ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب، مملوءاً نعمة وحقا (يو1: 14)
في هذه الآية يدوّن لنا الوحي ما كان الإيمان يراه بواسطة العين المُستنيرة بعمل الروح القدس، وهذا المنظر لم يكن لمحة عابرة وقتية لظهور إلهي خاص كما كان يُعطى من حين لآخر في أزمنة العهد القديم، بل هو مجد الكلمة المتجسد الذي استطاع الإيمان أن يراه ويشخص فيه بإعجاب وتعبد.
علاوة على ذلك فإن مجد الكلمة وقد صار جسداً، كان إعلاناً لصفة جديدة. وكان يختلف كل الاختلاف عن كل ما عُرف في أزمنة العهد القديم، فلم يكن هو مجد سحابة يهوه الحال بين الكروبيم ـ ذلك المجد الرهيب المُرعب كما قال موسى مرة « أنا مرتعب ومرتعد » بل كان مجداً مملوءاً جاذبية وعطفاً وحباً. كان مجد الكلمة الظاهر في المسيح هو مجد أو جلال المحبة الإلهية الفريدة التي لا مثيل لها.
فمجد الكلمة الذي حلّ بيننا له صفة وطبيعة مجد ابن الله الوحيد الذي قال عنه الرب لفيلبس في ما بعد: « الذي رآني فقد رأى الآب ». ففيه ـ أي في الكلمة الحال بين الناس ـ استقرت المحبة الأبوية واللذة السرية التي لا يعرفها سوى ذاك الذي كان وحيداً عند أبيه، وكشف للناس بواسطة الكلمة في التجسد. لقد عاش الرسول يوحنا مع الرب يسوع، وسار معه ورأى في حياته مجد الابن الوحيد ـ مجده الذاتي الذي كان مُستتراً داخل خيمة الجسد، ولكنه كان يشرق بين وقت وآخر في الآيات التي كان يعملها.
« مملوءاً نعمة وحقا ». النعمة هي محبة الله الظاهرة في مشهد شر الإنسان ومتجهة في سموها إلى ما فوق شر الإنسان، ومتجهة في عمقها إلى ما تحت شر الإنسان، منتصرة على هذا الشر بالإحسان إلى الإنسان. أما الحق فهو إظهار جميع الأشياء بما في ذلك حقيقة الله نفسه، وحقيقة الإنسان، وحقيقة المخلوقات الملائكية أطهاراً أو أشراراً.
ونلاحظ قوله « نعمة وحقا » ولم يَقُل « حقاً ونعمة » لأن طريقة توصيل الحق للإنسان لا يمكن أن تنجح إلا بواسطة النعمة التي تستحضر الحق ليعمل في الإنسان. جاء ابن الله مملوءاً نعمة، تلك النعمة التي جعلت العشارين والخطاة يريدون الاقتراب منه لكي يسمعوه، وجاء أيضاً مملوءاً حقاً، وكان البشر محتاجين إلى الحق بسبب ظلمة أفكارهم وتجنبهم عن حياة الله. لقد جاء مملوءاً مما كان البشر يحتاجون إليه.
هلال أمين
|