تأملات في سفر الأمثال |
القسم الثانى 10 - 24أمثال سليمان الحكيم الأصحاح العاشر نحن مقبلون الآن على القسم الثاني من السفر، وبه ندخل في الجزء الأمثالي بالمعنى الأدق. قبل ذلك كنا نستمع إلى تحريض الحكمة لندخل البيت ونستفيد من مجموعة الإرشادات التي ضُمت معاً لإنارتنا فيما يتعلق بالسلوك المُرضي في جميع الظروف. ومن هنا تحاول الحماقة أن تجذبنا وتقصينا بصوتها الخادع الفاتن. وطوبى للإنسان (وخاصة الشاب، إذ يجب أن نذكر مرة أخرى أن هذا السفر هو لهداية وإرشاد الشاب) الذي يرفض صوت الحماقة وينجذب لصوت الحكمة، فيحاول أن يخصص لنفسه كل ما هو مدوّن هنا. وحيث أن الكتاب المقدس حافل بالأمثلة التشبيهية لكل مثل تقريباً من الأمثال التي نحن مقبلون على التأمل فيها، لذلك سنشير في مذكراتنا هذه إلى الأشخاص أو الظروف التي تعلن المثل موضوع التأمل وتوضحه. ونقصد من وراء ذلك أن يتأثر القارئ بملء وغنى كلمة الله، ثم بالكيفية العجيبة التي تربط كل جزء فيها بسفر الأمثال. 1 أمثال سليمان - الابن الحكيم يسر أباه والابن الجاهل حزن أمه. تُطالعنا هذه الكلمات بالمفتاح، الذي سوف يشار إليه بين وقت وآخر خلال السفر كله، وسيشار إليه في الأصحاح الأخير. الابن الذي يتصف بالحكمة يجعل أباه فرحاً، كما نرى في حالة سليمان نفسه (1أي12:22،2أي 7:1-12). ومن الناحية الأخرى نرى أن الأم هي التي تحس أكثر من غيرها بحماقة ولدها. انظر عيسو (تك26،27). 2 كنوز الشر لا تنفع أما البر فينجي من الموت. لم يتخلَّ الله عن كرسيه كالحاكم الأدبي للمسكونة، ومن هنا الحصاد يتبع الزرع، كما أن الليل يعقبه النهار. «حجلة تحضن ما لم تبض (كذلك) محصل الغنى بغير حق. في نصف أيامه يتركه وفي آخرته يكون أحمق» (أر11:17). ومن الجهة الأخرى فإن البر - مهما تألمنا لأجله في عالم كهذا - «ينجي من الموت»، كما نجا نوح ومن معه من الموت في حادث الطوفان، وكما نجا كثيرون من الحوادث الأخرى. وسفر استير يصور لنا عدم نفع كنوز الشر في هامان، كما يصور كيف ينجي البر من الموت في مردخاي. 3. الرب لا يجيع نفس الصديق ولكنه يدفع هوى الأشرار. ليكن من أمر الظروف الخارجية ما يكون، فإن نفس الصديق تسمو فوقها جميعاً، ولديها من الأسباب ما يدعوها للفرح في وسط التجربة. أما الأثمة فليست لديهم ثقة كهذه، وهواهم (أي رغبتهم) يؤخذ منهم في لحظة، حينما يبدو أنهم يوشكون أن يستمتعوا بهذا الهوى وهم مستريحين. وهاهي أنشودة النصرة لحبقوق خير مثل على الشق الأول (حب17:3-19)، كما أن مصير الغني الغبي يمثل جزء الصورة الأخير (لو16:12-21). 4. العامل بيد رخوة يفتقر، أما يد المجتهدين فتغنى. إن الكتاب لا يساند الكسل، لكنه يوصي المسيحي أن يكون أبداً نشيطاً في غيرته. وأولئك بين التسالونيكيين الذين كانوا بلا ترتيب، نسوا هذه القاعدة (2تس7:3-12)، ؟فكتب لهم الرسول محفزاً إياهم «أن يشتغلوا بهدوء ويأكلوا خبز أنفسهم». إن الإيمان والكسل لا يمتزجان أحدهما بالآخر. وما يصفه الناس أحياناً بأنه إيمان، إنما هو في الواقع إدعاء. فإن الاجتهاد هو الرفيق الصحيح للإيمان، كما نرى بكيفية جميلة في راعوث الموآبية التي أخذت مكان الفقير والغريب بين الحصادين في حقل بوعز فارتفعت في الوقت المناسب (را 2-4). 5. من يجمع في الصيف فهو ابن عاقل ومن ينام في الحصاد فهو ابن مخز هذا مبدأ ثابت يصدق على الزمان والأبدية. فإن انتهاز الفرصة واستغلال الوقت ينبئ عن حكمة، وإهمالها برهان الغباوة الحاضرة والهوان في المستقبل. ومن الأهمية بمكان أن يقدِّر الإنسان القيمة الحقة للفرصة الممنوحة له من الله. «مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة» (أف16:5). ولينتبه العامل في كرم الرب إلى هذه الكلمة؛ فالفرصة الحاضرة هي الوقت المناسب لجمع الحزم الغالية التي ستكون مبعث فرح في يوم الحصاد القادم على عَجَلْ! والذي ينام في فترة الحصاد الحاضرة سوف يجني الخجل والخسارة أمام كرسي المسيح. ويا له مثلاً حياً على النشاط والاجتهاد نجده في بولس طوال حياته، لقد كان في نشاط لا يتوقف واهتمام بالنفوس الثمينة. كما أن ديماس، وقد افتتن بمحبة العالم الحاضر، يعطينا صورة الشخص الذي يمضي لكي ينام ويترك الخدمة لأيدي أخرى، ومن الأسف أن عاره باق إلى اليوم (2تي10:4). 6. بركات على رأس الصديق. أما فم الأشرار فيغشاه ظلم 7. ذكر الصديق للبركة واسم الأشرار ينخر (أو يُبلىِ). إن التقدير المتباين بين الأبرار والأشرار في الحياة لا يختلف عن تقدير ذكراهم بعد الموت. انظر إلى بولس في 2تيموثاوس17:4، حيث نجده واقفاً يحاكَم أمام نيرون الذي يصفه «بالأسد»، والذي أُنقذ يومئذ من فمه. فإنه على الرغم من وحدته والازدراء الواضح به، فإن البركات كانت تتقاطر على رأس عبد الرب البطل المغوار. ومن الجهة الأخرى انظر كيف كان الظلم يغشى فم مضطهده، تاركاً إياه بلا عذر أمام محكمة الناس والله. ومع أن كليهما قد مضى من المشهد، ولكن لتكن الأجيال شاهدة على ذكر كل منهما؛ أيهما بلى ذكره؟ وأيهما بقى ذكره مبعثاً للشكر؟ 8. حكيم القلب يقبل الوصايا وغبي الشفتين (أو الغبي الثرثار) يُصرع. تبدأ الحكمة كما رأينا بمخافة الرب. والذين يتدربون هكذا، هم على استعداد أن يتقبلوا وصاياه. وفيما يتعلق بالمسيحي، فهذه هي الطريقة التي بها يُظهر محبته للمسيح. أما الأحمق الثرثار،الذي يظن في نفسه الحكمة، كأنه لا يعوزه تعليم وتأديب، فلابد أن يتعلم من الحزن القادم. وفي نبوخذ نصر وبيلشاصر نرى المتناقضين. (دا 18:5-23). 9. من يسلك بالاستقامة يسلك بالأمان (أو بأمان) ومن يعوج طرقه يُعرّف. إن السلوك باستقامة، معناه السير مع الله. ومهما يكن من سوء فهم في بعض الأحيان، فإن الصدّيق الذي يعيش بالاستقامة، سيرى أنه سلك في أمان. إن أهل العالم يعترفون بأن "الأمانة أحسن سياسة". أما بالنسبة لرجل الله فإن الاستقامة ليست سياسة، لكنها بهجة قلبه. وبالاستقامة يحمل الناس الأشرار على الاعتراف بأن طرقه فوق مستوى الشبهات كما نرى في يوسف بعد امتحانه العنيف (تك40،41). وعلى العكس تماماً، المنحرف الطرق، فمع أنه يسترها إلى حين، فلا بد أن تُكشف في آخر المطاف. انظر قضية صيبا (2صم1:16-4؛24:19-27). 10. من يغمز بالعين يسبب حزناً والغبي الشفتين يصرع. منذ القديم كان الغمز بالعين معناه تكذيب ما تفوه به الشفتان. فذاك الذي أقواله تناقض نياته، هو سبب حزن للآخرين، وسوف يُصرع هو نفسه. ولقد كانت قبلة يهوذا تصرفاً من هذا النوع. ولنلاحظ أن الجملة الأخيرة هنا تماثل الجملة الأخيرة في ع8. 11. فم الصدّيق ينبوع حياة وفم الأشرار يغشاه ظلم. الصدّيق هو البار وحينما تكون الحياة بحسب البر، فإن أقوال الفم تكون بركة وإنعاشاً للآخرين. والإهمال في هذه الناحية كان سبباً في أن كثيرين ممن حاولوا أن يخدموا الإنجيل فقدوا القوة المطلوبة، وتجردت خدمتهم من الثمر. فإن شهادة الشفتين تسندها شهادة الحياة. ومن هنا، السبب في نقص القوة وانعدام النفع. ليس كافياً أن يُستخدم «الكلام الصحيح» - مجرد الكلام الصحيح - ليكون للبركة. أما إذا صدر هذا الكلام الصحيح من قلب له شركة مع الله، تؤيده شهادة طرقه التي في المسيح، حينئذ يثبت أن ذلك الكلام هو ينبوع حياة للسامعين العطاش بحق. وهكذا كانت خدمة صموئيل في الأيام المظلمة عقب موت عالي. (قابل الجملة الأخيرة مع الجملة الأخيرة في ع6). 12. البغضة تهيج خصومات والمحبة تستر كل الذنوب. إن الرسول بطرس قد اقتبس الشق الأخير من هذا العدد حيث نقرأ «ولكن قبل كل شيء لتكن محبتكم بعضكم لبعض شديدة لأن المحبة تستر كثرة من الخطايا» (1بط8:4). وليس المقصود من هذا العدد، كما يزعم البعض في جهالة، أن الإحسان من جانب الشخص المذنب أمام الله، يكفر عن تعدياته، وهكذا يسترها في يوم الدينونة، بل المقصود هو أنني مدعو أن أستر وأغطي غلطات الآخرين لا غلطاتي. وليس عن طريق عدم الاكتراث بالشر، بل عن طريق معالجة أخي بإطلاعه على خطيته في أسلوب المحبة والنعمة، ومحاولة تدريب ضميره في حضرة الله، حتى يعترف، وبذلك تستر الخطية. ولكن إذا انعدمت المحبة، فمن المألوف أن يقوم الإنسان بدور النمام، الأمر الذي لا يؤدي إلا لمضاعفة الشر، لأن ترديد الخطية يدنس، وينتهي غالباً إلى سوء تفاهم وتعاسة طول العمر. وفي دواغ الأدومي نرى صورة البغضة التي تهيج الخصومات (1صم22). وفي تصرف ناثان مع داود نرى صورة محبوبة جميلة للمحبة التي تستر (2صم12). 