لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

كِتَابُ رَبّ الْمَجْدِ

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الباب السابع

بشارة يوحنا مع رسائله ورؤياه

الفصل الأول

صحة نسبة بشارة يوحنا للرسول يوحنا نفسه

 

يليق بنا قبل الدخول في شهادات يوحنا الرسول عن لاهوت المسيح أن نقول كلمة مختصرة في البشارة ذاتها:

لا يخفى أن أكثر الأقوال عن لاهوت السيد المسيح هي في بشارة يوحنا. فبطبيعة الحال وجد منكرو لاهوت المسيح أن بشارة يوحنا هي عقبة كؤود وحجر عثرة في سبيلهم. ففي الأجيال الأولى للمسيحية رفض الهراطقة بشارة يوحنا ( ومع ذلك لم ينكروا صدق نسبيتها إلى يوحنا بن زبدي ) لأنهم أبغضوا ما تحويه ولم يستطيعوا أن يجعلوها توافق معتقداتهم. أما في الأجيال المتأخرة فقد رفض أعداء المسيحية قبول هذه البشارة منتحلين عذراً في عدم قبولها بأنها ليست صحيحة النسبة إلى يوحنا الرسول، والحقيقة هي أنهم رفضوها لأنها قذى في عيونهم إذ أن موضوعها الوحيد بل غاية الوحي منها إثبات لاهوت المسيح، ولذا تراها تبتدئ بالقول: " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " وتنتهي بشهادة توما الرسول عندما قال له " ربي وإلهي " وصادق المسيح على هذه الشهادة. وعقبها بالقول " أما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه "

وكما أن سفر دانيال هو ميدان منازعات المنتقدين في العهد القديم وذلك لصراحة نبواته عن ملك المسيح فكذلك بشارة يوحنا في العهد الجديد هي ميدان منازعات. ولهذا السبب يلقبها الكثيرون بدانيال العهد الجديد قال لدون:" إن هذه البشارة هي أعظم ثقة يرجع إليها في موضوع لاهوت المسيح لوضوح تعبيراتها ووفرتها. وأنه لا يستغرب أبداً في أن أقوال البشير الرابع هي مثل ذاتية سيده نفسه " حجر صدمة وصخرة عثرة " للمنتقدين .ولا يستطيع القارئ في بشارة يوحنا أن يتأمل في شخص المسيح بدون اكتراث، لأنه أما أن يتحزّب لحزب لاهوت المسيح ،وأما أن يتحزب عليه، وذلك لأن البراهين التي فيها مدهشة جداً. فأما أن يركع ساجداً قابلاً كل قول من أقوال البشارة، وأما أن يرفضها كلها، وفي هذه الحالة يصير عدواً لدوداً لها. وفي كلتا الحالتين لا يمكن أن يكون على الحياد ".

إن كاتب هذه البشارة هو يوحنا الرسول ابن زبدي وسالومة، التلميذ الحبيب الذي عاش بحسب شهادة القدماء العمومية بعد موت جميع الرسل، ومات بقرب ختام القرن الأول للتاريخ المسيحي.

والشهادة على صحة نسبة هذه البشارة وقانونيتها مستوفاة شافية، منها:

أن بوليكاربوس كان تلميذاً ليوحنا الرسول كما تدل على ذلك كتابات كثيرين من آباء الكنيسة ومات سنة 166 مسيحية. وكتب ايريناوس في القرن الثاني شاهداً في رسالته إلى فرولينوس كيف أخبره بوليكاربوس عن هذه التعاليم التي أخذها من يوحنا نفسه وكيف قابلها مع تعاليم الرسل الآخرين فجاءت مطابقة لها تمام المطابقة.

وقال ايريناوس أيضاً أن يوحنا الإنجيلي قصد ببشارته الرد على الضلال الذي قرّره كيرنثوس الهر طوقي في عقول الناس والذي جاء أولاً من جماعة النيقولاويين ولكي يقنعهم بأنه لا يوجد إلا إله واحد قد خلق جميع الأشياء بكلمته.

وايرونيموس يثبت شهادة ايريناوس هذه إذ يقول: " لما كان يوحنا في آسيا قامت هرطقات ابيون وكيرنثوس وغيرهم ممن أنكروا لاهوت المسيح وهم الذين يدعوهم في رسالته أضداد المسيح والذين كثيراً ما يذمّهم بولس في رسائله فالتزم يوحنا بسبب طلب جميع أساقفة آسيا ورسل كنائس أخرى كثيرة أن يكتب بالتصريح عن لاهوت المسيح مخلصنا ويتقدم في خطاب سام كثير الشجاعة والمناسبة عن الكلمة ". (انتهى)

وقال في مكان آخر – قد ذكر في التواريخ الكنائسية أن يوحنا لما التمس منه الأخوة أن يكتب أجاب أنه لا يصنع ذلك ما لم يفرز يوماً عمومياً للصلاة والصوم لطلب مساعدة الله. وإذ أجابوه إلى ذلك وشرّف الله ذلك اليوم بإعلان شاف نطق بالكلمات التي بدأ بها إنجيله وهي " في البدء كان الكلمة " الخ

وقال أيضاً هذا الأب المعلّم في كتابه المعنون بمشاهير الأنام – أن يوحنا كتب بشارة بطلب أساقفة آسيا ضد كيرنثوس وغيره من الهراطقة خصوصاً ضد تعليم الأبيونيين الذين قاموا في ذلك الزمان وكانوا يقولون أن المسيح لم يكون له وجود قبل ولادته من مريم فلذلك التزم أن يعلن طبيعته الإلهية.

ومن الأمور الجديرة بالملاحظة أن ايريناوس هذا استشهد من الكتاب المقدس في مؤلفاته خمسمائة مرة، منها مائة مرة من بشارة يوحنا ويذكر واضحاً أنه لم يوجد إلاّ أربع بشائر يوثق بصحتها مشبهاً إياها بأربعة أنهر الفردوس وأربع جهات الكرة الأرضية ،وأن صحتها كان مسلماً بها في عصره تسليماً تاماً .ويذكر بشارة يوحنا بالاسم في كتاباته. وقد سبق القول بأنه استقى معلوماته من بوليكاربوس أسقف أزمير وتلميذ يوحنا الرسول، ونشأ في حضنه.

وكتب ترتوليانوس الشهير الذي اعتنق المسيحية سنة 185 م وميّز بين بشارتي الرسولين (متى ويوحنا) وبشارتي البشيرين (مرقس ولوقا) ومع تمييزه هذا لم يرتب مطلقاً في أن الأربعة أوحي إليهم من الله فكتب كل منهم البشارة المنسوبة إليه.

ويحسن بنا أن نلقي نظرة على القانون الموراتوري وهو أول قائمة عرفت عن أسفار العهد الجديد وكتبت على ما يظهر قبل سنة 156 لأنه جاء بها اسم بيوس أسقف رومية الذي توفي في السنة المذكورة .وقد ضاع الجزء الأول من هذه القائمة، والجزء الباقي يبدأ بعبارة في جملة تشير إلى بشارة مرقس ثم يقول " أن ثالث كتاب في الإنجيل هو بشارة لوقا والرابع هو بشارة يوحنا ثم أعمال الرسل التي كتبها لوقا الخ فهذا القول يثبت أن المسيحيين في رومية سنة 170 كانوا فد قبلوا بشارة يوحنا صحيحة النسبة وموحى بها من الله واعتبروها من ضمن أسفار الإنجيل القانونية. ومما يجدر ملاحظته أن بوليكاربوس حضر إلى رومية سنة 163 فبالطبع كان اعتقادهم بالإنجيل مأخوذاً منه عند زيارته لهم.

