جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 4، آية 9

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 4، آية 9

9-"قد سبيت قلبي يا أختي العروس قد سبيت قلبي بإحدى عينيك بقلادة واحدة من عنقك".

هنا يخاطب الرب خاصته بلقب جديد، فقد كان يدعوها قبلا "يا حبيبتي" أو "يا عروستي" أما الآن فأنه يدعوها "أختي" و"يا عروس" أو "يا عروسي" وهذا اللقبان نجدهما فقط في هذا الإصحاح وفي الإصحاح الذي يليه، والرب يبين هنا ان له بخاصته علاقتين، فهو ليس عريسا فقط، بل قد صار أخا لخاصته، لأنه "إذ تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما"(عب2: 14) أنه تبارك اسمه "البكر بين أخوة كثيرين" لان "المقدس والمقدسين جميعهم من واحد فلهذا السبب لا يستحي ان يدعوهم أخوة قائلا أخبر باسمك أخوتي"(عب2: 11، 12) والرب بعد قيامته من بين الأموات يعلن على التو تلك العلاقة المباركة في حديثه مع المجدلية "أذهبي إلى أخوتي وقولي لهم أني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم"(يو20: 17).

*     *     * 

ومهما تكن سامية وجذابة تلك المناظر الخلابة في "رأس أمانة وشنير وحرمون" التي رأينا لمحة منها في العدد السابق، ومهما تكن مبهجة مشاهد تلك الجبال النضرة بحقولها وأزهارها، ومهما تكن غنية بالعطر والرياحين تلك الجبال جبال الأطياب فأنها لا تستطيع ان تستطيع ان تشغل فكر العريس أو تلهيه عن عروسه وعن إبداء إعجابه بها، فهو يرى فيها ما لا يستطيع ان يراه في غيرها، وماذا كانت مباهج الجنة في نظر آدم الأول بالمقابلة مع سروره الذي وجده في حواء؟ لقد كانت هي لا الخليقة _ قطعة من ذاته، فأنه إذ وقع عليه سبات عميق تكونت عروسه من جنبه، وإذ استيقظ من سباته ووجدها إلى جانبه _ تلك التي أعدها له الرب الإله في صلاحه قال على الفور "هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي"(تل2: 23) وعندئذ ملئ الفراغ، إذ لم يكن إلى ذلك الوقت قد وجد في خليقة الله الحسنة جدا ما يوافق رغبة قلبه.

*     *     *

على ان ما كان رمزيا بالنسبة للإنسان الأول صار حقيقة معلنة بالنسبة للإنسان الثاني "آدم الأخير"، فقد وقع عليه السبات العميق الصحيح _ سبات الموت، وكثمرة جنبه المطعون تكونت حواء ثانية _ كلها جميل في عينيه ولا عيب فيها _ حواء أخرى، الكنيسة التي هي جسده والتي ستقاسمه عما قريب أفراحه وسيادته في الخليقة الجديدة المفدية، وهناك في وسط أمجادها الكثيرة ستعكس حبه الذي كان أقوى من الموت. أنعجب أذن حينما نلمح على محياه البهجة والمسرة لكونها على شبهه تبارك اسمه؟ ان قوة الله وقدرته تستطيع ان تخلق عالما، أما المحبة الإلهية فهي وحدها التي تستطيع عن طريق الألم والموت ان تفدي الخطاة الهالكين وتخلع عليهم جملا مقدسا يكون لمسرة وشبع قلب الرب، فلا عجب أذن ان كان العريس يقول لعروسه "قد سبيت قلبي يا أختي العروس قد سبيت قلبي" يا لها من حقيقة تأسر وتسبي عواطف القديس المختون الأذن والقلب، إذ من هذا الذي يسبي قلب المسيح الكبير؟ أنه الخاطئ الذي خلصته النعمة. نعم يسبيه شخص اغتسل في دمه الكريم وازدان بفضائله الفائقة، لان ان كان _تبارك اسمه _ قد دفع هذا الثمن العظيم، وهو حياته الغالية التي بذلها لأجل عروسه لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة فكيف لا تكون محبوبة لقلبه محبة تفوق كل قياس؟ وان كان الثمن الذي دفع فيها لا يقدر فقيمتها كذلك لا تقدر، لاسمه المعبود كل السجود، فأنه هو الإنسان الفريد الذي مضى وباع كل ما كان له واشترى اللؤلؤة الواحدة الكثيرة الثمن (مت13: 44-46) فهل نعجب إذا ان كان له المجد يقول لها "قد سبيت قلبي"؟ أنه _ "يشتهي حسنها"(مز45: 11) وعما قريب سيراها في المجد "كعروس مزينة لرجلها"(رؤ21: 2).

*     *     *

ان ربنا يسوع لا يجد راحته أو شبعه سروره في هذا العالم الملطخ بالأثم والملوث بالدنس، والذي يحمل طابع الحية القديمة والخليقة الساقطة التي لا مكان لله في قلبها ولا علاقة لها به ولا تقدير عندما للمسيح ولمحبته، ولكن في وسط هذا المشهد الخرب يرى المسيح في قديسيه صفات وسجايا هي ثمرة عمل النعمة الإلهية، وهذه الصفات الروحية الأدبية هي جميلة في عينيه وتسبي قلبه، وقد كانت بيت عنيا صورة عملية توضح هذه الحقيقة، فهناك استطاع الرب يسوع ان يجد راحته وسروره "وكان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر"(يو11: 5).

لقد دخل الرب يسوع أورشليم والهيكل ولكنه لم يجد في أورشليم التي هي مدينته ولا في الهيكل الذي هو بيته من يقبله أو يرحب به "وإذ كان الوقت قد أمسى خرج إلى بيت عنيا"(م11: 11) فهناك في بيت عنيا كان الله قد عمل بنعمته في تلك العائلة فامتلأت قلوبهم بالمحبة والتقدير للمسيح كما ان قلب المسيح تعلق بهم وامتلأ محبة وتقديرا لهم.

*     *     *

يخاطب الرب عروسه قائلا أنك سبيت قلبي "بإحدى عينيك بقلادة واحدة من عنقك" قد تكون الإشارة هنا إلى كل فضيلة أو نعمة في المؤمن، وكل زينة روحية فيه، أو مسرة الرب بكل مؤمن بمفرده أو بشعبه كجماعة، فأننا محبوبون أفرادا وجماعة ومخلصون أفرادا وجماعة، وممجدون أفرادا وجماعة "أحبني وأسلم نفسه لأجلي" و "أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها".

ثم أننا نرى في إشارة الرب هنا إلى عين العروس "إحدى عينيك" كيف أنه يقدر كل التقدير ما يراه فينا من التمييز والإدراك أو بالحري البصيرة الروحية الثاقبة أي أننا نرى كل الأشياء بحسب الفكر الإلهي، كما ان في قول الرب "قلادة واحدة من عنقك" إشارة إلى خضوع قلوبنا لكلمة الله، فسليمان يخاطب كل "ابن" قائلا بان تأديب الآب وشريعة الأم هما "قلائد لعنقك"(أم1: 8و9) ففي كلمات العريس إشارة إلى التعليم الإلهي الذي يجب ان يهيمن على كياننا وعندئذ يجد الرب سروره فينا ويبدي إعجاب محبته بنا "بإحدى عينيك بقلادة واحدة من عنقك".

*     *     *