لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

تأملات في سفر الأمثال

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

القسم الأول

1 - 9

الحكمة والجهالة

الأصحاح الأول

إن الأعداد الأربعة الأولى من هذا الأصحاح تبدو كأنها تبرر التسمية التي أطلقت من زمن بعيد على هذه المجموعة العجيبة من الأمثال ألا وهى "سفر الشباب".

1  أمثال سليمان بن داود ملك إسرائيل. 2. لمعرفة حكمة وأدب لإدراك أقوال الفهم. 3. لقبول تأديب المعرفة والعدل والحق والاستقامة. 4. لتعطي الجهال ذكاءً والشاب معرفةً وتدبراً.

يحتوي هذا الجزء التمهيدي على عشر كلمات تتكرر مرة بعد أخرى خلال السفر؟ لذا فخليق بنا أن نتدبر دلالاتها ونحن في بداية التأمل. ومن المحقق أن واحداً من هذه المترادفات لم يأتِ هنا بقلم كاتب بَشري فكنا نعتبر تكرارها شيئاً عاطلاً. ولكن كل كلمة الله نقية؟ ولهذا فإن جميع هذه التعبيرات قد جاءت بدقة عجيبة للغاية.

«الحكمة» في عدد 2؟ هي "البراعة"؟ أي القدرة على استخدام العلم؟ المعرفة؟ على الوجه الصحيح. وهي ترد في هذا السفر وحده 37 مرة.

«الأدب» في نفس العدد؟ لفظ يعبر عن كلمة عبرية ترد 26 مرة في السفر. وقد تُرجمت إلى «تأديب» (أم11:3؟24:13). وأيضاً في أى 17:5وإش 16:26. ومعناها "التعليم بطريق التأديب".

«الفهم» في عدد 2؟ أي التمييز.

«المعرفة» (عدد3)؟ كلمة ترد قليلاً في الكتاب؟ وهي تحمل فكرة الخبرة أو التعلم بالاختبارات الأليمة.. اختباراتنا أو اختبارات غيرنا.

«العدل» أو «البر» (عدد3)؟ كلمة تشير إلى السلوك وقد تعرَّف "السلوك القويم"

«الحق» هنا تعني "اتخاذ قرار" والقدرة على "تمييز الأمور المتخالفة".

«الاستقامة» كلمة تشير إلى المبادئ القويمة وتعني "الكمال الأدبي".

«الذكاء» (عدد4)؟ ويعني القدرة على اكتشاف ما في الآخرين يقابلها في العهد الجديد «حكماء كالحيات».

«المعرفة» في عدد 4 بمعنى "العلم" أي المعلومات ذات الطابع السليم.

«التدبر» أي "التفكير" وهذا ما ينقص الشباب؟ لكنه يتوفر لكل من يتغذى بكلمة الله.

نجد في هذه الكلمات العشر وصفاً للأخلاق المستقيمة؟ ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن دراسة حق الله وممارسته هي وحدها التي تنشئ هذه الأخلاق. إذاً فهذا الجزء من الكتاب يخاطب الشباب بوجه خاص؟ مزوداً إياه بما يعوزه في طريقه في العالم.

5. يسمعها الحكيم فيزداد علماً والفهيم يكتسب تدبيراً. 6. لفهم المثل واللغز أقوال الحكماء وغوامضهم.

الواثق في نفسه بتعظم؟ هو وحده الذي يحسب نفسه أرفع من أن يتعلم؟ أما الاستعداد للتعلم فهو طابع الحكيم. لكن الحقائق الجديرة بتأملاتنا لا نجدها مبسطة سهلة باستمرار؟ لأن الله يحب أن يدرّب حواسنا للتمييز بين الخير والشر. وليعلم عديمي الخبرة أنه إذا لم يكن في مشيئة الله إلا أن يقدِّم لخلائقه المعلومات اللازمة للطريق إلى السماء ومسئولية المسيحي؟ لكان في مقدوره تعالى أن يفعل ذلك بطريقة أبسط كثيراً من الطريقة التي اختار أن يقدم بها حقه. غير أن ذلك التبسيط كان ينفي التدرب الذي هو لبركتنا ولمجده. ومن هنا أتت نصيحة بولس الرسول «اجتهد أن تقيم نفسك لله مزكى؟ عاملاً لا يخزى؟ مفصلاً كلمة الحق بالاستقامة» (2تي15:2). أما «الغوامض» فإنها تتجلى حينما يتدارسها رجل الله وله عينان مكحلتان بكحل روح الحق.

7. مخافة الرب رأس المعرفة. أما الجاهلون فيحتقرون الحكمة والأدب.

هنا؟ ونحن في بداية خزانة الحكمة؟ نرى إحدى المفارقات الحادة التي يذخر بها سفر الأمثال. فإنه لا توجد معرفة حقة بعيداً عن مخافة الرب. وكل ما تطلق عليه هذه التسمية؟ ويتجاهل الله؟ ليس سوى غباء. وخير للشباب أن يعي هذا وهو يواجه العدد الوافر من النظريات الخاطئة؟ فإن الفلاسفة والعلماء قد ألقوا مخافة الرب في مهب الرياح؟ وجعلوا سلطان الله بعيداً عن دائرة خليقته؟ لذا «وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء»؟ ومن هنا كثرت السخافات التي يتقبلها الجهلاء على أنها علوم وفلسفة. إن العلم معناه المعرفة المستنيرة؟ أما إطلاق هذه التسمية على تخمينات النسطوريين والبيولوجيين الملحدين إنما هو إفساد الألفاظ وتلاعب فيها؟ فالفروض ليست علماً. وما قامت؟ ولن تقوم معركة أو صدام بين الكتاب المقدس والعلم؟ إنما يقع الصدام بينه وبين نظريات غير المؤمنين الباطلة؟ كما بينه وبين العقائد الدينية التي لا يساندها الكتاب؟ ولا تدعمها الحقائق العلمية.

8. اسمع يا ابني تأديب أبيك ولا ترفض شريعة أمك. 9. لأنهما إكليل نعمة لرأسك وقلائدَ لعنقك.

في الكتاب كله نرى طاعة الوالدين مقترنة مع الخضوع لله. إن أولئك المفسرين الذين يقسّمون الوصايا العشرة إلى أربع تتجه نحو الله وستة نحو الناس؟ يتجاوزون فكر الروح. والفكرة الصحيحة التي لا يتطرق إليها الشك هي التي تضع في كل لوح خمساً. فتكون الوصية «أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك» هي الخامسة والأخيرة في اللوح الأول. ذلك أن إكرام الوالدين هو اعتراف وتسليم بالسلطان الإلهي؟ وهو المكان اللائق بالمخلوق.

ولن تقل مسئولية هذه الوصية بالنسبة لمؤمني العهد الجديد الذين ليسوا «تحت الناموس بل تحت النعمة»؟ إذ نقرأ في رسالة أفسس «أيها الأولاد أطيعوا والديكم في الرب لأن هذا حق» (أف1:6). وعلى الفور توجه أنظارنا مباشرة إلى الدور البارز لهذه الوصية في الناموس؟ فهي «أول وصية بوعد». وبالمثل توصينا رسالة كولوسي «أيها الأولاد أطيعوا والديكم في كل شيء لأن هذا مرضي في الرب» (كو20:3).

