لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية

كنيسة الله الحي

قال المسيح الحي: الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية

خادم الرب د. ك. كامبل
منشورات بيت عنيا

ثالثاً – الكنيسة عروس المسيح

      نأتي الآن إلى الصورة الثالثة من صور الكنيسة في الكتاب المقدس. هذه الصورة نجدها في أفسس 5: 21 – 32 حيث يرينا بولس الكنيسة كعروس للمسيح وأن طبيعة هذه العلاقة الوثيقة بين المسيح وكنيسته هي المثال والنموذج لتلك العلاقة المباركة بين الأزواج والزوجات. هناك نقرأ من العدد 25 "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح أيضاً الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهراً إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب. كذلك يجب على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسادهم. من يحب امرأته يحب نفسه. فإنه لم يبغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه كما الرب أيضاً للكنيسة. لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً. هذا السر عظيم ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة".

تعاطف وتوافق وترابط

      في هذه الصورة كالعروس نرى الكنيسة موضوع مشغولية عواطف المسيح الحميمة والرقيقة، أنها موضوع رعايته الحانية المترفقة ومحبته العطوفة، كما يحب الزوج المخلص امرأته ويرعاها. إنما هنا نجد السماوي هو المثال للأرضي. كذلك هذا المثال يوضح العلاقة الوثيقة جداً بين المسيح والكنيسة وهي أوثق علاقة ممكن أن تكون علاقة الزوج المخلص المحب بزوجته المحبوبة. كما يوضح مستقبل الكنيسة في علاقتها الوثيقة مع المسيح في مجيئه بالمجد والسلطان. كما كانت حواء شريكة آدم في مركز الرئاسة والسيادة على كل الخليقة. وهذا ما سنوضحه فيما بعد من دراسة فصول كتابية أخرى. فكنيسة الله الحي إذن هي عروس المسيح التي أحبها محبة لا نهائية واشتراها لنفسه بدمه الكريم الذي بذله لفدائها من الخطية والهلاك. هذا هو ما فعله لأجلها في الماضي لكي يحضرها لنفسه كموضوع محبته العميقة ولكي تشاركه مجده وسلطانه في يوم عتيد.

      في الوقت الحاضر تتعهدها هذه المحبة القوية.تقوتها وتربيها، تقدسها وتطهرها بغسل الماء بالكلمة ي بتطبيق قوة كلمة الله الوثيقة بشخصه الكريم في كل مجده وسلطانه. وفي المستقبل ستستعلن محبته للكنيسة في إحضارها لنفسه عروسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن وستكون إلى الأبد معه كعريسها الحبيب. وكما قال واحد "(هو الرب القادر أن يحضرها لنفسه كمصدر وجودها حتى تتناسب مع عريس مثله وتتجاوب مع المجد هناك).

      هذا هو نصيب الكنيسة المبارك في صفتها كعروس المسيح. والمحبة التي ينبغي أن يتمتع بها ويمارسها كل عضو في هذه العروس هي نفس المحبة التي بها يحبنا عريسنا الآن في ليل هذا العالم – فليت قلوبنا تستريح وتهدأ في هذه المحبة.

عواطفنا وإخلاصنا للعريس

      ونحن بينما نستمتع بمحبته الحلوة ينبغي أن تخرج إليه عواطفنا المشتاقة إليه خارج هذا المشهد الذي رفضه – نخرج إليه بأشواقنا وآمالنا في إخلاص وأمانة مدة غيابه عنا متذكرين قول الرسول بولس للكورنثيين "قد خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2).

      ونحن كمسيحيين أصبحنا مخطوبين ليسوع المسيح، وعلينا أن نكون أمناء وصادقين من نحوه، ونحفظ أنفسنا كعذراء عفيفة لنفسه، وألا نتدنس بهذا العالم الذي صلبه. وأن لا نعطي قلوبنا لنظام العالم الذي يعمل فيه عدو عريسنا. واجبنا أن نوثق علاقتنا وشركتنا بهذا الحبيب خادمين إياه. وعائشين لأجله يملأنا فرح الرجاء بمجيئه إلينا وزفافنا إليه. هذه مسئولية موضوعة علينا وتحتمها علاقتنا الوثيقة به.

