قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

5

النفس

نفس في العبرية "نفش" nephesh ، وفي اليونانية "بسوشي" psuche. وهذا له معناه فيما نحن بصدده، وهو أن هاتين الكلمتين، شأنهما شأن الكلمتين "رواخ" و "بنوما" الدالتين على الروح كما رأينا في تأملاتنا السابقة، مشتقتان من كلمات معناها التنفس، أي أن جميعها تشترك في عنصر واحد متشابه هو النشاط غير المنظور.

وهذا الاشتقاق المُسلَّم به من الفعل "يتنفس" يدل على أن المعنى الأولى للكلمة هو النفس breath ، وبالتالي الحياة أو النفس soul باعتبار أن النفس أو التنفس هو مبدأ أو مصدر الحياة للجسد.

أما الذين يجادلون بأن النفس والجسد شيء واحد فإني أسألهم إذا كان يمكنهم في ضوء تفكيرهم هذا أن يفهموا عبارة مثل «كل شيء فيه جسد حي». فإننا نقرأ في تكوين 30:1 عن كل شيء «فيه نفس حية». فإذا كانت النفس هي في الجسد كما يقول الكتاب المقدس بغاية البساطة، فلا يمكن أن تكون هي الجسد، وإذا كانت تسمى نفساً «حية» فذلك يستبعد إمكانية ترجمتها "حياة" كما يحلو للماديين أن يفعلوا. فالقول "حياة حية" لا معنى له وكذلك القول "نفس حي". والواقع أن العبارة المقتبسة من الكتاب تغلق الباب غلقاً محكماً ضد تسرب أي معنى لهذه العبارة غير المعنى البسيط الواضح؛ وهو أن شيئاً حياً يوجد في "الهيكل المتنفس" حتى أنهما (الهيكل المتنفس والنفس التي فيه) شيئان متميزان عن بعضهما كل التميز.

ولنلاحظ أن هذا قيل أيضاً عن «حيوان الأرض» كما عن دبيب يدب على الأرض. ولا يقال إن الحيوان له روح بل قيل إن له نفساً، حتى أن الحيوانات والبهائم تدعى "نفوساً" مثل الناس تماماً. وهذه حقيقة جديرة بالملاحظة لأن فيها الرد الكافي على نظريات الماديين الخاصة بما يشاهدونه ويتعللون به من تكوين بدني من أكمل وأرقى نوع لبعض المخلوقات غير الآدمية، كما أنها تقضي فوراً على سائر الحجج التي يسوقونها للتدليل على ما يسمونه بالقوى الفكرية لدى البهائم والحيوانات. فالكتاب يقودنا إلى تعليل هذه الظواهر ليس بما وصلت إليه هذه الكائنات من تكوين بدني كامل أو بما لديها من قوى فكرية بل بما لديها من «أنفس حية» كالإنسان تماماً في حين أنه ينسب فهم جميع أمور الإنسان إلى «الروح» (1كو 11:2) التي يملكها الإنسان فقط. أما شهوته الجسدية وميوله ورغائبه وانفعالاته وما إليها فتنسب إلى «النفس الحية» ـ وهي نفس متميزة عن حياة الجسد حتى أن الذيـن «يقتلون الجسد» لا يمكنهم أن «يقتلوا النفس» (مت 28:10).

فالإنسان إذن له نفس حية، بل هو ذاته نفس حية. ويخبرنا تكوين 7:2 كيف صار كذلك: «وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفساً حية». وواضح من أبسط نظرة إلى هذه الآية أن شيئاً حدث عند خلق الإنسان لم يحدث مثله عند خلق الحيوان. ذلك أن الله نفخ في أنف الإنسان «نسمة حياة» وأنه لم يفعل ذلك في أنف الحيوان. إن واحداً لا ينكر أن الله يعطي الجميع حياة ونفساً وكل شيء. ولكن السؤال هو هذا: "لماذا أعطيت الهبة بهذه الكيفية الخاصة للإنسان دون سواه؟ وهل أعطى الله نفس الهبة بهذه الكيفية الخاصة لجميع الكائنات؟" إن اللغة هنا تصويرية، كما هو شأن لغة العهد القديم إلى حد كبير، وهذا يجعلنا أكثر ميلاً إلى التساؤل: أليست هذه النفخة من الله صورة من التعبير تشير إلى توصيل شيء إلى الإنسان من ذات الله وأكثر شبهاً به أو انتساباً إليه ما هو متضمن في مجرد جعل الأرض أو الماء تخرجه أو تفيض به؟

يقيناً إنها لكذلك. لأنه ولو أن الشيء الذي تم توصيله للإنسان بهذه النفخة الإلهية لم يُعلَن بعد إعلاناً كاملاً - وهو أمر طبيعي في كل إعلان ابتدائي - إلا أنه واضح جداً أن الإنسان هنا له حلقة اتصال بالله ذاته ليست للحيوان.