وهذا خليق بالأولاد المؤمنين أن يكونوا قدوة في الطاعة البنوية لكي يزينوا تعليم المسيح. أما أولئك الشبان الذين يدّعون أنهم أوفياء للرب؟ بينما يتمردون على من يكبرونهم في البيت؟ فإنهم عار محزن على اسم ذاك الذي من المفروض أنهم يخدمونه. فالاستماع إلى تأديب الأب والتعلق بشريعة الأم هما الزينتان المفضلتان اللتان يزدان بهما القديس الشاب.

يضع الرسول عدم طاعة الوالدين في قائمة علامات ارتداد الأيام الأخيرة (2تى1:3-5)؟ فهي الخطية الصارخة المميزة للأزمنة الحاضرة؟ وهي نذير بساعة القضاء التي توشك أن تدق. فالوصية «أيها الأولاد أطيعوا والديكم» طالما استبدل الناس بها "أيها الآباء أطيعوا أولادكم". جيل يزرع الريح؟ لابد أن يحصد العاصفة. فإن الإرادة البشرية تزدري الانكسار بأي حال. ولكن ما أرهب النتيجة! فإن الناس إذ يطرحون كل سلطان أبوي؟ فإنهم بالقياس يطرحون كل مظهر ولائي للسلطان الإلهي؟ ويندفعون متجبرين كما تصورهم آخر أصحاحات سفر الرؤيا الخطيرة.

10. يا ابني إن تملَّقك الخطاة فلا ترضَ. 11. إن قالوا هلم معنا لنكمن للدم؟ لنختفي للبريء باطلاً. 12. لنبتلعهم أحياء كالهاوية؟ وصحاحاً كالهابطين في الجب. 13. فنجد كل قنية فاخرة؟ نملأ بيوتنا غنيمة. 14. تلقي قرعتك وسطنا؟ يكون لنا جميعاً كيس واحد. 15. يا ابني لا تسلك في الطريق معهم؟ امنع رجلك عن مسالكهم. 16. لأن أرجلهم تجري إلى الشر وتسرع إلى سفك الدم. 17. لأنه باطلاً تًنصب الشبكة في عيني كل ذي جناح. 18. أما هم فيكمنون لدم أنفسهم؟ يختفون لأنفسهم. 19. هكذا طرق كل مولع بكسب. يأخذ نفس مقتنيه.

ع10 التملق هو محاولة الإغراء والإغواء.

شيئان يجب أن يتحذر منهما الشاب تحذراً شديداً؟ هما: الزمالة الشريرة «المعاشرات الردية». والكسب الشرير «الطمع الذي هو عبادة الأوثان».

والكلمة الموحى بها ترسم خطّاً فاصلاً بين أولاد الله وأولاد إبليس؟ بين أبناء الطاعة وأبناء المعصية؟ «اخرجوا من وسطهم واعتزلوا»؟ هذه هي وصية الرب. فإذا حاول الخطاة غوايتك؟ ملوّحين بشهوة القلب البشري؟ تحول عنهم. فكل توسلاتهم إنما تدنس؟ ولا شيء يسعدهم إلا أن يلقي الشاب قرعته معهم؟ وأن يكون لجميعهم كيس واحد. ولكنها شركة آثمة؟ ولا يجب أن يكون للمؤمن نصيب فيها. «في مجلسهما لا تدخل نفسي. بمجمعهما لا تتحد كرامتي» (تك6:49).

والخطة الوحيدة الآمنة؟ هي الاعتزال فوراً «لا تسلك في الطريق معهم». فإن الانفصال الكلي عن العالم؟ بكل أوضاعه؟ هو سبيل البركة. وكم من شاب مسيحي تحطمت سفينته لأنه أراد أن يداعب العالم بدعوى محاولة إصلاحه؟ هذا غباء وخطأ جسيم.

«امنع رجلك عن مسالكهم لأن أرجلهم سريعة تجري إلى الشر». فإذا غامرت أولاً أن "تمشي" معهم في طريق ستجد نفسك أخيراً "تجري" معهم. ولن تعتذر بالجهل يوم هزيمتك الروحية والمعنوية؟ لأن كلمة الله أضاءت لك الطريق؟ وكشفت لك الشبكة المنصوبة لك في وضح النهار؟ وحذرتك ضد مكايد إبليس الخادعة.

وبالمفارقة مع توسلات الأشرار؟ يتحدث القسم التالي بصوت الحكمة متوسلة الاستماع والالتفات إليها:

20. الحكمة تنادي في الخارج؟ في الشوارع تعطي صوتها. 21. تدعو في رؤوس الأسواق في مداخل الأبواب؟ في المدينة تبدي كلامها. 22. قائلة:  إلى متى أيها الجُهال تحبون الجهل؟ والمستهزئون يسرّون بالاستهزاء؟ والحمقى يبغضون العلم؟ 23. ارجعوا عند توبيخي؟ هأنذا أفيض لكم روحي؟ أعلمكم كلماتي.

في القسم الأول من هذا السفر (ص1-9) نرى كأن الحكمة شخصاً يتكلم. وإنها لتسعى أبدا لتحويل خطوات الشاب عن أبواب الحماقة والجهل؟ إلى هيكل المعرفة والبركة. وهي هنا كمن تنادي في الأماكن العامة؟ جاهدة أن تجذب انتباه العابرين. ففي أسواق التجارة؟ وعند أبواب العدالة؟ وفي أوساط السكان؟ وحتى بين المتعطلين في الشوارع؟ في كل مكان ترجو أن يطيع الجهال صوتها. لكنها وإن كانت لا تلقى رفضاً صريحاً دائماً؟ إلا أنها تواجَه بالمماطلة والتسويف؟ فتصرخ: «إلى متى أيها الجهال تتمسكون بجهلكم؟» ولكن لا جواب.

كما يرفض آخرون رفضاً باتاً أن يسمعوا لصوت الحكمة. فيرفضون شهادتها ويسرون باستقلالهم الفكري المزعوم ويكشفون طابعهم الحقيقي بكراهيتهم للعلم. ولأمثال هؤلاء توجه الحكمة إنذارها بكارثة مقبلة؟ يوم يكون إصغاؤهم لدعوتها الكريمة قد جاء متأخراً.

24. لأني دعوت فأبيتم؟ ومددت يدي وليس من يبالي. 25. بل رفضتم كل مشورتي؟ ولم ترضوا توبيخي. 26. فأنا أيضاً أضحك عند بليتكم؟ أشمت عند مجيء خوفكم. 27. إذا جاء خوفكم كعاصفة؟ وأتت بليتكم كالزوبعة؟ إذا جاءت عليكم شدة وضيق. 28. حينئذ يدعونني فلا أستجيب؟ يبكرون إلىَّ فلا يجدونني. 29. لأنهم أبغضوا العلم؟ ولم يختاروا مخافة الرب. 30. لم يرضوا مشورتي؟ رذلوا كل توبيخي. 31. فلذلك يأكلون من ثمر طريقهم؟ ويشبعون من مؤامراتهم. 32. لأن ارتداد الحمقى يقتلهم؟ وراحة الجهال تبيدهم. 33. أما المستمع لي فيسكن آمناً ويستريح من خوف الشر.