13. في شفتي العاقل توجد حكمة، والعصا لظهر الناقص الفهم. لست أظن أن هذين الشقين قد تمثلا على أضبط وجه أكثر مما تمثلا في سليمان نفسه وابنه رحبعام، فيما أصدرا من قرارات. فالأول إذ قد تدرب في حضرة الله، حصل على قلب حكيم وفهيم (1مل3). أما الآخر فإذ وثق في حكمته واعتمد على نصيحة رفاقه الأحداث، فإنه وجد أخيراً عصا لظهره (1مل12). 14. الحكماء يذخرون معرفة أما فم الغبي فهلاك قريب. ليس من يلمس إمكاناته بكل وضوح مثل الحكيم الحقيقي. فإن التواضع والرغبة في التعلم على أيدي من هم كفاة للتعليم، هو الطابع الذي يميز الحكماء. لكن غرور الحمقى لا يعرف حدوداً وبأفواههم يكشفون هذا الغرور في آذان جميع الناس ذوي الرأي السليم. وثرثرتهم إنما تؤدي بهم إلى الهلاك. لقد تتبع تيموثاوس «منذ الطفولية» طرق الحكماء (2تي3). بينما سلك عليم الساحر طرق الحماقة والثرثرة (أع13). 15. ثروة الغني مدينته الحصينة. هلاك المساكين فقرهم. وليعلم الأغنياء أن غناهم للزمان، وفي وقت السلام فقط، لأنه «لا ينفع الغنى في يوم السخط» (ص4:11)، وليعلم الاخوة الفقراء أن الفقر المادي لا يؤثر على مجد المستقبل. انظر الغني ولعازر (لو16). 16. عمل الصديق للحياة، ربح الشرير للخطية. هذا هو أسلوب العهد القديم في تقرير الحقيقة التي نتعلمها من رو 6:8 وهي أن «اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام»؛ أي أن التفكير بالعقلية الجسدانية، نتيجته موت، بينما التفكير الروحي نتيجته حياة وسلام. والصدّيق هو الشخص الروحي، وجهده واهتمامه هو بحسب فكر الله، ومن ثم يؤدي إلى حياة. بينما كل ما ينتجه الشرير ليس إلا خطية في نظر القداسة الكاملة، لأن الخاطئ مثل نبع مسموم، قد يعطي ماءً بارداً براقاً، لكن عاقبته مرعبة وقاتلة. وها نحن نرى أول من قدّما قرابين وذبائح؛ قايين وهابيل، وهما يمثلان هاتين الحقيقتين (تك4). 17. حافظ التعليم هو في طريق الحياة ورافض التأديب ضال. عندما يتعلم الإنسان ألا يثق في ذاته. بل يعتمد فقط على كلمة الله التي لا تخطئ، والتي كشفها الروح القدس؛ عند هذا فقط، تسير قدماه في طريق الحياة. ولاحظ أن الإشارة هنا ليست إلى الحياة الأبدية أو الخلاص الأبدي، بل إلى طريق الحياة التي تعينت سبيلاً لكل أولاد الله. ومثل هؤلاء لا يرفضون التأديب أو التوبيخ. وإنه لإشفاق عظيم من أخي القديس أن يوجّه انتباهي إلى أي جزء من حق الله، أكون قد فشلت في تنفيذه عملياً في حياتي. إذاً، فياليتني أتقبل التقويم بسرور لكي أبقى بمنجاة من إهانة ذاك الذي افتداني لنفسه. لقد رفض شاول التوبيخ فضاع ملكه (1صم23:15). أما داود، ففيه نرى، بغض النظر عن سقوطه أحياناً، قديساً اتصف بحفظ التعليم، ومن ثم سار في طريق الحياة. 18. من يخفي البغضة فشفتاه كاذبتان ومشيع المذمة هو جاهل. الرياء، والنميمة، كلاهما بغيض. والتظاهر بالمحبة والصداقة، بينما القلب يحترق بنار البغضة، وإشاعة أقاويل شريرة، أمران يستوجبان اللوم العنيف والتوبيخ القاسي. وإنه لأمر محزن أننا لا نجد بين القديسين اهتماماً خاصاً للقضاء على هذه العادة الذميمة، فإن الرب كثيراً ما أعلن في كلمته كراهيته لتلك الرذيلة الممقوتة بعبارات واضحة. وقد جاء في الشريعة «لا تسع في الوشاية بين شعبك» (لا16:19). قد تكون الحكاية صحيحة، غير أن ذلك لا يعفي الواشي. فإن أخطأ أخ أو أخت، فهنالك طريقة لمعالجة الأمر أفضل من إذاعة خطئه أو خطئها في أرجاء المحلة. والرب يرسم لنا معالم الطريقة التقوية للعلاج «لا تبغض أخاك في قلبك. إنذاراً تنذر صاحبك. ولا تحمل لأجله خطية» (لا17:19). هذا شيء فاحص وخطير حقاً. أما إذا كانت الحكاية غير صادقة، فإنني إذا رددت الشر أكون شاهد زور. وحتى إذا كانت صحيحة، فإنني بترديدي لها أدنس الآخرين، وأضر نفس أخي المخطئ، الذي ربما كان من الممكن يتخلص من غلطته لو أنني ذهبت إليه بروح الوداعة لعلاجه. إن «الرجل اللئيم» هو الذي ينبش الشر. أما إنسان الله فيسعى لستره، إذ يقود المخطئ إلى التوبة والحكم على الذات. لقد كان تصرف يوآب مع أبنير (2صم27:3) مثلاً على الطابع المرسوم في الحالة الأولى، وهو إخفاء البغضة بشفتين كاذبتين، بينما الذين اتهموا أرميا، يصورون الحالة الثانية وهي الجهل في إشاعة المذمة (أر11:37-15). 19. كثرة الكلام لا تخلو من معصية أما الضابط شفتيه فعاقل. إنه لأمر عجيب أن يفرد الله في كتابه جزءاً كبيراً لموضوع الكلام. إن التحفز للكلام قلّما يوجد حيث لا تزحف الخطية. وضبط الشفتين، وإن كان مسألة عسيرة في الغالب، إلا أنه جزء من الحكمة الصحيحة. ورسالة يعقوب تخصص أصحاحاً بجملته (ص3) لموضوع "اللسان". ذلك العضو الصغير الذي لا يضبط. على أن إنسان الله يزن أقواله، ذاكراً أنه سيعطي حساباً عن كل كلمة بطالة، متذكراً القول «بكلامك تتبرر وبكلامك تدان» (انظر جا1:5-7). 20. لسان الصدّيق فضة مختارة. قلب الأشرار كشيء زهيد. هنا نرى القلب واللسان كمترادفين، لأن أحدهما يتحكم في الآخر. فإن لسان الصدّيقين ينبئ عن قلب خاضع لله. فأقواله ذات قيمة. أما قلب الأشرار فتكشف عنه أحاديثهم الباطلة المعوجة. هكذا كانت الحال مع سيمون الساحر، بينما توبيخ بطرس له يرسم لسان الصدّيق الذي هو فضة مختارة (أع 23:8). 21. شفتا الصدّيق تهديان كثيرين أما الأغبياء فيموتون من نقص الفهم. إن أحاديث الصدّيق، ليست فقط خالية من الحماقة وأقوال النميمة، بل هي أيضاً نافعة إيجابياً؛ إن تكلم الصدّيق فللبنيان، إذ يتبارك الآخرون لأن شفتيه تطعمان كثيرين. ولكن الأمر ليس هكذا مع الأغبياء. فحديث الجاهل الغبي تافه، عديم القيمة ينقصه الفهم لكي يتعلم من القادرين على التعليم. ومرة أخرى يعرض للذاكرة صموئيل وشاول؛ فقد كانت كلمات الأول وسيلة بركة للألوف، لكن شاول الشقي الذي مسحه، فشل في أن يستفيد لنفسه فمات في غباوته (انظر أيضاً ع31،32). 22. بركة الرب هي تغني ولا يزيد معها تعباً. في يمين الرب «نعم إلى الأبد» (مز11:16). وغباوة لا يعبر عنها، تلك التي تقود الإنسان للتحول عن الرب وعن الغنى الذي لا يستقصى الخالي من الحزن والوجع (1تي10:6)، إلى التوافه والأباطيل التي يقدمها العالم والشيطان، والتي لا تترك في آخر المطاف سوى الألم وخيبة الأمل! إن بركة الرب لنا هي في طريق الطاعة. ومن أسف أنه حتى المسيحيون يفقدونها بسبب التساهل وعدم الاكتراث بالشر العملي والتعليمي. ومثل هؤلاء سوف يلومون أنفسهم لا محالة، لأنهم إذ يسيرون بنور نارهم والشرار الذي أوقدوه، في الوجع يضطجعون (إش11:50). لكن ليس المعنى أن بركة الرب تكفل عدم الضيق في عالم كهذا، بل أنه مهما تكن التجربة، فإن المؤمن يستطيع أن يتقبل كل شيء من يد الرب المحب، وهكذا لا يعرف الحزن. لقد دخل حبقوق وبولس بدرجة كبيرة في البركة التي يتكلم عنها صاحب الأمثال هنا (حب3، في4). 23. فعل الرذيلة عند الجاهل كالضحك. أما الحكمة فلذي فهم. إن الشيء الذي ينفر منه العاقل خائفاً، يمارسه الأحمق، ليس فقط بسرور، بل وبلذة إيجابية شيطانية. أما ذو الفهم، الذي يسيطر خوف الرب على قلبه وذهنه، فيتصرف بحكمة بطريقة كاملة. وقد كان بلعام من ذلك الصنف غبياً أحمقاً، بينما كان فينحاس رجلاً ذا فهم، استطاعت حكمته أن تمنح نعمة الرب (عد 31،25). 24. خوف الشرير هو يأتيه وشهوة الصدّيقين تُمنح 25. كعبور الزوبعة فلا يكون الشرير (أو هكذا الشرير لا يكون)، أما الصدّيق فأساس مؤبد. إن هذين المثلين هما في الواقع مثل واحد، يوازن بين انتظار ونهاية الصدّيقين والأشرار. فالشرير مهما تظاهر بالشجاعة، ففي قلبه خوف يفزعه دائماً ويقلقه من الكارثة المقبلة. إنه، وبحق، يخشى المستقبل لأن الدينونة التي لا ترحم هي نصيبه. أما شهوة الصدّيقين فمن المؤكد أنها تمنح لهم بركة إلى الأبد. إن الشرير سرعان ما يمضي فلا يكون، كما تمر الزوبعة مستعجلة. وليس معنى هذا فناء الشرير، بل إنه يمضي من الأرض إلى أبدية مظلمة مليئة بالحزن. أما الصدّيق فأساسه أبدي، هو حق الله الذي لا ينتهي. ولنا في دانيال والمشتكين عليه تصوير لكل من الصدّيق والشرير، ونهاية كل منهما (دا 6، انظر أيضاً متى24:7-27). 26. كالخل للأسنان وكالدخان للعينين كذلك الكسلان للذين أرسلوه. كما أن الحامض القوي يجعل الأسنان تضرس، وكما أن الدخان يلهب العينين، هكذا هو أمر يهيج كثيراً جداً، أن تضع ثقتك في شخص لا يعبأ بنجاح أو فشل مهمته. وكم أثبت مبعوثو الرب أنهم كسالى، إذ يداعبون العالم ويتحولون إلى التوافه، عوض أن يواصلوا طريقهم بعزم القلب. (انظر لوقا20:19-26 عن العبد غير الأمين). 