لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

بابل ما هي ؟ وما نهايتها؟

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

ص17-19 :6

بابل؛ حيث وُضعت بذور الوثنية الأولى ، ثم نمت وترعرعت عبر العصور ودينونة اللـه لذلك النظام الديني الشيطاني الفاسد، الذي سيبلغ شأناً عظيماً ومجداً رفيعاً، بعد اختطاف الكنيسة، حينما يتجمع العالـم مرة أخرى تجمعاً بدون اللـه لتُدان ديانته إلى الأبد، ويقضي على هذا النظام الفظيع أولاً بواسطة الوحش، ثم قضاءً ثانياً وأبدياً من اللـه رأساً

ص17 :بابل؛ النظام الشرير وانقلاب الوحش عليه.

ص18 :بابل؛ المدينة الآثمة وقضاء الرب الرهيب عليها.

ص19 : 1-6 هللويا السماء وفرحتها للقضاء على بابل.

سبق لنا حتى الآن أن قرأنا مرتين في سفر الرؤيا عن سقوط بابل (14 :8، 16 :19)، لكن الرائي يعود فيفرد الآن أصحاحين للحديث عن شر بابل ودينونتها، نظراً لهول شرها ورعب دينونتها. فبعد اختطاف الكنيسة سيكون هناك نظام عالمي ضخم، ديني الطابع، خاطئ المضمون، فاسد المحتوي ، يسميه الوحي في رؤيا 17 ، 18 «بابل»، هو ما ستؤول إليه حالة العالم الديني بعد رفع الملح من الأرض باختطاف المؤمنين. فثياتيرا بوثنيتها، وساردس بادعاءاتها، ولاودكية ببدعها (وهي أدوار الكنيسة التي ستبقي بعد الاختطاف - كما أوضحنا في المحاضرة الأولى أثناء الحديث عن رؤيا 2، 3)، ممتزجة بالديانات الأخرى ، ستصب جميعا في وعاء واحد هو بابل. فتتحقق أمنية البشر القديمة بديانة واحدة لإسعاد العالم وسلامه، لكنه -كما سنري الآن- اتحـاد ليس مؤسـسـاً على المسيح، بل هو اتحــاد بدون المسيح.

وبابل في دورها الأخير المذكور في سفر الرؤيا هي نضوج وتجسيم لما كانت عليه في دورها الأول المذكور في سفر التكوين، حيث تذكر كأول مدينة بنيت بعد الطوفان، وارتبط ظهورها ووثنيتها بدعوة الله لإبراهيم بأن يخرج منفصلاً لله. ولا نتعجب أننا لا زلنا نسمع الدعوة لكلِ مؤمن أن يخرج من بابل (أصحاح 18 :4)، الأمر الذي نفهم منه أن تاريخ بابل هو تاريخ واحد، بدأت أولي حلقاته في تكوين 10، 11 حيث نقرأ عن المدينة التي بناها نمرود (المتمرد) بن كوش (الأسود) وحفيد حام (المستبيح) بن نوح البار. وهكذا هنا أيضاً؛ فبابل في دورها الأخير هي ما آلت إليه المسيحية، وهي نظام بدأ حسناً، إذ بدأه أناس أتقياء، سرعان ما أفسده الجسد بإباحيته، ثم تطور إلى نظام أسود حول النور ظلاماً، من ثم تحول مع الأيام إلى مملكة مناوئة ومعادية لله وشعبه!

ونمرود هذا مؤسس بابل، كان طاغياً وجباراً، بني عدة مدن كبيرة، كما أسس أيضاً نظاما فاسداً مقاوماً للّه، سُداه الوثنية ولحمته السحر .. أو بالحري كان هو مؤسس العبادة الشيطانية والممارسات الوثنية، وعنه جاء أول مثل في الكتاب المقدس «لذلك يقال كنمرود جبار صيد (ضد) الرب» (تك10 :9).

ويذكر التاريخ أن نمرود هذا درّب اْقرانه على الصيد وكوَّن منهم جيشاً خاض به حروباً لتأسيس أول مملكة في العالم امتدت من العراق إلى ليبيا. ويقول المؤرخ جوستن عنه إنه كان أول من اخترع السحر الأسود للتأثير على أعدائه وأتباعه على السواء، ونتيجة لذلك شكل له سام المؤمن، ابن نوح (تك9 :26) محكمة ومزق جسده إرباً إرباً وأرسل جسده إلى كل الأماكن التي فيها هذه العبادة الوثنية (السحر) ليكون عبرةً لهم (قارن قض 19)، فصار الشعور أنه لكي تستمر الوثنية فلابد أن يكون لها الطابع السري . هذه هي نشأة الأسرار الدينية في كل العبادات الوثنية. أما زوجته سميراميس الغريرة فقد عُبدت تحت اسم "رهيا"؛ الإلهة العظيمة والأْم لكل الوثنية في العالم ادعت هذه الفاجرة أن زوجها مات لبركة البشرية، تتميماً للوعد في الجنة (تك3 : 15)! واستطاعت بعد موته أن تؤلهه مستخدمة كل فنون سحرها لتضليل الناس. ثم إذ حملت هذه الفاجرة بعد موت زوجها ادعت أن الذي في بطنها هو المخلص الموعود به، نسل المرأة!! والابن الذي ولدته هو تموز المذكور في حزقيال 8 : 14 (مقتبسة من كتاب The Two Babylons, by Alexander Hislop ) .

