وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفاً هو واثنان من تلاميذه، فنظر إلى يسوع ماشياً، فقال: هوذا حَمَل الله. فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع (يو1: 35-37)
في الأعداد السابقة تحدث يوحنا المعمدان عن شخص المسيح مُقدماً شهادة علنية للجموع، وذلك عندما أشار إليه وهو مُقبل بالقول « هوذا حَمَل الله الذي يرفع خطية العالم » (ع29). فلقد أتى المسيح إلى العالم لهذا الهدف العظيم: ليرفع خطية العالم، فوضع بموته الأساس لرفع الخطية نهائياً من العالم في يوم قريب (رؤ21).
لكننا نرى يوحنا بعد ذلك في مشهد آخر، يختلف عن المشهد الأول؛ إلا أنه مكمّل له. حيث نراه يتأمل في يسوع ماشياً ففاض قلبه بكلام صالح؛ بكلمات الإعجاب والسجود قائلاً: « هوذا حَمَل الله »! (ع36). ولم يكن يعنيه أن يسمعه أحد، إلا أن التلميذين (على الأرجح يوحنا الحبيب، ومعه أندراوس) سمعاه عن غير قصد، فأثرت فيهما كلمات التعبد القليلة هذه؛ فتبعا يسوع!
يا لها من كلمات سجود عطرة، كان منشؤها التأمل في شخصه العظيم، « يسوع ماشيا »!
لنتأمله ماشياً على الأرض حتى تعب من السفر (يو4: 6) باحثاً عن الضال حتى يجده (لو15: 4) فهو الذي جال يصنع خيراً ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس (أع10: 38). وهذا المسافر الغريب (إر14: 8) الشريف الجنس (لو19: 12) ختم رحلته موثقاً (يو18: 12) كشاة تُساق إلى الذبح (إش53: 7). فما أجمله ماشياً على الأرض خادماً للكل، باذلاً حتى دماه!
ولنتأمله ماشياً على المياه. هو نفسه الذي وعد « إذا اجتزت في المياه فأنا معك، وفي الأنهار فلا تغمرك » (إش43: 1-3). وفي يوم تجسده، والسفينة معذبة من الأمواج وسط البحر، والريح مُضادة، نراه في الهزيع الرابع آتياً إلى تلاميذه ماشياً على البحر، مقدماً نموذجاً فريداً لحياة الإيمان الواثق التي ترتفع فوق كل الظروف، والتي اختبرها بطرس وهو مثبّت العين على سيده. حقاً ما أعظمه ماشياً على المياه.
وأخيراً لنتأمله ماشياً على الهواء أو بالحري مُقبلاً إلينا على سحاب السماء لتنتهي غربتنا ويتم اللقاء ـ مع كل الذين سبقونا ـ في الهواء « وهكذا نكون كل حين مع الرب » (1تس4: 17). فما أروعه آتياً مُسرعاً من السماء!
إننا بقدر تأملنا في « يسوع ماشيا » بقدر شبعنا بشخصه، وسجودنا له، وسلوكنا في إثر خطواته، وأشواقنا لسرعة مجيئه.
إسحق إيليا
|