كِتَابُ رَبّ الْمَجْدِ |
الباب الخامس تمام نبوات الأنبياء الآخرين والتعليق عليها الفصل الأول نبوة ميخا النبي لاهوت المسيح وسلطانه ومحل ولادته الخ
النبوة: " أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل " (ميخا 5: 2 ). الإتمام: ولما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيرودس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود ... فلما سمع هيرودس الملك اضطرب ... فجمع كل رؤساء الكهنة وكتبة الشعب وسألهم أين يولد المسيح. فقالوا له في بيت لحم اليهودية. لأنه هكذا مكتوب بالنبي. وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا. لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي ... " (متى 2: 1-6 ) . التعليق: لقد أكد النبي هنا أن العهد الذي عاهد به الله داود ثابت لا يتغير ولا يتزعزع لأن كلمة الله ثابتة الى الأبد. وهذا التأكيد واضح من سياق هذه النبوة التي ذكرها عن المسيح .وأمامنا فيها ما يأتي: أولاً: سلطان المسيح وأزليته .وصف المسيح هنا بأنه يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل فظهر لنا وجوده أزلاً وأبداً بصفة كونه إلهاً لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة. والكلمة " مخارجه " معناها هنا صدور أشعته وظهورها لكونها موجودة وكائنة منذ الأزل. وهذه الكلمة " مخارجه " دلتنا على أنه هو " يهوه " الكائن منذ الأزل وإلى الأبد. ولا يمكن أن يقال مثل هذا القول عن أي مخلوق مهما كان. وكلمة " الأزل " المذكورة في هذه النبوة هي ذات الكلمة المذكورة في مزمور 90: 2 في قول المرنم:" منذ الأزل إلى الأبد أنت الله ". وكلمة " أيام الأزل " عبرانية الأصل والتعبير، ومعناها مدّات الأزل التي لا حدود لها، لأن اليوم في التعبير العبراني ليس دائماً أربعاً وعشرين ساعة بل مدة ربما بلغت مئات من السنين أو أكثر حتى قال المرنم: " لأن الف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر وكهزيع من الليل " (مز 90: 4 ). وذكر غضب الله الأبدي الذي لا نهاية له على الفجار بقوله: " ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تذخر لنفسك غضباً في يوم الغضب " (رومية 2: 5 ). وكذلك يوم الدينونة ليس كأيامنا لأنه ربما استغرق مئات السنين. فقوله:" أيام الأزل " معناه مدة الأزلية التي لا أول لها. وعلى هذا فالرب يسوع المسيح هو الذي قدر وحده أن يقول بأجهر الأصوات: " قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن " أي ( أنا يهوه الكائن الأزلي ) لأن الكلمة " كائن " (يو 8: 58 ) ترجمت من معنى الكلمة " يهوه " العبرانية. ثانياً: المعلنات التي سبقت فذكرتها النبوة بخصوصه: لأهمية هذه المعلنات وجوهريتها رتبناها كما يأتي: (1) إنه سيولد في بيت لحم كما نطقت النبوة وكما شهد رؤساء الكهنة وكتبة الشعب حينما استفهم منهم هيرودس:" أين يولد المسيح ؟ " (متى 2: 4-6) وكذلك عرف كل اليهود تقريباً أن المسيح يأتي من نسل داود من قرية بيت لحم التي ولد وعاش داود فيها:" ألم يقل الكتاب أنه من نسل داود ومن بيت لحم القرية التي كان داود فيها يأتي المسيح " (يوحنا 7: 42 ) ؟ نعم إن مريم كانت مقيمة في ناصرة الجليل، ولكنّ العناية الإلهية دبرت أن يولد مخلص العالم في بيت لحم اليهودية فانتقلت مريم ويوسف لإتمام الاكتتاب فتم ما هو مكتوب في بيت لحم أفراتة (تكوين 35: 19 ) التي كانت صغيرة أن تكون بين ألوف يهوذا لأنها ما كانت مشهورة بكثرة سكانها ولا بجمال مناظرها ولا بحاصلاتها فلم تكن تستحق الفخر الذي نالته وخصت به، ولكن الله اختارها لأنه يرفع المتضعين ولأن المسيح يشرف المكان الذي يوجد فيه ولا يأخذ لنفسه شرفاً بحلوله في أي مكان:" وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا. لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي " ( متى 2: 6 ). وهكذا الذين هم للمسيح ينالون الشرف به دائماً ولو كانوا في نظر العالم من الأدنياء المحتقرين. (2) إنه يولد في ملء الزمان من إمرأة كقول النبي في العدد الثالث التالي للنبوة:" لذلك يسلمهم إلى حينما تكون قد ولدت والدة " أي أن الله يسلم شعبه الى السبي والحرب والفناء وكل أنواع الضيق إلى أن يحل ملء الزمان فتأتي عذراء مباركة تكون أماً للمسيح في قرية بيت لحم في الزمن والمكان المعينين. نعم إن مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل، ولكن انتظار الفداء وتعزية الشعب المختار يكون في أورشليم قبل كل شيء (لوقا 2: 25و38). وقد أطلق اليهود اسم " الوالدة " على العذراء التي تلد المسيح كما أطلقوا اسم " الآتي" على المسيح الموعود به حتى جاء رسولا يوحنا المعمدان إلى المسيح قائلين " أنت هو الآتي أم ننتظر آخر "؟ (3) إن المسيح هو الذي يرد قلوب الأبناء الى الآباء ويصلح كل ما افسدته الطبيعة البشرية فترجع بقية إخوته الى بني إسرائيل وعندئذ لا يستحي أن يدعوهم إخوة (عب 2: 11 ). (4) إنه يكون راعياً قديراً تفرح به رعيته لأنه " يقف ويرعى " أي يعلم ويحكم ويعمل كراع صالح ويعتني بهم بكل حكمة ومحبة " كراع يرعى قطيعه " ويسوقهم إلى المراعي الخضراء، وكالراعي الصالح يذهب أما الخراف وهي تتبعه لا كراع عادي " بل بقدرة الرب بعظمة إسم الرب " فكان تعليمه بسلطان وليس كالكتبة، فلم يقدر أحد أن يقاوم النعمة الخارجة من فمه. ولقد صدّر الأنبياء رسائلهم بالقول:" هكذا قال الرب " وأما المسيح إلهنا فقد صدّر كلامه بالقول:" وأما أنا فإني الحق أقول لكم الخ " فدلنا كلامه على أنه كابن متسلط على بيته لا كعبد: " دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض " " وأعطاه اسماً فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة الخ " " إني انا حي فانتم ستحيون " ( متى 28: 18 ولو 10: 22 وفي 2: 9 ويو 14: 19 ). فالمولود من عذراء في بيت لحم هو سيدنا وفادينا المسيح الذي يتسلط على شعبه بعد تسلّم ملكه ويرعى شعبه بقدرة فائقة ويثبتهم معه وهم يعظمونه إلى أبد الآباد. ملك المسيح الأبدي النبوة: ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه شعوب. وتسير أمم كثيرة ويقولون هلم نصعد الى جبل الرب وإلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب. فيقضي بين شعوب كثيرين. ينصف لأمم قوية بعيدة فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل. لا ترفع أمة على أمة سيفاً ولا يتعلمون الحرب في ما بعد. بل يجلسون كل واحد تحت كرمته وتحت تينته ولا يكون من يرعب لأن فم رب الجنود تكلم ... ونحن نسلك باسم الرب إلهنا الى الدهر والأبد ( ميخا 4: 1-5 ). الإتمام: " أما هم المجتمعون فسألوه قائلين يا رب هل في هذا الوقت ترد الملك إلى إسرائيل ؟ فقال لهم ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه. لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لي شهوداً (أعمال 1: 6-8). التعليق: لم نعلق على هذه النبوة في الفصل الثاني من سفر إشعياء بما تستحقه من الاهتمام انتظاراً لهذا التعلييق ولذا نقول هنا: في الفصل الثالث من سفر ميخا رأينا تدهور أمة إسرائيل ورؤسائها وقضاتها وكهنتها وأنبيائها وكل شعبها فرادى ومثنى وجماعات ،ورأينا صهيون " بيت الرب " في حالة سيئة محزنة كما هو ظاهر من ميخا 3: 12. وأما في الفصل الرابع - في هذه النبوة - فقد رأينا وعداً نبوياً بثبات " بيت الرب " في رأس الجبال وبارتفاعه فوق التلال. نعم إن صهيون تحرث كحقل كما في ميخا 3: 12 ولكن الرب لا يرفض شعبه إلى الأبد لأنه " بزلّتهم صار الخلاص للأمم لإغارتهم. فإن كانت زلتهم غنى للعالم ونقصانهم غنى للأمم فكم بالحري ملؤهم " (رومية 11: 11و12 ). إن ميخا وإشعياء قد اشتركا معاً في إعلان هذه النبوة بالحرف الواحد. وهذا الاشتراك أكد لنا أن هذه النبوة قامت على فم شاهدين، وأنها هامة جداً، وأنها ستتم حرفياً ولكن في الوقت الذي جعله الآب في سلطانه ،في أوقات الفرج الآتية من وجه الرب. وأمامنا في هذه النبوة: أولاً: إن كنيسة المسيح ستقوم " في آخر الأيام " وسيعود شعب الله إلى حالة الاتصال بالله ويعبده عبادة روحية جديدة، وتصير كنيسة الله قابلة للامتداد، ويكون جبل بيت الرب ثابتاً لأن المختارين يجرون إليه ويكون مركز وحدتهم ويضم الرب إليه الذين يخلصون (أعمال 2: 47 ). ثانياً: إن كنيسة المسيح ستبنى على صخرة الإيمان بلاهوته وبنوته لله الحي بناء قوياً لا تقوى عليه أبواب الجحيم (متى 16: 13 -20 ) " أنت ابن الله الحي ". ثالثاً: إن كنيسة المسيح ستمتد وتتسع وترتفع فوق التلال ولو كانت مبتدئة ببزرة صغيرة، وستكون كمدينة موضوعة على جبل لا يمكن أن تخفى (متى 5: 14 ) وسيكون مجد هذا البيت الأخير " بيت المسيح " أعظم من مجد البيت الأول لأنه يأتي إليه مشتهى كل الأمم ويكون مجده نوراً لبيته (راجع رؤ 21: 23 و22: 5 ). وإذ لم نتحقق بعد إتمام هذه النبوة برمتها ننتظر إتمامها بعد عصرنا الحاضر أي في وقت انتصار المسيح على أعدائه وعموم ملكوته مدة الألف السنة. رابعاً: يجل عدد المؤمنين بالمسيح من الأمم عن التعداد لأنه " تجري إليه شعوب وتسير أمم كثيرة " ويكون إقبالهم إلى المسيح كينبوع دائم الجريان فائضاً من كل الجهات، ويسيرون إلى هيكل الرب الجديد ثانية من كل أنحاء العالم حينما يعّجل الله بيومه السعيد، ويشجع الواحد الآخر قائلين: " هلم نصعد إلى جبل الرب وإلى بيت إله يعقوب " وسيضيئ نور مجد الفادي على الجميع فيأتون في نوره إليه ويكون للرب الأرض وملؤها. خامسا: إن كلمة الرب تخرج من صهيون من أورشليم، من المركز الذي اختاره الله وأقام فيه الهيكل والمذبح، من المركز الذي أقام فيه الشعب المختار طقوسهم وفرائضهم وقدموا فيه عباداتهم. ففي أورشليم بنى سليمان هيكل الرب، وأقيمت أحكام الشريعة فيه، وفي أورشليم كرز المسيح وعمل العجائب التي دلت على لاهوته بكل جلاء، وفي أورشليم قدّم المسيح نفسه كفارة عن خطايا العالم أجمع فمات بناسوته وقام بلاهوته من بين الأمواب وظهر لجميعالمؤمنين مرات معلومة، وفي أورشليم صعد المسيح بمجده وقوة لاهوته الى السماء ،وإلى أورشليم أرسل المسيح الروح القدس المعزي إلى تلاميذه بعد ذهابه إتماماً لوعده القائل:" إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي. ولكن إن ذهبت أرسله إليكم ... وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق ... ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لهذا قلت أنه يأخذ مما لي ويخبركم ... لأني ذاهب إلى الآب " (يو 16: 7-16 )، وفي أورشليم ابتدأ الرسل بالكرازة ،ومن أورشليم خرجت كلمة الرب، وإلى أورشليم سيجيء المسيح ثانية. سادساً: إن إنجيل النعمة الذي هو " كلمة الرب " سترافقه قوة مقنعة دائماً لأن صاحب الشريعة ورب النعمة يسوع المسيح سيقضي بين شعوب كثيرين لأن الآب لا يدين أحد بل قد أعطى كل الدينونة للإبن، ولأننا سنقف جميعاً أمام كرسي المسيح. سابعاً: تأثير عوامل إرادة الفادي المجيد إنما هي إيجاد السلام والمحبة على الدوام. ولذا فإننا نرى المؤمنين بالحق غير مخاصمين حلماء مظهرين كل وداعة لجميع الناس وغير طاعنين في أحد (تيطس 3: 2و3 ). وعندما يتوب الأمم ويطلبون وجه الله يعم السلام ،وتنصلح الهيئة الاجتماعية بروح السلام وتغطي معرفة إله السلام كل الأرض وتتعبد له الملوك، فلا ترفع أمة على أمة سيفاً لأن نعمة الله تصيّر الجميع مسالمين على الدوام وذلك - حسب اعتقاد حزب التفسير الحرفي - يكون بعد مجيء المسيح الثاني. وحينئذ يجلسون كل واحد تحت تينته وتحت كرمته ولا يكون من يرعب لأن فم رب الجنود تكلم. ومن هو رب الجنود المتكلم بالسلام ! ومن هو رب الجنود المعطي السلام ؟ لا ريب أنه عند إتمام هذه النبوة يعرف جميع الناس أن المسيح هو رب الجنود المتكلم بالسلام والمعطي السلام. ثامناً: بعد أن كان يقال يا بيت يعقوب هلم فنسلك في نور الرب " ( إشعياء 2: 5 ) فعند ما تتم هذه النبوة المباركة يقال بوجه الحق " نحن نسلك باسم الرب إلهنا إلى الدهر والأبد " لأننا حينئذ لا نعمل إلا ما يأمرنا به. من هو هذا الذي يقال له: الرب إلهنا ؟ ورداً عليه لنرجع إلى قوله: " فم رب الجنود تكلم " عدد 4. فنسأل من هو " رب الجنود ؟ " وليس أمامنا إلا جواب واحد: إن رب الجنود هو ذات المسيح لا سواه كما هو واضح من قول إشعياء النبي:" رأيت السيد جالساً على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل. السرافيم واقفون فوقه ... وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض ... فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين ... لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود " (إشعياء 6: 1-5 ). وقد أكد لنا الروح القدس بفم يوحنا البشير أن إشعياء وصف المسيح بأنه رب الجنود وأنه هو السيد الذي رأى مجده وتكلم عنه كما في يوحنا 12: 40و41 . وبما أن تلك الرؤيا المذكورة في إشعياء 6: 1-5 قد أشبعته وامتزجت بدمه ولحمه وعظمه وعقله وقلبه وتأكد أن الذي رآه هو الفادي المنتظر فقد عاد فقال:" هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود. أنا الأول وأنا الآخر " ( إشعياء 44: 6 ) وكل هذه الأوصاف منطبقة على المسيح بالذات دون غيره. فهو ملك إسرائيل كما في يوحنا 1: 49، وهو فادي إسرائيل كما في لوقا 1: 68، وهو فادي جميع البشر كما في 1تي 2: 6، وهو رب الجنود الذي رآه إشعياء وتنبأ عنه ميخا، وهو الأول والآخر كما في رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 11 و17و22: 13.
الفصل الثاني نبوة دانيال النبي المسيح في سحب السماء
النبوة: " كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض " (دانيال 7: 13و 14 ). الإتمام: "ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم ". " فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات يسوع ابن الله فلنتمسك بالإقرار ". " كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته. وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان " (أعمال 1: 9وعب 4: 14 ويوحنا 5: 26و27 ). التعليق: ستستمر مملكة المسيح على الرغم من كل قوات الظلمة. فلتهج الأمم وليغضب الشعوب كما يشاءون ولكن كان الرب سيمسح ملكه على صهيون جبل قدسه على رغم الجميع (مزمور 2). فرؤيا دانيال قد انبأت عن ذات ما سبق نبوخذنصر فرآه عن الحجر الذي قطع بغير يدين وسحق التمثال ونما إلى أن صار جبلاً كبيراً. فنحن نرى في رؤيا دانيال روح الإنجيل الصريح أكثر مما نرى في حلم نبوخذنصر. نرى أمامنا في هذه النبوة: أولاً: إن المسيح دعي " ابن الإنسان " لأنه صار في شبه جسد الخطية ووجد في الهيئة كإنسان وصار وسيطاً بين الله والناس. نعم إنه في النبوة " مثل ابن إنسان " ولكنه في الحقيقة " ابن الله ". فكلمة " ابن الإنسان " تفيد الإعلان عن لاهوته بملء معنى الكلمة بدليل قوله عن نفسه:" وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان " (يوحنا 5: 27 ). فهو هو الذي رآه دانيال في رؤياه النبوية أنه قد أعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً ليعبده الجميع. ثانياً: جاء في النبوة أنه أتى مع سحب السماء إشارة إلى صعوده إلى السماء بعد إتمام الفداء لأن التلاميذ شهدوا أنه " ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم " (أعمال 1: 9 ). ففي النبوة وإتمامها معاً نرى أن المسيح له المجد جعل السحابة مركبته التي أقلّته منتصراً إلى المجد الأعلى فاجتاز بها السموات إلى أن أتى إلى القديم الأيام فقال له: " إسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك " ( مزمور 2: 8 )" اجلس عن يميني حتى أضع اعداءك موطئاً لقدميك " (مزمور 110: 1 ). فمملكة المسيح من فوق لا من أسفل لأنه هو " الرب من السماء ". ثالثاً: " أعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً ": لقد أخذته السحابة عن أعين التلاميذ فوجب علينا أن نسأل: إلى أين ذهب ؟ ولكن أجابتنا النبوة على سؤالنا " مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطاناً ومجداً الخ " وأجابنا المسيح نفسه في قوله لتلاميذه:" إني أصعد إلى ابي وأبيكم " ( يوحنا 20: 17 ) وبهاتين الإجابتين انكشف الحجاب فظهر سر قوله المجيد: " يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضي " (يو 13: 3 ) وتظهر هذه النبوة إن الآب قرّبه إليه كمحام وشفيع لأجلنا حتى يمكننا أن نتقدم به إلى الله (راجع إرمياء 30: 21 ). وهذا التقريب المذكور في النبوة دلّنا على أن الآب قبل ذبيحته التي قدمها ورضي عنها وسر بكل ما عمله:" لذلك رفّعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض " (فيليبي 2: 9و10). رابعاً: نرى في هذه النبوة أن المسيح " ابن الإنسان " أعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً فدفع كل سلطان إليه كل ما في السماء وما على الأرض وكل ذي جسد (يوحنا 17: 2و5 ). وحيث أن دانيال سبق ورأى هذا فقد تعزى هو ورفقاؤه الأتقياء لأنه رأى أن سلطان العالم يزول ولا يبقى إلا سلطان المسيح الذي هو " مثل ابن الإنسان " " لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ... ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح رب لمجد الله الآب " ( في 2: 10و11 ). وليس لأحد أن يعطي هذه العطايا إلا الآب القدوس الذي وصف في آخر الصلاة الربانية بأن له " الملك والقوة والمجد إلى الأبد ". ففملكة فادينا - الذي تألم ومات وقبر وقام ودخل إلى مجده ( لوقا 24: 26 ) - قد تنبىء عنها بأنها مملكة عامة يأتي إليها كل أنواع البشر وأصنافهم " لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة " وليتم وعد الله القائل: " اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك " ولا بد أن تصير كل الممالك له. ومملكة فادينا أبدية " سلطانه ما لن يزول " فلا يخلفه فيه أحد " وملكوته ما لا ينقرض " وأبواب الجحيم لن تقوى على كنيسته وستبقى وتنتصر انتصارها التام في الأزمنة الأبدية التي لا نهاية لها. السبعون أسبوعاً النبوة: " سبعون اسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين. فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الإزمنة. وبعد اثنين وستين اسبوعاً يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخرب قضي بها. ويثبّت عهداً مع كثيرين في اسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطّل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرّب حتى يتم " (دانيال 9: 24 -27 ). الإتمام: "وفي شهر نيسان في السنة العشرين لأرتحشستا الملك كانت خمر أمامه فحملت الخمر وأعطيت الملك ... وقلت للملك ... كيف لا يكمد وجهي والمدينة بيت مقابر آبائي خراب وأبوابها قد أكلتها النار ؟ فقال لي الملك ماذا طالب أنت ؟ فصليت إلى إله السماء. وقلت للملك إذا سرّ الملك وإذا أحسن عبدك أمامك ترسلني إلى يهوذا إلى مدينة قبور آبائي فأبنيها... فحسن لدى الملك وأرسلني ... فجئت إلى أورشليم " (نحميا 2: 1-11 قابل متى 26: 28 ). التعليق: لقد شهدت جميع التآريخ العامة أن أرتحشستا ملك سنة 474 قبل المسيح. فالسنة العشرون من ملكه هي سنة 454 قبل المسيح يضاف إليها 30 سنة عاشها المسيح قبل ابتدائه في الخدمة الجهارية فتصير الجملة 483 سنة هي 69 أسبوع نبوة. وبعد ثلاث سنوات ونصف أي في وسط الأسبوع أبطل المسيح الذبيحة والتقدمة بصليبه. وبعد ثلاث سنوات ونصف أخرى من تاريخ موته وقيامته ابتدأ الأمم يدخلون المسيحية أفواجاً لأن دم المسيح سفك عن كثيرين من الأمم. فإذا أضفنا أسبوع النبوة الأخير إلى التسعة والستين أسبوعاً فيكون مجموعها سبعين أسبوعاً نبوية حسب نص النبوة بالتمام. إن دانيال تنبأ بأنه بعد خروج الأمر بتجديد أورشليم بمدة 490 سنة يأتي المسيح ويموت وتخرب أورشليم والهيكل وأمة اليهود تكابد قصاصاً مخيفاً غير محدود. والأمر معلوم أنه في آخر هذه المدة (أي 490 سنة) ظهر يسوع الناصري حسبما تنبأ عنه دانيال وغيره من الأنبياء وأسلم إلى الموت كخاطىء وجماهير كثيرة صاروا تلاميذه. والديانة المسيحية قامت في العالم وتغلبت وبعد وقت وجيز خربت أورشليم والهيكل. وحالة اليهود إلى هذا اليوم هي تفسير باهر وعجيب لهذه النبوة. فهم دانيال من نبوة إرميا أن شعب إسرائيل سيظل في السبي مدة 70 سنة فصلى إلى الله معترفاً بخطايا شعبه وسأل فأجابه الله حين تقدمة المساء برد بني إسرائيل ليس من بابل فقط بل من الخطية إلى الله أيضاً وأخبره بما جاء في هذه النبوة تفصيلاً. وها هي خلاصتها التاريخية للسبعين أسبوعاً نبوياً أو ال490 سنة.
