قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

23

خدمة الموت

كان الموت يحتل المكانة التي رأينا أنه يحتلها، فلا يكون عجيباً أن نسمع عن «خدمة الموت». بل هذا بالذات ما كان يجب أن نتوقعه، وهو أن الله يأخذ حقيقة الموت ودينونة الإنسان التي يتضمنها ويضغط بها على قلوب وضمائر الناس بطريقة واقعية مؤثرة لإنقاذهم من الورطة الأبدية التي أوقعوا أنفسهم فيها. نعم، كان يجب أن نتوقع من صلاحه له المجد أنه لا يقنع بترك الحقيقة وحدها تتكلم بل كان لا بد أن يعطيها صوتاً ونطقاً واضحاً قوياً بحيث لا يخطئ فيه أحد مهما حاول الناس أن يتجاهلوه أو يصموا آذانهم عنه.

وهذا بالضبط ما يقول الرسول إن الله فعله، فقد كان الناموس - وبعبارة أخرى: العهد القديم - «خدمة موت» - «خدمة دينونة».

فالموت في العهد القديم كان يحتل مكانة أستاذ أو معلم روحي يلقي درساً مُذلاً غاية الإذلال لكبرياء الإنسان ولذلك فإنه درس من الصعب جداً تعلمه، ولكن متى تم تعلمه كان درساً ذا قيمة عظمى. وكان الموت أستاذاً لدرس عدم كفاية كل بر بشري، وعجز كل قوة بشرية، واستحالة وقوف المخلوق الفاسد الساقط في محضر الله الكلي القداسة. كل ذلك نجده واضحاً جلياً في النظام اليهودي متى أدركنا أن الموت الذي يتكلم عنه «النفس التي تخطئ هي تموت» لا يقصد به الموت الثاني الذي لم يكن قد أعلن بعد بل «الموت» في معناه العادي. إذا ما وضحت هذه الحقيقة واستقرت في الذهن فإننا سنجد في العهد القديم نوراً جدياً وانسجاماً كاملاً بين حقائقه وإعلاناته في كل مكان.

وهذا يتضح ويستقر في الذهن استقرار الحق الإلهي المكين عندما نرى أن الطاعة التي يطالب بها ناموس الله المقدس غير المتغير طاعة مطلقة كاملة، ولا شيء أقل من ذلك. هذا يؤكده العهد الجديد تماماً. ولقد أشرنا إلى أقوال الرسول في هذا الصدد وهي أن المسيحية نفسها لم تدخل أقل تعديل في مطاليب الناموس، بل إن رسول الأمم العظيم، وهو الرجل الذي لم يُفقّه أحد في فهم نعمة الله في الإنجيل هو الذي يؤكد لنا أن «جميع الذين من أعمال الناموس هم تحت لعنة، لأنه مكتوب: ملعون كل من لا يثبت في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس ليعمل به» (غل 10:3). كذلك رسول يعتبره الكثيرون (بغير حق) رسول الناموس (الرسول يعقوب) هو الذي يشترك مع بولس في هذه الشهادة عندما يقول «لأن من حفظ كل الناموس، وإنما عثر في واحدة، فقد صار مجرماً في الكل» (يع 10:2). أي نعم، أن الطاعة الكاملة المطلقة التي لا هوادة أو تخفيف فيها هي التي يتطلبها الناموس.

وقد يبدو هذا متناقضاً مع نظام الذبائح والغفرانات التي عيّنها ورتّبها الناموس نفسه. ولكن الرسولين اللذين أشرنا إليهما لم يكونا بكل يقين يجهلان حقيقة بسيطة مثل هذه. ولذلك وجب علينا أن نتناول المسألة بشـيء من التأمـل حتى نبين عـدم وجود أقل تناقض بين هذين الأمرين.

