لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

السفر الصغير

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

ص12-16

الشيطان يقود بنفسه المعركة الخطيرة ضد البقية الأمينة في أورشليم مستخدماً الوحش والنبي الكذاب، والرب يسكب جامات غضبه الرهيبة على الأرض تمهيداً لظهوره.

ص12 :سقوط الشيطان من السماء.

ص13 :الوحشان :الطالع من البحر والطالع من الأرض.

ص14 :الرد الإلهي السباعي على تحرك الشيطان.

ص15 :الاستعداد لصب الجامات.

ص16 :سكب الجامات السبعة على الأرض.

لقد وصلنا في المحاضرة السابقة عند حديثنا عن البوق السابع إلى النهاية؛ نهاية الزمان، وبالتإلى فإن ما يلي ذلك ليس هو استطراداً تاريخياً للأحداث بل هو رجوع إلى الوراء لإعطائنا تفصيلات أدق عن بعض الشخصيات الرئيسية وبعض الأحداث الهامة التي ستحدث في خلال «الضيقة العظيمة».

يبدأ الرائي من أصحاح 11 :19 فيقدم ثلاثة مناظر متتالية :

المنظر الأول :«انفتح هيكل الله في السماء وظهر تابوت عهده في هيكله»

إن التابوت رمز معروف لربنا يسوع المسيح. فأين مكان الرب يسوع وسط هذه الحوادث؟ - إنه في السماء، فهو لازال محتجباً. لكنه أيضاً لا زال باقياً على العهد لأنه «إله أمانة» (تث32 :4)، برغم كل خطايا الشعب وشرورهم يقول الرسول «لعل عدم أمانتهم يبطل أمانة الله؟ حاشا» (رو3 :3).

المنظر الثاني :«وظهرت آية عظيمة في السماء، امرأة متسربلة بالشمس، والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً»

لا يقال إن المرأة في السماء، بل إننا هنا نرى فقط تقدير السماء لهذه المرأة. أو بعبارة أخرى نرى هنا الأمة في نظر السماء، وكما سترى في أمجادها المستقبلة (إش60 :1). على أن وقت البركة لم يحن بعد، لذا فنفس المرأة تُري في مشهد ألم وضيق «وهي حبلى متمخضة ومتوجعة لتلد» - نحن نعرف أن آلام المخاض هي نتيجة لخطية المرأة (تك 3 :16)، وهكذا هنا الأمة أيضاً ستجتاز في الضيقة العظيمة المشبهة بالمخاض بسبب خطيتها. ثم إن آلام المخاض تعقبها أفراح الولادة (يو16 :21)، وهذا ما سوف يحدث مع الأمة في أفراح الملك الألفي (انظر مي 5 :1-4، إش 66 :7-12).

المنظر الثالث :إن كان المنظر الأول قدم لنا المسيح، نسل المرأة، والمنظر الثاني قدم لنا الأمة اليهودية التي منها ولد المسيح حسب الجسد (المرأة نفسها)، فإن هذا المنظر يقدم لنا عدو المسيح وعدو الأمة (قارن مع تك3 :15). يقول الرائي «وظهرت آية أخرى في السماء. هوذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون وعلى رؤوسه سبعة تيجان وذنبه يجر ثلث نجوم السماء»، وممكن أن نعتبره يمثل لنا -الثالوث الأنجس؛ الشيطان والوحش والنبي الكذاب.

فالتنين :هو إبليس (ع9).

ورؤوس التنين السبعة وقرونة العشرة :تذكرنا بالوحش الطالع من البحر؛ زعيم الإمبراطورية العائدة إلى الحياة (أصحاح 13 :1).

والذنب :يذكرنا بالنبي الكذاب (إش9 :15).

وأصحاح 12 يركز الكلام على التنين. ثم أصحاح 13 يكلمنا عن الوحش أصحاح 12، 13 يقدمان لنا سبع شخصيات مختلفة :

  1. المرأة :الأمة الإسرائيلية
  2. التنين :الشيطان
  3. الابن الذكر :المسيح
  4. ميخائيل :الملاك القائم من الله لبني إسرائيل (دا12)
  5. باقي نسلها :البقية التقية
  6. الوحش الطالع من البحر :زعيم روما
  7. الوحش الطالع من الأرض :النبي الكذاب.

والنبي الكذاب. إنه يبدأ بالعدو الأصلي ، لأن هناك عداوة دفينة في قلب الشيطان نحو المرأة من أيام السقوط في الجنة لما قال الله للحية «أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها» (تك3 :15). وهنا نرى العداوة بين الشيطان وبين الأمة التي منها أتي المسيح. والعداء في حقيقته موجه إلى المسيح ذاته «والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متي ولدت».

لكنها ولدت الابن الذكر؛ ربنا يسوع المسيح. ولم يقو الشيطان عليه رغم أنه أهاج العالم ضده وأصدر الحكم بموته. ولكن كان في هذا إبادة للشيطان نفسه. ثم «اختطف ولدها إلى الله وإلى عرشه». فمَنْ يبقي إذاً أمام التنين الغاضب الهائج؟ لم يبق سوي المرأة ذاتها.

ثم يتحدث بعد هذا العرض السريع عن تفصيل ما سيحدث فيذكر أنه بعد فترة مبتدأ الأوجاع ستحدث معركة في دائرة غير المنظور لمزيد من التفاصيل عن الحروب في دائرة غير المنظور، وعن مراحل سقطات الشيطان الخمس سابقاً ولاحقاً، انظر كتاب "الشيطان" للمؤلف. لاسيما الفصل 22 بين ميخائيل * ** الملاك ميخائيل معني اسمه «من مثل الله ؟» ها هو يحارب الشخص الذي أغوى حواء بقوله «يوم تأكلان منه.. تكونان كالله» (تك 3 :5). إنه يحارب إبليس الذي أراد أن يرفع كرسيه ويصير «مثل العلى » (إش 14 : 14).* وملائكته وبين إبليس وملائكته، ستكون نتيجتها أن يُطرد الشيطان من السماء وستتم عندئذ النبوة الني نطق بها ربنا «رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء» (لو10 :18).

عند اختطاف الابن الذكر إلى السماء (الأمر الذي يتضمن أيضاً اختطاف الكنيسة كما ذكرنا في الملاحظات التمهيدية في أول الكتاب) طُرح الشيطان من السماء. وبصدد نزولنا مع المسيح إلى الأرض (أصحاح19 :11-20 :3) سيُربط الشيطان ويُطرح في الهاوية!