27. مخافة الرب تزيد الأيام، أما سنو الأشرار فتقصر. 28. منتظر الصدّيقين مفرح أما رجاء الأشرار فيبيد. 29. حصن للاستقامة طريق الرب، والهلاك لفاعلي الإثم. 30. الصدّيق لن يزحزح أبداً والأشرار لن يسكنوا الأرض. مرة أخرى، في الأربعة الأعداد هذه، نرى موازنة بين الصدّيقين والأشرار، سواء في الزمان الحاضر، أو في المستقبل. إن مخافة الرب تطيل العمر الآن، لأن عدم تبصر الأشرار وآثامهم تحطم كيانهم الجسماني وتقصر أيامهم. وفي الأبدية ستكون البهجة هي رجاء الصدّيقين الذي يتحقق لهم، بينما الانتظار الباطل الذي يراود أذهان الأشرار يبيد، ونصيبهم دينونة أبدية. إن القوة تكمن في طريق الرب، والهلاك والويل هما لأولئك الذين يطأون طريق الخطية. في الدهر الآتي سوف يبقى نصيب الصدّيقين، إنهم لا يتزحزحون. أما فاعل الشر فلا ميراث له في الملكوت المجيد الذي سيقام يومئذ. ففيما يتعلق بالعالم الحاضر والمستقبل لن يكون الأثمة رابحين بل خاسرين إذ أنهم بعناد يرفضون كلمة الحياة. بينما «التقوى نافعة لكل شيء، إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة». وكم ذا من شهود على كلا الجانبين يؤيدون هذه الحقائق الخطيرة؛ قايين وهابيل، نوح وعالم ما قبل الطوفان، إبراهيم وعشيرته الوثنية،اسحق وإسماعيل، يعقوب وعيسو، يوسف والمشتكون عليه؛ كل من ذكروا في أول أسفار الكتاب، وعدد كبير في الأسفار الأخرى، يشهدون على التناقض الكبير الذي تعززه شهادة الاختبار في كل العصور. ويختم الأصحاح بمثلين آخرين عن اللسان، وهما مترابطان معاً: 31. فم الصدّيق ينبت الحكمة. أما لسان الأكاذيب فيقطع. 32. شفتا الصدّيق تعرفان المرضى وفم الأشرار أكاذيب. لقد رأينا فيما سلف طريق الفريقين ونهايتهما. ومرة أخرى نتعلم عن الفارق في أحاديثهما التي تكشف عن حالة القلب. فالحكمة، والكلام المقبول المرضي، تصدر من شفتي الصدّيق مثل مجاري رقراقة من نبع نقي. لكن الأكاذيب تنساب مثل تيار نجس من لسان شرير، ولسوف تسكتها الدينونة العتيدة. هوذا إيزابل أخطر المعالم التي تفسر وتعلن حقيقة هذه الكلمة فيما يتعلق بالأشرار. أما إيليا الذي أبغضته، فهو المثل الحلو على الجانب الآخر. الأصحاح الحادي عشر الموضوع الذي يعالجه أصحاحنا هو المفاضلة بين البر والإثم، الاستقامة والشر، وهو نفس موضوع الجزء الأكبر من الأصحاح السابق. كأن الله قد شاء في عجائب نعمته أن يستغل كل فرصة ليحذر الشبان وغير المختبرين، من المخاطر والأحزان والمتاعب التي سوف يتعرضون لها عندما يتمرد القلب ضد كلمته، وليضع أمامهم البركات والمباهج التي ينالونها بالخضوع للحكمة والحق، سواء في النواحي الزمنية أو الروحية. 1. موازين غش مكرهة الرب، والوزن الصحيح رضاه. إن إلهنا يريد أن ينظم موازين الأرض على قياس موازين القدس. فإن الكمال المطلق هو ما يسره تعالى. فإن ميزان الغش ينبئ عن انعدام استقامة القلب. قد لا يكون الإنسان على دراية بالخطأ. ولكن حيث توجد مخافة الله قدام العينين فإن الإنسانيعمل له حساباً، فيتمم كل صفقة وكل عملية في حضرته تعالى. إنه لأمر خطير أن يتبع المسيحي أساليب العمل السائدة في العالم اليوم. وكم من الهوان نجلبه على اسم المسيح حين تُكتشف هذه الأساليب! ويحسن بنا أن نستعيد كثيراً ما كتب في الناموس «لا يكن لك في كيسك أوزان مختلفة كبيرة وصغيرة. لا يكن لك في بيتك مكاييل مختلفة كبيرة وصغيرة. وزن صحيح وحق يكون لك، ومكيال صحيح وحق يكون لك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك» (تث13:25-15). هكذا كان مقياس الله لشعب أرضي. فكم هو مخزٍ أن يقل مستوى الشعب السماوي عن هذا المستوى! قد يبدو أمراً هيناً أن تنقص قطعة القماش شبراً أو بوصة، وقد يقل وزن السلعة بعض الجرامات، وقد يحاول الشخص أن يهدئ ضميره بالقول: "هذا هو الأمر الشائع والناس لا يتوقعون غير ذلك". ولكن هذه التعليلات والتأويلات إنما تنبئ عن أخلاق سقيمة وضمير منحرف. إن رجلاً نظير زكا ليجعل هؤلاء يخجلون (لو8:19). 2 تأتي الكبرياء فيأتي الهوان، ومع المتواضعين حكمة. ليس في نظر الله ما هو أبغض من الكبرياء من جانب خلائقه الذين ليس لهم مطلقاً ما يفتخرون به. وهذه هى سقطة إبليس، تعظم الذات وهي التي نكرهها إذا كانت في الآخرين، أما فيما يتعلق بنا، فسرعان ما نتجاوز عنه. وفي كل الأحوال فإن هذا الوضع ينبئ عن عدم التذلل والحكم على الذات قدام الله. لكن التواضع، تواضع القلب، هو برهان الحكمة الصحيحة. إنه ينبئ عن شخص تعلم أن يدين نفسه بحق في حضرة الله. وفي نبوخذنصر تصوير للجانبين المتقابلين (دا 4). 3. استقامة المستقيمين تهديهم واعوجاج الغادرين يخربهم. حيث يكون هناك عزم القلب للسلوك في الحق، فإنه يمكن الاعتماد على روح الله للهداية والإرشاد. أما إذا كان القلب غادراً فلابد من التحطم والهلاك. إن المبدأ المرسوم هنا، هو على غاية من الخطورة لأنه يتغلغل في كل مراحل طريق المؤمن وخدمته. إن ما يعوز جماعات القديسين ليس هو الذكاء بقدر ما هو الكمال واستقامة القلب. قد نرى تكريساً صادقاً للمسيح، وإلى جانبه قليل من معارف الكتاب، ومع ذلك نرى مقدرة كبيرة على تمييز الأمور المتخالفة واستخدام القليل الذي بين يدي القديس لمجد الله. ومن الناحية الأخرى قد نرى ذكاء لامعاً وبجانبه عدم اكتراث شنيع وغدر في القلب، مما يؤدي في النهاية إلى الانهيار الروحي الأدبي. إن الضمير المرهف الخاضع لقيادة كلمة الله وروحه، هو الأمنية الكبرى (قارن عوبديا وآخاب في 1مل 3:18، 25:21). 4. لا ينفع الغنى في يوم السخط أما البر فينجي من الموت. خاوية وباطلة هي ثقة الغني في غناه في يوم الغضب. سواء يوم يقضي الله على حياته على الأرض، أو يوم يصب جام غضبه كاملاً على الأموات الأشرار (انظر رؤ12:6-17،12:20-15). إنما البر وحده هو الذي ينجي من الموت؛ البر المحروم منه الإنسان في حالته الطبيعية. على أنه إذا صدّق شهادة الله بالإيمان، وبذلك حُسِب باراً في عيني الله، فإن البر العملي يصدر من الطبيعة الجديدة الممنوحة له بالولادة الثانية. إن نوحاً، وقد وُجد باراً حين انغمس العالم في الظلم والفساد، هو صورة واضحة للحق المعلن هنا (تك6). 5. بر الكامل يقوّم طريقه، أما الشرير فيسقط بشرّه 6 برّ المسقيمين ينجيهم، أما الغادرون فيؤخَذون بفسادهم. 7 عند موت إنسان شرير يهلك رجاؤه ومنتظر الأثمة يبيد 8 الصديق ينجو من الضيق ويأتي الشرير مكانه. إن المجازاة التي هي ناموس من نواميس الله، سواء لهذا العالم أو في المستقبل، هى الدرس العظيم الذي تتناوله هذه الأعداد التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأعداد من 27 إلى 30 من الأصحاح السابق. مكتوب «الله لا يشمخ عليه. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً» (غل7:6) سواء من الجسد فسادا،ًأو من الروح حياة أبدية. ومكتوب أيضاً «الرب إله عليم وبه توزن الأعمال» (1صم3:2). لا شيء إلا ويلاحظه، الجميع ينالون مجازاة عادلة. فطريق الصديقين تنتهي بهم إلى مجد لا ينتهي، أما طريق الأثمة فإلى الحزن والويل. ومن يحاول أن يوقع الكامل في الشرك يقع هو في الشبكة التي أعدها. وليس أفضل من سفر استير في مجموعه مثلاً على ارشادات هذا القسم. كما أن اختبار دانيال مع المشتكين عليه يؤيد نفس المبدأ كما قلنا مرة. إن مجازاة عدالة الله سريعة ومحققة. وعبثا يحاول الإنسان أن يغيِّر أحكامه المقدسة العادلة فى كل معاملاته. 9. بالفم يخرب المنافق صاحبه وبالمعرفة ينجو الصديقون. ليس لدى المنافق سوى فكر واحد، وهو أن يستر وضاعته وانحطاطه، مهما تكن النتائج التي تصيب الآخرين. ومن هنا يبدو استعداده لخلق الاتهامات الباطلة وإتلاف سلام الأبرياء، لكي يتسنى له الاحتفاظ بقناع العدالة لنفسه. على أن الصديق يستطيع أن يدع كل شيء بين يدي الله، الذي بطريقته، وفي وقته المعين، سيبرر عبده. ولعل قضية امرأة فوطيفار ويوسف كانت في ذهن سليمان وهو يكتب هذه الكلمات (تك39). 10. بخير الصديقين تفرح المدينة وعند هلاك الأشرار هتاف. 11. ببركة المستقيمين تعلو المدينة وبفم الأشرار تهدم. مهما تكن خطايا الأفراد أو نزعاتهم الشريرة، فإنهم يقدّرون في مجموعهم، ولو بدرجات متفاوتة، قيمة العدالة الوطنية والمحلية. ولذلك تراهم يرحبون بالحكام الحكماء والمنصفين، لأنه بواسطة هؤلاء ترتفع المدينة، بينما الحكام الأشرار الظالمون مكروهون ومنبوذون بسبب اضطهادهم الظـالم المكشوف هكذا فرح الشعب عند سقوط أبيمالك، كما فرحوا في يوم آخر برِفعة داود (قض9، 2صم 19). 