جميع الحقوق محفوظة © 1998-2005 لموقع بيت الله.كوم راجع اتفاقية استخدام الموقع.

الصفحة الرئيسية : تفاسير : نشيد الأنشاد : ص 2، آية 8

خمائل الطيب: تفسير نشيد الأنشاد

ص 2، آية 8

8-"صوت حبيبي. هوذا آت طافرا على الجبال قافزا على التلال"

ان ما يميز خراف المسيح عمن ليسوا من خرافه هو أنها "تعرف صوته"(يو10: 4) "خرافي تسمع صوتي وأنا اعرفها فتتبعني"(يو10: 27) "وأما الغريب فلا تتبعه بل تهرب منه لأنها لا تعرف صوت الغرباء"(يو10: 5) ومع ان العريس لم يكن قد أتى بعد ليأخذ عروسه إليه، ولكن العروس في شركتها المقدسة معه إذ تسمع صوته يمتلئ قلبها "فرحا من أجل صوت العريس" فتهتف على الفور "صوت حبيبي". حقا ما أغبط النفس التي تجلس عند قدمي العريس المبارك "لتسمع كلامه".

عندما أظهر الرب المقام ذاته لمريم المجدلية التي كانت واقفة عند القبر تبكي وقال لها "يا مريم" عرفته وعرفت صوته وقالت له "ربوني"، وكذلك عندما أظهر ذاته لبعض تلاميذه عند بحر طبرية، وتحث إليهم، قال يوحنا _ "التلميذ الذي كان يسوع يحبه" والذي كانت له شركة خاصة معه "هو الرب"(يو20و21) ما أحوجنا حقا إلى شركة أعمق معه حتى تكون لنا "الحواس مدربة" على الإصغاء إلى صوت الحبيب، فأنه بقدر ما تزداد شركة خاصته معه ومحبتها له بحيث تستطيع ان تقول بحق "حبيبي" بقدر ما تجد سرورها وغبطتها في سماع صوته الحلو.

*     *      *

"هوذا آت" ومع ان العريس لم يأت بعد كما سلفت الإشارة إلا ان قلب العروس قد امتلأ شوقا إليه، وحنينا إلى لقائه، ويقينا بان مجيئه أصبح قريبا جدا. هذا الحنين وهذا اليقين هما بعمل الروح القدس الساكن فينا "الروح القدس يقولان تعال" وهو له المجد يجيب على حنين القلوب المشتاقة إليه "أنا أصل وذرية داود. كوكب الصبح المنير. . . أنا آتي سريعا"(رؤ22: 16-20) "لأنه بعد قليل جدا سيأتي الآتي ولا يبطيء"(عب10: 37) ولا يمكن ان يتباطأ الرب عن وعده، وان كان قد مضى ما يقرب من ألفي سنة من وقت ان وعد الرب "أنا آتي سريعا" ولكن لا يفوتنا ان يوما واحدا عند الرب كألف سنة وألف سنة كيوم واحد" فكان مدة غيابه في السماء هي عنده كيومين فقط، ومتى نظرنا إلى المدة بين ارتفاعه إلى السماء ورجوعه ثانية في نور الأبدية تبدو أمامنا تلك المدة فترة قصيرة حقا.

على أنه لم يمر على الكنيسة في كل أجيالها الماضية وقت فيه سمع صوت الحبيب الآتي لأخذ قديسيه إليه مثل الوقت الذي نعيش فيه، ومع ان الرب لم يعط كنيسته أية علامة تتم قبيل مجيئه لأخذها إليه، وذلك لكي خاصته في كل الأزمان في حالة الصحو والسهر والانتظار المستمر لمجيئه من السماء، غير أنه له المجد أعطى علامات عديدة تسبق ظهوره مع قديسيه لإقامة ملكه المجيد وذلك لتعزية وتشجيع البقية في آلامها، وغني عن البيان ان مجيئه ككوكب الصبح المنير لاختطاف الكنيسة يسبق ظهوره كشمس البر لإقامة الملكوت بمدة سبع سنسن على الأقل (الأسبوع الأخير من أسابيع دانيال. دا9: 27). فإذا أمعنا النظر في أقوال الرب النبوية الصريحة (مت24: 3-44) الخاصة بمجيئه وانقضاء الدهر، والحوادث التي ستتم على الأرض قبل مجيئه وظهوره لإقامة ملكوته، ولا سيما الخاصة برجوع شعبه الأرضي المعبر عنه "بشجرة التين" _ الأمور التي نرى بعيوننا ونسمع بآذاننا بوادر إتمامها، يتبين لنا بوضوح ان "اليوم يقرب"(عب10: 25) وإذا كان ذلك "اليوم" أعني يوم ظهوره أصبح قريبا فكم بالأحرى يكون وقت مجيئه لاختطاف الكنيسة أكثر قربا.