الخضوع

      وعلاوة على ما تقدم فإن الأعداد المقتبسة من أفسس 5 تذكرنا أن هذه العلاقة المباركة تتضمن فكرة الرئاسة والخضوع كما نرى في العلاقة الزوجية "المسيح رأس الكنيسة وهو مخلص الجسد ولكن كما تخضع الكنيسة للمسيح كذلك النساء لرجالهن في كل شيء" (أ ف 5: 23 ، 24). لقد تكلمنا عن المسيح رأس الكنيسة. وسنلمس خضوع الكنيسة كعروس الرب لرأسها.

      هذا الخضوع للمسيح مسئولية أخرى هامة تأتي نتيجة لامتيازنا المبارك كعروس المسيح. ومعناه أن نطيع كلمة المسيح هنا وأن لا نعمل إرادتنا، أو نتبع رغائبنا بل نتبع تعليماته كما أعطاها لنا في الكتاب. ينبغي أن لا نتصرف حسبما نراه موافقاً أو مقبولاً عندنا كأفراد أو كجماعة بل ينبغي أن نبحث الكلمة ونفتش الكتب لمعرفة فكر المسيح وللسير على هداه خضوعاً وطاعة لرأسنا الكريم. ومن هنا يتضح أن الكنيسة لا تضع تعاليم ولا تسن قواعد وشرائع.. الخ. بل إن مركز الكنيسة أن تخضع لكل القواعد ولكل المبادئ ولكل التعاليم التي وضعها الرب ووضحها في كلمته. لأن الرب يعلّم ويكرز بالمواهب التي أعطاها للكنيسة تحت قيادة وإرشاد الروح القدس وبقوته عندما يستحضر كلمته. إن مركز الكنيسة أن تخضع لكلمة المسيح وألا تأخذ مكان المعلّم والمدبّر، كما تفعل كنيسة روما وغيرها.

      ولو أن الكنيسة لم تنس ذلك ولم تغمض عينيها عن دعوتها العليا كعروس للمسيح لاختلف الأمر تماماً عما نراه اليوم. لما كانت انقسمت هكذا إلى طوائف مختلفة وجماعات متباينة في نظمها وتعاليمها. لأنه لو كان الكل في خضوع للمسيح لوجدوا في كلمته وحدة الفكر أي فكر المسيح وعرفوا طريقه من نحو كنيسته. إن الروح كان سيعلم كل منا ذات الشيء، وكل مؤمن طائع سيوجد سائراً في ذات طريق إرادته. وعندئذ سيوحّد الجميع معاً في ذات وحدانية الروح المباركة كعروس المسيح الخاضعة.

      كم هو أمر مبارك هذا الأمر! ويالعظم الشهادة التي يمكن للكنيسة أن تشهد بها عندئذ للمسيح أمام هذا العالم ! وهكذا كانت الكنيسة في بداية تاريخها. وكم عليها أن تسير كذلك الآن إذا كان الجميع يخضعون للمسيح كرأسهم ويعرفونه حقيقة أنه عريسهم. إذن السبب في كل الانقسامات وفي كل التشويش بين شعب الله في الوقت الحاضر هو أن الكنيسة لم تكن وليست الآن في تمام الخضوع للمسيح. لقد نشطت إرادة الإنسان فدب الخراب من حولنا.

      لكن رغم أن الكنيسة فشلت كجماعة في الخضوع للمسيح فإنه لم يزل هذا الخضوع لائقاً بكل مؤمن فرد ولم تزل الضرورة موضوعة على قلب كل مؤمن أن يخضع للمسيح ولإرادته ولكلمته. وكلام الرب في خطاباته السبعة للكنائس التي في آسيا وهي الخطابات التي تصور تاريخ الكنيسة نبوياً كما تصور الانحراف عن كلمته، نقرأ في نهاية كل خطاب هذه العبارة: "من له أذن فليسمع (بصيغة المفرد)" (رؤ 2:7 و 11و17 و29). فليت كل قارئ يسمع ويطيع ويسلك بالانفصال عن كل ما لا يتفق مع كلمة الله وبالخضوع لشخصه الجليل المبارك.