عـدد الســنيــن إيـــضــاح عــــــدد صدر الأمر بالبناء سنة 20 من ملك - ارتحشستا فكانت مدة البناء 49 سنـــة وهي سبعة أسابيع نبوية 7
من تاريخ انتهاء البناء إلى أن صار - عمر المسيح 30 سنة 434 سنـــة وهي 62 أسبوع نبوة 62
-من ابتداء خدمة المسيح إلى موته صلباً وقيامته 2/1 3 وهي وسط الأسبوع 2/1
-من قيامة المسيح وصعوده إلى ابتداء دخول الأمم المسيحية 2/1 3 وهي نهاية الأسبوع 2/1
490 سنـــة 70 أسبوعاً وهذا رأي واحد من آراء كثيرة في هذه النبوة لا محل لذكرها كلها الآن حباً بالاختصار. نعم إن الأنبياء سبقوا فتكلموا عن مجيء المسيح قدوس القدوسين لخلاص العالم ولكنهم لم يتعدوا القول: " يأتي - سيأتي " فقط. وأما دانيال فقد انفرج بتحديد وقت مجيئه. نعم إن كثيرين من إسرائيل لم يعرفوا تماماً السنة التي سيولد فيها المسيح ومع ذلك كان الوقت معروفاً نوعاً بسبب وجود هذه النبوة. لذلك كان سمعان الشيخ منظراً، وكانت حنة النبية منتظرة، وكان كثيرون منتظرين، (لوقا 2: 25 -38 ). ومن تعينن نبوة دانيال كان الناس في أورشليم يظنون أثناء خدمة المسيح الجهارية أن ملكوت الله أوشك أن يظهر في الحال. وكان انتظار اليهود على نوعين: فمنهم من كانوا ينتظرون أن المسيح سيأتي مخلصاً وفادياً ومصالحاً لشعبه مع الله، ومنهم ينتظرون أن المسيح سيأتي ملكاً أرضياً عظيماً ذا جنود لا تحصى وأملاك وأموال لا تستقصى ليحارب الرومانيين ويجليهم ويحرر إسرائيل كأمة أرضية. فالنوع الأول الذي هو من حزب سمعان الشيخ وحنة النبية إنما هو حزب الحقيقة لأن المسيح لم يأت في مجيئه الأول إلا وديعاً ومتواضع القلب. الفصل الثالث سفرا هوشع النبي وحجي دعوة المسيح من مصر النبوة: " لما كان إسرئيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابني " (هوشع 11: 1) . الإتمام: " فقام وأخذ الصبي وأمه ليلاً وانصرف إلى مصر. وكان هناك إلى وفاة هيرودس. لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: من مصر دعوت ابني " (متى 2: 14و15 ). التعليق: إن هذه النبوة مزدوجة الغرض لأن لها وجهة تاريخية هي دعوة إسرائيل من مصر على يد موسى وهارون، ووجهة نبوية هي دعوة المسيح ( الذي دعي في النبوات " إسرائيل " مراراً كثيرة ) وهو غلام من بعد وفاة هيرودس الكبير. لما أمر الله فرعون بإطلاق شعبه قال له:" أطلق ابني البكر " فالذين يحبهم الله يخرجهم من عبودية الشيطان إلى حرية مجد أولاد الله. ونص الإنجيل على أن هذه النبوة تمت في شخص المسيح إتماماً صريحاً (متى 2: 15 )، وكان خروج بني إسرائيل من أرض مصر رمزاً ظاهراً إلى دعوة المسيح من أرض مصر . المسيح مشتهى كل الأمم النبوة: " هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات والأرض والبحر واليابسة. وأزلزل كل الأمم ويأتي مشتهى كل الأمم فأملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود ... مجد هذا البيت الأخير يكون أعظم من مجد الأول قال رب الجنود. وفي هذا المكان أعطي السلام قال رب الجنود ... إني أزلزل السموات والأرض ... وأقلب كرسي الممالك وأبيد قوة ممالك الأمم " (حجي 2: 6-9 و22 ) الإتمام: " الذي صوته زعزع الأرض حينئذ وأما الأن فقد وعد قائلاً إني مرة أيضاً أزلزل لا الأرض فقط بل السماء أيضاً. فقوله مرة أيضاً يدل على تغيير الأشياء المتزعزعة كمصنوعة لكي تبقى التي لا تتزعزع. لذلك ونحن قابلون ملكوتاً لا يتزعزع ليكن عندنا شكر به نخدم الله خدمة مرضية بخشوع وتقوى. لأن إلهنا نار آكلة " (عبرانيين 12: 26-29 ). التعليق: دعي المسيح " مشتهى كل الأمم " لأن فيه تتبارك كل قبائل الأرض. فهو المسيح المنظر ،والمسيح المشتهى من جميع أخيار الناس في كل الأمم، ومن جميع أولئك الذين فهموا حقائق ما ترمي إليه تلك النبوات الحقة المسطورة في العهد القديم جيداً. لاحظوا أيضاً أن بلعام الموآبي تكلم في أرض موآب وفي عصر موسى عن كوكب يبرز من يعقوب، وأن أيوب الذي عاش قبل عصر إبراهيم تكلم عن فاديه الحي، وإن يهوداً رجالاً أتقياء من كل أمة تحت السماء كانوا ساكنين في أورشليم وكانوا في كل حين منتظرين زلزلة السموات والأرض ( ولو بهيئة طبيعية ) وإتيان المسيح مشتهى كل الأمم. فمن ذا الذي دعي " مشتهى كل الأمم " إلا الذي أتى وبذل حياته مختاراً ليحيي الأمم اللاجئين إليه جميعاً بصفة كونه حمل الله الذي يرفع خطية العالم كله ؟ هذا هو سيدنا يسوع المسيح وحده. ويقول المفسرون الحرفيون ( علاوة على ما ذكر ) أن هذه الآية النبوية تشير أيضاً إلى قلب كراسي الممالك وانزال الملوك عنها (حرفياً ) وذلك كله يحدث استعداداً لمجيء المسيح الثاني. ومن ادهش الأمور كثرة الملوك الذي انقلبت كراسيهم في هذه الأيام الأخيرة. ومشتهى الأمم المشار إليه في النبوة هو سيدنا يسوع المسيح، وهو الذي سيأتي بقوة ومجد كثير.
