« لأنه أشبع نفساً مشتهية وملأ نفساً جائعة خيرا »
(مز9:107)
إذا طالعتم مؤلفات القديسين القدماء، تُذهلكم شدة تعطشهم إلى المسيح وولعهم به، إذ كان هو الغرض الأسمى الذي تصبو إليه قلوبهم، فيا ليتنا نحن نقتدي بهم في ذلك.
انظروا إلى مريم المجدلية التي كانت في زمانها مثالاً لحب المسيح والتعلق به، فالرسل لم يجذبوا قلبها، بل تركتهم يرجعون بدونها، والملائكة الذين هم أعلى طبقة من المخلوقات تكلموا معها فلم يكتفِ قلبها ولم يشبع. والرجل الذي ظنته البستاني لم يكن له مكان في نفسها، وليس ذلك فقط بل قد نسيت نفسها بأنها امرأة ضعيفة وقالت « يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقُل لي أين وضعته وأنا آخذه »
(يو15:20)
. لم يكن كل هؤلاء ليرووا غليلها، إنما كان شخصه المبارك موضوع شغفها ولهف قلبها، فقد سهرت عند مصاريعه وحفظت قوائم أبوابه
(أم34:8)
. وفى النهاية ألم تَنَل رضى من الرب؟ نعم وأي رضى أعظم من أن يعطيها الرب أول رسالة حبية مُفرحة لم يسبق لشفاه أن تنطق بمثلها.
وفى إنجيل يوحنا 38:1، 39 مَثَل آخر لذلك، فنجد أندراوس ويوحنا يُظهران أشواقهما نحو الرب بسؤالهما « ربى ... أين تمكث »؟ فهما يريدان أن يكونا في عشرته ساهرين كل يوم عند مصاريعه حافظين قوائم أبوابه، وما هو الرضا الذي نالاه « فقال لهما تعاليا وانظرا. فأتيا ونظرا أين كان يمكث ومكثا عنده ذلك اليوم ». يا له من يوم سعيد! هل تظنون أنهما ينسيان ذلك؟ كلا.
ثم نرى مثالاً آخر في بولس الرسول حينما قال « إني أحسب كل شيء أيضاً خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى الذي من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح وأوجد فيه » (فى8:3، 9).
ولكي يحصل على أمنيته هذه، عاش محصوراً بهذا الغرض الواحد، أو بتعبير سفر الأمثال8 عاش ساهراً كل يوم عند مصاريعه حافظاً قوائم أبوابه، ألم يَنَل رضى من الرب؟ بلى. أقليل عليه أنه استطاع أن يقول عن اختبار « إن سيرتنا هي في السماويات »
(فى20:3)
. وأيضاً « تعلمت أن أكون مكتفياً بما أنا فيه »
(فى11:4)
. وأيضاً « أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني »
(فى13:4)
.
ليت كل ذلك يتحقق فينا نحن أيضاً.
كوتس
|