لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

الإيمان وأنواعه

لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

خادم الرب د. فايز فؤاد

 

 

الإيمان وأنواعه

إيمان الخلاص ... إيمان الثقة ... إيمان التعليم

أو

الإيمان ومجالاته

الخلاص ... الحياة ... التعليم

 

لا أعتقد أن هناك كلمة قد كثُر تداولها، فأُسيء استخدامها، وفقدت معناها الحقيقي عند الكثيرين، مثل كلمة "الإيمان"، حتى أنها أصبحت تُطلق على مجرد الاعتراف بعقيدة ما. فكل مَنْ اعترف بوجود الله (مثلاً)، أصبح في نظر الناس مؤمنًا. لكن هذا ليس من الصواب في شيء، لأن مَنْ يؤمن إيمانًا حقيقيًا بالله ينبغي عليه أن يُبغض الخطية ويأبى أن يعيش فيها. وبما أن كثيرين ممن يعترفون بوجود الله، يرتكبون الكثير من الآثام غير حاسبين له – تعالى - حسابًا، إذًا فهم ليسوا بمؤمنين. وإن قالوا إنهم يؤمنون، فإيمانهم هذا لا يكون حقيقيًا، بل يكون إيمانًا اسميًا فقط. وإيمان مثل هذا (إن جاز أن يُسمى إيمانًا) لا قيمة له في نظر الله، حتى وإن كان ذووه يصومون ويُصلون ويتصدقون كثيرًا.

والإيمان الحقيقي ليس هو أيضًا اعتناق المسيحية لسمو مبادئها أو عظمة معجزاتها. فإن سيمون الساحر اعتنق المسيحية لسبب من هذين السببين، ومع ذلك لم يكن قلبه مستقيمًا أمام الله، وكان في مرارة المر ورباط الظلم (أع8: 9-23).

والإيمان يختلف عن الرجاء كل الاختلاف، لأن الرجاء هو توقع الحصول على البركة في المستقبل، أما الإيمان فهو تملّك البركة المنشودة والحصول عليها في الوقت الحاضر.

وإذا كان الأمر كذلك، يجب علينا أن نعرف ما هو الإيمان الحقيقي الذي يؤهلنا للتمتع بخلاص الله، وبكل بركاته وهباته. فدعونا أيها الأحباء نسأل:

ما هو الإيمان؟

يُمكننا أن نُعطي تعاريف صحيحة عن ماهية الإيمان، لكن ربما لا تكون شافية بالدرجة التي نحسها في إجابة طفلة صغيرة سُئلت هذا السؤال، فكان جوابها بكل بساطة: "الإيمان هو أن نصدق ما قاله الله، لأن الله هو الذي قاله". نعم، ما أبسط أن تصدق الصادق في كل ما يقول.

إن الإيمان يُشبه النافذة تستقبل ضوء الشمس، والضوء ينفذ من كل مساحتها ليُنير داخل الحجرة. فالإيمان بالله يجعل نور الله ينفذ ليغمر النفس.

على أن الإيمان يعني أكثر من هذا أيضًا. ليس فقط أن نحصل على النور، بل أن نثق تمامًا بذاك الذي يُعلنه النور لنا ونتكل عليه. نعم، الإيمان هو أن تُلقي بنفسك تمامًا على مَن يقدر أن يرفعك كلك، ويحملك كلك؛ على الرب يسوع المسيح.

والإيمان هو أيضًا "الثقة واليقين" أو بالحري هو الثقة بحقائق غير منظورة بناءً على شهادة الله عنها، وليس فقط بناءً على إدراك العقل لها. لأنه وإن كانت حقائق الله تتوافق مع العقل السليم، غير أنه من الواجب أن يكون الباعث على الإيمان بها، هو إعلان الله عنها، وليس توافقها مع هذا العقل، لأن الله أولى بالتصديق من عقولنا، وذلك بسبب قصورها وعدم إدراكها لكل الأمور. وقد استعمل الكتاب المقدس كلمة الإيمان بهذا المعنى فقال: «وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَ يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى» (عب11: 11). هذا هو المعنى العام للإيمان والذي له العديد من المجالات ليظهر فيها، ويمكن تطبيقه على:

  1. إيمان الخلاص: «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ» (أف2: 8).
  2. إيمان الثقة: ونحتاج أن نصلي من أجله « يارب، زِِدْ إِيمَانَنَا» (لو17: 5).
  3. إيمان التعليم: ويجب أن نجتهد لأجله (يه3)، بل ونطلبه بأوفر اجتهاد (2تي1: 13-18).

