لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

المعاني الروحية للمعمودية

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

الفصل الرابع عشر

 

المعاني الروحية للمعمودية

 

الآن على المعاني الروحية للمعمودية. وعلى الرغم من أنها ممارسة جميلة وبسيطة، لكنها تبين وتوضح حقاً عميقًا له أهمية روحية. وبهذا الأسلوب يمكن أن نُعَرِّف المعمودية على إنها ممارسة رسمها الرب يسوع للمؤمنين به، بواسطة تغطيسهم أو غمرهم في الماء، ليُعبِّروا خارجياً ورمزياً عن إيمانهم واتحادهم بالمسيح في موته ودفنه وقيامته نيابة عنهم.

(1) إن المعمودية هي وصية إلهية يجب أن تطاع، البعض يعترضون على كلمة الوصية عندما نطبقها على المعمودية، ولكن بالرجوع إلى النص الوارد في (مت19:28) "فاذهبوا وتلمذوا.. وعمدوهم.. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به"؛ هذه هي كلمات الشخص الذي تكلم بسلطانه المطلق. فإرساليته للتلاميذ كانت وصيه لهم، وكلمة "اذهبوا" هنا هي أمر وهذا هو معنى آخر للوصية. وإذا رجعنا إلى إنجيل مرقس نقرأ: " اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.من آمن واعتمد خلص"، فكلمة "اذهبوا" هنا، ما هي إلا وصية هذا الشخص الذي هو في مركز من يعطى الوصية"، لذا فإرسالية الرب هي بعينها وصيته. وبالرجوع إلى (أع 34:10-38) نقرأ في عدد 37 "أنتم تعلمون الأمر"، وفي عدد 48 "وأمر أن يعتمدوا باسم الرب". فالطاعة ضرورية للتلمذه الحقيقية. فكلمات المسيح يطيعها كل من يعترف أنه تلميذ له. ولقد قال الرب يسوع في (يو 15:14) "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي"، وفي (يو 14:15) "أنتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم به". والشيء الأول والضروري للمؤمن أن يعرفه عن المعمودية هو أن "إرادة الرب يسوع المسيح أن كل مؤمن عَرِفَه كالمخلص وامتلكه كالرب والسيد، يجب أن يعتمد، وببساطه شديدة، ذا لأن المسيح قد قال ذلك. ويستطيع أن يقول مع الخصى الحبشي: ماذا يمنع أن أعتمد؟ ثم يدرك أن لا شيء يمنعه، فيتمم الوصية فوراً بكل طاعة وسرور كوصية من سيده".

(2) إن المعمودية هي صورة للمؤمن لاتحاده بالمسيح في موته وفي دفنه وفي قيامته. ويعيش المؤمن هذه الصورة طوال حياته. وهذا هو الدرس الراقي في المعمودية - كما يوضح لنا الإصحاح السادس من رسالة روميه.

فالمعمودية يُنظر إليها من عدة زوايا، وهي مرتبطة بحياة المؤمن، ففي رسالة بطرس يُنظر إليها كالخلاص من خلال المسيح، وفي رسالة روميه هي جدة الحياة في المسيح، وفي رسالة كولوسي هناك التأكيد على تفوق المسيح ورئاسته، أما في غلاطية فهي النجاة والعتق من الناموس من خلال المسيح، وأما في الرسالة إلى أفسس فهي مرتبطة بوحدتنا بالمسيح، وفي كورنثوس الأولى تقدم قيامتنا في المسيح، أما الأناجيل فإنها جزء من إرسالية المسيح.. وهكذا، فالمعمودية تلمس جوانب عديدة في حياة المؤمن، لذا فكل مؤمن يجب أن يمارس ويعرف ويطبق الحق الروحي للمعمودية في حياته.

دعنا الآن نتناول المعمودية كتصوير لاتحادنا مع المسيح:

  • في موته.

  • في دفنه.

  • في قيامته.