وهذا ليس مرجعه تكويناً جسمانياً أرقى. كلا. فإن جسم الإنسان كان قد تم صنعه واكتماله قبل ذلك. أما السبب فهو الكيفية التي وُهب بها الحياة. فإذا كانت الحياة وحدها هي التي وُهبت له (الأمر الذي يشاركه فيه كل حيوان) فلا يكون هناك فارق بين الإنسان والحيوان يقابل هذا الفارق في كيفية توصيل الحياة لكل منهما. وتكون هذه اللغة التصويرية لا معنى لها. ولكن حاشا. إنها لغة لها مغزاها الكبير وهو أن الإنسان - الذي كان تراباً فقط قبل ذلك - قد صار «نفساً حية». وهذا يدل على أنه أصبح الآن يتميز بشيء حي فيه وهو الذي لم يكن إلا تراباً قبل ذلك. إنه «نفس حية» - ليس باكتمال تكوينه الجسماني - بل بإضافة مكون جديد. إنه الآن ليس مجرد جسد، لقد صار «نفساً حية».

ومع ذلك، لماذا يُدعَى الإنسان نفساً حية وهو اللقب الذي تشاركه فيه جميع الكائنات الحية بدلاً من تسميته «روحاً حية» الأمر الذي كان يميزه عنها جميعاً؟ الجواب: هو أن النقطة ليست مقارنته بالحيوانات الأدنى منه بل بطبقة مخلوقات الله التي ينتمي إليها الإنسان باعتباره كائن أدبي. فالملائكة أرواح وليسوا نفوساً. والفارق بينهم وبين الإنسان «الذي وُضع قليلاً عن الملائكة» (عب 9:2)، هو أن الإنسان نفس. فالشيء الذي يربطه بالكائنات الأدنى هو الذي يميزه عن «الأرواح» الطاهرة، الذين هم الملائكة.

والحقيقة الواضحة هنا هي أن النفس يشار لها إلى الإنسان كله، كالشيء المميز له، أو الذي يحدد مركزه بين مخلوقات الله العاقلة. وهذه الحقيقة تعين على تفسير فصول كثيرة كانت تبقى غامضة أو عسرة الفهم بدون ذلك. وأن لنا في تعبيراتنا العادية معاني متشابهة لكلمة «نفس» لا صلة لها قطعاً بالمعنى الذي يتصوره جماعة الماديين. فنتكلم مثلاً عن "نفوس كثيرة على سطح الباخرة" كما نقول "وقد هلكت كل نفس" دون أن يخطئ أحد في المعنى المقصود. على أنه توجد معاني أخرى لكلمة "نِفِش" واستعمالات أخرى لكلمة «نفس» (soul) سنراها إن شاء الله في مكانها.

والآن أقول إنه من الشائع جداً أن تجد ترجمات مختلفة لنفس الكلمة الواحدة في الكتاب. ومع أن هذه الترجمات في معظم الحالات تعطي المعنى المراد بدقة كافية إلا أنها أحياناً تكون مختلفة عن الدقة الحرفية للكلمة الأصلية. ومع كل هذا التنوع والاختلاف فإنه في الحقيقة لا يوجد فرق كما قد يبدو لأول وهلة.

وكعادتهم دائماً يلجأ المعارضون لتعليم الكتاب إلى المعاني المختلفة المعطاة لكلمة "نِفِش" في العهد القديم. ومع ذلك فإن هذه المعاني لا تخرج عندهم عن أربعة: "مخلوق - شخص - حياة - رغبة". أما كلمة «نفس» (soul) فلا وجدود لها بطبيعة الحال في هذه القائمة التي يستعرضها الماديون مع أنها الترجمة التي يستعملها الكتاب لكلمة: "نفش" 475 مرة من 752 مرة وردت فيها. وبناء على نظرية الماديين يصبح لزاماً علينا أن نترجم تكوين 30:1 هكذا «وكل دبابة على الأرض فيها مخلوق حي» أو «فيها شخص حي» أو «فيها رغبة حية».

*

والآن، اختر لنفسك أيها القارئ ما شئت من هذه الترجمات الأربع التي يستخدمها الماديون للقضاء حسب ظنهم على عقيدة وجود نفس خالدة في الإنسان ثم جرِّب ما اخترته في العينات التالية من الفصول التي وردت فيها كلمة "نفش" وانظر أي معنى تحصل عليه!!

تك 21:42 «لما رأينا ضيقة نفسه»

عد 4:21 «فضاقت نفس الشعب في الطريق»

تث 18:11 «ضعوا كلماتي هذه على قلوبكم ونفوسكم»

1صم 1:18 «أن نفس يوناثان تعلقت بنفس داود»

1صم 6:30 «لأن أنفس جميع الشعب كانت مُرّة»

2صم 8:5 «العمي المبغضون من نفس داود»

أي 22:14 «وعلى ذاتها تنوح نفسه»

أي 13:23 «ونفسه تشتهي فيفعل»

مز 2:13 «إلى متى أجعل هموماً في نفسي»

مز 15:106 «وأرسل هزالاً في أنفسهم»

مز 26:107 «ذابت أنفسهم بالشقاء»

مز 20:119 «انسحقت نفسي شوقاً»

إش 18:10 «يفنى مجد وعره وبستانه، النفس والجسد جميعاً»

إش 11:53 «تعب نفسه»

مي 7:6 «ثمرة جسدي عن خطية نفسي؟»

في هذه الأمثلة جميعاً نرى النفس متميزة عن الجسد. فهي: "تشتاق وتحزن وتبغض وتحب". إنها بالحقيقة شيء حي كما يعلن تكوين 30:1.

*

ثم خذ كلمة العهد الجديد "بسوشي" المقابلة لكلمة "نفش" في العهد القديم:

مت 28:10 «لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها»

مت 29:11 «فتجدوا راحة لنفوسكم»

مت 18:12 «حبيبي الذي سرت به نفسي»

مت 38:26 «نفسي حزينة جداً»

لو 46:1 «تعظِّم نفسي الرب»

يو 27:12 «الآن نفسي قد اضطربت»

أع 27:2 «لن تترك نفسي في الهاوية»

أع 22:14 «يشددان أنفس التلاميذ»

*

كم هو مستحيل حقاً ترجمة كلمة «نفس» في هذه الفصول بواحدة من قاموس الماديين "مخلوق - حياة - شخص - رغبة" أو "الأعضاء الباطنية" (كما يقول واحد من هؤلاء الفلاسفة الماديين). خذ مثلاً العينة الأولى وجرّب عليها أي واحدة من هذه الترجمات أو جميعها.

أليس من الأرجح أن آية واحدة منها لا يمكن أن تعطينا أقل معنى من المعاني؟

بل إن المعنى الواضح لمتى 28:10 لا يمكن التهرب منه. فالرب يقارن بين قتل الجسد في هذا العالم وهلاك الجسد والنفس في جهنم. فالإنسان لا يستطيع أن يقتل حتى الجسد إلا لوقت، إذ أنه لا يستطيع أن يمنع حتى الجسد الذي قتله من القيامة. إنه يستطيع أن يفعل بالحياة الأرضية ما يستطيع أن يفعله بالجسد.

وهنا ينعدم وجه المقارنة التي يعقدها الرب بين الجسد والنفس لو كانت النفس هي مجرد الحياة، إذ يقول، له المجد، إن الإنسان يستطيع أن يقتل الجسد ولكنه لا يستطيع أن يقتل النفس.

ثم كيف يمكن للإنسان أن يتكلم حتى عن "قتل الحياة" أو عن قتل "الجسد والحياة" ؟ فما هو قتل الجسد إلا القضاء على حياته. وما دام القتل هو نزع الحياة فلا يمكن التحدث عن نزع حياة الحياة أو "قتل الحياة". ومن هذا يمكننا أن نستتنج استنتاجاً أكيداً وهو أن الرب يتكلم عن نفس حقيقية في الإنسان لا يستطيع الناس أن يقتلوها ولو لحظة واحدة. إنهم يستطيعون قتل الجسد ولكن الله سيُقيمه. أما النفس فلا يستطيعون قتلها ولو برهة واحدة.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.