وقصة بناء مدينة بابل * الجدير بالذكر أن مدينة بابل كان اسمها أصلا "باب إيل" - بمعنى باب الله (ولقد وجد هذا الاسم فعلا مكتوباً على بعض الآثار كاسم للمدينة) لكن الله قصد أن يعطيها الاسم الذي تستحقه فأسماها "بابل" بمعنى تشويش أو بلبلة.* الموجودة بسهول شنعار في العراق، تلك البقعة المشهورة بصفاء جوها، هي أن رفع البشر عيونهم إلى العلاء، ففتنتهم الأجرام السماوية التي تحدث بمجد الله وتخبر بعمل يديه (مز19 :1، رو 1 :19، 20)، لكنهم بدل أن يمجدوا الله أو يشكروه كإله، فقد حمقوا في أفكارهم، واتقوا وعبدوا المخلوق دون الخالق (رو1 :21،22) - عبدوا الأجرام السماوية.

ولقد قال بعضهم لبعض «هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه بالسماء». ولم تكن سماء الله هي التي أرادوا الوصول إليها، فحكماء بابل ليسوا ساذجين ليحاولوا الوصول إلى سماء الله ببرج، لكنهم بالأكثر لم يستحسنوا أن يُبقوا الله في معرفتهم فلماذا يحاولون الوصول إليه؟! بل إن كلمة برج في الآية السابقة هي نفسها التي اتخذت فيما بعد للدلالة على ما يرصدونه في السماء، في الزودياك (منطقة البروج الاثني عشر). والأدلة قوية على أن الناس وقتها رصدوا النجوم وعرفوا حركاتها بل وأيضاً عبدوها في سفر أيوب، وهو أقدم أسفار الكتاب المقدس، نجد العبادة الوثنية الوحيدة المذكورة فيه هي عبادة الأجرام السماوية (أي 31 : 26 - 28).، واقترن ذلك الأمر أيضاً بالتنجيم .

وعندما أرادوا بناء المدينة والبرج «كان لهم اللبن مكان الحجر وكان لهم الحمر مكان الطين» (تك 11 :3)، مما يدل على أن التقليد ارتبط ببابل من نشأتها. وفي برجهم ظهر ما في قلوبهم من كبرياء بشرية دلت عليها رغبتهم الارتفاع ببرج إلى السماء وأن يكون لهم اسم. وفي مدينتهم تجلي تمردهم على الله إذ أرادوا أن يتحدوا معاً لكي لا يتبددوا على وجه كل الأرض، رغم أن أمر الله إلى البشر أن يملأوا الأرض!

ولقد أعلن الله غضبه على ذلك كله إذ بلبل هناك لسانهم «فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض.. لذ!ك دُعي اسمها بابل» (تك 11 :8، 9).

هذه هي إذاً المبادئ التي ميزت بابل من أول عهدها :السحر والتنجيم والأسرار الدينية، والتقليد، والكبرياء، والاتحاد معاً بالانفصال عن الله، بل وأيضاً كراهية الله، ومقاومة كل ما يمت إلى الله بصلة!

ولما تفرق بنو آدم على وجه الأرض، وصل بعضهم إلى مصر. وهناك نمت مبادئ بابل هذه وازدهرت. والهرم الأكبر وأبو الهول عن الهرم الأكبر قال بعض علماء الفلك : إن الهيئة الفلكية لوجود الهرم الأكبر تؤكد أن الفراعنة كان لديهم علم دقيق جداً بحركة الكواكب والنجوم. وأيضاً إن الهرم الأكبر هو كنز العلوم الكونية. وقد أودع الفراعنة فيه سر الهيئة الكونية، وبداية العالم ونهايته. أما أبو الهول فيعتبر مفتاحاً لموقع الأرض في منطقة البروج الاثني عشر إذ أن رأس أبو الهول يمثل عذراء وجسمه يمثل أسدا، واسمه بالمصري القديم معناه "يربط معاً أو يوحد"، لذا فهو يجمع البرج الأول مع البرج الأخير؛ برج العذراء وبرج الأسد! يكفيان كدليل على ذلك. كما أن أوزوريس وإيزيس في الديانة المصرية يمثلان تماماً نمرود وسميراميس في الأدوار التي لعبها كل منهما في الديانة الكلدانية.

ومن مصر انتقلت الزعامة على العالم إلى بابل في أيام نبوخذ نصر. وعادت مبادئ بابل إلى قواعدها مرة أخرى . وهناك أراد الله أن يُظهر عجز المنجمين في نفس مدينة التنجيم؛ بابل، فحلم نبوخذ نصر حلماً، عجز كل منجميه عن إخباره بالحلم وتفسيره. ولما ظهر عجزهم تقدم دانيال، نبي الله الحي ، وأعلن للملك بتواضع قائلا «يوجد إله في السموات كاشف الأسرار، وقد عرف الملك نبوخذ نصر ما يكون في الأيام الأخيرة».