ويذكر الرائي هنا أربعة أسماء للشيطان مرتبطة بأنشطته المختلفة، فيقول :

تنين : وحش دموي ، بالنسبة للمسيح إذ كان يريد أن يبتلعه.

وحية :أي الماكر، بالنسبة للعالم الذي يُضل الساكنين فيه.

ثم إبليس :أي المشتكي أو الواشي ، بالنسبة للمؤمنين.

وأخيراً الشيطان :أي المضطهد، بالنسبة للشهود على الأرض.

لكن هذا المشتكي على المؤمنين والمضطهد للشهود الأمناء قد غُلب منهم؛ لقد غلبوه بدم الخروف وبكلمة شهادتهم ولم يحبوا حياتهم حتى الموت. ولقد كانت دعائم نصرتهم على الشيطان ثلاثية كالآتي :

أساسها المتيندم الخروف».

أسلوبها الخارجيكلمة شهادتهم».

باعثها الداخليلم يحبوا حياتهم حتى الموت».

كان الدم لمواجهة قانونية الشكوى، وكانت الكلمة لمواجهة أضاليل الحية ، وكان الاستعداد للاستشهاد لمواجهة زئير الأسد. أو يمكن القول إن «دم الخروف» كان لمواجهة إبليس الشاكي ، وأن «كلمة شهادتهم» كانت لمواجهة الحية وحيلها، وكونهم «لم يحبوا حياتهم» لمواجهة التنين والشيطان. فكل تفكير الشيطان عن الناس هو ما قاله مرة للرب «جلد بجلد ، وكل ما للإنسان يعطيه لأجل نفسه» (أي 2 :4). لكن ماذا يعمل الشيطان مع أشخاص لم يحبوا حياتهم (يو12 :25)؟!

ومع طرح الشيطان من السماء نسمع عن الفرحة التي ستعم السماء بسبب هذا. ولكن على قدر فرح السماء سيكون ويل ساكني الأرض والبحر «لأن إبليس نزل (إليهم) وبه غضب عظيم عالماً أن له زماناً قليلاً». في ذلك الوقت العصيب سينصب على الناس غضب الله، وإبليس ينزل إليهم وبه غضب عظيم!!

وإذ يضطهد الشيطان المرأة نقرأ القول «أُعطيت المرأة جناحي النسر العظيم لكي تطير إلى البرية إلى موضعها حيث تُعَال زماناً وزمانين ونصف زمان». لم يقل لنا من الذي أعطاها جناحي النسر، لكننا نفهم أنه هو نفسه يهوه ( الله ) الذي حمل الشعب في القديم على أجنحة النسور وأنقذهم من فرعون (خر19 :4)، لا زال يعتني بشعبه ويرتب لهم ما فيه حمايتهم «فأعانت الأرض المرأة وفتحت الأرض فاها وابتلعت النهر الذي ألقاه التنين من فمه». والأرض رمز للحكومات المستقرة البعيدة عن مشهد الاضطرابات؛ وهي غالباً البلاد النائية في آسيا وأفريقيا، تلك البلاد الني لم يصلها نور الإنجيل بوضوح كما حدث مع غيرها من البلاد. هذه البلاد ستفتح أبوابها وتحمي أولئك المضطهَدين من النبي الكذاب، الذي سيرسل وراء تلك البقية الأمينة قواته الخاصة لتأديبهم على الخروج عن طاعتهم له، وقتلهم. ويشار إلى تلك القوات الخاصة هنا بالنهر (قارن إش59 :19 و مز93 :3،4). وكثيرون من الذين في تلك البلاد النائية سوف يطعمون البقية الأمينة ويسقونهم والرب سيعتبر هذا معروفاً معه هو شخصياً. وستكون المكافأة لذلك أنهم يرثون الملكوت الأرضي المُعد لهم منذ تأسيس العالم (مت 25).

أما وقد فشل الشيطان في ملاحقة الذين هربوا إلى البلاد النائية فإنه سيستدير ليقود حرباً شعواء على البقية التقية التي لم تتمكن من الهرب من أرض إسرائيل (مت24 :16- 20). وكيفية ذلك نراها في أصحاح 13.

* * * *

إن كنا قد رأينا في أصحاح 12 سقوط الشيطان على الأرض، فإننا في أصحاح 13 نرى خلاصة نشاطه بعد سقوطه من السماء، وقبل طرحه في الهاوية، أو بالحري نرى آخر محاولاته في الهجوم على مخطط الله لإقامة ملكوته. أصحاح 12 قدم لنا صورة لعداء الشيطان، وفي أصحاح13 يقدم لنا أساليب ذلك العداء، أو بالحري الوسائل التي سيستخدمها الشيطان في تلك الفترة العصيبة؛ فالشيطان روح يحتاج إلى وسائل بشرية لتنفيذ مخططه في الأرض.

وهنا يذكر لنا أشرّ شخصيتين في كل تاريخ الجنس البشري، وكل منهما يسمي وحشاً، نظراً لوحشيته وقسوته. الأداة الأولى تتميز بالبطش والقسوة، والأداة الثانية طابعها الخداع والغش. ذلك لأن الإنسان من الناحية الواحدة يميل إلى تمجيد القوة والعنف، ومن الناحية الأخرى فإن غريزة التدين هي أقوي الغرائز البشرية.

لذا فالشخص الأول الذي هو جواب الشيطان على ميل الإنسان للقوة سيكون رومانياً (وروما معناها قوة). والشخص الثاني الذي هو جواب الشيطان على حاجة البشر الدينية سيكون يهودياً.

الأول سياسي عسكري والثاني شخصية دينية.

وبهذا يعيد التاريخ نفسه، وتلتقي روما وأورشليم على ذات الطريق مرة ثانية؛ كانت المرة الأولى في معاداة المسيح، وهذه المرة في معاداة إخوة المسيح الأصاغر.

ونحن في أصحاح 12، 13 نجد أنشطة الشيطان الثلاثة ضد وظائف المسيح في العهد القديم كان يتم مسح الكهنة (خر29،لا8)، والملوك (1صم16)، والأنبياء (1مل19 : 16). وهكذا المسيح (أي الممسوح) مُسح بالروح القدس في إنجيل متى باعتباره الملك، وفي إنجيل مرقس كالنبي ، وفي إنجيل لوقا كالكاهن. الرئيسية الثلاث، فهو :

«المشتكي على إخوتنا» (12 :10) ضد المسيح الكاهن الشفيع.

