آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

  قريب على الأبواب

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

الفصل التاسع

ما بعد الملك الألفي

سبق أن رأينا الملك الألفي السعيد على الأرض هو تدبير خاص من تدبيرات الله العظيمة، «تدبير ملء الأزمنة» (أف10:1)، وهو آخر تدبير يوضع فيه الإنسان تحت المسئولية.

ورأينا أيضاً أن ظروف الملك الألفي هي أسعد الظروف، إذ يكون الشيطان مقيَداً والملك السائد بسلطانه على الأرض هو الرب يسوع المسيح نفسه، ولذلك فمُلكه ملك البر والسلام.

ورأينا أنه لا يوجد أشرار على الأرض لأن كل من يظهر منه الشر يبيده الرب «باكراً» أولاً بأول؛ إلى غير ذلك من أسباب السعادة والراحة والهناء، كما مر بنا.

ولكن لكي يمتحن الله الإنسان في ذلك التدبير، وتحت تلك الظروف، سيسمح بحل الشيطان من سجنه، ليغوي الذين رغم تمتعهم بالسعادة تحت ملك المسيح هذه السنين الطويلة، لم يولدوا من الله بل لا يزالون أبناء المعصية فيقبلون غواية الشيطان.

1- حل الشيطان من سجنه زماناً يسيراً

يقول الرائي «ثم متى تمت الألف السنة يُحَل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الأمم في أربع زوايا الأرض» (رؤ7:20)، وماذا تكون النتيجة؟ هل يرفض جميع الناس غوايته وهل يجيبونه بالقول: "نحن في حال لا يمكن أن يكون هناك أسعد منه، ولم نرَ من مَلكنا إلا كل بِرّ وخير"؟ كلا، بل للأسف نقرأ عن النتيجة المحزنة والمخزية، وهي أن كثيرين «يجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر. فصعدوا على عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة» (ع8،9). هؤلاء هم الذين كانوا خاضعين، خضوعاً صورياً، للمسيح الملك خوفاً منه، ولكنهم غير مولودين من الله. وهم من ضمن الذين ولدوا في مدة الألف سنة، لأن جميع الذين دخلوا إلى الملك كانوا مؤمنين بالحق. أَليس هذا أمراً يدعو إلى العجب؛ أن أناساً يتمتعون بكل هذه البركات والامتيازات هذه المدة الطويلة، يستجيبون لغواية الشيطان ويجتمعون لمحاربة الرب وقديسيه ويكون عددهم كرمل البحر؟ حقاً ما أردأ القلب البشري! أن ضربته عديمة الشفاء. لقد امتحن الله الطبيعة البشرية في كل الحالات وتحت كل الظروف، فكانت النتيجة هي الفشل على طول الخط. ما أصدق قول الرب «المولود من الجسد جسد هو» (يو6:3). حقاً أنه لا يوجد علاج للإنسان إلا أن يولد ثانية، ولذلك قال الرب له المجد «ينبغي أن تولدوا من فوق» (يو7:3). فشكراً للرب لأنه يمكن لكل من يقبل المسيح بالإيمان الآن، أن يحصل على هذه الولادة الثانية «وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه الذين ولدوا .. من الله» (يو12:1،13).

2- نتيجة التمرد الأخير

يقول الرائي: «فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم» (رؤ9:20)، هذا هو القضاء الزمني، ولكنهم لابد أن يقفوا أمام العرش العظيم الأبيض، ليدانوا بحسب أعمالهم ثم يطرحون في النار الأبدية المعدة لإبليس (الذي ربطوا مصيرهم معه) وملائكته.

3- طرح إبليس في بحيرة النار

تجيء في الحال نهاية إبليس نفسه، فنقرأ «وإبليس الذي كان يضلهم طُرِح في بحيرة النار والكبريت، حيث الوحش والنبي الكذاب، وسيعذبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين». فذلك الذي عذب البشرية دهوراً طويلة، والذي أذاق المؤمنين ألوان المر والعذاب؛ أحياناً كأسد زائر مفترس، وأحياناً كحيّة خادعة ناعمة الملمس؛ قد جاءت هنا نهايته المحتومة في النار الأبدية المعدة له منذ القديم. لقد دحره الرب في الصليب وسحق رأسه، ولكن لا تأتي نهايته المحتومة إلا بعد أن يتمم آخر أعماله وغواياته.

ومن العجيب أن الوحي يقول إنه طُرح في بحيرة النار «حيث الوحش والنبي الكذاب»، اللذان كانا قد طُرحا حيين قبله بألف سنة، وكانا لا يزالان موجودين هناك، وكأنهما قد طرحا بالأمس؛ لأنه ما هي الألف السنة بالنسبة للأبدية التي لا نهاية لها. ويستمر الوحي قائلاً إنهم «سيعذبون نهاراً وليلاً إلى آبد الآبدين»، وهذا يدحض الضلالة القائلة بالفناء وعدم أبدية العذاب؛ إنه كما أن الله حي إلى آبد الآبدين، والمؤمنين أحياء معه إلى أبد الآبدين، هكذا عذاب الأشرار إلى أبد الآبدين.

4- زوال السماوات والأرض.

يقول الرب له المجد «السماء والأرض تزولان» (مت35:24). ويقول الرسول بولس بالوحي «لأن هيئة هذا العالم تزول» (1كو31:7)، وأيضاً «وأما الآن فقد وعد قائلاً إني مرة أيضاً أزلزل، لا الأرض فقط، بل السماء أيضاً. فقوله مرة أيضاً يدل على تغيير الأشياء المتزعزعة كمصنوعة لكي تبقى التي لا تتزعزع» (عب26:12،27)، وأيضاً «وأنت يا رب في البدء أسست الأرض والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى ... وكرداء تطويها فتتغير» (عب10:1،11).

ويقول الرسول بطرس «إن السماوات كانت منذ القديم والأرض بكلمة الله قائمة من الماء وبالماء اللواتي بهن العالم الكائن حينئذ فاض عليه الماء فهلك. وأما السماوات والأرض الكائنة الآن فهي مخزونة بتلك الكلمة عينها محفوظة للنار إلى يوم الدين وهلاك الناس الفجار» (2بط5:3-7). وأيضاً «سيأتي كلص في الليل يوم الرب الذي فيه تزول السماوات بضجيج وتنحل العناصر محترقة وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها .. منتظرين وطالبين سرعة مجيء يوم الرب الذي به تنحل السماوات ملتهبة والعناصر محترقة تذوب ولكننا بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وأرضاً جديدة يسكن فيها البر» (2بط10:3-13).

فيحدد كلام الرسول بطرس هنا ميعاد زوال السماوات والأرض محترقة «بيوم الدين وهلاك الناس الفجار»، ويخبرنا سفر الرؤيا، تأييداً لذلك، بأن الجالس على العرش العظيم الأبيض ليدين الناس الفجار «من وجهه هربت الأرض والسماء ولم يوجد لهما موضع» (رؤ11:20)، وكيفية هروب الأرض والسماء هي التي يصفها بطرس الرسول بالانحلال والالتهاب والاحتراق والذوبان.

وتأييداً لقول بطرس الرسول أننا «بحسب وعده ننتظر سماوات جديدة وأرضاً جديدة» نقرأ في رؤيا1:21 «ثم رأيت سماء جديدة وأرضاً جديدة لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا».

5- دينونة الأشرار أمام العرش العظيم الأبيض

عند تتمة القيامة الأولى (أي عند قيامة شهداء الضيقة)، قيل «وأما بقية الأموات (وكلهم أشرار) فلم تعش حتى تتم الألف السنة» (رؤ5:20). وهنا بعد نهاية الألف السنة قد جاء وقت قيامتهم للدينونة.

عرش الدينونة والجالس عليه

يا لها من كلمات مرعبة يصف بها الوحي مشهد الدينونة الرهيب وصفاً موجزاً، فيقول الرائي «ثم رأيت عرشاً عظيماً أبيض والجالس عليه الذي من وجهه هربت الأرض والسماء ولم يوجَد لهما موضع» (رؤ11:20). هذا هو وصف العرش والديان، فالعرش عظيم ورهيب، وهو أبيض أي في غاية الطهارة والنقاوة، وهذا هو مبدأ الدينونة لأنها تجري بحسب طبيعة الله القدوس. أما الجالس عليه فمرهب جداً، صاحب المجد والجلال؛ هو الرب يسوع «لان الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن» (يو22:5). هو الذي رآه إشعياء «جالساً على كرسي عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل»، ولكنه ليس الآن في نعمته، بل في جلاله ورهبته حتى أن السماء والأرض تهربان من وجهه أي تزولان بانحلال والتهاب وضجيج، كما مر بنا.

وصف المُدانين

قول الرائي «ورأيت الأموات صغاراً وكباراً واقفين أمام الله». فأول وصف لهم أنهم أموات، وهم أموات بمعنى مزدوج؛ فهم الذين ماتوا مادياً من بدء الخليقة إلى وقت التمرد الأخير، وجميعهم أيضاً أموات روحياً بالذنوب والخطايا. وثاني وصف لهم «صغاراً وكباراً»، أي على تفاوت مراكزهم الاجتماعية والدينية (كما كان يبدو وهم أحياء). وثالث وصف نجده في القول «واقفين أمام الله» أي مثبتين لا مهرب لهم، فالأرض والسماء هربتا، أما هم فإلى أين يهربون؟ رأينا عند فتح الختم السادس أن «ملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء وكل عبد وكل حر أخفوا أنفسهم في المغاير وفي صخور الجبال»، ولكن أمام العرش العظيم الأبيض لا مغاير ولا جبال لأنها قد هربت مع الأرض من وجه الديان العظيم. لطالما سمع المسيحيون بالاسم النداء «اهربوا من الغضب الآتي»، ولكنهم صموا آذانهم وقسّوا قلوبهم إلى أن ضاعت منهم الفرصة وأصبح لا مفر من الدينونة.

وصف الدينونة

يقول الرائي «وانفتحت أسفار وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة ودين الأموات مما هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم» (رؤ12:20). فالدينونة هي على أساس الأعمال. ليس الخلاص على أساس الأعمال كما يتوهم الكثيرون، بل على أساس عمل المسيح الكفاري الكامل على الصليب. أما الدينونة فأساسها الأعمال المسجَّلة في الأسفار الإلهية ( أي التي لا ينسى الله شيئاً منها)، وهي تشمل الأفكار (تك5:6)، والأقوال كما قال الرب «كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين» (مت36:12)، بل والسرائر أيضاً كما قيل «في اليوم الذي فيه يدين الله سرائر الناس» (رو16:2). وسيقتنع كل واحد، ويستد كل فم، وتنكس كل رأس، إذ تتوقد الذاكرة وتمر أمامها بسرعة كل الآثام الصغيرة والكبيرة كما في شريط مسجل، وسيشتكي الضمير في الداخل بوخزات ولسعات لا تُطاق. يالهول الموقف!!

نتيجة الدينونة

يقول الرائي «وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طرح في بحيرة النار». سبق أن رأينا أنه قد طُرح فيها قبلهم الوحش والنبي الكذاب وإبليس (وجنوده طبعاً)؛ هذه هي البيئة التي سيخلدون فيها. وماذا يوجد هناك؟ سبق أن قرأنا في ع10 «وسيعذبون نهاراً وليلاً» ويقول الرب يسوع له المجد «وتطرح في جهنم، في النار التي لا تطفأ. حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ» (مر45:9،46). والعذاب الأبدي هناك هو للأرواح والأجساد معاً كقول الرب «خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم» (مت28:10)، وهو إلى أبد الآبدين .. بلا نهاية.

الآن يستهين الناس بالكلام عن الدينونة، ويبعدونها عن أفكارهم، بفعل إبليس عدو الخير، ولكن هذا لا يغير من الواقع الحتمي شيئاً لأنه «وُضِع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة» (عب27:9)، ولكن الرسول يقول بعد ذلك مباشرة «هكذا المسيح أيضاً بعد ما قدم مرة لكي يحمل خطايا كثيرين سيظهر ثانية بلا خطية للخلاص للذين ينتظرونه»، فيوجد من لا يدانون ولا يأتون إلى دينونة، وهم الذين يؤمنون أن المسيح حمل خطاياهم ودينونتهم على الصليب، الذين احتموا بالمسيح، لأنه «لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع». ويؤكد لنا الروح القدس هذه الحقيقة عند وصف مشهد الدينونة إذ يقول «وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طُرِح في بحيرة النار» أي أن المؤمنين المكتوبين في سفر الحياة في مأمن تام من الدينونة.

وهنا نناشد القارئ العزيز أن يسلم قلبه للمسيح الآن تائباً عن خطاياه، وواضعاً كل ثقته في كفاية عمل المسيح لأجله على الصليب، فينال الخلاص في الحال «ولا يأتي إلى دينونة» (يو24:5). «اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم» (عب7:3،8).

بعض ملاحظات على القيامتين والدينونتين

عندما غاب عن أذهان المسيحيين رجاء مجيء المسيح الثاني، في فترة النعاس الطويلة قبل صراخ نصف الليل «هوذا العريس مقبل»؛ تلك الفترة التي أشار إليها الرب بالقول «نعسن جميعهن ونمن»، ساد الاعتقاد الخاطئ بأنه ستكون قيامة واحدة عامة في النهاية. ولكننا رأينا بكل وضوح فيما سلف وجود قيامتين؛ الأولى «مبارك ومقدس» من له نصيب فيها، أي أنها ليست للجميع. ويقال صريحاً أيضاً «أما بقية الأموات فلم تعش حتى تتم الألف سنة»، أي لم يقوموا في القيامة الأولى قبل الألف سنة، لأن لهم قيامة خاصة بهم بعد الألف سنة، وهي قيامة الدينونة التي نقرأ عنها «وسلم البحر الأموات الذين فيه وسلم الموت والهاوية الأموات الذين فيهما ودينوا كل واحد بحسب أعماله» (رؤ13:20).

والرسول بولس في 1كورنثوس3:15 يبين أنه سيقوم «كل واحد في رتبته. المسيح باكورة (هذه هي الرتبة الأولى) ثم الذين للمسيح في مجيئه»، وهذه هي القيامة الأولى، وستتم على شطرين كما رأينا؛ الشطر الأول في مجيئه للاختطاف حيث نقرأ «والأموات في المسيح سيقومون أولاً»، والشطر الثاني قبيل ظهوره وهي قيامة شهداء الضيقة.

وتوجد أسماء كثيرة في العهد الجديد للقيامة الأولى: فيسميها الرب يسوع «قيامة الأبرار» في القول «لأنك تكافئ في قيامة الأبرار» (لو14:14)، ويسميها أيضاً «قيامة الحياة» في القول «فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة» (يو29:5)، ويسميها «القيامة من الأموات» أي من بينهم، ويقول إنها ليست للجميع، بل الذين حُسبوا أهلاً لها في القول «ولكن الذين حسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يُزوِجون ولا يُزوَجون إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضاً لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة» (لو35:20،36). ويسميها بولس الرسول «قيامة أفضل» في القول «وآخرون عذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل» (عب25:11).

وأما القيامة الثانية فهي «قيامة الدينونة» (يو29:5)، وقيامة «الأثمة» (أع15:24). ورأينا في رؤيا12:20،13 أنها خاصة بالأشرار فقط الذين طرحوا في بحيرة النار.

ورأينا فيما مر بنا أيضاً أنه توجد دينونتين؛ دينونة خاصة بالأحياء، أي الشعوب الموجودين على الأرض يجريها الرب يسوع كالملك عندما يجلس على «كرسي مجده» قبيل الملك الألفي. والدينونة الثانية هي دينونة الأموات الأشرار أمام العرش العظيم الأبيض. أما المؤمنون فلا شيء من الدينونة عليهم، ولكنهم سيعطون حساباً للرب عن خدماتهم عند ظهورهم أمام كرسي المسيح، كما سبق أن رأينا.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.