ولقد سر الله في هذا الوقت بالذات، وليس قبل ذلك، أن يعلن الخطة الكاملة للمستقبل، لأن حكم نبوخذنصر كان بداية أزمنة الأمم، حيث سلم الله الحكم على الأرض للإنسان لفترة محدودة تتعاقب في الحكم فيها أربع امبراطوريات هي بابل ثم الفرس ثم مملكة اليونان وأخيراً الرومان (دا 2، 7، 8). وهذه الامبراطوريات سارت على درب مملكة بابل الأولى تماماً. وبهذا تكون بابل قد مرت بست مراحل بارزة حتى الآن وهي بابل، فمصر، وبابل الثانية، ثم الفرس، واليونان، وأخيراً الامبراطورية الرومانية. أما الدور السابع والأخير، وهو موضوع حديثنا الآن، فهو البابوية. لقد امتصت البابوية بالأسف كل تعاليم وأسرار بابل. ومن يرغب التوسع في إدراك هذا التطابق المحزن بين النظام البابوي والبابلي فيمكنه الرجوع إلى المرجع القيم عن مدينتي بابل؛ بابل الحرفية وبابل السرية كتاب The Two Babylons, By Alexander Hislop .

* * * *

لكي يُرِي الملاك ليوحنا دينونة بابل أخذه إلى برية، رمز الجدوبة الروحية. وأراه «امرأة جالسة على وحش قرمزي مملوء أسماء تجديف، له سبعة رؤوس وعشرة قرون»، نفس الوحش* ليس أن الوثننية بدأت في روما بل إنها ستنتهي في روما. لأن سفر الرؤيا يقدم لنا النهاية بينما سفر التكوين هو سفر البدايات. ففي تكوين10، 11 نجد بداية بابل وفي رؤيا 17، 18 نجد دينونتها النهائية.* كما في أصحاح 13 مع فارق أن القرون هنا بلا تيجان بخلاف أصحاح 13. وسنري بعد قليل سبب ذلك. أما المرأة فقد «كانت متسربلة بأرجوان وقرمز ومتحلية بذهب وحجارة كريمة ولؤلؤ، ومعها كأس من ذهب في يدها مملوة رجاسات ونجاسات زناها»، فلقد كانت في عز ونعيم عالمي ، وهي تقدم للناس بيدها الرجاسات والنجاسات. والرجاسة هي العبادة الوثنية، والنجاسة هي الانحطاط الأدبي ، ودائماً تجدهما معاً. هذه المرأة هي «بابل العظيمة أم الزواني ورجاسات الأرض»، بمعنى أنها هي مصدر كل وثنيات العالم ووعاء لكل دياناته. هكذا كان مكتوباً على جبهتها؛ فالأمر ليس مخفياً بل هو ظاهر وواضح لكل ذي عينين، لأنه على جبهتها، لكن حقيقته لا تُدرَك إلا من الشخص الروحي لأنه "سر".

وكلمة الزنى تتكرر بالارتباط ببابل بصورة ملفتة إذ تذكر هنا 12 مرة. ومرتين يضاف إليها كلمة العظيمة«الزانية العظيمة». والزنى بمعناه الروحي هو اتخاذ اسم الله رسمياً وإعطاء القلب للشيطان فعلياً. فلا يُقال هذا التعبير عن شعب ليس له معرفة بالله أو شعب وثني ، بل عن شعب له معرفة وعلاقة خارجية اسمية بالله. وقديماً اعتُبرت أورشليم زانية (حز16)، ذلك لأن اليهودية تعدت على حقيقة الإله الواحد، فصارت زانية، أما المسيحية الاسمية التي فيها استُعلنت معرفة الله بصورة أعظم فإنها في انحرافها عن الله وتعديها على حقيقة الوسيط الواحد، فإنها تُعتبر الزانية العظيمة.

هذا النظام زنى معه ملوك الأرض، وسكر منه سكان الأرض! ففي كل مراحل تطور بابل كانت العلاقة وثيقة وغير شريفة بين السلطة الدينية والسلطة السياسية. واستمر هذا الوضع في العصور المظلمة بين ملوك أوروبا والفاتيكان. وسيكون كذلك أيضاً بعد اختطاف الكنيسة. أما أتباع بابل على مر الزمان فقد أطلقت لهم العنان لكل طمع في النجاسة، بل وحتى في البابوية، وتحت دعوى سلطانها المزعوم، سمحت لأتباعها بممارسة كل شهوات الجسد.

أما عن الرجاسات فحدِّث ولا حرج بداية من عبادة الملائكة والقديسين، والسجود للصور والتماثيل، والتبرك بمخلفات أو قبور القديسين، وكذلك خشبة الصليب، ثم ذبيحة القداس،.. إلخ إلخ

وبالإضافة إلى كل ما سبق يقول يوحنا «ورأيت المرأة سكرى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع» الأمر الذي جعل الرائي يتعجب إذ رأي هذه الرؤيا تعجباً عظيماً. وسبب تعجب يوحنا هو أن هذه المرأة ليست هي بابل الحرفية؛ أعني المدينة التي في أرض شنعار، فهذه كانت قد صارت خرباً أبدية كما قال الرب (إش 13)، كما أنها ليست أورشليم اليهودية في اضطهادها للمؤمنين (أع8 :1)، بل إنها روما. لا روما الوثنية بفظائعها التي ارتُكبت أثناء عصور الاستشهاد، فما كان يوحنا وهو منفي من نظام روما في جزيرة بطمس سيتعجب من أن تكون تلك المرأة السكرى بدم القديسين هي روما الوثنية، أما كان يعلم أن أخاه يعقوب قُتل بسيف تلك الامبراطورية؟! وأن رفيقه بطرس مات مصلوباً ومنكس الرأس على يديها، وأن رقبة بولس أسير يسوع المسيح قد قُطعت بواسطتها. كلا، ما كان يوحنا ليتعجب لو أن روما الوثنية هي المُشار إليها هنا بالمرأة السكرى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع. لكن سر تعجب يوحنا هنا هي أن تلك المرأة هي روما المسيحية!