وسيعطي الوحش قدرته وعرشه وسلطاناً عظيماً (13 :2) ضد المسيح الملك.

وسيعمل في النبي الكذاب بكل... خديعة الإثم في الهالكين (13 :1-15، 2تس2 :9) وذلك ضد المسيح النبي .

* * * *

والآن إلى شخصيتي الأصحاح الثالث عشر

الشخصية الأولى :وحش طالع من البحر؛ وكونه وحشاً يحمل فكرة القسوة وكذا عدم معرفة الله، وكونه من البحر يحمل فكرة أنه أممي وأنه طالع من حالة الاضطراب والفوضى الني ستخلفها سنوات مبتدأ الأوجاع، فالظروف هنا -كما وعلى مر التاريخ- هي التي تخلق الدكتاتور.

وله سبعة رؤوس؛ أي سبعة أدوار أو أنظمة منذ تكوين الإمبراطورية. وله عشرة قرون متوَّجة؛ أي عشر ممالك هي دول التحالف الأوربي . وسنعود إلى توضيح هذا أكثر في المحاضرة التالية (أصحاح 17).

وعلى رؤوسه أسماء تجديف. فالإمبراطورية في كل أدوارها، منذ نشأتها تميزت بالطابع التجديفي يخبرنا التاريخ أنَ عبادة القياصرة بدأت في روما قبل ميلاد المسيح، وأن أول معبد لتقديم السجود للقيصر بني سنة 29 ق.م في مدينة برغامس. ولعل هذا يعطي بعداً تاريخياً للقول الوارد في رؤيا 2 : 13. ولقد كانت الإمبراطورية واسعة الأطراف، وكانت مكونة من أجناس وشعوب و لغات مختلفة. و كان الحل الذي ارتآه القياصرة لتوحيد هذه الإمبراطورية هو إيقاد شعلة وتقديم بخور والنطق بلغة واحدة «قيصر رب». وهذا هو سر اضطهاد المسيحيين الأوائل الذين رفضوا التبخير للقياصرة والاعتراف بألوهيتهم الوهمية. . وهو «شبه نمر وقوائمه كقوائم دب وفمه كفم أسد» -ياله من وحش عجيب المنظر. لقد سبق أن تكلم دانيال عن أربعة وحوش هي الأسد والدب والنمر اْما الوحش الرابع فلم يستطع دانيال أن يحدد شكله بل قال والرابع «حيوان هائل وقوي وشديد جداً.. كان مخالفاَ لكل الحيوانات الذين قبله». أما يوحنا فلقد وصفه لنا بدقة وشكله يجمع بين الوحوش الثلاثة السابقة. هذه الوحوش كما نفهم من نبوة دانيال هي صورة للإمبراطوريات التي حكمت العالم خلال فترة أزمنة الأمم :أعني بابل -وفارس- واليونان وأخيراً الرومان. على أننا نلاحظ أن ترتيب الوحوش في سفر دانيال يأتي عكس الترتيب في سفر الرؤيا، وذلك لأن دانيال كان ينظر إلى الإمبراطوريات مقدماً لأنها كانت بالنسبة لدانيال شيئاً مستقبلاً (ولذا لم يتبين شكل الرابع بدقه)، أما يوحنا فإنه ينظر مؤخراً إذ كان قد وصل إلى الإمبراطورية الرابعة فعلاً.

النمر :الذي يشتهر بالخفة وسرعة الحركة والانقضاض السريع على الفريسة يشير إلى الإسكندر الأكبر وإمبراطوريته. ذلك الشاب الذي استطاع خلال سنوات قليلة أن يغزو معظم بلاد العالم.

والدب :رمز الشراهة والبطش إشارة لملوك مادي وفارس.

والأسد :ملك الوحوش الذي يتميز بالقوة والكبرياء والثقة بالذات، هو صورة للمملكة الأولى ولنبوخذنصر بالذات الذي قال له دانيال «أنت أيها الملك ملك ملوك» - وكبرياؤه وخيلاؤه واضحان في نبوة دانيال وأيضاً في التاريخ فهو الذي بني حدائق بابل المعلقة، إحدى عجائب الدنيا السبع.

أما الدكتاتور الذي سيحكم أوربا قريباً فإنه سيجمع هذه الصفات معاً؛ السرعة والقوة والكبرياء.

«ورأيت واحداً من رؤوسه كأنه مذبوح للموت وجرحه المُميت قد شُفي » وهذا الرأس المذبوح هو الرأس السابع. ولقد سبق ورأينا زعيماً يظهر بعد فتح الختم الأول (أصحاح 6) كما رأينا ذبحه للموت في البوق الرابع (أصحاح 8). ويضيف دانيال أن ثلاثة ملوك من المتحالفين مع ذلك الزعيم سينقلبون ضده، لدرجة أن يصبح هذا الملك هو الأصغر بين هؤلاء الملوك العشرة حتى يدعوه دانيال في نبوته «القرن الصغير» (دا 7).

على أن مفاجأة ثانية أغرب من ذلك تنتظر العالم. فإن الشيطان عندما يُطرح إلى الأرض سيكتشف بخبثه أن هذا الشخص هو الآلة المناسبة له. لذا سيعطيه «قدرته وعرشه وللشيطان تأثير قوي على قلوب البشر ، والملوك بصفة أخص، فسيجعلهم كلهم خاضعين تماما لتلك الشخصية. ولعلنا نذكر أن إبليس سبق وقدم عرضاً مماثلاً إلى ربنا يسوع لما قال له، عندما أراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان «لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن لأنه إلى قد دفع وأنا أعطيه لمن أريد. فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع» ونحن نعلم طبعاً أن المسيح رفض هذا العرض. لكن الوحش سيقبله. وسلطاناً عظيماً» - ورغم الجرح المميت الذي أصاب ذلك الزعيم، وهو جرح معنوي * ** لا يُستبعد أيضاً أن يكون الجرح المميت جرحاً حرفياً كأن يحاول أحد اغتياله، ويصاب فعلاً إصابة بالغة، وتنقل وكالات الأنباء الخبر، وبينما يكون الجميع متوقعين موته بين لحظة وأخرى إذا به يشفي ويقوم لتولي زمام السلطة كلها كديكتاتور مطلق لم تعرف البشرية له نظيراً حتى الآن.

