وفي اليوم الأخير العظيم من العيد وقف يسوع ونادى قائلاً: إن عطش أحد فليُقبل إلىَّ ويشرب (يو7: 37)
قد صعد الرب إلى العيد كأنه في الخفاء، وفي ذلك اليوم العظيم من العيد أعلن نفسه كالصخرة التي تفيض بالمياه التي نحتاج إليها - الماء المجاني المقدم لكل العطاش، فكل مَنْ يعطش له أن يأتي ويشرب من الصخرة التي هي المسيح، وكان لا بد من عطية الروح القدس حتى يتسنى للماء أن يفيض فيضاناً فعالاً مؤثراً كما نقرأ أن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد، لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد.
أما نحن الآن فنملك الروح القدس، وماذا لنا إذاً إلا أن نأتي إلى يسوع ونشرب منه، وفي الشرب منه سد لكل أعواز النفس ووفاء لحاجتها. ويمكن لغير المؤمن أن يأتي إلى المسيح ويشرب وهكذا ينال حياة تحت تأثير قوة روح الله. إلا أن ذكر الشرب هنا يصدق خصيصاً علينا نحن المسيحيين الذين سبقنا فقبلنا الرب يسوع كحياتنا الأبدية. والسؤال الهام لنا هو: هل نشرب منه كل حين؟ هل تكِّن قلوبنا شوقاً قوياً ورغبة عميقة وتعطشاً إلى الشرب منه؟ ألا يوجد شيء يُشبع قلوبنا سواه؟ أنشعر بحاجتنا إلى المجيء إليه لكي يبقى نبع الحياة جديداً في نفوسنا؟ أم نرضى أن نتشبه بهؤلاء الذين يجتازون برية هذا العالم دون أن يشعروا بالعطش إليه؟
كم من المرات لا تختبر نفس المسيحي الشوق الصادق إلى الوجود في تماس مع الرب يسوع مصدر الماء الحي، وإذا ما صار كذلك جفت النفس واشبهت النبات الذي يجف من القحط وينتهي بالفناء، وإن حدث ونزل على النبات نقط من الماء الجديد، حالاً تبدو عليه دلائل الصحة، ومع المواظبة يستعيد نشاطه الأصلي ونضارته الأولى.
أتذكر أني زرت مرة اجتماعاً في رفقة صديق لي، ولما دخلنا الاجتماع اغتمت نفوسنا من حالة الإخوة حتى اقترح صديقي أن نترك الاجتماع للوقت. فما كان مني إلا الرفض، وقلت يلزمنا أن نبقى هنا لأن هذا الجفاف في حاجة إلى الماء. وفي الواقع ما لبثنا أن رسمنا المسيح أمامهم حتى ظهرت الحياة الجديدة في تلك الجماعة. وما يصدق على الجماعة، يصدق على كل مسيحي بمفرده، ونحن نحكم على حالتنا وحالة المسيحيين حولنا بقوة تعطشنا إلى المسيح. لنا الروح القدس ومن اللحظة التي فيها نتلامس مع المصدر، تفيض البركة بلا حد، وهذا هو سر الحياة المسيحية العظيم. فما يعوزنا حقيقة هو الشركة والتلاصق بمصدر حياتنا الرب يسوع، حتى نقبل رسالة حية عن أفكاره.
هنري روسييه
|