الذباب الميت ينتن ويخمِّر طيب العطار (جا10: 1)
يا له من جو مُنعش ومُبهج، ذلك الذي يعيش فيه العطار. فهو يحيا وسط الروائح الذكية العطرية التي تنعش النفس وتبهج القلب ـ هذا هو الجو الذي يليق بكل مسيحي حقيقي أن يحيا فيه، جو الشركة المقدسة التي تمتع النفس برائحة المسيح الذكية. وهذا يستلزم من المسيحي كل نشاط واجتهاد، فكما أن العطار يذهب مبكراً إلى الجنات ليجمع الأزهار الجميلة، فكذلك المؤمن في شركة مباركة يدخل إلى جنة الملك « فتقطر أطيابها ». وكلمة الله هي الجنة التي يدخل إليها وينتقل في أرجائها العطرة، يجد في كل جزء فيها ما يفوق رائحة الأزهار العطرية.
والعطار لا يكتفي بجمع الرياحين من الجنات والفراديس، ولكنه في عُزلة عن الناس يستخرج منها الأطياب، هكذا المؤمن أيضاً فإنه لا يكتفي بالتأمل في كلمة الله وجمع الباقات الجميلة « طاقة فاغية » من المواعيد الإلهية، ولكنه يدخل إلى مخدعه ويغلق بابه خلفه، وفي خلوة سرية يسكب نفسه أمام الله ليُظهر تأثير كلمة الله النقية في حياته العملية.
وليس العطار صانعاً فقط، ولكنه تاجر أيضاً « مَنْ هذه الطالعة من البرية ... مُعطرة بالمُرّ واللبان وبكل أذرّة التاجر » (نش3: 6). فهو لا يخلو بنفسه فقط ليستخرج الأطياب الثمينة والأدهان النفيسة، ولكنه يعرض أطيابه الثمينة على الآخرين. والمسيحي يجمع السوسن والنرجس والناردين من كلمة الله، ثم يستخرج منها الأطياب والأدهان المقدسة داخل مقادس الشركة السرية، وأخيراً يتسنى له أن يحمل رائحة المسيح الذكية إلى العالم المسكين فيُخبر بفضائل الذي دعانا من الظلمة إلى نوره العجيب.
وبقدر ما تزداد شركتنا مع الرب، بقدر ما يزداد تمتعنا برائحته المُنعشة. ولا نستطيع أن نحمل رائحة الطيب المُبهجة، أو بالحري محبة المسيح ونعمته الفائقة إلى الآخرين، إلا إذا كنا نحن متمتعين أولاً برائحة أدهانه المقدسة وكان المسيح ظاهراً في حياتنا.
حقاً ما أسعد وما أثمن طيبه، إلا أنه ما أشد حاجته إلى السهر المستمر لحفظ الطيب في حالة النقاوة لأن « الذباب الميت ينتن ويخمّر طيب العطار ». هكذا حذار يا أخي المؤمن من الخطية الصغيرة التي بسهولة تجعل رائحة الطيب نتنة، والنور الذي فيك يصير ظلاماً.
و.ج. هوكنج
|