الفصل الرابع نبوة زكريا كهنوت المسيح ولاهوته وسلامه النبوة: هكذا قال رب الجنود قائلاً: هوذا الرجل الغصن اسمه ومن مكانه ينبت ويبني هيكل الرب. فهو يبني هيكل الرب وهو يحمل الجلال ويجلس ويتسلط على كرسيه ويكون كاهناً على كرسيه وتكون مشورة السلام بينهما كليهما " (زكريا 6: 12 و13 ). الإتمام: " من ثم أيها الإخوة القديسون شركاء الدعوة السماوية لاحظوا رسول اعترافنا ورئيس كهنته المسيح يسوع حال كونه أميناً للذي أقامه كما كان موسى أيضاً في كل بيته. فإن هذا قد حسب أهلاً لمجد أكثر من موسى بمقدار ما لباني البيت من كرامة أكثر من البيت " (عبرانيين 3: 1-3 ) " وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليهاً (متى 16: 18 ) التعليق: لنا في التعليق على هذه النبوة ما يأتي: (1) إن الله سيقيم رئيس كهنة مثل يهوشع في ملء الزمان. فكأن الله قال لزكريا: أخبر يهوشع الكاهن العظيم أنه ليس سوى رمز لرئيس الكهنة السماوي وعظيم الأحبار الأبدي الآتي، وكلم يهوشع باسم رب الجنود قائلاً: " هذا هو الرجل الغصن اسمه ومن مكانه ينبت " أي من بيت لحم مدينة داود، من المكان الذي عينه الآب لولادته فيه. إن عائلة كاهننا الأبدي الرب يسوع المسيح وإن كانت جذعاً بسيطاً في ذلك الوقت من أرض يابسة إلا أنها مع بساطتها ينبت منها هذا الغصن. والكلمة " ينبت " تدل على أنه ينبت بقوته الذاتية وسلطانه السماوي وقدرة لاهوته التي لا حدود لها. (2) كما كان يهوشع الكاهن العظيم نشيطاً في وساطته ومساعدته في بناء الهيكل هكذا يكون الرجل الغصن كاهننا الأبدي هو الباني لهيكله الروحي كما قال: " وعلى هذه الصخرة _ أبني _ كنيستي ". وقد كرر النبي قوله في النبوة " ويبني هيكل الرب " لأنه ذكرها مرتين متتاليتين ليبين لنا أن هذا الرجل الغصن مظهر مجد الرب وبركة عظمى للجنس البشري. قال بطرس الرسول:" كونوا أنتم أيضاً مبنيين كحجارة حية بيتاً روحياً كهنوتاً مقدساً " (1بطرس 2: 5 ) وقال بولس الرسول: " ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية الذي فيه كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً للرب " (أفسس 2: 20و21 ). فكنيسة العهد الجديد هيكل مقدس فيه يعلن الرب نفسه لشعبه، وفيه يعلن نوره بكلمته الطاهرة، وفيه تقدم ذبائح الصلوات والتسبيح. فالمسيح هو أساس الهيكل الجديد بل ومؤسسه بروحه القدوس وبكفارته العظمى وينعمته وشفاعته الدائمة ككاهننا الأبدي. (3) إن المسيح يحمل الجلال: عبّر النبي عن الجلال هنا أنه حمل. نعم ولكنه ليس حملاً ثقيلاً على المسيح. ولقد كان جلال المسيح في شجاعته الأدبية، في تجسده واحتماله للآلام، في محاكمته وإهانته وجلده وصلبه وموته. ومع ذلك فقد احتمل عن الأثمة وهو القدوس البار إلى النهاية. وإكليل الشوك فوق رأسه كان إكليل مجد حقيقي له:" أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده ؟" (لوقا 24: 26). هذا هو الكاهن الأعظم والممجد الذي له الرئاسة على كتفه ( كما في إشعياء 9: 6 ) ويعلّق عليه هو كل مجد بيت أبيه ( كما في إشعياء 22: 24 ) إننا نرى في تاريخ الكتاب المقدس أن مجد الكهنوت والرئاسة قد انقسم بين بيت داود وبيت هارون ولكن يسوع المسيح يحمل مجد الكهنوت والرئاسة معاً لأنه " يجلس ويتسلط على كرسيه ويكون كاهناً على كرسيه " فهو كما قال سمعان الشيخ سيكون مجداً لشعبه (لوقا 2: 32 ). وسيحمل المسيح المجد، أي يرفعه ويعليه، حتى يصير مجد البيت الأخير أعظم من مجد البيت الأول. نعم إن مجد شعب الله في ذلك الوقت كان قد زال ولكن كان المسيح سيقيمه من التراب، ويجعله أعلى من السحاب، إتماماً لمواعيد الكتاب. (4) إنه سيكون للمسيح كرسي يجلس عليه ليمارس وظيفتي الكاهن والملك. ووظيفته الكهنوتية لا تنقص من عظمة ملكه " لأنه يجلس ويتسلط على كرسيه ". فهو ككاهن يشفع فينا دائماً عند الآب، ولكنه كملك جلس عن يمين أبيه في عرش العظمة في السموات (عبرانيين 8: 1)، وله كل مجد بيت أبيه (كما في عبرانيين 3: 1-3 ). فلنا رئيس كهنة لا يوجد له نظير في العالم أجمع. ويظهر أمام عرش أبيه في السموات، وهو يدعونا أن نعد له عروشاً في قلوبنا ليجلس عليها ويستأسر كل فكر لطاعته ويشفق ويترأف بالجهال (عب5: 1و2 ) .وهو كملك يحامي عن شعبه وينقذهم من أعدائهم ليعبدوه جميع أيام حياتهم (لو1: 74و75 ). (5) وتكون مشورة السلام بين رب الجنود والرجل الغصن (أي بين الآب والابن )، مشورة ذلك السلام السماوي الذي قصد الله أن يوجده بينه وبين الإنسان بواسطة ابنه يسوع المسيح. وتكون مشورة السلام بين الكاهن والعرش أي بين وظيفتي المسيح الكهنوتية والملكية فالرجل الغصن يحمل مشورة السلام، ويؤسس السلام على الأرض، ويوجد السلام بين الأرض والسماء. إن أفكار الله من جهتنا كانت أفكار سلام ولهذا أعطى ابنه وظيفتي الكهنوت والملك ليصالح الإنسان مع الله فتمتلىء كنيسة العهد الجديد من السعادة والسلام والأمانة والأمن لأن المسيح أوجد لنا السلام بكهنوته وملكه معاً وحمانا من قوات الظلمة. (6) في كنيسة العهد الجديد يتم التحالف بين اليهود والأمم فيتحدان في المسيح:" والبعيدون يأتون ويبنون هيكل الرب ". وكما أن ملوك فارس اهتموا ببناء الهيكل وأعطوا أواني الهيكل وأثاثه (عزرا 6: 8و7: 19و20 )، وكما أن هيرودس الكبير وغيره ساعدوا في تزيين الهيكل هكذا يأتي غرباء ويبنون هيكل المسيح الروحي ويصيرون مع اليهود حجارة حية في بيت الرجل الغصن الروحي فيتعجب أقرب الناس إلى المسيح ويقولون " إنه لم يميز بيننا وبينهم بشيء " (أعمال 15: 9) ويصير كل البناء مركباً معاً ينمو هيكلاً مقدساً في الرب ويكون الجميع مبنيين معاً مسكناً لله في الروح (أفسس2: 2-22 ). وهذا يفهمنا قيمة إنباء النبي بالاتحاد الروحي العظيم بواسطة كاهننا الأبدي الأعظم. دخول المسيح إلى أورشليم بموكب ملكي النبوة: " ابتهجي جداً يا ابنة صهيون اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان " (زكريا 9: 9) الإتمام: " ولما قربوا من أورشليم ... أرسل اثنين من تلاميذه ... فمضيا ووجدا الجحش مربوطاً عند الباب خارجاً على الطريق فحلاه. فقال لهما قوم من القيام هناك ماذا تفعلان تحلان الجحش ؟ فقالا لهم كما أوصى يسوع. فتركوهما. فأتيا بالجحش إلى يسوع وألقيا عليه ثيابهما فجلس عليه. وكثيرون فرشوا ثيابهم في الطريق. وآخرون قطعوا أغصاناً من الشجر وفرشوها في الطريق .والذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين أوصنا. مبارك الآتي باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب. أوصنا في الأعالي " (مرقس 11: 1-10 ) وأيضاً متى 21:1-13 ولو 19: 28-47 ويوحنا 12: 12-17 ). التعليق: ابتدأت هذه النبوة بتقديم آيات التهاني إلى الشعب المختار بإتيان الملك، ودعتهم للفرح والابتهاج والهتاف بقدومه. وقد تمت هذه النبوة حرفياً كما ورد في البشائر الأربع. ولنا في هذه النبوة ما يأتي: (أولاً)إعلان باقتراب مجيء المسيح الموعود به " هوذا ملكك يأتي إليك ". فالمسيح قد أعطي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، وهو ملك صهيون جبل قدس الرب (مزمور 2: 6 )، وملك أورشليم التي منها خرجت كلمة الرب والتي ابتدأ شهوده بالكرازة منها. فكأن النبي يقول لأورشليم: عزي نفسك بالإيمان واستعدي لمقابلة الفادي بهتاف الفرح والسرور لأنه عادل ومنتصر على الشيطان بتخليص الجنس البشري ( أوصنا - يا رب خلّص ) . (ثانياً)إن هذا الملك السماوي موصوف في النبوة بصفات جميلة تجعله محبوباً جداً ومرغوباً ومقبولاً: (1) حاكم عادل: ومعناه أن أحكامه كلها بالمساواة وبالحق لأنه ليس عنده محاباة ولا ارتشاء. (2) محام قوي: ومعناه أنه يقف بجانب الذين يؤمنون به ويعطي شهوده كلاماً عند افتتاح أفواههم، ويمنحهم حكمة ربانية لا يستطيع خصومهم أن يقاوموها لأنه " منصور " على ابليس وعلى جميع المقاومين وعلى الموت وعلى القبر. وفعلاً قام منتصراً على الجميع بقوة لاهوته من بين الأموات. فهو الأسد الغالب من سبط يهوذا " وسيغلب ". (3) وديع: ومعناه أنه كان في صورة الله لكنه أخلى نفسه باختياره فاحتقر وأهين وخذل من الناس، ومتواضع القلب لم يؤذ أحداً ولم يتكبر على أحد. وهذه صفة لائقة بمخلص العالم ( متى 11: 29 ). وأقوى برهان على وداعته دخوله علناً إلى أورشليم راكباً ليس على جواد مطهم ولا على عربة فاخرة بل على جحش. وكان جحشاً صغيراً لم يركبه أحد قبلاً وكان التلاميذ قد وضعوا ثيابهم عليه فكان المنظر دالاً على الفقر والتواضع والوداعة والسلام في آن واحد. (ثالثاً) مملكة المسيح مملكة مجد: واسمها في العهدين القديم والجديد معاً " ملكوت السموات " لأنها مملكة روحية ليست من هذا العالم (يوحنا 18: 36-39) وأتباعه من أبناء آدم ( من أهل الأرض ) ولكن سيرتهم هي في السماء وقلوبهم وكنوزهم وآمالهم في السماء فهم كذلك ليسوا من هذا العالم. وفضلاً عن ذلك فإنها: (1) مملكة بر: إن هذه المملكة لا تؤسس ولا تتقدم بقوة خارجية أو بأذرع بشرية أو بآلات حربية جسدية بل تثبت بالبر وتنجح بذراع قوته الممدودة. (2) مملكة واسعة الأطراف: إن مملكة المسيح تثبت وتتسع باتساع الكرازة بالإنجيل وإعلان الحق في كل جهات العالم ." ويتكلم بالسلام للأمم " لأنه إله السلام ولأنه لما جاء كرز بإنجيل السلام " للبعيدين والقريبين " في كل الأرض:" المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ". (3) ملكوت المسيح هو مقياس السلام:بمقدار ما يتغلب ملكوته على عقول البشر ويسود السلام بينهم وتقتل كل عداوة ويبيد الشر كله لأن إلهنا المنصور المنادي بالسلام يقطع قوس الحرب وبسلطانه تضرب السيوف سككاً والرماح مناجل وسيتم هذا في حينه بنعمة الله. (4) تعميم ملكوته:يمتد ملكوت ربنا الفادي إلى كل أقصاء الأرض