أولاً: إيمان الخلاص:

إيمان الخلاص هو الإيمان بكفاية عمل المسيح، وحده، لنوال الخلاص ««لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ» (أف2: 8). ويُعبَّر عن إيمان الخلاص في الكتاب المقدس بـ«قبول المسيح»، فقد قال: «وَأَمَّ كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانً أَنْ يَصِيرُو أَوْلاَدَ اللَّهِ أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ» (يو1: 12)، لأننا من اللحظة التي فيها قبلنا الرب يسوع مُخلِّصًا، صرنا مؤمنين وأولادًا لله.

وفي هذا الصدد نقتبس هذه الكلمات الثمينة لطيب الذكر الأخ الفاضل/ عوض سمعان:

"إيمان الخلاص هو العمل الروحي الذي به تتفتح النفس لله، وتثق في خلاصه الذي عمله في المسيح، ثقة تجعلها توقن كل اليقين أنها امتلكت هذا الخلاص مع كل البركات المترتبة عليه إلى أبد الآباد. أو بلغة أخرى هو استجابة "العقل الباطن" أو ما يُسمّى في الكتاب المقدس «الإنسان الباطن» (أف3: 16-19)، استجابته للإعلان الإلهي أن الخلاص قد تمَّ بواسطة المسيح، ثم اطمئنانه لهذا الإعلان، وامتلاكه للخلاص المذكور مع كل البركات المترتبة عليه. وهذه الأعمال الروحية الثلاثة (أي الاستجابة والاطمئنان والامتلاك) تكون طبعًا بموافقة "العقل الواعي" (لو24: 45؛ أف1: 18). فالفهم والعلم هما أهم أعمال العقل الواعي، لأن الإيمان المسيحي ليس هو الثقة بأمور وهمية أو مجهولة، بل بأمور حقيقية معروفة".

ولكننا نضيف أن الأمر طبعًا لم يكن عملية بسيطة آلية تمت في خلاصنا، بل عن طريق صراع قد يطول أو يقصر؛ صراع مع النفس حتى يتحنن الله فيُنهي الصراع بعطية الإيمان. فالروح القدس مُجاهدًا معي، مُستخدمًا كلمة الله، يُعطيني أن أفتش قلبي فأراه «أَخْدَعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ نَجِيسٌ» (إر17: 9)، وأفتش ذهني فأكتشف أنه «ذِهْن مَرْفُوض» (رو1: 28)، وأفتش ذاتي فأرى «أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ ... شَيْءٌ صَالِحٌ» (رو7: 18). وياله من صراع مخيف!! ولكن في النهاية يتغير فكري بخصوص ذاتي، وأدين نفسي وأفعالي، وأقبَل حكم الله عليَّ، فأؤمن أنني خاطىء لا أستحق سوى الهلاك (وهذه هي التوبة). ولكن تغيير الفكر بخصوص الذات (التوبة) لا يكفي، بل يجب أن يتغير الفكر بخصوص الله أيضًا (وهذا هو الإيمان). وإذ أتحول إلى الله فأراه كالآب المُحب الذي يقبل ابنه الضال في فرح عظيم وبغفران كامل، ويرفع الروح القدس عينيَّ إلى الصليب، فأرى الرب يسوع المسيح هناك لأجلي، فأبرأ في الحال موقنًا أنه «هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ، حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو3: 16). وهكذا تنتهي جميع مخاوف النفس وشكوكها وآلامها ومتاعبها وتأوهاتها وصرخاتها وجهادها في أن تجد شيئًا صالحًا في ذاتها؛ الكل ينتهي بتحويل نظر الخاطىء إلى المسيح، وبمعرفته بسرور وفرح أن الخلاص والسلام الحقيقيين مرتبطان تمامًا بالمسيح وبعمله الكامل، وهو – تبارك اسمه – يعطي الخلاص الكامل لكل مَنْ يؤمن به.

