وقال يعقوب يا إله أبي إبراهيم ... صغير أنا عن جميع ألطافك وجميع الأمانة التي صنعت إلى عبدك... نجني.. لأني خائف.. وأنت قد قلت إني أحسن إليك (تك32: 9-12)
في تلك الصلاة نجد علامات كثيرة تدل على سلامة نفس يعقوب وقوته، فإنها من بعض النواحي يليق بأن تكون نموذجاً لنفوسنا عندما تُصهر في بوتقة الآلام.
فهو قد بدأ الصلاة بترديد وعد الله مرتين « أنت قد قلت » (تك32: 9،12)، إذاً فقد كان مُمسكاً بالله. إن الله بمواعيده يضع نفسه في متناولنا، وعندما نستطيع أن نقول له « أنت قد قلت » لا يمكن أن يقول « كلا »، بل لا بد وأن يعمل كما قال. إذاً في الصلاة تأكد من أنك تستند على أحد مواعيد الله، إذ بذلك تجد باب السماء مفتوحاً وقوة الله في متناول يدك.
وبعد ذلك تقدَّم إلى الاعتراف « صغير أنا عن جميع ألطافك .... » (أنا دون أن أستحق جميع ما صنعت إلى عبدك من المراحم). لقد استعرض بمخيلته خداعه لأبيه الشيخ، وتصرفه نحو عيسو، حِيَله الكثيرة التي ارتكبها مع لابان مدة السنوات الطويلة. لقد انكشف أمامه خداع قلبه ونجاسة حياته في لحظة بكل وضوح، والضمير استيقظ من سُباته الطويل الذي استغرق فيه فساد طبيعته، ووقف مُحاجاً ومحتجاً ومشتكياً. وإذ مَثَلَ أمامه الماضي بكل ما فيه من نقائص وشرور، ألم يكن هناك ما يبرر اعترافه « صغير أنا » (أنا دون أن أستحق)؟
ومن ثمَّ تقدم لطلب النجاة « نجني من يد أخي من يد عيسو« . لقد كان مُحقاً بطبيعة الحال أن يصلي هكذا. ولكنني لست أظن أنها صلاة من القلب لأنه لم يكد يتمها حتى عاد إلى الخطة التي كان منشغلاً بتدبيرها قبل أن يلجأ إلى الصلاة. لقد كان يدبر خطة لاستعطاف عيسو. ولا أستطيع بطبيعة الحال أن أقول كلمة واحدة ضد تدبير الخطط إن اتضح لنا تماماً أن هذه هي طريقة نجاتنا. ولكن أخشى ما أخشاه هو أن يحل تدبير الخطط محل انتظار الله بكل اتكال وبساطة حتى تصعد السحابة وتسير أمامنا وترشدنا إلى الطريق وسط الصحاري والقفار.
كلنا نميل أن نصلي كما صلّى يعقوب، ثم نحاول بعد ذلك تدبير الخطط لنجاتنا. لا شك أن الموقف الصحيح هو أن نصمت وننتظر الله ـ بعد الصلاة ـ لكي يتم خطته هو ويرشدنا إلى الطرق التي لم نكن نحلم بها من قبل.
ف.ب. ماير
|