رجاء العروس ومصيرها

      بعد أن تأملنا في مركز العروس الذي تحتله في عواطفه وروابطها واندماجها به، ومسئوليتها في الأمانة والخضوع للمسيح، حيث أن الكنيسة الحقيقية هم المؤمنون المولودون ثانية وهم عروسه. نتأمل الآن قليلاً في رجاء هذه العروس ومصيرها المستقبل. فإنه من طبيعة العلاقة الكائنة بين العروس والعريس نستشف بوضوح أن رجاء الكنيسة وغاية مرادها أن تدخل مع عريسها على خباء الزواج به وأن تبقى إلى جابه ومعه إلى أبد الآبدين. نعم فإن الإتحاد بالمسيح ومشاركته كل مجده هو رجاء الكنيسة الأوحد ومصيرها الذي لا ترنو إلى شيء سواه.

      هذا ما تصوره أيضاً الأعداد التي اقتبست من أفسس 5 حيث يقال أن المسيح سيحضر هذه العروس نفسه "كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك"، وهذا ما سيتحقق في يوم الزفاف. وهذه هي الوحدة العرسية التي تتوقعها عروس يسوع بشوق وحنين.

      يومئذ سوف تراه كما هو وستكون مثله بلا عيب وطاهره (1 يو 3: 2، 3). ولا شيء غير هذا يشبع عاطفة الزوجية التي يجب أن تملك على قلب العروس.

      هذا الرجاء المبارك قد وُعدت به الكنيسة من فم يسوع نفسه في تلك العبارات المعروفة والجميلة الواردة في يوحنا 14: 2، 3 هناك يقول لها إنه سوف يمضي ليعد لها مكاناً في بيت أبيه وإنه يأتي أيضاً ويأخذها لنفسه حتى حيث يكون هو تكون هي أيضاً. هذا ما وعد به العريس عروسه وفيه أعلن أن رغبة قلبه هي أنه حيث يكون هو تكون هي أيضاً.

أيضاً هذه الرغبة العارمة في قلب العريس من نحو عروسه معبرة عنها بأسلوب رقيق ومؤثر في صلاة رئيس الكهنة التي رفعها رئيس الكهنة العظيم إلى الآب والمسجلة في يوحنا 17: 24. هناك يصلي ويقول "أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني". هذا هو غرض الرب وهدفه – إذا جاز التعبير – من نحو كنيسته أن تكون معه في مجده. وهذا هو ما ينبغي أن يكون الغرض والهدف الذي يستحوذ على قلب العروس.

      إن الكنيسة سماوية الأصل، مولودة من فوق ومتحدة بالمسيح رأسها في المجد. وينبغي أن تكون صفاتها سماويه في مدة سياحتها على الأرض. "حياتها مستترة مع المسيح في الله" (كو 3: 3)، ومستقبلها ومصيرها أن تزف إلى المسيح عريسها في السماء لتشاركه مجده إلى الأبد. وجميع المواعيد للكنيسة سماوية بينما كل المواعيد للشعب الأرضي أرضية. من أجل ذلك ينبغي أن لا نخلط بين هذين الشعبين.

      فإذا كان الأمر كذلك يصبح واضحاً أن ما يقوله البعض من أن غرض الكنيسة وهدفها النهائي هو أن تحسن أحوال العالم من حولها وأن تقود العالم إلى المسيح هو قول مغلوط وفكر خاطئ غير كتابي.

      إن إرسالية الكنيسة ومهمتها هي بكل تأكيد تقديم المسيح وإعلانه للعالم وإذاعة الإنجيل للهالكين والخطاة. لكن توقع وتحسين العالم كله وتجديده لا نجد له دليلاً في الكتاب، بل على العكس فالكلمة تعلن صراحة أن "الناس الأشرار والمزورين سيتقدمون إلى أردأ مُضِلين ومُضَلين" (2 تي 3: 13) وأن الله سيتداخل بالقضاء لكي يضع حداً لشر الإنسان. إذن فرجاء الكنيسة وأملها هو أن تختطف إلى السماء لتكون معه له المجد كما يتضح ذلك في 1 تسالونيكي 4: 13 – 18 وليس تحسين العالم أو تجديده.

      والآن نعود لنلقي نظرة على فصول كتابية من سفر الرؤيا تكشف أمامنا مزيداً من صورة مستقبل الكنيسة في اتحادها وارتباطها بالمسيح، إنه بلا شك يتم اختطاف الكنيسة في بداية الإصحاح الرابع من سفر الرؤيا - هذا من جهة زمان الاختطاف، ونراها تحتل مكانها في الجماعة المفدية الساجدة في أصحاحي 4، 5 كما يمثلهم الأربعة والعشرون شيخاً. وخلال الفترة التي فيها ينصب غضب الله على المسيحية المرتدة وعلى العالم الشرير كما ينبئ عن ذلك الأصحاحات من السادس إلى التاسع عشر نجد الكنيسة – جماعة المؤمنين الحقيقيين سالمة في المجد مع مخلصها المحبوب.