وينبر الروح القدس في أفسس2: 8، 9 على حقيقتين جوهرتين:

الحقيقة الأولى هي أن النعمة، والنعمة وحدها، هي الوسيلة الإلهية الوحيدة لخلاص الإنسان. فلو كان الخلاص متوقفًا على أي عمل أو أي استحقاق من جانبنا، لمَا كان بالنعمة «لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ ...لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ» (اف2: 8، 9 قارن من فضلك رو4: 4، 5).

والحقيقة الثانية هي أن "الخلاص بالإيمان" «لأَنَّكُمْ ... مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ» (أف2: 8). وهذا ليس معناه أن الإيمان هو ثمن الخلاص، بل معناه أن الإيمان هو الوسيلة التي ننال بها هذا الخلاص، لأن ثمن الخلاص هو دم المسيح دون سواه. فقد قال الوحي للمؤمنين: «اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ» (1كو6: 20)، وإن الثمن هو «دَمِ الْمَسِيحِ» (1بط1: 18، 19).

وإذ كان الأمر كذلك، فإن الإيمان لا يزيد عن كونه الثقة القلبية التي تُهيئنا للحصول على الخلاص الذي أحسن الله به إلينا على أساس دم المسيح. إنه اليد التي تُمسك بالهبة التي يقدمها الله لنا. والفقير الذي يمد يده إلى ثري كريم، واثقًا أنه سيحصل منه على إحسان ما، لا يدفع، بمدّ يده أو بثقته، ما يُعادل الإحسان الذي سيناله منه، بل يتناوله هبة مجانية لا أكثر ولا أقل، ومن ثم يكون الفضل كله لهذا الثري الكريم.

وهكذا الحال معنا، فإننا عندما نتناول الخلاص من يد الله بالإيمان، لا نكون قد دفعنا ثمن هذا الخلاص، بل نكون قد تناولناه هبة مجانية منه تعالى، ومن ثم يكون الفضل وكل الفضل له.

وبقيت لنا - أيها الأحباء – ملحوظة بخصوص "إيمان الخلاص" تتعلق باشتراك المؤمنين الحقيقين في هذا الإيمان على السواء. فنظرًا لأن الخلاص من قصاص الخطية وسلطانها هو بواسطة المسيح دون سواه، ونظرًا لأن كل الناس خطاة ولا خلاص لهم إلا بشخصه، لذلك فإن أعظم الرسل وأصغر المؤمنين يتساوون جميعًا في الإيمان الذي ينالون به هذا الخلاص. ولذلك قال الرسول بطرس مرة للمؤمنين الذين نادى لهم بالإنجيل: «إِلَى الَّذِينَ نَالُو مَعَنَ إِيمَاناً ثَمِيناً مُسَاوِياً لَنَا، بِبِرِّ إِلَهِنَ وَالْمُخَلِّصِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (2بط1: 1). وقال الرسول بولس عن هذا الإيمان لتلميذه تيطس إنه «الإِيمَانِ الْمُشْتَرَكِ» (تي1: 4)، أي الذي يشترك فيه جميع المؤمنين الحقيقيين على السواء.

وأما ما يتفاوت فيه المؤمنون الحقيقيون فليس هو إيمان الخلاص، بل هو ثمر هذا الإيمان أو عمله. وثمر الإيمان أو عمله ليس هو السبيل إلى الخلاص، بل هو السبيل إلى تقدمنا في الحياة الروحية ... وهذا يقودنا إلى المجال الثاني لظهور الإيمان ... إيمان الثقة.

ثانيًا: إيمان الثقة أو الثقة في الله لمواجهة الحياة:

إن المقصود هنا ليس إيمان الشخص الخاطىء الذي يُمسك بالمسيح كمخلِّصه، ولكن المقصود هو الإيمان العملي، الذي به يواجه المؤمن كل المصاعب؛ الإيمان الذي به يحيا البار يومًا فيومًا (حب2: 4؛ غل2: 20). إنه ثقة المؤمن غير المرتابة في إله المحبة الذي عرفه واختبره كمن يفعل ويُحقق كل ما يقول. إنه حالة النفس التي تستريح على الثقة في الرب وفي محبته وصلاحه وقدرته، والتي تستند عليه في كل الظروف نتيجة لمعرفة صفاته. وهذه الثقة تزداد كلما تعمق القلب في معرفة الله ومعرفة صلاحه رغمًا عن كل نقائصنا.

