...وأما هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محله (لو23: 41)
إن ربنا يسوع المسيح كان الإنسان الوحيد الكامل الذي وطأت قدماه هذه الأرض. وقد كان كاملاً في أفكاره، كاملاً في أقواله، كاملاً في أعماله. كل أوصافه كانت متناسبة ومتلائمة. فلم يتطرف قط في أمر، وكان جلاله باعثاً للرُعب، كما كان لطفه جاذباً للنفس. فالكتبة والفريسيون توبخوا منه بصرامة، بينما كان الخطاة والعشارون يدنون منه ليسمعوه. كل صفة من صفاته ظهرت في موضعها بدون أن تمس أو تعطل بقية الصفات.
ويمكننا مشاهدة ذلك في كل دور من أدوار حياته. فقد أظهر كرمه حين قال للتلاميذ لما رأى الجموع في حالة الجوع « أعطوهم ليأكلوا ». كم أظهر حرصه إذ قال بعدما أكلوا وشبعوا « اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء ». وسواء أكان في التوزيع أو في الجمع، فقد عمل كل شيء في محله وأظهر الكمال المُطلق. وكل شعاع من أشعة بهائه كان يضيء في موضعه الخاص. فالجياع لم يشأ أن يصرفهم فارغين، وبركات الله لم يفرّط فيها بشيء. من الجهة الواحدة مدَّ يده السخية لسد أعواز الجموع. ولما انتهى من هذا العمل مدَّ يده ليجمع ما بقى من خيرات الله لكي لا يضيع منها شيء. فتلك اليد التي انفتحت لكي تشبع كل حي، قد انغلقت أيضاً خوفاً من التبذير المذموم وحرصاً على خيرات الله من التبديد. كان كريماً بغير تبذير، وكان مقتصداً بغير شُح. فهو الإنسان السماوي الكامل.
وما أعظم هذا الدرس لنا. فإن كرمنا أحياناً يتحول إلى تبديد في غير محله لخيرات الله. واقتصادنا مراراً يدل على روح البُخل. بل في أوقات تأبى قلوبنا الضيقة أن ترحب بأعواز الذين يمدون أيديهم إلينا، بينما نكون من الجهة الأخرى مبذرين ومنفقين بإسراف لغير اقتضاء. لو كنا صرفناه في محله لأغنى كثيرين وسدد أعواز نفوس محتاجة من إخوتنا.
فلننظر أيها الأحباء كيف نتصرف بما لنا جاعلين حياة « الإنسان يسوع المسيح » قدوتنا. وما أشهى التأمل في كمالات يسوع المسيح والنظر إلى طرقه الكاملة، فهو مثالنا في هذه جميعها « ليكون متقدماً في كل شيء ». والمشغولية به هكذا تؤيدنا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن.
ماكنتوش
|