قد يكون معناه محاولة رعاياه تغيير صورة حكمه بالقوة، مما يؤدي إلى اهتزاز عرش الوحش تماماً. إلا أنه عندما يحصل على قوة شيطانية سيستعيد سلطانه بصورة أعظم مما سبق فتكون النتيجة «تعجبت كل الأرض وراء الوحش وسجدوا للتنين الذي أعطي السلطان للوحش وسجدوا للوحش قائلين من هـو مثل الوحش؟ من يستطيع أن يحاربه؟».

سيكون الوحش -على ما يبدو- شخصية جذابة وله تأثير مغناطيسي في الناس فيظنون فيه الشخصية التي لا تُقهَر. وكم يشهد التاريخ عن قادة كثيرين استطاعوا بتأثيرهم أن يخدعوا شعوبهم بأنهم الأقوى وما كانوا قط كذلك. لكن هؤلاء الدكتاتوريين على مر العصور لم يكونوا في حقيقة الأمر إلا دُمي (لعب أطفال) بجانب هذا الوحش الرهيب. ولهذا فإن كل العالم سوف يقول «من هو مثل الوحش؟ من يستطيع أن يحاربه؟!».

«وأُعطي فماً يتكلم بعظائم وتجاديف، وأُعطي سلطاناً أن يفعل اثنين وأربعين شهراً هي فترة الضيقة العظيمة. وتذكر هذه المدة في سفر الرؤيا بالأيام مرتين (11 : 3، 12 : 6)، وبالشهور مرتين (11 : 2، 13 :5)، وبالسنين مرة (12 : 14) وهي نفس المدة التي حددها دانيال بنصف أسبوع (من السنين) (دا 9 : 27) - أي ثلاث سنين ونصف. وحيث تذكر الفترة بالأيام فالفكر هو إبراز أناة الله، وتدبير عنايته للبقية يوماً فيوماً خلال هذه المدة المحسوبة بالأيام. وحيث تذكر بالشهور فلإبراز أنها فترة كمال الشر كمدلول الرقم 42 (7×6) أما ذكرها بالسنين فهو لإبراز أنها تمر سريعاً.» فإن ما سيميز فترة حكم هذا الوحش هو الظلم والاستبداد كما نرى في الجام الرابع. «وفتح فمه بالتجديف على الله ليجدف على اسمه وعلى مسكنه وعلى الساكنين في السماء» - والفئة الأخيرة «الساكنين في السماء» هم أنا وأنت بنعمة المسيح إن كنت مؤمناً حقيقياً. سيجدف علينا لكنه لن يستطيع أن يفعل غير ذلك. ثم يستطرد قائلاً : «فسيسجد له جميع الساكنين على الأرض». لاحظ هنا المقابلة بين الساكنين في السماء والساكنين على الأرض. وهذه الفئة الأخيرة رغبة منهم في السلام سيرتمون في أحضان ذلك الدكتاتور.

بهذا الصدد نذكر حديثاً للمؤرخ الإنجليزي الشهير توينبي من عدة سنوات قال فيه «بتزايد أسلحة القتال الفتاكة في العالم، وبارتباط مصالح دول العالم الاقتصادية بعضها مع بعض فان التكنولوجيا الحديثة أوصلت العالم إلى حالة من الشدة والخطر جعلتنا مستعدين الآن لأن نستعبد لأي قيصر جديد ينجح في أن يعطي العالم الوحدة والسلام». ولقد أصبح العالم اليوم تحت ما يسمي بالنظام العالمي الجديد مهيئاً أكثر من أي وقت مضي ليكون تحت زعامة واحدة، وهو ما سيحدث بعد اختطاف الكنيسة، لكن لن تكون الزعامة فيه لأمريكا بل لأوربا.

ويختم الروح القدس الحديث عن الوحش بتقديم تحذير من الشر، وتشجيع للإيمان في أيام عصيبة. وحيث أن سر الله مزمع أن يتم فإن الأمر يحتاج إلى إيمان وصبر «لأنكم تحتاجون إلى الصبر .. لأنه بعد قليل جداً سيأتي الآتي ولا يبطئ. أما البار فبالإيمان يحيا» (عب10 :36-38).

أما الأداة الثانية التي في يد الشيطان فهو الوحش الطالع من الأرض؛ أي الأرض النبوية، أرض كنعان. وهو شخصية يهودية لا يميزها القوة بل الضلال إذ أن «له قرنان شبه خروف». فهو تقليد شيطاني للمسيح، والقرنان يعبران عن النبوة والملك اللتين يدعيهما لنفسه، فهو "النبي الكذاب " و "المسيح الكذاب ".

سيحكم اليهود بعد اختطاف الكنيسة شخصية مهووسة، تتخذ لنفسها صبغة دينية بل وربانية . وسبق أن تأملنا في هذه الشخصية في البوق الخامس. ويسميه بولس في 2تسالونيكي 2 بأنه الأثيم كلمة الأثيم في الأصل تعني "الذي لا رادع أو قانون يحكم تصرفاته". و لقد رأينا في الأيام السابقة كثيرين من الحكام لا يعرفون سوي منطق القوة ، وليس للمواثيق والأعراف الدولية أدني تقدير عندهم. الذي سيدّعي أنه إله ويجلس في الهيكل بهذه الصفة ويطلب من الذين في أورشليم أن يسجدوا له، وسيؤيده إمبراطور روما (الوحش) في ذلك، ولهذا يسمي الوحش أنه جناح الأرجاس (أي حامي العبادة الأصنامية).

ولكي يبرهن هذا الوحش أنه إله ، فإنه سيأتي (بسماح من الله) بمعجزات لا يقدر على مثلها غير الله، فإنه سوف يجعل ناراً تنزل من السماء على الأرض قدام الناس. ويصف الرائي هذا الأمر بأنه «آية عظيمة» (قارن 2تس2 :11).. ألم يقل إيليا قديما لأنبياء البعل «الإله الذي يجيب بنار فهو الله» (1مل18 :24). وهو لكي يكرم زعيمه وحاميه في روما، سيجعل الساكنين على الأرض يصنعون صورة لذلك الزعيم ويضع هذه الصورة في الهيكل نفسه، ويعطي نفساً لهذه الصورة فتتكلم الصورة! وهذه هي رجسة الخراب التي تكلم عنها دانيال النبي وأشار إليها الرب في متي 24 :15. ويعتبر هذا بداية الفترة العصيبة في أورشليم، لأنه يجعل الذين لا يسجدون لصورة الوحش يُقتلون.