واضح جداً أن هذه الأعداد شبيهة بدعوة الإنجيل؟ بما يصاحبها من إنذارات بالدينونة القادمة إن رفضها الناس. ففي مطلعها؟ وبأسلوب العهد القديم؟ نجد مبدأ الله «لاتضلوا. الله لا يشمخ عليه. فإن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً. لأن من يزرع لجسده فمن الجسد يحصد فساداً. ومن يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية» (غل7:6؟8). فالمبدأ ثابت سواء انطبق على الخطاة أو القديسين. على أننا نلمس «خدمة المصالحة» في نداء الحكمة وما هي النتيجة المتعذر اجتنابها.

آه أيها القارئ. إن كنت لم تخلص بعد؟ ألا فاذكر أنه إن كنت ترفض صوت «إله كل نعمة» في هذا العالم؟ فهناك عالم آخر سيرفضك فيه متى التقيت به كإله الدينونة. ليس فقط مشهد واحد تزدري فيه دعوة الحكمة؟ بل هنالك عالم آخر تُزدرى فيه صيحتك إن دخلته كرافض رسالة النعمة. إن النعمة التي ترفضها الآن ستضحك من نواحك ومن ولولتك اليائسة!

وليس أقسى على النفس الهالكة من أن تتذكر؟ وهي في هاوية العذاب؟ رسائل الإنجيل التي طالما قوبلت بالازدراء؟ وكلمة الله التي عوملت بغير تقدير أو اعتبار. فتصرخ في يأس "يسوع مات لأجل البشر؟ مع ذلك أنا في الجحيم! بذل نفسه عن الخطاة؟ وأعدّ لي طريق الخلاص؟ لكني كغبي رفضت نعمته حتى أنها ارتدت؟ وأغلق باب الرحمة؟ وأنا الآن أهلك إلى الأبد!" هكذا تضحك الحكمة عند بليتك إن دخلت الأبدية بخطاياك.

لن يستطيع واحد من أولئك الذين أصبح مصيرهم تعيساً شقياً؟ أن يلوم الله. بل سيعترفون أن ذلك كله صار لهم لأنهم أبغضوا المعرفة ولم يختاروا مخافة الرب؟ ارتدوا مع الحمقى فقتلوا؟ ونجحوا في غبائهم فهلكوا. هذا هو مصير رافضي الحكمة المتجاهلين توسلاتها. أما كل من أصغوا يسكنون آمنين إلى الأبد مطمئنون من خوف الشر «كثيرة هي نكبات الشرير. أما المتوكل على الرب فالرحمة تحيط به» (مز10:32).

على أنه لا يكفي أن نفكر في إنذار غير المؤمنين؟ بل إنه حتى بالنسبة لأولئك الآمنين إلى الأبد كتب الرسول «فانظروا كيف تسلكون بالتدقيق لا كجهلاء بل كحكماء. مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة. من أجل ذلك لا تكونوا أغبياء بل فاهمين ما هي مشيئة الرب» (أف15:5-17). إنه يصدق على القديسين والخطاة على حد السواء؟ إننا نحصد ما نزرع. ولا يقدر المؤمن أن يخط لنفسه طريقاً دون أن ينال جزاءه؟ فإذا ما تحول عن بيت الحكمة وتابع طريق الغباء والجهل؟ فهو أيضاً لابد أن يسمع في النهاية ضحكة ساخرة من تلك الحكمة التي جرؤ على ازدرائها. ذلك أن تأديب الرب لابد أن يتبع الانحراف عن الطريق التي للمسيح.

من المهم أن نذكر أنه وإن كان في اللحظة ذاتها التي يثق فيها الخاطئ المسكين بالرب يسوع كمخلص له؟ تنتهي إلى الأبد مسئوليته كمجرم عليه أن يواجه الديان «إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح» (رو1:8)؟ ولكن في نفس اللحظة تبدأ مسئوليته كابن يتعامل مع أبيه وأن ذلك الآب «يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد» (ابط17:1).

ومسئوليته الجديدة تنبع من نسبته الجديدة. ومن هنا عليه أن يحسب نفسه ميتاً عن الخطية ولكن حياً لله بالمسيح يسوع ربنا (رو11:6). فإن فشل في هذا وسمح لنفسه ألا يكترث بمشيئة الله؟ فلابد أن يتعلم بواسطة عصا تأديبه. «يعلم الله أن ينقذ الأتقياء من التجربة ويحفظ الأثمة إلى يوم الدين معاقبين» (2بط9:2). وفي هذا العالم يتعامل الآب مع المسيحي الحقيقي بشأن سقطاته. أما الأثمة فسوف يعاملهم الله في يوم الغضب. ولو إن الخطية تجلب الألم عليهم حتى وهم على الأرض. فلنذكر إذاً أنه «الوقت لابتداء القضاء من بيت الله. فإن كان أولاً منا فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله؟ وإن كان البار بالجهد يخلص فالفاجر والخاطئ أين يظهران؟» (1بط17:4؟18).

الأصحاح الثاني

الأعداد الاستهلالية تكشف لنا السر الذي طالما سعى الكثيرون باطلاً ليعرفوه؟ وهو: كيف يجدون معرفة الله؟ بينما السر في هذا الأمر بسيط. والمسيحي لا يلزمه أن يكون دارساً متبحراً ليفهم كتاب الحق؟ إنما الذي يعوزه هو حالة النفس؟ وليس الذهن المصقول. وقد أعطانا الله كلمته ويحثّنا أن نفتش فيها بالاعتماد على روحه القدوس الذي جاء لكي يرشدنا إلى كل الحق.

1. يا ابني إن قبلت كلامي؟ وخبأت وصاياي عندك؟ 2. حتى تميل أذنك إلى الحكمة؟ وتعطف قلبك على الفهم؟ 3. إن دعوت المعرفة؟ ورفعت صوتك إلى الفهم؟ 4. إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز؟ 5. فحينئذ تفهم مخافة الرب؟ وتجد معرفة الله.

ليس الكلام هنا عن القراءة العابرة لكلمة الله؟ بل حث النفس على قبول هذه الأقوال. وهو شيء أكثر من مجرد البحث السطحي؟ فإن أقوال الله يجب أن تُقبَل في القلب. وهناك نخبئها. كذلك يجب أن نميل الأذن إلى الحكمة ونوجه القلب إلى الفهم. بينما الفم يدعو المعرفة ونرفع الصوت إلى ما يمنحنا فطنة روحية. وهكذا يتكرس الكيان بأجمعه للبحث عن الحق. وكما يحفر الناس الأعماق طلباً للفضة؟ ويبذلون أقصى الجهد لتعيين مواقع الكنوز؟ هكذا على الباحث المُجِد أن ينقب في كلمة الله؟ غير مكتفٍ بما يجده على السطح. وإذ نقدّر أقوال فمه أكثر من قوْتنا الضروري؟ فالنتيجة محققة؟ وهي «حينئذ تجد مخافة الرب وتجد معرفة الله».

وإننا لنخشى أن يتضاءل النشاط في دراسة الكتاب حتى بين أولئك الذين يتمسكون بالحق الثمين ويقدّرونه. وجيد أن نذكر أن دراسة المؤلفات التي تدور حول الكتاب أمر يختلف كل الاختلاف عن البحث في الكلمة نفسها. قد تكون المذكرات والتفاسير معينة في الدراسة ولا بأس بها؟ ولولا إيمان الكاتب بهذا لما كتب هذه الصفحات؟ على أنه إذا سمحنا لكتابات الأشخاص غير الموحى إليهم أن تأخذ مكان كلمة الإله الحي الصادقة؟ فإن النتيجة تكون ضارة بلا شك. ذلك أن نتيجة هذه الدراسة التي من جانب واحد؟ هي أن الناس يستقون أفكارهم من بعضهم البعض؟ عوض أن يستقوها من مستودع الحق ذاته؟ هذا المستودع الكبير. وينشأ عن هذا جميعه الحالة الذهنية الجافة التي على النقيض من الروحانية النشطة.