وعلاوة على ذلك فإن ابوليناريوس كتب سنة 170 م وفي أثناء كتابته وثنايا كلماته أشار إلى طعن جنب المسيح بالحربة. ومعلوم أن هذه الحادثة لم يذكرها من البشيرين غير يوحنا. فمن ذلك نعلم أن بشارته كانت مقبولة وتقرأ في كنائس المسيحيين حينئذ.

وأغناطيوس أول بطريرك أنطاكي وهو الذي مات سنة 116 م ويوستينوس الشهيد الذي مات سنة 166 م كلاهما أشارا إلى بشارة يوحنا ككونها كلام الله الموحى به إلى يوحنا الرسول.

وقد قال القديس اغسطينوس " أن هذا الإنجيلي ( يوحنا) كتب في لاهوت المسيح الأزلي ضد الهراطقة " فصادق بذلك على شهادة ايريناوس التي سبقنا فذكرناها.

وعدا ذلك فلنا شهادة الوثنيين والهراطقة القدماء برهان على صدق نسبة بشارة يوحنا الرسول إليه. فمن الوثنيين القدماء الذين كتبوا ضد الديانة المسيحية ووصل إلينا بعض كتاباتهم كلسوس الذي كان فيلسوفاً في القرن الثاني وفرفريون في الثالث والإمبراطور يوليانوس الذي كان مسيحياً ثم ارتد وصار من امرّ مقاومي الحق. أما كلسوس الذي كتب بعد العصر الرسولي بستين سنة فلم ينكر البتة صدق نسبة بشارة يوحنا إليه بل بالعكس أكّد صحة نسبتها إليه وأراد أن يحجّ المسيحيين من أقوال تلك البشارة. وهكذا يقال عن فرفريون ويوليانوس. فنرى أن كفرة تلك العصور لم يفتكروا البتة بأن ينكروا صحة نسبة أسفارنا المقدسة ومن ضمنها بشارة يوحنا بل بالأحرى قبلوا صدقها وقصدوا أن يتخذوا من ذلك أدلة لمقاومة الحق الموجود فيها.

فيتّضح من كل هذه الأقوال أن جميع المسيحيين الأولين في القرون الأولى قد قبلوا البشارة الرابعة وآمنوا يقيناً أنها وحي الله ليوحنا الرسول الحبيب ولم يرتابوا في ذلك مطلقاً.

 

الفصل الثاني

بشارة يوحنا

 

إن يوحنا كاتب هذه البشارة كان أحد الرسل الثلاثة الذي اصطفاهم المسيح ليكونوا رفقاءه الخصوصيين وهم بطرس ويعقوب ويوحنا وهؤلاء وحدهم هم الذين رخّص لهم أن يعاينوا قيامة ابنة يايرس (مر 5: 37) والتجلّي (مت 17: 1 ومر 9: 2 ولو9: 28 ) وجهاده في جثسيماني ( مت 26: 37 ومر 14: 33 ). وقد صار لهذا الرسول بينات خصوصية عن محبة سيّده له وثقته به وذلك بتسميته إياه تكراراً التلميذ الذي كان يسوع يحبه وجلوسه بجانبه في الفصح الأخير وتوصيته إياه وهو على الصليب أن يهتم بأمه ( يو 13: 23 و19: 26و27). وعلى الأرجح أنه كان أحد الاثنين المذكورين في يو 1: 35ت-40 فيكون من أول الذين دعاهم الرب إلى الرسالة. وبناء عليه يكون هذا الرسول فضلاً عن حصوله على إرشاد الروح القدس وإنارته الفائقة قد حصل أيضاً على كل الصفات والفضائل والمواهب التي تؤهله ليكون شاهداً لحياة مخلصنا وتعاليمه.

وهذه البشارة موضوعة في آخر البشائر وذلك بحسب اعتقاد الكثيرين أنها كتبت بعد خراب أورشليم في أثناء سنة 98 م بعد رجوع يوحنا من النفي. وذكر هذا البشير بعض أقوال المسيح المهمة وأعماله العجيبة التي لم يذكرها غيره من البشيرين ،وقلّما يذكر من الأمور التي يذكرها غيره. وهم يتكلمون أكثر منه عما فعل الرب في الجليل، وهو يتكلّم أكثر منهم عما فعل الرب في أورشليم. ومن جملة الأمور التي يتركها هذا الإنجيلي - مما يذكره غيره – خبر ميلاد المسيح ومعموديته وتجربته وكثير من أمثاله وأحاديثه وأسفاره ودعوة الاثني عشر رسولاً وجميع عجائبه ما عدا إشباع الخمسة الآلاف ص 6.

ومن جملة الأمور الكثيرة التي يذكرها – مما يتركها غيره من الإنجيليين – إرشاد يوحنا المعمدان تلاميذه لاتّباع يسوع (ص1) وتحويل الماء إلى خمر (ص2) وشفاؤه ابن خادم الملك (ص4) وشفاؤه مريضاً في بركة بيت حسدا (ص5) والأعمى في بركة سلوام (ص 9) وإقامته لعازر (ص11) وحديثه مع نيقوديموس (ص3) ومع المرأة السامرية (ص4) ومع الفريسيين بخصوص لاهوته (ص5) وفي كفرناحوم عن كونه هو خبز الحياة (ص6) وخطبه في عيد المظال (ص7) وكونه نور العالم (ص8) وكونه الراعي الصالح (ص 10) ومع اليونانيين (ص12) وغسل أرجل تلاميذه وكلامه معهم بهذا الخصوص (ص13) وخطابه الطويل بعد أكل الفصح (ص 14و15 و16 ) وصلاته الشفاعية (ص17) وظهوره بعد قيامته على بحر الجليل وإرجاع بطرس إلى وظيفته الرسولية (ص21). فهذه البشارة تحوي روحانية المسيحية المؤسسة على المسيح ابن الله الأزلي الذي صار إنساناً في ملء الزمان ليفدي البشرية إذ هو حمل الله الذي يحمل خطية العالم.

وإن ذات هذا الذي تأنس هو خالق كل الأشياء .ويحتوي على مخاطبات المسيح الوديعة الحكيمة مع اليهود ومع تلاميذه ويحتوي على وعده الصريح بإرسال الروح القدس ليكون معزياً للرسل وللكنيسة وليعلّمهم التعليم الصحيح ويذكرهم بكل ما قاله لهم ويحتوي على صلاة المخلّص لأجل رسله ولأجل كل مؤمن باسمه.

فهذه البشارة كتبت للكنيسة لتنمّيها في الحياة الروحية ولتجعل شركة متينة بينها وبين الله الابن مخلّصها .ونحو ثلثي هذه البشارة يتضمن أخبار الشهور الستة الأخيرة من حياة مخلصنا على هذه الأرض وثلثها يتضمّن خبر ما حصل في الأسبوع الأخير فقط.

ويذكر في هذه البشارة ما لم يذكر في غيرها من البشائر عن الثماني سياحات التي ساحها المسيح في خدمته الجهارية بالترتيب ملاحظاً الإشارة إلى أعياد الفصح الأربعة التي مرّت على المسيح في مدة تلك الخدمة. فالسياحة الأولى في اليهودية وبداءة خدمته (ص1: 29-2: 12والثانية قرب الفصح في السنة الأولى من خدمته (ص2: 13 إلى آخر إصحاح 4والثالثة في السنة الثانية من خدمته قرب الفصح (ص5)، والرابعة قرب الفصح في السنة الثالثة من خدمته وراء الأردن (ص 6والخامسة تبتدئ في عيد المظال قبل موته بستة أشهر (ص7-10: 21والسادسة في عيد التجديد (ص 10: 22-42والسابعة في اليهودية جهة بيت عنيا ( ص11: 1-54والثامنة قبل الفصح الرابع وهو الأخير ( ص 11: 55 إلى آخر إصحاح 12 ).