 

أولاً : الاتحاد بالمسيح في موته

الله يرى ويعتبر كل مؤمن أنه قد مات قضائياً في شخص البديل الإلهي، وهذا الحق عظيم، وربما لا يُصدَّق لو لم يكن الله قد قرره بوضوح في كلمته. ويقول الرسول بولس في (غل20:2) "مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ، فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه لأجلى". وهكذا يرى الله المؤمن كما لو كان قد مات بالفعل في شخص المسيح البديل والممثل له، والذي حمل خطاياه وقام مره أخرى لتبريره. والمعمودية هي الرمز والصوره لهذه الحقيقة الرائعة.

وفي (كو 3:3) نقرأ عن المؤمن " لأنكم متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله"، وهذا معناه أننا كرجال ونساء في الجسد، اعتبرَنا الله - في موت المسيح - أننا متنا. وهذا الأمر بسيط وذلك لأن الله قاله. وبالمعمودية يشهد المؤمن أنه يدرك هذا الحق ويرغب الآن أن يعترف به جهراً بطريقه رمزية.

ويقف المؤمن في الماء استعدادا للتغطيس أو الغمر فيه ولسان حاله يقول: "الله يحسبني أنني مت في شخص الرب يسوع مخلصي وبديلي، وهو حمل خطاياي، وتحمّل قصاص الله القدوس نيابة عنى بموته، مسدداً كل مطالب عدل الله القدوس. وأؤمن بشخص الرب يسوع كالمخلص الشخصي لي، وأمتلكه كربى وسيدي. وأنني الآن أخضع لهذا العمل الرمزي - المعمودية - كشهادة لكل الذين يروه لاتحادي مع المسيح في موته". واتحاد المؤمن مع المسيح في موته وقيامته له نتائج في حياة المؤمن. دعنا نفكر في سبعة منها:

(1) لقد مات عن نتائج الخطية وقصاصها. يقول الكتاب في (رو 7:6) "الذي مات فقد تبرأ من الخطية"، وهكذا فعقوبة الخطية التي كانت على المؤمن قد حملها المسيح في جسده على الخشبة، ودفع الثمن، وهذا ما يطلبه الناموس العادل، وقداسة الله، لنجاة المؤمن من الدينونة.

(2) لقد مات عن سلطان وسيادة الخطية: نقرأ أيضاً في (رومية 6 : 11) "كذلك أنتم أيضاً احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا. إذاً لا تملكن الخطية في جسدكم المائت"، ويقصد الرسول بإنساننا العتيق في (ع6) كل ما كنا فيه أو عليه رجال ونساء في الجسد عندما كانت الخطية تسود علينا وكنا نخدم الخطية بكل رضا، فالخطية الآن ليس لها سلطان وسيادة علينا، لذا لا نخدمها، ولن نسمح لها بأن تملك في أجسادنا، وهذا ليس معناه أن الطبيعة الشريرة في المؤمن - والتي تسمى الجسد هنا - قد استؤصلت أو قُطع دابرها، وأن المؤمن لا يستطيع أن يخطئ مرة أخرى، ولكن الغرض هنا بيان أن الخطية لم تعد العامل المسيطر في حياة المؤمن، وهي لم تعد القوة المسيطرة عليه.

(3) لقد مات عن العالم: " وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم" (غلا 14:6)، "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم، إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الأب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الأب بل من العالم" (1يو15:2-16).

(4) لقد مات عن إرضاء ذاته. "إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذاً ماتوا . وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل

للذي مات لأجلهم وقام" (2كو 14:5-15). نقرأ عن المسيح أنه "وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في 5:2-10 ). وقيل في (رو3:15 ) "لأن المسيح أيضاً لم يُرض نفسه". فلا مجال في حياة المؤمن للافتخار والكبرياء والارتفاع ولا لإرضاء نفسه. وهكذا تصور لنا المعمودية هذا المضمون - مضمون الموت عن الرغائب الذاتية - وهذا هو إنكار الذات وهو ضروري للحياة الروحية الصحيحة.

