قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

3

روح الله

«روح» بالعبرانية في العهد القديم: (Ruach) ، وباليونانية في العهد الجديد "بنوما"(Pneuma) ولهاتين الكلمتين على التحقيق نفس المعنى الواحد. فكل منهما مشتقة من أصل معناه التنفس أو التنسم (to breathe) أو ما يقرب من ذلك ـ هواء متحرك أو «ريح» .. ومن الريح باعتباره رمزاً لقوة غير منظورة يؤخذ المعنى بكل سهولة للروح كعامل غير منظور. وقد جاءت المقابلة بين الريح والروح على فم الرب في يوحنا 8:3 حيث استعملت الكلمة اليونانية "بنوما" لكلٍ من الريح والروح. «الريح (wind) تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح (Spirite) » (يو 8:3). وواضح طبعاً أن الفكرة هنا هي القوة الغير المنظورة والخارجة عن تحكم الإنسان وإرادته. فهناك نتائج ظاهرة للعيان أما القوة التي تُحدِث هذه النتائج فغير منظورة ولا يمكن التحكم فيها. وفي التراكيب اللغوية نجد أن ما نتصوره بأذهاننا يتخذ اسمه مما ندركه بالحواس. وعلى هذا فليس أسهل من إطلاق كلمة "بنوما" التي تعني أصلاً نسمة أو نفخة أو ريح على القوة التي تملأ الكون بنشاطها وتعمل غير منظورة وغير مقيدة. لذلك نقرأ «الله روح» (يو 24:4) كما أن الأقنوم الثالث في الثالوث الأقدس الذي يقدمه لنا الكتاب كالمحرِّك المباشر في الخليقة الأولى والخليقة الجديدة على السواء هو «روح الله» (تك 2:1؛ رو 9:8).

لكن الماديين لم يتورعوا عن التهجم على شخصية الروح القدس كما تهجموا على لاهوت الابن. ففي تفسيرهم للروح يجعلونه مجرد تأثير. بل ذهب أحدهم إلى حد التعبير عن معنى تعليمهم بالقول: "إن روح الله هو الكهرباء، أو، باتحاده مع النتروجين والأكسجين، هو الهواء الذي يسميه أيوب «نفخة الله» (أي 3:27) أو أي شيء آخر مما يمكن إضافته إلى قائمة القوى المادية كالنور أو الحرارة أو الكهرباء".

إن إنكار شخصية روح الله هو الثمرة الطبيعية والوليد الشرعي لتعليم الماديين، وهو أمر لا يمكنهم الاستغناء عنه ليكون تعليمهم منسجماً مع نفسه. فإذا هم تخلصوا من الروح القدس كأقنوم وأضافوه إلى قائمة القوى المادية ـ سواء كانت الكهرباء أو أي شيء آخر يريدونه ـ فإنهم بذلك ينزلون بروح الإنسان أيضاً إلى شيء مماثل غير عاقل، وهكذا يصلون إلى تحقيق الهدف الذي ينشدونه. حقاً إنه لا حكمة للبعيدين عن كلمة الحق الذين إذ ضلوا عنها حقت عليهم كلمة الرسول «بينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء». وما أشبه ما نحن بصدده الآن من قوله عنهم بعد ذلك مباشرة «وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى» (رو 22:1، 23).

أما الكتاب فيرفض هذا التعليم رفضاً كاملاً جملة وتفصيلاً. فهو يعلمنا بكل وضوح أن روح الله شخص، أي أقنوم إلهي، مُدرِك وعارِف لأمور الله «لأن مَن مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟ هكذا أيضاً أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله» (1كو 11:2). «لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله» (ع 10) وهنا لا يقال إن الله يفحص بواسطة الروح بل الروح نفسه يفحص ويعرف، بل وأكثر من هذا أن «الذي يفحص القلوب (أي الله) يعلم ما هو اهتمام الروح» (رو 27:8) الذي باعتباره حياً وعاملاً هو نفسه «أيضاً يشفع فينا» (ع 34) «لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين» (ع 27).

والواقع أنه لا يوجد أبلغ ولا أقطع من هذه اللغة في الدلالة على الروح كشخص عاقل حتى لقد اضطر الماديون إلى الاعتراف بأن هذه الأقوال تبدو فعلاً كأنها تدل على أن روح الله شخص، ولكنهم حاولوا أن يصرفوها عن معناها الواضح بقولهم إنها تصف اختبارات واحساسات رسولية ليست من اختصاصنا. ولكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن الأقوال تدل فعلاً على أن روح الله شخص أو أقنوم باعتراف خصوم الحق أنفسهم. وهي لا تدل فقط على مجرد معرفة الروح للحق المُوحَى به للرسل بل على قدرة الروح على إعلان الحق لهم. ثم بعد ذلك يضاف القول إننا أخذنا «الروح الذي من الله - هذا الروح المقتدر في المعرفة - لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله» (1كو 12:2) ومعنى ذلك أن معرفتهم متميزة عن معرفة الروح. وبذلك يكتمل التعليم الصحيح وهو أن معرفة الرسل ناشئة عن اقتبالهم لشخص أو أقنوم له في ذاته القدرة على توصيل معرفته إليهم.

ولكن الماديين، بناء على قول أيوب «نفخة الله في أنفي» (أي 3:27) يجادلون بأن روح الله هو في الأنف ومعنى ذلك أنه مجرد مبدأ الحياة في كل حي. ولكن هذه حجة جديرة فقط بأمثالهم ممن يقدرون متى شاءوا أن يقتبسوا بوفرة من الأصل اليوناني والعبراني ولكن يسرهم أن يتجاهلوا في هذه النقطة بالذات أن أكثر الترجمات شيوعاً للكلمة الأصلية "رواخ" (Ruach) هي نفخة (Breath) وأن أيوب إنما قصد الإشارة إلى النفخة التي نفخها الله في أنف الإنسان «ونفخ الله في أنفه نسمة (أو نفخة) حياة» (تك 7:2) حيث نجد أن الكلمة «نسمة حياة» المستعملة هناك لم تطلق في أي مكان على روح الله. وفضلاً عن ذلك فإن الكتاب أبعد ما يكون عن اعتبار روح الله موجوداً في كل الناس إذ أن عبارته في 1 كورنثوس 12:2 واضحة في أن المسيحيين وحدهم هم الذين أخذوا «الروح الذي من الله».

والحق أن الأدلة كثيرة وقاطعة فيما يتعلق بهذه النقطة، وهي وجود روح الله في المؤمنين وحدهم وليس في كل الناس، وهذا وحده كاف لهدم نظرية الماديين من أساسها. فليس موضوع الكلام هنا عن عمل الروح أو تعليمه بل عن الروح نفسه، وما كان تعليم الروح ليسمي الروح في أي مكان في الكتاب. صحيح أن الرب قال عن كلماته إنها «روح» (يو 63:6) ولكنه لم يقل عنها إنها "روح الله". وقيل أيضاً عن الروح إنه «الحق» (1يو 6:5) كما قيل ذلك أيضاً عن الرب يسوع (يو 6:14). ولكن هذا لا ينفي شخصية أي منهما ولا يجعل أياً منهما تعليماً.

وهكذا نجد في الكتاب من أوله إلى آخره ما يتعارض كل المعارضة مع هذا الانحطاط الشنيع الذي تتدهور إليه المادية. فإذا نحن بدأنا بسفر التكوين (38:41) نجد فرعون يتكلم مع يوسف كرجل «فيه روح الله» أي أنه رجل يمتاز عن غيره بوجود روح الله فيه. وفي رسالة يهوذا عدد 19 نجد البعض، حتى من بين المسيحيين بالاسم، يوصفون بأنهم «نفسانيون لا روح لهم». كذلك في غلاطية 6:4 نجد القول «ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً: يا أبا الآب». والأكثر من هذا «أنتم لستم في الجسد بل في الروح، إن كان روح الله ساكناً فيكم» ثم يضاف إلى ذلك «ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح، فذلك ليس له» ـ أي فذلك الإنسان ليس للمسيح (رو 9:8). ويا له من نُطق خطير حقاً بالنسبة لأناس يعترفون أن ليس لهم «الروح القدس» حيث أنه فقط بالروح القدس المعطى لنا «قد انسكبت محبة الله في قلوبنا» (رو 5:5) وكذلك «ملكوت الله ليس أكلاً وشرباً، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس» (17:14). فإذ نُزع ذلك الروح فلا تكون هناك «شركة الروح القدس» (2كو 14:13) ولا «ختم» ليوم الفداء (أف 3:4) ولا «تجديد الروح القدس» (تي 5:3). ولا تكون هناك حالة أتعس من هذه إذا كان ذلك صحيحاً، ولكن أية دينونة تنتظر أولئك الذين لا شركة لهم ولا ختم ولا تجديد ولا سلام ولا فرح ولا محبة الله في قلوبهم! إنهم بأفواههم قد حكموا على أنفسهم بالهلاك عندما يقولون إن روح الله الوحيد الذي يعرفونه هو روح خاضع لإرادة البشر.

ويا لها من "شخصية" عجيبة ذلك الروح الذي يخلق ويعلِّم ويفحص ويسمع ويعرف ومع ذلك فهو كما يقولون لنا ليس شخصاً !!

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.