ونختم بما قلناه أن هذه البشارة كتبت لتنمي المسيحيين الذين دخلوا إلى ملكوت المسيح الجديد في الحياة الروحية. وبموجب الغاية التي ذكرناها في كتابة هذه البشارة ينتظر بالطبع أن تحتوي على أدلّة أكثر من غيرها على لاهوت المسيح كما يظهر من الجدول الآتي:

 

تسمية المسيح بالأسماء والألقاب

الإلهية في بشارة يوحنا

يو 1: 1 " في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله " ففي هذه الآية سمّي الله، و 1: 14و18 و3: 16و18 سمّي ابن الله الوحيد أي الذي لا يليق أن يقال عن واحد آخر أنه ابن الله بالمعنى الذي به نقول عن المسيح " ابن الله". نعم وهو الوحيد في مساواته للآب في وجوده وصفاته وأعماله. وكذلك في 1: 34 و49و3: 17 و35و36 و5: 19و21و6: 69و9: 35و10: 36و11: 27 و20: 31 سمّي ابن الله، وابن الآب، والابن، وابن الله الذي يحب أن يؤمن به، والمسيح ابن الله ،والمسيح ابن الله الحي ،وفي 5: 17و10: 37و15: 23 و24نرى أن الله أبوه، وفي 1: 23 و4: 1و6: 23و12: 38 و20: 18و20و25 و21: 7و12 سمّي " الرب "، وفي 3: 17 و4: 42و12: 47 نرى أن المسيح هو مخلص العالم. وبالمقابلة مع أشعياء 43: 11 " أنا أنا الرب (يهوه ) وليس غيري مخلص " نفهم أن المسيح هو يهوه بعينه الذي ليس غيره مخلص .ولذلك سمّي في 1: 17 " يسوع " أي يهوه مخلّص، وفي 20: 28 " أجاب توما وقال له (ليسوع ) ربي وإلهي " وقد صادق المسيح على تسميته من توما " ربي وإلهي " وبين أن الإيمان به يقتضي هذا الاعتراف عدد 29 فإذا آمن كل واحد إيمان توما الذي صادق عليه المسيح بقوله " هل آمنت " فحينئذ نقول كلنا له " ربنا وإلهنا ". وعليه نجد أنه كان ينادي بالقول " يا رب " في 6: 68 و21: 15و21.

 

نسبة الصفات والأعمال الإلهية

للمسيح في بشارة يوحنا

يو 1:1 " والكلمة كان عند الله " ( العنديّة في اللغة تفيد هنا الرفعة وعلو المنزلة )، وفي 1: 2 موصوف أنه كان في البدء أي في الأزلية قبل بدء كل شيء ومثله 1: 15 لما قال يوحنا المعمدان " لأنه كان قبلي " التي تعني – أنه أصل وجودي أو مبدئي ومثلها أيضاً قوله هو له المجد " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " في 8: 58 ومثله 1: 10 أيضاً. وقوله في 1: 3 " كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان " كان يصرّح البشير أنه خالق كل شيء وأنه لا يوجد خالق سواه، وهذا يدل على وحدة الله في الجوهر وأن ما نسب للمسيح ابن الله نسب الثالوث. ومثله 1: 10 – " كوّن العالم به " ،وكذلك قوله في 1: 4 " فيه كانت الحياة "، وفي 5: 21 أنه " يحيي من يشاء " و5: 25 أن صوته يحيي الأموات روحياً، و5: 28و29 أنه يحيي الأموات جسدياً، و5: 26 أن له حياة في ذاته، و5: 40 أن الذي يأتي إليه تكون له حياة. ولذلك يقول في 1(: 10 أنه أتى ليعطي الحياة، وفي 10: 28 أنه يعطي خرافه حياة أبدية، وفي 11: 25 أنه هو القيامة والحياة .وفي 11: 25و26 نرى أن من آمن به فسيحيا ولن يموت إلى الأبد ،ولذا يقول عن نفسه في 14: 6 أنه الطريق والحق والحياة .وهو موصوف بل ملقّب في 1: 7و3: 19و8: 12و12: 36 بالنور، وفي 1: 9 أنه النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان، وفي 1: 12 هو يعطي السلطان لصيرورة المؤمنين به أولاداً لله، وفي 1: 4 نرى أن له المجد ومجده مجد ابن الله الوحيد بمعنى أن له كل المجد الذي للآب. وكذلك 2: 11 وخصوصاً في 12: 41 " قال إشعياء هذا حين رأى مجده وتكلم عنه ". فبمراجعة إش 6: 1-5 نرى أن الذي رآه إشعياء هو " السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع السرافيم واقفون فوقه وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض إني قد هلكت لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود " فمن يمكن أن يكون مثلّث القداسة ويقال عنه رب الجنود والملك رب الجنود ومجده ملء كل الأرض سوى الله جلّ جلاله ؟ وبمقابلة قول إشعياء " إني قد هلكت لأن عينيّ قد رأتا الملك رب الجنود " مع قول الرب لموسى في خر 23: 20 " لأن الإنسان لا يراني ويعيش " نفهم أن إشعياء قد قال ما قال بناء على هذا القول الوارد لموسى .ونستنتج أن الرب الذي رآه إشعياء هو ذات يهوه الذي كان يكلّم موسى (انظر الباب الثاني في الظهورات قبل التجسّد ).

وفي 17: 5 نقرأ أن المسيح كان له المجد قبل كون العالم ،ومثله 17: 24، وفي 1: 14 نرى أنه مملوء نعمة وحقاً ،وفي 1: 16 نقرأ أن المؤمنين يأخذون من ملئه نعمة فوق نعمة، و1: 17 به صار النعمة والحق ،وفي 1: 18 نرى أن المسيح ابن الله كان في حضن الآب وهو هنا على الأرض ،ومثله في 3: 13 " ابن الإنسان الذي هو في السماء " بينما كان على الأرض ونزل من السماء. و14: 18و19 يبيّن أنه يقدر أن يحضر مع المؤمنين هنا وهو في السماء، و3: 31 و8: 23 يبيّن أنه أتى من فوق ولذا هو فوق الجميع وأنه أتى من السماء. و5: 36و38 يبيّن أنه مرسل من الآب، و7: 29 يبيّن أنه من الله وأن الله أرسله إلى هذا العالم و8: 23 يظهر أنه ليس من هذا العالم ،و8: 42 أنه خرج من قبل الله وأتى إلى هذا العالم، وكذلك 16: 27و30و17: 8 أنه من عند الله خرج، و16: 28 أنه كما أتى من عند الآب ذهب إليه ،و17: 16 أنه ليس من هذا العالم .وفي 1: 27 يقول يوحنا المعمدان عن نفسه أنه ليس مستحقاً أن يحلّ سيور حذائه ،وفي 1: 29 يقول يوحنا عن المسيح أنه هو حمل الله الذي يرفع (يحمل ) خطية العالم ،وفي 1: 33 يقول أن المسيح هو الذي يعمّد بالروح القدس ،وفي 14: 16و26 يبيّن أن الروح القدس يعطى بطلبه، بل في 15: 26 و16: 7 يبيّن أنه هو الذي يرسل الروح القدس، وفي 20: 22 أنه يعطي الروح القدس، وفي 1: 41 هو مسيّا ( الملك الإلهي المنتظر ) وعند اليهود هو يهوه بعينه (راجع إرميا 23: 5و6)، وفي 1: 49و12: 13 هو ملك إسرائيل ،و12: 15 هو ملك صهيون، وفي 18: 36 هو الملك الذي مملكته ليست من هذا العالم ،وفي1: 42 نجده يعرف أسماء الناس بدون سابق معرفة طبيعية بهم. كما ويبيّن من 1: 47 أنه فاحص حالة الإنسان الداخلية، ومن 2: 24 أنه عالم بقلوب الجميع ،وعدد 25 أنه عالم ما في الإنسان، ومن 1: 48 و4: 1و11: 11و14 أنه عالم بالغيب، ومثله في 4: 18 و29و39و6: 6و61و64 يبيّن أن يعلم كل شيء من البدء، ومن 6: 70 أنه بعلم قلوب الناس، ومن 13: 11 أنه عالم القلوب ،و16: 19 أنه يعلم الأفكار ،و16: 30 و21: 17 أنه عالم بكل شيء ويقدر أن يقول ما يحتاج إليه الإنسان بدون أن يسأله .ويظهر من 18: 4 أنه عالم بكل ما يأتي عليه ومن 21: 19 أنه عالم بالمستقبل.