رغماً عن جميع المقاومات، ويكرز بإنجيل الملكوت في كل المسكونة، ويقبل إليه الجميع وتكون سلطته " من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض " كما سبق فأنبأ داود النبي في مزمور 72: 8. وشهود المسيح سيحملون إنجيل الملكوت من قطر إلى قطر ومن قارّة إلى قارة ومن جزيرة إلى جزيرة حتى تستنير أقاصي الأرض بنور الفادي. بيع المسيح بثلاثين من الفضة وشراء حقل الفخاري بثمنه النبوة: " فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا. فوزنوا أجرتي ثلاثين من الفضة. فقال لي الرب ألقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به. فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب " (زكريا 11: 12و13 ). الإتمام:"حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه (أي المسيح ) قد دين ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلاً قد أخطأت إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا ماذا علينا ؟ أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف. ثم مضى وخنق نفسه. فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم. فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء. لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم ". (متى 27: 3-8). التعليق: كان المسيح له المجد يشتغل مجاناً بلا أجر مع أن الفاعل مستحق أجرته. وحينما قصد يهوذا الإسخريوطي خيانته وهو سيده وعزم على الذهاب إلى رؤساء الكهنة ليبيعه قال له يسوع:" ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة " وكأنه قال له ضمنا (إذهب فاتفق حسب شهوة قلبك أيها الخائن اللئيم مع رؤساء الكهنة الظالمين ) فذهب مسرعاً بعين غليظة وفعل ما كان عازماً عليه. وقد قدّر الكهنة ورؤساؤهم ثمن المسيح فجعلوه ثلاثين من الفضة. اشتغل المسيح بينهم مدة ثلاث سنين ونصف سنة راعياً ومعلماً ومبشراً وقائماً بكل أنواع أعمال الرحمة ومظهراً بينهم سلطان الله الكلي ومع ذلك فقد رفضوه وباعوه بهذا المبلغ البسيط الذي هو ثمن عبد (خروج 21: 32)وقد ألقيت في حقل الفخاري ثمناً للحقل. وقد تمت هذه النبوة حرفياً يوم صلب المسيح (متى 27: 9و10 ): بيع يسوع بثلاثين من الفضة، ولما ندم يهوذا وردها ولم يقبل الكهنة استردادها اشتري بها حقل الفخاري بدون شعور بأنهم بعملهم هذا تمموا النبوة (إقرأ فيليبي 2: 5-11 ). المسيح المطعون النبوة: " وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إليّ الذي ظعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره " (زكريا 12: 10 ) الإتمام: "وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات. لكن واحداً من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء. والذي عاين شهد وشهادته حق وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم. لأن هذا كان ليتم الكتاب القائل عظم لا يكسر منه. وأيضاً يقول كتاب آخر سينظرون إلى الذي طعنوه " (يوحنا 19: 33-37 ) " هوذا يأتي مع السحب وستنظره كل عين والذين طعنوه وينوح عليه جميع قبائل الأرض " (رؤيا 1: 7) " وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء. وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير " (متى 24: 30 ). التعليق: تعلمنا هذه النبوة أن أول بركة يسبغها الله على شعبه إنما هي روح التضرعات والصلوات وروحه القدوس كما قال الله لشعبه في إشعياء 44: 3 " أسكب من روحي على نسلك ". وفعلاً تم هذا بعد دخول المسيح إلى مجده في السماء (كما في يوحنا 7: 39 ) " فينظرون إلى الذي طعنوه " للحياة كما كان كل من نظر إلى الحية النحاسية يحيا (كما في العدد 21: 9 ). " إليّ " المتكلم في هذا الفصل بل في أوله هو " الرب باسط السموات ومؤسس الأرض وجابل روح الإنسان في داخله " وهو الذي ذكر عن نفسه أنه يطعن ثم يعود الطاعنون له فيتوبون إليه بمرارة وينوحون عليه كما ينوح الأب على ابنه وحيده القتيل لتأكيدهم أن جريمتهم هي جريمة أمة بتمامها من أولها إلى آخرها ... وقد شبه النبي نوحهم بنوح النائح على بكره. وشدة هذا التشبيه تظهر في نوح المصريين على أبكارهم الذين وقعت عليهم عاشرة الضربات (خروج 11: 6 ). وقد ابتدأ إتمام هذه النبوة من ذات الوقت الذي كان فيه المسيح معلقاً على الصليب:" وتبعه جمهور كثير من الشعب والنساء اللواتي كنّ يلطمن وينحن عليه ... وكل الجموع الذين كانوا مجتمعين لهذا المنظر لما أبصروا ما كان رجعوا وهم يقرعون صدورهم " (لوقا 23: 27و48 ). وهذه التوبة التي أعلنها بعض أفراد الأمة يوم الصلب إنما كانت رمزاً إلى التوبة العامة التي سيعلنها كل الشعب بنوح مر حينما يبصرون الفادي " رَبّ الْمَجْد " آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. |
جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.