12. المحتقر صاحبه هو ناقص الفهم. أما ذو الفهم فيسكت. عندما نرى إنساناً يقصد أن يشعل الخصومة، يحسن أن يواجهه قديس قد تعلم في مدرسة ذاك «الذي إذ شُتِم لم يكن يشتِم عوضاً، وإذ تألم لم يكن يهدد؛ بل كان يسلم لمن يقضي بعدل» (1بط23:2). أما إذا قابلنا النميمة والقسوة بالاحتقار أو الغضب - ولو كانا جديرين بذلك - فنحن إنما نقدم وقوداً للهيب. أما سبيل الحكمة والبركة، فهو أن نمضي بهدوء كما فعل داود يوم سبّه شمعي بن جيرا (2صم16) ونسلّم الكل لله. (انظر شرح ص 22:20). 13. الساعي بالوشاية يفشي السر والأمين الروح يكتم الأمر. إن الوشاية، أو نقل المذمة، حتى ولو كانت صحيحة، أمر بالغ الأذى. فإذا كانت هناك غلطة، فإن إنذار المحـبة بينك وبين أخيك وحدكما، وكتمان الغلطة عن الآخرين، هو تصرف يطابق فكر الله. وبهذه المناسبة، نجد في خروج 37 كلمة ذات أهمية؛ فإن الأعداد من 17-24 تتناول صنع المنارة للهيكل، أو الخيمة. ومن بين القطع اللازمة للمنارة، مما أعده موسى، الملاقط والمنافض، كما نقرأ في ع23، حيث «صنع سرجها سبعة وملاقطها ومنافضها من ذهب نقى» وهنا أشياء ذات قيمة عظيمة وخطيرة. فما من سراج يبقى مشتعلاً طويلاً بدون استخدام الملاقط. ومن هنا رأى الله في حكمته أن يعد موسى شيئاً كهذا، قد يبدو في الظاهر بلا قيمة. قد يظنه الإنسان أمراً زهيد الأهمية؛ كيف أن النور يحتاج إلى خدمة الملقط، وكيف كان يمكن استخدام الملقط الأسود بعد ذلك. ولكن في نظر الله لا شيء بدون قيمة مما له صلة بمجد ابنه العزيز أو سعادة ورخاء شعبه. لقد كانت الملاقط مصنوعة من الذهب النقي، وهو المعدن الذي يرمز إلى المجد الإلهي، ويشير أيضاً إلى البِرّ الكامل. قد يحدث أن واحداً من قديسي الله يفقد نضارته، ولا يعود يضيء لامعاً لله، كما كان من قبل. والكاهن، ومعه الملاقط الذهبية، هو الذي عُهدت إليه هذه العملية الدقيقة الشاقة، عملية " تنفيض" السرج. «أيها الاخوة إن انسبق إنسان فأُخذ في زلة ما فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظرا إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضاً» (غلا1:6)، وبهذه الطريقة تتم عملية "التنفيض" بحسب فكر الله، ويعود نور الأخ يضيء مرة أخرى، وبأكثر لمعان. ولكن ماذا بعد ذلك؟ هل نذيع للملا غلطة الأخ ونجعلها موضوع مناقشة عامة؟ اسمع يا أخي؛ ففي أيام المنارة لم تكن هناك ملاقط فقط، بل كانت هناك أيضاً منافض (أي أواني يلقى فيها رماد السرج). وكانت هذه المنافض من ذهب أيضاً! فكان على الكاهن أن يلقي في هذه المنافض الذهبية تلك القطع السوداء القذرة التي كان قد أزالها من الفتيلة. ولو أنه جال ينشر الرماد على ملابس رفاقه الكهنة، الملابس النظيفة، فإنه يعمل على تدنيسها. إنما الواجب أن تُستر تلك القذارة في المنافض! ألا نعثر فى هذا كلنا مراراً كثيرة؟ كم من الحزن والألم كان يمكن أن يُعفى منهما الكثيرون بين الجماعات، لو أن الكهنة استخدموا المنافض! فإننا من كل جانب نسمع عن خصومات وشقاقات بسبب الوشاية، والعجيب أننا على استعداد دائماً لأن نصغي إلى ما نعلم أنه يدنس. ليت بيننا كثيرين يستطيعون مواجهة الواشي الذي يقصد أن يدنس "ويسوّد" ثياب كهنة الله القديسين البيضاء الناصعة كالثلج! (انظرص23:25). والعهد الجديد يوضح الأسلوب الإلهي لعلاج غلطة الأخ «إن أخطأ إليك أخوك فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربحت أخاك» (مت 15:18). ولو أن الاخوة رفضوا بإصرار أن يميلوا بآذانهم إلى شكايات بعضهم ضد البعض إلى أن يتم تنفيذ هذا الشرط الأول، لكانت تلك خطوة موفّقة في استبعاد الوشاية. وكان يمكن ربح إخوة كثيرين لو اقتربنا منهم في علاقتنا الكهنوتية مع الله نحن الذين نحمل في أيدينا الملاقط والمنافض الذهبية. لكن ماذا إذا رفض الأخ؟ حينئذ «خذ معك أيضاً واحداً أو اثنين»، وإذا ظل في عناده، فالإجراء الأخير هو «قُلّ للكنيسة»؛ ولكن هذا الإجراء لا يمكن الالتجاء إليه إلا بعد فشل جميع الخطوات السابقة. بهذا التصرف المطابق لكلمة الله، يمكن إعفاء أشخاص أبرياء كثيرين من الخزي والتعاسة، ويمكن استرداد كثير من الشاردين الذين غرقوا في الحمأة. وبها أيضاً يتمجد الله ويُكرم ربنا يسوع لأنه هو القائل «فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم، فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض.. . إن عَلِمتُم هذا فطوباكم إن عَمِلتُموه» (يو14:13،17). 14. حيث لا تدبير يسقط الشعب أما الخلاص فبكثرة المشيرين. إن الاعتماد الكلي على رأيك الشخصي هو منتهى الحماقة. فإنه حتى أحكم الناس وأتقاهم، كثيراً ما يقعون في أخطاء وهفوات الفطنة والفراسة، لأن العصمة حلم طالما استغرق فيه الناس (من حيث تصرفات الفرد وحده). لكن وزن الأمر في حضرة الله، وأخذ مشورة الأشخاص الذين حصلوا بالتدريبعلى الروحانية الكافية لتمييز الأمور المتخالفة؛ هو تصرف الحكمة. لقد أضاع رحبعام القسم الأكبر من مملكته يوم ازدرى بهذه الحقيقة الهامة (1مل12)، ومن أجل ذلك أيضاً تكبد الكثيرون خسائر فادحة، حين رفضوا النصيحة والمعونة. 15. ضرراً يُضرّ من يضمن غريباً، ومن يبغض صفق الأيدي مطمئن. لقد كُتبت هذه الأقوال قبل الصليب بعدة قرون لكي تحذر الناس مما لا يزال إلى يومنا علة فشل وخراب في قطاع الأعمال. فإن كفالة وضمانة الغريب تصرف كله خطورة، الأمر الذي تعلمه الكثيرون في حزن (راجع شرح ص 6: 1-5). 16. المرأة ذات النعمة تحصل كرامة والأشداء يحصلون غنى. كما أن القوة البدنية تُمكّن الإنسان من الاحتفاظ بثروته ضد الغزاة، كذلك تتبرهن قوة الشخصية، حتى في الإناء الأضعف، بقدرتها بالنعمة على الخضوع والتسليم، لا بالدفاع عن حقوقها؛ وبذلك تحصِّل كرامة. كثير من الناس يخشون أن يفقدوا إعجاب الآخرين بهم إذا تصرفوا باللطف والاتضاع. ومن أجل ذلك يلتحفون بالكبرياء والكرامة الباردة، التي إنما تجعل منهم، آخر الأمر، موضوع سخرية، إن لم يكن موضوع كراهية واشمئزاز. فلا شيء أحب وأدعى للإعجاب من الروح الوديع الهادئ، سواء في البيت أو في الاجتماع أو في معاملاتنا مع العالم. هذا يظهر بوضوح ويلمع في أبيجايل (1صم25). 17. الرجل الرحيم يحسن إلى نفسه والقاسي يكدر لحمه. الروح اللطيفة الغافرة، هي التي يمتدحها صاحب الأمثال هنا. فبهذه الروح يتبارك ويستفيد، ليس الآخرون فقط، بل صاحبها أيضاً. بينما تعود الصلابة والقسوة على صاحبهما، الذي لن يكون إلا شقياً تعساً في نفسه، لأنه بالكيل الذي به يكيّل، يُكال له. وقد كان يوآب من هذا الطراز (1مل5:2،6)، بينما نرى فى اسحق العكس (تك26). 18. الشرير يكسب أجرة غش، والزارع البر أجرة أمانة 19. كما أن البر يؤول إلى الحياة كذلك من يتبع الشر فإلى موته. 20. كراهة الرب ملتوو القلب ورضاه مستقيمو الطريق. 21. يد ليد لا يتبرر الشرير. أما نسل الصديقين فينجو. إن إلهنا يُسرّ بالمستقيمين، ولذلك فمجازاتهم محققة. وباطلاً يحاول الإنسان أن يدفع عن نفسه الدينونة القادمة بكل تأكيد، ولو تحالفوا معاً ضد عدالة القدير، فلابد أن الانتقام يتبع سبيلهم الأثيم. لكن النجاة ستأتي للصديقين في الوقت المناسب. ولنا في سنحاريب وحزقيا صورتان تعبران عن المبدأ الخطير الذي تعرضه هذه الأعداد (2أى 32). 22. خزامة ذهب في فنطيسة خنزيرة المرأة الجميلة العديمة العقل. تنافر وتناقض لا نهاية له! إن تآلف الجمال مع الفضيلة أمر محبوب جداً، كما في رفقة وأبيجايل (تك24،1صم25). أما إذا خلا من العقل، فإنه أمر محزن للغاية. راجع تاريخ إيزابل الأسود (1مل 18،19،21،2مل9). 23. شهوة الأبرار خير فقط. رجاء الأشرار سخط. إن قلب الأبرار إنما «يمتلئ بأفكار السلام لا الشر». والرب من السماء يمنحهم أكثر مما تشتهي قلوبهم «لأن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده» (رو28:8). أما انتظار الشرير فليس إلا دينونة لنفسه.. . إنه يذخر لنفسه غضباً في يوم الغضب. لاحظ ص10: 28 وانظر إرميا وصدقيا (إر16:17،1:34-3). 24. يوجد من يفرق فيزداد أيضاً ومن يمسك أكثر من اللائق وإنما إلى الفقر. 