      ثم في الأصحاح التاسع عشر نقرأ عن عروس الخروف "لنفرح ونتهلل ونعطه الجد لأن عرس الخروف قد جاء وامرأته هيأت نفسها وأُعطيت أن تلبس بزاً نقياً بهياً لأن البز هو تبررات القديسين ..." (ص 19: 7 – 8) – لأن الكنيسة الاسمية المرتدة – العروس المزيفة – قد دينت في الأصحاح السابع عشر والآن هيأت العروس الحقيقية نفسها، هذه الحادثة المجيدة لزفاف. المسيح بكنيسته المشتراه بالدم تأخذ مجراها، وبعد ذلك ينزل الرب وعروسه إلى الأرض لدينونة الأمم الأحياء ويملك معها على كل الأرض (19: 11 – 20: 6).

      وفي رؤيا 21: 6 – 27 نجد وصفاً دقيقاً للعروس امرأة الخروف في كل مجدها "كجبل عظيم عال" وكالمدينة العظيمة، أورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله. لها مجد الله، ولمعانها شبه أكرم حجر كحجر يشب بلوري، الخ .." (الرجا من القارئ قراءة هذه الأعداد جميعها)، وحينئذ ستكون هي العاصمة السماوية للملكوت الأرضي وهي ستملك مع الرب يسوع المسيح ألف سنه.

       وفي رؤيا 21: 1 – 8 نقرأ وصف المنظر الأبدي والحالة الأبدية بعد الألف سنة وبعد أن تكون السماء الأولى والأرض الأولى قد مضتا. وستكون هناك سماء جديدة وأرضاً جديدة. هنالك نقرأ "وأنا يوحنا رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها. وسمعت صوتاً عظيماً من السماء قائلاً هوذا مسكن الله (هاهو) مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعباً، الخ ...".

      هذا هو المستقبل البدي للكنيسة عروس المسيح. هي نفس المدينة المقدسة قاعدة الملكوت الألفي، كعروس مزينة لرجلها ومسكن الله الأبدي . فياله من مستقبل مجيد ذلك الذي ينتظر "كنيسة الله الحي". وياليت كل هذا يستحوذ على قلوبنا ويسبينا لتتعلق عواطفنا بعريسنا الغالي الذي ضمن لنا كل هذه البركة وضعه حياته لأجلنا على صليب الجلجثة.

تلخيص موجز

      في ختام الفصل الأول الذي عنوانه "ماهي كنيسة الله الحي" نريد أن نوجز ما سبق تفصيله في عبارات مختصرة تحدد الإجابة على هذا السؤال فنقول: إن الكنيسة لم تبدأ وجودها إلا يم الخمسين وإنها تتكون من مؤمنين حقيقيين مولودين من فوق معتمدين بالروح القدس إلى جسد واحد هو جسد المسيح ومقترنين به كرأسهم في السماء. هي جماعة مدعوين مفترزين عن العالم والله يراهم دائماً جسداً واحداً في كل أركان العالم رغم الانقسامات الكائنة بينهم.

      والكلمة تصورها لنا في ثلاث صور كجسد المسيح وكبيت الله وكعروس المسيح. فهي كجسد المسيح فيها أعضاء مخلفة كل له مسئولياته بإزاء الرأس في المكان الذي تعين له تحت قيادة إرشاد الروح القدس. وكبيت الله هي مسكن الله على الأرض ومسئولية عن حفظ نظام الله وترتيبه والقداسة تليق بها. وكعروس المسيح نصيبها وامتيازها أن تكون في تعاطف وخضوع و أمانة لعريسها تسعدها الشركة معه والالتصاق به وأملها ورجاؤها زفافها إليه في يوم عتيد.

      بهذا العرض الشامل أمامنا للكنيسة نستطيع الآن أن نتقدم خطوة أخرى لنتفهم طبيعة الكنيسة المحلية بعد أن نستعرض عطايا الكنيسة ومواهبها وخدماتها بصفة عامة.

آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص

حقوق النشر مفصلة في صفحة بيت الله الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.