إلى الأبد يا رب كلمتك مثبتة في السماوات (مز119: 89)
سُئل مرة أحد قادة المسيحية في القرن الثالث، اشتهر بالحكمة، عن المصدر الذي منه استقى المعرفة والحكمة، فأجاب: إن كل ما تعلمته يرجع الفضل فيه لكتابين، الكتاب الأول هو ظاهرياً كتاب صغير، وأما الكتاب الآخر فهو كبير جداً.
وغني عن البيان أن الكتاب الكبير الذي قصده هذا الحكيم هو كتاب الطبيعة، وأما الكتاب الصغير فهو الكتاب المقدس. الله هو كاتب كلا الكتابين، أرسل أحدهما لكل الخليقة، والثاني لشعبه فقط. كتاب الطبيعة هو الكتاب الأشمل الذي بوسع كل البشر أن يقرأوه، والكتاب المقدس هو الكتاب الأكمل الذي يحدثنا عن جوانب لم يُخبرنا بها الكتاب الأول. الكتاب الأول حدثنا عن قدرة الله وحكمته، والثاني عن قداسة الله ومحبته. الكتاب المنظور يشتمل على أعمال الله، والكتاب المسطور يشتمل على أقوال الله، لكن كليهما يحدثنا بطريقة صريحة ومُقنعة عن مجد الله.
ما أسعدنا إذاً بهذا الكتاب المقدس. إنه رسالة الله إلى الإنسان، لا رسالة الإنسان إلى أخيه الإنسان. السماء والأرض تزولان، وهذا الكتاب لا يزول (مت24: 35) - تنحل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها، وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد (2بط3: 10؛ 1بط1: 25) ومع أنه أقدم كتاب عرفته البشرية، ولكنه لا يبلى ولا يتغير.
لقد مرّت عليه ألوف السنين ومع ذلك فهو لا يحتاج إلى تحديث ولا إلى تنقيح. هو كتاب لا يشيخ ولا يَهرِم، بل كالنسر يجدد شبابه دائماً. إنه كتاب كل العصور، فلا يوجد كتاب نظيره لا زال البشر يقرأونه وبشغف ولذة وخشوع، ويجدون فيه دائماً شيئاً جديداً، مما يبرهن على أن صاحبه هو الله الأزلي الأبدي. وما زال هو موضع احترام الملايين الذي آمنوا به فصار لهم نبراساً وهدي، صحح أخطاءهم، وقوّم اعوجاجهم، وأرشدهم إلى الطريق الأبدي.
قارئي العزيز: إن أردت أنت أيضاً الحكمة، فعليك بهذه الكلمة المقدسة فتقول مع المرنم « وصيتك جعلتني أحكم من أعدائي »
يوسف رياض
|