6. لأن الرب يعطي حكمة؟ من فمه المعرفة والفهم. 7. يذخر معونة للمستقيمين؟ هو مجن للسالكين بالكمال. 8. لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه. 9. حينئذ تفهم العدل والحق والاستقامة؟ كل سبيل صالح.

يرتبط البحث عن الحق؟ ارتباطاً وثيقاً؟ بالسير في الحق عند قبوله. فإنه متى توفرت العين البسيطة والقلب المخلص؟ إلى جانب الرغبة المُلِحة للعيش في قوة الحق المعلَن للنفس؟ فإن صاحب الحق يكون مخبأ وملجأ وحمى لخاصته؟ حافظاً إياهم في أمان وهم يطرقون مسالك الحق؟ وهكذا يحفظ سبيلهم. ولنعلم أنه بهذا السلوك ينمو الإنسان يومياً في معرفة البر والحق والاستقامة؟ بل وفي كل طريق صالح. وهذا يختلف اختلافاً واضحاً عن مجرد الانضمام العقلي إلى نوع معين من الأنظمة اللاهوتية أو المدارس التي تلقن علوم الكتاب المقدس. فليس المهم أن نتمسك بالحق؟ قدر ما هو مهم أن يمسك الحق بنا؟ وهناك فرق شاسع بين الحالتين. يكثر "المتمردون والمضلون" الذين يتكلمون "بالعظائم"؟ ويفتخرون بمعرفة التعاليم النبوية والتدبيرية أو الحقائق العقائدية؟ ولكن طرقهم ومسالكهم الفوضاوية تجلب العار على الأمور السامية الكريمة التي في زهو وإدعاء يفاخرون بها. يبدو عليهم أنهم يجترّون؟ ولكنهم يفشلون في إبراز الظلف المشقوق. ولا ريب أن الإصرار على مسالك مثل هذه يجفف الضمير ويقسي القلب إلى أن تفشل الخدمة الفاحصة في أن تترك أي انطباع عليهم.

والأعداد التالية ترسم الاتجاه الصحيح لكل من يتمسك فعلاً بالحق ونتائجه المباركة:

10. إذا دخلت الحكمة قلبك ولذّت المعرفة لنفسك 11. فالعقل يحفظك والفهم ينصرك 12. لإنقاذك من طريق الشرير ومن الإنسان المتكلم بالأكاذيب 13. التاركين سبل الاستقامة للسلوك في مسالك الظلمة 14. الفرحين بفعل السوء المبتهجين بأكاذيب الشر 15. الذين طرقهم معوجة وهم ملتوون في سبلهم.

إن دخول الحكمة والمعرفة إلى القلب؟ واستمتاع النفس بلذائذهما؟ يهب التمييز الذي يقي من الشر؟ كما يعطي الفهم أو التمييز الذي يصون من السبل الباطلة.

وهنالك عدوان يترصدان خطوات الشاب؟ أحدهما الشرير؟ وهو هنا في الأعداد التي أمامنا. وثانيهما؟ المرأة الأجنبية؟ التي سيأتي ذكرها في الأعداد التالية.

أما الشرير؟ فهو الذي يسلك في كبرياء قلبه وبالاستقلال عن الله. وهو يبدو؟ في نظر الشاب؟ إنساناً جذاباً يروق للعقل الطبيعي. غير أن متابعة الشرير معناها "ترك سبل البر" و"السير في طرق الظلمة". ولكن حين يملك حق الله قلب الإنسان؟ فإنه يخلصه من الشرير ويحفظه من طرق الإرادة الذاتية ويبصّره بالطرق المعوجة والسبل الملتوية.

لكن هذا؟ ليس العدو الوحيد الذي يسعى للتغرير بالجهال والبسطاء؟ فإن كلمة الله معطاة أيضاً:-

16. لإنقاذك من المرأة الأجنبية من الغريبة المتملقة بكلامها. 17. التاركة أليف صباها والناسية عهد إلهها.

سوف نرى لمحات عن هذه المرأة الأجنبية على صفحات هذا السفر بين الفينة والأخرى. فمن هي؟ هل هي تنطق بغير الدنس والرجاسات؟ إن حقيقة هذه المخلوقة النكدة تبدو واضحة في مطلع الفقرات الخاصة بها. فهي عدو الآداب والفضيلة التي تواصل في يومنا - كما في يوم سليمان - تجارتها اللعينة في أجساد الشباب الغافلين؟ وفي نفوسهم. وإذ هي تهجر «أليف صباها» وتنسى «عهد إلهها» تستسلم لملذات دنسة؟ وشهوات تهلك النفس.

18. لأن بيتها يسوخ إلى الموت وسبلها إلى الأخيلة 19. كل من دخل إليها لا يؤوب ولا يبلغون سبل الحياة.

هذا صحيح؟ فإن الذين اشتبكوا وسقطوا في طرق الدنس؟ يعيشون حياتهم مضروبين ضربة لا يستطيعون التخلص منها. وذكريات الحفلات الآثمة؟ والدناسات القبيحة؟ تبقى؟ أمد الدهر؟ مثار خزي وحزن. وعلى قدر جدية التوبة؟ يثقل الشعور بوخزات الماضي.

أما وقد عالجنا هذا جميعه؟ أفليس من دلالة أخرى نستقيها من هذه التحذيرات الكثيرة عن المرأة الأجنبية؟ بلى فهنالك دلالة ثانوية. فكما وجدنا في الشرير صورة الاستقلال عن الله؟ المبدأ العقلي معربداً هائماً على وجهه؟ كذلك نجد في المرأة الأجنبية صورة الديانة الزائفة التي سوف تتركز في «بابل العظيمة أم الزواني ورجاسات الأرض» (رؤ5:17) وما أضل طرقها وما أكثر حيلها؟ وأخدع توسلاتها! وكم هو صحيح أن يقال «إن بيتها يسوخ إلى الموت وسبلها إلى الأخيلة». إنما كلمة الله هي وحدها التي تصون النفس من مفاسدها. وتحفظ الخطى في سبل الحياة.

20. حتى تسلك في طريق الصالحين؟ وتحفظ سبل الصديقين 21. لأن المستقيمين يسكنون الأرض؟ والكاملين يبقون فيها 22. أما الأشرار فينقرضون من الأرض؟ والغادرون يُستأصلون منها.

الذي نجده أمامنا هنا؟ ليس الرجاء السماوي؟ بل الأرضي. فإن سفر الأمثال؟ كباقي أسفار العهد القديم؟ يتحدث عن الأرضيات؟ لأن السماويات لم تكن مُعلَنة بعد. فنصيب الأتقياء من الشعب الأرضي هو الذي نقرأ عنه هنا. فهم يسكنون الأرض يوم تُستأصل منها الأمم الآثمة والغادرون. أما نصيبنا فأفضل بكثير؟ فلنا ميراث محفوظ لأجلنا في السماوات؟ حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا.