أسفي على الأمم وأزمنتهم؛ فكما بدأت أزمنة الأمم بسجود لتمثال أيام نبوخذنصر، ستُختم أيضاً أزمنتهم بنفس الصورة المحزنة بل وأسوأ! وستكون المواد التموينية وكافة المعاملات التجارية هي وسيلة النبي الكذاب لإجبار الجميع على الخضوع له؛ فعن طريق وشم على الجبهة أو اليد اليمني ، يُعطي فقط لمن يسجد للوحش، ستتم كل معاملات البيع والشراء.

أين إذاً ميثاق حقوق الإنسان؟ وأين تشدق العالم المتمدين اليوم بحرية عقيدة الفرد؟

لقد راحت كلها وتبددت كفقاعات في الهواء. وسيثبت أنه بدون المسيح لا حق ولا حرية. لقد كان الوشم قديماً يُعمل للعبيد، لكن جميع البشر عن قريب سيحمل سمة العبودية على أجسادهم!

ولقد أصبح العالم الآن جاهزاً تماماً لهذا الأسلوب، بعد انتشار بطاقات النقود (Credit Cards). لكن الشيء الجديد الذي سيتم في ذلك الوقت أن تلك البطاقات لن يحملها الشخص في جيبه، بل ستكون على جسده؛ على يده اليمني أو جبهته. وهو ما توصل إليه الخبراء أخيراً واعتبروه أعظم طريقة لعدم ضياع الكارت أو سرقته أو تزويره.والأعجب من ذلك أن الخبراء الذين أجروا أبحاثهم على هذا الأمر اختاروا أن يتم كتابة الرقم بوشم غير مرئي على يد الشخص أو جبهته! على أن تقوم العقول الإلكترونية في المتاجر بقراءة هذا الوشم بواسطة أقلام فوق بنفسجية! حقاً كم أصبح العالم اليوم مستعداً للفصل الأخير من المأساة العالمية، على حد تعبير خادم الرب أيرونسيد.

ولقد أعطي الروح القدس لنا في سفر الرؤيا عدد الوحش أنظر التذييل (1) الذي سيوضع على الجبهة أو اليد اليمني وهو 666 * ** الوحش (بمعني شرير) يذكر في سفر الرؤيا 36 مرة (6×6). وإذا جمعت الأرقام من 1 إلى 36 نحصل على 666- وبالمقابلة مع هذا فإن القيمة العددية لاسم "يسوع" باليوناني هو 888. ثم إن اسم "المسيح"، و"المخلص"، و"الرب"، و"عمانوئيل"، و"المسيا" كل منها قيمته العددية مضاعف الرقم (8). فمثلاً المسيح قيمته 1480 أي 185×8. وهكذا!* . ومعروف أن الرقم 6 هو رقم الإنسان؛ الذي خُلق في اليوم السادس. هذا الرقم مكرر 3 مرات، ورقم 3 هو رقم الله في أقانيمه الثلاثة، نعم ففي ذلك الوقت المظلم سيكون الإنسان متألهاً، بالإضافة إلى أن الشر في ذلك الوقت أيضاً (وهذا مدلول آخر للرقم 6) سيبلغ ذروته!!

* * * *

بعد ذلك يقدم لنا أصحاح 14 سبعة مشاهد وحوادث متتالية كأنها هي الرد الإلهي على العدو الأساسي الخفي إبليس (ص12) وعلى آلتيه الشريرتين (ص13). أو بالحري إنقاذ الرب لقديسيه وحمايته لهم من هذا العدوان الثلاثي . ويمكن اعتبار أصحاح14 تلخيصاً لأحداث النصف الثاني لأسبوع دانيال السبعين، أي لأحداث الضيقة العظيمة. أو إن شئت فقل إنه فهرس محتويات تلك الفترة العصيبة. وإن كان الشيطان قد أقام رَجُليه على الأرض؛ الوحش والنبي الكذاب، فإن الآب في رده الغاضب يقول «أما أنا فقد مسحت ملكي على صهيون جبل قدسي » (مز2 :6).

والحوادث أو المناظر السبعة في هذا الأصحاح هي كالآتي :

المنظر الأول :هو منظر سابق لدوره التاريخي في الأحداث، (كحالة الجمع الماسك سعف النخل في أصحاح 7) وهو جمع بعدد رمزي 144 اْلفاً، لكنه يختلف عن عدد مماثل له ورد في أصحاح 7. فهذا الرقم هناك هو بقية من الاثني عشر سبطاً سيدخلون الملك الألفي كما ذكرنا، أما هنا فيمثل عدد البقية التقية من سبطي يهوذا وبنيامين فقط؛ السبطين اللذين إليهما جاء الرب أولاً، لكنهم رفضوه وقال آباؤهم «لا نريد أن هذا يملك علينا» (لو19 :14). أما هذه البقية الأمينة فإنهم سيتبعون الخروف حيثما ذهب. وكما يميز أتباع الوحش وجود سمته على أيديهم أو جباههم، فإن هؤلاء المفديين عليهم اسم الخروف واسم أبيه على جباههم.

سيأتي الرب ويملك على بقية تقية من سبطي يهوذا وبنيامين (هم البقية التقية؛ العروس الأرضية) الذين احتملوا الضيقة العظيمة. لذلك فما أن سمعت ترنيمة شهداء الضيقة الموجودين في السماء، حتى تجاوبت معها هذه البقية الواقفة على جبل صهيون، أولئك «الذين اشتُروا من بين الناس باكورة لا علاقة لهذه الباكورة مع الكنيسة، رغم أن الله أبانا شاء فجعلنا باكورة من خلائقه (يع1 : 18)، والكنيسة تدعى «كنيسة أبكار» (عب12 : 23). لكن إذ أن الحصاد المذكور في هذا الفصل (ع 15) هو حصاد أرضي لا سماوي فكذلك الباكورة هنا هي باكورة أرضية لا سماوية. لله وللخروف».

أما المشاهد الثلاثة التالية فهي عبارة عن ثلاثة ملائكة يظهرون تباعاً (والملائكة هنا للدلالة على سرعة نقل الرسالة واتساع نطاق إعلانها)، ومع كل واحد من هؤلاء الملائكة رسالة خاصة.

الملاك الأول :«معه بشارة أبدية». وهي أبدية أي غير مرتبطة بالتدابير المختلفة، بل هي ذلك الخبر السار الذي كان دائماً، وسيظل باستمرار صادقاً، والذي يفيد أن الوعد القديم بنسل المرأة الذي يسحق رأس الحية قد حان أوان تنفيذه الفعلي . فمنذ السقوط والإيمان متمسك بهذا الوعد. على أنه الآن «لا يكون تباطؤ بعد»، وسر الله عتيد أن يتم. ولهذا يأتي التحذير «خافوا الله وأعطوه مجداً لأنه قد جاءت ساعة دينونته»، وهذا يتمشى مع يوحنا 16 :8 - 11، حيث يربط دينونة رئيس هذا العالم بكلمة تحذير للخطاة، وكأن الروح القدس في تبكيته للناس يقول إن كان رئيس هذا العالم قد دين فسوف تدانون أنتم أيضاً حتما إن سرتم وراءه.

الملاك الثاني :يعلن سقوط بابل ويرد تفصيل ذلك في أصحاحي 17، 18 كما سنتأمل في المحاضرة التالية.

الملاك الثالث :إنذار للذين يسجدون للوحش؛ أي العالم الذي كان مسيحياً قبل حدوث الارتداد العلني العام، ومن يدور في فلكه. إن دينونة بابل ستتم بواسطة الوحش، كما سنرى في حينه، أما دينونة الوحش نفسه فستكون من الله رأساً.

لقد رأينا في ص13 الذين قتلهم الوحش، أما هنا فنرى الذين تحالفوا معه وحظوا برضاه. ويتضح هنا كم سيكون أفضل جداً أن يموت الإنسان بواسطة الوحش، عن أن يكون نصيبه العذاب معه. وحقاً ليس أحمق من يضحي بما لا يقدر أن يحتفظ به، ليربح ما لا يمكن الاستغناء عنه. وكما أشار الوحي إلى صبر القديسين وإيمانهم في أصحاح13، هكذا فعل هنا أيضاً في ع12 يشير الوحي إلى الذين «يحفظون وصايا الله»، وهم الذين لن يسجدوا لتمثال الوحش الأول، والذين «يحفظون.. إيمان يسوع» وهم الذين يرفضون إكرام ضد المسيح؛ الوحش الثاني . .

بعد ذلك يأتي الحدث الخامس :وهو تشجيع للمؤمنين في فترة الضيقة. فرفقاؤهم الذين استُشهدوا وإن كانوا قد خسروا امتياز أن يكونوا رعايا الملكوت، فقد كسبوا أنهم سيكونون ملوكاً مع المسيح، فانتقلوا من فريق الأرضيين إلى فريق السماويين. وكما يطوبهم الرائي هنا عندما يموتون، فيستريحون من أتعابهم من الجميل ملاحظة المقابلة التي يضعها الروح القدس بين الذين يسجدون للوحش والذين يُقتلون بواسطته. فالفريق الأول انتقل من نعيم وقتي إلى حيث «لا تكون راحة نهاراً وليلاً» (ع11). أما الفريق الآخر فإنهم سيبدأون راحتهم الأبدية (ع13).، فإنه يعود ثانية ويطوبهم عندما يقومون من الأموات فيكافئون عن أتعابهم بملكهم مع المسيح (ص20 :4،6).

الحدث السادس :الحصاد - وهو كناية عن دينونة مميزة، ترتبط بظهور المسيح (كملك البر)، وهي تذكرنا بملاك القضاء "المهلك" الذي اجتاز في أرض مصر وميّز بين بكر وآخر، هكذا سيكون هنا «اثنان في الحقل يؤخذ الواحد ويُترك الآخر. اثنتان تطحنان على الرحى تؤخذ الواحدة وتُترك الأخرى ». وهذا الاقتباس ليس عن الاختطاف بل «كذلك يكون مجيء ابن الإنسان * ** حيثما يرد في الكتاب تعبير مجي ء ابن الإنسان فالإشارة تكون عن ظهور المسيح لكي يملك، فهو سيملك على الأرض كابن الإنسان (مز8 : 4-8، دا 7 : 13،14)، أما مجيئه السري للاختطاف فهو مجي ء الرب، العريس، لأخذ كنيسته عروسه إليه.* ». فكما جاء الطوفان وأخذ الأشرار (مت24 :39)، كذلك ستأتي الضربات وتأخذ المرتدين. أما الذين يُترَكون فسيدخلون إلى الملك الألفي «في وقت الحصاد أقول للحصادين اجمعوا أولاً الزوان واحزموه حزماً ليُحرق. وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني » (مت 13 :30).

الحدث السابع :المعصرة - وهي كناية عن دينونة عامة على الأمة اليهودية المرتدة، وكذلك على الجيوش المجتمعة على أورشليم للمحاربة كما سنرى في الجام السادس. في يوم سابق عُصر شخص المسيح تبارك اسمه؛ الكرمة الحقيقية، وسال دمه الكريم. ولقد قال اليهود الأردياء في ذلك اليوم «دمه علينا وعلى أولادنا» (مت 27 :25)، سيأتي ذلك اليوم الرهيب قريباً وفيها يجري دم أولادهم الأشرار نظير آبائهم بالتمام، نعم سيجري دمهم جريان العصير في المعاصر!

ولقد اقتني يهوذا الخائن في ذلك اليوم حقلاً من أجرة الظلم، عُرف بين اليهود بحقل الدم ومقبرة الغرباء (مت27 :6-8، أع1 :18-20)، وما كان اليهود يومها يدرون أن بلادهم على مدي ألفي عام ستصبح مقبرة للغرباء، وأنه ينتظرها أيضاً أن تكون "حقل دم" بكل معني الكلمة. الآن وقد نضجت عناقيد كرم الأرض التركيز هنا على كرم الأرض، أي إسرائيل والدينونة الرهيبة التي ستقع عليهم. أما في إشعياء 63 فإن التركيز هو على الأمم.، فلابد لها من أن تعصر. وسيدوس الرب المعصرة وحده تتميماً لإشعياء 63، سيدوسها "خارج المدينة" انتقاماً لدمه الذي سُفك خارج المدينة، حتى أن الدم سيجري أنهاراً ويصل إلى لجم الخيل ويكون ذلك لمسافة 1600 غلوة أي نحو 300 كيلومتر وهي طول أرض إسرائيل كلها!