لقد كانت هناك، كما نذكر كلنا، مرتان فيهما أعطى الله الناموس لموسى. المرة الأولى (وهي التي نجدها كتاريخ في سفر الخروج من أصحاح 15 - 24) كان ناموساً صرفاً بلا همسة واحدة من الرحمة، وبلا علاج للسقوط أو للخطية. لقد دُعي موسى حينذاك للصعود إلى الجبل ليتلقى من يد الله لوحي الحجر «مكتوبين بإصبع الله». صحيح أنه هناك في الجبل رأى نموذجاً لأشياء أخرى سماوية، لأن الله لا بد وأن يرينا وهو يعطي الناموس أن النعمة كانت كامنة لنا في قلبه. كان لا بد من ذلك. ولكن ليس من كلمة واحدة عن هذه الأشياء السماوية تقال في تلك المناسبة للشعب، وكان لا بد أن كل هذا الذي يراه موسى يظل في فكر الله ولا يخرج إلى حيز الوجود الفعلي ويأخذ مكانه كنظام وتدبير بين الشعب إلا بعد أن يكسر الناموس الصرف ويتعدى الشعب عهد الناموس في صورته الأولى ويركن هذا العهد الأول جانباً. فمن ناحية الشعب لا يوجد بعد سوى الناموس، الناموس الصرف البسيط. وتحت هذا الناموس يفشلون فشلاً ذريعاً إذ يرفضون الله منقذهم ويعبدون الصنم مستبدلين «مجدهم بمثال ثور آكل عشب» (مز 20:106). وهكذا بكسر لوحا العهد، والدينونة تنفَّذ في الشعب الآثم، على هذا الأساس يضيع كل شيء وينهار إلى الأبد (خر 32).

ولكن الله المبارك له في ذاته موارده الخاصة فيعود يتناول الشعب مرة ثانية. ومرة ثانية يعطيهم الناموس، ذات الناموس كلمة كلمة، لا ينقصه حرف أو نقطة، لأن قداسة طبيعة الله تبقى دائماً هي هي لا تعرف تغييراً. ولكننا نسمع الآن نغمات حلوة هي نغمات الرأفة والرحمة وطول الأناة. والرب يعلن نفسه كما لم يفعل قبلاً، ومجده يلمع كما لم يلمع قبل الآن. فهو «الرب .. الرب إله رحيم ورؤوف، بطيء الغضب وكثير الإنسان والوفاء. حافظ الإحسان إلى ألوف. غافر الإثم والمعصية والخطية» (خر 6:34، 7) ذلك أساس جديد. ومع ذلك ليس كل الجدة، ولا هو بالنعمة الخالصة المطلقة. فهو تعالى لا زال معطي الناموس ولا زال في عهد أعمال مع شعبه - ولذلك فهو «لن يبرئ إبراء». هذا هو الأساس الجديد الذي عليه يستقر كل شيء من الآن. ناموس، ولكن ليس ناموساً صرفاً. ناموس في يد وسيط، مخدوماً في رحمة، ولكنه لا يقلل أو يخفف من مطاليبه ذرة واحدة. ذلك يبدو تناقضاً صريحاً. والحق أنهما مبدآن متحدان غير أنهما لا يتحدان في تبرير الإنسان. هكذا يقول الله: إنه لا يبرئ إبراء. ومن الناحية الأخرى نلاحظ أن الرسول بولس كان يتكلم عن الناموس في صفته الثانية، كما أعطاه الله المرة الثانية «مكتوباً ومنقوشاً في حجارة» حينما يقول عنه «خدمة موت» أو «خدمة دينونة» (2كو 7:3، 9). وأنه عن هذا الناموس في يد الوسيط يقول ثانية: «جميع الذين هم من أعمال الناموس هم تحت لعنة».

ونحن إذا نظرنا إلى المشهد الموصوف في سفر الخروج أصحاحي 33، 34 نجد أن الله عندما أعطى الناموس مرة ثانية قد أعطى في الحقيقة في نفس الوقت شهادة عن صفة الناموس الحقيقية ولو في صورة رمزية وهي الوسيلة المعروفة التي اختصت بها إعلانات العهد القديم.

فعندما وقف موسى الوسيط، وبهذا الاعتبار ممثل الشعب، يصلي مستعطفاً «أرني مجدك» يجيبه الله «أجيز كل جودتي قدامك. وأنادي باسم الرب قدامك. وأتراءف على من أتراءف، وأرحم من أرحم». ولكنه يضيف على ذلك قائلاً - وهي كلمات تعتبر مفتاح تدبير العهد القديم كله:

«لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش. وقال الرب: هوذا عندي مكان، فتقف على الصخرة. ويكون متى اجتاز مجدي، أني أضعك في نقرة من الصخرة، وأسترك بيدي حتى أجتاز. ثم أرفع يدي فتنظر ورائي، وأما وجهي فلا يرى» (خر 20:33 - 23).

وكما كان الحال عندما أعطى الرب الناموس المرة الأولى أن لهيب النار على الجبل المتزعزع أخفى ولم يعلن الصلاح أو الجود الإلهي، هكذا الآن وإن كان صلاح الله ستر العينين البشريتين اللتين لم يكن في مقدورهما بعد رؤية الرب الذي يقف الإنسان في حضرته وجهاً لوجه إلا أنه على أي حال سترهما أي غطاهما وما رآه موسى فعلاً، باعتباره وسيط ذلك التدبير، كان الله بوجهه متحولاً بعيداً.

وقد ظل هذا طابع ذلك التدبير القديم. كان هو ما يعلنه الحجاب القائم أمام قدس الأقداس فإن الطريق للأقداس لم يكن قد أُعلن بعد. إذ «انشق حجاب الهيكل من فوق إلى أسفل».

وهكذا لم يعد الله «في الضباب» بل «في النور» (1مل 12:8؛ 1يو 7:1) والطريق إلى حضرة الله لم تعد محرمة بل أصبح المسيح هو «الطريق» (يو 6:14) وبدلاً من الناموس الذي لن يبرئ إبراءً لمع مجد النعمة الإلهية التي تبرر الفاجر (رو 5:4).

كم يحلو لنا أن نسترسل في التحدث عن هذه النعمة التي لا يعبَّر عنها، وكم هو جميل أن نؤكد هذا اليقين الشافي لكل نفس تدرك الشر المزدوج اللاحق بالإنسان. فالإنسان «فاجر» - هذا حق، ولكنه أكثر من ذلك، أكثر كثيراً من ذلك. إنه «ضعيف» أيضاً والمسيح مات من أجله كذلك (رو 6:5). وكفاجر وضعيف يرحب به على الفور للدم الذي يطهِّر من الخطية، والنعمة التي تقوي وتُمكِّن في طريق القداسة. ولكن موضوعنا الآن هو طابع الناموس فلنعد إلى معنى ذلك في العهد القديم.

معناه أن الله كان في تدبير الناموس يُعِدّ الإنسان للرحمة. كان يشق الأرض بالمحراث ليعدها لبذار الإنجيل. لم يكن يخلِّص به (أي بالناموس) ولكنه كان يُقنِع ويدين. هذا ما يقرره العهد الجديد دائماً فيما يتعلق بالناموس. والرسول يتحدث عنه كشيء يعرفه جميع المسيحيين جيداً:

«ونحن نعلم أن كل ما يقوله الناموس فهو يكلم به الذين في الناموس، لكي يستدَّ كل فم، ويصير كل العالم تحت قصاص من الله .. لكن بالناموس معرفة الخطية ... الناموس ينشئ غضباً» (رو19:3،20، 15:4)؛ «لو أعطي ناموس قادر أن يحيي، لكان بالحقيقة البر بالناموس. لكن الكتاب أغلق على الكل تحت الخطية، ليعطي الموعد من إيمان يسوع المسيح للذين يؤمنون» (غل 21:3، 22).

وأراني لست بحاجة لمزيد من الاقتباسات.

*

فإذا كان هذا هو مجال وغرض الناموس، وإذا كان الله بواسطته كان يحاول إقناع الناس بحالتهم الساقطة الميئوس منها حتى يلقوا بأنفسهم على مراحمه، فما كان أجدره أن يتخذ من حقيقة الموت الرهيبة، ذلك الموت الذي دخل إلى العالم بالخطية والذي كان سيفه لا زال مسلطاً على رقاب جميع الناس، نقول ما كان أجدره أن يتخذ من هذا الموت العام، ختم الدينونة التي تتناول البشرية جمعاء، نذيراً ومعواناً للتأثير به على قلوب الناس وضمائرهم. إنه لصوت لا يستطيع أحد مقاومة قوة إقناعه ذلك الذي يأتي إلى الإنسان من الله قائلاً: «الإنسان الذي يفعلها يحيا بها»، «النفس التي تخطئ هي تموت».

إن التفسير البسيط الواضح الذي أشرنا إليه، وإن بدا غريباً على الكثيرين، هو التفسير الكامل الوحيد الذي ينسجم انسجاماً كلياً مع هدف الناموس كله ومعناه. فإذا لم يستطع إنسان ما أن يهرب من طائلة الموت (ما عدا شخص واحد وعلى أساس مختلف كل الاختلاف) فذلك يجعل الناس يظنون أنه من المستحيل أن يكون الموت (بمعناه العادي) هو المقصود وقد فاتهم أنه ولا واحد استطاع أن يتمم الناموس وأنه لم يوجد واحد بار، لا، ولا واحد. فكيف إذن يهربون من الموت؟ وإذا كان الله بالناموس لم يكن يدين الدينونة الأبدية، بل دينونة حاضرة وقتية، وغرضه إقناع الناس بحالتهم الساقطة لكي يجدوا الخلاص في مراحمه الواسعة، فإنه مما يتفق مع هذه الخطة ومما يحقق هذا الهدف، أن الله يجعل الحكم والدينونة شيئاً ملموساً ظاهراً لكل واحد يضع نفسه تحت الناموس، وليس شيئاً مستوراً وراء حجب المستقبل ولن تعلنه إلا الأبدية بعد زمان طال أو قصر.

لو كان الله قال، كما يريده البعض أن يقول "النفس التي تخطئ سوف تموت الموت الثاني" لكان الناس يعزون أنفسهم بالقول إن ذلك أمر لا زال في بطن المستقبل البعيد ولا يعرف عنه أحد الكثير، وكانوا يخدرون الأعصاب بنقش الأكاذيب على شواهد القبور، وبذلك كانت تضيع حقيقة الخراب الذي هم فيه. لا شك أن الكثيرين فعلوا ذلك رغم كل شيء لأن النور لا يمكن أن يفتح العيون التي تصر على إغلاق نفسها أمام أشعته. ومع ذلك فالله قد أقام الدليل والشهادة - مهما كان رفض الناس لها - على أنهم مخلوقات ساقطة، قد أيدوا بأفعالهم وأعمالهم الحكم الأصلي الذي تحته يرزحون. فكل شعرة بيضاء في رأس الإنسان، وكل تجعيدة في جبهته، إنما هي شهادة الله المزدوجة، الشهادة الخطيرة التي لا يمكن لمخلوق مقاومتها أو تناسيها. ولكن الله لم يخلق الإنسان للموت. هذا هو الجانب الإلهي الجميل. وإنما كان الله بالموت ينذر الإنسان لعله يتنبه إلى ما هو واقع فيه من خطر «قد جعلت آثامنا أمامك، خفياتنا في ضوء وجهك. لأن كل أيامنا قد انقضت برجزك. أفنينا سنينا كقصة .. إحصاء أيامنا هكذا علمنا فنؤتى قلب حكمة» (مز 8:90، 9، 12).

ولكن ليس بهذه الطريقة فقط كان الله يعلن خراب الإنسان وحالته الساقطة بل إن حكم الناموس نفسه كان يترك الله حراً يستخدم النعمة التي كانت وراء الحجاب بينما الحجاب كان لا يزال قائماً. لو كان الله قال "النفس التي تخطئ تموت الموت الثاني" لمَا استطاع أحد أن ينازعه عدالة هذا الحكم ولكن ذلك كان يقيده بحكم أبدي لا ثغرة فيه للنعمة أو الرحمة. ولكن الذي حدث فعلاً هو أنه له المجد لم يقيد نفسه ليكون في استطاعته أن يظهر الرحمة للمكسور والمنسحق خارجاً عن نطاق الناموس وعقوبته خروجاً كاملاً. فكان عمل الناموس أن يقنع الإنسان بالخطية وعلى أساس المجهود البشري والبِر الإنساني يغلق عليه في الدينونة ويأتي به إلى حالة اليأس وانعدام كل رجاء ومع ذلك يترك الله حراً ليظهر الرحمة. وبالاختصار كان الناموس يقيد يدي الإنسان فيما يتعلق بعمل أي شيء يداين به الله ولكنه لم يقيد يدي الله فيما يتعلق بإظهار الرحمة للإنسان.

أما عن الحقيقة ذاتها، أي أن الناموس كان تكلم دائماً عن الموت الأول وليس عن الموت الثاني، فهذا شيء واضح للغاية ولا يمكن لأي إنسان عند التأمل أن يشك فيه البتة. لقد كانت مكافأة مَن يُكرِم أباه وأمه أن «تطول أيامه على الأرض» وكانت هذه المكافأة تأخذ مكانها في قلب العشر وصايا. وفي تثنية 40:4 حيث يحث موسى الشعب على حفظ هذه الوصايا ذاتها ماذا كان يضع أمامهم كالمكافأة لحفظها إلا «لكي يحسن إليك وإلى وأولادك من بعدك، ولكي تطيل أيامك على الأرض التي الرب إلهك يعطيك إلى الأبد».

وإذا كان هناك من يخامره أي شك في هذا فليقرأ أسفار موسى الخمسة من أولها إلى آخرها وليدلنا على مكان واحد - إن استطاع - فيه إشارة إلى أن العقوبة المهدد بها أو المكافأة الموعود بها تحمل أقل دليل على أنها عقوبة أو مكافأة تتعلق بحالة مستقبلة. لا شك أن الموت الذي يحطم الإنسان كنتيجة لعصيانه ضد خالقه الكريم يلقي بظله الغامض على الحالة المستقبلة فيما وراء القبر. ولا شك أن رجال العهد القديم كانوا يدركون المتضمن فيه. ولكن الوعد الناموسي في كل الكتاب هو حياة البركة في الأرض، واللعنة الناموسية في كل الكتاب هي الإبادة من الأرض.

*

إذا انتقلنا إلى العهد الجديد وتطلعنا إلى الصليب الذي هو مركز المشهد كله فماذا نقرأ عن «لعنة الناموس» التي احتملها الرب؟ نقرأ أن «المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، كما هو مكتوب: ملعونٌ كل من عُلِّق على خشبة» (غل 13:3) إن التعليق على خشبة كان بكل تأكيد التعبير الخارجي عن اللعنة فقط وليس الأمر كله. وهكذا الموت كما أسلفنا القول. هذا هو الموت في أشنع صوره ولكنه ليس الموت الثاني ولم يتحدث الناموس عن هذا إطلاقاً.

وقد يبدو غريباً أنه لا يوجد في الحقيقة فصل واحد في العهد القديم يشير إلى السماء كموطن الأبرار أو جهنم كموطن الأشرار. وقد رأينا أن كلمة "شأول" المساوية لكلمة "هادس" أو الهاوية (أو غير المنظور) يعبَّر عنها دائماً عن حالة «الموت». وهذا يؤيد تأييداً قاطعاً أن الموت الذي كان يُهَدَّد به، هو الموت بمعناه العادي عندنا - الموت كحكم الله ملقياً ظله الغامض الرهيب على الأبدية وراءه.

لقد كان المقصود بالتدبير الناموسي أن يكون وسيلة للوصول إلى ضمائر الناس. وبعبارة أخرى كان جزءاً من طرق النعمة للإعداد لمجيء المسيح وذلك بإقناع الناس بخطيتهم وعدم نفعهم مغلقاً عليهم للنعمة التي كان مزمعاً إعلانها. لذلك كان هناك «وقت معين» لمجيء المسيح كما يقول الرسول فيه يتم غرض الناموس هذا. وهكذا «إذ كنا بعد ضعفاء، مات المسيح في الوقت المعيَّن لأجل الفجار» (رو 6:5) وإلى أن يتم ذلك كان الترتيب لمواجهة حاجة الفرد إلى التطهير والغفران (رمزياً) الذي تجد فيه النفوس المكسورة والمنسحقة رجاء في الرحمة ولكن النظام كله كان خدمة موت ودينونة.

ولأجل هذا الغرض نجد الموت الذي كان ختم الدينونة العريض على البشرية أجمع يُستخدم في قانون عقوبات الحكومة الأهلية في شعب الله القديم الأرضي. وهكذا يكون للإنسان وتحت بصره كل مجازاة وقتية تشهد لغضب الله على الخطية وتدل على حالته كخاطئ تحت هذا الغضـب.

ولكن ذلك لم يكن كل النور المُسلَّط على المستقبل، وعلينا أن نتأمل فيما بقي بشيء من التفصيل وهو مجال العهد القديم النبوي الأمر الذي له أهميته البالغة فيما يتعلق بموضوعنا، ثم معنى وطابع تعليمه الرمزي.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.