لم يتعجب الرائي عندما رأي التنين، ولم يتعجب عندما رأي الوحش، أما عندما رأى هذه المرأة التي تحمل اسم المسيح وهي ترتكب مثل هذه الفظائع في قديسيه فقد تعجب. ومع أنه في أيام المسيح كان قد سمع من فمه التحذير من مسلك العبد الردئ الذي يضرب العبيد رفقاءه ويأكل ويشرب مع السكارى (مت24 :48-50)، كما كان قد رأي إرهاصات الشر في أيامه في ديوتريفس الذي يريد أن يكون الأول، كما كان يطرد الإخوة من الكنيسة (3يو9، 10)، لكنه هنا في رؤياه رأي اكتمال الشر في قتل القديسين تحت ستار اسم المسيح!

آه.. كم يمتلئ التاريخ بالوثنية المخجلة، بالإضافة إلى الدماء الزكية التي تخضبت بها من تسمي نفسها الكنيسة. وكم يشهد التاريخ عن مجازر وحشية رهيبة ارتكبتها تلك الزانية السكرى كمثال لما ظل يحدث قروناً متوالية. أعلن البابا إينوسنت في سنة 1209 حرباً صليبية ضد الألبينيين، سكان جنوب فرنسا الشرفاء، لأنهم كانوا متمسكين بمبادئ المسيحية الأولى ولم يخضعوا لخرافات روما التي كانت تزداد ظلاماً ووثنية. ووعد كل من يذهب للانتقام منهم بجميع الغفرانات وبالحصول على الحياة الأبدية. وتلبية لدعوة من يدعي أنه ممثل المسيح على الأرض، اجتمع نحو نصف مليون شخص. وكانوا جميعاً يحملون شارة الصليب على صدورهم! واتجهوا إلى تلك البلاد العامرة الجميلة، يحثهم هتاف كبير كهنتهم بأن يتلفوا كل حقل، ويذبحوا كل إنسان لتحل بركة الكنيسة على رؤوسهم! وعند مدينة بيزر طلب كاهنها، الذي كان ضمن الجيش، من الشعب أن يتركوا أفكارهم ويخلصوا حياتهم. فأجابه الألبينيون بثبات انهم لن يتركوا إيماناً يقدم لهم ملكوت الله وبره. وقد اشترك الكاثوليك مع المعتبرين أنهم هراطقة في هذا الرد. فما كان من قائد الجيش أرنون إلا أن صاح "إذاً لن يترك حجر على حجر، وليكن الرجال والنساء والأطفال فريسة السيف والنار". ثم استفسر القائد من رئيس الدير كيف يميز الجنود بين الكاثوليك والهراطقة. قال له ذاك : اذبحوهم جميعا، يعلم الرب الذين هم له! وعندئذ ابتدأت المذبحة، وحصد السيف الرجال والنساء والأطفال بلا تميز، ونواقيس الكاتدرائية تقرع حتى انتهت المجزرة! (انظر كتاب مختصر تاريخ الكنيسة لأندرو مولر) من دم شهداء يسوع.

* * * *

أما تفسير الرؤيا التي أراها الملاك ليوحنا فهو «الوحش (الجالسة عليه المرأة) كان وليس الآن وهو عتيد أن يصعد من الهاوية ويمضي إلى الهلاك»، وطبعا لا ينطبق هذا على الأيام التي عاش فيها يوحنا، لأن المرأة لم تكن قد ظهرت بعد، إذ أنها ظهرت من القرن السادس الميلادي في دور كنيسة ثياتيرا الذي فيه يوبخ الرب ملاك الكنيسة قائلاً «إنك تسيِّب المرأة إيزابل». ونحن نعلم أن البابوية وتسلطها في روما تكون على أطلال الامبراطورية الرومانية. فعندما وُجدت المرأة قيل عن الوحش (الامبراطورية الرومانية) إنه كان (من القرن الأول ق.م إلى الخامس ب.م) -وليس الآن- أي ليس موجوداً كامبراطورية أثناء تسلط المرأة (روما ونظامها الديني ) لأن «المرأة التي رأيت هي المدينة التي لها مُلك على ملوك الأرض» (ع18). وهذا هو السبب أن الوحش، الذي عليه المرأة جالسة، يري هنا بدون تيجان على قرونه العشرة (بخلاف رؤيا 13)، لأن الملك ليس لهؤلاء الملوك المشار إليهم بالقرون، بل للمرأة.

ويخبرنا التاريخ أن البابوية عندما ظهرت جعلت هدفها الأول أن تمارس السلطة على الناس وعلي الملوك أيضاً. والتاريخ خير شاهد على الصراع في هذا بين الامبراطورية والبابوية ولعل أشهر الأمثلة هو حادث إذلال الامبراطور هنري الرابع في أواخر القرن الحادي عشر،عندما اعتزم البابا خلعه وتعيين خلف له بعد أن حرمه كنسياً وطلب من رعايا الكنيسة الخروج عن طاعته باعتباره كافراً فاضطر الامبراطور إلى أن يبادر في ثياب الكفارة طالباً الغفران من البابا جربجوري السابع في يناير 1078، لكن البابا جعله خارج حصن كانوسا الحصين الذي كان محتمياً فيه لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال وسط ثليج الشتاء. وفي النهاية سمح له بالدخول ومنحه الغفران في مقابل قسمه أن يمثل لمحاكمة البابا! (انظر كتاب مختصر تاريخ الكنيسة - لأندرو مولر) .

فالوحش «كان، وليس الآن» أي ليس موجوداً طوال فترة وجود الكنيسة على الأرض. «مع أنه كائن» بمعنى أنه موجود كدويلات ومكان وبشر وليس كامبراطورية. لكنه «عتيد أن يصعد من الهاوية * التعبير «يصعد من الهاوية» فهمه بعض المفسرين فهماً حرفياً. لكننا نعتقد أنه يشبه قوله أيضاً عن الوحش إنه الطالع من البحر (13 : 1) كلاهما يفهم في ضوء السفر كله فهماً مجازياً. فكونه طالعاً من البحر، أي من وسط حالة الهياج والفوضى بين الأمم. وكونه صاعداً من الهاوية أي في صورته الجهنمية التي سيكون عليها في النصف الثاني من الأسبوع الأخير لأزمنة الأمم.* » فهو لن يستمد سلطانه من الله (قارن رو13 :1)، بل من الشيطان (رؤ13 :2) وذلك في منتصف سبع سني الضيقة - «ويمضي إلى الهلاك» في آخر السبع سنين. فكأن هذه الامبراطورية لا تعود إلى الحياة إلا لتُمحي إلى الأبد، ولتمحو هي قبل زوالها -كما سنري - هذا النظام الديني المقاوم لله.

أما رؤوس الوحش السبعة فيعطي الملاك لها تفسيرين. الأول مباشر باعتبار الدور الأخير لبابل في الفاتيكان «السبعة الرؤوس هي سبعة جبال عليها المرأة جالسة» (أنظر أيضاً ع 18)، فمن ينكر أن روما هي تلك المدينة المبنية على السبعة التلال؟ والتفسير الثاني عام باعتبار نظرة شاملة لكل الأدوار التي تعاقبت على بابل «سبعة ملوك» أو بتعبير أدق أنظمة ملكية * يفسر البعض هذه الرؤوس السبعة بأنظمة الحكم السبعة المختلفة التي للامبراطورية الرومانية وهذه الأنظمة (كما ذكرها كل من ليفي وتاسيتوس المؤرخين) هي : الملكي - الاستشاري - الديكتاتوري - القنصلي -ثم العسكري . هذه الأنظمة الخمسة كانت قد انتهت في زمن كتابة سفر الرؤيا . والسادس هو نظام الحكم الامبراطوري . أما السابع فهو اتحاد أوربا العشرة معاً.* ، هي الأدوار السبعة لبابل من نشأتها حني نهايتها. وعن هذه الأنظمة السبعة يقول «خمسة سقطوا، وواحد موجود، والآخر لم يأت بعد».

الخمسة الذين سقطوا :بابل، فمصر، ثم بابل مرة أخرى على عهد نبوخذنصر، ثم الفرس، ثم اليونان.

«وواحد موجود» : الامبراطورية الرومانية.

«والآخر لم يأت بعد» أي التحالف الأوربي «ومتى أتي ينبغي أن يبقي قليلاً»، نحو ثلاث سنين ونصف.

«والوحش الذي كان وليس الآن فهو ثامن» - هذا غريب لأنه سبق وأخبرنا أن عدد الرؤوس سبعة فقط فكيف يكون هناك رأس ثامن؟

الإجابة هي أولاً :أن السابع سيتغير شكله تماما في نصف أسبوع الضيقة، فيصبح ثامناً. فهو «ثامن وهو من السبعة».

ثانياً :لحكمة قيلت العبارة بهذه الصورة؛ لأن المرأة التي تركب الرؤوس السبعة (أي تستغلها لحسابها) لن تقدر على ذلك عندما يتوحش الرأس السابع فيصبح ثامناً. أي لن يمكنها أن تركبه لأن هذا الرأس إذ يتأله ويسجد الناس له، فإنه سيعمل على ملاشاة كل الديانات ليكون هو (مع باقي أفراد الثالوث الأنجس) المعبود الأوحد. ويعلق الرائي على ذلك بالقول «العشرة القرون التي رأيت هي عشرة ملوك… يأخذون سلطانهم كملوك ساعة واحدة مع الوحش (أي في نفس زمن تعبير "ساعة واحدة" يفيد أيضاً فترة قصيرة، تنتهي بفتح السماء لينزل منها ملك الملوك (19 : 11-16) الذي سيبيد هؤلاء الملوك الأشرار (19 : 19-21). تسلط الوحش) هؤلاء لهم رأي واحد، ويعطون الوحش قدرتهم وسلطانهم. هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم». في أيام لوط أرادوا أن يسيئوا إلى الملاكين، لكن هنا في أيام ابن الإنسان سوف يحاربون الخروف! لكن «الخروف يغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك، والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون»

«مدعوون» في الزمان (2تي 1 :9)

«ومختارون» في الأزل (أف1 :4)

«ومؤمنون» أو أمناء طوال الرحلة وحتى الموت (مت25 :21، 23، رؤ2 :10).

ثم يستطرد الحديث عن الوحش والملوك العشرة الذين معه فيقول «هؤلاء سيبغضون الزانية وسيجعلونها خربة وعريانة (أي يأخذون ممتلكاتها) ويأكلون لحمها ويحرقونها بالنار (أي ينهون وجودها)». أو يمكن القول إنهم :

يجعلونها خربة :أي متروكة من أصدقاء الأمس.

وعريانة :من كل ما استخدمته لإخفاء حقيقة طابعها.

ويأكلون لحمها :أي يستحلون كل ثرواتها وممتلكاتها.

ويحرقونها بالنار :أي تخريب ذلك النظام الفاسد تخريباً نهائياً.

ثم يعلق الرائي على ذلك قائلاً «لأن الله وضع في قلوبهم أن يصنعوا رأيه». ماأعظمك يارب! فحتى غضب الإنسان يحمدك. فكما حولت قديماً شر البشر الذين جمعهم الشيطان ضدك ليصلبوك، فكان الصليب طريقك للانتصار على كل الأعداء، بل وواسطة لتمجيدك ولخلاص الإنسان، هكذا هنا تجعل أولئك الأعداء يصنعون رأيك في ملاشاة هذا النظام المزيف والديانة الكاذبة التي تطاولت بافتراء على اسمك الكريم!

هذه هي الدينونة الأولى لبابل والتي ستنصب عليها من الوحش، عندما تأخذ صورتها الأخيرة بعد اختطاف الكنيسة، فما أن يتقيأ الرب المسيحية من فمه حتى ما يتلقفها الشيطان لينشر فيها الخرافات والتجاديف. هذا بالأسف ما ينتظر المسيحية التاركة المسيح الآن والتي سيتركها المسيح قريباً.

* * * *

في أصحاح18 يذكر الرائي أن ملاكاً آخر نزل من السماء.. وصرخ بشدة بصوت عظيم قائلاً «سقطت سقطت بابل العظيمة». وتكرار العبارة «سقطت سقطت» (انظر أيضاً 14 :8، إش21 :9) يدلنا على أن هناك نوعين من السقوط ينتظر بابل هذه؛ سقوط ديني ، هو ما ذكرناه في أصحاح17، ثم سقوط ودمار معماري وملاشاة من الوجود في أصحاح 18. في رؤيا 17 نري دينونة «الزانية العظيمة»، وفي رؤيا 18 دينونة «المدينة العظيمة». وربما يتمشى مع هذين النوعين من السقوط ما سبق أن قرأناه عن سقوط بابل أولاً في رؤيا 14 :8 وهو سقوطها في بداية فترة الضيقة العظيمة، ثم في رؤيا16 :19 وهو سقوطها في نهاية فترة الضيقة.

ثم يستطرد الملاك قائلاً «صارت (بابل) مسكناً لشياطين ومحرساً لكل روحٍ نجسٍ ومحرساً لكل طائر نجس وممقوت». أليس عجيباً أن تلك التي كانت يوماً بيتاً لله امتلأ بالروح القدس، أن تصبح بعد ذلك لا بيتاً للقديسين أوالملائكة، بل يا للأسف للأرواح النجسة! ليس مكاناً لتلتقي فيه تلك الأرواح أو حتى لتعمل، بل لتسكن! فالشياطين ستسكن فيها، وهناك ستتواجد أيضاً كل الطيور الجارحة النجسة؛ أي كل أدوات الشيطان في العالم الروحي .

ولقد قيل إن فساد الأحسن هو أردأ أنواع الفساد. وإن المرء لا يسعه إلا أن يتفكر في هذه المقولة عندما يتذكر فساد المسيحية.

فبدل أن تكون عذراء عفيفة للمسيح صارت الزانية العظيمة.

وبدل أن تكون المدينة المقدسة صارت المدينة العظيمة.

وبدل أن تكون مسكناً لله بالروح صارت مسكناً لشياطين.

هذا يفسح المجال للدينونة الأشد من دينونة أصحاح 17؛ دينونة من الله رأساً. لكن قبل ذكر هذه الدينونة سمع الرائي صوتاً آخر من السماء (يعبر عن فكر الله نحو بابل) قائلاً «اخرجوا منها يا شعبي لئلا تأخذوا من ضرباتها. لأن خطاياها قد لحقت السماء، وتذكر الله آثامها». ولأن القديسين لن يكونوا على الأرض أثناء دينونة بابل العظيمة بل سنكون مع المسيح في المجد فإن هذا الصوت هو لنا الآن للخروج من هذا النظام الفاسد، وكل ما يمت له بصلة. وإن كانت بابل قديماً فشلت أن تصل إلى السماء ببرجها، إلا أن خطاياها على مر الدهور هي التي لحقت السماء فعلاً!