* * * *

يعود الرائي في أصحاح 15 ليصف لنا الضربات الأخيرة التي بها أكمل غضب الله * ** الغضب الذي سينصب على العالم في فترة الضيقة يُنسب إلى الله (قارن مز 110 : 1، إش9 : 7). أما ما يلي ذلك من غضب سواء في الظهور ودينونة الاْحياء والملك ثم دينونة الأموات (وهي الفترة التي تسمي بيوم الرب) فهي كلها مرتبطة بالرب يسوع المسيح. وفي المزمور الثاني الذي يتحدث عن ملك المسيح؛ بينما يبدأ المزمور بالإشارة إلى غضب الله (ع5) فإنه يختم بغضب الخروف في الظهور (ع12). قارن إشعياء63 : 1-6.* . لكن قبل ذكر هذه الضربات يرسم لنا الوحي مشهداً يرتاح فيه الرب، إذ يصور لنا الفئة المقابلة للفئة المذكورة في أول أصحاح 14. فأولئك هناك هم الواقفون على جبل الملك مع الخروف، أما هؤلاء هنا فهم الموجودون في المجد؛ الواقفون على البحر الزجاجي (أنظر ص4 :6). الفريق الأول هم الذين يتبعون الخروف على الأرض (14 :4)، والفريق الثاني هم الذين يرنمون له في المجد! هناك نجد من تعلم الترنيمة، وهنا نجد من رنمها.

وهذا البحر الزجاجي مختلط بنار، بالنظر إلى كونهم قد اجتازوا الضيقة العظيمة ونيرانها الممحصة. ونسمعهم يرتلون ترنيمة موسى عبد الله وترنيمة الخروف. وترنيمة موسى هي ترنيمة نصرة الشعب على فرعون؛ إنها النصرة الأولى في تاريخهم، لكن بقيت نصرة أخيرة لهم لا على فرعون فحسب بل على كل الأعداء عبر كل تاريخهم الطويل، وهذه النصرة لا تنسب لموسى بل للخروف. الترنيمة الأولى كانت بجوار البحر الأحمر، أما هذه فبجوار البحر الزجاجي الناري . الترنيمة الأولى نجدها في خروج 15 والثانية في رؤيا 15.

وحقاً ما أجمل كلمات ترنيمتهم للخروف «عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شئ. عادلة وحق هي طرقك يا ملك الأمم. من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك لأنك وحدك قدوس؛ لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك لأن أحكامك قد أُظهرت». وترنيمة السجود هذه لله على أعماله وطرقه تدل على أن ما لا نقدر أن نفهمه هنا من معاملات الله معنا سنفهمه هناك عندما نقف على البحر الزجاجي . والذين اختبروا أمانة الرب في ظروف عصيبة نارية (ع2) ستكون لهم نغمة أعلى وأحلى . فإن الضيقة الوقتية الخفيفة تنشئ أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً (2كو4 :17)، وأيضاً فرحاً وترنيماً أبدياً (1بط4 :13)!

أما باقي الأصحاح فيصف لنا خلفية صب جامات الغضب الإلهي على الأرض. ومدلول الجامات أن محتوياتها تسكب حتى آخر قطرة، بسرعة فائقة، وفي فترة زمنية أقل. وياله من مدلول رهيب! والمقابلة بين السكيب الذي كان يسكب على الذبائح قبل إيقادها، وبين الجامات التي ستنصب على العالم قبل حرقه ذات دلالة هامة. ولهذا فلقد امتلأ الهيكل هنا، لا من سحابة البخور العطر، بل من الدخان المقبض الخانق. لكن سواء في هذا أو في ذاك فإن مجد الله قد تحقق (ع 8). لكن ليس المجد المرتبط بالنعمة في الخلاص، بل المجد المرتبط بالبر في القضاء (قارن مع رومية 9 :22،23). ثم يأتي أصحاح 16 ليرينا هذه الجامات السبعة التي نجد مشابهة كبيرة بينها وبين الأبواق السبعة مع فارق أن الأبواق بالأكثر لها طابع العمومية وانتشارها أوسع بينما الجامات مركزة أكثر وتأثيرها بالتالي أشد.

1 - الجام الأولحدثت دمامل خبيثة وردية على الناس الذين بهم سمة الوحش والذين يسجدون لصورته». والدمامل هي طفح يظهر في الخارج لعفونة موجودة في الداخل. ماذا نتوقع عندما يُعبد الشيطان ويعبد الإنسان؟ إن كل الفساد والانحطاط الخلقي المروع الذي لا يقل عن انحطاط سدوم وعمورة، سيصبح علناً (مز 53 :1). ولا عجب فالرب قال «كما كان في أيام نوح.... كما كان في أيام لوط.... هكذا يكون في اليوم الذي فيه يظهر ابن الإنسان» (لو17 :26-30).

2 - الجام الثاني :صار البحر دماً كدم ميت. والبحر صورة لجموع الناس. وهكذا فالموت الأدبي سيعم الجميع. «وكل نفس حية ماتت في البحر»! فلن يوجد شخص واحد يحتج أو يعظ لإيقاف تيار الفساد الذي ظهر نتيجة الجام الأول. في أيامنا هذه كثيراً ما نقرأ على صفحات الجرائد صيحات استنكار من تفشي الفساد. لكن في تلك الأيام لن تكون صيحة استنكار واحدة ضد هذه الشرور.

3 - الجام الثالث :صارت الأنهار وينابيع المياه دماً. فما كان المفروض فيه أن يقدم للبشر الحياة والإنعاش، سيقدم لهم البؤس والموت. وهنا يقول الرائي إنهم سيشربون الدم -ما أقوي هذا التعبير؛ سيتذوقون الموت! وذلك «لأنهم سفكوا دم قديسين وأنبياء». و«الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً» (غل6 :7).

4 - الجام الرابع :الشمس ستحرق الناس بنار - صورة للدكتاتورية المخيفة المرعبة من الوحش. إن كل الطغاة الذين يذكرهم التاريخ ليسوا إلا صورة مصغرة لذلك الوحش، الذي في غطرسته وبطشه سيسحق في الحال أي رأي معارض. وتكفي كلمات الوحي لتصور ذلك «الشمس أُعطيت أن تحرق الناس بنار. فاحترق الناس احتراقاً عظيماً». إنه على النقيض تماماً من المسيح الذي بظهوره ستتم كلمات النبي «تشرق شمس البر (العدل) والشفاء في أجنحتها» (ملا4 :2). ولن تكون نتيجة ذلك توبة الناس بل ازديادهم في التجديف والفساد، كفرعون قديماً لما كان قلبه يتقسى أكثر بعد كل ضربة جديدة.

5 - الجام الخامس :صارت مملكة الوحش مظلمة، وما أرعب الظلمة! طالما قالوا للرب «ابعد عنا»، الرب الذي قال «أنا هو نور العالم، من يتبعني فلا يمشي في الظلمة» (يو8 :12). هنا سيأخذهم الرب بكلامهم. ستصبح حياتهم مظلمة وبلا رجاء تمهيدا لطرحهم في «الظلمة الخارجية» حيث «البكاء وصرير الأسنان». وفي هذه الضربة لن ينكر البشر وجود الله، بل في قسوة قلوبهم سيجدفون عليه!