(5) الموت عن شهوات الجسد. نحن نقرأ "الذين هم في المسيح قد صلبوا الجسد مع شهواته"، كلمه الجسد هنا تعنى الطبيعة العتيقة المرتبطة بميلادنا الطبيعي، فهي شريرة الطبيعة والسلوك، وهي ضد الله (رو5:8-8). فالمسيح بموته دان الخطية في الجسد. فالمؤمن الآن الذي اتحد بالمسيح بموته وقيامته، لا يسمح للجسد أن يسيطر على حياته (في 3:3 ) "لأننا نحن الختان الذين نعبد الله بالروح.. ولا نتكل على الجسد" ( رو 14:13 )، "ولا تصنعوا تدبيراً للجسد من أجل الشهوات". فالجسد بكل أعماله الخارجية محكوم عليه في الصليب، وينبغي أن يعرف المؤمن هذه الحقيقة ويحسب نفسه أنه قد مات للخطية وهو حي لله بالمسيح يسوع، وهو ليس في الجسد من جهة وجوده أمام الله مع أن الجسد لا يزال فيه ولا يزال يحاول أن يجد الفرصة وهو يبحث أن يتجاوب مع بعض المغريات من الخارج، وعلى المؤمن أن يعرف أن هذه الرغبة الشريرة ترتبط بالجسد الذي حكم عليه الله وانتهى بموت المسيح، وأنا أحسب نفسي أنني مت عن هذه الرغبة الشريرة. وبهذا الموقف يصبح الجسد بصفة ثابتة في مكان الخضوع (رو14:6).

(6) الموت عن مطاليب الناموس. "أنتم أيضاً قد متم للناموس بجسد المسيح لكي تصيروا لآخر للذي قد أقيم من الأموات لنثمر لله" ( رو4:7 ).إن الناموس هو إعلان مطاليب الله العادلة الذي يكره الشر، وهو قدوس. ويلخص لنا الرب يسوع الناموس بالقول: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك.. وتحب قريبك كنفسك" (مت 37:22 ). وهكذا فالناموس يطلب الكمال؛ كمال الأفكار وكمال السلوك، لأن هذا يُرضى الله القدوس، ولا يوجد أحد استطاع أن يعطي الله الكمال من خلال مطاليب الناموس، ولكن جاء الفشل في سداد مطاليب الناموس، وجاءت الخطية، والخطية لابد أن تُعاقَب، وهذا العقاب هو الانفصال الأبدي عن الله "لأن أجرة الخطية هي موت" (رو 23:6 ).

والسؤال هنا كيف لله البار أن يعفو عن، ويسامح، ويقبل الخاطئ المذنب الذي لا يستحق مراحم الله. وحل هذا السؤال تم في صليب ربنا يسوع المسيح عندما حمل هو خطايانا في جسده مع انه البار القدوس ابن الله، وبموته سدد كل مطاليب الله من جهة الخطية والخاطئ الأثيم، وقد قام ثانية ليخلص أولئك الذين آمنوا به، وهذا هو إنجيل نعمة الله والأخبار السارة التي تسمعها الآذان "إذاً لا شئ من الدينونه الآن على الذين هم في المسيح يسوع " (رو 1:8 )، وكل مؤمن الآن يستطيع أن يقول: "مت بالناموس للناموس لأحيا لله" ( غل19:2 )، ولم يعد الناموس الآن هو قانون حياة المؤمن. ولا نقصد بهذا أن المؤمن شخص لا قانون له، ولكن نقصد أنه الآن يستطيع بقوة الروح القدس الساكن فيه أن يتمم بر الناموس، ويعيش الحياة التي تمجد الله "لكي يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو4:8 ).