في أصحاح 18 نري الدينونة التي سيوقعها الله رأساً على ذلك النظام، وهو أكبر من طاقة أي إنسان أن يفعله «دخانها يصعد إلى أبد الآبدين» (19 :3). فالوحش والملوك العشرة سيزيلون ذلك النظام الديني الفاسد الذي سيُترك على الأرض بعد اختطاف الكنيسة، ولكنهم سيتركون المباني الفخمة التي تتميز بها روما دون هدم. إلى أن يقوم الرب بذلك إذ سيحرق الرب بنفسه هذه المدينة ويلاشي عظمتها الفارغة - العظمة التي تذكر بالارتباط مع بابل اثنتي عشرة هذه المرات هي كالآتي : مرتين الزانية العظيمة : (17 : 1، 19 : 2)، 4مرات بابل العظيمة : (14 : 8، 16 : 19، 17 : 5، 18 : 2)، 6مرات المدينة العظيمة : (17 : 18، 18 : 10،16، 18، 19، 21) فهي روحياً تدعي الزانية العظيمة نظراً لخيانتها، ودينياً هي بابل العظيمة نظرا لفنونها وضلالها، ومدنياً هي المدينة العظيمة نظراً فخامتها وأبهتها. وهذا من وجهة النظر الإلهية، والبشرية، والمعمارية. مرة هنا. وما سيحدث مع روما مستقبلاً هو عين ما حدث قديماً مع أورشليم؛ فالتاريخ يعيد نفسه. فعندما حاصر تيطس الروماني أورشليم حرص على أن يُبقِي على الهيكل، تلك التحفة المعمارية التي بُنيت في ست وأربعين سنة (يو2 :20). لكن كان لابد أن تتم نبوة الرب يسوع التي قالها عن الهيكل في متى 24 :2، رغم حرص تيطس الروماني ، وفعلاً لم يُترك حجر على حجر إلا ونُقض.

يقول الرائي هنا «جازوها كما هي أيضاً جازتكم، وضاعفوا لها ضعفاً نظير أعمالها. في الكأس التي مزجت فيها امزجوا لها ضعفاً. بقدر ما مجدت نفسها وتنعمت بقدر ذلك أعطوها عذاباً وحزناً»، هنا نري ملامح العبد الردئ بكل وضوح. فهي قست في تعاملها مع عبيد الله الأمناء كل القسوة، وفي الوقت ذاته مجدت نفسها إلى آخر المدي (مت24 :48،49). «لأنها تقول في قلبها أنا جالسة ملكة ولست أرملة ولن أري حزناً. من أجل ذلك في يوم واحد ستأتي ضرباتها؛ موت وحزن وجوع وتحترق بالنار لأن الرب الإله الذي يدينها قوي ».

هكذا فإن مصيراً مروعاً ينتظر تلك المدينة العظيمة كما نري في رؤيا 18، لأن شرها أيضاً عظيم «خطاياها لحقت السماء وتذكر الله آثامها». تذكر الله الآلاف بل الملايين من القديسين الذين سُفكت * مثلاً سنة 842 م نتيجة مرسوم الامبراطورة الآثمة تيودورا، قُتل بالسيف والحرق والاغراق في البحر في فترة وجيزة مائة ألف شخص رفضوا السجود للتماثيل (مختصر تاريخ الكنيسة لأندرو مولر). ولقد ذكر وليام نيوول في شرحه لسفر الرؤيا أن روما المسيحية مسئولة عن دماء ما لا يقل عن 50 مليون شهيد على أقل التقديرات.* دماؤهم. ونقرأ ثلاث مرات عن حرق بابل هذا هو الجزاء العادل الذي تستحقه الزانية (قارن تك 38 : 4 2، لا 1 2 : 9) بالنار (ع8، 9، 18) - وهو نفس ما قاله النبي «تصير بابل.. كتقليب الله سدوم وعمورة» (إش 13 :19) هذا هو المصير الذي ينتظر مدينة روما، وستظل كذلك طوال الألف سنة. قال بولس «أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح» (2كو11 :2). فماذا سيفعل الله ذو الغيرة العظيمة للزانية العظيمة، التي اقترنت بالمسيح رسمياً لكنها تحت ستار اسمه الكريم خانته واقترفت كل أنواع الشر والوثنية؟

وأمام تلك الكارثة المروعة، ستحمل موجات الأثير برقيات التعازي المليئة بالأحزان الحقيقية لملوك الأرض المقترنة برعب الله بسبب ما وقع لهذه المدينة «سيبكي وينوح عليها ملوك الأرض الذين زنوا وتنعموا معها حينما ينظرون دخان حريقها واقفين من بعيد لأجل خوف عذابها قائلين ويل ويل المدينة العظيمة بابل المدينة القوية لأنه في ساعة واحدة جاءت دينونتك». كما سيبكي وينوح عليها تجار الأرض، وأيضاً الملاحون وعمال البحر. في الملوك نري المشترين المستهلكين، وفي التجار نري البائعين الرابحين، وفي الملاحين نري صورة للوسطاء المستفيدين :بائع، ومستهلك، ووسيط!

ومن سرد الأشياء التي تاجرت فيها بابل كما وردت في ع 12،13 نري أنها كانت عبارة عن متجر عالمي أو سوق كبير (Super Market) يتضمن كل ما هو عظيم القيمة نزولاً إلى ما قيمته أقل. وكان أقل شئ في نظر بابل -بكل أسف - هو نفوس الناس!

يمكن تصنيف هذه البضائع إلى سبعة أقسام كالآتي :

1- أشياء ثمينة للزينة :كالذهب والفضة والحجر الكريم واللؤلؤ.

2- ملابس غالية :مثل البز والأرجوان والحرير والقرمز.

3- أواني فاخرة :مصنوعة من الخشب الثمين والعاج والمعادن المختلفة.

4- أعطار أو عطور :مثل القرفة والبخور والطيب واللبان.

