قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

8

السقـوط

هناك بعض أمور يجب أن نشير إليها قبل أن يتضح أمامنا تماماً انسجام التعليم الكتابي بشأن الروح والنفس. والواقع أن ما بين هذين الجزئين الجوهريين في تركيب الإنسان من فارق وعلاقة نرى لهما بغير شك نماذج ورموزاً في الجنس البشري بوجه عام. ففي الرجل والمرأة، بما هما عليه من فوارق مميزة، نستطيع أن نرى الشيء الكثير من المميزات الخاصة بكل من الروح والنفس: فالأول له التفوق في مجال النشاط العقلي، والثانية لها التفوق في مجال النشاط العاطفي، والمرأة صُنعت لأجل الرجل، والاثنان - إذ يكمل كل منهما الآخر - خلقاً للتعاون المتبادل والعلاقة المشتركة.

ومع ذلك فإن وجه الشبه يمكن أن نتبعه إلى ما هو أبعد من ذلك وعلى قدر تأملنا فيه تزداد أهميته وينجلي معناه. فالرجل وقع في الضلال بسبب المرأة، ولم يكن ضلاله عن تيه وعدم وعي بل انسياقاً كالأسير وراء عواطفه. يقول الرسول إن «آدم لم يُغْوَ، لكن المرأة أُغويت فحصلت في التعدي» (1تي 14:2) والمرأة تقول «الحية غرتني» (تك 13:3) في حين يقول الرجل «المرأة .. أعطتني من الشجرة (ولا يقول أغوتني)» (تك 12:3). وهكذا، كما أن الرجل انقاد وراء المرأة وسقط بسببها، كذلك واضح أنه انقاد بعواطف النفس، وبالنفس سقطت الروح.

وهذا هو الحال دائماً، حتى في استعمالنا لغة اليوم وليس لغة الكتاب نجد باعتراف الناس أن الرأس تضل وراء القلب. والرب نفسه يقول «كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجداً بعضكم من بعض، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه» (يو 44:5) وأيضاً «لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق، بل (لاحظ السبب) سروا بالإثم» (2تس12:2). وكذلك أيضاً في حالة الرجوع الحقيقي لله، إنه بالقلب (وليس بالرأس) يؤمن الإنسان به للبر (رو 10:10).

وهكذا نرى أنه مع الاعتراف بضلال الروح، كضلال النفس تماماً، فإنه "بسبب" النفس "ومعها" تضل الروح وتسقط. والكتاب المقدس بطريقته الخاصة العجيبة الكاملة يحرص دائماً على صيانة هذا الفارق المميز. فهو يعلن أن الروح في الإنسان الساقط قد أسلمت قيادها للنفس وأن الإنسان «الطبيعي» هو إنسان "نفسي" (انظر حاشية الكتاب) أي منقاد بالنفس Soul-led (1كو 14:2) في حين أن في المؤمن، لا سيما في حالته التي بلا لوم، تسترد الروح سيادتها ومركز قيادتها، وهكذا يعود الترتيب الإلهي مرة أخرى «روح ونفس وجسد».

وليست هذه التعبيرات فريدة في الكتاب المقدس. فنحن نجد نفس الشيء معبَّراً عنه في كلمة الله بطرق مختلفة. نجد الإرادة في الإنسان الطبيعي معبَّراً عنها بالاقتران أو بالعلاقة مع النفس ففي ثلاثة مواضع نرى كلمة «نفس» مترجمة "مرام" أو إرادة، كما يدل على ذلك الهامش السفلي للكتاب «لا تسلمني إلى مرام (أو نفس) مضايقي» - «ولا يسلمه إلى مرام (أو نفس) أعدائه» - «وأسلمتك لمرام مبغضيك» (مز 12:27، 2:41؛ حز 27:16) وعبارة «أطلقها لنفسك» في تثنية 14:21 هي في بعض الترجمات "أطلقها لمرامها أو لإرادتها" وعبارة «هه! شهوتنا» في مزمور 25:35 هي "هه نفسنا" (كما في الهامش السفلي للكتاب). وعبارة «يلزم نفسه» أو «تلزم نفسها باللازم» أي «بنذر» - وهي العبارة التي تتكرر عشر مرات في أصحاح 30 من سفر العدد، تبين مدى العلاقة الوثيقة والرابطة الشديدة بين الإرادة والنفس. وهكذا هو الحال دائماً حتى أن «شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة» هو الأمر الذي يميز العالم في نظر الله، وأن الإنسان بالأسف مخلوق «نفساني» منقاد بشهوات الجسد إذا كان «لا روح له» (أي الروح القدس) (يه 19).

ومن الجهة الأخرى واضح أن الروح الإنسانية بالنسب للمركز الرئيسي الذي تشغله يجب أن يكون لها السيادة وأن تكون هي المُنشئة للإرادة (ليس بالطبع بالاستقلال عن النفس بل كالمرشدة والهادية لها). والواقع أن الطبيعة العتيقة تستمد مرادفها «الجسد» من الميل المضاد للروح أعني من كونها منقادة بالنفس التي لها هذه العلاقة الوثيقة بالجسد. ولكن ليس غرضنا الآن أن ندخل في تفاصيل هذه النقطة.

ومع ذلك فإني أود هنا أن أبين كيف أن «الخطية» - تمشياً مع هذا كله وبالاتفاق التام معه - هي بصفة خاصة «خطية النفس» (مي 7:6) وبالتالي يقال للسبب نفسه إن الكفارة تُعْمَل «عن النفس»، إذ نجد هذا التعبير ثلاث مرات في الكتاب (خر 15:30؛ لا 11:17؛ عد 50:31). وإني أذكر هذا لأبين التوافق التام المبارك في الكتاب بشأن هذه النقطة كما في كل نقطة سواها. أضف إلى هذا أنه كما أن الكفارة مطلوبة عن النفس كذلك هي عُملت بواسطة النفس كما هو مكتوب «أما الرب فسر أن يسحقه بالحزن. إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه، ومسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع» (إش 10:53، 11).

وهكذا شهادة الكلمة. كاملة عجيبة متناسقة في كل جزء من أجزائها.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.