25. النفس السخية تسمن والمروي هو أيضاً يروى. هذا هو البرنامج الإلهي للزيادة والاتساع. مثل الفلاح الذي يبذر البذور على الأرض بعد انحسار المياه عنها ليحصد غلة وفيرة «بعد أيام كثيرة». هكذا الرجل العارف لصلاح قلب الله، فهو إذ يفرّق الآن إلا أنه سيحصل على زيادة حقيقية فيما بعد. بينما الرجل الذي يحاول بجشع أن يحتفظ لنفسه بكل شيء، سيجد أن تصرفه يؤول إلى الخراب التام. والروح القدس يتناول هذا الموضوع في 2كورنثوس9 كمبدأ إلهي ثابت، ويطبّقه على موضوع الإحسان المسيحي. والرسول بولس يقتبس معنى ما جاء في العددين 24،25 من أصحاحنا هذا، إذ يقول، «هذا وإن من يزرع بالشح، فبالشح أيضاً يحصد. ومن يزرع بالبركات، فبالبركات أيضاً يحصد. كل واحد كما ينوي بقلبه ليس عن حزن أو اضطرار. لأن المعطي المسرور يحبه الله» (2كو6:9،7). ثم يستطرد ليؤكد للقديسين أن ذاك الذي يلاحظ كل ما يعمل لمجده، سيقدم بوفرة لكل من يستغلون بسخاء كل ما يودع إليهم لبركة الآخرين. وقد تذوقت كنيسة فيلبي فرح هذه الخدمة، التي أدّوها للرب (في10:4-19)؟. وفي نابال، مَثَل حماقة الطمع والمشغولية بالذات (1صم 10:25،11،38) 26. محتكر الحنطة يلعنه الشعب. والبركة على رأس البائع. إن حجز السلع التموينية عن الجماهير، بينما الشعب يحتضر بسبب افتقاره إليها، وذلك طلباً للغنى بطرق خاطئة، إنما هو تصرف يستحق ما سيقع من لعنات. وقد رأينا حالة كهذه في نابال، الذي إذ كان يعيش في رخاء، رفض أن يشارك داود ورفقاؤه عندما كان شاول يطاردهم. لكن في يوسف، الذي خصص موارد مصر لصالح العالم الذي اجتاحته المجاعة، نرى التصرف الذي يمتدحه الشق الأخير من العدد. وإذا كان محتكر الحنطة تقع عليه في هذا العالم لعنات المحتضرين جوعاً، فماذا تكون الحال مع الشخص الذي، وهو يمتلك خبز الحياة، ولديه معرفة نعمة الله الغنية الكريمة، ومع ذلك لا يعنى مطلقاً بحالة الجماهير الفقيرة من كل جانب، ممن يذهبون إلى الموت الثاني، بحيرة النار؟ ومن العبث الاحتجاج بأنهم يعرفون ولا ينتبهون ولا يطيعون؛ فإن المسيحي مسئول ومطالب أن ينذر ويكرز ببشارة الخلاص، ويطلب إلى الهالكين أن يتصالحوا مع الله. ونحن مدينون لجميع الناس بسبب الكنز المسلَّم لنا. وكم سيكون محزناً حساب أولئك الذين يعيشون لأنفسهم، محتكرين الحنطة، التي فيها وحدها تسديد حاجة المحتضرين روحياً بسبب الجوع الروحي. لكن البركات على رأس أولئك الذين لهم في تقديم نعمة الله المجانية للناس، نفس الاهتمام الذي نلمسه في رجال الأعمال الذين يعملون على تسويق ما بين أيديهم من سلع. 27. من يطلب الخير يلتمس الرضا. ومن يطلب الشر فالشر يأتيه. مرة أخرى يحدثنا صاحب الأمثال عن مجازاة الله العادلة. فإن الساعي وراء الخير سوف يجازى طبقاً لأمانته في محاولة إحاطة رفاقه بالبهجة والفرح. أما صانع الأذى الذي يفرح بالإثم ويطلب خراب قريبه، فإنه هو نفسه سيخرب. ولعل اعتراف ادوني بازق خير مثال لهذا المبدأ (قض5:1-7). كما أن في كالب مثلاً على الشق الأول من هذا العدد (يش6:14-13). 28. من يتكل على غناه يسقط. أما الصديقون فيزهرون كالورق. إن أولئك الذين يصيبون نجاحاً في العالم هم عُرضة لأن يلقوا رجاءهم على «غير يقينية الغنى» ومن هنا كانت الحاجة لأن يتذكروا باستمرار سوء مصير المتكلين على أموالهم مثل ذلك الغني الغبي (لو16:12-21). إن الغنى الجدير بهذه التسمية هو الغنى الروحي لا الغنى المادي. فالمؤمن الحقيقي - وليس ذو المال - هو الغني بحق؛ إذ له غنى المسيح الذي لا يُستقصى. انظر أيضاً الرجل المطوَّب في المزمور الأول. 29. من يكدِّر بيته يرث الريح. والغبي خادم لحكيم القلب. عندي أن الرجل الذي يكدر بيته هو الذي يترك مثلاً سيئاً لأولاده الذين يأتون بعده. مكتوب عن الرب أنه في طريق القضاء يفتقد ذنوب الآباء في الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع من مبغضيه، ليس فقط من حيث توارث العلل البدنية، كما هي الحال مع ابن السكير مثلاً، الذي يولد ومعه الميل الموروث للمرض، بل أن الأولاد يقلدون طرق آبائهم السيئة التي تجلب عليهم الخراب والدمار، وهذا ظاهر جداً في قضية يربعام بن ناباط «الذي جعل إسرائيل يخطئ» (1مل12-15). إن الغبي مهما ارتفع مقامه، هو خادم لحكيم القلب. فليست المظاهر الخارجية الخلابة وأبهة المركز هي التي تجعل الإنسان حكيماً حقاً. فحينما التقى دانيال وبيلشاصر وجهاً لوجه (دا5)، وحين واجه بولس فستوس (أع24)، أيهما كان أعظم؟ 30. ثمر الصديق شجرة حياة. ورابح النفوس حكيم. شجرة حياة للهالكين، هكذا ثمر الصدّيق (أع 48:13). إن الحياة والانتعاش والفرح كلها مقدّمة للجميع ليقبل الهالك ويدخل في دائرة البركة. هكذا "يربح الحكيم النفوس". وليس المقصود هو وصف رابح النفوس بأنه حكيم (كما يُفهم من الترجمة العربية)، بل إن الحكماء الحقيقين بحسب فكر الله، يكونون قنوات بركة للآخرين، يكونون رابحين للنفوس. فالحكمة، ليست في مجرد المعرفة الكتابية، أو إدراك المبادئ الإلهية، مع ما لهذه من قيمة لا تقدر بل في القدرة على السلوك في قوة هذه الحقائق بحيث تخدم الرجال والنساء والأطفال، حتى يُربحوا للمسيح وحقه. وإزاء هذا الامتحان، ما أقل الحكماء! وواضح أن ربح النفوس، ليس هو تلك الوظيفة الرسمية للكسب المادي، إنما ربح النفوس هو علم من العلوم الإلهية، يتطلب استعداداً قلبياً حازماً في حضرة الله، ودراسة عميقة مستوفاة لحاجة النفوس وحق الله كما هو مقدم لتسديد تلك الحاجة. ومرة أخرى نرى في بولس، بين جميع رابحي النفوس، مثالاً عظيماً، حيث يقول «صرت للكل كل شيء لأخلص على كل حال قوماً» (1كو19:9-23). هذه هي الحكمة التي تعوزنا كثيراً لكي تحول الناس من سلطان الشيطان إلى الله. 21 هو ذا الصدّيق يجازى في الأرض فكم بالحري الشرير والخاطئ؟ هذه هي العبارة التي اقتبسها الرسول بطرس (ولو من الترجمة السبعينية) في رسالته الأولى، حيث يقول «لأنه (الآن) الوقت لابتداء القضاء من بيت الله فإن كان أولاً منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله؟ وإن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟» (1بط17:4،18). وبمقارنة العدد 18 من رسالة بطرس بالعدد الذي أمامنا في سفر الأمثال نجد ضوءاً كثيراً ينير الاقتباس كما استخدمه بطرس. فالمقصود بخلاص البار بالجهد، أي بصعوبة، هو خلاصه على الأرض من التأديب، وليس خلاصه الأبدي من الدينونة. وذلك أن الأبرار والأشرار هم على السواء في هذا المشهد رعايا حكومة الله. فإذا كان البار التقي لا يُعفى من التأديب، بل يُعاقَب ويُجازى هنا على الشر الذي يفعله حينما يتحول قلبه، ولو قليلاً، عن الرب، فماذا يكون الحال مع الشرير والفاسد علناً؟ إن دينونته ستكون حقاً دينونة مرعبة. ومن الناحية القومية نرى هذا في قضية إسرائيل، الأمة البارة التي عوقبت من أجل خطاياها بدرجة ما، وهكذا الحال أيضاً مع أدوم المتكبر المضطهد المتحدّي الذي أبعد عن روحه خوف الله، فقد دانه الله. وقضى عليه (اقرأ نبوة عوبديا). وإذا كان الله لا يعفي أولاده مطلقاً، إذا سلكوا بعناد في طرقهم الخاصة «لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله» (عب6:12)، فكيف يخطر بالبال أن الأشرار يقدرون أن يتحدّوا الله دون أن ينالهم عقاب! قد تُبطئ الدينونة، لكن من المحقق أنها تُنفَّذ في الوقت المعين (رو5:2). الأصحاح الثاني عشر 1. من يحب التأديب يحب المعرفة ومن يبغض التوبيخ فهو بليد. إن الشخص الذي يحب التعليم للتعليم، يقدّر المعرفة الحقة مهما يكن مجرى توصيلها؛ لأن ما يطلبه ويتمناه هو الحق ذاته، وليس القدرة التي يُظهر بها تحصيله. أما المتحذلق المدّعي، فإنه يبغض التوبيخ، ومثل البهيمة لا يقدّر قيمة التقويم (أم17:10)، هو يفضِّل مشيئته الجامحة غير الملجّمة، مهما تكن أفكاره وطرقه مضادة للتعليم الصحيح. هذا هو الطابع الذي اتّسم به العالم قبل الطوفان (أى15:22،17). ولنا في يوشيا، ملك يهوذا الفتى التقي، مثل جميل على الجانب الآخر (2أى24). 2. الصالح ينال رضى من قبل الرب أما رجل المكايد فيحكم عليه 3. لا يثبت الإنسان بالشر أما أصل الصدّيقين فلا يتقلقل. إن وجه الرب يضيء على الرجل الصالح، وذلك في طبيعة الأمور. نسله ثابت إلى الأبد. «يثبت لأن الله قادر أن يثبته». على أن الطبيعة الإلهية ذاتها، التي تجعله - تبارك اسمه - يُسرّ بالأبرار، هي عينها تتطلب دينونة رجل المكايد فإنه لا يثبت. «لا تقوم الأشرار في الدين ولا الخطاة في جماعة الأبرار». انظر حوشاي وأخيتوفل (2صم32:15،15:16-23،17 الخ). 