وما أعظم مسئوليتنا في أن تكون خطواتنا مطابقة لكلمة الله الحي.

الأصحاح الثالث

1. يا ابني لا تنسَ شريعتي بل ليحفظ قلبك وصاياي 2. فإنها تزيدك طول أيام وسني حياة وسلامة.

لا تزال أقدامنا على أرض يهودية؟ لكن نصيحة هذين العددين هو من الأهمية لنا كما لأولئك الذين يرون في طول العمر بركة خاصة من الرب. «ليحفظ قلبك وصاياي»؟ هذه كلمة تعوزنا كثيراً. فإن حفظ وصايا الرب مقصود به أكثر من مجرد الرضوخ للواجب. إنما التكريس الحبي لمشيئة الله. يقول المرنم «خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك» (مز11:119). ويشهد التاريخ المقدس عن عزرا أنه «هيّأ قلبه لطلب شريعة الرب والعمل بها وليعلم إسرائيل فريضة وقضاء» (عز10:7). إن تهيئة القلب؟ التي هي حقاً من الرب؟ هي النقص المحزن الذي يتجلى في كثيرين ممن تشهد طرقهم أن ليس للحق سوى التأثير الهين؟ الذي يكاد لا يذكر على حياتهم. المحبة هي نبع الخدمة الحقيقية للرب. «إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي» (يو15:14)؟ تلك هي كلمات سيدنا. بل وإنه؟ له المجد؟ يتعمق بنا أكثر حين يقول «إن أحبني أحد يحفظ كلامي» (يو23:14). هذا هو القلب الذي يبتهج بالسير في طرق الرب حين يعرف فكره؟ سواء كان وصية صريحة أو إعلان فكره.

3. لا تدع الرحمة والحق يتركانك؟ تقلدهما على عنقك؟ اكتبهما على لوح قلبك 4. فتجد نعمة وفطنة صالحة في أعين الله والناس.

نقرأ أن «الناموس بموسى أُعطى. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا» (يو17:1). الناموس حق؟ ولكنه حق بلا نعمة. وإذ صارت النعمة؟ أي جاءت؟ بيسوع المسيح؟ فعلى المؤمن أن يتكلم الحق في محبة "صادقين" (أف15:4). والواقع أنه ليس المقصود هو مجرد التكلم بالحق؟ بل أن يكون كلامنا مطبوعاً بالحق في محبة. فإن الروح الجافة المتعجلة؟ التي تجعل الحق كمجموعة من التشريعات الناموسية الجافة؟ وتنتقد الآخرين الذين يظهرون روح التسامح والمحبة؟ لهي أبعد بكثير عن روح الحق. فإن الرحمة أو النعمة تزكي الحق؟ حينما تحاول روح التهكم والانتقاد أن تتصدى للخجول فلا يقبل الحق. فالرحمة والحق يجب أن يحيطا بالعنق؟ وهكذا يظهران أمام الناس؟ وأن يكتبا على القلب؟ فيجد المؤمن نعمة عند الله.

5. توكل على الرب بكل قلبك وعلى فهمك لا تعتمد 6. في كل طرقك اعرفه وهو يقوّم سبلك.

عظة بالغة؟ وتوكيد كريم؟ هذا الذي نقرأه؟ لجميع الذين يريدون أن ينقادوا في طريق السلام والأمان «المتكل على قلبه هو جاهل» (أم 26:28). ولكن سعيد هو الذي يضع ثقته في الرب. لأن الثقة في الذات مثل التوكؤ على عكاز مكسور. وقد أعطانا الله كلمته لكي تقودنا في كل نواحي الحياة. وهكذا تكون قداستنا بواسطة الحق. ولذلك فلا عذر لنا حين نعتمد على فهمنا الضعيف؟ ونجني ثماره المرة. وإذا ما عرفناه في كل طرقنا؟ بتسليمنا كل شيء له؟ وبالاتكال الكلي عليه؟ عندئذ لا نفتقر إلى إرشاده إذ هو أمين الذي وعدنا بتوجيه سبلنا. «إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً» (مت22:6).

7. لا تكن حكيماً في عيني نفسك. اتق الرب وابعد عن الشر 8. فيكون شفاء لسرتك وسقاء لعظامك.

أن يوجد الإنسان حكيماً في عيني نفسه؟ ذلك عكس عدم الاعتماد على فهمه. وحيث تقوى الرب بحق؟ فهناك كره الشر والابتعاد عنه. «وليتجنب الإثم كل من يسمى اسم المسيح» (2تى19:2)؟ وبذلك تتميز النفس بالقوة والنضارة. أما السير مع الله؟ بينما أنت تسلك فيما يخالف كلمته؟ فذلك مستحيل. لكن سبيل البركة هو الطاعة وإذا ما تكلم الله فليس للنفس أن تناقش أو تعترض؟ بل تطيع ببساطة وتسليم.

9. أكرم الرب من مالك ومن كل باكورات غلتك. 10. فتمتلئ خزائنك شبعاً وتفيض معاصرك مسطاراً.

إذا تعلمت النفس أن تبتعد عن الشر؟ فإن الرب يصبح غرض القلب. والمطلوب من المؤمن؟ ليس فقط أن يعطي للرب المكان الأول. بل يجب أن يكون له الكل؟ إذا شاء أحدنا أن يسير معه في غبطة مقدسة وشركة غير معطلة. لقد كان الإسرائيلي يأتي بباكورات غلاته اعترافاً منه بأن يهوه وحده هو مالك أرض كنعان. ذلك لأنه قال لهم: «والأرض لا تباع بتة لأن لي الأرض» (لا23:25). وكان تقديم الباكورات إقراراً بهذه الحقيقة. فإذ يكرمه المؤمن بما له فإنه يعترف بسرور أن كل ما يملك للرب لاستعماله كما يوجهنا هو.

ما أعظم صلاح الله. فإذ نكرمه هكذا؟ فإنه يأخذ على عاتقه ألا ينقص شيء في مخازن ومعاصر القديس؟ الذي يحسب نفسه وكيلاً للرب. وكم من قديسين يعيشون في فقر روحي أو زمني؟ بسبب عدم اكتراثهم بالمبدأ المرسوم هنا. إن كل شيء هو للرب؟ ولكنه في سخائه وإحسانه؟ يتقبل عطايا من أولئك الذين فداهم؟ ويسر أن يكون هو نفسه المعطي الكبير؟ ولن يكون أبداً مَديناً لأحد.

11. يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه 12. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يسر به.

هذه الأقوال هي النص الذي اقتبس منه الرسول تحريضه الخاص بتأديب الرب (عب12). وقد فسر هذه الأقوال في رسالته بوحي الروح القدس؟ لذلك نود أن نعود إلى ذلك الجزء الثمين من كلمة الله؟ حيث لم تعد لنا الحاجة إلى الاعتماد على أفكارنا وآرائنا - مهما كنا حريصين على الخضوع للمكتوب - بعد ما صار فكر الروح معلناً بوضوح.

بعد ما تابع الرسول طريق الإيمان على صفحات العهد القديم يدعونا أن نطرح كل ثقل؟ كل ما من شأنه أن يعوق النمو؟ وبذلك نتمكن من إبعاد الخطية التي تريد أن تعيق وتعرقل خطواتنا؟ وبينما نحن نحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا. لنا المسيح نفسه أمام عيوننا كرئيس الإيمان ومكمله. والله يريد أن ينشغل القلب بذاك الذي؟ وقد انتهت سبيل عاره وآلامه؟ جالس الآن «عن يمين الله». والكلمة الآن موجهة إلينا «ناظرين إلى. .. يسوع»؟ أي لاحظوه. وهكذا نواجه به التعب والإعياء.