6 - الجام السادس :يحدثنا عن موقعة إنها ليست معركة بحصر اللفظ، لأنه رغم ترسانات الأسلحة المخيفة، وملايين الجنود الذين سيتواجدون في إسرائيل فإننا لا نقرأ أنهم سيشتبكون معاً، بل إن الرب هو الذي سيبيدهم في ظهوره «لأن الرب قد أعد ذبيحة.. يصرخ حينئذ الجبار مراً... فيسفح دمهم كالتراب ولحمهم كالجلة... لأنه يصنع قضاء باغتاً لكل سكان الأرض» (صف1 : 7-18). هرمجدون الرهيبة. والتي لم يحدث مثلها في كل تاريخ العالم وذلك لسببين على الأقل :

(أ) حتى في الحربين العالميتين وجدت دول على الحياد. أما هذه المعركة فلن يستثني منها أحد. وهنا يحدثنا بصفة خاصة عن «طريق بدأت الصين في إنشاء طريق يبدأ من الصين إلى التبت إلى إيران، حتى سيناء. ولقد افتتح جزؤه الأول عام 1978، ويعتبرونه معجزة الصين الجديدة، إذ قام به 10 آلاف عامل صيني لمدة ثماني سنين، شقوا الطريق في بعض الأجزاء الجبلية الوعرة بارتفاع 5.5 كيلومترا. وكثيرون يعتبرونه سور الصين الحديثة. ولقد اعترضت الهند عليه وقالت إن هذا الطريق يهدد السلام في آسيا. لكن لا الهند ولا غيرها يعرف الخطورة الحقيقة لهذا الطريق كما سيتضح بعد اختطاف الكنيسة، وكما نفهمه من الحديث عن سكب الجام السادس. الملوك الذين من مشرق الشمس» وهي على الأرجح دول الشرق الأقصى كالصين واليابان (فعدد الجيش الرهيب الذي يذكر في البوق السادس، إذا أخذ حرفياً، وهو 200 مليون، لا يمكن أن يخرج إلا منها). لكنها بصفة عامة ستكون الحرب عالمية بكل معني الكلمة. ويقول الكتاب هنا «أرواح شياطين... تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم».

أما مكان هذه الموقعة فهو واد في أرض فلسطين يمتد من حيفا جنوباً إلى عكا شمالاً. رآه نابليون في يومه فقال وكأنه يتنبأ :هذا المكان يصلح لموقعة حربية هائلة!

(ب) الشيء الثاني الفريد في هذه الموقعة أنه لن يعود منها ولا ناجٍ واحد. فكل من يودع بيته وأولاده وزوجته على أمل أن يرجع إليهم بعد انتهاء المعركة سيخيب أمله، وسيكون وداعه هو الوداع الأخير. ألا يذكرنا هذا بكلام النبي الباكي «ابكوا ابكوا من يمضي لأنه لا يرجع بعد فيرى أرض ميلاده * ** كلام إرميا هو عن يهوأحاز الملك الذي سباه نخو ملك مصر إلى مصر، ولم يعد إلى إسرائيل. لكننا هنا طبقنا المبدأ فقط.* » (إر22 :10)!

والكلمة «هرمجدون» تعني "جبل الذبح". ياله من اسم رهيب يرد كثيراً على صفحات الوحي في العهد القديم (يش12 :21، قض5:19-21، 2مل9 :27، 2مل 23 :29، 30)، ومعني اسمه يتناسب مع ما سيحدث عن قريب في تلك المجزرة التي سيصل الدم فيها كما مرَّ بنا (14 :20) إلى لُجم الخيل بطول كل أرض إسرائيل!

لقد أرسل الله البشارة الأبدية لكل الأمم ليهيئ الشعوب لملكوت المسيح، وهنا نجد الثلاثي الأنجس (التنين والوحش والنبي الكذاب) يرسلون أرواحاً نجسة كما تأثر آخآب بروح الكذب في فم أنبيائه وذهب للحرب حيث مات (1مل22)، هكذا سيحدث هنا. إلى كل المسكونة لعمل خطة مناوئة لله، حتى إذا جاء المسيح وجد كل العالم متكتلاً ضده!

والرب يختم حديثه هنا بكلمة تحذير فيقول «ها أنا آتي كلص. طوبى لمن يسهر» هل سمعنا في كل حياتنا عن لص يعلن أنه سيأتي ، ومع ذلك سيظل العالم بالأسف غارقاً في سباته ويلفه الظلام! وسيظل مجيئه غير متوقع للعالم. بل إنه عندما كان المسيح فعلاً في العالم، لم يعرف العالم أنه هنا (يو1 :10،27). يا لجهل العالم!

7 - الجام السابع :سكب الملاك السابع جامه فحدثت أصوات ورعود وبروق وزلزلة عظيمة. فالذين رفضوا صوت المسيح الهادي الوديع، صوت النعمة، ستعود إليهم أصوات الرعود والبروق من جديد (خر19)، وعندئذ ستتلاشى مدينة الإنسان ومدنيته تماماً. بصفة خاصة بابل التي سنرى دينونتها في أصحاحي 17، 18 «صارت المدينة العظيمة * قد تكون المدينة العظيمة هنا صورة للمدنية التي يفتخر بها العالم، ولا سيما دول التحالف الأوربي . ثلاثة أقسام. ومدن الأمم سقطت وبابل العظيمة ذكرت أمام الله ليعطيها كأس خمر سخط غضبه». عندئذ سيتم قول إشعياء عن ملك بابل «أهذا هو الرجل الذي زلزل الأرض وزعزع الممالك؟ الذي جعل العالم كقفر وهدم مدنه؟» (إش14 :16،17).

يا له من مصير قاتم ينتظر العالم الرافض للمسيح! لهذا فإننا نوجه الدعوة الحارة لكل شخص غير متأكد حتى الآن من خلاصه، أن يهرب من الغضب الآتي .

عقابٌ عقابٌ في يومٍ عصيب ***يا من دست ابن الإله الحبيبْ

يا من قد حسبت دماء المسيح*** لا تكفي لا تشفي, احتقرت الذبيحْ

سيأتيك يومٌ تنال الجـــزاء*** يا من قد رفضت إلهَ السماء

صعبٌ عليك أيها الإنسان***أن تمضي دون نعمةَ الإيمان

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.