4. المرأة الفاضلة تاج لبعلها أما المخزية فكنخر في عظامه. من الخطأ الفاضح أن نقصر كلمة «فاضلة» على فكرة العفة والنزاهة؛ فإن المرأة الفاضلة هي التي تلمع فيها كل الصفات النبيلة، كما نراها في آخر أصحاح من هذا السفر. امرأة بهذه الصفات والفضائل هي في الحق تاج لبعلها. أما تلك التي بحماقتها وكسلها تجعل زوجها يخجل ويخزى، فإنها مثل اقتراب الشيخوخة المبكرة. وازن بين سارة وامرأة أيوب (تك12:18،1بط1:3-6،أى 9:2،10). 5. أفكار الصدّيقين عدل، تدابير الأشرار غش. 6. كلام الأشرار كمون للدم أما فم المستقيمين فينجيهم. 7. تنقلب الأشرار ولا يكونون أما بيت الصديقين فيثبت. إن الأفكار الصحيحة تنشئ أقوالاً وأفعالاً صحيحة، ويجازي عنها ذاك الذي مسرته بالاستقامة. على أن للأفكار الشريرة ثمارها كذلك، في أقوال وأفعال شريرة، وهي بدورها ستنال مجازاة عادلة؛ فإن دينونة الله هي بحسب الحق، الأمر الذي سوف تعترف به أخيراً نفس كل إنسان. قارن أبشالوم وداود (2صم15-19). 8. بحسب فطنته يُحمد الإنسان أما الملتوي القلب فيكون للهوان. إن الفطنة (الحكمة)، حتى بين أهل العالم، موضع حمد وثناء، لكن روح الحماقة والبطل إنما تعرّض صاحبها للهوان. والعالم نفسه يستطيع أن يقدّر الوقار والفطنة الروحية، ولو أنه يرفضها في ذاتها، بل ويضطهدها. أما ادعاء الإنسان بالحصول على أيهما وهو محروم منه، إنما يدعو إلى الاشمئزاز والاحتقار. لاحظ اختلاف التقدير الذي قدّره لجدعون وأبيمالك رفاق كل منهما (قض7-9). 9. الحقير وله عبد خير من المتمجد (أو الذي يمجد ذاته) ويعوزه الخبز. هنالك ترجمة تضع الشق الأول هكذا "الفقير الذي يعول نفسه.. ."، والفكرة بوضوح هي أن الشخص الذي ينظر إلى نفسه كوضيع وهو يسدد حاجاته بنفسه، أسعد حالاً وأكثر غبطة من الشخص الذي يسر بمظاهر العظمة والتعالي بينما تلسعه وخزات الجوع والضيق والفقر. انظر يعقوب وعيسو (تك27:25-34). 10. الصدّيق يراعي نفس بهيمته أما مراحم الأشرار فقاسية. إن الصدّيق الحقيقي لا يستطيع أن يتصرف ضد طبيعته الجديدة، حتى فيما يتصل بالبهائم البكماء. بل إن اعتماد هذا الكائن الأبكم كلياً عليه، إنما يؤدي إلى إثارة مشاعره، بحيث أنه يعامله باللطف الخليق بالنفوس النبيلة. أما الشرير، أو الأثيم، فإنه يزداد قساوة كلما أحسّ وأدرك حقّه في أن يتحكم في الخلائق الدنيا. ذلك أن القسوة والإثم يسيران معاً. وازن بين يعقوب وبلعام (تك13:33،14،عد23:22-31). 11. من يشتغل بحقله يشبع خبزاً أما تابع البطّالين فهو عديم الفهم. الزارع المجتهد يكافأ بفيض عن أتعابه وجهوده، بينما الشخص التافه الكسول رفيق المتأنق، إنما يكشف عن فقره في الفهم. ويالها من كلمة فاحصة للشبان المسيحيين. إن كلمة الله حقل جيد جدير بالعمل فيه. وأولئك الذين يطيعون النصيحة الرسولية «اجتهد أن تقيم نفسك لله مزكى عاملاً لا يخزى مفصلاً كلمة الحق بالاستقامة» (2تي15:2)، لابد أن يكافَئوا على كل ساعة يخصصونها بشوق واهتمام واجتهاد في هذا الحقل الثمين. ولكن كثيرين بالأسف يضيّعون أوقاتاً طويلة في حماقة البطالة مصاحبين أصدقاء تافهين فارغين عالميين، مهملين كتبهم المقدسة، الأمر الذي لابد أن يتلف حياتهم الروحية. وكثيراً ما يدهش أمثال هؤلاء كيف أن زملاء مسيحيين آخرين استطاعوا أن يكتشفوا في الكتاب كثيراً من الحقائق الجديدة التي تبني النفس وليس ذلك لأنهم لا يجدون دروساً شيقة وآراءً نافعة؛ كلا، بل لأنهم غير جادّين في أن يعملوا الأرض أي يفلحوها ولو أنهم فعلوا ذلك لكانوا هم أيضاً يشبعون خبزاً. والذين يتصرفون هكذا ويستسلمون للكسل، لابد أن يتحملوا خسارة لا تقدر، سواء زمنياً أو أبدياً. لأن إهمال الكتاب هو سبب الكثير من الفتور وجمود القلب والانحراف عن الله. ولكن حين يجعلها المؤمن عملية يومية، أن "ينقب" لنفسه في الكتاب، ثم يحاول بقوة الروح القدس أن يسير في الحق الذي تعلمه؛ عندئذ يتجلى فيه النمو في النعمة وفي معرفة أمور الله. وهوذا تيموثاوس مثلاً جيداً وقدوة حسنة في هذا التصرف لكل القديسين الشبان (2تي14:3-17)، بينما نرى في يهوياقيم، الشاب الفاجر، تحذيراً خطيراً لكل الذين في خطر من سلوك الجانب المضاد الذي كنا نتأمل فيه (إر22:36-32). 12. اشتهى الشرير صيد الأشرار وأصل الصديقين يجدي 13. في معصية الشفتين شرك الشرير أما الصديق فيخرج من الضيق. إن الشرير يريد أن يحيط نفسه بالشر، وعبثاً يأمل في النجاة في يوم المجازاة، ولكن لابد أن يؤخذ بأقوال فمه، وما أفظع النكبات التي يتعرض لها! إنها أردأ وأسوأ مما لو حاول أن يتجنبها. انظر جيحزي (2مل 20:5-27). على أن الصديق يثق في الله ثقة مقدسة، ويثمر لمجده تعالى. وفي يوم ضيقه يجد عن يمينه مخلّصاً قوياً. انظر أليشع (2مل17:6). 14. الإنسان يشبع خيرا من ثمر فمه ومكافأة يدي الإنسان ترد له. رأينا كثيراً فيما تقدّم من هذا السفر مبدأ الحكم الإلهي «ما يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً»؛ وهو مبدأ لا يقدر أن يحرفه إنسان. فلابد لكل إنسان من مجازاة حسب أعماله. والمسيحي ليس فوق قانون ملكوت الله هذا، بل بالحري يحني رأسه ويعترف بعدالة القانون. (انظر مت 24:18-35). 15. طريق الجاهل مستقيم في عينيه أما سامع المشورة فهو حكيم 16. غضب الجاهل يعرف في يومه. أما ساتر الهوان فهو ذكي. نقرأ هنا عن طابعين يميّزان الجاهل، وهو الشخص الذي تعوزه الحكمة الإلهية. فهو من جهة متكبر واثق في ذاته، يأبى التقويم. ومن الجهة الأخرى لا يحتمل غلطات الآخرين، فيظهر غضبه سريعاً، مما يضاعف الجِرَاح، بدلاً من تضميدها. أما الحكيم الذكي فهو على الضد من كل وجه. إنه يقسو على نفسه، وبالتبعية يتقبل النصيحة، معترفاً برضى بأن الآخرين قد يكونون أحكم منه. ثم هو على استعداد أن يستر غلطة غيره، عوضاً عن أن ينشرها طولاً وعرضاً. انظر هذه المفارقة نفسها بين حام الذي لم يخجل من أن يقص حكاية تعرية أبيه نوح كأنه أسمى من ولي نعمته، بينما رجع سام ويافث إلى الوراء وسترا عورة أبيهما (تك9). 17. من يتفوه بالحق يظهر العدل والشاهد الكاذب يظهر غشاً. 18. يوجد من يهذر مثل طعن السيف. أما لسان الحكماء فشفاء. 19. شفة الصدق تثبت إلى الأبد ولسان الكذب إنما هو إلى طرفة العين 20. الغش في قلب الذين يفكرون في الشر أما المشيرون بالسلام فلهم فرح 21. لا يصيب الصديق شر. أما الأشرار فيمتلئون سوءا. 22. كراهة الرب شفتا كذب. أما العاملون بالصدق فرضاه. هذه الأعداد الستة تعالج موضوعاً واحداً، هو الفرق بين شفتي الصدق، واللسان الكاذب. الأخير مكرهة ذاك الذي هو نفسه الحق، والأول يسرّ به لأنه يوافق طبيعته. إن القول الحق ينبئ عن استقامة القلب، والكلام الباطل الزائف يكشف عن انعدام الحق في الباطن. والشخص الذي لا يتردد عن الكذب العمدي ينثر الألم والحزن على جانبيه، أقواله الحاقدة جارحة كالسيف، تطعن القلوب الحساسة والنفوس الرقيقة. على أن لسان الحكماء شفاء لهؤلاء وبناء. لكن يوم الحساب قادم، حينما تثبت إلى الأبد شفة الصديق، أما لسان الكذب فيمضي إلى النسيان. ويحسن بنا أن نذكر أن الغش المقصود هنا هو الغش العامد. وأنه لأمر يؤلمنا كثيراً أن نسمع أناساً مخلصين يلقون على إنسان تهمة اللسان الكاذب، لأنه تفوه بأكذوبة بسلامة نية. فقد نسمع عبارات لا تتفق مع الواقع، وهي صادقة من حيث نية المتكلم. كما قد نسمع أقوالاً صحيحة بحسب الواقع أو كحقيقة، ولكن المتكلم تفوه بها بنية التضليل. نعم فالغش في القلب هو الذي يجعل الشفتان تكذبان. لذلك لا يصح أن نتهم إنساناً بالكذب إن لم يقم الدليل واضحاً على وجود نية المراوغة. إن الصدِّيق يُحفظ من الشر على قدر ما سعى في طلب الخير لرفقائه. أما الشرير فله الدينونة بلا رحمة، لأن الله لن يسعه إلا إظهار كراهيته لكل باطل واستحسانه للحق والعدل. وازن بين نحميا وسنبلط (نح5:6-9). 23. الرجل الذكي يستر المعرفة. وقلب الجاهل ينادي بالحمق. إن الرجل التافه الأقوال هو الذي يتكلم كثيراً. أما الذكي فلن يذيع معرفته. بينما الجاهل ينتهز كل فرصة ليعلن حماقته الخاوية. انظر الفرق بين إرميا وحنانيا (إر1:28-11). 24. يد المجتهدين تسود أما الرخوة فتكون تحت الجزية. ليست الكفاية وحدها هي سبب النجاح وضمان التقدم. بل يستلزم الأمر أيضاً الجهد الدائب، وإلا فلا أثر ولا فائدة للموهبة والذكاء. فالشخص المتكاسل مهما يتوفر لديه امتياز في المواهب الطبيعية والذكاء، فإنه أدنى من الكادح الصبور. وهذا شيء ذو أهمية بالغة سواء في الميدان الطبيعى أو الروحي. وازن بين جدعون وباراق (قض11:6،12، 4:4-9). 25. الغم في قلب الرجل يحنيه والكلمة الطيبة تفرحه. يقول أيوب "ما أشد" أو "ما أقوى" (فاعلية) الكلام المستقيم، لأنه مصدر تعزية وتشجيع لمحزوني النفس ومرّي الروح. انظر نحميا وأرتحشستا (نح2:2-8). 26. الصديق يهدي صاحبه أما طريق الأشرار فتضلهم. إن الإنسان الطاهر طريقاً، والحر ضميراً، يستطيع أن يحث ويحرض قريبه بأسلوب التقوى لبنيانه ورد نفسه إلى الله، إذا كانت خطواته قد انزلقت. «الروحي يحكم في كل شيء» (1كو15:2) أو "يميز كل شئ". أما الرجل المتمرد الأثيم فلا يهتم بخير أخيه بل بالحري يهدمه. ومن هنا تكون أقواله مضللة. إن ناثان مثل للشق الأول والمرأة التقوعية الحكيمة مثل للشق الثاني (2صم1:12-14؛ 1:14-20). 27. الرخاوة لا تمسك صيدا. أما ثروة الإنسان الكريمة فهي الاجتهاد. بعض الناس يتحمسون فترة من الوقت، ولكن سرعان ما تستولي عليهم طبيعة الكسل والرخاوة التي اعتادوا عليها. وكثيرون أيضاً هم الذين يستمعون إلى خدمة الكلمة، ولكنهم يفشلون في التأمل فيها، وفي أن يخصصوا لأنفسهم ما يسمعون. هم مثل ذاك الذي يمضي إلى الحقل أو إلى الغابة متحمساً للصيد ولكنه لا يهتم بأن يستفيد بصيده. أما طريق المجتهدين فتختلف كل الاختلاف. فإن المجتهد يستخدم ما بين يديه فيفوز بأكثر، كما نقرأ في مثل الوزنات (مت28:25،29). إن راعوث التي كانت تلتقط كل يومها إلى المساء وكانت «تخبط ما تلتقطه» وهي في ذلك مثل صادق للحقيقة التي أمامنا (را17:2). كما أن العبد الذي أخفى وزنته في منديل يصور الروح المضادة (لو20:19-24). 28. في سبيل البر حياة، وفي طريق مسلكه لا موت. إن سبيل البر هو سبيل الصديقين، سبيل نور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل. وإذ هو يجتاز مشهد الموت فإنه يستمر إلى الحياة. وتلك الحياة الأبدية، هي ملك، الآن، لكل الذين دخلوا إليها من الباب الضيق (مت 13:7،14). وما يدعوه الناس موتاً - وهو بالحق كذلك لجميع الذين يسلكون في طريق الخطية - هو للبار ليس إلا نهاية لطريق تتفتح على بهجة ومجد بيت الآب. «هذا هو إلهنا إلى الدهر والأبد، هو يهدينا حتى إلى الموت» (مز 14:48). وما أسعده نصيباً لجميع الذين يسلكون طريق القداسة، مجتازين عالم الخطية، قُدُماً إلى مدينة الله! الأصحاح الثالث عشر العدد الأول من هذا القسم يذكرنا مرة أخرى بأن الحكيم هو الذي يتقبل النصح والعون قبولاً حسناً وأن الأحمق المستهزئ يأبى التوبيخ. 1 الابن الحكيم يقبل تأديب أبيه والمستهزئ لا يسمع انتهاراً. من الحكمة الحقة أن أُقرّ بأن من هو أكثر مني خبرة يقدر أن يخلصني كثيراً، إذ يعلمني من اختباراته خلال الطريق التي طرقها طويلاً، والتي هي بالنسبة لنا شيء جديد. أما الساخر الواثق في نفسه فإنه يستهين بأقوال الحكماء ولا يكترث بها، فيضطر أن يتعلم بنفسه من واقع اختباره المرير، فيسقط في شراك كان في الإمكان أن ينجو منها لو أنه أظهر القدر الكافي من التواضع، بحيث يتقبل النصح من أولئك الكفاة أن يعلموا آخرين. وازن بين اسحق (تك26) وشمعون ولاوي (تك25:34-31). 2. من ثمرة فمه يأكل الإنسان خيرا ومرام الغادرين ظلم 3. من يحفظ فمه يحفظ نفسه، من يشحر شفتيه فله هلاك. الناطق بالشر إنما يذخر لمستقبله ضيقاً وحزناً. أما الذي له نعمة على شفتيه فإنه يقيناً سيجد لنفسه نعمة وقت الحاجة. ثم إن ضبط الشفتين صون الحياة. وما الرجل الكامل إلا من يضبط لسانه (يع2:3). لكن المفتقر إلى الحكمة من هذه الناحية فإنه يجلب الهلاك على نفسه بكل تأكيد. وخير مثل لذلك هو شمعي بن جيرا الذي نقرأ فيه تحذيراً خطيراً (2صم5:16-14؛ 1مل8:2،9،36-40). أما داود الذي ضبط شفتيه، وسكت عن الدفاع عن نفسه، فهو صورة للجانب الحلو (1صم28:17،29). 4. نفس الكسلان تشتهي ولا شيء لها. ونفس المجتهدين تسمن. يردد العهد الجديد المبدأ الذي يرسمه هذا العدد «إن كان أحد لا يريد أن يشتغل فلا يأكل أيضاً» (2تس10:3). وهو مبدأ ينطبق على الأمور الروحية، كما على الأمور الطبيعية أيضاً. فالقديس، النشيط الذي يسعى وراء الحقائق الثمينة المذخّرة في كلمة الله، هو الذي يعطيه الروح القدس أن يفرح بالكلمة كمن وجد غنيمة. أما نصيب الكسلان فهو هزال النفس وعدم الشبع. قارن عزرا مع الراجعين من السبي (عز10:7، حج2:1-6). 5. الصديق يبغض كلام كذب والشرير يُخزى ويُخجل 6. البر يحفظ الكامل طريقه والشر يقلب الخاطئ. إن الحق في الباطن هو سِرّ كل بر عملي. والضلال والزيف هما بالضرورة شيء بغيض لدى السالك في طريق القداسة، لأنه يدين الإثم في نفسه، وكل همه أن يسلك سراً وجهراً قدام الله لكي يمجد اسمه في هذا العالم الذي يهان فيه بصورة مرعبة. أما المتمرد فيجعل نفسه كريهاً، تهدمه خطيته، ويناله الهوان هنا، وفى المستقبل يكون نصيبه الطرح في الظلمة الخارجية إلى الأبد. قارن بين يهوياداع وعثليا (2مل11). 7. يوجد من يتغانى ولا شيء عنده ومن يتفاقر وعنده غنى جزيل. النفاق هو طبيعة الإنسان الساقط. فذو الفقر العميق يدّعي الثراء؛ وذو الميسرة يدّعي الفقر. الخاوي اليدين يرنو إلى التوقير والاعتبار الذي يلقاه الغني؛ كما أن صاحب الثراء العريض، قد يرى سلامته في أن يعتبره الآخرين شخصاً فقيراً أو مُعدما. الأول متعجرف وخاوٍ، والأخير وضيع وبائس. أحدهما يمثل روح لاودكية (رؤ17:3)؛ والآخر يتمثل في أولئك الجبعونيين الخبثاء الذين حاولوا أن يخدعوا يشوع ورجال جيش إسرائيل (يش9). 8. فدية نفس رجل غناه. أما الفقير فلا يسمع انتهاراً. من المعترف به أن هذا العدد غامض. على أنه يبدو أن الفكرة فيه أن الغِنى مُتكَل أصحابه. ومن ثم فإن صاحب الثروة يستطيع أن يسخر متعجرفاً من الشخص الذي قد يوبخه. لكن الفقير يسحقه الانتهار، إذ لا تبقى فيه روح بعد لكي يتحدى الانتهار. وواضح أن كلا الشخصين من أهل العالم. 9. نور الصديقين يفرح وسراج الأشرار ينطفئ. إن شعلة الشهادة تضيء بأكثر إشراق كلما تغذت بزيت النعمة الذي لا يقتنيه سوى الأبرار. قد يظهر من سراج الأثمة بعض الومضات إلى لحيظة، ولكن حقيقة حالهم سرعان ما تنكشف في جلاء إذ ينقصهم الزيت، ومن هنا لابد أن يخبو نورهم. راجع مثل العشر العذارى (مت25). 10. الخصام إنما يصير بالكبرياء ومع المتشاورين حكمة. إن أقوى دليل على وجود الكبرياء الماكرة في كل النواحي، هو الخصومات العديدة المُرّة بين القديسين أفراداً، وبين الجماعات التي تجتمع باسم المسيح ؟؟؟؟!! ذلك أنه بالكبرياء فقط تقع الخصومات والمنازعات. فمن الخير أن نحفظ في بالنا هذه الكلمة الخطيرة. فلو حكمنا على الكبرياء واعترفنا بخطيتها قدام الله بصراحة، لكُنا نرى الكثير من أسباب الخصام على حقيقتها، كأشياء مخالفة للكتاب ومضادة لروح يسوع المسيح! إنه حينما تتغلب الرغبة في التمسك بالكرامة الحمقاء، وحينما يقود الطمع قلب الإنسان لكي يشتهي ما للآخرين، عندئذ ينشط الخصام. أما إذا قوبل الخصام بالاتضاع والنعمة من جانب المذنَب إليه، فما أسرع ما يبطل الخصام! إذ عند المتشاورين تلك الحكمة التي تعينهم على الجواب اللين الذي يصرف الغضب. وفي حادث المخاصمة التي وقعت بين رعاة مواشي ابراهيم ورعاة مواشي لوط، نرى كيف كانت الكبرياء السبب الأساسي في المخاصمة. غير أن أبرام واجه المخاصمة بأسلوب قاطع حين عرض فرصة الاختيار الأولى على الرجل الذي لم يكن له ذرة من الحق في الأرض التي كان الرب قد وهبها لأبرام (تك13). 11. غنى البطل يقل والجامع بيده يزداد. ما يأتي بسهولة، يذهب بسهولة. أما الكنز الذي يتعب الإنسان في جمعه فهو الشيء الذي يقدّره بحق، ويعنى باستخدامه استخداماً حسناً. ونفس المبدأ ينطبق في دائرة الغنى الحقيقي، أي حق الله الثمين. فهناك أشخاص مثل قطعة الإسفنج، سرعان ما تمتص، ولكنها سرعان ما تصرف تحت الضغط. أما الشيء الذي نقدره فهو الذي نتعب فيه ونكسبه بالعرق. يقول الرسول «اجتهد أن تقيم نفسك لله مزكى عاملاً لا يخزى مفصلا كلمة الحق بالاستقامة» (2تي15:2). إن ثروة كهذه جديرة بالتضحية والتكريس للحصول عليها، وإذ نفوز بها فإنها تبقى وتزداد. انظر صيبا (2صم4:16،19،29) بالمباينة مع كالب (يش6:14-14). 12. الرجاء المماطل يمرض القلب والشهوة المتمَمة شجرة حياة. إن شهوة النفس الجائعة غير المتمَمة تؤدي إلى خوار الروح ومرض القلب. ومن هذا النوع؛ الرجاء الباطل الذي عند المسيحي بالاسم، وما أعظم المباينة بينه وبين المسيحي الحقيقي! على أنه يُعبَّر بالمرض أحياناً عن الحنين والشوق؛ الحنين لرؤية من تحبه النفس (نش8:5)، ولكن قريباً جداً يتحقق الرجاء، وكشجرة حياة هكذا يكون إتمامه كريماً غالياً. مرة مرض داود برغبة عارمة، يوم اشتهى أن يشرب ماء من بئر بيت لحم الذي شرب منه في طفولته، ولكن بعد ما نفّذ له أصحابه تلك الرغبة وأحضروا له الماء، كان الماء في عينيه أكرم وأثمن من أن يتذوقه، فسكبه قدام الرب (1أى15:11-19). 