لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

المعمــودية والولادة الثانيـــة

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الفصل السادس

 

المعمــودية والولادة الثانيـــة

 

في إنجيل يوحنا (ص3)، نيقوديموس، رئيس اليهود ومعلم إسرائيل، يذهب إلى الرب يسوع ليلاً، ودار بينهما حوار عن الولادة من فوق {الولادة الثانية}، وفى هذا الحوار تكلم الرب بعبارة بنت عليها بعض الكنائس تعليماً يختلف تماما عن مفهومها.

هذه العبارة هي قول المسيح لنيقوديموس: "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله " (يو 5:3)، وفسره البعض بأنه إن كان أحد لا يعتمد فلن يرى ولن يدخل السماء. ونحن بدورنا نسأل: ما المقصود بهذه العبارة؟ تُرى هل قصد المسيح بهذه العبارة أن يتحدث مع نيقوديموس عن المعمودية؟

إن الموضوع الرئيسي في إنجيل يوحنا هو المسيح ابن الله والإيمان به، "لتؤمنوا أن يسوع المسيح هو ابن الله ولكى تكون لكم حياة إذا آمنتم باسمه" (يو31:20)* ، ولا يتحدث عن الممارسات المسيحية مثل المعمودية والعشاء الرباني، لأن هذه الوصايا تُنفذ وتُطاع بعد الإيمان، لذلك لا يقصد الرب بالولادة من الماء والروح أو الولادة من فوق الكلام عن المعمودية، فهو لم يقل: "إن كان أحد لا يعتمد من فوق، أو: إن كان أحد لا يعتمد من الماء والروح، لكنه يقول: "إن كان أحد لا يولد من فوق"، "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح" (يو 3: 5). وكما سبق واشرنا أن المعمودية ليست ولادة لكنها دفن (رو 6: 4، كو2 : 12)، كما أن المعمودية رُسمت بعد موت المسيح وقيامته من الأموات، ولم ترد أية اشارة إليها قبل ذلك، لأنها تحدثنا عن الدفن مع المسيح والمشاركة فى موته. ثم أن المسيح فى حديثه مع نيقوديموس لم يتكلم بأشياء جديدة تخص المسيحيين، بل تحدث معه عن شئ وارد فى نبوات العهد القديم، ونيقوديموس كمعلم لإسرائيل، كان يجب أن يعرفه، لذلك قال الرب له "أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا؟" ( يو3 : 10)، ولكي نصل إلى تفسير صحيح لأية عبارة، يجب أن نفسرها فى ضوء الكتاب المقدس كله وليس بالانفصال عنه، فيجب ربطها بالقرائن الواردة في كلمة الله، لأنه لا يمكن أن نبني تعليما على آيه بمفردها بالانفصال عن نظائرها، لذلك نعود إلى الكتاب المقدس لنعرف - ولو القليل - عن الولادة من فوق، ومن خلالها يمكننا معرفة ما المقصود بالماء. فمثلاً: في (يو1 : 11-13)، يقول البشير يوحنا: "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا اولاد الله أى المؤمنون باسمه ، الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله". نلاحظ هنا أن الولادة تتم من خلال قبولنا للمسيح ابن الله، والذى يجريها هو الله بنفسه ولا دخل للإنسان فيها.

وفى رسالته الأولى يقول: "كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله" (1يو 5: 1) وهنا نرى الأساس الوحيد للولادة الثانية، لذلك يقول الرسول بولس للمؤمنين فى كورنثوس: " لأني أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالانجيل " (1كو4: 15)، ويقول أيضاً: "لأنكم جميعاً أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع" (غلا 3: 26)، وقال الرسول بطرس فى رسالته الأولى: "مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح الذى حسب رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حى بقيامة يسوع المسيح من الأموات" (ابط1 :3). ويقول الرب يسوع لنيقوديموس: "الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو 3:3 )، ثم قال له: "الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله، المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح" ( يو 3: 5-6)، ثم يقول: "لا تتعجب إذ قلت لك ينبغى أن تولد من فوق" (يو3 :7). ويقول القديس يعقوب عن الله: "شاء فولدنا بكلمه الحق لكى نكون باكورة من خلائقه" (يع1: 18)، والرسول بطرس يقول: "مولودين ثانيه لا من زرع يفنى بل مما لا يفنى بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد وهذه هي الكلمة التي بشرتــم بها " (1بط1: 23- 25).

من هذه الآيات يمكن أن نستنتج الآتي:-

  1. الولادة الثانية هي من الله رأساً "وُلدوا من الله" (يو1: 13).

  2. تتم من خلال الإيمان بالمسيح يسوع إيماناً قلبياً ( يو 1: 12، 1يو5: 1)، لأنه اظهر لنا رحمة الله ومحبته من خلال موته وقيامته.

  3. الولادة الثانية هي من فوق باعتبارها حادث يبدأ وينشأ من السماء، ويتم للإنسان بقوة إلهية تفوق فهم وفحص وإدراك الإنسان، فهي من الله الذى هو فوق الجميع (يو31,7:3).

  4. يُجريها الروح القدس، لذلك "المولود من الروح هو روح" (يو6:3 ).

  5. يستخدم الروح القدس كلمة الله التى تقودنا للإيمان بالمسيح (يع 18:1 ، 1بط23:1-25)، وهذا ما يشير إليه الماء فى القول "الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله " (يو 5:3)، لذلك جاء بعد هذه العبارة القول: "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح"، وهنا لا يذكر الماء، فالروح هو مُجرى الولادة وأساسها، وأما الماء فهو الوسيلة التى يستخدمها الروح القدس فى إجراء الولادة.

ولقد جاء في الكتاب المقدس العديد من العبارات التى فيها تشبه كلمة الله بالماء المستخدم للولادة، منها: في سفر المزامير يقول كاتب المزمور الأول - بعد أن طَوَّبَ الرجل الذي في ناموس الرب مسرته وفيه يلهج نهاراً وليلاً: "فيكون كشجرة مغروسة عند مجارى المياه" (مز 1:1-3)، لقد شبه كلام الله بالمياه التى تروى الشجر وتجعله يثمر.

وفى نبوة إشعياء يقول الرب: "لأنه كما ينزل المطر والثلج من السماء ولا يرجعان إلى هناك بل يرويان الأرض ويجعلانها تلد وتنبت 000هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمى لا ترجع إليّ فارغة" (إش11,10:55).

وفى سفر التثنية يقول "أنصتي أيتها السموات فأتكلم ولتسمع الأرض أقوال فمي يهطل كالمطر تعليمي ويقطر كالنُدى كلامي. كالطل على الكلأ وكالوابل على العشب" (تث 32: 1، 2).

وفى سفر الأمثال جاء القول "مياه باردة لنفس عطشانة الخبر الطيب من أرض بعيدة" (أم25:25)، هذه العبارات وارده فى العهد القديم، وكان من المفروض أن نيقوديموس يعلمها لأنه معلم إسرائيل (يو10:3)، أما في العهد الجديد فقد جاءت العبارات التالية:

جاء في رسالة بولس إلى المؤمنين في أفسس: "أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكى يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة" (أف5: 26,25)، ولقد قالها المسيح صراحة للتلاميذ "أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذى كلمتكم به" (يو 3:15).

من هذه العبارات وغيرها، نفهم أن كلمة الله مشبهة بالماء، والولادة من الله تتم بواسطة كلمة الله التى تخبرنا عن المسيح مخلصنا، وهذا ما رأيناه ونراه فى كل يوم من جهة قوة تأثيرها على النفوس وعملها فى إحيائهم بالروح القدس.

لقد نفى الرسول بولس أن المعمودية هي وسيلة الميلاد الثاني، فقال للمؤمنين فى كورنثوس: "أشكر الله أنى لم أعمد أحداً منكم إلا كريسبس وغايس حتى لا يقول أحد أني عمدت باسمي وعمدت أيضا بيت أستفانوس عدا ذلك لست أعلم هل عمدت أحداً آخر، لأن المسيح لم يرسلني لأعمد بل لأبشر لا بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح" (1كو 14:1-17)، وقال لهم فى نفس الرسالة: "لأني أنا ولدتكم فى المسيح يسوع بالإنجيل" (1كو 15:4)، ويعُرِّف الإنجيل بقوله لهم: "وأعرفكم أيها الأخوة بالانجيل الذى بشرتكم به وقبلتموه وتقومون فيه وبه أيضا تخلصون 0000فإننى سلّمت اليكم فى الأول ما قبلته أنا أيضا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب وأنه دفن وأنه قام فى اليوم الثالث حسب الكتب" (1كو 1:15- 4).

خلاصة القول: أن الولادة من الماء لا يمكن أن تعني المعمودية، لأن الماء يشير إلى كلمة الله، كما أنه لا يمكن أن يمتزج الروح القدس بماء حرفي، ولا يمكن أن يُعطَى الروح القدس لإنسان بواسطة إنسان. فكرنيليوس ومن معه غُفرت خطاياهم بالإيمان وحده وقبل معموديتهم، إذ آمنوا بالمسيح وسكن فيهم الروح القدس قبل أن يعتمدوا بالماء، فقبولهم للروح القدس تم قبل المعمودية. ومن هنا نسأل: بأي حق - بعد ذلك - يقول هؤلاء المعلمين أن المعمودية تلد الإنسان وتهيئه لنوال الروح القدس؟ لقد وُلد كرنيليوس ولادة جديدة قبل أن يعتمد، وقَبِلَ الروح القدس قبل أن يعتمد، حتى أن بطرس الرسول قال: "أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضا وأمر أن يعتمدوا باسم الرب " (أع43:10-48 )، وهكذا أيضاً الكورنثيين - كما رأينا - وُلدوا بالإنجيل. ويقول البشير لوقا كاتب سفر الأعمال: "كثيرون من الكورنثيون إذ سمعوا آمنوا واعتمدوا" (أع8:18).

إن المعمودية لا علاقة لها بالولادة ولا بالحياة، فلا توجد فى كل الكتاب المقدس عبارة أو أية إشارة تربط الحياة بالمعمودية، بل على العكس، إن المعمودية تعنى الموت والدفن لا الولاده والحياة.

إن أخذنا بحرفيه الماء فى هذا الإصحاح الذي فيه حديث الرب مع نيقوديموس، وسلمنا بأنه ماء المعمودية، فماذا نقول عن الماء الذى تكلم عنه الرب مع السامريه في الإصحاح الرابع من نفس الإنجيل، قائلاً لها: "ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يو14:4)؟ واضح أن الماء يرمز إلى شيء، وقد قال الرب: "إن عطش أحد فليقبل الىّ ويشرب من آمن بى كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حـي، قال هذا عن الروح الذى كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطى بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجد بعد" (يو37:7-39). فالماء الذي يستخدمه الروح لولادة الإنسان هو كلمة الله، والماء الذي يروى النفس ويفيض فيها هو الروح القدس نفسه.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة