قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

34

«العذاب الأبدي في متى 25»

من اللازم لتحقيق الغرض الذي نستهدفه من بحثنا الراهن أن نبين بالتفصيل التطبيق الصحيح للفصل الذي يسميه البعض بكيفية تدعو إلى الاستغراب "مَثَل" الخراف والجداء، فهو في الواقع ليس مَثَلاً على الإطلاق وإنما هو تصوير بسيط جداً لعملية فرز الأحياء على الأرض عندما يأتي الرب إليها ليقيم عرشه فيها، وهو الفرز الذي يقارن براعٍ يفرز خرافه عن الجداء. فهو إذن جزء من دينونة الأحياء التي سبق الكلام عنها والتي تتم قبيل المُلك الألفي وتسبق دينونة الأموات أمام العرش العظيم الأبيض بما يزيد عن ألف سنة. وقد خلط الناس بين هاتين الدينونتين - دينونة الأحياء ودينونة الأموات - لمجرد ظنهم أن مجيء الرب سيتم في نهاية العالم ولذلك كان التمييز بين الدينونتين لديهم أمراً مستحيلاً.

ولكن النتيجة كانت كارثة، ولا أقل من ذلك. فقد أدى هذا التفسير الخاطئ إلى تعاليم مضللة للنفوس، وهو غاية ما يصبو إليه الشيطان عدو النفوس اللدود. فما دامت الدينونة قائمة على مبدأ التمييز بهذه الصورة الواضحة فيستتبع ذلك أن القديسين سيُفرَزُون عن الخطاة بواسطة امتحان أعمالهم، وهذا أدى بطبيعة الحال إلى أن الجميع لا بد لهم من الانتظار حتى يوم الدينونة ليعرفوا مصيرهم الأبدي.

ولسنا بحاجة كما قلت إلى أن ندخل في مناقشة هذا التعليم المُضلِّل الآن، وسنكتفي بمجرد تبيان الفوارق بين الدينونتين كما يحدثنا عنهما الكتاب نفسه وذلك بكل إيجاز:

1- فأولاً نلاحظ أن الدينونة في إنجيل متى تتم كما هو مذكور صراحة عند مجيء الرب، وهو مجيء مقترن بظواهر عديدة متعلقة بالجزء السابق من النبوة مما لا يترك مجالاً للشك في حقيقتها، في حين أن الدينونة المذكورة في رؤيا 11:20 - 15 تتم ليس عند مجيئه إلى الأرض بل عندما تكون الأرض والسماء قد هربتا.

2- في إنجيل متى لا توجد قيامة، والدينونة هي دينونة «الشعوب» الأحياء وليس الأموات، بينما في الرؤيا نجد الأموات مُقامِين للدينونة.

3- في إنجيل متى نرى الأحياء يدانون على أساس موقفهم إزاء مَن يسميهم الملك «إخوته» في حين يُدان الأموات في الرؤيا «حسب أعمالهم».

تلك مميزات بسيطة للغاية وعريضة للغاية بين المشهدين بحيث تمنع احتمال الخلط بينهما. هناك مع ذلك نقطة تشابه بين الاثنتين، ومن أجل هذه النقطة بالذات تركت الفصل الوارد في إنجيل متى إلى اللحظة الراهنة. فالذين على الشمال، بدلاً من قتلهم بالسيف كتابعي الوحش، يتلقون حكماً قضائياً بالذهاب إلى بحيرة النار كالمذكورين في مشهد سفر الرؤيا تماماً مع الفارق أن هذا الحكم يصدر عليهم قبل المُلك الألفي مثل الوحش والنبي الكذاب. ولست أقول بصفة قاطعة إنهم يذهبون إلى بحيرة النار مباشرة وإن كان ذلك هو الظاهر. ولكن المؤكد أنهم بذلك قد تعيّنوا «للعذاب الأبدي» أو «العقاب الأبدي» في «النار الأبدية المُعدة لإبليس وملائكته».

هذا ونلاحظ أن كلمة «عذاب» المستعملة هنا في متى 46:25 هي بعينها المستعملة في أعمال 21:4 «إذ لم يجدوا البتة كيف يعاقبونهما» وكذلك في 2بطرس 9:2 «ويحفظ الأثمة إلى يوم الدين معَاقَبين» أما صيغة الاسم فهي الواردة هنا وفي 1يوحنا 18:4 «لأن الخوف له عذاب» والكلمة اليونانية في جميع الحالات هي "كولاسس" (Kolasis) .

فالكلمة إذن تعني «العقاب» في لغة العهد الجديد اليونانية، بدون تحديد لوسيلة العقاب. وفي رسالة يوحنا (وفي أي مكان آخر غير الكتاب المقدس) لا يمكن أن تعني هذه الكلمة أي شيء آخر غير التألّم في صورة ما. وهنا نجد الصورة «نار أبدية معدّة لإبليس وملائكته» وهذا كما رأينا عذاب، كما هو مكتوب «وسيعذبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين».

والكلمات التي أمامنا هي هذه «فيمضي هؤلاء إلى عذاب (أو عقاب) أبدي» ثم تفسير هذا العذاب أو العقاب «نار أبدية مُعَدَّة لإبليس وملائكته». ثم رأينا أن قوة الكلمة الحرفية المترجمة هنا بالعقاب تتضمن دائماً التألّم بشكل من الأشكال. وأن الكلمة الواردة في الفصل السابق اقتباسه من رسالة يوحنا الأولى لا يمكن ترجمتها إلا بكلمة «عذاب» وأنها لا تحتمل إطلاقاً فكرة انتقال المتألِّم من تحت وطأة هذا العذاب طالما كان موجوداً، فالعقاب لا يمكن أن يُحسب مستمراً طالما لا يوجد شخص مُعاقَب، وبناء على ذلك لا يمكن أن يكون الفناء عقاباً أبدياً أو عذاباً أبدياً.

أما عن الدينونة الأبدية فإن «الحكم» بطبيعة الحال لا يصدر إلا مرة واحدة ولا يستمر دائماً في حالة الإصدار. ولكن الشخص المحكوم عليه يستمر دائماً تحت طائلته وإلا فلا يكون حكماً أبدياً. وكذلك الفداء فإن الشخص المفدي يستمر دائماً متمتعاً به. فإذا كان العقاب ألماً محكوماً به على المتألم (وهذا هو مفهوم العقاب)، والمُعاقَب لا يمكن أن يفنى، فالألم يستمر في هذه الحالة دائماً أبداً. وكذلك في حالة «الفداء الأبدي» فالمفديون ليس فقط يتمتعون أبدياً بالبركة التي حصلوا عليها بالفداء، ولكن الفداء نفسه أبدي، يمتلكه المفديون ويتمتعون به إلى الأبد. ومن العبث أن تحاول القول إن العقاب أبدي حينما لا يكون هناك مَن يعاني هذا العقاب.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.