأني مسكين جدا وليس في طاقة يدي أن أشتري شاة. وبينما هما في الحديث إذا شخص ثالث قد أقبل عليهما, وبعد سماعه خبر ذلك الرجل المسكين نظر إليه وقال له: ثق فإني أسد احتياجك, لأنه في بيتنا الذي تراه هنالك على قمة الجبل شاة محبوبة مدللة بلا عيب ولا دنس لم تضل البتة, وهي بكل حق محبوبة عند جميع من في البيت, فأنا أ حضر لك هذه الشاة. ثم أسرع صاعدا إلى البيت وما لبث أن عاد يقود شاته الجميلة إلى أن وصل إليهما, ووقفت الشاة بإزاء الجحش. ثم ربطت الشاة, وسفك دمها وأحرقت على المذبح. وعند ذلك نظر الكاهن التقي إلى المسكين وقال «خذ الآن بكر أتانك بسلام, لأنه لا يكسر عنقه بعد أن ماتت الشاة عوضا عنه فاشكر إذا فضل صديقك». والآن أيها الإنسان المسكين المرتعد ألست تستطيع أن تري في ما قد ذ كر وصفا إلهيا لطريقة خلاص الخاطئ؟ فإن عدالة الله بالنظر إلى خطاياك, تطلب كسر العنق, أي أن تقع دينونته العادلة على رأسك الأثيم. وليس من طريقة أخرى إلا موت فاد معين منه. واعلم أيها القارئ العزيز أنك لا تقدر أنت البتة أن تجد من يسد احتياجك, ولكن الله قد سده بشخص ابنه الحبيب, إذ قدمه حملا بلا عيب. قال يوحنا المعمدان لتلاميذه لما رأي ذلك البار القدوس: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يوحنا1:92). لقد تقدم إلى الجلجثة كشاة تساق إلى الذبح, وعلى الصليب تألم مرة واحدة من أجل الخطايا. «البار من أجل الأثمة لكي يقر بنا إلى الله» (1بطرس3:81), «الذي أ سلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا» (رومية4:52). والله عندما يبرر الخاطئ الشرير الذي يؤمن بالرب يسوع لا ينقص شيئا البتة من مطاليب عدله وحكمه ضد الخطية (رومية3:62). فالشكر والحمد له على هذا المخلص العجيب وعلى هذا الخلاص الكامل. أتؤمن بابن الله ؟ ربما تجيب "إني كخاطئ هالك قد وجدت الرب يسوع مخلصا قديرا وأنا أؤمن به". إذا أقول لك إن كل قيمة ذبيحته وموته ينظر إليها الله محسوبة لك, كما لو كنت قد أكملت أنت ذلك بنفسك. حقا ما أعجب طريق الخلاص هذه! وما أعظمها وما أجلها, لأنها إلهية تليق به, له المجد! وفيها يقترن سرور قلبه المحب, ومجد ابنه الحبيب, وخلاص الخاطئ المسكين. ويالها من نعمة ومجد! فمبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح, الذي هكذا شاء أن ابنه الحبيب يكمل العمل كله, فله كل الحمد. وإننا نحن الخطاة الأثمة إذا آمنا به لا ننال فقط كل البركة, بل نبتهج أيضا إلى أبد الآبدين بالشركة مع من قد باركنا, تلك الشركة السعيدة. «عظموا الرب معي ولنعل اسمه معا » (مزمور43:3). أعلم, ... ولكن قد أسمع واحد يقول : أعلم أن الاتكال بالتمام على المسيح وعمله يكفي لأن يكون عندي اليقين الكامل بخلاصي مع أنه ليس لي ثقة البتة بنفسي ولا بعملي. ولكن مشكلتي أن إحساسي قد يثبت قولي إني خالص اليوم, لكنه يذهب بكل رجائي غدا , وها أنا كسفينة تلاطمها الأمواج والعواصف وليس لها مرساة تثبتها وتحفظها. يا صديقي .. ما أعظم غلطتك! هل سمعت قط عن ربان سفينة يثبت سفينته بتمكين المرساة فيها من الداخل؟! كلا البتة لأنه دائما أبدا يمكنها خارج السفينة. ربما تكون موقنا كل الإيقان أنه ليس الخلاص ولا الأمان إلا بموت المسيح, ولكنك تحسب أن إحساسك يمنحك اليقين, فأطلب إليك أن تأخذ الكتاب المقدس لأني أرغب أنك تري بنفسك من كلمة الله كيف أن الله هو الذي يمنح الإنسان : معرفة الخلاص وقبل أن تقرأ العدد الذي أبتغي أن تقرأه بكل إمعان وتدقيق, والذي يعلمنا كيف يستطيع المؤمن أن يعلم أن له حياة أبدية, أقتبسه لك كما يحر فه غالبا العقل البشري المنحرف «وهبت هذه الاحساسات السعيدة إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية». والآن افتح الكتاب المقدس; وليمنحك الله نعمة لتقول من كل قلبك مع داود بينما تقابل ذلك مع كلمته المباركة الباقية إلى الأبد «المتقلبين أبغضت وشريعتك أحببت» (مزمور911:311). وأما العدد المقروء بانحراف فهو 1يوحنا5:31, وقراءته الصحيحة هي هكذا: «كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تعلموا أن لكم حياة أبدية». قصة بيتين كيف يا ترى عر ف ألوف الأبكار وتيقنوا أنهم في أمان ليلة الفصح; ليلة وقوع ضربات الله على مصر؟! لنفرض أننا كنا هناك في تلك الأيام وذهبنا لزيارة بيتين في تلك الليلة وسمعنا ما دار بينهم من الحديث.. فوجدنا في البيت الأول الذي دخلناه أن أهله كانوا يرتعدون من الخوف واضطراب القلب. وإذ ذاك سألناهم: ما هو سبب هذا الارتعاد والقلق؟ وعند ذلك أجاب بكرهم: أن ملاك الموت مجتاز تلك الليلة في أرض مصر لإهلاك الأبكار, وأنا في قلق ولا أعلم كيف تكون الأحوال من جهتي في ذلك الوقت الخطير. بعد أن يجتاز الملاك المهلك بيتنا وتعبر ليلة القضاء هذه, حينئذ أعلم إني في أمان, ولن يمكنني أن أتيقن ذلك إلا بعد عبور القضاء. جيراننا الملاصقون يقولون إنهم متيقنون الخلاص أما نحن فنحسب ذلك إدعاء رديا ووقاحة منهم, وأما أنا فلست أستطيع شيئا أكثر من أن أبقي ساهرا في هذه الليلة المريعة راجيا أن تمر بخير وإن كنت في قلق شديد. فسألناه إذ ذاك: ألم يعد الله طريقا لخلاص شعبه؟ فأجاب: نعم. ونحن أيضا قد استعملنا هذه الواسطة للنجاة وهذا دم حمل ذ كر ابن سنة بلا عيب ولا دنس وقد رششنا الدم في الوقت المعين بباقة الزوفا على العتبة العليا والقائمتين, ومع ذلك قلوبنا مرتعدة ولسنا متيقنين اليقين الكامل بالنجاة. ولنفرض أننا تركنا هؤلاء القوم المرتعدين ودخلنا بيت جيرانهم الملاصق, فأية مباينة عظيمة تلوح لنا حال دخولنا؟ فإن إمارات الفرح والسلام ظاهرة على وجه كل واحد منهم, وهم بأحقاء مشدودة وأحذيتهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم وكانوا يأكلون خروف الفصح. ولما سألناهم: ما سبب هذه السكينة وهدوء البال في تلك الليلة الخطيرة الهائلة؟ أجابوا : إننا منتظرون أمر الرب للخروج من أرض مصر, وعن قريب سنخلص من العبودية القاسية ومن ظلم مسخرينا. - ولكن هل نسيتم أن هذه الليلة هي ليلة دينونة الله على مصر؟ - كلا, إننا نعلم ذلك يقينا : ولكن بكرنا في أمان تام لأننا قد رششنا من الدم حسب أمر إلهنا. فأجبنا قائلين : ولكن جيرانكم الملاصقين قد رشوا الدم أيضا ومع ذلك فهم في قلق وانزعاج عظيمين لأنهم ليسوا موقنين أن بكرهم في أمان. فأجابنا بكر هؤلاء قائلا : أما نحن فعندنا لا الدم المرشوش فقط; بل أيضا كلمة الله الثابتة الواضحة, فإنه قد قال «أري الدم وأعبر عنكم», إن قلب الله مسرور ومكتف بالدم خارجا ونحن مسرورون ومكتفون بكلمته. إن الدم المرشوش يجعلنا في أمان وكلمته التي نطق بها تعطينا إليقي--ن. وهل يمكن أن يوجد شئ يجعلنا في أمان أكثر مما يجعلنا الدم المرشوش؟ أو هل يوجد شئ يعطينا يقينا أكثر مما تعطينا كلمة الله التي نطق بها؟ كلا وألف كلا. سؤال: والآن أيها القارئ العزيز اسمح لي أن أقدم لك هذا السؤال: أي بيت من هذين البيتين كان في أمان أكثر من الآخر؟ هل تظن أنه البيت الثإني حيث كان الكل في سكينة ويقين؟ إن أجبت هكذا فأنتم خطئ لأن كليهما على السواء كانا في أمان كامل, لأن أمانهما متوقف على تقديره الله للدم خارجا , وليس متوقفا البتة على إحساسهم هم الذين كانوا داخلا . وإذا شئت أيها القارئ العزيز أن تتيقن خلاصك وأنك في أمان تام فاصغ ليس إلى شهادة إحساسك الداخلي المتقلب بل إلى شهادة كلمة الله الثابتة الصادقة. «الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية» (يو6:74) هاك مثالا بسيطا يوضح لك هذه الحقيقة. لو فرضنا أن فلاحا لم يكن عنده برسيم كاف لمواشيه قد سمع عن قطعة مرعي جميلة بالقرب من بيته معروضة للإيجار, فبعث رسالة إلى رب الأرض يطلب استئجارها, ولكن مضي وقت قبل أن يأتيه جواب. فحضر إليه يوما ما أحد جيرانه وقال: "إني متيقن أنك ستأخذ قطعة الأرض هذه. ألست تذكر أنه قد أرسل لك هدية في العيد الماضي وأنه قد حي اك بلطف وهو مار من عهد قريب؟" ملأت هذه الكلمات قلب الفلاح فرحا ورجاء . ولكن في إليوم التإلى لاقاه جار آخر وفيما هما يتحادثان قال له: "لست أظن البتة أنك تستطيع الحصول على قطعة الأرض لأن فلانا قد طلبها وأنت تعلم أن صاحب الأرض صديق حميم له وكثيرا ما يزوره", وهذه الكلمات ملأت الفلاح حزنا وهدمت كل آماله. وهكذا كان في أحوال متقلبة. فكان يوما في رجاء قوي وفي إليوم التإلى امتلأ قلبه من الشكوك والحزن. وبعد قليل وصل إليه خطاب, ففك ختمه وأخذ يقرأه بفرح; لأنه كان من صاحب الأرض. وفيما هو يقرأه كانت إمارات الفرح تلوح على وجهه وطردت كل شكوكه وأعاد تكرار قراءة الرسالة. وعند ذلك قال لزوجته : قد تقرر الأمر الآن, وليس محل للشك أو الخوف; وها قد انقضي زمان قول الناس لي «ربما» و «عسي» و «إذا», لأن صاحب الأرض قد كتب لي قائلا أنه سمح لي بالأرض كل مدة احتياجي لها بإيجار زهيد جدا , وهذا كاف لتطمين قلبي ولست أبإلى بعد بما يقوله هذا أو ذاك, لأن كلام صاحب الأرض أثبت من كل أقوالهم. كم من النفوس في حالة الاضطراب والقلق نظير هذا الفلاح, تلاطمها أمواج الخوف في حيرة وانزعاج, بسبب آراء البشر وإحساسات قلوبهم التي هي أخدع من كل شئ, ولايمكن حصولها على إليقين إلا بواسطة كلمة الله. فعند قبول الكلمة ككلمة الله يزول الريب والشك, ويتمكن إليقين من القلب; لأنه إذا تكلم الله ففي كلامه كل إليقين, سواء في حكمه على غير المؤمن بالهلاك أو على المؤمن بالخلاص. «يارب كلمتكم ثبتة في السموات» (مز911:98) والمؤمن ذو الإخلاص والبساطة يتيقن ويثق بكلمته لأنه : «ليس الله إنسانا فيكذب. ولا ابن انسان فيندم. هل يقول ولايفعل أو يتكلم ولايفي» (العدد32:91). كيف أعرف؟ ولكن ربما تسأل: قائلا : كيف يمكنني أن أتأكد أن لي إيمانا حقيقيا ؟ ليس لسؤالك هذا إلا جواب واحد وهو : هل لك ثقة بالشخص الحقيقي الذي هو ابن الله المبارك ؟ ليس المهم هو النظر إلى مقدار إيمانك بل النظر إلى استحقاق الشخص الذي آمنت به واتكلت عليه. فواحد يتمسك بالمسيح يسوع كتمسك الغريق بدفة السفينة, وآخر إنما يمس هدب ثوبه فقط. ولكن ليس الأول في أمان أكثر من الثإني البتة بل كلاهما وجدا أنه لا نفع البتة ولا ثقة بالإنسان, وأن الأمان هو بالاتكال على المسيح يسوع; ولذلك يثقان به ويصدقان كلمته بسكينة, ويرتاح قلباهما كل الراحة على قيمة عمله العظيم الذي أكمله على الصليب. هذا هو معني الإيمان به. «الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية» (يو6:74) فالحذر الحذر أيها القارئ العزيز من أن يكون اتكالك على إصلاح نفسك, أو على أعمالك الدينية, أو إحساساتك التقوية, أو على تربيتك الأدبية منذ طفوليتك, أو ماأشبه ذلك, لأنه ممكن أن يكون لك كل الثقة بأي شئ من هذه وماشاكلها; ومع ذلك تهلك إلى الأبد. فلا تخدع نفسك بمنظر حسن في الجسد مهما كان. فإن أضعف إيمان بالمسيح يسوع يخلص إلى الأبد, بينما أقوي إيمان بأي شئ خلافه إنما هو ثمر القلب الخد اع وما هو إلا حيلة العدو, وكشئ له منظر حسن يبسطه أمامك ساترا به هوة الهلاك الأبدي التي يجتهد أن يطرحك فيها. إن الله في انجيله يضع أمامك الرب يسوع المسيح وحده ويقول لك «هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت», ويؤكد لك أنك بكل أمن تستطيع أن تثق في محبته. أما إذا اتكلت على نفسك فلا اطمئنان لك البتة. مبارك أنت أيها الرب يسوع من الآن وإلى الأبد. فمن هو الذي لايتكل عليك ويحمد اسمك العظيم؟ لا أستطيع أن أقول ذلك قالت لي يوما ما صبية حزينة «إني أؤمن بالرب يسوع; ولكن إذا سألني أحد إذا كنت قد خلصت لست أستطيع أن أقول نعم لئلا يكون قولي هذا كذبا » وكانت هذه الصبية إبنة جزار في بلدة صغيرة, وحدث أن كان ذلك إليوم يوم سوق وأن أباها لم يعد من السوق بعد. فق لت لها: لنفرض أنك تسإلين أباك عند رجوعه كم خروفا اشتري إليوم وهو يجيبك «عشرة» وبعد قليل يدخل إنسان إلى الدكان ويسألك كم خروفا اشتري أبوك إليوم؟ فتقولين له : لست أريد أن أقول لئلا يكون قولي كذبا . وعند ذلك قالت أمها-التي كانت واقفة بجانبنا- بحدة: لكنك بذلك تجعلين أباك كاذبا . ألست تري أيها القارئ العزيز أن تلك الصبية بسذاجة قد جعلت المسيح كاذبا بقولها إني أؤمن بابن الله وبأنه قال إن لي حياة أبدية, لكني لست أريد أن أقول أنها لي لئلا يكون قولي كذبا ؟ فيالها من جسارة ووقاحة عظيمتين! ولكن ربما يقول آخر : كيف يمكنني أن أتحقق إني مؤمن؟ فإني كثيرا مابذلت جهدي أن أومن, ونظرت إلى داخلي لأري إن كان لي إيمان, ولكن كلما نظرت ضعف أملي بذلك. الجواب : آه ياصديقي إنك ناظر ليس إلى الجهة الحقيقية لتحقيق ذلك. وكونك تبذل جهدك أن تؤمن يبين بكل وضوح أنك في طريق الخطر. بمن أؤمن؟ وهاك مثلا آخر لإيضاح ما أبتغي بسطه لديك, لنفرض أنك بينما أنت جالس ذات مساء ترتاح في بيتك وإذا انسان دخل عليك وأخبرك أن ناظر المحطة قد داسه القطار ومات. ولنفرض أن ذلك الإنسان مشهور من زمان طويل بعدم الأمانة وبالكذب, فهل تصدق أو هل تميل أن تصدق ذلك الإنسان؟ طبعا تقول لي : كلا البتة. لماذا ياتري؟ تقول : لأني أعرفه المعرفة الأكيدة بأن كلامه لا يوثق به لعدم صدقه. لكني أرجوك أن تخبرني كيف تعلمأنك لا تصدقه؟ هل ذلك بنظرك إلى إحساساتك أو إلى مافي داخلك؟ كلا البتة. فإنك إنما تنظر إلى ذلك الشخص الذي سمعت منه الخبر. ولنفرض أن جارا دخل وقال لك أن ناظر المحطة قد داسه قطار بضاعة هذا المساء ومات حالا . وبعد خروجه من عندك قلت: إني الآن أصدق بعض التصديق لأن هذا الرجل لم يخدعني في كل حياته إلا مرة واحدة فقط مع إني أعرفه منذ صباه. وها أنا أسألك أيضا : هل بنظرك إلى شعورك الآن تعرف بأنك تصدقه بعض التصديق؟ كلا. لأنك تنظر إلى ص فات الذي أخبرك. وما لبث هذا الرجل أن خرج من بيتك حتي دخل شخص ثالث وأخبرك هذا الخبر الم حزن عينه. وحينئذ قلت إني الآن أصدق هذا الخبر كل التصديق. وها أنا أكرر عليك سؤإلى الذي ليس هو إلا صدي سؤالك مرة أخرى. كيف تعرف أنك تصدق صديقك الأخير كل التصديق؟ تقول لأني أعرف من هو; فإنه لم يكذب على البتة ولا يمكن أنه يكذب على . وأنا بهذه الطريقة نفسها أعرف إني اؤمن بالإنجيل لأني أنظر إلى الذي أخبرني به «إن كنا نقبل شهادة الناس فشهادة الله أعظم لأن هذه هي شهادة الله التي قد شهد بها عن ابنه. من لا يصدق الله فقد جعله كاذبا لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه» (1يو5:9 ,01) « فآمن ابراهيم بالله فح سب له برا » (رو4:3) قال مرة رجل مضطرب الأفكار من جهة خلاص نفسه لمبشر: أواه ياسيدي, إني لست أستطيع أن أومن. فأجابه المبشر بفطنة وهدوء : بمن ياصديقي لست تستطيع أن تؤمن؟ فأثر ذلك فيه تأثيرا عظيما وغير الأمور معه, لأنه كان ينظر إلى الإيمان كشئم بهم يجب أن يشعر به في داخله قبل أن يتأكد أنه صار مستحقا السماء; مع أن الإيمان ينظر دائما إلى الخارج إلى المسيح الحي وإلى عمله الكامل ويصدق بثقة وخضوع شهادة الله الصادق عن ابنه. فاعلم يقينا أن النظر إلى الخارج يجلب السلام إلى الداخل; فكل من يوجه نظره إلى الشمس يصير ظله وراءه. وكما أنه يستحيل عليه أن ينظر إلى الشمس وإلى ظله معا هكذا أيضا لايمكنك أن تنظر إلى نفسك وإلى الرب يسوع الممجد في السماء في وقت واحد. لقد رأينا أن شخص ابن الله المبارك بنعمته يجعل ثقتي به هو وبعمله الكامل ويجعلني في أمان إلى الأبد, وكلمة الله عن المؤمنين به تعطيني إليقين الكامل. إني أجد في المسيح وعمله طريق الخلاص, وفي كلمة الله معرفة الخلاص. ولكن ربما تقول أيها القارئ العزيز : إذا كنت خالصا فلماذا ليس لي اختبار ثابت لأني كثيرا ما أفقد كل أفراحي وتعزيتي وتنحني نفسي وأشعر بشقاء كما من قبل إيماني. هذا أيها العزيز يقتادنا إلى الأمر الثالث وهو : بهجة الخلاص لقد رأينا في تعليم الكتاب المقدس أنك قد نلت الخلاص بعمل المسيح, وتيقنت ذلك بكلمة الله وأنك محفوظ في التعزية والفرح بالروح القدس الساكن في قلب كل مؤمن. ولكن لا ننس أن كل واحد من المخلصين باق فيه «الجسد»; أي الطبيعة الفاسدة التي قد ولد بها, والتي قد ظهرت فيه حتي لما كان طفلا ضعيفا في حضن أمه. فالروح القدس في المؤمنين يقاوم الجسد, لكنه يحزن من أية حركة كانت من حركاته, سواء أكانت بالفعل أو بالقول أو بالفكر أو بالشعور. فإذا كان المؤمن سالكا كما يحق للرب, فالروح القدس ي ثمر في نفسه أثماره المباركة وهي محبة فرح سلام.. الخ (غلا5:22). ولكن إذا سلك سلوكا جسديا عالميا ; يحزن الروح وتفقد منه هذه الأثمار كثيرا أو قليلا . قاعدة ثابتة إليك هذه القاعدة الثابتة أيها المؤمن باسم ابن الله. عمل المسيح وخلاصك يثبتان معا أو يسقطان معا سلوكك وبهجتك يثبتان معا أو يسقطان معا فإذا سقط عمل المسيح (وحاشا أن يسقط, ونشكر الله على ذلك) يسقط خلاصك معه. وإذا سقط سلوكك (فاحذر واسهر لأنه ليس بعيدا أن يسقط) فتسقط بهجتك معه. يقال عن الكنيسة قديما في أع9:13 أنها «كانت تسير في خوف الرب وبتعزية الروح القدس», وأيضا في أع31:25 «وأما التلاميذ فكانوا يمتلئون من الفرح والروح القدس» . فالفرح الروحي يكون بالنسبة إلى حالة السلوك الروحي بعد أن يخلص الإنسان. هل تري غلطتك الآن؟ إنك لم تميز بين بهجتك وأمانك, مع أنهما متميزان عن بعضهما جدا . فعندما تحزن الروح القدس بالشهوة أو الغضب أو السلوك العالمي تفقد بهجتك فتظن أنك فقدت أمانك. لكني أكرر الأمر عليك لتقريره في نفسك: أن أمانك متوقف على ماعمل المسيح لأجلك. ويقينك متوقف على كلمة الله لك. وبهجتك متوقفة على عدم إحزانك الروح القدس الذي فيك. فإذا عملت شيئا وأحزنت روح الله القدوس, تفقد عمليا شركتك مع الآب ومع الابن إلى حين ولا تعود لك بهجة الشركة إلا إذا حكمت على نفسك واعترفت بخطيتك. النسبة والشركة فلو فرضنا أن ابنك أذنب وساء سلوكه, فإن ذلك يظهر على وجهه بعلامات واضحة, مع أنه قبل نصف ساعة كان يبتهج بتنزهه معك في الحديقة, يفرح لما تفرح به ويعجبه ما يعجبك أي أنه كان في الشركة معك فكان قلبه وعواطفه موافقة لقلبك وعواطفك. وأما الآن فتغير كل ذلك, وصار بعصيانه وسوء سلوكه في حالم حزنة واقفا في زاوية البيت. وبعد تأنيبك له واعترافه بذنبه أكدت له بأنك قد سامحته ولكن من كبرياء قلبه وعدم انكسار إرادته تماما يبقي في مكانه يغص بالبكاء. فأين الفرح الذي كان له قبل نصف ساعة؟ قد ف قد كله. ولماذا يا تري؟ لأن الشركة بينك وبينه قد انقطعت. ولكن ماذا حدث للنسبة التي كانت بينك وبينه قبل نصف ساعة؟ هل ف قدت أيضا ؟ هل انقطعت أو تلاشت؟ كلا البتة. فإن نسبته إليك متوقفة على ولادته, وأما شركته فمتوقفة على سلوكه. وإذا جاء إليك بإرادة مكسورة وقلب منسحق واعترف لك بكل شئ من الأول إلى الآخر وتحققت انكساره وحزن قلبه على العصيان وسوء السلوك وبغضته لهما. فحينئذ تحمله على ذراعيك وت قبله قبلات المحبة وبذلك يتجدد فرحه لأن الشركة قد تجددت. لما أخطأ داود وارتكب الأمر القبيح جدا ضد أوريا, لم يقل عند توبته «رد لي خلاصك» بل «رد لي بهجة خلاصك» (مز15:21). ولو فرضنا أنه عندما كان ابنك في زاوية البيت في حالة عدم الانكسار التام علا الصراخ بأن النار قد شبت في البيت, فماذا تفعل بابنك حينئذ؟ هل تتركه في الزاوية ليحترق بالنار باحتراق البيت؟ كلا البتة. فإن ذلك مستحيل. وربما يكون هو أول شخص تخطفه وتخرجه من تحت طائلة النار فإنك تعرف يقينا أن محبتك له لكونه ابنك هي شئ, وفرح الشركة هو شئ آخر. فعندما يخطئ المؤمن تنقطع الشركة إلى حين, ويفقد الفرح إلى أن يأتي بقلب مكسور إلى الآب, ويعترف بخطيته, وحينئذ يتمسك بقوله , ويتيقن أنه نال الغفران, لأن كلمة الله عن ذلك واضحة «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتي يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم» (1يو1:9). فأطلب إليك أيها الأخ المؤمن أن تميز بين هذين الشيئين, وهما النسبة والشركة وت بقيهما جليا في ذهنك, وأنه لاشئ أقوي من ارتباط النسبة. ولا شئ أضعف من ارتباط الشركة. فلو اجتمعت كل قوات ومكايد الأرض وجهنم, فلا تقدر أن تقطع النسبة أو تفك ارتباطها, ولكن أقل كلمة بطالة أو حركة ردية في القلب تصد الشركة وتفك ارتباطها. فإذا مرت عليك ساعة ضباب وأقلقك قلبك, فاتضع أمام الله, وافحص طرقك في نوره, وعندما تري الشئ الذي أعدمك الشركة وسلب منك البهجة كلص مستتر, فأيت به إلى نوره, واعترف بخطيتك أمام الله أبيك, واحكم على نفسك بدون إشفاق لأجل حالة التهاون وعدم السهر التي بسببها دخل ذلك اللص كأنه بدون معارض. قضية حسمت ولكن لاتخلط البتة بين خلاصك وفرحك, أي بين الأمان والبهجة. ولا تحسب البتة أن دينونته تقع على خطية المؤمن برفق بخلاف ماتقع على خطية غير المؤمن, لأن الله ليس له طريقان في حكمه القضائي ضد الخطية. فلايمكن أن يرضي عن خطية المؤمن الذي عرف مقدار شناعة الخطية لديه تعإلى في صليب ابنه, كما أنه لايقبل البتة أن يتغاضي عن طريق الشرير الذي قد رفض ابنه الحبيب. لكن يوجد بين الإثنين هذا الفرق العظيم; وهو أن الله قد وضع كل خطايا المؤمن على الحمل الذي قد هيأه للمحرقة لما رفع على صليب الجلجثة, وأنه هناك قد ف تحت دعوي خطاياه العظيمة وسويت نهائيا وتسدد حسابها إلى الأبد, ووقعت دينونته على ذلك البديل المبارك الذي قام مقام المؤمن «الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة» (1بط2:42). وعليه قام المؤمن تائبا عازما على أن يعيش لله دائما . وأما رافض المسيح, فيجب أن يحمل بنفسه خطاياه في بحيرة النار الأبدية. إذا سقط أحد المخلصين, لايمكن أن تفتح عليه دعوي جنايته لأن الله أي القاضي نفسه قد أنهاها مرة واحدة إنهاء أبديا على الصليب. ولكن مسألة الشركة تتأثر في داخله بالروح القدس كلما أحزنه. أيهما تغير؟ وفي الختام أقدم لك تمثيلا آخر للإيضاح. لو فرضنا أنه في ليلة مقمرة وقف صديقان معا عند مياه رائقة هادئة. كان القمر بدرا يضئ ساطعا في كبد السماء فنظر أحدهما إلى قرص القمر المنعكس على سطح الماء وقال لصديقه ما أجمل البدر هذه الليلة وما أبهاه في القبة الزرقاء! وإذا صديقه يرمي سرا بحصاة في الماء, وعند ذلك قال الأول متعجبا : ماذا جري للبدر ياترى فإنه قد تكسر تكسرا عظيما , وقطعه تتلاطم بعضها ببعض تلاطما هائلا . فأجاب رفيقه: لقد أخطأت خطأ عظيما فانظر إلى فوق لتري أن القمر لم يصبه شئ وإنما التغيير الذي طرأ هو في حالة الماء الذي أنت ناظر إليه. والآن أيها المؤمن خذ هذا الأمر لنفسك; فإن قلبك هو مجري الماء فعندما تقمع جسدك وتستعبده يأخذ الروح القدس مما للمسيح ويخبرك, في علن أمجاده وكرامته لك لتعزيتك وسرورك. ولكن حالما تعطي فرصة للجسد, ولو بحركة في القلب أو بكلمة بطالة تخرج من فمك ولاتحكم عليها, فإن الروح القدس يحزن في داخلك فتتموج المياه الرائقة, واختباراتك الحلوة تتكسر تكسرا عظيما , وتفقد راحتك وسرورك الداخلي, وتبقي في حالة التعب إلى أن تأتي إلى الله بقلب منسحق وتعترف له بخطيتك, الشئ الذي قد سبب كل هذا الاضطراب, وعندئذ تعود إلى فرح الشركة الحلوة والاختبار السعيد. ولكن عندما يكون قلبك في ذلك القلق العظيم, هل يات ري يتغير عمل المسيح؟ كلا البتة. فإذا خلاصك لم يتغير ولم يطرأ عليه خطر. وهل تغيرت كلمة الله؟ كلا البتة. فإذا إليقين بخلاصك لا يتغير ولا ينقلب. فما الذي قد تغير إذا ؟عمل الروح القدس في داخلك قد تغي ر, وعوضا عن أن يأخذ من أمجاد المسيح ويملأ قلبك شعورا بفضله, فقد أحزنت الروح بإلزامك إياه أن يتحول عن تلك الخدمة العجيبة ليملأك شعورا بخطيتك وعدم استحقاقك. فهو ينزع منك سرورك وفرحك إلى أن تتذلل وتحكم على الشر الذي فيك وتكرهه, كما يحكم عليه هو ويكرهه, وعند ذلك تتجدد شركتك مع الله وتتجدد بهجتها. ليت الرب يمنحنا نعمة حتي نزداد سهرا وغيرة لئلا ن حزن روح الله القدوس الذي به ختمنا ليوم الفداء (أف4:03). أخيرا أيها القارئ العزيز, مهما يكن إيمانك ضعيفا فليثق قلبك بأن ذلك المخلص المبارك الذي بنعمته جعل فيك ثقة به لن يتغير أبدا . «يسوع المسيح هو هو أمسا وإليوم وإلى الأبد» (عب31:8). ولتثق معي في هذه الثوابت: إن العمل الذي قد أكمله لن يتغير البتة. «قد عرفت أن كل ما يعمله الله أنه يكون إلى الأبد. لاشئ يزاد عليه ولاشئ ينقص منه» (جا3:41). وكلمته التي تكلم بها لاتتغير أبدا «العشب يبس وزهره سقط وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد» (1بط1:42,52). إذا فموضوع اتكإلى وأساس خلاصي وركن يقيني, كلها أبدية لاتتغير. مرة أخرى الآن أيها القارئ العزيز أكرر سؤإلى مرة أخرى: في أي درجة أنت مسافر ؟ وجه قلبك نحوه تعإلى وقدم له جواب سؤإلي. «ومنقبل شهادته فقد ختم أن الله صادق» (يو3:33) * * * * وأنا أتضرع إلى الرب أن يتنازل بنعمته ليجعل يقين هذا الخلاص العظيم من نصيبك أيها القارئ العزيز الآن وإلى أن يأتي. ج. كوتن |
جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.