وإذا أمعنا النظر أيضا في أقوال الرسول بولس النبوية عن حالة المسيحيين بالاسم في الأيام الأخيرة والأزمنة الصعبة "لهم صورة التقوى" فقط (2تي3: 1-5) وفي خطاب الرب إلى ملاك كنيسة اللاودكيين _ هذا الخطاب الذي يصور حالة المسيحية في آخر أدوارها يتبين لنا بكل جلاء أننا في اللحظات الأخيرة، والمؤمن الذي له أذن للسمع يستطيع ان يسمع صوت الحبيب من خلال الحوادث الجارية في العالم ويتحقق ان مجيئه قريب جدا "صوت حبيبي. هوذا آت".

*     *     *

وهناك فرق كبير بين شخص يعتقد بالتعليم الخاص بمجيء الرب، وبين مسيحي يعيش في أقداس الشركة معه والعلاقة الوثيقة به _ علاقة المحبة لعريس المبارك والشوق والحنين إلى رجوعه ورؤيته محياه المنير "كما هو"، ويحي في انتظار مستمر، ففي المساء يتوقع مجيء الرب قبل ان يشرق نور نهار جديد، وإذ آتى الصباح يتوقع مجيئه قبل ان تغرب شمس النهار. نعم ان هناك فرقا كبيرا وبونا شاسعا بين التأثير الذي ينشئه مجرد الاعتقاد لمجيء الرب في القلب، وبين ان يكون الرب الحبيب والعريس المبارك هو غرض القلب والوحيد فيكون لهج المؤمن مستمر ولغة قلبه قبل فمه "أمين. تعال أيها الرب يسوع".

*     *     *

وهذه بلا ريب ستكون لغة البقية التقية _ عروس المسيا الأرضية عندما ترجع إلى الرب، فان قلبها يمتلئ بالمحبة له والتعلق به فتغني قائلة "صوت حبيبي. هوذا آت" يا لها من نعمة غنية، فان ذلك المكان شهد يوما مع احتقاره ورفضه من ابنة صهيون _ المكان الذي من أجله ذرف دموعه، هذا المكان نفسه سوف تتجلى فيه محبة ابنة صهيون لعريسها ومحبته هو له عندما ستعلن مجد ملكه الألفي. ان سفر المزامير يصور أمامنا في مناسبات عديدة أشواق تلك البقية في أخر الأيام وحنينها إلى ظهور مسياها كمليكهم ومنقذهم. ان ذاك الذي تتغنى العروس بمجيئه "هوذا آت" هو بعينه المكتوب عنه "هوذا يأتي"(رؤ1: 7).

"طافرا على الجبال قافزا على التلال" ان مجيء العريس _ سواء لاختطاف الكنيسة _ عروسه السماوية، أو لإنقاذ عروسه الأرضية _ البقية المختارة وخلاصها من ضيقها والإتيان بها إلى الغبطة والبركة في ملكه الألفي المجيد، سيتميز بثلاثة أشياء: الفرح والسرعة والنصرة. نعم فأنه عندما تجيء تلك اللحظة التي فيها يقوم من على عرش أبيه لكي يلتقي بعروسه لتكون معه سيرى في ملء الفرح والابتهاج إذ ستراه العروس طافرا مثل الظبي المسرور بلقاء حبيبته (ع9) "لان الرب نفسه بهتاف (الفرح) بصوت رئيس ملائكته وبوق الله سوف ينـزل من السماء. . وهكذا نكون كل حين مع الرب"(1تس4: 16-18) وسيكون مجيئه مقترنا بالسرعة "طافرا (أي واثبا بسرعة) وقافزا" وهذا حق سواء من جهة مجيئه لأجل قديسيه، الأمر الذي يؤكده الرب نفسه مرارا عديدة "ها أنا آتي سريعا"(رؤ22: 7و12و20) أو مجيئه وظهوره مع قديسيه "لا يتباطئ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ"(2بط3: 9).

إذ قلبه المشتاق لا     يحتمل التأخير

يدعو إذا عروسه      لمجده المنير

كذلك سيكون مجيئه مقترنا بالنصرة والقوة، فهو سيعلو فوق كل الصعوبات التي تعترض طريقه إلى تسليم زمام الملك وبسط سلطانه على المسكونة بأسرها. أنه سيأتي "طافرا على الجبال وقافزا على التلال" إذا ماذا تحسب كل هذه أمام قوته، فهو _ له المجد سيرى "آتي على سحاب السماء بقوة ومجد كثير"(مت24: 30 ومر13: 26) عندئذ يتم القول "تقلد سيفك علة فخذك أيها الجبار جلالك وبهائك . وبجلاك أقتحم. اركب.. فتريك يمينك مخاوف. نبلك المسنونة في قلب أعداء الملك. شعوب تحتك يسقطون"(مز45: 3-5) فمهما تجمعت قوات الشر لتعترض إتمام جهة سيادة المسيح فهو له المجد سينتصر على الوحش والنبي الكذاب ويطرحوهما حيين في بحيرة النار (رؤ19: 20) وسينتصر على الشيطان _ الحية القديمة ويقيدها ويطرحها في الهاوية مدة ألف سنة بأكملها (رؤ20: 1-3) "كما أنه سينـزع من ملكوته جميع المعثرة وفاعلي الأثم حيث يطرحون في أتون النار"(رؤ19: 20، مت13: 41و42، 25: 41و46). أنه سيأتي "طافرا على الجبال قافزا على التلال".

*     *      *