ثم يستطرد ليقول لنا أنه لا يجب أن نستغرب التجارب والصعاب. فكل ذلك ليس سوى وسيلة من وسائل تأديبنا؟ أو تربيتنا؟ ومن هنا كان اقتباسه لهذه الفقرة من سفر الأمثال. وإن كانت هناك بعض اختلافات لفظية؟ فذلك لأن الرسول اقتبس من الترجمة السبعينية؟ وهي النسخة اليونانية التي كانت بين أيدي المؤمنين في ذلك الوقت.

وفي سفر أيوب عبارة مثل هذه منسوبة إلى أليفاز التيماني؟ حيث يقول «هوذا طوبى لرجل يؤدبه الله. فلا ترفض تأديب القدير» (أى17:5). فليس هو إذاً؟ حقاً جديداً أن الرب يمارس التأديب وسط قديسيه. والواقع أنه لكونهم خاصته لذلك يؤدبهم.

ولاحظ أن كلمة "تأديب" لا تحمل بالضرورة معنى القصاص أو العقوبة؟ ولو أنه غالباً ما يكون جزاءً مباشراً. لكن المعنى الأولى هو "حفظ النظام" لأن الله إله ترتيب؟ وعائلته يجب أن تخضع لترتيبه ونظامه. ولذلك يقول الرسول «إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين. فأي ابن لا يؤدبه أبوه؟». وليس ذلك دليلاً على أن قلب الله غير متجه نحوي إذا كنت أعاني الضيق. فكل ذلك ليس سوى جزء من النظام الذي يراه الآب الكلي الحكمة ضرورة لازمة. والواقع أنه إن لم أكن موضوع هذا التدريب النظامى فأنا لست واحداً من خاصته على الإطلاق! «ولكن إن كنتم بلا تأديب فقد صار الجميع (أي جميع البنين) شركاء فيه؟ فأنتم نغول لا بنون».

وليس تأديب الرب من النوع الأناني أو الغامض؟ كتأديبنا نحن لأولادنا. «ثم قد كان لنا آباء أجسادنا مؤدبين وكنا نهابهم. أفلا نخضع بالأولى جداً لأبي الأرواح فنحيا؟ لأن أولئك أدبونا أياماً قليلة حسب استحسانهم وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته». إن الآباء الأرضيين لا يتوفر لهم دائماً التوجيه الصالح لأولادهم وهم يؤدبونهم؟ ولكن إلهنا وأبانا لن يتعامل معنا هكذا. لأنه تبارك اسمه إلى الأبد؟ يعرف ضعفنا. ومع ذلك فمن المحقق أن نتبين «أن كل تأديب في الحاضر لا يرى أنه للفرح بل للحزن؟ وأما أخيراً فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر للسلام» (عب7:12-11). وهكذا نجد تعليم الكتاب بشأن تأديب الرب.

ليت لنا نعمة؟ للقارئ والكاتب؟ فمن جهة لا نخور تحت التأديب كأن أمراً غريباً يصيبنا؟ ومن جهة أخرى لا نحتقره فنتجاهل يد الرب فيه أو نستخف به؟ بل بالحري نتدرب به حتى يعطينا فعلاً ثمار البر الهادئة؟ وهكذا نكون شركاء قداسته. وهكذا أيضاً ندخل في دائرة الغبطة التي تحدثنا عنها الأعداد التالية.

13. طوبى للإنسان الذي يجد الحكمة وللرجل الذي ينال الفهم 14. لأن تجارتها خير من تجارة الفضة وربحها خير من الذهب الخالص 15. هي أثمن من اللآلئ وكل جواهرك لا تساويها. 16. في يمينها طول أيام وفي يسارها الغنى والمجد 17. طرقها طرق نعم وكل مسالكها سلام 18. هي شجرة حياة لممسكيها والمتمسك بها مغبوط.

لا يبالي الناس بالمخاطر ولا يكترثون بما يبذلون من جهد وحذق في سبيل البحث والتنقيب عن المعادن الكريمة والجواهر البراقة. غير أنه في اتباع طرق الحكمة توجد كنوز لا تعادلها كل جواهر الأرض النفيسة. فهي تقدم طول الأيام؟ وغنى وكرامة للذين يجدونها. وإلى جانب ذلك؟ فإنها تهب ما لا تستطيع جميع المخازن الأرضية أن تهبه؟ أي سلام وهدوء النفس. إن طرق الحكمة هي الطرق التي توجد في المسيح. وكلمة الله هي التي تقود قدمي النفس الخاضعة إلى هذه الطرق. وطرق كهذه هي في الواقع «طرق نعم (أي مباهج) وكل مسالكها سلام». وإذ تجد النفس الحكمة الحقيقية؟ فإنها حينئذ تتغذى بشجرة الحياة. وما من سعادة يحظى بها الناس في الجسد يمكن أن تقارن بهذه السعادة.

وهي نفس الحكمة التي بها أوجد الله الأرض التي يعطيها لنا؟ لتكون مرشداً لنا في طريق سياحتنا. بهذا تُذَكِّرنا الأعداد التالية:

19.  الرب بالحكمة أسس الأرض. أثبت السماوات بالفهم. 20. بعلمه انشقت اللجج وتقطر السحاب ندى.

لا ريب أنها نعمة لا تُحد التي تجعل ذاك الذي يضبط الكل بكلمة قدرته؟ يُعنى بخطوات خلائقه. وما كلمة الله إلا تعبيراً آخراً للحكمة التي أوجدت العالمين؟ والتي «كُتبت لتعليمنا حتى بالصبر والتعزية التي في الكتب يكون لنا رجاء».

21. يا ابني لا تبرح هذه من عينيك. احفظ الرأي والتدبير 22. فيكونا حياة لنفسك ونعمة لعنقك 23. حينئذ تسلك في طريقك آمناً ولا تعثر رجلك 24. إذا اضطجعت فلا تخاف بل تضطجع ويلذ نومك.

قال واحد: "ليس يكفي أن تتمسك بالحق؟ بل أن يمسك الحق بك". والواقع؟ يجب أن نتمسك بما أعلنه الله؟ بحيث يحكم القلب والحياة؟ ويتسلط عليهما؟ لأن هذا هو الأمر الذي يشدد عليه هذا السفر؟ أكثر الأسفار العملية. نعم؟ وإذ نحفظ الحكمة والتدبير؟ فهذا يجعلنا نمسك بما هو حياة حقيقية؟ الحياة الجديرة بحق أن تسمى حياة؟ وهو الذي يزين أعناقنا بالنعمة. والرِجل بدورها تحفظ من العثرة؟ فينقاد التلميذ في طريق الحق ثم تكون الراحة والانتعاش والطمأنينة نصيب جميع الذين يحترمون كلمة الله ويقدرونها أكثر من كل أفكار الناس.

25. لا تخشى من خوف باغت ولا من خراب الأشرار إذا جاء 26. لأن الرب يكون معتمدك ويصون رجلك من أن تؤخذ.

النفس الطائعة هي التي تستطيع أن تتمسك بمواعيد الكتاب الكريمة. أما المتمرد والأثيم فلا حق له في ذلك. وإذ يسلك القديس خاضعاً للحق؟ فلا الخوف المباغت؟ ولا خراب الأشرار يزعجانه؟ لأن الرب؟ صاحب الحق؟ يكون معتمد الذين يسلكون بالاستقامة؟ ويحفظ أرجل قديسيه.

وإذ يأخذ الله مكانه الجدير به؟ يكون تعاملنا مع أخينا الإنسان متوافقاً مع ذلك؟ كما يكلمانا العددان التاليان.

27. لا تمنع الخير عن أهله حين يكون في طاقة يدك أن تفعله 28. لا تقل لصاحبك اذهب وعد فأعطيك غداً وموجود عندك.

لا يجب أن نكون مديونين لأحد بشيء إلا بأن يحب بعضنا بعضاً؟ فالمحبة وصية في عنق كل ابن لله. إن منع الخير عن أهله حين يكون في الإمكان عمله؟ برهان على حقيقة وجود الطمع في القلب؟ وعدم توفر المحبة. وكثيراً ما عانى الفقراء بسبب إهمال المؤمنين في هذه الناحية. وكم من أجور ينتظرها مستحقوها لتدبير ضروريات حياتهم تؤجل بلا سبب من أولئك الذين تفيض البركات الأرضية عندهم أكثر من هؤلاء الفعلة المساكين. ومن هنا تنشأ الآلام التي تؤدي غالباً إلى المرارة والكراهية. ومثل هذا السلوك من جانب المسيحي أمر يؤسف له بالحق. إن المال الذي كان يجب أن نعطيه للآخرين ليس لنا؟ وليس من الأمانة أن نستخدمه في أغراضنا الخاصة. وعين الله ترى كل عمل مثل هذا. ومرة قال لشعبه قديماً؟ وتعلمون خطيتكم التي تصيبكم!

29. لا تخترع شرا على صاحبك وهوساكن لديك آمناً.

إن استغلال الثقة هو في نظر الله وفي نظر الحق شيء بغيض. والثقة التي ليست في محلها قد هدمت كثيرين وأتلفتهم. ولكن ما أرعب أن يكون الشخص الذي يسيء استغلال الثقة معترفاً بالمسيحية. إن أموراً كهذه؟ هي التي طالما قادت كثيرين من البسطاء إلى الكفر والإلحاد؟ وأفسدت تأثير أولئك الذين؟ لو كانوا أمناء؟ لاستطاعوا أن يكونوا سبب بركة لكثيرين.

30. لا تخاصم إنساناً بدون سبب. إن لم يكن قد صنع معك شراً.

وحتى إن صنع معي شراً؟ فالذي هو أعظم من سليمان قال «وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر» (مت 39:5). تحت الناموس؟ كانت مخاصمة إنساناً بلا سبب معقول تعتبر خطية. ولكن تحت النعمة كما سامحني الله في المسيح ينبغي أن أسامح المذنبين إليّ.

31. لاتحسد الظالم ولا تختر شيئاً من طرقه. 22. لأن الملتوي رجس عند الرب. أما سرّه فعند المستقيمين. 33. لعنة الرب في بيت الشرير؟ لكنه يبارك مسكن الصديقين. 34. كما أنه يستهزئ بالمستهزئين هكذا يعطي نعمة للمتواضعين. 35. الحكماء يرثون مجداً والحمقى يحملون هواناً.

لقد غار آساف من الجهال إذ رأى سلامة الأشرار ونجاحهم حتى دخل مقادس الله؟ وعنذئذ فهم آخرتهم. يومئذ تمرمر قلبه واعترف ببلادته (مز73). أما الأشرار فإنهم لما حاولوا أن يشبعوا نفوسهم بأمور الأرض الزائلة؟ ظلوا يجهلون مقاصد الرب المعروفة عند الأبرار فقط. لكن آخرتهم لا مفرّ منها؟ لأن لعنة الرب هي في بيوت أولئك الأشرار وهو يستهزئ بادعاءاتهم الساخرة. غير أن بركة الرب تستقر في مسكن الأبرار؟ كما أنه «يعطي نعمة للمتواضعين». إن أولئك الذين يتواضعون ويسلكون في خطوات الرب يسوع المسيح الذي كان أبداً الشخص المتواضع المتوكل على الله سيزدريهم أولئك لحكماء في أعين أنفسهم. على أنهم في آخر المطاف سيرثون المجد؟ بينما يتبدد إلى الأبد لمعان الشهرة العالمية الزائفة. ويكون «الهوان نصيب الحمقى».

الأصحاح الرابع

1. اسمعوا أيها البنون تأديب الأب وأصغوا لأجل معرفة الفهم 2. لأني أعطيكم تعليماً صالحاً فلا تتركوا شريعتي 3. فإني كنت ابناً لأبي غضا وحيداً عند أمي 4. وكان يريني ويقول لي ليضبط قلبك كلامي. احفظ وصاياي فتحيا.

هذه إشارة إلى فترة شباب سليمان. فإذ كان محبوباً من أمه وموضوع اهتمام بالغ وشغف شديد من أبيه؟ فإنه تربى في شريعة الرب واستفاد بها.

ويكفي أن ندرس التاريخ التعس لأخيه "أدونيا"؟ ذاك الأخ الذي لم يحاول أبوه أن يغضبه بالقول "لماذا فعلت هكذا؟"؟ لندرك مبلغ ما كان سليمان مديناً به لنصائح أمه؟ وتأديب أبيه. والواقع أننا لا يمكن أن نكون مبالغين في تقدير قيمة التأديب الأبوي. فإن تربية الغلام في خوف الرب وإنذاره بركة نعجز عن تقديرها. ومن عجب أن داود استطاع أن يعامل ولدين من أولاده معاملة تختلف مع الواحد عنها مع الآخر كما رأينا. على أن النبرة هنا ليست على مسئولية الوالدين؟ بل على مسئولية البنين الذين يتربون ويصبحون محل عناية الآباء. وهاهو سليمان؟ مع ما أحاط تصرفاته من خلل وعوج؟ يحدثنا عن قيمة التأديب الحكيم التقوى.

5. اقتن الحكمة. اقتن الفهم. لا تنس ولا تعرض عن كلمات فمي. 6. لا تتركها فتحفظك. أحببها فتصونك. 7. الحكمة هي الرأس. فاقتن الحكمة وبكل مقتناك اقتن الفهم.

ليس مجرد المعرفة هو ما يعوز النفس؟ بل ما يعوزها هو الحكمة والفطنة؟ لاستخدام المعرفة على الوجه الصحيح. هذا هو الشيء الرئيسي؟ وهو ما ينبر عليه للشاب. فالحكمة تحفظ من الجهالة؟ وإذا ما أحبها الشاب بحق فإنها تصون قدميه.

8. ارفعها فتعليك. تمجدك إذا اعتنقتها 9. تعطي رأسك إكليل نعمة. تاج جمال تمنحك.

قرأنا في الأصحاح السابق القول «الحمقى يحملون هواناً»؟ لكن الحكمة تقود إلى الكرامة والرفعة الحقيقية. وهذا حق حتى في العالم مهما يكن طغيان إثمه. على أنه ما أكرم رجل الحكمة في وسط أولاد الله! غير أن العلم؟ مجرد العلم؟ ينفخ ويتسبب في الازدراء لصاحبه. أما قول الحكمة فدائماً في موضعه؟ وهو وإن كان كثيراً ما يُرفض إلا أنه على الأقل يُقدّر.

10. اسمع يا ابني واقبل أقوالي فتكثر سنو حياتك. 11. أريتك طريق الحكمة. هديتك سبل الاستقامة. 12. إذا سرت فلا تضيق خطواتك وإذا سعيت فلا تعثر.

إن سفر الجامعة؟ كما قلنا في المقدمة؟ يرسم الطرق الخاطئة؟ التي ضل فيها الكاتب الملكي يوم تخلى عن الكلمة التي كانت قائد شبابه؟ وأمعن في مشاورة قلبه؟ وفي ابتكار وسيلة اللذة لنفسه؟ على أنه ليس من المحتم أن نتابعه في سبل الغباوة لكي نتعلم عاقبته. فإن السفر الذي نتناوله الآن يضع لنا معالم السبل القويمة؟ سبل الحكمة وكل الذين يسلكونها يجدون خطواتهم واسعة؟ ويقدرون أن يركضوا بغير تعثر. فما أحوجنا إلى التحريض الآتي!

13. تمسك بالأدب لا ترخه. احفظه فإنه هو حياتك. 14. لا تدخل في سبيل الأشرار ولا تسر في طريق الأثمة. 15. تنكّب عنه. لا تمر به. حد عنه واعبر. 16. لأنهم لا ينامون إن لم يفعلوا سوءاً وينزع نومهم إن لم يسقطوا أحدا. 17. لأنهم يطعمون خبز الشر ويشربون خمر الظلم.

المبدأ المرسوم هنا على غاية من الأهمية؟ ولا يحتاج إلى تفسير كثير؟ فإن أولاد الله مدعوون للانفصال عن فعلة الشر جميعاً. وذاك الذي يعرف ما يدور في الظلام؟ قد وصف لنا طرقهم النجسة؟ ولا داعي إلى تجاهلها. فإذ قد دُعينا للقداسة؟ يجب أن نتجنب طرقهم. أما التساهل معها فإنه مؤذٍ ويعوق ويهدم تقدم النفس. إن الربان الحقيقي قد لا يعرف كل صخرة في طريق السفينة؟ لكن تتجلى حكمته في اتخاذ المجرى الآمن. هكذا ليس من الضروري أن يُلم المسيحي بكل طرق الشر اليوم؟ إنما كل ما عليه هو أن يسلك طريق الأمان التي يرسمها العددان التاليان.

18. أما سبيل الصديقين فكنور مشرق يتزايد وينير إلى النهار الكامل 19. أما طريق الأشرار فكالظلام. لا يعلمون ما يعثرون به.

هناك فارق عظيم كما نرى. فإن سبيل الصديقين الذي يقود إلى تلك المدينة التي ينيرها مجد الله؟ والحَمَل سراجها؟ تلمع أكثر فأكثر؟ لأن النور الأصيل الذي يصدر من تلك المدينة السعيدة؟ يزيدها عظمة؟ أجل؟ إن ثقل مجد أبدي يلاقينا عند نهاية الطريق.

ولكن ما أعظم المباينة حينما نتأمل طريق الأثمة؟ فإن سبيلهم تقع على حافة حفرة الويل الأبدي؟ تؤدي إليها بعجل؟ تلفها الظلمة الدامسة؟ ودخان بئر الهاوية يحجب ضوء الطبيعة ونور الإعلان الإلهي على السواء. وهكذا يتعثر الناس عمياناً؟ وهم لا يدرون ما الذي يعثرهم؟ والعاقبة نحن نعرفها جيداً؟ طرد أبدي من حضرة الله.

أما وعلى النفس أن تختار أي الطريقين؟ فإن في التحريض الآتي خير هاد ومرشد.

20. يا ابني أصغ إلى كلامي. أمل أذنك إلى أقوالي. 21. لا تبرح عن عينيك. احفظها في وسط قلبك. 22. لأنها هي حياة للذين يجدونها ودواء لكل الجسد.

يقول روح المسيح بلسان المرنم «خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك» (مز11:119)؟ فالقلب الذي يحكمه الكتاب؟ هو الذي يضمن السلوك في الحق. والله يسر بالحق في الباطن. ومقاليد الكيان في القديس يجب أن تكون كرسي الحكمة. وإذ يكون الأمر هكذا؟ فإن أقوال المعرفة تكون حياة وصحة لمن يحفظها. والعدد التالي يؤكد هذا المبدأ الكلي الأهمية.

23. فوق كل تحفظ احفظ قلبك لأن منه مخارج الحياة.

هاك حقيقة علمية دقيقة يتحدث عنها سليمان. فإن اكتشاف هارفي للدورة الدموية الذي قلب الأفكار الطبية رساً على عقب؟ يتحدث سليمان عنه هنا كحقيقة مسلّم بها؟ ويأخذه تمثيلاً لحقيقة روحية. فكما أن القلب هو مركز الجهاز البدني الذي منه تصدر مخارج الحياة؟ هكذا يتحدث الحكيم هنا عن القلب كمرادف للنفس؟ الأمر الذي يجب أن نحرسه بكل غيرة وحماس؟ لكي يصدر عنه كل ما يلزم لبناء أولاد الله.

24. انزع عنك التواء الفم وابعد عنك انحراف الشفتين.

كما أنه «من فضلة القلب يتكلم الفم»؟ هكذا يربط العدد الذي أمامنا القلب والفم معاً. فإن الفم الملتوي والشفاه المنحرفة؟ تنبئ عن شخص غير خاضع لله. فإنه حيث تحتل كلمة الله مكانها في النفس؟ فإن الشفاه تعكسها وتبينها.

25. لتنظر عيناك إلى قدامك وأجفانك إلى أمامك مستقيماً. 26. مهّد سبيل رجلك فتثبت كل طرقك. 27. لا تمل يمنة ولا يسرة. باعد رجلك عن الشر.

ليس الفم وحده هو الذي يكشف حالة القلب؟ فإن القدمين تسلكان طبقاً لحالة النفس. وإذ ننسى ما وراء؟ علينا أن نسعى نحو جعالة دعوة الله العليا في المسيح. ولما تثبت العين على الهدف؟ تنظر إلى الأمام مستقيماً؟ والهدف بالنسبة لنا هو المسيح. وكما أن الحراث يستطيع أن يمهد خطاً مستقيماً حين يثبت عينيه على نقطة بعيدة؟ هكذا تكون سبيل المسيحي؟ حين تثبت عين القلب على الرب يسوع الجالس في المجد. على أن هذا ينطوي على عناية خاصة بطرقنا؟ حتى نثبتها جميعها بحسب الحق؟ فنحكم على الشر وننفصل عنه؟ ولا نميل يمنة ولا يسرة. وإذا ما عرفنا فكر الله؟ يجب أن نتصرف بأمانة بمقتضى ذلك بغضّ النظر عن أفكارنا؟ أو أفكار الآخرين الذين يجهلون فكر الله.

والسير مع الله يعني بالضرورة عدم تقدير الأشخاص غير الروحيين الذين يجهلون قوة الله وقيمة حقه. فإذا ما حصل القديس على مصادقة الله؟ فلا حاجة به إلى مشاورة اللحم والدم؟ بل كل ما عليه هو الطاعة البسيطة لما يقوله الله في كلمته.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.