ويظهر من 1: 51 أنه رابط السماء بالأرض بل هو السلّم التي رآها يعقوب تصعد الملائكة وتنزل عليها (انظر تكوين 28: 12-22)

ونرى من 2: 4 أنه ليس لأحد حق أن يتدخل في أموره مهما كانت الحال، ومن 2: 5 أن أمره يجب أن يطاع إلى التمام ،ومن 2: 8 أن العجائب تتم بإرادته، ومن 2: 16 نرى أ، الهيكل هو بيت أبيه ،ومن 2: 19و21 و10: 18 نفهم أنه مقيم ذاته من الموت.فكيف ذلك إن لم يكن لاهوته هو الذي أقام ناسوته ؟ ومن 2: 23 نرى أن المؤمنين يؤمنون باسمه، و3: 15 من يؤمن به لا يهلك، و3: 15و16و36من يؤمن به تكون له الحياة الأبدية ،و3: 18 من يؤمن به لا يدان ومن لا يؤمن قد دين ،و3: 36 من لا يؤمن به لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله، ومن 4: 10 نرى أنه هو الذي يعطي الماء الحي، و4: 14 الذي يشرب من الماء الذي يعطيه لن يعطش إلى الأبد بل يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية، و6: 27 هو الذي يعطي الطعام الباقي للحياة الأبدية، و6: 33 و35و41و48و51 نرى أنه هو خبز الحياة والخبز الذي نزل من السماء والخبز الحي الذي نزل من السماء والذي يأكله يحيا إلى الأبد. ومن 8: 51 نرى أن الذي يحفظ كلامه لن يرى الموت إلى الأبد، و10: 28 نرى أنه يحفظ خرافه حتى لا تهلك إلى الأبد، ومن 3: 2 نرى أنه أتى من الله معلّماً ولا يقدر أحد أن يعمل الآيات التي يعملها هو ،ومن 3: 12 نراه يقدر أن يقول السماويات.

ومن 3: 27 نرى أن ما له معطى من السماء ،و4: 26 هو الذي يخبر بكل شيء، و7: 46 لم يتكلم قط إنسان مثله ،و9: 3 أعماله هي أعمال الله ،و9: 33 هو من الله ،و17: 10 كل ما للآب فهو له، ومن 3: 19 يظهر أنه هو النور الذي يدان الناس بناء على عدم قبوله، ومن 8: 12 هو نور العالم الذي كل من يتبعه لا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة (قابل هذين مع 1: 5). ويظهر من 3: 28 أن يوحنا المعمدان مرسل أمامه ( قابل مل 3: 1) فينتج أن المسيح هو رب الجنود. و3: 29 هو العريس – عريس شعبه ( وبمقابلة هذا مع إش 54: 5 وقوله " لأن بعلك هو صانعك رب الجنود اسمه " يظهر لنا أن المسيح هو رب الجنود خالق شعبه ).

و3: 30 هو الذي ينبغي أن يزيد وغيره ينقصون، و3: 35 هو الذي دفع في يده كل شيء. و4: 50 نرى أن قوته تصل إلى بعيد .و6: 39و40و44و54 هو الذي يحفظ من التلف والمقيم في اليوم الأخير .و8: 36 يقدر أن يحرّر الناس من الخطية. و10: 28 لا يستطيع أحد أن يخطف من يده .و8: 16 هو مع الآب ،و10: 30 هو والآب واحد، و10: 38و14: 10 هو في الآب والآب فيه وحال فيه. و12: 45و14: 9 من رآه فقد رأى الآب. و14: 23 يقدر أن يسكن في القلوب مع الآب. و16: 15 كل ما للآب فهو له. و17: 2 له سلطان على كل جسد .و17: 6 المؤمنون معطون له. ونرى في 4: 10 أنه عطية الله للعالم .و4: 21 ينبئ من نفسه بأمور مستقبلة، ومثله 10: 16و11: 23. وفي 13: 1 و38و16: 2-4 و32و21: 19و7: 15 نرى أنه يعرف الكتب وهو لم يتعلم كما كان يتعلم اليهود .وفي 5: 8و9 نراه يأمر بالبرء فيتم سريعاً وكاملاً .وفي 8: 31 الذي يثبت في كلامه يتحرّر. و14: 27 يعطي السلام الذي لا يقدر العالم أن يعطيه .و5: 22 له كل الدينونة. و5: 23 يجب أن يكرمه الجميع كما يكرمون الآب ومن لا يكرمه فلا يكرم الآب. و6: 27 هو مختوم من الآب. ونقرأ في 6: 29 أن الإيمان به هو العمل الذي يطلبه الله من الناس .وفي 14: 6 أن ليس أحد يقدر أن يأتي إلى الآب إلا به .وفي 6: 68 نرى أنه الوحيد الذي لا يجد الإنسان من يذهب إليه سواه لأننا نجد بطرس الرسول يقول له " يا رب إلى من نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك ". وفي 7: 37و38 " وقف يسوع ونادى قائلاً إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه ( باطنه ) أنهار ماء حي " فهو يدعو الناس إليه ويعدهم دعوة ووعداً لا يقدر عليهما سوى الله فالمسيح المنادي للعطاش هنا هو ذاته الذي نادى على لسان إشعياء ص 55. وفي 10: 7و9 نرى أنه مكنّى عنه بباب الخراف الذي كل من يدخل به يخلص ،وفي 10: 11هو الراعي الصالح، وفي 10: 14 يعرف خاصته و11: 52 يجمع أبناء الله المتفرّقين إلى واحد، و12: 32 يجذب الجميع إليه بموته على الصليب، و18: 36مملكته ليست من هذا العالم، ونرى في 8: 29 أنه قال أنه في كل حين يفعل ما يرضي الآب، وفي 8: 46 لم يستطع أحد أن يبكّته على خطية ،و14: 30 الشيطان ليس له فيه شيء، وفي 11: 11 يقدر أن يقيم الميت بأمره ،و11: 43و44 يأمر الميت بعد أربعة أيام أن يخرج من القبر فيخرج، و13: 13 هو السيد والمعلّم، و14: 14 هو الذي يجيب الصلاة ،وفي 12: 47 هو مخلّص العالم.

وفي 14: 2 نرى أنه هو الذي يعدّ مكان المؤمنين في السماء ،و17: 12 هو الحافظ ومن يحفظه لا يهلك ،و13: 32و17: 1 الآب يمجده. و16: 14 الروح القدس يمجّده. وفي 15: 1 هو الكرمة الحقيقية. و15: 5 يقول المسيح " لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً. ففي قوله هذا لو لم يكن هو الله لكان أشنع تجديف، ولو لم يكن جوهر الثالوث الأقدس واحداً، ولو لم يكن جوهر الابن هو جوهر الآب وجوهر الروح القدس لكان يمكن أن يعترض عليه بالقول – لا بل نقدر أن نعمل كل شيء بغيرك أي بالآب أو بالروح القدس .ولكن ما دام المسيح قال " بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً " فيفهم واضحاً أن الله واحد في الجوهر ،وإن ما يعمله أحد الثلاثة الأقانيم من الأعمال الإلهية يحسب أن الله الثالوث قد عمله. ولا شك أن المسيح بقوله هذا يتطلّب من المؤمنين أن يتكّلوا عليه ويعتمدوا على معونته لهم ويضعوا رجاءهم فيه ويطلبوا معونته في كل حين – أموراً لا يليق بالمؤمن أن يوجهها إلا لله جلّ جلاله.

والآن قد انتهينا من شهادة كتب البشيرين عن لاهوت ربنا يسوع المسيح. ويجب أن نفهم أنه وإن نسبت إلى المسيح أمور يشعر منها أنه إنسان – مثل كونه مطيعاً للآب ومعطى منه كل ما عنده وما شاكل ذلك – فما هي إلا في حال كونه خادم عهد الفداء. أما في طبيعته الذاتية فهو أزلي في الثالوث الأقدس ،واحد فيه، لا تخليط في الأقانيم ولا تفصيل في جوهر الوحدة.

والمسألة المهمة ليست هي إن لم يكن المسيح هو الله فيكون إنساناً قديساً أو مخلوقاً سامياً بل هي أنه لو لم يكن المسيح هو الله لكان أشرّ إنسان وجد على الأرض وأشنع مجدّف ظهر للبشر، إذ أن القديس لا ينسب لنفسه الصفات الإلهية والأعمال الإلهية، بل علامة قداسته هي أن ينسب كل شيء لله. فلا يقدر المخلوق الطاهر أن ينسب لنفسه مغفرة الخطايا مثلاً أو أن يقول " أنا أريد " بل بالحري يقول " الإرادة لله". ولا يقبل المخلوق الطاهر أن يقول له آخر:" ربي وإلهي " ويصادق على هذا القول. ولا يقول شيئاً يشتم منه نسبة الأمور الخاصة بالله لذاته بل بالعكس إن المخلوق الطاهر ينسب كل شيء لله ويتواضع أمامه تواضعاً كليّاً وينفي عنه كل ما هو خاص بالله.

هذا وعدا عن الأسماء والصفات والأعمال الإلهية المنسوبة للمسيح في كتب البشيرين فلنا أخبار كثيرة عن المعجزات الباهرة التي عملها بقوته الشخصية إذ كانت جميع الأمراض تزول بأمره مهما كانت صعبة، والشياطين تطيع أمره، وقوات الطبيعة تحت أمره ،والحياة والموت تحت أمره – وهذه أمور لا يقدر عليها إلا الله ذو العظمة والسلطان والجبروت.

وقد شاء الله أن يوجد أربع بشائر (1) ليكون لنا أربع شهادات عن الحق مستقلة الواحدة عن الأخرى (2) ليقدّم لنا تاريخ المسيح ربنا من كل وجهة، ليكون لنا أربع صور حية لشخص واحد (3) لأن المسيح مقدّم لأربعة أصناف من البشر في ذلك الوقت ولمظاهر أفكار البشر الأربعة – اليهودي والروماني واليوناني والمؤمن، بحيث لو لم يكن هذا الإنجيل نافعاً لكل الأصناف والطبقات لكان بلا شك يوجد بشائر أكثر مما وجد لأن غاية الله هي أن يكون الإنجيل لكل أمة تحت السماء في جميع الأزمان إذ قال بفمه الطاهر " اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها " " وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر " وطبيعة اليهود والرومان واليونان تظهر بين كل قبائل الأرض في كل الأجيال، وكذلك طبيعة الدين المسيحي هي هي في جوهرها في كل زمان ومكان.

فالبشارة الأولى كتبها متى لأجل اليهود وتتضمن إنجيل يسوع الذي أتى مسيحاً لليهود وتحتوي على ملكيته وتبيّن عيشته في هذه الأرض وسجاياه السامية بصفة كونه المسيح المنتظر المتنبأ عنه في كتب الأنبياء لكي يبرهن أن المسيحية هي إتمام للشريعة اليهودية.

والبشارة الثانية كتبها مرقس وهي تتضمن كرازة مرقس للمصريين وكرازة بطرس للرومانيين وتوضح عيشة يسوع وسجاياه من الوجهة التي يتطلبها الرومان إذ تظهر قوته الإلهية وعمله الإلهي وشريعته الإلهية وغلبته ونفوذه الإلهيين ونصرته النهائية.

والبشارة الثالثة كتبها لوقا في بلاد اليونان لليونانيين وهي مؤسسة على كرازة بولس ولوقا بالإنجيل في اليونان ومصوغة بكيفية تظهر أن يسوع هو الناسوت الإلهي الكامل. وهي بشارة مستقبل المسيحية الناجحة والعقل النامي والمتقدم والذي يطلب كمال الإنسانية.

والبشارة الرابعة كتبها يوحنا الحبيب لأجل المسيحيين ليهذّب وينمي أولئك الذين دخلوا تحت رئاسة المسيح الجديدة في الحياة الروحية السامية.

فلكون هذه البشائر الأربع توافق روح كل صنف من أصناف البشر في كل عصر وفي كل مكان كان ذلك من أعظم الأدلة على كونها من الله. فالحمد لله لأن غاية الإنجيل تتضمّن حاجة جميع البشر من آدم إلى اليوم الأخير وتعاليمه توافق كل العصور وكل الأقوام مهما اختلفوا في العادات وفي درجة الرقي والعرفان ومهما وصلوا إلى درجات التمدن المتنوعة.

ويليق بنا بعد أن وصلنا إلى آخر كتابات البشيرين الأربعة أن نزيّن الخاتمة بذكر مطالب المسيح لنفسه لأن ذلك يعتبر زبدة أقوال البشيرين. فنقول:

 

الفصل الثالث

مطالب المسيح لنفسه

قال بعضهم:" نحن لا نطلب للكتاب المقدس أكثر مما يطلب الكتاب لنفسه" نعم هذا صحيح ونحن أيضاً على هذا القياس لا ننسب إلى المسيح أكثر مما نسب المسيح إلى نفسه. فنراه:

  1. قال عن نفسه أن له السلطان الكامل على مغفرة الخطايا ( مر 2: 10 ولو 7: 48). وفوق هذا فقد قال أيضاً أنه له السلطان في إعطاء امتياز الخطايا إلى كنيسته ( لدرجة محدودة وبمعنى مخصوص ) مت 16: 19 ويوحنا 2ت0: 23 .