(7) الموت عن سيادة الشيطان. "لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس، ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية" (عب 14:2-15). إننا بالمسيح أعظم من منتصرين على الشيطان وجنوده والأرواح الشريرة. والشيطان عدو مهزوم بالنسبة للمؤمن بالرغم من أنه لا يزال يمتلك قوة عظمى وحكمة. ولكن الوعد للمؤمن يقول "قاوموا إبليس فيهرب منكم" ( يع7:4 ). ويجب أن يقف كل ابن لله في الانتصار الذي صنعه المسيح لابساً سلاح الله، ويثبت ضد مكايد إبليس (أف10:6-18).

 

 

ثانياً: الاتحاد بالمسيح في دفنه

ليس فقط يرى الله المؤمن في المسيح كمن قد مات ولكن أيضاً كمن قد دفن معه، لذلك نقرأ في ( رو 6: 4) القول "فدفنا معه بالمعمودية للموت والدفن هو برهان الموت، لأننا ندفن الموتى فقط. لذلك فالتغطيس للمعمودية هو الصورة الحقيقية للدفن لأننا ندفن الجسد تماماً بعيداً عن النظر، وليس الرش أو السكب أو صب الماء يستطيع بسهوله أن ينقل لنا رمز المعمودية التي هي الدفن، لذلك فرمز المعمودية أو صورتها هو أن يقف الشخص الذي يريد أن يعتمد في ماء المعمودية آخذاً مكان الموت مع المسيح، وبكل رضا دون مقاومة يَسمح للشخص الذي يعمده أن يغمسه تحت الماء ليختفي عن المشهد برهة قليلة ليبين اتحاده بالمسيح في دفنه، وهو يدرك أن المخلص دفن تحت أمواج وهبوب عواصف غضب الله ضد الخطايا ويوضح المعتمد هذا بغمره في الماء "ولي صبغه أصطبغها، وكيف أنحصر حتى تكمل؟" (لو 50:12).

إن عاصفة غضب الله الرهيب ضد الخطية وقعت وتركزت على رأس البار حتى صاح في (مز7:42) قائلاً "كل تياراتك ولججك طمت علىّ ويمثل هذا تركيز غضب السماء وغضب الأرض على الشخص الذي كان بلا عيب على الصليب، ويمكن لنا هنا أن نتخيل الصورة الرمزية التي تنقلها لنا المعمودية بالدفن، كما أن المؤمن يسمح لنفسه بالتغطيس تحت الماء لكي يقدر ما اجتاز فيه ربنا يسوع المسيح لكي يخلص من نتائج الخطية المرعبة، وكيف أن المسيح ارتضى في سبيل ذلك وسمح لنفسه أن يبعد عن أنظار الناس وذلك بوضعه في القبر لكي يضمن الخلاص الأبدي والبركة لكل من يؤمن به.

ثالثاً: الاتحاد بالمسيح في قيامته

إن المعمودية تذهب بنا إلى ما هو أكثر من ذلك، فهي لا تصور لنا موت المسيح ودفنه فقط ولكنها تعلن قيامته كالمنتصر "لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته" ( رو 6 : 4،5). إن العمل الفدائي للمسيح ليس فقط موته ودفنه بل يتطلب قيامته بالانتصار "الذي أسلم لأجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا" (رو25:4). إن قيامة المسيح هي إعلان الله عن قبوله الكامل للذبيحة، وأن العمل قد أُكمل تماماً ونهائيا "عالمين أن المسيح بعدما أقيم من الأموات لا يموت أيضا. لا يسود عليه الموت بعد. لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطية مره واحدة والحياة التي يحياها فيحياها لله" (رو9:6-10). ونحن نثق الآن أن القارئ العزيز قد أدرك المعاني الروحية الهائلة والمتضمنة في ممارسه المعمودية، ولقد رأينا أنها وصيه من الرب يجب أن تُطاع، وهي صورة لاتحاد المؤمن بالمسيح في موته ودفنه وقيامته.

 

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة