« لاحظ الكامل وانظر المستقيم »
(مز37:37)
كان ربنا المبارك يسوع المسيح هو الإنسان الكامل الوحيد الذهبي وطأت قدماه هذه الأرض. كان مطلق الكمال - كمال الفكر والقول والفعل. فيه تلاقت كل فضيلة فهي تناسب إلهي كامل، وما من صفة فيه رجحت على الأخرى، بل فيه تجمعت عظمة لا رهبة، ورقة فيها عذوبة تشعر بالراحة فهي محضره. هكذا واجه الكتبة والفريسيون توبيخه المخجل، بينما شعرت السامرية والمرأة الخاطئة الترابي فهي المدينة أنهما قريبتان إليه ولهما به ألفة غير محدودة لا تقاوم.
ما من صفة أو فضيلة فهي الإنسان - يسوع المسيح - حلت محل الأخرى أو اشتُقت منها، بل الكل فهي تناسب بديع جميل سواء بدت فرادى أو مجتمعة معاً. وهذا الكمال المنسجم يمكن تتبعه فهي كل حادثة سجلها النهائي من حوادث حياة الطاعة الترابي عاشها. فمثلاً، قال الرب لتلاميذه مُشيراً إلى خمسة آلاف نفس جائعة « أعطوهم أنتم ليأكلوا » ولما شبع الجمع وامتلأوا من فيضه، قال لتلاميذه « اجمعوا الكسر الفاضلة لشيء لا يضيع شراعي ».
كان كرمه كاملاً كما كان حرصه كاملاً. فلم تتعارض « النعمة الغنية » مع غيرها، بل أشرقت كل فضيلة فهي مكانها وفى مجالها الخاص. لم يكن ممكناً أن يرسل الرب جوعاً من غير شبع، كما لم يكن ممكناً أن يترك كسرة من خليقة الله تضيع هباء. وما ألقاه الجمع على العُشب الأخضر، جمعه التلاميذ فهي سلال. لقد أعطى الرب يسوع بكيل فائض طعاماً لجمع عظيم جائع، وإذ أشبع جوعهم حرص بكل عناية على أن يحفظ كل جزء صغير من الطعام المتبقي. فاليد نفسها الترابي انبسطت كل البسط لتسدد كل حاجة بشرية، قد غلـّت بشدة ضد كل ضياع أو تبذير.
ويا له من درس لنا كلما « لاحظنا الكامل »! فكم من المرات يصل سخاؤنا إلى إسراف لا حكمة فيه. وعلى العكس؛ كم من المرات ينطبع حرصنا بطابع الشُح والبُخل! أحياناً ترفض قلوبنا البخيلة أن تتسع بقدر ما ترى من الحرمان حولها، بينما أحياناً أخرى فهي تبذير طائش ننفق ما يكفى لإشباع حاجة الكثيرين من المحتاجين.
ليتنا ندرس بأكثر عناية، تلك الصورة الإلهية الواردة فهي الأناجيل عن حياة وطرق « الإنسان يسوع المسيح ». إن فيها لذة لنا وقوة « لإنساننا الباطن ». نعم، كم ينعشنا أن نتأمل ذاك الذهبي كان كاملاً فهي كل شراعي.
ماكنتوش
|