  2. قال المسيح أنه هو القيامة والحياة كما جاء في يو 11: 25 ولا يخفى أن قوله هذا من باب المجاز المرسل أي من باب ذكر حقيقة الشيء بواسطة إحدى متعلقاته فمعنى القول هنا – أن المسيح هو أصل القيامة فكأنه قال " أنا هو الذي أقيم وأنا هو الذي أحيي" وهل يقول هذا إلا الله القادر على الموت والحياة ؟

  3. قال المسيح أنه له السلطان المطلق على إقامة الأموات " الحق الحق أقول لكم أنه تأتي ساعة وهي الآن حين يسمع الأموات صوت ابن الله والسامعون يحيون تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته ( ابن الله ). فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة والذين عملوا السيآت إلى قيامة الدينونة " يو 5: 25 و28و29.

  4. قال المسيح ما يفيد أنه هو الشارح الرسمي لناموس موسى وأثبت هذه الحقيقة لليهود قائلاً قيل للقدماء وأما أنا فأقول لكم " ومعناه أني لا أنسخ ما قاله موسى ولكنني شارح رسمي لما قاله موسى ومظهر لكم المعنى الروحي الكامن فيه .ولكن من أين جاء ناموس موسى ؟ أليس هو ناموس الله ؟ ومن هو الشارح الرسمي لناموس موسى ؟ أليس هو الله ؟

  5. إن المسيح صرّح بأن الله أبوه. فقد قال لليهود " أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي أجابه اليهود قائلين فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً ( راجع يو 10: 32-38). فأجابهم يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل. فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه. لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضاً أن الله أبوه معادلاً نفسه بالله " ( يو 5: 17و18). فمن هذه النصوص يظهر واضحاً أن الناس الأشرار قاوموا المسيح لأنه جعل نفسه إلهاً معادلاً نفسه بالله، ولولا هذا التصريح ما قاوموه.

  6. راجع يو ص 17 وعلى الأخص قوله " والآن مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم ". ومن المهم أن نتذكّر دائماً أن المرء يصدق في أقواله عند حلول الأجل. وها هو المسيح قال لنا في خطابه الوداعي أنه كان مع الآب قبل كون العالم.

  7. صرّح المسيح أنه الديان والحاكم بمصير الإنسان الأبدي في قوله " كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم ( يوم الدين ) يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة. فحينئذ أصرّح لهم أني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم " ( مت 7: 22و23، وانظر أيضاً متى 25: 31-46). وغير ذلك كثير جداً.

سمعنا مراراً بعض المسيحيين البسطاء يعبّرون عن الله بالقول – أن الأقانيم في اللاهوت ثلاثة في إله واحد لكن لكل واحد منهم عمل. فالقول – لكل واحد منهم عمل – هو قول يحتاج إلى تكملة فينبغي أن يقال – لكل واحد منهم عمل في عملية الفداء. أما في غير عملية الفداء فعمل كل واحد منهم هو عمل الآخر بالتمام لأن الثالوث الأقدس أحبّ العالم وقصد خلاصه ولكن يعبّر لنا الكتاب أن الآب أرسل الابن وأن الآب لم يتجسّد ولم يمت وأن الابن هو الذي تجسّد وأتى إلى هذا العالم ومات فدية عن البشر ،وأن الآب والابن أرسلا الروح القدس الذي لم يتجسّد ولم يمت أيضاً، وهو يخصّص فوائد الفداء بالمؤمنين ويقدّسهم أما باقي الصفات اللاهوتية فهي لكلّ على السواء، وليس لواحد منهم عمل دون الآخر، كما رأيت.

 

الفصل الرابع

رسائل يوحنا الرسول ورؤياه

 

إن ما أوحي به إلى يوحنا الرسول ليكتبه عن المسيح ( في الرسائل الخ ) نلخّصه للقارئ في ما يأتي:

أولا: إن الرب يسوع المسيح يعظّم ويمجّد في كتابات يوحنا الرسول بنسبة الصفات الإلهية له:" الذي كان من البدء " 1يو 1: 1 " أكتب إليكم أيها الآباء لأنكم قد عرفتم الذي من البدء " 1يو 2: 13و14 وقوله " فإن الحياة أظهرت وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا " 1يو 1: 2 فسمّي المسيح بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب أي أزلية .وقد وصفه بالبار في قوله " إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار " 1يو 2: 1 وقوله " إن علمتم أنه بار هو فاعلموا أن كلّ من يصنع البر مولود منه " 1يو 2: 29وقوله " من يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار " 1 يو3: 7 وبأنه طاهر كقوله " وكل من عنده هذا الرجاء به يطهّر نفسه كما هو طاهر " 1يو 3:3 وليس فيه خطية –" وتعلمون أن ذاك ( المسيح ) أظهر لكي يرفع خطايانا وليس فيه خطية " 1يو 3: 5 ومعلوم أن شهادة الله عن كل البشر هي أنه ليس بار ولا واحد. ليس من يعمل صلاحاً. ليس ولا واحد. الجميع أخطأوا .وما دام المسيح قد وصف بأنه بار وطاهر وليس فيه خطية فهو ليس من البشر.

ووصفه بأنه سرمدي .ومعلوم أن هذه الصفة لا تنسب إلا لله تعالى فقال المسيح في رؤ1: 8و21: 6 " أنا هو الألف والياء البداية والنهاية " وفي رؤ1: 11 " أنا هو الألف والياء. الأول والآخر " وكذلك عدد 17و2: 8و22: 13 وكذلك قال " أنا حي إلى الأبد الآبدين " أي بحياة ذاتية رؤ 1: 18 .

وقال " ستعرف جميع الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلى والقلوب " رؤ 2: 23 ولا يوصف بهذا الوصف سوى الله جلّ جلاله. ووصف نفسه بالقول " الكائن والذي كان والذي يأتي " فهو يهوه الإله الحقيقي رؤ 1: 4و8 ويتضح ذلك من القول " والأربعة والعشرون شيخاً الجالسون أمام الله على عروشهم خرّوا وسجدوا لله قائلين نشكرك أيها الرب الإله القادر على كل شيء الكائن والذي كان والذي يأتي لأنك أخذت قدرتك العظيمة وملكت " رؤ 11: 16و17.

وكذلك موصوف بأنه هو الواجب أن يثبت المؤمن فيه " من قال انه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً " والآن أيها الأولاد اثبتوا فيه حتى إذا أظهر يكون لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه " 1يو 2: 6و28 بل و موصوف بأن فيه قوة تؤثر في من يثبت فيه حتى لا يخطئ إذا قال " كل من يثبت فيه لا يخطئ. كل من يخطئ لم يبصره ولا عرفه " 1يو 3: 6 وبأن ثقتنا عنده – " وهذه الثقة التي لنا عنده " 1يو 5: 14 وأنه السميع المجيب إذ قال " أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا " 1يو 5: 14 وبمراجعة عدد 13 يظهر لنا أن الضمير يعود على ابن الله. وموصوف أيضاً بأنه عارف الأعمال أي عالم بالضمائر إذ قال له المجد " أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك " " أنا عارف أعمالك وضيقتك وفقرك " و " أنا عارف أعمالك وأين تسكن وأنت متمسك باسمي ولم تنكر إيماني " و " أنا عارف أعمالك ومحبتك وخدمتك وإيمانك وصبرك " و " أنا عارف أعمالك أن لك اسماً أنك حي وأنت ميت " و " وأنا عارف أعمالك لأن لك قوة يسيرة ولم تنكر اسمي " و" أنا عارف أعمالك أنك لست بارداً ولا حاراً " رؤ2:2 الخ.

