مقدمـة للأخ توفـيق مكاري |
مقدمـة للأخ توفـيق مكاري
وجدت في مسودة هذا الكتاب ما شدّني لمتابعة فصوله بشغف. وقد رأيت فيه - بحق - بحثاً شيقاً، يتناول مختلف جوانب موضوع يعتبر من أهم موضوعات الكتاب المقدس التى تخص مؤمن العهد الجديد، ألا وهو موضوع المعمودية. وقد حرص الكاتب على أن يتخذ من كلمة الله أساساً لبحثه، وما تقوله الكلمة في هذا الأمر، فهي القول الفاصل في كل ما يختلط علينا. هكذا ينبغي أن ينهج كل من يبغى السلوك على مثال خطوات السيد، الذي قال بلسان النبوة "أن أفعل مشيئتك يا الهى سررتُ" (مز8:40)، كما قال بفمه المبارك "طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يو34:4)، وسبيلنا إلى ذلك هو الرجوع للمكتوب والتمسك بما يأمرنا به الرب، فنحن لسنا أكثر من مجرد خدام لنا القول "مهما قال لكم فافعلوه" (يو5:2). هذا هو الموقف بالنسبة لموسى الذى وُصف بأنه "كان أمينا في كل بيته كخادمٍ" (عب5:3)، ولم يأت هذا الوصف من فراغ، إذ نلاحظ موسى يكرر هذه العبارة: "هكذا يقول الرب" (خر22:4، 1:5، 17:7، .. الخ)، فما كان على موسى وهرون إلا أن يتفوها فقط بكلمات الرب دون تحوير أو تدوير أو تطوير أو فلسفة الكلمات بحسب الاستحسان، وما أجمل ما جاء عنهما "ففعل موسى وهرون كما أمرهما الرب، هكذا فعلا" (خر6:7). فليست مهمة العبد إلا أن ينفذ تماماً أمر سيده، ونحن أيضاً من جهة الخدمة عبيد، واجبنا الحتمي هو الطاعة "متى فعلتم كل ما أُمرتم به، فقولوا إننا عبيد بطّالون لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا" (لو10:17)، وعندما أوصى الرب بصُنع المقدس له ليسكن في وسطهم قيل لموسى: "بحسب جميع ما أنا أُريك من مثال المسكن ومثال جميع آنيته هكذا تصنعون" (خر9:25)، "وانظر فاصنعها على مثالها الذي أُظهِرَ لك في الجبل" (خر40:25)، "وتقيم المسكن كرسمه الذى أُظهِرَ لك في الجبل " (خر30:26). حتى الصُّنَّاع كانوا من اختيار الرب، وبالتحديد: "انظر، قد دعوتُ بَصَلْئيل… وملأتُه من روح الله بالحكمة والفهم … وها أنا قد جعلت معه اهوليآب … ليصنعوا كل ما أمرتك" (خر 2:31-6)، "حسب كل ما أمرتك به يصنعون" (خر11:31). فلم يترك الرب لموسى صغيرة او كبيرة للاستحسان، أو الخيال، أو الإمكانيات المتاحة، وها هم الآن - بعدما خرجوا من مصر - يسيرون في البرية، علماً بأن موسى قد تهذّب "بكل حكمة المصريين" (أع 22:7)، ورغم ذلك لم يسمح لهم بالتنازل عن أية مقاييس أو مواصفات أمر بها الرب. وقد قصد الروح القدس أن يبرز لنا كيف تم العمل في خيمة الاجتماع على النسق الإلهي، بعبارة تكررت 9 مرات في أصحاح 39 من سفر الخروج، وهى: "كما أمر الرب موسى" (:5، 7، 21، 26، 21، 31، 32، 42، 43). أما في الأصحاح الختامي للسفر فيرد القول "ففعل موسى بحسب كل ما امره الرب، هكذا فعل" (خر 40: 16) ثم تكررت العبارة: "كما أمر الرب موسى" سبع مرات أخرى في ذات الأصحاح (خر 40 : 19، 21، 23، 25، 27، 29، 32). ودليل رضى الرب عن سير العمل أن: "غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ بهاء الرب المسكن، فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع لأن السحابة حلت عليها وبهاء الرب ملأ المسكن" (خر34:40، 35)، هكذا ينبغي أن يسير عمل الله، بطريقة الله وخطته التى اعلنها لشعبه، سواء في العهد القديم أو في العهد الجديد، فليس هناك مجال لفكر الانسان وعبثه. فما هو الحال بالنسبة لأمور الكنيسة تُرى؟ ألا توجد تعليمات دقيقة محددة لكل ما يجب أن يتم في عمل الله، دون خلط أو تحريف أولَيّ لكلمة الله لتطويعها حسب تصورنا؟ "لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتكذَّب" (أم 6:30). هذا، ولا يفوتني أن أشير إلى أن كل حق كتابي، وكل تعليم صحيح، وكل ممارسة واجبة، ينبغي أن:
وهذا ما ينطبق تماماً على موضوع بحثنا: "المعمودية". لقـد أوصـى بها الرب جملة وتفصيلاً، ووضع ترتيب ممارستها، في قوله: "... تلمذوا ... وعمدوهم .. وعلّموهم .." (مت 19:28، 20)، "اكرزوا .. من آمن واعتمد خلص" (مر 15:16، 16)، ومارس الرسل هذه الفريضة في سفر الأعمال بنفس الترتيب كما أوصاهم الرب تماماً، وكتب عنها الرسل بالوحي*. فما هو دورنا الآن، إلاّ أن نتمسك بما قاله الرب: أن"نكرز" و"نتلمذ"، ثم "نعمّد"؟! وهكذا يرضى الرب عن خدمتنا ويُسّر قلبه، فإنه قال: "هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب؟ هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش، لأن التمرد كخطية العرافة، والعناد كالوثن والترافيم" (1صم22:15،23).
توفيق مكاري
|