مصـدر (مسـتند) المعمـودية |
الفصل الرابع
مصـدر (مسـتند) المعمـودية
الآن عن المصادر التي نستند عليها في المعمودية: أولاً: المستند الوحيد للمؤمن: للمؤمن مستند إلهي، وهو مستند وحيد ونهائي، وهو ما تُعَلِّم به كلمة الله الموحى بها، ومكتوب في (2تى16:3-17) " كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح".التقاليد الدينية وقوانين الناس مهما كانت قديمة أو ألفها كبار اللاهوتيين ينبغي ألاّ تكون مستند للمؤمن في أمر المعمودية، ولكن المرجع الوحيد هو كلمة الله المقدسة. لقد طال الجدل حول هذا الموضوع، أي المعمودية، واختلفت الآراء عن: من الذي يجب أن يعتمد؟ وكيف يجب أن يعتمد؟ وما هو المعنى الروحي لهذه الممارسة؟؟ قيل أنه باعتماد الطفل يصبح عضواً في المسيح، أو ابناً لله، أو وارثاً للملكوت، وهذا بالطبع ضد ما تعلّمه كلمة الله، وهذه العقيدة - أي التعليم بالميلاد الثاني في المعمودية - له ضرر كبير، ولقد أدى إلى وجود الآلاف من الرجال والنساء الذين يعتقدون في أنفسهم أنهم مؤمنون، بينما حقيقة حياتهم أنهم غرباء عن نعمة الله وعن قوة الروح القدس المغير. ثانياً: الاختبار الثلاثي لصلاحية المعمودية في العهد الجديد: لكي تكون الممارسة صالحة كتابياً لها ثلاث متطلبات :
يوجد في العهد الجديد ممارستان لهما هذا الامتحان الثلاثي، هما: المعمودية، وعشاء الرب. دعنا الآن نرى هذا الامتحان الثلاثي بالنسبة للمعمودية: [1] لقد رسمها وأوصى بها الرب يسوع في الأناجيل: بعد موت الرب وقيامته أوصى تلاميذه قائلاً في (مت19:28-20): " فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن و الروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به...". نلاحظ ثلاثة أشياء في هذه الإرسالية الكبرى :-أ - كان على التلاميذ أن يذهبوا ويتلمذوا جميع الأمم، ونتعلم من مواضع أخرى في العهد الجديد أن التلمذة تتم من خلال بشارة الإنجيل وقبول المسيح كالمخلص من جانب المستمع. ب - عند وجود هؤلاء التلاميذ، كان عليهم أن يعتمدوا باعتراف إيمانهم بالمسيح، وهكذا بهذه الممارسة يعترفون جهراً باتحادهم. جـ #9; هؤلاء التلاميذ يتعلمون السلوك بالطاعة لوصايا الرب والمخلص. كما أننا نلاحظ في هذه الإرسالية أن مسئولية تعميد الذين يؤمنون تقع على المبشر، إنها جزء من إرساليته. لا أن يكرز بالإنجيل فحسب، بل يعمّد ويعلّم أيضاً أولئك الذين تجاوبوا مع الرسالة، وأما الإرسالية المدونة في إنجيل مرقس: " وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليفة كلها. من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدنْ" (مر15:16-16)، فنرى فيها أن مسئولية المعمودية تقع على كل من يؤمن لكي يطيع وصية الرب بأن يعتمد، وهكذا نرى في كل من هاتين الإرساليتين أن المعمودية تتبع الإيمان بالمسيح ولا تسبقه أبداً.يعترض البعض على كلمة وصيه فيما يختص بالمعمودية، ولكن بالنظرة السريعة في (أع1:1-2)، نتأكد من الحقيقة أن المسيح أعطى التلاميذ وصايا أخرى كثيرة بالإضافة إلى المعمودية " الكلام الأول أنشأته يا ثاوفيلس عن جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويُعلّم به، إلى اليوم الذي أرتفع فيه بعدما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم". وهكذا فالمعمودية وصيه مميزة من الرب يسوع، ويجب أن يراها كل مؤمن هكذا، فهي وصيه لكل مؤمن، وهى عمل طاعة من جانب المؤمن لمشيئة الرب الذي قال: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي" (يو15:14)، وعلى المؤمن أن يعرف أن يترجم هذه الوصية إلى طاعة مخلصة ويجب أن تكون لكلمات الرب الوقع الشديد على قلبه: "إن علمتم هذا فطوباكم إن عملتموه" (يو17:13).[ 2 ] لقد مارستها الكنيسة الأولى: وإليك أمثله كما نراها في سفر الأعمال. إننا نرى في سفر الأعمال عشرة أمثلة مسجلة لنا عن المعمودية: أ- اليهود في يوم الخمسين (أع37:2-47): بعد عظة الرسول بطرس وباقي الرسل قَبِلَ ثلاثة آلاف نفس كلمة الإنجيل، وأعلنوا توبتهم واعتمدوا بعد ذلك، وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات. ب- السامريون (أع5:8-25): " ولكن لما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع المسيح، اعتمدوا رجالاً ونساء (أع12:8). ولنلاحظ إنه لا ذكر للأطفال.جـ- الخصي الحبشي (أع26:8-39): إقترب فيلبس من هذا الرجل واستخدمه الله ليقوده إلى المسيح (:36) " فقال الخصي هوذا ماء ماذا يمنع أن أعتمد؟ فقال فيلبس إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز… فنزلا كلاهما إلى الماء - فيلبس والخصى - فعمّده".د- سيمون الساحر (أع13:8): " وسيمون أيضاً نفسه آمن، ولما اعتمد كان يلازم فيلبس وإذ رأى آيات وقوات عظيمة تُجرى اندهش". آمن بقدرة الرب وسلطانة الفائق وبالتالي اعتمد مع أنه اتضح بعد ذلك أنه كان مجرد اعتراف دون امتلاك، ونحن نذكره هنا لنبيّن أن معموديته ذُكرت بعد أن ذُكر عنه إنه قد آمن.هـ شاول الطرسوسي (أع1:9-20): الذي ظهر له المسيح وهو في طريقه إلى دمشق حاملاً رسائل ضد المؤمنين، وفى قلبه حقد عليهم ورغبة في الانتقام منهم، هذا أُرسِلَ إليه حنانيا الذي قال له " أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ…وقام واعتمد".و- كرنيليوس قائد المئه الروماني (أع1:10-48): تلقى الرسول بطرس اعلاناً خاصاً من الرب لكي يذهب إلى بيت كرنيليوس، حيث وجد جمعاً من الناس، وقدم بطرس رسالة الإنجيل، وحل الروح القدس على جميع الحاضرين، ولما رأى بطرس ذلك قال: " أترى يستطيع أحد أن يمنع الماء حتى لا يعتمد هؤلاء الذين قبلوا الروح القدس كما نحن أيضاً؟ وأمر بأن يعتمدوا باسم الرب".ز- ليديا في فيلبى (أع11:16-15): وصل الرسول بولس إلى مدينة فيلبى وفى يوم السبت خرج ومعه كثيرين وكثيرات، حيث جرت العادة أن تكون صلاه عند نهر، وكان بولس الرسول يتكلم بكلمة الحياة، واستمعت ليديا إلى الكلمة، وفتح الرب قلبها، فكانت تصغي إلى ما يقوله بولس، واعتمدت بعد أن آمنت هي وأهل بيتها، الذين آمنوا أيضاً، ثم قدمت الضيافة في بيتها لبولس وسيلا. ح- سجان فيلبى (أع22:16-34): لقد اعتمد هو وأهل بيته بعد أن خلصوا جميعاً، إذ سمعوا كلمة الله وآمنوا، وهذا هو السبب الذي جعل كل البيت يفرح ويتهلل. ط- الكورنثيين (أع8:18): لقد كرز الرسول بولس في مدينة كورنثوس، ونتيجة لتلك الكرازة آمن كثيرون واعتمدوا " وكثير من الكورنثيين إذ سمعوا آمنوا واعتمدوا"، لنلاحظ الترتيب:
ي - تلاميذ يوحنا المعمدان في أفسس (أع1:19-7): كانوا أثني عشر شخصاً، وخدم بينهم أبولس، ولم يعرفوا سوى عن معمودية يوحنا، وعندما وصلت إليهم بشارة الرسول بولس الذي سألهم: " هل قبلتم الروح القدس لما أمنتم"وأجابوا"ولا سمعنا أنه يوجد الروح القدس" فسألهم الرسول"فبماذا اعتمدتم؟" أجابوا: "بمعمودية يوحنا ". هذه المعمودية كما ذكرنا من قبل كانت للتوبة وغفران الخطايا، ولكن بكرازة الرسول بولس آمن هؤلاء الرجال بالرب يسوع المسيح، وبناء على هذا الإيمان اعتمدوا باسم الرب يسوع.لقد أشرنا إلى عشرة أمثلة محددة في العهد الجديد حيث اعتمد المؤمنون بالرب يسوع وبهذا تبرهن بوضوح أن ممارسة المعمودية تأتي بعد الإيمان وكنتيجة له وهذا ما مارسته الكنيسة الأولى كما هو مسجل في سفر الأعمال. [3] المعنى الروحي للمعمودية كما هو موضح في الرسائل: في كل الإشارات إلى المعمودية في الرسائل، يتبين لنا بوضوح أنه في كل هذه الكنائس وجماعات المؤمنين الذين كتبت إليهم هذه الرسائل، كانوا معمدين بعد الإيمان بالمسيح، وكأن بولس الرسول وهو يخاطب هؤلاء المؤمنين كان يعلم أنه أمر مُسلّم به أنهم قد اعتمدوا، لذلك يكتب في (رو3:6) قائلاً: "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته"، أي أن هذه المعمودية حدثاً تم في اختبارهم وهم على وعى جيد به، وهذا يمحو طبيعياً الفكرة القائلة بمعمودية الأطفال.وسنتحدث تفصيلياً عن بعض الشواهد الكتابية الخاصة بالمعمودية - وهى موجودة في الرسائل ومرتبطة بتطبيق هذه الممارسة - في الفصل التالي. |