إنه من امتيازنا أن نعتمد علي الله بإيمان راسخ مهما كانت الظروف حولنا، لذا ليأتِ أي حال مهما يكون، فنحن متأكدون أنه لا يوجد شيء يفصلنا عن محبته. ربما تبدو لنا الأمور معاكسة، ونُصاب بالحيرة والارتباك إزاءها، رغم ذلك يستمر القلب، الذي يعرف الرب، ويعرف صلاحه ويعرف ثبات صفاته، منتظرًا، بصبر وتسليم، الوقت المُعَّين الذي فيه يُظهر الرب قوته لصالح مَنْ يثقون فيه «وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعً لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ ... إِنْ كَانَ اللهُ مَعَنَا، فَمَنْ عَلَيْنَا؟» (رو8: 28، 31). وإن هاتين الكلمتين «اللهُ مَعَنَا»، هما حصننا وحمانا بإزاء أفكار الشك التي يأتي بها العدو إلينا. إنهما «ترس الإيمان» الذي يجب أن نحمله دائمًا في مواجهة سهام الشرير الملتهبة (أف6: 16).

ولكن لدينا – أيها الأحباء – ملحوظتان بخصوص إيمان الثقة:

الملحوظة الأولى خاصة بثقة القلب في علاقتنا بالله كأولاده، فبدون العلم اليقيني بامتلاك الحياة الأبدية، وانتسابنا لله كأولاده، لن تتوافر لنا هذه الثقة. ولا عجب أن نرى أولئك الذين لا يؤمنون بأي من هذين الامتيازين، كشيء تمتلكه النفس فعلاً في الوقت الحاضر، يُنكرون ثقة كهذه بدعوة أنها جرأة غير لائقة.

الملحوظة الثانية: إنه من واجب المؤمن المسيحي أن يربي في نفسه روح الثقة المقدسة في الله، وأن يطلب من الله باستمرار أن يُزيل عنه روح الارتياب أو الخوف، وما أثقلها!! ولست بحاجة إلى القول أن هذا يتضمن ويتطلب معرفة الله والشركة معه. فإن كنا عمليًا نحيا بعيدين عنه فمن المستحيل أن تكون لنا هذه الثقة.

ولكن إذا رغبنا أن يكون لنا الإيمان بالله الذي يتغلب على كل الصعوبات، فإنه يجب أيضًا أن تكون لنا معرفة بقلبه لنتعلم أفكاره وطرقه. ويجب أن نتعود طلب وجهه حتى تتشكل أفكارنا وطرقنا بمحضره. أ فليس هذا جديرًا باهتمامنا؟! إن الحالة الصحيحة للنفس تعتمد على ذلك. وحضرة الله هو الجو الذي يتشكل به الإيمان وينمو. وعندما نكون قريبين منه فإن هذه الثقة تُستعلن في القلب، وإذا كان القلب مكشوفًا أمامه، وكل شيء لا يتفق معه يُدان، فإن الثقة تتأسس. أما إذا كان هناك شر في القلب فإننا لا نجد راحة، ولا نقدر أن نُخفي حالتنا الحقيقية عنه، وقلوبنا تلومنا (1يو5: 14، 15).

أيها الأحباء ... «لِيَكُنْ لَكُمْ إِيمَانٌ بِاللَّهِ» (مر11: 22)، لأن الله دعانا لأن نسلك بالإيمان في هذا العالم (2كو5: 7). وحقًا إنه «بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ» (عب11: 6)، ولكن بالإيمان يسهل إرضاؤه لأن الإيمان في متناول أولاد الله. وإن الإيمان يُمجد الله ويُشبع قلبه، لأنه لا ينظر إلى الظروف والإمكانيات الإنسانية، بل ينظر إلى الله ويُعطيه المجال كله لكي يُظهر قوته الإلهية بكمالها. وإقدام الإيمان المبني على كلمة الله ليس تجاسرًا البتة، بل هو فضيلة الإيمان ؛ أي شجاعته (2بط1: 5). والله يُسرّ بهذه الثقة التي تعتمد على عنايته بنا، وسط تجاربنا وضعفاتنا وحاجاتنا، وأحزان المرض والظروف المرة القاسية، وفي كل الطرق التي نجتازها لامتحان إيماننا يومًا فيومًا.

وكم هو ثمين وكريم في عيني الرب ذلك المؤمن الذي يقول واثقًا بعزم القلب ومن أعماقه: «لأَنِّي أُومِنُ بِاللَّهِ» (أع27: 25). فالرب – له كل المجد – يعتز بوجود الإيمان في القلوب، لأن ذلك يُقدم له الفرصة لتفيض مخازن النعمة السماوية التي فيه، بينما بدون الإيمان تتعطل أعماله العظيمة؛ أعمال المحبة والرحمة (مر6: 5، 6؛ مت13: 58)، وذلك لأن قوة الله تربط نفسها بالإيمان. والصعوبة ليست في قوة الله، ولكن في إيمان الإنسان. وعبثًا أسأل الله بدون إيمان، وباطلاً انتظر جوابًا بدون الإيمان. ولكن كل شيء ممكن للذي يستطيع أن يؤمن، وهذا مبدأ هام (مر9: 23؛ لو17: 6). ولا يوجد شيء أكبر من متناول الإنسان في المسيح، إن توافر الإيمان في قلبه، كما لا يوجد شيء أصغر من متناول محبة الله للمؤمن. وقوة المسيح لا يمكن أن تعجز عن أن تفعل كل ما هو لخير الإنسان، ولكن قد يعجز ضعف الإيمان من الاستفادة بهذه القوة.

أيها الأحباء: لقد سبق الرب فرأى ذلك العصر المادي الذي نعيش فيه، فقال: «وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ أَلَعَلَّهُ يَجِدُ الإِيمَانَ عَلَى الأَرْضِ؟» (لو18: 8)، فهل يجد الرب فيَّ وفيك – أيها العزيز – إيمانًا يتعجب منه بسبب ندرته وجماله في هذا الوقت الشرير (مت8: 10؛ لو7: 9؛ مت15: 28)، أم أننا ننشغل أكثر من اللازم بالحصول على ضروريات الحياة لأجل الغد ناسين عناية أبينا الحبية حتى أننا نأتي في صف أولئك الذين قال عنهم الرب إنهم «قَلِيلِو الإِيمَانِ» (مت6: 30؛ 8: 26؛ 14: 31؛ 16: 8؛ لو12: 28).

فياليتنا نطمع أن يصير إيماننا القليل إيمانًا عظيمًا في عيني الرب، ويا ليتها تكون طلبة قلوبنا الحقيقية «يا رب، زِِِدْ إِيمَانَنَا» (لو17: 5)، فنكون مِنْ ضمن الذين «إِيمَانَهم يَنْمُو كَثِيرًا» (2تس1: 3).

ثالثًا: إيمان التعليم:

والمقصود بإيمان التعليم (1تي1: 4، 19؛ 2: 7؛ 2تي4: 7؛ يه3، 20 ... إلخ) هو الإيمان بجميع حقائق المسيحية الجوهرية كما هي مُعلنة في كلمة الله: الإيمان بالإله الواحد المثلث الأقانيم؛ الآب والابن والروح القدس، الإيمان بلاهوت ربنا يسوع المسيح وبنوته الأزلية لله، الإيمان بتجسد الابن وبحياته المعصومة من الخطأ، وبموته الكفاري على الصليب، وبقيامته (الحرفية) من بين الأموات في اليوم الثالث، وبصعوده إلى السماء، وجلوسه الآن في يمين عرش العظمة في الأعالي، وبمجيئه الثاني لاختطاف جميع المؤمنين، ثم ظهوره بالقوة والمجد لدينونة غير المؤمنين وعذابهم الأبدي، وأيضًا ليملك على كل الأرض.

والإيمان أيضًا يتضمن الإيمان بوحي الكتاب المقدس كله (من أول كلمة في سفر التكوين لآخر كلمة في سفر الرؤيا)، وكذا الإيمان بكهنوت ربنا يسوع المسيح، وبكهنوت جميع المؤمنين به ... وغير ذلك من حقائق الإنجيل الجوهرية.

