جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 5، آية 11

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 5، آية 11

11-"رأسه ذهب إبريز. قصصه مسترسلة حالكة كالغراب".

بعد ان وصفت العروس حبيبها لبنات أورشليم وصفا عاما تعود فتصفه بأكثر تفصيل وتدقيق، فأنها وهي مقوده بروح الله قد وجدت بهجتها وشعبها في ان تتأمل فضائله المتنوعة وأمجاده المختلفة متخذة في ذلك تشابيه بشرية، وهنا يجب علينا ونحن مقبلون على أقداس إلهية ان نتأمل خشوع وورع في كمالات ملك صهيون المجيد عالمين ان المكان الذي نحن واقفون عليه هو أرض مقدسة.

لما كان العريس يحصي (في ص4) صفات عروسه الجميلة في عينيه أحصى لها سبع نواح لذلك الجمال، وها هي تصوره _ له المجد _ فتذكر عشر خصال لحبيبها مبتدئة من الرأس، فهيا نتأمل في كل واحدة منها:

*     *     *

( 1 ) "رأسه ذهب إبريز" يا لها من بركة لنفوسنا ان نعرف ما ذخر لنا في رأس الإنسان المبارك من كنوز غنية، هذا الإنسان الوحيد الذي له الإدراك الكامل لكل ما في فكر الله وقلبه. نعم ان هذا الشخص الإلهي _ الذي هو الله منذ الأزل وإلى الأبد، والذي صار إنسانا _ هو وحده دون سواه صاحب العقل الكامل والإدراك الكلي لأفكار الله من نحو الإنسان، وقد كانت أفكار الله ومشوراته هذه من نحو الإنسان مستورة وغير مدركة ولكنها أعلنت في نور كامل في المسيح وبواسطته "الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر"(يو1: 18). شكرا لله فان مشورات النعمة الإلهية التي كانت مستورة وخفية صارت معلنة لنا بواسطة ربنا يسوع المسيح "الرأس"، وان بركة وغبطة نفوسنا هي في ان "نتمسك بالرأس الذي منه كل الجسد. . . ينمو نموا من الله"(1كو2: 19) وعندما يكون للمسيح مكانه "كالرأس" لا يكون هناك مزيج من الأفكار البشرية، بل بالحري "الذهب الإبريز" الذي ليس فيه أي زغل، وان الفرح الروحي الكامل ونغمات التسبيح والهتاف المقدسة وكل ما يمجد الله يتوقف على تمسكنا بالمسيح "الرأس".

ان المدينة السماوية هي "ذهب نقي"(رؤ20: 18) وذلك لأنها تستمد غناها ومجدها وجمالها من المسيح نفسه، ولا يمكن ان يكون في الكنيسة في الزمان الحاضر أي شيء جميل ومن الله إلا ما كان مصدره المسيح، فان أفكار المسيح هي المقياس الصحيح لكل شيء، ونشكر الله لان أفكاره لا يعتريها أي نقص أو يطرأ عليها أي ذبول.

*     *     *

ويشير الذهب في كلمة الله إلى البر الإلهي في علاقته بالمسيح، كما يشير الإبريز (أي الذهب الفائق في نقاوته) إلى لاهوت ربنا ومخلصنا له المجد ( * ) .

وقد يشار أيضا بالذهب إلى العظمة والجلال، كما أوضح دانيال لنبو خذ نصر  "أنت هذا الرأس من ذهب"(دا2: 38).

*     *     *

( 2 )"قصصه مسترسلة حالكة كالغراب" ان ربنا الحبيب ليس عنده تغيير ولا ظل دوران، فرأسه يحمل على الدوام دليل الثبات الذي لا يشوبه أي ضعف أو انحلال فقصصه المسترسلة والحالكة (أي السوداء) ترينا فيه نشاط الشباب وقوته باستمرار، فهو ليس كأفرايم الذي "قد رش عليه الشيب وهو لا يعرف"(هو7: 9) أما رب أفرايم وسيده فلا تتطاول عليه علامات الانحلال مطلقا "يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد"(عب13: 8) فالسنون والأجيال لا تؤثر عليه ولا يمكن ان يطرأ عليه ضعف الشيخوخة، فالذي كان "من البدء" سيدوم في نضارة غير متغيرة، وإذ ارتبطنا به صار لنا فيه "مجد أبدي" فليست علاقتنا الآن بذلك العهد الذي "عتق وشاخ"(عب8: 13) بل بالمسيح نفسه المكتوي عنه "أنت أنت وسنوك لن تفنى"(عب1: 12) فالدوام وعدم التغير هما في المسيح دون سواه، فهو "الألف والياء. الأول والآخر. البداية والنهاية"(رؤ22: 13).

ان مجد الله وبركة كل المفديين هما دائما وبدون تغيير في المسيح "الرأس" وكما أنه _ له المجد _ في نضارة دائمة، فان للقديسين ان يتمتعوا بنعمته بنضارة روحية دائمة وذلك باتصالهم والتصاقهم بالمسيح رأسهم.

ان ربنا المبارك الماشي في وسط المناير الذهبية رآه يوحنا وإذا "رأسه وشعره أبيضان كالصوف الأبيض كالثلج"(رؤ1: 14) فهو هناك في جلال فائق "كالقديم الأيام" الذي "مخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل"(مي5: 2) أنه هناك كمن يجري القضاء في وسط الكنائس، أما هنا فأنه أمامنا في صورة أخرى تختلف عن تلك كل الاختلاف، فهو ليس هنا كمن يقضي بحسب طهارته وحكمته كالقديم الأيام، بل كالحبيب الذي تستطيع ان تجد فيه العروس كل ما يستريح له قلبها وتبتهج به عواطفها.

*     *     *

وان كنا نرى في "ذهب الإبريز" إشارة إلى لاهوت سيدنا المعبود، فأننا نرى في القصص المسترسلة إشارة إلى ناسوته القدوس، وليس ألذ لقلب المؤمن من الإيمان باتحاد ناسوت ربنا المبارك بلاهوته السرمدي، فيسوع _ ابن الإنسان القدوس _ هو الكائن على الكل إلها ( * )  مباركا إلى الأبد. آمين.

*     *     *

كما ان في قصص الحبيب المسترسلة إشارة إلى ربنا يسوع المسيح هو النذير الحقيقي الذي لم يدنس عهد انتذاره (أي تكريسه) لله لحظة واحدة (عدد6: 5) لقد كان شمشون نذيرا لله من بطن أمه ولكنه لم يستطع ان يحفظ سر انتذاره. أنه لم يحتفظ بقصصه مسترسلة إلى النهاية، أما ربنا يسوع المسيح فهو النذير الحقيقي الوحيد الذي لم يطلب مجد نفسه مع أنه صاحب المجد والعظمة والجلال، وله السلطان على الخليقة بأسرها لان الكل به وله وقد خلق. لاسمه المعبود كل المجد.

*     *     *


( * )  كان الذهب النقي المستعمل في بعض أجزاء خيمة الاجتماع رمزا للاهوت ربنا يسوع، فتابوت العهد مثلا كان مصنوعا من خشب السنط رمزا لناسوت المسيح ومغشى من الداخل والخارج بذهب نقي رمزا للاهوته. . . وهكذا.

( * )  أو الله المبارك Who is over all , Cod blessed