5- أشياء لتنعم المعيشة :كالخمر والزيت والسميذ والحنطة والبهائم والغنم.

6- مواكب استعراضية : (ربما أساطيل للنقل) كالخيل والمركبات.

7- تجارة غير شريفة : (ربما شركات لتسويق الدعارة) أجساد ونفوس الناس.

لقد باعوا إذاً كل شئ! لكنهم كيربعام سيكتشفون أنهم باعوا أيضاً أنفسهم لفعل الشر، وخسروها إلى الأبد. ألا يخبرنا تاريخهم المخجل أنهم في القرن الحادي عشر كانوا يبيعون ويشترون جميع وظائف الكهنوت من وظيفة البابا إلى أصغر وظيفة في الأبرشيات، وكان لكل منها ثمن خاص (البدعة السيمونية). ثم في القرن الرابع عشر إلى السادس عشر ألم يبيعوا الخلاص والسماء في المهزلة المعروفة، والتي تعتبر وصمة عار في جبين المسيحية وهي صكوك الغفران؟! هذا هو سبب غضب الله على هذه المدينة «لأن تجارك كانوا انظر تذييل (3) وكذلك الملحق "تساؤلات خارج المحاضرات" السؤال رقم 18. عظماء الأرض» يا للعجب أن يكون أتباع المسيح الذي لم يكن له أين يسند رأسه هم العظماء المذكورون هنا، وأن يكون أتباع ذلك السماوي المرفوض من هذا العالم هم عظماء الأرض!

«إذ بسحرك ضلت جميع الأمم. وفيها وُجد دم أنبياء وقديسين وجميع من قتل على الأرض».

لذا سينهي الرب نعيم بابل بل وجودها نفسه وما يضج به من أفراح أرضية وتقدم عالمي وشبع جسدي ومعرفة باطلة وسرور متجدد. وهو ما يقوله الرائي هنا عن سباعية ما سيحدث لبابل بصورة نهائية وقاطعة :

كل ما هو مشحم وبهي .. لن تجده في ما بعد (ع14).

المدينة نفسها ستري كرحي في البحر، ولن توجد في ما بعد (ع21).

صوت الضاربين بالقيثارة والمغنين والمزمرين... لن يسمع فيها في ما بعد (ع22).

كل صانع صناعة لن يوجد فيها في ما بعد (ع22).

وصوت رحى لن يسمع فيها في ما بعد (ع22).

ونور سراج لن يضئ فيها في ما بعد (ع23).

وصوت عريس وعروس لن يسمع فيها في ما بعد (ع23).

وإذ تباد بابل دينياً (أصحاح 17) وعمرانياً (أصحاح 18) فإنه يُسمع من السماء في فاتحة أصحاح 19 هتاف الهللويا. وهذه هي المرات الوحيدة في كل العهد الجديد التي ترد فيها هذه الكلمة، وتذكر 4 مرات. «هللويا الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهنا لأن أحكامه حق وعادلة إذ قد دان الزانية العظيمة التي أفسدت الأرض بزناها». والسماء تنتظر هذا الحادث الهام عندما يلاشي الرب بابل من المشهد. وستكون أفراح السماء على دينونة بابل أعظم بكثير من أحزان الأرض على هلاكها وبكائها عليها المذكور مراراً في أصحاح 18. «وقالوا ثانية هللويا

ممكن اعتبار الهللويا الأولى بالارتباط بدينونة النظام الشرير الذي دانه الله في رؤيا 17، والهللويا الثانية بالارتباط بزوال المدينة كما ورد في رؤيا 18، ولهذا يرتبط بالهللويا الثانية عبارة «ودخانها يصعد إلى أبد الآبدين».». «وخر الأربعة والعشرون شيخاً والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس على العرش قائلين آمين هللويا». فمؤمنو العهدين القديم والجديد يهمهم أمر بابل التي تمثل الديانة البشرية من أولها لآخرها. تذكر أيها القارئ العزيز أن كل واحد منا مرتبط بواحدة من هاتين المرأتين؛ العروس الحقيقية أو الزانية المزيفة، وبواحدة من هاتين المدينتين؛ أورشليم المقدسة أو بابل المدنسة. فأيهما؟

لقد كانت بابل معطِلة لظهور مجد الله وملكه، وأيضاً لاقتران المسيح بعروسه، فالمسيح ما كان ممكناً له أن يقترن بالكنيسة عروسه الحقيقية، قبل أن يدين ويلاشي تلك المزيفة، الكنيسة الاسمية أو الزانية العظيمة. لهذا تتصاعد للمرة الرابعة كلمة هللويا «هللويا فإنه قد ملك الرب الإله القادر على كل شئ. لنفرح ونتهلل ونعطه المجد لأن عرس الخروف قد جاء». الخروف الذي تألم في عالمنا وأُهين وذُبح، سيأتي قريباً «يوم عرسه و.. يوم فرح قلبه» (نش3 :11).

ونحن أيضاً سنفرح، وأية لغة يمكنها التعبير عن أفراحنا في ذلك اليوم السعيد. فمن الناحية الواحدة ستُرد اعتبارات مجد ربنا وسيدنا المحبوب. ومن الناحية الأخرى ستبدأ أفراح اقتراننا بالخروف المذبوح

ذلك اليوم السعيد *** إذ نغني بالنشيد

بدء عرسنا المجيد *** لعريسنا الوحيد

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.