ويقدر أن يطمئن القلوب ويقول لا تخف " فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت فوضع يده اليمنى عليّ قائلاً لي لا تخف أنا هو الأول والآخر والحي وكنت ميتاً " الخ رؤ 1: 17و18 وقوله " لا تخف البتة مما أنت عتيد أن تتألم به " رؤ2: 10.

ثانيا: نرى أنه في كتابات يوحنا قد نسبت الأسماء والألقاب الإلهية للمسيح فنراه يسمّيه الحياة والحياة الأبدية إذ قال " فإن الحياة ظهرت ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأظهرت لنا " 1يو 1: 2 مشيراً إلى ما سبق وسمى المسيح به في بشارته إذ قال " فيه كانت الحياة " يو1: 4 و" أنا هو الطريق والحق والحياة " يو 14: 6 وكذلك قوله " ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية " 1يو5: 20 ويسميه مراراً كثيرة " ابن الله " التي تفيد أنه هو الله. لاحظ قوله " وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" 1يو1: 3 " وهذه هي وصيته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المسيح " 1يو 3: 23 و" أن الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم " 1يو4: 9و" أرسل ابنه كفارة لخطايانا " و" نشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم " و" من اعترف أن يسوع هو ابن الله فالله يثبت فيه "1يو 4: 10و14و15 وقوله " من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله " 1يو 5: 5 وقوله " هذه هي شهادة الله التي قد شهد بها عن ابنه " و" من له الابن فله الحياة ومن ليس له ابن الله فليست له الحياة " و " كتبت هذا إليكم أنتم المؤمنين باسم ابن الله لكي تؤمنوا باسم ابن الله. ونعلم أن ابن الله قد جاء " الخ 1يو 5: 9و12و13و20 " من يؤمن بابن الله فعنده الشهادة في نفسه. من لا يصدق الله فقد جعله كاذباً لأنه لم يؤمن بالشهادة التي قد شهد بها الله عن ابنه " 1يو5: 10، وقوله " الرب يسوع المسيح ابن الآب بالحق والمحبة " 2يو 3 و" كل من تعدى ولم يثبت في تعليم المسيح فليس له الله. ومن يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعاً " 2يو9و" اكتب إلى ملاك الكنيسة التي في ثياتيرا. هذا يقوله ابن الله أنا عارف أعمالك الخ " رؤ2: 18و19.

ومن ألقابه أيضاً الأمين والشاهد الأمين والصادق كقوله " إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل " ( 1يو1: 9 ورؤ 1: 5و3: 14). ويسميه الله الذي هو أبو المؤمنين الأبرار في قوله " إن علمتم أنه بار هو (المسيح) فاعلموا أن كل من يصنع البر مولود منه " (1يو 2: 29) و " أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله ولم يظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أظهر (أي الله ) نكون مثله لأننا سنراه كما هو " ( 1يو3: 2) وقوله " رأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله وانفتحت أسفار ودين الأموات " الخ (رؤ20: 12). ومعلوم أن الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للابن (يو5: 22) وأننا سوف نقف جميعاً أمام كرسي المسيح ليعطي كل واحد منا حساباً عما صنع بالجسد خيراً كان أم شراً (رؤ14: 10و2كو5: 10). ومن أسمائه أيضاً الحق والإله الحق كما قال " ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية " (1يو5: 20) .

ولقّب أيضاً برئيس ملوك الأرض " يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات ورئيس ملوك الأرض " (رؤ1: 5) وأنه إله الغالبين وأبوهم " من يغلب يرث كل شيء وأكون له إلهاً وهو يكون لي ابناً " (رؤ21: 7) والمتكلم هنا هو المسيح (راجع رؤيا 21: 6). وملك القديسين " عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين " (رؤ15: 3). وسمي كلمة الله " ثم رأيت السماء مفتوحة وإذا فرس أبيض والجالس عليه يدعى أميناً وصادقاً وهو متسربل بثوب مغموس بدم ويدعى اسمه كلمة الله " (رؤ19: 11-13). وسمي أيضاً الرب الإله القادر على كل شيء (رؤ11: 17) وقوله "وهم يرتلون قائلين عظيمة وعجيبة هي أيها الرب الإله القادر على كل شيء " (رؤ15: 3). وسمي أيضاً الرب الإله الديان القوي " في يوم واحد ستأتي ضرباتها موت وحزن وجوع وتحترق بالنار لأن الرب الإله الذي يدينها قوي " وقوله " افرحي لها أيتها السماء والرسل القديسون والأنبياء لأن الرب قد دانها دينونتكم " ( رؤ18: 8و20) ومن يلاحظ القرينة يجد الكلام واضحاً عن المسيح وهو الذي دان بابل ( راجع ص 19: 1و2و6).

وكذلك لقب برب الأرباب وملك الملوك " هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم لأنه رب الأرباب وملك الملوك " ( رؤ 17: 14) " ويدعى اسمه كلمة الله وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب " (رؤ19: 13و16). وسمّي أيضاً الرب إله الأنبياء القديسين وهم عبيده كما قال " الرب إله الأنبياء القديسين أرسل ملاكه ليري عبيده ما ينبغي أن يكون سريعاً
(رؤ22:
6) وهو الرب وربنا " تعال أيها الرب يسوع. نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم " (رؤ22: 20
و21) .

ثالثا: نسبة الأعمال الإلهية للمسيح

إننا نرى أن فاعلية دمه وقيمته ليست فاعلية وقيمة دم إنسان عادي كقوله " ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية " " هو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم " (1يو1: 7و9) وقوله " يسوع المسيح البار هو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً " (1يو2:2) و" قد غفرت لكم الخطايا من أجل اسمه " (1يو 2: 12) وقوله " يسوع المسيح الذي أحبنا وقد غسّلنا من خطايانا بدمه " (رؤ1: 5) وهو معطي الوصية الواجب أن تحفظ " يسوع المسيح البار بهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصاياه. من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب " ( 1يو2: 1و3و4) وقوله " طوبى للذين يصنعون وصاياه " (رؤ22: 14) وقوله " كل من تعدى ولم يثبت في تعليم المسيح فليس له الله .ومن يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعاً (2يو9)

وهو صاحب المواعيد كقوله " هذا هو الوعد الذي وعدنا هو به الحياة الأبدية " (1يو 2: 25) وهو معطي إكليل الحياة كقوله " كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة " (رؤ2: 10) وهو معطي مسحة الروح القدس للمؤمنين " هذا هو الوعد الذي وعدنا هو به الحياة الأبدية وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم كما تعلمكم هذه المسحة عينهاكما علمتكم تثبتون فيه حتى إذا أظهر لا نخجل منه في مجيئه " (1يو2: 25و27و28). وهو رافع الخطايا " تعلمون إن ذاك أظهر لكي يرفع خطايانا " (1يو3: 5) وناقض أعمال إبليس كقوله " لأجل هذا أظهر ابن الله لكي ينقض أعمال إبليس " (1يو3: 8) وبه يحيا المؤمنون كما في قوله " الله قد أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به " (1يو4: 9) وقوله " الله أعطانا حياة أبدية وهذه الحياة هي في ابنه " (1يو5: 11) وهو مخلص العالم كما في قوله " ونحن قد نظرنا ونشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم " ( 1يو 4: 14) وقوله " الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف " (رؤ7: 10) وإن " من اعترف أن يسوع هو ابن الله فالله يثبت فيه وهو في الله " (1يو4: 15) ومن يؤمن به فقد ولد من الله على ما في قوله " كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله " (1يو5: 1) ويغلب العالم كقوله " من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله " (1يو5: 5) .

والمسيح هو الذي يعطي البصيرة لمعرفة الحق كقوله " ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق " (1يو5: 20) والنعمة والرحمة والسلام منه كما من الآب في قوله – " تكون معكم نعمة ورحمة وسلام من الله الآب ومن الرب يسوع المسيح " (2يو3) وقوله " نعمة لكم وسلام من الكائن والذي كان والذي يأتي ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين " (رؤ1: 4و5) .

والذي يثبت في تعليمه فله الآب والابن جميعاً (2يو9). وهو الذي يجعل المؤمنين ملوكاً وكهنة في قوله " الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه " ( رؤ1: 6) وقوله " لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك وجعلتنا لإلهنا ملوكاً وكهنة فسنملك على الأرض " (رؤ5: 9و10). وهو الذي يعطي المؤمنين سلطاناً على الأمم في قوله " من يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأعطيه سلطاناً على الأمم " (رؤ2: 26 ). وهو الذي يكتب اسم الإنسان في سفر الحياة في قوله " من يغلب لن أمحو اسمه من سفر الحياة " ( رؤ3: 5). وهو الحافظ من التجارب كما في (رؤ3: 10بل هو المغني والكاسي كما في (رؤ3: 18). وله الحق أن يعلن المستقبل كما في قوله " مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح تخومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك " (رؤ5: 9) .

رابعا: إن العظمة الإلهية نسبت للمسيح رأساً

ويظهر ذلك من القول " كل من ينكر الابن ليس له الآب أيضاً ومن يعترف بالابن فله الآب أيضاً (1يو2: 23). وإن من يثبت في كلمة الله يثبت في الابن وفي الآب بالتساوي كما في قوله " إن ثبت فيكم ما سمعتموه من البدء فأنتم أيضاً تثبتون في الابن وفي الآب " (1يو2: 24). وشركة المؤمنين هي مع الآب ومع الابن بالتساوي كما في قوله " وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح" (1يو1: 3) .

ومن عظمته الإلهية أنه هو الديان الذي يخجل منه في اليوم الأخير كقوله " اثبتوا فيه حتى إذا أظهر يكون لنا ثقة ولا نخجل منه في مجيئه " (1يو2: 28) " وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا و أخفينا عن وجه الجالس على العرش وعن غضب الخروف " (رؤ6: 16). وله ملائكة يرسلهم بأمره فيجرون إرادته كما قال - " إعلان يسوع المسيح ليري عبيده ما لا بد أن يكون عن قريب ويبيّنه مرسلاً بيد ملاكه لعبده يوحناً (رؤ1: 1) وقوله " أنا يسوع أرسلت ملاكي لأشهد لكم بهذه الأمور عن الكنائس " " والرب إله الأنبياء القديسين أرسل ملاكه ليري عبيده ما ينبغي أن يكون سريعاً (رؤ22: 16و6).
والمسيح معظّم بالعظمة الإلهية بأن نسب " له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين " (رؤ1:
6) وله الملكوت كما قال "أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة وفي ملكوت يسوع المسيح " (رؤ 1: 9). والمؤمنون يضطهدون من أجل شهادته كما قال " كنت في الجزيرة التي تدعى بطمس من أجل كلمة الله ومن أجل شهادة يسوع المسيح " (1: 9). وأن له مفاتيح الهاوية والموت كما قال " والحي وكنت ميتاً وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت " (1: 18
) .

ومن تعظيمه أنه هو الله الممسك خدام الكنيسة بيمينه - " هذا يقوله الممسك السبعة الكواكب في يمينه " ( 2: 1 راجع 1: 20وإن الخدام يتعبون من أجل اسمه كما قال المسيح لملاك كنيسة أفسس " وقد احتملت ولك صبر وتعبت من أجل اسمي ولم تكل " (2: 3) حتى الشهداء هم شهداؤه كقوله " انتيباس شهيدي الأمين الذي قتل " (2: 13وقوله " ورأيت المرأة سكرى من دم القديسين ومن دم شهداء يسوع " (17: 6). وأنه هو الذي يطالب الإنسان بواجبه حتى يقدر أن يقول للمقصّر " لكن عندي عليك أنك تركت محبتك الأولى " (2: 4) و" عندي عليك قليل أن عندك هناك قوماً متمسكين بتعليم بلعام " (2: 14) و" عندي عليك أنك تسيّب المرأة إيزابل " (2: 20) وكذلك هو الله الذي يقاصّ غير التائبين كما قال " فاذكر من أين سقطت وتب واعمل الأعمال الأولى وإلا فإني آتيك عن قريب وأزحزح منارتك من مكانها إن لم تتب " (2: 5) وقوله " ها أنا ألقيها في فراش والذين يزنون معها في ضيقة عظيمة إن كانوا لا يتوبون عن أعمالهم " (2: 22) وقوله " فاذكر كيف أخذت وسمعت واحفظ وتب فإني إن لم تسهر أقدم عليك كلص ولا تعلم أية ساعة أقدم عليك " (3: 3) وقوله " هكذا لأنك فاتر ولست بارداً ولا حاراً أنا مزمع أن أتقيأك من فمي " (3: 16) .

وكما يقاص غير التائبين كذلك هو يثيب المجتهدين الأمناء ويكافئهم كقوله " من يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله " و" ومن يغلب فلا يؤذيه الموت الثاني ط (رؤ2: 7و11الخ ). وهو الذي يجازي كل واحد بحسب أعماله كقوله " ستعرف جميع الكنائس أني أنا هو الفاحص الكلى والقلوب وسأعطي كل واحد منكم بحسب أعماله " (2: 23) وقوله " ها أنا آتي سريعاً وأجرتي معي لأجازي كل واحد كما يكون عمله " (22: 12) .

ومن تعظيمه الإلهي أنه يمجّد من جميع المخلوقات في السماء وعلى الأرض كقوله " ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف قائلين بصوت عظيم مستحق هو الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة. وكل خليقة مما في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض وما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين " (رؤ5: 11-13) وقوله سمعت صوتاً عظيماً من جمع كثير في السماء قائلاً هللويا. الخلاص والمجد والكرامة والقدرة للرب إلهناوسمعت كصوت جمع كثير قائلة هللويا فإنه قد ملك الرب الإله القادر على كل شيء (19: 1و6) .

وممالك العالم تصير له يملك إلى أبد الآبدين " حدثت أصوات عظيمة في السماء قائلة قد صارت ممالك العالم لربنا ومسيحه فسيملك إلى أبد الآبدين " (11: 15) " والأربعة والعشرون شيخاً الجالسون أمام الله على عروشهم خرّوا سجدوا على وجوههم وسجدوا لله قائلين نشكرك أيها الرب الإله القادر على كل شيء الكائن والذي كان والذي يأتي لأنك أخذت قدرتك العظيمة وملكت " (11: 16) .

ولما يأتي غضبه يدين الأمم وتعطى الأجرة لقديسيه يهلك الذين ليس له " فأتى غضبك وزمان الأموات ليدانوا ولتعطى الأجرة لعبيدك الأنبياء والقديسين والخائفين اسمك الصغار والكبار وليهلك الذين كانوا يهلكون الأرض " (11: 18). ومن تعظيمه ما يظهر مما قيل له في ترنيمة موسى والخروف " عظيمة وعجيبة هي أعمالك أيها الرب الإله القادر على كل شيء عادلة وحق هي طرقك يا ملك القديسين. من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك لأنك وحدك قدوس لأن جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك لأن أحكامك قد أظهرت (15: 3و4) .

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.