13. من ازدرى بالكلمة يخرب نفسه ومن خشى الوصية يكافأ 14. شريعة الحكيم ينبوع حياة للحيدان عن أشراك الموت. 15. الفطنة الجيدة تمنح نعمة أما طرق الغادرين فأوعر. إن ازدراء كلمة التأديب، التي هي شريعة الحكيم، الشريعة التي تهب نعمة عند الله والناس، كما اختبرها يوسف ودانيال وكثيرون غيرهما؛ هذا الزدراء معناه تعريض الإنسان للهوان الآن، والخزي الأبدي في المستقبل. لكن الذي يخشى الوصية، إذ يجد فيها ينبوع الحياة، يُحفظ من الأوجاع التي تتخلف عن طرق الغدر والظلام، الذي يتبعها أخيراً. لقد ازدرى فرعون بالكلمة فوقع صريعاً تحت يد الرب القوية (خر14)، وشاول أيضاً ازدرى بها فاحتمل الأحزان والهوان على مرأى من الفلسطينيين (1صم31)، وملوك يهوذا الأربعة الأخيرون، ازدروا بالكلمة، فأدركوا الغلطة الشنيعة التي ارتكبوها؛ ولكن بعد فوات الوقت. وليت الأمثلة التي نراها في هؤلاء، وفي كثيرين غيرهم، ممن تدونت سيرهم في كل من التاريخ المقدس والعلمانى، ترن في آذان أولئك الذين يعكفونعلى رسم طريقهم الخاص، متجاهلين وصية الرب الذي قال «إلى هذا أنظر: إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي» (إش2:66). 16. كل ذكي يعمل بالمعرفة والجاهل ينشر حمقاً. من خصائص الذكاء، التمسك بالحقائق التي تناولناها. فالأغبياء هم وحدهم الذين يرفضونها، وبذلك يظهرون حماقتهم. ومن أسف أن مجموعة كبيرة من الأشخاص المعتبرين حكماء في هذا العالم سيكونون أغبياء حمقى من حيث المستقبل! على أنه رغم ذلك، فالحكمة الحقيقية بالنسبة للحياة الحاضرة تتجلى في الخضوع لله، والتصرف بالمعرفة التي تمنحها كلمته. فالخاطئ الأحمق هو الذي يعطي أذناً صماء لصوت الحق. وازن بين موسى وهارون من جهة، وقورح وجماعته وداثان من جهة أخرى (عد16). 17. الرسول الشرير يقع في الشر. والسفير الأمين شفاء. إن الرسول الذي يذهب من تلقاء ذاته، ولا ينتظر أمر إرساليته من سيده، إنما يسقط في الشر ويجلب الشر على نفسه. أما الذي يمضي في أمانة كسفير مبعوث من غيره، فإنه يحمل الشفاء والبركة (يو18:7)؛ وهذا مبدأ هام في خدمة الإنجيل. ذلك أننا نعيش في أيام تتميز بالتسرع والاندفاع، ولكن قليلون هم الخدام الذين ينتظرون فكر الرب كما هو معلن في كلمته. ونتيجة هذا التسرع أخطاء تعليمية تضر وتحير السامعين. ولكن كم هي كريمة إرسالية السفير الأمين وهو يعظ الناس أن يتصالحوا مع الله (2كو20:5). 18. فقر وهوان لمن يرفض التأديب. ومن يلاحظ التوبيخ يُكرم. يعتبر الناس أن الخضوع للتأديب، والتعلم ممن هم كفاة للتعليم، أمر يُنقص من قدرهم. ولكن الكرامة الحقة، هي نصيب الشخص الذي لديه من التواضع ما يكفي لأن يجعله يتلقى المعونة من إنسان في مقدوره أن يهب المعرفة الحقة والتوجيه الصحيح. بينما الفقر والهوان هما من نصيب النفس المكتفية بذاتها. انظر يوحانان ورؤساء الجيش (إر 42). قارن ص1:12. 19. الشهوة الحاصلة تلذ النفس. أما كراهة الجهال فهي الحيدان عن الشر 20. المساير الحكماء يصير حكيما ورفيق الجهال يُضَرُ. حينما تصل النفس إلى شهوة القلب تفرح. بيد أن الشهوة الوحيدة التي تسيطر على الجهال هي إشباع مشاعرهم الجامحة. هم يأبون أن يتأملوا في هذه الحقيقة، وهي ضرورة الحيدان عن الشر. «المعاشرات الردية تفسد الأخلاق الجيدة ». أما مرافقة الحكماء فتقود إلى الحكمة. بينما معاشرة الجهال تقود إلى البطل والضرر، إذ تؤدي إلى الخراب الأدبي والروحي. وازن بين رحبعام وبين يوشيا الملك الفتى (1مل12، 2مل22). 21. الشر يتبع الخاطئين. والصديقون يجازون خيراً. 22. الصالح يورث بني البنين وثروة الخاطئ تُذخر للصديق. في طول هذا السفر وعرضه نراه ينبّر على مبدأ المجازاة العادلة. إن الخاطئ يواصل الشر، والنتيجة أنه سيرى الشر يتبعه، بينما الصدّيق الذي يمتد خيره وصلاحه إلى الآخرين، يجازَى من نوع زرعه. ويوم يغادر هذا العالم، وسواء ترك خلفه حظاً من الماديات أو لم يترك، فإنه يورث خلفائه وذريته اسماً مكرَّماً وقدوة مقدسة ميراثاً لا تقدَر قيمته. أما ما يكتنزه الشرير، فسرعان ما يتبدد وينتقل إلى أيدي أكثر أمانة، قادرة أن تحسن استخدامه. وازن بين يوناداب الركابي (إر6:35-11) وبين يهوياقيم (إر24:22-30). 23. في حرث الفقراء طعام كثير. ويوجد هالك من عدم الحق. إن الفلاح الفقير النشيط يستطيع أن يستغل كل شبر في أرضه القليلة، وأن ينتج غلة وفيرة وتشكيلة من الطعام، مما يكون في الغالب مثار دهشة عند جاره الأوفر ثراء، ومن الآخرين أصحاب الأراضي الأكبر مساحة، التي يتركون الكثير منها قاحلاً، ومن غيرهم ممن تتلف محاصيله بسبب الإهمال. إن الرجل الذي لديه فرص صغيرة هو الذي يستطيع في الغالب أن يستفيد مما له، بينما صاحب الامتيازات الضخمة، يتكاسل ويهمل. ألسنا نجد في هذا درساً يعوزنا فيما يتصل بالأمور الروحية؟! ألسنا نرى في كثير من الأوقات أخاً أو أختاً، تتوفر لهما أوقات الفراغ للدرس والصلاة، والفرص الكثيرة للتمتع بالخدمة الشفاهية والمكتوبة، ولهما قدر من المواهب، ومع ذلك نراهما يصرفان أوقات الفراغ بروح العبث والتكاسل، ولذلك فإنهما قلما يحصلان على طعام حقيقي لحياتهما اليومية، وقلّما يقدمان شيئا للآخرين؟ ومن الناحية الأخرى كم نجد أخاً له من عمله اليومي ما يشغل حيز اليوم وجانباً من الليل، ومواهبه وثقافته من رتبة ثانوية، ومع ذلك يكرس نفسه بجد واهتمام لاستغلال ما بين يديه، وقلّما يدع لحظة تفلت من غير عمل جدّي، وهكذا يجمع بانتظام طعاماً كثيراً لنفسه، ويوزع انتعاشاً وبركة على إخوته! إن نقص الروحانية ليس سببه انعدام الفرص لزرع ما لله، لكنه يكشف عن الفشل في استغلال الفرص المقدَمة له. لقد سمعنا عن حدّاد يستخدم المنفاخ، ويضع على الحائط قصاصات من الورق مكتوباً عليها كلمة الله، ليعود إليها بين وقت وآخر، ليلتقط لنفسه كلما اشتغل في الكور. كما سمعنا عن اسكافي يصلح الأحذية وأمامه الكتاب المقدس مفتوحاً. ومن وقت إلى آخر يلتقط لقمة لبناء كيانه الروحي. هو حرث للفقراء، لكن حياة أولئك الفقراء وسيرتهم تثبت أنه كان في حرثهم طعام كثير. الناس يقولون: ليس لدينا وقت لله، وهذا معناه في حقيقة الأمر أنه ليس لديهم قلب لله. فإن النفس المجتهدة تخلق الوقت وتثبت كثيراً أن جزءاً صغيراً من الكتاب، أو بضع دقائق تقضى في الصلاة، تحمل ثمراً غنياً، وذلك عندما يتدرب القلب والضمير. اقرأ صلاة يعبيص (1أخ9:4،10). 24. من يمنع عصاه يمقت ابنه. ومن أحبه يطلب له التأديب. ينبغي أن ننظم التأديب العائلي على غرار التأديب الإلهي فى عبرانيين12. فليس من المحبة في شيء أن تترك ابنك وشأنه، بل هذا من نقص المحبة. ذلك أنه إذ يُترك لحال سبيله، فإنه لابد أن ينمي في نفسه الميول والنوازع الجامحة التي تنشئ أحزاناً في المستقبل. ويومنا هذا الذي نعيش فيه، هو من هذه الناحية، يوم التساهل. فمن المحقق، والحال كما نرى، أن الجيل الصاعد سوف يجني مرّ الثمار من انعدام الرادع وعدم قبول التأديب، وهو أمر واضح فى أغلب البيوت. ذلك أن التعاطف المريض، الذي يحسبه أصحابه أحكم أو أكثر إحساناً من الله نفسه، قد ابتدع مبدأ مقاومة استخدام العصا، بوصفها أثراً من العصر البربري، على أن الفارق الذي نلمسه في أخلاق الأولاد والبنات، يرجح كفة الكتاب المقدس، كما يرى كل مُنصف. بل إن الحال أردأ في بيوت المسيحيين، حيث يُغفَل الحكم والسلطان، بدعوى أن النعمة تملك. فالنعمة لا يمكن أن تلغي الحكم. هما مبدآن لا يتعارضان ولا يناقض أحدهما الآخر. وفي المعاملات الإلهية، هما يسيران جنباً إلى جنب، وهكذا يجب أن تكون الحال في الأسرة. وازن بين عالي وإبراهيم (1صم13:3،14، تك19:18). 25. الصدّيق يأكل لشبع نفسه. أما بطن الأشرار فيحتاج. قد تكون حصة الصدّيق من الأمور الزمنية قليلة، ولكن معها استمتاع، وذلك لأن القلب والضمير مستريحان. أما الشرير فمع أنه غارق في لهو وفراغ إلى حين، فإنه لا يجد شبعاً حقيقياً، ولسوف يقوده التهور إلى الفاقة في آخر المطاف. وما أسعد نصيب لعازر الذي كان عند باب الغني، ما أسعده وحضن إبراهيم في انتظاره! بالمباينة مع ذاك الابن الضال السائر بإرادته (لو16، لو15). |
جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.