ومجموعة الحقائق المسيحية مقبولة بالإيمان هي «الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ» أو «لإيمَانِكُمُ الأَقْدَسِ» (يه3، 20). والقول أن هذا الإيمان سُلِّمَ مرة للقديسين يوصد الباب في وجه مَن يدَّعون بوحي جديد أو الحاجة إلى إضافة إعلانات إلهية جديدة أو رسائل جديدة، لأن كلمة الله كاملة، وليس فيها نقص يحتاج إلى تكميل (2تي3: 16، 17).

أيها الأحباء: نحن نشعر في قرارة نفوسنا بأنه من واجبنا أن نتمسك بحقائق الإنجيل الجوهرية، وبصورة الكلام الصحيح، وأن نُحذر ونحث إخوتنا الأحباء لكي نجتهد كلنا لأجل هذا (يه3؛ 2تي1: 13)، بل وأن نبني أنفسنا على إيماننا القدس (يه20). ونحتاج أن نلتصق بالحق في كل قوة تقديسه وحفظه، وألا نُقلل من مستوى الحق جزئية واحدة (أع20: 32). إنها كلمة الله التي تبنينا وتجعلنا أقوياء وثابتين، ويلزمنا أن نتغذى بها ونعمل بها.

صحيح أن الأحداث في الإيمان ليس من الممكن إدراكهم لكل الحقائق الجوهرية بمجرد إيمانهم، ولكنهم محتاجون إلى النمو في معرفتها. وهذا ما قصده الرسول بولس فيما كتبه للمؤمنين الأحداث في تسالونيكي حيث قال: «طَالِبِينَ لَيْلاً وَنَهَاراً أَوْفَرَ طَلَبٍ، أَنْ نَرَى وُجُوهَكُمْ، وَنُكَمِّلَ نَقَائِصَ إِيمَانِكُمْ» (1تس3: 10)، أي لكي يُعرِّفهم بكل حقائق الإيمان التي لم يكونوا قد أدركوها بعد.

ولقد أُعطيَّ للرسول بولس أن يكون خادمًا للكنيسة «لِتَتْمِيمِ كَلِمَةِ اللهِ» (كو1: 25)، فقد كان هو آنية الوحي الذي اختاره الرب لإعلان الحق الخاص بالكنيسة كجسد المسيح، ودعوة الكنيسة السماوية لانتظار ابن الله من السماء، والحق الخاص بحضور الروح القدس كأقنوم إلهي يسكن في المؤمن (1كو6: 9)، وأيضً حضوره لقيادة القديسين عندم يجتمعون للسجود والخدمة (1كو14). ولكن في رسالته الثانية لتلميذه تيموثاوس، والتي تُكلّمن عن مشهد الظلمة والشر في الأيام الأخيرة للمسيحية، نقر قول الرسول: «أَنْتَ تَعْلَمُ هَذَ أَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ فِي أَسِيَّا ارْتَدُّوا عَنِّي» (2تي1: 15)، إنهم لم يرتدوا عن الرب، بل عن الرسول بولس؛ وبولس يمثل أمامن الحق الإلهي «كلمة الله»؛ صوت الوحي وتعاليم المسيحية السامية. وياله من صورة تُمثل لن أيام الظلمة الأخيرة التي نحن فيها. فالمسيحية المعترفة لم تترك المسيح، ولم تنكر إيمانه؛ أي الحقائق اللاهوتية الجوهرية (رؤ2: 13)، لكنه بالأسف تحولت عن كلام الرسول بولس، وتخلَّت عن التعاليم السامية التي نادى بها الرسول.

فم أحرانا أيه الأحباء أن "نُحيط به" (أع14: 20)؛ نُحيط بالتعليم الصحيح، ونتمسك بصورة الكلام الصحيح الذي يُمثله الرسول بولس. بل وما أحرانا أن نطلبه بأوفر اجتهاد، ولا نهدأ أو نستريح حتى نجده (2تي1: 15-18). ويا ليتنا لا ندع اليأس يمل قلوبنا من الحالة العامة للمسيحية، فننفض أيدين من جهة الحق الخاص بالكنيسة؛ الشهادة الغالية على قلب الله أبين وقلب ربنا يسوع المسيح، حبيبنا وعريسنا، بل لتتشدد سواعدنا لنكون أمناء حتى النهاية.

فايز فؤاد

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة ©  لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.